وبركاته الحمد لله الذي جعل الدين مراتب ودرجات وسير للعلم به اصولا ومهمات. واشهد ان لا اله الا الله حقا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم. باسناد كل الى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابي قابوس مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء. ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين. في تلقينهم احكام الدين وترقيتهم في منازل اليقين. ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على مهمات العلم. باقراء الاصول يموتون وتبيين مقاصدها الكلية ومعانيها الاجمالية. ليستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم. ويجد فيه متوسطون ما يذكرهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم وهذا المجلس الثاني في شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في السنة العاشرة اربعين واربع مئة والف وهو كتاب تعظيم العلم لمعد البرنامج صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي. فقد انتهى بنا البيان الى قوله نعقد الثاني عشر. نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه اجمعين. قلتم وفقكم الله تعالى في مصنفكم تعظيم العلم. المعقد الثاني عشر انتخاب الصحبة الصالحة له. فالانسان مدني بالطبع واتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق. فيحتاج طالب العلم الى معاشرة غيره من الطلاب لتعينه هذه المعاشرة على تحصيل العلم والاجتهاد في طلبه. والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود. ولا يحسن بقاصد العلا الا انتخاب صحبته صالحة تعينه فان للخليل في خليله اثرا. قال ابو داوود والترمذي والسياق لابي داوود حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابو عامر وابو داوود قال حدثنا زبير ابن محمد قال حدثني موسى ابن وردان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يقول الراغب الاصفهاني رحمه الله ليس اعداء الجليس لجليسه بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر اليه. لا تصحب الكسلان في حالات كم صالح بفساد اخر يفسد عدوى البريد الى الجليد سريعة كالجمر وضعف الرماد فيخمد. والجليد هو الجاد الحازم كما يختار للصحبة من يعاشر الفضيلة لا للمنفعة ولا للذة فان عقد المعاشرة يبرم على هذه المطالب الثلاثة الفضيلة والمنفعة واللذة كما ذكر شيخ شيوخنا محمد الخضر بن حسين في رسائل الاصلاح فانتخب صديق الفضيلة زميلا فانك تعرف به. قال ابن مسعود رضي الله عنه اعتبر الرجل بمن يصاحب فانما يصاحب الرجل من هو مثله. وانشد ابو الفتح البستي رحمه الله في نفسه اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجار الحسب فنذل الرجال كنذل النبات فلا للثمار ولا للحطب. يقول ابن مانع رحمه الله في ارشاد الطلاب وهو يوصي طالب العلم ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. وكان هذا عين قول يوسف رحمه الله اني لاحرم جلساء حديثا غريبا لموضع رجل واحد ثقيل فقد يحرم المتعلم العلم لاجل صاحبه فاحذر هذا الصنف وان بزي العلم فانه يفسدك من حيث لا تحس. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثاني عشر من معاقد تعظيم العلم وهو انتخاب الصحبة الصالحة فيه اي اختيار صفوة من الخلق يصحبون فيه اي اختيار صفوة من الخلق يصحبون فيه. فالانتخاب هو الاختيار والداعي الى اختيار تلك الصحبة ما ذكره بقوله الانسان مدني بالطبع اي لا يحصل له ادراك مصالحه العاجلة والاجلة الا بمعونة غيره من ابناء جنسه. فالناس مفطورون على طلب اعانة بعضهم بعضا في مطلوباتهم التي يريدون في التي يريدون في الدنيا والاخرة. واصله في القرآن قوله تعالى وجعلناكم وقبائل لتعارفوا اي ان الله سير الخلق على هذه الحال لتحصل بينهم المعرفة المحققة معونة بعضهم بعضا على مطالبهم التي يريدون. ثم ذكر ان اتخاذ الزميل ضرورة في نفوس الخلق. فالمرء مفتقر ضرورة في نفسه الى زميل يتخذه ويشاركه في مطلوبه ثم قال بعد والزمالة في العلم اذا سلمت من الغوائر نافعة في الوصول الى المقصود اي ان الرفقة في العلم اذا سلمت مما يفسدها فانها نافعة في ادراك العلم واحرازه. فالغوائل هي العوادي المفسدة فالمتآخون في العلم اذا صلحت اخوتهم فيه وخلت مما يفسدها كان ذلك من اعظم ما يعينهم على ادراك مطلوبهم ثم قال ولا يحسن بقاصد العلا اي المطالب العالية ومن جملتها العلم الا انتخاب ذو صحبة صالحة تعينه وعلله بقوله فان للخليل في الخليل اثرا اي ان للمرء المخالل اثر في من اتخذه خليلا فان الطبائع تسري بين الخلق. ثم ذكر اصلها هذا من السنة وهو حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه ابو داوود والترمذي واسناده حسن. فالرجل مجبول على الاتصاف بالصفات التي تكون في من يتخذه من الخلان. فالطبائع سراقة ولا سيما اذا كانت النفوس مؤتلفة فاذا اجتمع نفر من الخلق متآخين في مطلب من مطالبهم فان الطبائع التي بينهم تسري في افرادهم فتنتقل من هذا الى هذا. فامر العبد ان يحسن اتخاذ الخليل الذي يصطفيه في ادراك مطلوبه كي يكون المنقول له من الطبائع صفوة خيارا ثم ذكر من المنقول عن الاوائل ما يبين اثر الجليس في جليسه. ثم ذكر ان الاواصر التي تنعقد بها الصحبة ثلاثة مطالب لا رابعة لها. فان الناس يتصاحبون على واحد من تلك المطالب. فالمطلب الاول صحبة الفضيلة والمطلب الثاني صحبة المنفعة والمطلب الثالث صحبة اللذة فالناس يتصاحبون تارة لاجل فضيلة يتساعدون عليها ويتصاحبون تارة لاجل منفعة بينهم ويتصاحبون تارة اخرى لاجل لذة يجدونها في تلك الصحبة. والنافع من هذه الثلاثة هو عقد اصرة الصحبة على طلب الفضيلة. فان الفضائل قوي الخير في المتآخين فيها. فيحصل بينهم الاقبال عليها وتقوية نفوس بعضهم بعضا وتدوم هذه المودة بينهم بخلاف من عقد اصرة اخوته مع احد من الخلق لاجل منفعة او فانه اذا ادرك تلك المنفعة او حصل تلك اللذة صرعان ما ترك من كان يتخذه خليلا ثم قال فانتخب صديق الفضيلة زميلا فانك تعرف به اي تنسب اليه وذكر من المنقول عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال اعتبروا الرجل بمن يصاحب اي استدلوا على الرجل واعرفوه من يتخذه صاحبا اي استدلوا على الرجل واعرفوه بمن يتخذه صاحبا. قال فانما يصاحب الرجل فمن هو مثله اي ان الواحد من الخلق انما يتخذ له صاحبا من الناس بحسب ما يكون فيه فاذا كان فيه توحيد صحب اهلها التوحيد واذا كان فيه شرك صحب اهل الشرك ثم ذكر بيتين لابيه الفتح البسطي انه قال اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجار زكي الحسب. فندل الرجال كنذل نبات فلا للنار فلا للاستمار ولا للحطب والنجار هو الاصل. وهو بكسر النون وتفتح ايضا. فالعبد مأمور ان يتخير من اصحابه من يكون شريف النسب زكيا الحسب. لان الانساب مؤثرة في الطبائع. ذكره ابن الحفيد في اقتضاء الصراط المستقيم. فاذا انتخب المرء زكي النسب كان زكاة نسبه و علو حسبه حاملة لذلك الصاحب على حسن العمل وملاحظة الادب فينتفع بصحبته بخلاف ممن لا يبالي اي شيء وقع فيه. ثم ذكر كلام العلامة ابن مانع موصيا طلاب العلم وفيه قوله ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. فهؤلاء المذكورون ممن يزجر طالب العلم عن مصاحبة لان العلل التي ذكرت فيهم من الوقاحة والسفه والمجون وقلة الادب الى غير ذلك منها الحرمان وشقاوة الانسان. لان تلك الرذائل المشحونة في نفوسهم الى نفوس المصاحبين لهم. فمن صحب ماجنا فمآله المجون. ومن صحب سفيها فمآله السفه. وقل مثل ذلك في كل رديء يصاحب فان من صاحب اهل وصف ردي انتقل ذلك الوصف اليه فكان سبب وبواريه. ثم ذكر قول سفيان ابن عيينة رحمه الله اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب يعني الحديث الذي يستفاد لعلوه او محل معناه فان اسم الحديث الغريب يطلق في لسان اهل الحديث على معان من جملتها الحديث الذي يحرص على استفادته لاجل علو اسناده او جلالة معناه فيسمى غريبا باعتبار ما يقع منه من الفائدة في علو الاسناد او جلالة المعنى. فاخبر سفيان انه يحرم جلساءه الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل ان يمنعهم التحديث بهذا الحديث فلا يحدثهم ذلك الحديث الغريب لاجل ما يراه من موضع ثقيل اي من موضع رجل يصحبونه من الثقل قال فكره ان يجعل هذا الحديث عندهم لما رآه من مرافقتهم رجلا لا يصلح الصحبة في العلم فيحبس هذا العلم عنهم رجاء ان يجد له اهلا غير هؤلاء ممن لا يرعون حرمة العلم بعدم ملاحظة من يصحبون. ثم قال المصنف فقد يحرم المتعلم العلم لاجل صاحب به اي ان المرأة قد يحرم شيئا من العلم فيمنعه منه معلمه لاجل انه صحب في العلم رجلا لا يصلح له فلما رأى ذلك شيخه منه كره صحبته واراد تأديبه بمنع هذا العلم عنه. وهذا من طرائق الاشياخ في تأديب المتعلمين تأديبا لطيفا فانهم قد يحجبون عنهم شيئا من العلم كراهة شيء رأوه منهم. فالنبيه الفطن يتنبه الى هذه الحال التي وقعت منه فاوجبت حجب شيخه العلم عنه ويسارع الى ترك تلك الحال ويرعوي عنها فعند ذلك يفيض عليه شيخه بالعلم. نعم احسن الله اليكم قلتم وفقكم الله المعقد الثالث عشر بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرات به والسؤال عنه اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بلا له مذاكرة به وسؤال عنه. فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الالتفات اليه والاشتغال به. فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العالم فبالحفظ يقرر العلم في القلب وينبغي ان يكون جل همة الطالب مصروفا الى الحفظ والاعادة. كما يقول ابن الجوزي في صيد خاطره. ولم يزهن علماؤنا على ما يحبون مع للحفظ ويأمرون به. قال عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي ولكته بلساني. وسمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يقول حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم الا ما حواه الصدر. والمتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ. ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه. واذا وعلى من كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به. لقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. ومن عقل هذا المعنى لم يزل من الحفظ في ازدياد فلا ينقطع انه حتى الموت كما اتفق ذلك لابن مالك رحمه الله صاحب الالفية النحمية فانه حفظ في يوم موته خمسة شواهد وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس واقوى تعلقه بها والمراد بالمذاكرة مدارسة الاقران. وقد امرنا بتعاهد القرآن الذي هو ايسر العلوم. قال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف قال اخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل ان عاهد عليها امسكها وان اطلقها ذهبت. ورواه مسلم من حديث مالك به نحوه. قال ابن العبد البري رحمه الله في كتابه التمهيد عند هذا الحديث اذا كان القرآن الميسر للذكر كالابل المعقدة من تعاهدها امسكها فكيف بسائر العلوم؟ وكان الزهري رحمه الله يقول انما يذهب العلم النسيان كل مذاكرة وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه. قال الزهني رحمه الله انما هذا العلم خزائن وتفتتحها المسألة. وحسن المسألة نصف العلم والسؤالات مصنفة كمسائل احمد المروية عنه برهان جلي على عظيم منفعة السؤال. وقلة الاقبال على العالم بالسؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه فهذا سفيان الثوري يقدم عسقلنا فيمكث ثلاثا لا يسأله انسان عن شيء فيقول لرواد بن جراح احد اصحابه اكتر لي اخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه العلم فمن لقي شيخا فليغتنم لقائهم بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه. لا سؤال متعنت ممتحن. وهذه المعاني الثلاثة وهذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افاته. فالحفظ غرس العلم والمذاكرة هو السؤال عنه تنميته ذكر المصنف وفقه الله المعقل الثالث عشر من معاقد تعظيم العلم وهو بذل الجهد في تحفظ العلم مذاكرتي به والسؤال عنه ذاكرا ثلاثة اصول عظيمة في اخذ العلم. احدها تحفظ العلم اي حفظه ببذل تلفة. فهذا البناء في لسان العرب يراد به ما كان حاصلا بجهد ومشقة. فيقولون تعلم اذا طلب العلم وكابده وتحلم اذا التمس الحلم وجاهده. وثانيها مذاكرة اي مدارسته مع الاقران. اي مدارسته مع الاقران وثالثها السؤال عنه. اي عنه عند اهله. ثم افاض يبين هذه الاصول الثلاثة مستفتحا البيان بما يتعلق بالحفظ ذاكرا منفعته. اذ قال اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بلا حفظ ومذاكرة به وسؤال عنه فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الالتفات اليه والاشتغال به. ثم ذكر منفعة الحفظ فقال فبالحفظ يقرر العلم في القلب اي يكون ثابتا راسخا فيه فان طريق اقرار العلم في القلب ان يكون ملتمسه حافظا له. وذكر مما ذكر وفي مدحه قول عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة اي اسرعه حضورا في النفس اي اسرعه حضورا في النفس والنفع. قال ما وعيته بقلبي ولكته بلسان اي ما اتقنته وظبطته بقلبي وحركت لساني به. والمراد بذلك فان التحفظ يكون مبتدأه بتحريك اللسان به. حتى يستقر في القلب. ومن النافع في تحفظ العلم تقوية الة اللسان برفع الصوت به. فمن اراد ان يحفظ شيئا فانه صوته عند ارادة حفظه. فالصوت الرفيع لاجل الحفظ. والصوت الخفيظ اجل الفهم. فمن رام حفظ شيء رفع صوته به. ومن رام فهم شيء خفض صوته به وكرر كل منهما ما يريد حفظه او فهمه. وفي رفع الصوت عند التحفظ منفعة اجتماع التين احداهما الة العين بالنظر في المحفوظ والاخرى الة الاذن برفع الصوت بقراءته ثم وقوع ذلك الصوت في الاذن فيستقر العلم في القلب من طريق العين تارة ومن طريق الاذن تارة اخرى فيقوى الحفظ عند ذلك. واما الفهم فمن اراد ان تفهم شيئا فانه يعيده مرارا خافضا صوته. لان خفض الصوت اجمع للقلب فيكون اوعى ادراك ما يريد المرء فهمه. ثم ذكر قول ابن عثيمين رحمه الله حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا فالقراءة نافعة في زيادة العلم والحفظ نافع في رسوخ العلم وانما يبقى مع المرء ما رسخ في قلبه ثم ذكر بيت الخليل ابن احمد انه كان ينشد ليس بعلم ما حوى القمطر. ما العلم الا ما حواه الصدر والقمطر اسم وعاء تجعل فيه الكتب بمنزلة الحقيبة المعروفة عندنا والقمط وعاء تجعل فيه الكتب بمنزلة الحقيبة الموجودة عندنا فليس العلم ان تكون لك كتب تجعلها في وعاء كالقمطر او الحقيبة وانما العلم وان يكون ذلك في صدرك. ثم ذكر ان الملتمس العلمي لا ينبغي له ان يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه. وان واذا قدر على ما كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به فقد كان لا اتركوا كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا اذا قل. فان ادامة هذه الحال تقوي ملكة الحفظ فمن اتصل حفظه يوميا قوي حفظه فلا ينبغي ان ينقطع عن الحفظ لتبقى هذه الملكة في نفسه حتى يموت ودوام الرياضة بها يجعل القلب قويا عليها. ومن الظ بهذه الرياضة قد على الحفظ ولو شاخت سنه وتقدم عمره فان من راظى نفسه في مبتدأ عمره على واتصل عمله به ولو قل تبقى نفسه قادرة على الحفظ. ومن شواهد ذلك ما اتفق لابن مالك انه مع كبر سنه لما ازف به لما ازف عليه الموت وقرب منه حفظ في اليوم الذي مات فيه خمسة شواهد والمراد انه مع تقدم سنه كان قادرا على الحفظ. فالحفظ لا يمنع منه الا حال واحدة وهي ذهاب العقل فاذا ذهب العقل لم يستطع المرء الحفظ واما مع بقاء العقل فانه يقدر عليه مع مجاهدة ومكابدة. يخففها دوام الرياظة. بان كون ملتمس العلم حريصا على ان يحفظ شيئا من العلم كل يوم ولو قل اسوة بما كان يصنعه ابن الفرات وانما يحول بين ملتمس العلم والحفظ افتان عظيمتان احداهما ترك رياضة القلب في الحفظ ترك رياضة القلب في الحفظ فان القلب له قوة تزداد بتدريج المحفوظ فيها. فمن حفظ شيئا يسيرا ثم ادامه مدة قوي قلبه فقدر على عليه. واما من يهجم على الحفظ فيريد ان يكون حافظا مقصوده من العلم في يوم وليلة فهذا لا يدرك العلم فيكون ترك الرياضة في الحفظ من اسباب العجز عنه والانقطاع من دونه والاخرى استطالة الطريق والاستعجال فيه. استطالة الطريق والاستعجال فيه. فان من ملتمس العلم من اذا سمع منفعة الحفظ اراد ان يعجل فيه ورأى ان طول المدة لو انه جعل هذا المحفوظ منجما على ايام كثيرة يؤخره عن طلب العلم. فيقع في نفسه انه يحفظ مثلا المتن في يوم او يومين ثم يهجم على هذا المحفوظ متوهما انه يستطيع ذلك ويقدر عليه ليبقى. وقد يقع هذا لبعض الطلبة فان من الطلبة من تكون من يكون ذهنه قويا في قدر على الحفظ اذا هجم. لكنه لا يبقى معه هذا المحفوظ. فاذا اصبح لم يجد هذا المحفوظ ثابتا. ويرى انه لو قسم هذا المحفوظ في ايام طويلة انه يضعف وفي العلم ولا يدرك بغيته منه. فهذه الاستطالة للطريق وعدم الحرص على الترفق النفس من الافات التي تضعف المتعلمين في الحفظ. ومن بدائع ابن القيم قوله من استطال الطريق ضعف مشيه من استطال الطريق ضعف مشيوه اي ان من رأى الطريق طويلا فانه يضعف مشيه وطريق دفع هذه الافة ان ينظر المتعلم خاصة والعبد عامة الى ان طريقه له منازل اذا قطع منزلة منها انتقل الى غيرها واذا قطع منزلة منها انتقل الى غيرها فان هذا يعينه على قطع الطريق فمثلا من ارصد بين ناظريه عند رغبته في العلم متونا عدة كالمتون المدروسة في هذا البرنامج وهي خمسة وهي خمسة عشر متنا فان الذي يحضر هذا البرنامج ويرى هذه المتون الخمسة عشر ثم يريد حفظها على ذلك دون ملاحظة ترتيبها في منازل ينقطع عن ذلك. اما من جعل هذه المتون بمنزلة المنازل فيجعل في كل منزل متنا او متنين وليجعلها خمسة عشر منزلا ففي المنزل الاول هذا المتن وفي المنزل الثاني هذا المتن وفي المنزل الثالث هذا المتن بمنزلة المحطات التي تكون في الطريق فاذا فرغ من الاول انتقل للثاني واذا فرغ من الثاني انتقل الى الثالث حتى يأتي عليها جميعا فان هذا مما يعينه على عدم استطالة الطريق. ولاجل هذا وقع القرآن مرتبا في سور. فان قال جعل في اربعة عشر ومئة ومئة سورة بمنزلة مراحل السفر في الطريق. اذا فرغ اه صاحب القرآن من حفظ سورة او قراءتها فانه بمنزلة من قطع مرحلة من مراحل طريقه. فيقوى على قراءة القرآن او حفظه وكذلكم في حفظ العلم او فهمه يجعل اخذه له بمنزلة مراحل الطريق في سفره في طلب العلم فيهون عليه ذلك اصابة بغيته منه. ثم ذكر المصنف منفعة المذاكرة فقال تدوم حياة العلم في النفس ويقوى تعلقه بها. وبين معنى المذاكرة بقوله والمراد بالمذاكرة مداراة الاقران اي ان يجتمع الطلبة المشتركون في الاخذ لعلم او عن شيخ فيتذاكرون بينهم ما حصلوه حفظا او فهما ثم ذكر ان اصل المدارسة هو الامر بتعاهد القرآن. الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم انما صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة اي المقيدة. فان عاهد عليها امسكها اي ان راقبها ولاحظها امسكها. وان اهملها وان اطلقها ذهبت اي اذا ما لها فانها تذهب وتفوته فكذلك مدارسة العلم هي تعاهد له فمن حرص على هذه المعاهدة التي بقي العلم معه. ومن اهملها ذهب العلم منه. ثم ذكر منفعة السؤال فقال وبالسؤال عن علمي تفتتح خزائنه. فان العلوم في صدور العلماء وصدور العلماء خزائن وبالسؤال عن العلم تستفتح تلك الخزائن فيقف المرء بالسؤال على علم من عظيم ربما بقي مدة طويلة في سبيل فهمه فيكون جواب العالم مزيحا الشبهة اتى عنه ثم ذكر قول الزهري انما هذا العلم خزائن وتفتتحها المسألة اي ان هذا علم الذي تطلبون هو خزائن مدخرة وتفتتحها سؤال ويفتتحها سؤال اهل العلم عنها فاذا سأل المتعلم اشياخه في مسائل العلم حاز خيرا كثيرا لا يناله غيره ممن لا يرعى هذا في اخذه. ثم قال وحسن المسألة نصف العلم اي من كان حسن السؤال كان ما يسأله مورتا له نصف العلم فان العلم تارة يؤخذ بالسؤال وتارة يؤخذ بغير السؤال. فهذه المجالس مثلا هي علم بغير سؤال يحصل فيها المتعلم ما يحصل ومن العلم ما لا يحصل الا بسؤال فقد يعرض من الاشكال لاحد من دقائق المسائل ما لا يعرض لغيره فيسأل عنه عالما راسخا فيجيبه بسؤال قد يبقى مدة طويلة لم يصل الى مثل هذا في علم مع الازدياد من العلم ان جواب ذلك العالم الذي سأله قبل سنين عددا انه جاءه خلاصة القول في هذه المسألة. ثم بين ان قلة الاقبال على العالم بالسؤال اذا ورد على بلد يكشف مبلغ علمي فيه لان من طرائق استخراج العلم من الاشياخ سؤالهم. وقد يتهيأ دخول بعظ العلماء بلدا لا يتهيأ له الجلوس للتدريس فمن طرائق اخذ العلم عنه ان يبادر المتعلم الى سؤاله عما اشكل عليه من العلم فهو لا يسأل جزافا دون تحر بل يكون قد رصد في اثناء تلقيه سؤالات نافعة فيسأل عنها ذلك الشيخ ليجيبه فيها ويعلق عنه هذه السؤالات وهذا منهل من من اهل العلم معروف فكثير من الكتب صنفت وفق هذا ومن اشهرها المسائل المنقولة عن الامام احمد كمسائل ابن هاني ومسائل ابنه صالح ومسائل ابنه عبد الله. واذا ورد عالم بلدا ثم خرج منه ولم يسأله احد سؤالا فان هذا يدل على ضعف العناية بالعلم في البلد وعدم اقبال اهله عليه. ثم قال فمن لقي شيخا فليغتنم لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه لا سؤال متعنت ممتحن ايتخير الاسئلة التي يقصد بها العلم لا الامتحان. ثم ختم هذا اعقد بقوله وهذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته في الحفظ غرس العلم والمذاكرة سقيه والسؤال عنه تنميته فاذا حفظت العلم غرسته في قلبك واذا ذاكرت به غيرك سقيته بماء يحفظه. واذا سألت عنه نميته وزكيته وقويته في نفسك. نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الرابع عشر. اكرام اهل العلم وتوقيرهم ان العلماء عظيم ومنصبهم منصب جليل لانهم اباء الروح. فالشيخ اب للروح كما ان الوالد اب للجسد. وفي قراءة ابي ابن كعب رضي الله النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو اب لهم والابوة المذكورة في هذه القراءة ليست ابوة النسب اجماعا وانما هي الابوة الدينية الروحية فالاعتراف بفظل المعلمين حق واجب. قال شعبة ابن الحجاج رحمه الله كل من سمعت منه حديثا فانا له عبد. واستنبط هذا المعنى من القرآن محمد بن علي الادفوي فقال اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد. قال الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو بن نون ولم يكن مملوكا له وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله فتاه لذلك وقد امر الشرع برعاية حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا. قال احمد في المسند حدثنا هارون قال حدثنا ابن ابي قال حدثني مالك ابن الخير الزيادي وعن ابي معافني عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. امسك ابن عباس رضي الله عنهما يوما بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال زيد. اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس رضي الله عنهما انا هكذا نصنع بالعلماء ونقل ابن حزم الاجماع على توقيع العلماء واكرامهم والبصير بالاحوال السلفية يقف على احوالهم في توقير علمائهم. لقد كان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اذا جلسوا اليه كانما على رؤوسهم الطير لا يتحركون. وقال محمد ابن حين رأيت عبدالرحمن بن ابي ليلى واصحابه يعظمونه ويسودونه ويشرفونه مثل الامير. وقال يحيى الموصلي رأيت مالك ابن انس غير مرة وكان اصحابه من الاعظام له والتوقير له واذا رفع احد صوته صاحوا به. فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم مما يدخل تحت هذا الاصل. التواضع له والاقبال عليه وعدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه. واذا حدث عنه عظمه من غير غلو بل ينزله منزلته. لئلا يشينه من حيث اراد ان وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه بقول او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطأه اذا وقعت منه زلة ومما تناسب الاشارة اليه هنا باقتصاد وجيز معرفة واجب ازاء زلة العالم. وهو ستة امور. الاول التثبت في صدور الزلة منه. والثاني في كونها خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها. والثالث ترك اتباعه فيها. والرابع التماس العذر له بتأويل سائغ. والخامس النصح له بلطف وسر لا بعنف وتشهير. والسادس حفظ جنابه فلا تهدر كرامته في قلوب المسلمين. واما يحذر منه مما يتصل بتوقير علماء التوقير ومآله الاهانة والتحقير. كالازدحام عن العالم والتضييق عليه والجائه الى اعسر السبل. فما ماته الشيب بن بشيره الواسطي رحمه الله المحدث الثقة الا بهذا. فقد ازدحم اصحاب الحديث عليه فطرحوا عن حماره فكان سبب موته ذكر المصنف وفقه الله المعقد الرابع عشر من معاقد تعظيم العلم وهو اكرام اهل العلم وتوقيره اي اجلالهم واكبارهم لما لهم من الفضل العظيم والمنصب الجليل. فهم اباء الروح. فالشيخ ابو الروح كما ان الوالد اب للجسد. فالابوة الروحية هي الابوة في الدين ومن الدين الشيوخ والمعلمون والمؤدبون ذكره ابن تيمية الحفيد فيما نقله عنه صاحبه ابن القيم في مدارج السالكين ثم ذكر عن شعبة قوله كل من سمعت منه حديثا فانا له عبد اي انا له ممتن حتى اصير بمنزلة المملوك له. لاجل عظم ما اوصل اليه من النفع. فلقاء ما اسدى من الخير صارت صار بمنزلة الرقيق المملوك له. وذكر استنباط هذا المعنى من القرآن من كلام ابن علي الادهوي انه قال اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد قال تعالى قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له وانما كان متلمدا له متبعا له فجعل الله فتاه لذلك انتهى كلامه ولا يراد بهذه العبودية عبودية التصرف فيه بالقهر وانما يراد بذلك نفعه وايصال خيري اليه فصار لمزيد حرصه عليه بمنزلة الفتى المملوك له ثم بين ان الشرع امر برعاية حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا. وذكر حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي ثم ذكر افرادا منها قوله ويعرف لعالمنا حقه فالعالم له حق اثبتته الشريعة ومن الايمان ان يقوم الخلق لعلمائهم بحقوقهم التي جعل الله سبحانه وتعالى ومن المأثور عن الصدر الاول في ذلك ما اتفق لزيد ابن لابن عباس مع زيد ابن ثابت رضي الله وعنهما من امساكه بركاب زيد والركاب هي الابل الرواحل التي كان يتخذها الناس مراكب فامسك ابن عباس رضي الله عنه بركاب الناقة التي يركب عليها زيد فقال له زيد اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه فقال ابن عباس انا هكذا نصنع بالعلماء يعني اجلالا وتوقيرا لهم. ثم نقل اجماع اهل العلم على غير العلماء واكرامهم عن ابن حزم الاندلس ثم قال والبصير بالاحوال السلفية اي ما كان عليه سلف الامة يقف على حميد احوالهم في توقير علمائهم فكان السلف الاول من الصحابة والتابعين واتباع التابعين يعظمون العلماء ويوقرونهم ويعرفون لهم حقهم. ثم قال فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم مما يدخل تحت هذا الاصل واضعوا له والاقبال عليه وعدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه واذا حدث عنه عظمه من غير في غلو بل ينزله منزلته لئلا يشينه يعني يعيبه من حيث اراد ان يمدحه وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه بقول او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطأه اذا وقعت منه زلة انتهى كلامه ثم ذكر نبذة مستطرفة في معرفة الواجب تجاه زلة العالم فان زلة العالم من طبع العالم. فالعالم واحد من افراد الناس الذين كتب الله عز وجل عليهم النقص ومن مشاهد نفسهم ان تقع الزلة المستعظمة من عالم لا يتوقع صدور مثلها من مثله وكان ذلك في حكم الله القدري ليعقد الخلق ان هؤلاء العلماء مهما كملوا في انظار الناس فانه يلحقهم نقص يكون تارة في مظهر من مظاهره في زلة العالم. فذكر ان مما ينبغي ملاحظته في زلة العالم ستة امور اولها التثبت في صدور الزلة منه. اي التحقق ان هذه الزلة التي نسبت اليه صادرة منه فان من الناس من يذكر شيئا عن احد لا يكون عنه صحيحا. وثانيها التثبت في كون تلك الزلة التي خطأ اي التحقق من ان هذه الزلة التي ثبت صدورها عنه تعد زلة عند اهل العلم. وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها. لان زلة العالم مما يلتبس فيه الحق باطل فلا يقدر على فصل حقه من باطله ومعرفة انه زل الا من كان راسخ القدم فزلات العلماء يكون بيانها بقول عالم اخر ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم وثالثها ترك اتباعه فيها. اي ان من زل فانه لا يتبع في تلك الزلة ولا يقتدى به فيها. ورابعها التماس العذر له بتأويل سائغ اي تطلب ما يحمل عليه كلامه بتأويل سائغ فان المظنون بالعلماء ديرين لنفع الناس انهم لا يريدون الوقوع في الخطأ فاذا وقع من احدهم خطأ حسن بغيره ان يتطلب له تأويلا حسنا يحمل عليه كلامه وخامسها بذل النصح له بلطف وسر لا بعنف وتشهير لان المقصود من بيان التي رجوعه عنها وعدم اغترار الخلق به ووقوع ذلك بلطف اسرى في القبول في نفوس الناس من ان يقابل ذلك بعنف وتشهير. وسادسها حفظ جنابه والجناب هو الجانب والمراد به القدر. فلا تهدر كرامته ولا يهضم حقه لاجل وقوع تلك الزلة منه وكان العلماء السابقون يجرون وفق هذا. فهم يرعون في زلات بعظهم ما ينبغي من الادب. ولا يفرح واحدهم بزلة اخيه بل يرى ان تلك الزلة لا تختص بشخصه. وانما تتعلق بالعلم كله وقد يكون المنقول عنه وقع منه بنقل تلميذ لم يحسن فهم كلامه او انه كان كلاما له في مجلس الدرس ثم اخذ عنه وعلق عنه فصار من الناس من يرى مثل هذا منبرا للتشهير بفلان او فلان ومن لطائف الحكايات وبدائعها التي تبين الفرق بين العلماء الناصحين وبين غيرهم انني كنت شيخنا احمد ابن يحيى النجمي رحمه الله فقرأ عليه طالب حفي بالاخطاء كلاما لشيخنا ابن عثيمين في الطبعة الاولى من شرح كتاب التوحيد وكان ذلك الكلام المقروء كلاما مجملا يتطرق اليه احتمال الوهم والزلل. فقال الشيخ لما قرئ عليه هذا الكلام ان مثل هذا الكلام يقوله الشيخ ابن عثيمين فقال الطالب هذا الكتاب مطبوع باسمه فقال قد يكون احد اخذ هذا الكتاب وطبعه دون مراجعة الشيخ وهذا هو الحق. فان الكلام كان صادرا في مجلس الدرس في شرح ذلك الكتاب ثم اخذه بعض الطلبة ونشروه فطبع في مصر ثم دخل هذه البلاد وصار متداولا بين الطلبة دون تحرير من مصنفه. ثم رجع بعد ذلك الى تحريره وحذف هذا الكلام منه. فانظر الى توخي ذلك العالم بان هذه الزلة التي وقعت تحمل محملا حسنا وانه لا يمكن صدور مثل هذا الكلام من مثله واتفق لهذا الشيخ ان وقعت منه زلة في تقسيم المشيئة. في جواب اجاب به ولم يكن احد سابقا له الا ابن كثير وقد رد عليه جماعة من اهل العلم. فلما سألته عنه الشيخ زيد بن هادي رحمه الله في هذا الكلام فقال ان هذا الكلام لا تصح نسبته الى الشيخ وان كان كلامه. لانها كانت جوابا على سؤال ثم اخذه بعض الطلبة وعلقه في اجوبة سؤالاته ونشرها دون مراجعة الشيخ. والمقصود ان من اراد السلامة فاذا رأى زلة من عالم او طالب علم فليفزع الى العلماء الراسخين وليخبرهم بها فانهم احرى في اصلاح هذه الزلة ودفعها هذه ودفع هذا الخلل لا ان تتخذ الزلات اغراظا يستهدف بها فلان او فلان من الخلق فان هذا ليس من اهل السنة والحديث والاثار ثم ذكر ختما مما يحذر منه ما يتصل بتوقير العلماء مما صورته الاكرام والتوقير الاهانة والتحقير فيكون مبتغيه قاصد قاصدا تعظيم ذلك العال. لكن يكون على وجه مستقبح مسترد فيؤول الى اهانته وخفض جنابه وهضم حقه كما اتفق بوشيب ابن بشير فان اهل الحديث اجتمعوا عليه فرحا به وهو على حماره واشتد زحامه فسقط عن حماره فمات رحمه الله. نعم احسن الله اليكم قلتم وفقكم الله تعالى المعقد الخامس عشر رد مشكله الى اهله. فالمعظم للعلم يعول على دهاقنته والجهابذة من اهله لحل مشكلاته ولا يعرض نفسه لما لا تطيق خوفا من القول على الله بلا علم والافتراء على الدين فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف والسلطان فان العلماء بعلم تكلموا وببصر نافذ سكتوا. فان تكلموا في مشكل فتكلم بكلامهم وان سكتوا عنه فليسع كما وسعهم ومن اشق المشكلات الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمن والناس في هذا الباب طرفان ووسط فقوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها وفزعوا الى الاهواء والاراء يستمدون منهاجان الخطباء ورقة الشعراء وتحديدات السياسيين وارجافات المنافقين. وقوم يعرضونها على علمائنا لكنهم لا يقتضون قادهم ولا يرضون ولا يرضون مقالهم. فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم يجدوه مالوا عنهم والناجون من نار الفتن السالمون من وهج المحن هم من فزع الى العلماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم فطرح قول انه اخذ بقولهم التجربة والخبرة هم كانوا احق بها واهلها واذا اختلفت اقوالهم لزم قول جمهورهم وسوادهم ايثارا للسلامة من السلامة لا يعد لها شيء وما احسن قول ابن عاصم رحمه الله في ملتقى الوصول وواجب في مشكلات الفهم تحسين الظن باهل العلم. ومن جملة مشكلات رد زلات العلماء والمقالات الباطلة لاهل البدع والمخالفين. فانما يتكلم فيها العلماء الراسخون بينه الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم ايها الحكم واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا فانما نشأت كثير من الفتن حين الرد على زلات العلماء والمقالات المخالفة للشريعة. بعض الناشئة الاغمار والجادة السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقوله فيها ذكر المصنف وفقه الله المعقد الخامس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو رد مشكله الى اهله ومشكل العلم ما غمض منه وتعارضت فيه البينات ومشكل العلم ما غمض منه وتعارضت فيه البينات فمن تعظيم العلم رد ما كان موصوفا بهذا الوصف من الغموض وتعرض البينات الى اهل العلم والحال كما قال والمعظم للعلم يعول على دهاكنته والجهابذة من اهله لحل مشكلاته. والدهقنة والجهابذة وصفان معظمان لاهل العلم جمع دهقان بكسر الدال وتضم. فيقال دهقان. وذكر فيها الفتح ايضا وهو قوي التصرف في حدة. وهو قوي التصرف في حدة. اصلها اعجمي ثم عربت تهابذة جمع جهبد بفتح الجيم وتكسر فيقال جهبد وجهبد وهو الخبير ببواطن الامور وهو الخبير ببواطن الامور فالمرء اذا ورد عليه شيء من العلم فاشكل فانه يرده الى اولئك المتصلين المتصفين بتلك الرتبة ولا يعرض نفسه لما لا تطيق. خوفا من القول على الله بلا علم والافتراء على الدين. فالمرء عن المخاطرة بدينه في الكلام في المشكلات فيردها الى اهلها القادرين على حل الاشكال فيها. ثم ثم قال ذاكرا الرد الى اهل العلم مادحا له فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف سوط السلطان اي ان حمل له على احجامه هو تعظيم الله واجلاله ان يقول في دين الله ما لا علم له به فيكون سبب خسارته في الدنيا والاخرة. ثم ذكر حال العلماء فقال فان العلماء بعلم تكلموا وببصر نافذ سكتوا اي ان العلماء الذين هم ائمة الهدى المتحققون بالعلم اذا تكلموا فبعلم تكلموا واذا سكتوا فببصر سكتوا. فكلامهم عن علم وسكوتهم عن بصر اي عن نظر نافذ وخبرة كاملة تحملهم على السكوت. ثم قال فاذا تكلموا في مشكل فتكلم بكلام واذا سكتوا عنه فليسعك ما فلسعك ما وسعهم لان سلامة العبد في دينه ان رد هذا الامر الى اهله. فاذا رد الامر الى اهله فتكلموا فيه تكلم بكلامهم. واذا سكتوا فيه سكت كما سكتوا فان الامر الكامل هو الحال التي صاروا عليها فمهما قدر في نظر طالب العلم ان الكلام هنا انفع من السكوت فان نظر العالم اكمل. واذا كان العالم يرى ان السكوت هنا افضل من الكلام فان نظر العالم اكمل. ومن تصرف بغير تصرف العلماء فانه يوقع نفسه في الاوابد المهلكات. وهذه ابدة صارت منتشرة في طلاب العلم على اختلاف طرائقهم. فهم لا يرضون بكلام العلماء ان تكلموا ولا يرضون بسكوت العلماء ان سكتوا فمنهم من يبتغي في حال الكلام ان يسكتوا ومنهم من يبتغي في حال السكوت ان يتكلموا. والعلماء ليسوا تبعا لاحد من الخلق في بيان العلم فان الله ائتمنهم على العلم به. فالعلم الذي عند العلماء على الحقيقة لم يأخذوه ميراثا عن الاباء والاجداد. ولا وهبه لهم سلطان من سلاطين الارض. وانما ما هو علم ادخره الله عز وجل في قلوبهم واصطفاهم به. فهم امناء عليه. فيتكلمون اذا كان نافعة ويسكتون اذا كان السكوت نافعا. وطالب العلم ينبغي ان يسير بسيرهم. واذا رأيت طالب علم اذا تكلم العلماء رأى ان السكوت افضل او ان كلاما غير كلامهم افضل فاغسل يدك منه. واذا رأيته اذا سكت العلماء تكلم او رأى ان سكوتهم نقصا فاغسل يدك منه فان الاصل في العلم الاقتداء بان يتبع المتعلم طريقة اهله ويسير بسيلهم ومهما قدر له من فان طريقة العلماء هي الطريقة السديدة وهم اعلم بما يصلح فانهم يعرفون وظيفة تكن لاحد شرعا وما ينبغي عليه وما يليق به ومن شواهد ذلك التي تورثكم فهم العلم الذي نؤمل في المسلمين ان يفهموه وليس هو مجرد صورة المسائل وانما الصفة الحقيقية لنقل العلم واخذه وبثه ومعرفة مسالك اهل العلم فيه انني راجعت شيخنا صالحا الفوزان في اشياء تتعلق بخطبة الجمعة صارت فاشية في الناس هي على خلاف المشروع. فوافقني في كون ذلك الواقع خطأ. فاردت منه ان يكتب في ذلك كتاب ينتفع بها الناس بان يبين ان هذه الافعال التي صارت في خطب الجمعة هي خلاف الطريقة الشرعية. فقال ان الذي يكتب في الامر العام للمسلمين هو المفتي فقط. واذهب اليه وانا مؤيد لك فيما اذكرت فالذي يفتتح كلامه بقوله من فلان ابن فلان الى من يراه من المسلمين هو المفتي العام للبلد وهذا لمن احوال العلماء واقع فيما كان يصدر عن الشيخ ابن باز وقبله عن الشيخ محمد ابراهيم وقبله عن الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف وقبله عن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن وقبله عن عبد الرحمن بن حسن وقبله عن عمه عبد الله وقبله عن جده محمد بن عبد الوهاب فكانوا يعرفون ان الامر العام للمسلمين يناط بالعالم الذي جعل راسا للعلماء والمفتين فيهم فهو الذي يخاطبهم فمثل وهذا من تصرف اهل العلم مما يغمض على كثير من الناس الذين لا يتخرجون باهل العلم ولا يتأدبون بادابهم ولا يسيرون من بسيلهم وانت ترى الفظاء الانترنتي محملا بكثير من الرسائل التي يفتتحها اصحابها من فلان ابن فلان الى من يراه من المسلمين وهو نكرة لا يعرف وربما كان معروفا لكنه لا يصلح لخطاب الناس. والمقصود ان ما تراه من تصرف العلماء ومن الكلام في حين والسكوت في حين فانه هو الذي به سلامة الخلق. والمراد بهؤلاء العلماء العلماء الراسخون المعروفون بكمال العلم وصدق الديانة فهؤلاء هم الذين يقتدى بهم. ثم ذكر المصنف بعد ان من اشق المشكلات التي تغمض على الناس الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمن ثم بين الناس فيها فقال والناس في هذا الباب طرفان ووسط فهم ثلاثة اقسام. فالقسم الاول قوم قوم اعرضوا عن استفتاء فيها وفزعوا وفزعوا الى الاهواء والاراء يستمدونها من هيجان الخطباء الى اخر ما قال فمن الناس من يعرض عن استفتاء العلماء ويتطلب غيرهم. والقسم الثاني قوم يعرضونها على العلماء ليظفروا منهم بما يوافق ما في نفوسهم ثم تكون حالهم انهم لا يرتضون قالهم ولا يرضون مقالهم فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم اعرضوا عنه فان تكلم العالم بكلام وافق رغباتهم اشادوا به واقبلوا عليه. وان تكلم بغير ذلك اعرضوا عنه وتركوه. والقسم الثالث هم المذكورون في قوله والناجون من نار الفتن. السالمون من وهج المحن هم من فزع الى علماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم فطرح قوله واخذ بقولهم فالتجربة كانوا احق بها واهلها. واذا اختلفت اقوالهم لزم قول جمهورهم وسوادهم ايثارا للسلامة. فالسلامة ايعدلها شيء انتهى كلامه. والمراد بالسلامة هنا السلامة الدينية. فان من تبعات الخطأ ان يخدش العبد دينه فلا يسلم فيه. فاذا صرف نفسه عن هذا واكتفى بما ابداه العلماء كان ذلك سلامة له في دينه. ثم قال بعد ومن جملة المشكلات رد زلات العلماء والمقالات الباطلة لاهل البدع مخالفين فانما يتكلم فيها العلماء الراسخون كما بينه الشاطري في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم. لانها من جنس المتشابه الذي لا يترشح للفصل فيه الا راسخ القدم في العلم. اذ يشتبه فيه الحق بالباطل. فيحتاج الى عالم راسخ يبين فصل الحق من الباطل فيه والعلماء هم المبينون لهذا وغيرهم يبلغ ما ابداه العلماء. فمن اراد ان يبين بدعة او زلة نظر في كلام العلماء فتكلم بكلامهم. واذا تجدد في بلده قول رأى انه بدعة او خاف كونه زلة راجع العلماء الراسخين للتحقق من كونه كذلك. فاذا اخبروه بكونه زلة او بدعة تكلم بكلامهم والا احجم عن ذلك. فطلاب العلم في رد البدع وبيان الزلاة بمنزلة المبلغين عن اهل العلم الراسخين. ثم قال واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا. فانما نشأت كثير من الفتن حين تعرض للرد على زلات العلماء والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناشئة الاقمار الاغمار السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقولهم فيها. واعتبر هذا فيما وقع في قصة ابي موسى الاشعري مع الحلق التي رأها في مسجد الكوفة فانه راجع ابن مسعود في بيان حالهم وجعل ابن مسعود هو المتقدم في الكلام عليهم. وسيأتي هذا في اخر كتابه فضل العلم باذن الله سبحانه وتعالى. احسن الله اليكم قلت وفقكم الله تعالى المعقل السادس عشر توقير مجالس العلم واجلال اوعيته. فمجالس العلماء كمجالس الانبياء قال سعد بن عبدالله من اراد ان ينظر الى مجالس الانبياء فلينظروا الى مجالس العلماء. يجيء الرجل فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حنف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته اخر فيقول ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول ليس يحنث بهذا القول. وليس هذا الا لنبي او لعالم فاعرفوا لهم ذلك. وقال ما لك ابن رحمه الله ان مجالس العلماء تحتضن بالخشوع والسكينة والوقار. وقد كان مالك اذا اراد ان يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن من جلوسه بوقار وهيبة ثم حدث. وكان عبدالرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا يبرأ فيه قلم ولا يتبسم فيه احد. وكان وكيع جراح الله في مجلسه كأنهم في صلاة. فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس العلم حقها فيجلس فيها جلسة الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليهم فلا يلتفت عنه من غير الضرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها ولا يعبث بيديه او رجليه ولا يستند بحضرة شيخ ولا يتكئ على يده يكثر التنحنح والحركة ولا يتكلم مع جاره واذا عطس خفض صوته واذا تتابع ستر فما هو بعد رده جهده وينضم الى توقير مجالس العلم اجلال التي يحفظ فيها وعمادها الكتب. فاللائق بطالب العلم صون كتابه وحفظه واجلاله والاعتناء به فلا يجعله صندوقا يحشوه بودائعه. ولا بوقا واذا وضعه وضعه بلطف وعناية رمى اسحاق بن رهوين يوما من كتاب كان في يده فرآه ابو عبدالله احمد ابن حنبل فغضب وقال اهاك لا يفعل بكلام الابرار ولا يتكئ على الكتاب او يضعه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه. ذكر المصنف ووفقه الله المعهد السادس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو توقير مجالس العلم اي اجلالها واكبارها واعظامها واجلال اوعيته. والاوعية ما يحفظ فيه العلم من كتاب ونحوه. والاوعية ما فيه العلم من كتاب ونحوه والداعي الى هذا المعقد هو ان مجالس العلماء كمجالس الانبياء فان العلم ميراث النبوة تعظيم مجالسهم قربة يتقرب بها العبد الى الله لان الجالسين فيها يقتسمون ميراث كالنبوة من العلم فمن حسن الادب مع النبوة ان يعظم المتعلم مجالس العلماء فهم نواب عن النبي صلى الله عليه وسلم في ايصال العلم الى الخلق. وذكر من الاثار السلفية ما يبين هذا. ثم قال فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس في العلم حقها وهو ما ثبت بطريق الشرع. وذكر من انحاء ذلك ووجوهه ان يجلس فيها الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليه فلا يلتفت عنه من غير الظرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها اي لصوت ان يسمعه فاذا سمع جلبة وقعت في اذنه من صوت في ناحية من النواحي لم يلوي عنقه اليه منصرفا عن شيخه بل يبقى مقبلا على شيخه ثم قال وينضم الى توقير مجالس العلم اجلال اوعيته التي يحفظ فيها وعمادها الكتب فاللائق بطالب العلم صون كتابه وحفظه واجلاله والاعتناء به فلا يجعله صندوقا يحشوه بودائعه اي يملؤه بما يودعه فيه من الاشياء التي يدخرها مكنوزة فيه ولا يجعله بوقا بان يجمع طرفيه حتى يصير بمنزلة البوق الذي ينفخ فيه. واذا وضعه وضعه بلطف وعناية وذكر اتفق اسحاق ابن راهويه انه رمى كتابا كان في يده فغضب ابو عبد الله احمد بن حنبل وقال اهكذا يفعل بكلام الابرار اي ان ما فعله اسحاق رحمه الله من القاء الكتاب حال معيبة فالكتاب مشتمل على كلام لاهل العلم مأخوذ عما جاء في القرآن والسنة النبوية ربما اشتمل على شيء من الايات او الاحاديث النبوية فلا يحسن حينئذ ان يرمي به العبد ملقيا بقوة على الارض ومن جملة الادب مع الكتب الا يتكئ على الكتاب او يضعه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه توقيرا واجلالا له. نعم. احسن الله اليكم قلتم وفقكم الله المعقل السابع عشر الذب عن العلم والذود عن حياضه. ان للعلم حرمة وافرة توجب الانتصار له اذا تعرض لجنابه بما لا يصلح وقد ظهر هذا الانتصار عند اهل العلم في مظاهر منها الرد على المخالف فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية دين ونصيحة للمسلمين ولم يزل الناس يرد بعضهم على بعض قاله الامام احمد رحمه الله لكن المرشح لذلك هم العلماء لا الدهماء مع لزوم الادب وترك والظلم ومنها هجر المبتدع ذكره ابو يعلى الفراوي اجماعا فلا يؤخذ العلم عن اهل البدع لكن اذا اضطر اليه فلا بأس كما في الرواية عنهم لدى وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية الحفيد مقررا اصلا كبيرا تعظم الحاجة اليه في ازمنة الجاهلية والفتن. فاذا تعذر اقامة الواجبات من العلم الجهاد وغير ذلك الا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ذلك الواجب. كان تحصيل مصلحة واجب مع مفسدة مرجوحة خيرا من العكس. ومنها زجر الم تعلم اذا تعدى في بحثه او ظهر منه لدد او سوء ادب. كان عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله ان تحدث احد في مجلسه او بري قلم صاح ولبس نعليه دخل وكان وكيع اذا انكر من امر جلسائه شيئا انتعل ودخل وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا محمد بن ابراهيم ال الشيخ. فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع كان طالبا يتشدق في مقالهم فاخذ نعليه وانصرف. وحضر شاب مجلس سفيان الثوري فجعل يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم. فغضب سفيان وقال لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف هكذا. كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة. وانت تتكبر على من هو اسنو منك قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي وكان يقول اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلسه زجرا له فليفعل. كما فعل سفيان وكما كان يفعله شعبة مع عفان ابن مسلم في وقد يزجر المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته فالسكوت جواب قاله الاعمش. ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز رحمه الله فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده. ذكر المصنف المعقد السابعة عشر من معاقد تعظيم العلم وهو الذب عن العلم. اي الدفاع عنه والزود عن حياضه اي الحيلولة دون النيل من موارده من العلماء والتصانيف لما للعلم من حرمة وافرة توجب الانتصار له. وذكر جملة من مظاهر انتصار اهل العلم له منها الرد على المخالف. فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية الدين ونصيحة للمسلمين. قال الامام احمد لم يزل الناس يرد بعضهم على بعض. فليس رد القول المخالف من هجر القول بل هو اصل مقرر وثيق في الشرع وهو من وظائف العلماء فهم لذلك دون الدهماء. والدهماء هم العامة سم دهماء لانهم يغطون الارض سموا دهماء لانهم يغطون الارض فاصل الدهم التغطية واكثر اهل الارض من هذا الجنس من العامة الذين لا علم لهم. ومنها هجر مبتدع ذكره ابو يعلى الفراء اجماعا فان مما يحفظ به العلم ان يهجر اهل البدع فلا يؤخذ العلم عنهم فالاصل تركهم والاعراض عنهم. لكن ان اضطر اليه فلا بأس كان يكون في دراسة نظامية فلا سبيل له الى التخلي عن الاخذ عن الممسوس ببدعة او غير ذلك من الاحوال وفق المقرر عند اهل العلم ومنها زجر المتعلم اذا تعدى في بحثه او ظهر منه لدد يعني خصومة شديدة او سوء ادب فانه يزجر عن غيه اذا بدر منه شيء من ذلك حفظا للعلم وذكر من احوال ما تقدم ما كان عليه عبدالرحمن بن مهدي وما كان عليه وكيع بن الجراح في زجر المتعلمين اذا تعدوا على حرمة العلم ثم قال وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا محمد ابن ابراهيم ال الشيخ فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتصدق في مقاله فاخذ نعليه وانصرف فزجرهم بالاعراض عنهم وترك تعليمهم ليتأدبوا لا يتطاول احدهم فوق مقامه. ثم ذكر قول سفيان لما بدر من شاب طلب الرئاسة بالكلام والتكبر وفي العلم قال لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف هكذا كان احدهم لا يدعي الامامة اي لا يرى اماما ولا يجلس في الصدر اي في المقام المعظم من المجلس حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة وانت تتكبر على من هو اسن منك قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي فزجره سفيان لما رأى تلك الحالة المردودة منه في الاستشراف والتقدم وطلب الرئاسة على من هو اسن منه ثم وذكر قول سفيان ايضا اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ اي بين ايدي اهل العلم الكبار وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. اي ان من شدى شيئا من العلم وصارت له به معرفة ثم صار يتقدم بين يدي من هم اعظم منه قدرا واكبر منه سنا فان الخير مأيوس منه فحقيقة حاله انه قليل الحياء ومن قل حياؤه قل ورعه. ومن قل ورعه سلب العلم. وهذا امر مشاهد في ناس فمن الناس من اذا حصل شيئا من العلم وصار له في العلم ريش ظن ان له منقارا يقوى به على مكابدة العلم والدخول في المسائل العظام فيشغب على اهل العلم فيكون ذلك سبب خسارته لان انه رفع نفسه موضعا ليس لها فحياؤه كان قليلا حمله على التطاول ثم تمادت قلة الحياء به حتى قل فصار يهرف بما لا يعرف ويتكلم فيما ليس من شأنه. فعاقبته اذا قل ورعه بعد لقلة حيائه ان يسلب العلم ويذهب منه اسمه فيطوى ذكره بعد ان كان ثم قال وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلسه زجرا له فليفعل اي اذا رأى المعلم ان اخراج المتعلم من المجلس ارضه نافع له فليفعل فمن الناس من لا يكون دواء له الا من لا يكون دواء له الا الكي ومن جنس كي المتعلمين زجرهم باخراجهم من المجالس اذا صدر منهم ما يخالف حرمة العلم ثم قال وقد يزجر المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته فالسكوت جواب قاله الاعمش. فمن الناس من يسأل يكون جوابه ان يسكت عن سؤاله. قال ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز فربما سأله سائل عما لا سوف ترك الشيخ اجابته اي اعرض عنه وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده. تأديبا له للعلم من هذه الحال. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقل الثامن عشر التحفظ في مسألة عالم. فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم فان من السؤال ما يراد به تشغيب ايقاظ الفتنة واشاعة السوء. ومن انس منه العلماء هذه المسائل لقي منهم ما لا يعجبه كما مر معك في كما مر معك في سجن فلابد من التحفظ في مسألة العالم ولا يفلح في تحفظه فيها الا من اعمل اربعة اصول. اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل؟ فيكون قصد من السؤال التفقه والتعلم ان التعنت والتهكم فان من ساء قصده في سؤاله يحرم بركة العلم ويمنع منفعته وفي الناس وفي الناس من يسأل وله في وهذه قصد باطل يريد التوصل به الى مقصود له فاذا غفل عنه المفتي وافتوا بما يريد فرح به واشاعه واذا تنبه الى قصده حال بينه وبين مراده وزجره عن غيه. قال القرافي رحمه الله تعالى في كتابه الاحكام سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة هل يجوز ام لا؟ فارتبت وقلت له اي ما افتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فان كل احد يعلم ان عقد النكاح بالقاهرة جائز فلم ازل به حتى قال انا اردنا ان نعقده خارج القاهرة فمنعنا لانه استحلال يعني نكاح تحليل. وهو نوع من الانكحة المحرمة. فجئنا للقاهرة فقلت له لا يجوز لا بالقاهرة ولا بغيرها. ووقع مثل هذا لابي العباس ابن تيمية الحفيد في فتواه تتعلق باهل الذمة ذكرها تلميذه البار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه اعلام الموقعين ردت عليه غير مرة في بوجه غير الوجه السابق لها فكان يقول لا يجوز حتى قال في اخر مرة هي المسألة المعينة وان خرجت في عدة قوالب اما الاصل الثاني فالتفطن الى ما يسأل عنه فلا تسأل عما لا نفع فيه اما بالنظر الى حالك او بالنظر الى المسألة نفسها. سأل رجل احمد بن حنبل رحمه الله عن يأجوج ومأجوج؟ امسلمونهم؟ فقال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا. ومثله السؤال عما لم يقع او ما لا يحدث به كل احد. وانما يخص به قوم دون قوم اما الاصل الثالث فالانتباه الى صلاحية حال الشيخ للاجابة عن سؤاله فلا يسأله في حال تمنعه ككونه مهموما. او متفكرا او ماشيا في طريق او راكبا سيارة بل يتحين طيب نفسه. قال قتادة سألت ابا الطفيل. سألت ابا الطفيل مسألة فقال ان لكل مقام مقالة. وسأل رجل ابن المبارك عن حديث وهو يمشي فقال ليس هذا من توقير العلم. وكان عبدالرحمن بن ابي ليلى يكره ان يسأل وهو يمشي. اما الاصل الرابع فتيقظ السائل الى كيفية سؤاله باخراجه في صورة حسنات متأدبة ويقدم الدعاء للشيخ يبجله في ويبجله في خطابه ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته على السوق واخا العوام. قال بعثمان كنا عند يحيى بن معين فجاءه رجل مستعجل فقال يا ابا زكريا حدثني بشيء اذكرك به. فقال يحيى اذكرني انك سألتني ان نحدثك فلما واذا تأمنت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم رأيت في كثير منها ما رأيت في كثير منها سلب التحفظ وسفساف الادب. فترى من يسأل تهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع. لا يتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عرض المطالب مفاتيح الفتن واسباب المحن وويل لهم مما يصنعون. وما احوج هؤلاء الى مقالة زيد بن اسلم لما سأله رجل عن شيء فخلط عليه فقال زيد اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعالى فسل. وكم هم المحتاجون اليوم الى مثل مقالة زيد ابن اسلم؟ ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثامن عشر من معاقد تعظيم العلم وهو التحفظ في مسألة العالم. اي حفظ النفس عن الخطأ بالتوقي والاحتراز عند القول فيها اي حفظ النفس عن الخطأ بالتوقي والاحتراز عند القول فيها. وموجبه المذكور في فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم اي طلبا للخلاص من المسائل التي يشغب بها شغب بسكون الغين وهو تهييج الشر وتحريكه. ثم ذكر ان المفلح في السؤال المتحفظة فيه هو من اعمل اربعة اصول اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل؟ اي اي شيء يحمله على السؤال فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم لا التعنت والتهكم. ثم من احوال الناس ان منهم من يسأل وله في سؤاله قصد باطن يريد التوصل به الى مقصود باطل به فيجعل في ضمن هذا السؤال شيئا يغش به المسؤول ليصل الى الباطل الذي يريده. فينبغي ان يتحرى ملتمس العلم التحفظ من هذا وان يصون نفسه عند ارادة سؤال احد من اهل العلم ويبتغي السؤال منه التعلم والتفهم. ثم ذكر الاصل الثاني وهو التفطن الى ما يسأل عنه. فلا يسأل عن شيء الا ان ينفعه واما ما لا ينفعه فلا ينبغي له ان يسأل عنه. كالسائل الذي سأل احمد بن حنبل عن يأجوج وما يأجوج ومسلمون هم فقال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا. استنكارا من سؤاله ان يسأل عن هذه المسألة مع بعدها عنه واغفاله الاعتناء بما ينبغي له مما ينفعه. وقد سأله رجل يوما عن ماء الباق لا فقال تعرف ما تقول اذا اصبحت؟ فقال لا فقال له تعرف ما تقول اذا امسيت؟ قال لا. قال اذهب فتعلم هذا ثم اسأل عن ماء الباق. لا اي اطلب ما ينفعك ثم ثم اشتغل اذا حصلته بما ان زاد عنه ثم ذكر الاصل الثالث وهو الانتباه الى صلاحية حال الشيخ الاجابة عن سؤاله تهيؤه للجواب فانه ربما كان مهموما او مغموما او مشغولا او سالكا طريقا فلم يحسن سؤاله حينئذ ثم ذكر الاصل الرابع وهو تيقظ السائل وهو تيقظ السائل الى كيفية سؤاله بان يخرجه في صورة سنة متأدبة فيقدم الدعاء للشيخ ويبجله في خطابه اي يعظمه. ولا تكون مخاطبته شيخه كمخاطبته انا السوق واخلاط العوام فيخاطب العالم باللفظ اللائق. ثم ذكر داهية من الدواهي المستعظمة في الاء مستعظمة في سؤالات اهل العصر فقال واذا تأملت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم رأيت في كثير منها سلب التحفظ وسفسافة الادب. واستفساف من كل شيء الردي. فتجد من اسئلة الناس اليوم من يسأل سؤالات تدل على سوء ادبه وعدم تحفظه في سؤاله. ثم ذكر شيئا من تلك الاحوال المرذولة فقال فترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسأل يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع لا يتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عرض المطالب فسؤال مفاتيح الفتن واسباب المحن وويل لهم مما يصنعون. ثم ذكر قول زيد بن اسلم لما خلط له سائل فقال زيد اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعالى فسل. فما احوج كثيرا من الناس اليوم الى الادب في سؤالاتهم وان يحملوا على ذلك فيؤدم بالتفطن الى الادب الذي ينبغي ان يكونوا عليه لا سألوا احدا من اهل العلم. نعم. احسن الله اليكم. قلتم حفظكم الله المعقد التاسع عشر. شغف القلب بالعلم وغلبته عليه. فصدق الطلب له يوجب محبته وتعلق القلب به. ولا ينال العبد درجة العلم حتى تكون لذته الكبرى فيه. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة. ومن لم يغلب لذة وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم ابدا. وانما تنال لذة العلم بثلاثة امور ذكرها ابو عبد الله ابن القيم في كتابه السالف احد فيها بذل الوسع والجهل. وثانيها صدق الطلب وثاني فيها صحة النية والاخلاص. ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ومن صبر وهذه اللذة في احوال السابقين من علماء الامة رأى عجبا فلسان احدهم ما لذته الا رواية مسند قد قيدت قد قيدت بفصاحة الالفاظ فيها تحل سكينة ومذاكرات معاشر الحفاظ. ان لذة العلم فوق لذة السلطان والحكم التي تتطلع اليها نفوس كثيرة وتبذل لاجلها اموال وفيرة وتسفك دماء غزيرة بات ابو جعفر النسفي مهموما من ضيق البال وسوء الحال وكثرة العيال فوقع في خاطره فرع من فروع مذهبه وكان حنفيا اعجب به فقام يرقص في داره ويقول اين الملوك وابناء الملوك؟ اين الملوك وابناء الملوك؟ اذا خاض في بحر التفكر خاطر على درة من معضلات في المطالب حقرت ملوك الارض في نيل ما حوى ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب. ولهذا كانت الملوك تتوق الى لذة العلم وتحس فقدها وتطلب تحصيلا قيل لابي جعفر المنصور الخليفة العباسي المشهور الذي كانت ممالكه تملأ الشرق والغرب. هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ فقال وهو مستوي على كرسيه وسرير ملكه بقيت خصلة ان اقعد على مصطبة وحولي اصحاب الحديث اي طلاب العلم. فيقول المستملي من ذكرت رحمك الله يعني فيقول فلان قال حدثنا فلان ويسوق الاحاديث المسندة فانظر الى شدة افتقار هذا القريب الى لذة العلم وطلبه تحصيلها وجوعته اليها. ومتى عمر القلب بلذة العلم سقطت لذات العادات وذهلت النفس عنها. فالنظر ابن شميل يقول لا يجد المرء لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه. بل تستحيل الالام ملذة بهذه اللذة ومحمد وهارون الدمشقي ويقول لمحبرة تجالسني نهاري احب الي من انس الصديق ورزمتك غد في البيت عندي احب الي من عدل الدقيق ولطمة عالم في الخد مني الذ لدي من شرب الرحيق ولا تعجب فما هذه الاحوال الا مس عشق العلم فابن القيم رحمه الله يقول في روضة المحبين واما عشاق العلم فاعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا يشغله عنه اجمل وصورة من البشر فاين هذا الشرف يا طلاب العلم ممن يقدم حظه من عرسه على حظه من درسه ويكون جلوسه الى السماء وشيوخ القمراء واليه من الجلوس الى العلماء وتقوى عزيمته للتنقل في الفلوات ولا تقوى على السير في نقل المعلومات وينهض نشيطا لقنص الطير ويرقد كسلا عن الخير. فما حظ هؤلاء كثير هم؟ ما حظهم من تعظيم العلم وقلوبهم مأسورة بمحبة غيره. ذكر المصنف وفقه الله التاسعة عشر من معاقل تعظيم العلم وهو شغف القلب بالعلم وغلبته عليه اي محبة العلم حتى لغة شغف القلب وشغاف القلب هو غشاؤه. فهو يستولي على القلب حتى يداخل باطنه ثم ذكر ان المرء يحظى بلذة العلم باحراز ثلاثة امور ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة. احدها بدل وهو الطاقة والجهد فيه وتانيها صدق الطلب وثالثها صحة النية والاخلاص. ثم قال ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغله عن القلب ثم ذكر من اخبار الماضين ما يدل على اناسهم هذه اللذة العلم والشغف به بما اخبر به من احوالهم. وبلغ من لذة العلم ومحبتها ان يبتغيها الملوك فيتوقون اليها ويرجونها. وذكر خبر ابي جعفر المنصور. وفيه قوله بقيت خصلة يعني من اللذات التي لم يدركها ثم قال ان اقعد على مصطبة وحولي اصحاب الحديث اي ان يجلس على مكان مرتفع ويجتمع حوله طلاب الحديث ثم يستخرج المملي حديثه بان يقول من حدثك الله ثم يسرد الاحاديث باسانيده. ثم ذكر ان هذه الاحوال المذكورة من محبة العلم يحمل عليها عشقهم له لمعرفتهم بقدره وفضله فهم استيلاء قلوبهم على مال العلم من فضل يبلغ من مداخلة العلم نفوسهم ان يستولي على القلب حتى يحبه العبد محبة عظيمة ثم ذكر احوالا مذمومة يقع فيها بعض المنتسبين الى العلم تدل على ضعف محبتهم العلم وعدم امتلاء قلوبهم لذته وكان منها قوله ويكون جلوسه الى السماري. يعني اصحاب السمر وشيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء وشيوخ القمراء هم كما قال محمد بن عقبة الشيباني شيوخ دهريون شيوخ دهريون اي طويلة اعمارهم يجتمعون في ليالي القمر اي الليالي المقمرة فيتحدثون بايام الخلفاء ولا يعرف احدهم كيف يتوضأ. فهم الذين طالت اعمارهم واهملوا طلب ما يلزمهم من العلم ومن اكده معرفة احدهم الوضوء فمتى صارت هذه الحال تعرض للمتعلم بان يأنس بهؤلاء البطالين المضيعين اعمارهم ويشتغل بمسامرتهم وينصرف عن العلماء وطلاب العلم فان ذلك يدل على ضعف محبة العلم في قلبه. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد العشرون حفظ الوقت في العلم اذا كان العلم اشرف مطلوب والعمر يطوى والعمر يطوى كجليد يذوب فعين العقل الوقت فيه والخوف من تقضيه بلا فائدة. والسؤال عنه يوم القيامة يحملني واياك على المبالغة في رعايته. قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره ينبغي للانسان ان يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ويقدم فيه الافضل فالافضل من القول والعمل. ومن هنا عظمت رعاية العلماء الوقت حتى قال محمد بن عبدالباقي البزاز ما ضيعت ساعة من عمري في لهو او لعب. وقال ابو الوفاء ابن عقيل الذي صنف كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد اني الا يحن لي ان اضيع ساعة من عمري وبلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم حال الاكل. فلقد كان احمد بن سليمان البلقاسي المتوفى عن ثمانية وعشرين سنة يقرأ القراءات في حال اكله خوفا من ضياع وقته في غيرها فكان اصحابه يقرأون عليه وهو يتناول مأكله ومشربه بل كان يقرأ عليه منفدان الخلاء فكانوا الجد اذا دخل الخلاء اذا دخل الخلاء لقضاء حاجة قال لبعض من حوله اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك. وتجلت هذه الرعاية والوقت عند القوم رحمهم الله في لم تبلغها الحضارات الانسانية قاطبة. منها كثرة دروسهم فقد كان النوي يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على مشايخه. والشوكاني صاحب نين لتبلغ دروسه في اليوم والليلة ثلاثة عشر درسا منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته واربى محمود الالسي وصاحب التفسير عليهم جميعا فقد كان يدرس في اليوم اربعة وعشرين درسا. ولما اشتغل بالتفسير والافتاء نقصت الى ثلاثة عشر ودرسه ثم رأيته في ترجمة محمد ابن ابي بكر ابن جماعة ان دروسه تبلغ في اليوم والليلة نحو خمسين درسا ومنها كثرة مدروساتهم فقد درس ابن المدونة نحو الف مرة وربما وجد في بعض كتب عباس ابن الفارسي بخطه درسته الف مرة وكرر غالب ابن عبد الرحمن المعروف ابن عطية والد صاحب التفسير صحيح البخاري سبعمائة مرة ومنها كثرة مكتوباتهم فاحمد بن عبد الدائم المقدسي واحد شيوخ العلم من الحنابلة كتب بيده الفي مجلد ووقع مثله لابن الجوزي رحمهم الله ومنها كثرة مقروءاتهم فابن الجوزي طالع وهو بعد في الطلب عشرين الف مجلد ومنها كثرة شيوخهم فالذين جاوز عدد شيوخهم الف كثير في هذه الامة واعجب ما ذكر ان ابا سعد السمعاني بلغ عدد شيوخه سبعة الاف شيخ. قال ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد وهذا شيء لم لم يبلغه احد ومنها كثرة مسموعاتهم ومقروءاتهم على شيوخهم من التصانيف المطولة والاجزاء الصغيرة فقد تعد بالالاف المؤلفة كما وقع لابن السمعاني المذكور وصاحبه بابن عساكر ابن عساكر في جماعة اخرين. ومنها كثرة مصنفاتهم حتى عدت الف مصنف لجماعة من علماء هذه الامة. منهم عبدالملك بن حبيب الاندلسي ابو الفرج ابن الجوزي فاحفظ ايها الطالب وقتك فلقد ابلغ الوزير الصالح ابن عميرة في نصحك بقوله والوقت انفس ما عنيت بحفظه تراه اسهل ما عليك يضيع. ذكر المصنف وفقه الله المعقد المتمم للعشرين وهو حفظ الوقت في العلم لان العلم اشرف مطلوب والعرمر يطوى كجليد يذوب. فلا يمكن احراز العلم الا بحفظ الوقت فيه هنا ومن هنا عظمت رعاية العلماء للوقت فابلغ الناس حفظا للوقت هم المشتغلون بالعلم وبلغت بهم الحال ان يقرأ على احدهم حال الاكل حفظا للوقت وانفاقا له في العلم بل كان تقرأ عليهم وهم في دار الخلاء كالمذكور هنا عن ابن تيمية الجد ومثله كان قبله قراءة ابن ابي حاتم على ابيه وما وقع منهما لا يخالف اعظام العلم. فانهم كانوا مباعدين للكنيف خارجين عنه فيصل لمن كان فيه صوت القارئ والحامل على ذلك هو اغتنام الوقت في قراءة العلم. ثم ذكر جملة من المعالم التي برز فيها عند العلماء حفظ الوقت حتى صارت صارت اعلاما شهيرة في هذه الامة ككثرة دروسهم وكثرة مدروساتهم وكثرة مقروءاتهم وكثرة شيوخهم وكثرة مسموعاتهم وكثرة مصنفاتهم وتلك الكثرة المذكورة في هذه الموارد لا تنال الا بحفظ الوقت. ثم ختم ببيت ابن هبيرة والوقت انفس ما عنيت حفظه واراه اسهل ما عليك يضيع اي ان الوقت هو انفس ما شغل المرء بحفظه وهو اسهل ما يضيع عليه وقوله اراه بالضم بمعنى اظن. ويروى البيت ايضا واراه بالفتح بمعنى اعلم فالبيت مروي باللغتين على المعنيين المذكورين. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله الخاتمة. الهنا بلغ القول التمام وحسن قطع الكلام بالختام فيا شداة العلم وطلابة ويا قصاد الفقه واربابه امتثلوا معاقد التعظيم وانتم تقبلون على مقاعد التعليم تجدوا نفعه وتحمدوا عاقبته واياكم والتهاون بها والعزوف فانها مفتاح العلم ومرقاة الفهم. فبها تجمع العلوم وتؤصل وبها تيسر الفنون وتحصل. فشمروا عن ساعد الجد ولا تشغلوا بميعة الجد واحفظوا رحمكم الله قول ابي عبد الله ابن القيم طالب النفوذ الى الله والدار الاخرة بل الى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث يكون رأسا في ذلك به فيه يحتاج ان يكون شجاعا مقداما حاكما على وهمه غير مقهور تحت سلطان تخيله. زاهدا في كل ما سوى مطلوبه عاشقا لما توجه اليه عارفا بطريق الوصول اليه الطرق القواطع عنه مقدام الهمة ثابت الجأش لا يثنيه عن مطلوبه لو ملائم ولا عدل عادل كثير السكون دائم الفكر غير مائل مع لذة المدح ولا الم الذنب قائما بما يحتاج اليه من اسباب معونته لا تستفزه المعارضات شعاره الصبر وراحته التعب محبا لمكارم الاخلاق حافظا لا يخالط الناس الا على حذر كالطائر الذي يلتقط الحب بينهم قائما على نفسه بالرغبة والرهبة طامعا في نتائج الاختصاص على بني جنسه غير موصل شيئا من حواسه عبثا ولا مسرحا خواطره في مراتب الكون. وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحائلة بينك وبين المطلوب. انتهى كلامه. فما اجمله تراه متبصرة اللهم يسر لنا تعظيم العلم واجلاله واجعلنا ممن سعى له كذلك فناله. اللهم انا نسألك علما نافعا ونعوذ بك كم من علم لا ينفع. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك. ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم امتعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ابدا ما احييتنا واجعله الوارث منا. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الى النار مصيرنا ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. امين. ختم المصنف وفقه الله كتابه بالنداء جاء في شدات العلم وهم من اصاب حظا منه. فالشادي في العلم هو الاخذ طرفا منه المصيب قدرا حسنا فيه. وقال في ندائه امتثلوا معاقد التعظيم وانتم تقبلون على مقاعد التعليم. تجد نفعه وتحمد عاقبته ثم ذكر من كلام ابن القيم ما يبين الخصال التي ينبغي ان يتحلى بها من يطلب الامامة في فذكر اثنتين وعشرين خصلة. ثم ردها الى قوله وملاك ذلك هجر العوائد وقطع علاء ومعنى قوله ملاك اي قوام ذلك ونظامه الجامع له فالخصال المتقدمة تنتظم برد الى هجر العوائد وقطع العلائق. والمراد بهجر العوائد ترك ما اعتاده الناس في احوالهم. والمراد بهجر العوائد ترك ما اعتاده الناس في احوالهم والمراد بقطع العلائق قطع الصلات الحائلة بين العبد وبين مطلوبه. قطع الصلات الحائلة بين العبد وبين مطلوبه. وزاد ابن القيم في مقام اخر شيئا ثالثا وهو دفع وهو رفض العوائق وهو رفض العوائق وفرق بينها وبين العلائق بان العلائق هي التعلقات القلبية بان العلائق هي التعلقات القلبية الداخلية. وان العوائق هي الحوادث الخارجية. التي تعرض للعبد فتحصيل المطلوبات يرجع الى ثلاثة اصول. احدها ترك العوائد وهجرها. وثانيها قطع العلائق وبترها وثالثها رفض العوائق ودفعها. فمتى تحرك الانسان وفق هذه الاصول الثلاثة وتحراها في طلب مقصوده ادركه واليها اشرت بقول اهجر عوائدهم واقطع علائقهم وارفض عوائدهم عوائقهم ان كنت ذا طلب. اهجر عوائدهم واقطع علائقهم وارفض عوائقهم ان ذا طلب وبهذا نكون قد فرغنا بحمد الله من قراءته الكتاب الاول وهو تعظيم العلم. اكتبوا طبقة السماع سمع علي سمع علي جميع تعظيم العلم سمع علي جميع تعظيم العلم بقراءة غيره سمع علي جميع تعظيم العلم بقراءة غيره صاحبنا ويكتب اسمه تاما. صاحبنا سمع علي جميع تعظيم العلم بقراءة غيره صاحبنا ويكتب اسمه تاما فتم له ذلك في مجلسين بالميعاد المثبت في محله من نسخته واجزت له روايته عني اجازة خاصة معين في معين الحمد لله رب العالمين صحيح ذلك وكتبه الصالح بن عبدالله بن حمد العصيمي يوم يضرب على كلمة الجمعة يوم على كلمة ليلى يوم الجمعة كم التاريخ اليوم الحادي والعشرون من شهر ربيع الاخر سنة اربعين واربعمائة والف المسجد النبوي بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل هذا اكتبوا في خلاصة تعظيم العلم. فخلاصة تعظيم العلم قد قرأنا مقدمتها في درس الصباح وكل اللفظ الذي فيه ما هو في هذا الكتاب؟ فحصل بقراءة هذا الكتاب قراءة اصله المختصر وانوه الى ان هذه الاجازة خاصة بالحاضرين في مجلس هذا المسجد. اما الذين يتابعون عبر هذا النقل الذي اذنا به على ضعف في السنة الماضية ثم ادنا به هذه السنة على التوسع انما هو لاجل ضرورة الانتفاع بالعلم. اما الاجازة فانما تكون بشرط التلقي المعروف عند اهل العلم وهو التلقي المباشر وهذا اخر هذا من جنس الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم عبدي ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين