الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو الدرس السادس والعشرون من دروس برنامج الدرس الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو تفسير سورة النصر للعلامة ابي الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الحافظ الكبير والمحقق النحير عبدالرحمن بن احمد ابن رجب السلمي الدمشقي ثم البغدادي يكنى بابي الفرج ويعرف بزين الدين وبابن رجب وبالثاني اشتهر المقصد الثاني تاريخ مولده ولد صبيحة الخامس عشر من ربيع الاول سنة ست وثلاثين وسبعمائة المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله سنة خمس وتسعين وسبع مئة وله من العمر تسع وخمسون سنة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه الذي يدل عليه تنصيص من ترجم المصنف كابن عبد الهادي الصغير مع ما وجد للكتاب من نسخ خطية هو ان اسم هذا الكتاب الكلام على سورة النصر فهو اسمه الذي سماه به مصنفه فيما يظهر وكأن المعتني به لما نشره عجل الى تسميته بتفسير سورة النصر لانه اظهر في الدلالة على المقصود المقصد الثاني بيان موضوعه موظوع هذا الكتاب هو تفسير سورة شريفة هي صورة النصر المقصد الثالث توضيح منهجه ان هذا الكتاب اللطيف مثال نفيس على التفسير بالمأثور فقد اعتني المصنف رحمه الله تعالى بتتبع الاحاديث والاثار المتعلقة بتفسير السورة واشتمل على الصناعة الحديثية بالحكم على عدد من الاحاديث مع نفس متميز في السلوك والرقائق هو النفس الذي عرف به ابو الفرج ابن رجب رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشيخ الاجل عبدالرحمن بن رجب رحمه الله وعافى عنه بمنه وكرمه امين والسلام على سورة النصر جاء في حديث انها تعدل ربع القرآن وهي مدنية بالاتفاق بمعنى انها نزلت بعد الهجرة الى المدينة وهي من اواخر ما نزل. هذا الذي بينه ابو الفرج رحمه الله تعالى من بيان معنى هو اصح الاقوال فيه وهو ان الفرقان بين المكي والمدني تعليق الامر بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم فما نزل بعد الهجرة الى المدينة يقال له مدني ولو نزل بغيرها كما ان ما انزل من القرآن قبل الهجرة يقال له مكي ولو انزل خارج مكة وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اخر سورة نزلت من القرآن جميعا اذا جاء نصر الله اختلف في وقت نزولها فقيل نزلت في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم وفي مسند الامام احمد رحمه الله عن محمد ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت اذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم نعيت الي نفسي بانه مقبوض تلك عطاء هو ابن السابي اختلط باخره وروايته بهذا اللفظ مرفوعة الى النبي صلى الله عليه وسلم غير محفوظة. وانما المحفوظ انه من قول ابن عباس موقوفا عليه وسيذكره المصنف فيما يستقبل من رواية هلال ابن خباب عن عكرمة عن ابن عباس موقوفا من كلامه لم يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم ويشهد له ما اخرجه البزار في مسنده والبيهقي من حديث موسى ابن عبيد عن عبدالله بن دينار وصدقة بن يسار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في اوسط ايام التشريق في حجة الوداع اذا قال رسول الله والفتح فعرف انه الوداع. فامر براحلته القصوى افرحلت له ثم ركب فوقف العقبة فحمد الله واثنى عليه وذكر خطبة طويلة. هذا اسناد ضعيف جدا وموسى ابن عبيدة قال احمد رحمه الله لا تحل عندي الرواية عنه. قول الحفاظ يا احمد ها هنا ويضارعه جماعة لا تحل عندي الرواية عنه جرح شديد. لانه عندهم صار بمنزلة من يحرم نقل وانما يتفوهون بمثل هذا في حق من اشتد ضعفه وبان تخليطه. كموسى بن عبيدة الربدي هذا فانه شديد الضعف. وعن قتادة قال عاش رسول الله صلى الله عليه سلم بعدها سنتين وهذا يقتضي انها نزلت قبل الفتح وهذا هو الظاهر لان قوله اذا جاء نصر الله والفتح يدل دلالة ظاهرة على ان الفتح لم يكن قد جاء بعد لان اذا ظرف لما المستقبل من الزمان هذا هو المعروف في استعمالها. وان كان قد قيل انها تجيء للماضي كقوله واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها. فقوله ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم فلا اجد ما احملكم عليه. فقد اجيب عن ذلك بانه اريد ان هذا شأنهم ودأبهم لم يرد بهم الماضية بخصوصه. المختار من هذين القولين هو القول بان سورة النصر نزلت قبل الفتح. وهذا هو الظاهر المتبادل من الاية لان اذا المستقر فيها عند اهل العربية انها ظرب لما يستقبل من الزمان ولا يعدل عن المعروف في استعمالها الى غيره الا بحجة ظاهرة. ولا حجة ها هنا. فالاقرب ان وقت كان قبل الفتح حتى يكون امتنانه بالنصر والفتح ظاهرا. وسنذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد نزول هذه السورة جاء نصر الله والفتح وجاء اهل اليمن ومجيء اهل اليمن كان قبل حجة الوداع قوله تعالى اذا جاء نصر الله والفتح اما نصر الله فهو المعونة على الاعداء حتى غلب النبي صلى الله عليه وسلم العرب كلهم. واستولى عليه من قريش وهوازن وغيرهم وذكر النقاشان ابن عباس ان النصر هو صلح الحديبية. صلح الحديبية هو نصر لكن الظاهر كما سبق من كونها نزلت قبل الفتح المقتضي لكونها نزلت بعد صلح الحديبية هو ان النصر الممتن به هنا هو نصر الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم على العرب قاطبة فان العرب لما دالت للنبي صلى الله عليه وسلم قريش ودخلوا في دين الله وظهر عليهم دانت العرب للنبي صلى الله عليه وسلم فانهم كانوا ينتظرون ظهوره على قومه وقالوا ان ظهر عليهم فهو نبي صادق فكان هذا هو النصر العظيم الذي ادخر للنبي صلى الله عليه وسلم. واما الفتح فقيل وفتح مكة بخصوصها قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. لان العرب كانت تنتظر باسلامها وهو النبي صلى الله عليه وسلم على مكة. وفي صحيح البخاري عن عمرو ابن سلمة قال لما كان الفتح بعد كل قوم باسلامهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت الاحياء قوموا بإسلام يا فتح من كذب يقولون دعوه وقومه. فإن ظهر عليهم فهو نبي. وعن الحسن ما لم لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب اما اذا ظفر محمد باهل مكة قد اجارهم الله من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان. ادخلوا في دين الله افواجا. وقيل ان الفتح يعم مكة غيرها مما فتح بعدها من الحصون والمدائن كالطائف وغيرها من مدن واليمن وغير ذلك وهو الذي ذكره ابن عطية. والمختار ان الفتح ها هنا هو فتح مكة ما ما كان بعده من امر الحصون والمدائن كالطائف وغيرها من مدن الحجاج واليمن فانها سلمت للنبي صلى الله عليه وسلم وجاء اهلها طائعين راغمين بخلاف الارغام والاخذ بالغلبة فقد جرى هذا مع اهل مكة فكان الفتح مخصوصا بهم على الاقرب. وقوله ورأيت الناس يدخلون في لله يا فواجة المراد بالناس العموم على قول الجهود وعن مقاتل انهم اهل اليمن وفين مسند الامام احمد من طريق شعبة عن عمرو بن مرمت عن ابي البحتري عن ابي سعيد نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لما نزلت هذه السورة اذا جاء رسول الله ايوا انت ورأيت قال قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخذت ما قال الناس حي وعلى اصحاب فقال وزيد ابن ثابت ابا سعيد على ما قال. واسناده مروي من رواية لكن ابا البختري لم يسمع من ابي سعيد القديم وهو حديث منقطع. وهذا يستدل به على ان فقد ثبت بالصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم البث لا هجرة ونية. وايضا فلهذا قال الناس حيا وعلى اصحابه حيس. وروى النسائي من طريق لما نزلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين انزلت احد في اشد ما كان في امر الاخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء فقال رجل يا رسول الله وما اهل اليمن؟ قال قوم رقيقة قلوبهم لينة واسناده حسن وهو خذوا من قول ابن عباس دعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وسيدنا عيسى الحنفي عن معمل عن ابي حازم رضي الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قال الله اكبر الله اكبر قيل يا رسول الله يا اهل اليمن قال قوم رفيقا قلوبهم لينة تباعهم. الايمان يمان وانفقه لمان والحكمة العالية الله أكبر من طريق عبدي أعلى أن نعمل عن عكرمة مرسلا وكذا هو في تفسير جاذب المزاح اللهم بما اخبرني من سمع عكرمة فارسله. هذا الحديث في هذا السياق الاخير المحفوظ فيه الارسال وصلوا كما رواه ابن جعير بذكر ابن عباس فانه لا يثبت فالحسين ابن عيسى ضعيف من قال ذا جماعة من معمر فلم يصلوه وانما جعلوه مرسلا من كلام عكرمة ابي عبد الله ولمولى ابن عباس والموصل حديث ضعيف. وهذا لا يدل على اختصاص اهل اليمن بالناس المنكورين في واننا على انهم داخلون في ذلك فان الناس اعم من اهل اليمن. قال رحمه الله لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل الكافر بل دخل ثم كان بعد فيما كان كلهم الى الدين. المختار في قوله تعالى ورأيت الناس ان الناس لفظ ام دال على جميع العرب كما هو قول الجمهور خلافا لمقاتل. والحديث الحسن البروي في كون ذلك يكون مجيء اهل اليمن لا يخالف العموم لان ذكر بعض افراد العام بالتخصيص لا ينفي العموم عن غيرهم ويكون ايرادهم لنكتة مقصودة وهي بيان فظلهم وعظيم شأنهم. قال ابن المراد والله اعلم العرب عبدة الاوثان. واما نصارى بني تغلب فما اراهم اسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن اعطوا الجزية. قوله رحمه الله ابن عطية فما اراهم يحتمل ربين اثنين. احدهما بفتح الهمزة على معنى العلم يعني بما اعلمهم اسلموا قط في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والاخر ضم الهمزة على ارادة الظن فما اراهم اسلموا قط بايات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي ذكره ابن عطية رحمه الله تعالى بالمحرر الوجيز يقتضي ان يكون لفظ الناس عامة اريد به الخصوص فهو في سورة العام جهة البداية اللغوية لكلمة الناس. وهو خاص من جهة ان من العرب من لم يدخل في الاسلام وهم نصارى بني درب وهذا الذي ذكره ابن عطية رحمه الله تعالى فيه نظر لان بني ثغرب دخلوا الاسلام لكنه ليس دخول ايمان وتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولكن دخول الزام باحكام الاسلام لان دخول الناس الى الاسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع على صورتين الصورة الاولى من دخل في الاسلام ملتزما باحكامه كما اتفق هذا من قريش بعد فتح مكة ومن هوازن بعد غزاة حنين. الصورة الثانية من دخل الدين ملزما باحكامه وهم نصارى بني ثغرب الذين الزموا بجريان الاحكام الشرعية عليهم فاخذت منهم الجزية كما ثبت في الصحيح. فتكون هذه الاية عامة على النحو الذي بيناه من اختلاف معنى الدخول في الدين وانه فرق بين دخول ناتج من التزام باحكام الاسلام كما عليه اكثر العرب. ومن دخول ناتج من الزام باحكام الاسلام كما وقع من نصارى بني ثغر والافواج الجماعة اثر الجماعة كما قال الله تعالى كلما القيت الى فوت المسند منطلق الاوزاعي قال حدثني ابو عمال قال حدثني جار جابر ابن عبد الله قال قد كنتم من ستر فجاءني جابر بن عبد الله يسلم علي فجعلته احدثه عن افتراق فجعل جابر يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس لهم دين الله افواجا وسيخرجون منه افواجا واسناده ضعيف لابهام جار جابر ابن عبد الله وقد تقدم ان الاسناد المشتمل على راو لم يسمى يكون ضعيفا لابهامه وقد يكون ايضا منقطعا مع هذا الابهام اذا لم يعلم تصريحه بالسماع من شيخه واما ما هنا ففيه التصريح باخذ هذا الجار للحديث عن جار ابن عبد الله رضي الله عنهما وهذان القولان المحكيان كلاهما صحيح فان النبي صلى الله عليه وسلم امر بذلك كله والمعنى والمعنى اجمع وهذان القولان المحكيان في معنى الباء في قوله تعالى بحمد ربك كلاهما قول صحيح فعلى القول الاول اما ان تكون الباء للمصاحبة سيكون الحمد مضافا الى مفعوله اي فسبحي الله عز وجل حال كونك حامدا له بان تجمع بين تنزيهه عن النقائص والعيوب وبين اثبات المحامد الكاملة له سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق والمعنى الثاني انها للاستعانة فتكون الحمد مضافة الى الفاعل يعني سبح مستعينا بما حمد الله سبحانه وتعالى نفسه فليس كل تسبيح بمحمود بل التسبيح المحمود هو ما سبح الرب سبحانه وتعالى به نفسه واما تسبيح غيره فقد يكون محمودا اذا وافق دلائل الشرع النيرة وقد يكون مذموما اذا خالفها كما وقع هذا من طوائف من اهل البدع منهم المعتزلة الذي يقتضي تسبيحهم للرب عز وجل ان يعطلوه عن كثير من صفات كماله كما كان بشر المريس يقول سبحان ربي الاسفل تعالى الله عما يقول علوا كبيرا. وقوله بشر المريض هكذا ضبطه كما قرأ القارئ كما ذكر جماعة من اهل العلم منهم ابن ناصر الدين في كتاب المشتبه فالمغفرة اعلى مرتبة من العفو لانهما وان اشتركا في ستر الذنب ومحو اثره الا ان العفو قد يكون بعد عقوبة بخلاف المغفرة فانها لا تكون مع عقوبة فظهر فضل تفضل الله عز وجل بالمغفرة على تفضله بالعفو هذا الذي ذكره ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى من ان في قوله تعالى انه كان توابا اشارة الى قبول الرب سبحانه وتعالى توبة المستغفرين المنيبين اليه هو بعض معنى توبته سبحانه وتعالى على خلقه فان توبة الله سبحانه وتعالى على خلقه لها معنيان اثنان كما ذكر ذلك ابو العباس ابن تيمية في رسالة التوبة وتلميذه ابن القيم في مدارج السالكين وابو الفرج ابن رجب في مواضع من كتبه اولهما توفيق الرب سبحانه وتعالى للعبد الى التوبة فان من كريم فظله سبحانه وعميم رحمته انه يأخذ بيد من شاء من العباد فيوفقه الى التوبة. فيكون هذا بعض معناها والثاني انه سبحانه يقبل توبة التائبين. فاذا تابوا وابوا تقبل الله سبحانه وتعالى منهم لذلك رغب الله عز وجل في التوبة. وبشر بقبول توبة التائبين. كما قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا فاخبر سبحانه وتعالى عن مغفرته لجميع الذنوب تنبيها الى فتح باب التوبة والاوبة بالرجوع اليه مهما بلغ قدر الذنوب التي تلطخ بها العبد وهذا الذي فهمه عمر رظي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما من انها اجل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدفع ما ذكره الاشياخ من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بانها امر للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بانهم اذا جاء النصر والفتح امروا ان يحمدوا الله ويستغفروا ولكن فيما ذكره عمر وابن عباس زيادة امر اخر فهما يثبتان ان الله عز وجل امرنا ان نحمده وان نستغفره اذا جاء نصر الله وفتحه لكن في هذه الاية انباه الى قربي اجل النبي صلى الله عليه وسلم. ففهم منها المحدث الملهم عمر رضي الله عنه هو ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه بالدين والعلم بالتأويل فهم منها قدرا زائدا على مجرد الامر وهو بيان نعي النبي صلى الله عليه وسلم الى نفسه. وقول المصنف رحمه الله تعالى فيما سلف وتركهم على البيضاء عدل عما يعبر عنه كثيرون من قولهم المحجة البيضاء لان لفظ المحجة لا يحفظ في الاخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فما يذكره بعض الوعاظ من قولهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد تركتكم عن المحجة البيضاء ليلها كنهارها فيها لا يزيغ عنها الا هالك لا يعرف في الكتب الكبار المعروفة من دواوين الاسلام بزيادة المحجة. وانما المعروف لقد تركتكم على البيضاء عمرها كنهالها لا يزيغ عنها الا هالك. وحديث التخيير الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان عبدا خير بين الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه قد روي عند الترمذي واحمد بسند ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن اصل التخيير ثابت بغير هذا اللفظ في الصحيحين. وفي ندعنا برازيل عن ابن عباس قال لما نزلت اذا جاء نصر الله والفتح علم النبي صلى الله عليه وسلم انه قد نعيت اليه نفسه فقد سبق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه السورة اخذ في اشد ما كان اجتهادا في امر الاخرة وروى الخرائط في كتاب الشكر من طريق شعب ابن فياض عن الحارث بن شبل عن ام النعمان الكندية عن عائشة قالت لما نزلت هذه الاية انا فتحنا لك فتحا مبينا اجتاد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة. فقيل له يا رسول الله ما هذا الاجتهاد؟ اليس قد غفر الله لك ما ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال افلا اكون عبدا شكورا. اسناده ضعيف روى البيهقي من طريق سعيد بن سليمان عن عباد ابن العوام عن هلال ابن خباب عن عكرمة بني عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت اذا جاء رسول الله والفتح دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال انه قد نعيت الي نفسي فبكت ثم ضحكت وقالت اخبرني انه قد نعيت اليه نفسه فبكيت. ثم اخبرني بانك اول اهلي لحاقا بي صبحت وهذا الحديث قد روي باسناد ظاهره الصحة لكن له علة فان المعروف من حديث هلال ابن خباب عن عكرمة عن ابن بتفسير سورة النصر هو ما تقدم عند النسائي وغيره مما سبق ان ذكره المصنف. وكأن بعض رواة بهذا اللفظ دخل عليه حديث في حديث ورواهما ملفقا على معنى حديث واحد والمحفوظ في الباب ما تقدم عن ابن ابن عباس من تخريج النسائي من حديث هلال ابن معن ابن عباس. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر من التسبيح والتحميد والاستغفار بعد نزول هذه السورة. ففي الصحيحين عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول في ركوعه سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن. وفي المسند وصحيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في اخر امره من قول سبحان الله الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه. فقال ان ربي كان اخبرني اني سأرى علامة امتي وامرني اذا رأيتها ان اسبح بحمده واستغفره انه كان توابا فقد رأيتها اذا جاء نصر الله والفتح السورة كلها. وهذا اللفظ المنقول عن النبي صلى الله عليه سلم من قوله استغفر الله واتوب اليه هو اصح مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الاستغفار وصح عنه ايضا صلى الله عليه وسلم انه كان يقول ربي اغفر لي وتب علي انك انت التواب الغفور كما رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح. ومنفعة مثل هذا ان المحال التي جاء فيها ان النبي صلى الله عليه وسلم استغفر ولم يعين فيها لفظ الاستغفار يكون المقدم فيها هذه الالفاظ التابعة لا سيما هذا اللفظ المروي في صحيح مسلم. كما جاء في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا الا ما استغفر ثلاثا ولم يأتي في حديث صحيح ما يبين كيفية الاستغفار بعد الصلاة. وانما في صحيح مسلم ان الوليد بن مسلم سأل الاوزاعي ما الاستغفار؟ فقال ان تقول استغفر الله. وهذا حق الا ان المأثور الاكمل عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما صح ها هنا في حديث عائشة استغفر الله واتوب اليه. ولو اقتصر العبد على قول استغفر الله اجزأه لانه يكون قد استغفر حقيقة. وروى ابن جرير من طريق حفص قال حدثنا عاصم عن عن ام سلمة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في اخر امره لا يقوم ولا يذهب ولا يجيء الا قال سبحان الله وبحمده فقلت يا رسول الله انك تكثر من سبحان الله وبحمده لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد الا قلت سبحان الله وبحمده قال اني امرت بها فقال اذا جاء نصر الله والفتح الى اخر السورة غريب. كل المصنف رحمه الله تعالى غريب لا يقصد فقط مجرد الاشارة الى تفرد كل يراوغ بهذا الحديث عمن فوقه كما هو المعنى المشهور الغريب. ولكنه يشير الى ان هذا الاسناد لا يحتمل. والاقرب بالباب محفوظا هو حديث عائشة المتقدمة في صحيح مسلم. واما هذا الحديث المخرج عند ابن جرير في تفسيره بل اشبه انه كما قال ابو الفرج ابن رجب مسيرا الى ظعفه بانه حديث غريب لا يحتمل هذا الاسناد وقد تكلم بسماع الشعبي من ام سلمة الا ان ابا حاتم الرازي رحمه الله تعالى كان يثبته انه سمع منها. وفي المسند عن ابي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جاء نصر الله والفتح كان يكثر اذا ركعها وركع ان يقول قال سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. انك انت التواب الرحيم. ثلاثة الحديث المتقدم في المسند ومن رواية ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود ورواية ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود منقطعة عند جمهور اهل العلم فلم يسمع من ابيه. لكن منهم من يجعلها في حكم المتصل. لان ابا عبيدة قد اخذ علمه عن كبار اصحاب ابيه. فكانوا يدخلون حديثه في المسند ويحكمون بجودته كما جاء هذا عن المديني ويعقوب بن شيبة النسائي رحمه الله تعالى فانه خرج حديثا في سننه من هذا الوجه ثم قال هذا حديث جيد جيد. فالاحاديث التي رواها ابو عبيدة عن ابيه لا يعرف فيها حديث منكر. لان اصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ورحمهم لم يعرف فيهم من هو شديد الضعف. كما نص على ذلك جماعة وصرح ابو العباس ابن تيمية بان الصحابة ابن مسعود كلهم ثقات وكان تلميذه ابن نسميهم كما في زاد المعاد سرج الكوفة. وقد قال عبيده السلمان من اصحاب علي رضي الله عنه قال لم يكن يصدق عن علي رضي الله عنه الا اصحاب ابن مسعود رواه مسلم في مقدمة صحيحه وكل هذا يدل على دلالة في مدرسة ابن مسعود في الكوفة وثقتي اصحابه مما يدل على ان الاحاديث المروية بهذا الاسناد مما تحتمل وتدخل في الحديث المقبول وان كان ظاهرها الانقطاع. لان الانقطاع لا يظر دائما بل يختلف باختلاف الحال قد يكون منتجا للضعف كما هو الاصل. وقد يكون الانقطاع غير منتج للضعف. بل له حكم الوصل كما في رواية ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود فيما يظهر عند اهل العلم رحمهم الله تعالى الذين قبلوها وان لم يدخلوها الصحاح فتجنبها البخاري ومسلم ولم يروها بهذا الاسناد شيئا. وكما في رواية علي ابن ابي طلحة عن ابن عباس فان عليا لم يسمع من ابن عباس ولكن روايته للتفسير علي كان يعظمها جماعة من الائمة منهم الامام احمد رحمه الله تعالى واعتمدها البخاري في صحيحه فعلق كثيرا من كلام ابن عباس في التفسير مجزوما به وهو من رواية علي ابن ابي طلحة عن ابن عباس واعلم ان التسبيح والتحميد فيه اثبات صلاة الكمال ونفي النقائص والعيوب والاستغفار يتضمن وقاية شر الذنوب فذاك حق الله وهذا حق عبده. ولهذا في الحاجة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. فكان الجمع بينهما من اوفق الجمع لانه جمع بين حق الخالق والمخلوق. فحق الرب سبحانه وتعالى تحميده باثبات الكمالات وتنزيهه نفي العيوب والنقائص وحق العبد الاستغفار وسؤال الله عز وجل الوقاية من شر الذنوب. ومن اجل هذا عظمت خطبة الحاجة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. وفي صحيح مسلم زيادة ان الحمد وفي ذلك رد على من زعم ان خطبة الحاجة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ان الحمد لله لثبوت ذلك في صحيح مسلم وهذا لا ينافي الابتداء بالحمد بل يكون ابلغ بالحمد لانه تأكيد للحمد فهو حمد وزيادة كان رجل في زمن الحسن البصري معتزل الناس فسأله الحسن عن حاله. فقال اني اصبح بين نعمة استغفارا فانا مسؤول بذلك. فقال الحسن الزم ما انت عليه فانت عندي افقه من الحسن. وهذا الذي ذكره هذا الرجل المتعبد هو احد الاحوال الثلاثة التي تجري على العبد. فالعبد اما بين نعمة يجب عليه شكرها او ذنب يجب عليه ان او برية تنزل به يجب عليه ان يصبر عليها. فحاله دائر بين النعمة والذنب ولهذا كان الجمع بين هذه الثلاث عنوانا للسعادة كما ذكره ابن القيم بالوابل الصيب ثم امام الدعوة في صدر القواعد الاربع فان العبد اذا ابتلي فصبر وانعم عليه فشكر واذنب فاستغفر كان ذلك ملاك سعادته وجماعها. والاستغفار وخاتمة الاعمال الصالحة فلهذا عمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعله خاتمة عمره. كما يشرع لمصلي المكتوبة ان سرعتنا ثلاثا وكما يشرع للمتهجد من الليل ان يستغفر بالاسحار. قال تعالى وبالله اصحى اليوم يستغفرون وقال والمستغفرين بالاسحار. قال الحسن البصري قاموا الليل فلما انتهوا الى السحر امروا بالاستغفار وبهذا بيان فضل الانقطاع عن الصلاة بالليل اذا دخل السحر وان يشتغل العبد بالاستغفار دون الصلاة. والمراد بالسحر ايش؟ متى يكون السحر؟ الصحيح ان الحر هو الوقت الكائن بين الفجر الكاذب والفجر الصادق. كما اختاره ابو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري ونزره شيخ شيوخنا محمد حبيب الله الشنقيطي في اضاءة الحالف. وهو وقت يسير اختلف اهل العلم في تقديره فمن من قدره بما يزيد عن النصف ساعة الى خمسة واربعين دقيقة وبعضهم قدره بعشرين دقيقة ضابطه ما بين كاذب وصادق سحر على الذي يختاره من اختبر. وكما يشرع الاستغفار الحج قال تعالى ثم افيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا الله ان الله غفور رحيم وكما يشرع ختم المجالس بالتسبيح والتحميد والاستغفار وهو كفارة المجلس. وروي انه ويختم به الوضوء ايضا. هذه كلها من المحال الثابتة في الشرع اما في القرآن الكريم في الاسحار وعقب الحج واما بالسنة النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في ختم الصلاة المكتوبة للاستغفار ثلاث وكما في ختم المجالس بالتسبيح والتحميد والاستغفار وهو كفارة المجلس التي تكون تارة تقديرا لما في المجلس من الذنوب اذا كان فيه لغط وتكون تارة كالخاتم عليه اذا خلا من ذلك كما ثبت به الخبر عن النبي صلى الله الله عليه وسلم وذم محل اخر ذكره المصنف وهو بعد الوضوء وقد روي هذا عند النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث ابي سعيد الخدي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك كتب ذي رق ثم طبع بطابع فلم يكسر الى يوم القيامة. وهذا الحديث في هذا اللفظ اقترب برفع ووقفه. والصحيح انه موقوف من كلام ابي سعيد الخدري كما بينه ابو عبدالرحمن النسائي في عمل اليوم والليلة الا ان مثله لا يقال من قبل الرأي كما جزم به الحافظ ابن حجر في نتائج الافكار وفي النكت فيكون من الاحاديث المرفوعة حكما الى النبي صلى الله عليه وسلم. والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاذكار التي تقال بعد الوضوء نوعان اثنان. الاول منهما الشهادة بقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. والثاني سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. الاخوان الذين يمدون ارجلهم جزاهم الله خير يتفضلون بكفها واما ما زاد عن هذا من الاذكار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فانه لا يثبت كما جاء عند الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فهذه الزيادة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اذكار الوضوء. وسبب هذا ان العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي وادائها على لوجه الله ذي بجلاله وعظمته وانما يؤدونها على قدر ما يطيقونه فالعارف يعرف ان اعلى واجل من ذلك. فهو يستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه. كما استغفر غيره من ذنوبه وغفلاته. وكلما كان الشخص بالله اعرف كان له اخوف رؤية تقصيري ابصر. ولهذا كان خاتم المرسلين واعرفهم برب العالمين يجتهدون بالثناء على ربه ثم يقول في اخر ثنائه لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. هذه النكتة بين فيها المصنف رحمه الله تعالى وجه مشروعية ان العبد يعمل للعمل الصالح ثم ثم يستغفر الله سبحانه وتعالى عقبه. وهو ان اداء ما يجب لله من حق تقصر النفوس عن بلوغه فيكون في الاستغفار سد لخلة هذا النقص. ومن هذا قول ما لك بن دينار لقد هممت ان اذا مت ان اقيد ثم ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الابق الى سيده. العبد الآبر يعني الفار من سيده. فاذا سألني قلت يا رب لم ارد لك نفسي طرفة عين كان يصلي كل يوم الف ركعة. فاذا صلى اخذ بلحيته ثم يقول لنفسي مأوى كل سوء. فوالله ما رضيتك لله طرفة عين. وكل هذا من الازراء على النفس وهذا يوجد كثيرا في اثار السلف. فلا يقصد منه طلب هذه الحال لان العبد يتطلب فعل مثل لهذه الافعال ولكن المطلوب ان يهضم العبد نفسه وان يكسر نخوتها والا يعجب بشيء من عمله. بان اغترار العبد بشيء من عمله بريد خسارته فان العبد اذا استكثر شيئا من العمل واغتر به كبوا ذلك في نار جهنم كما فسر العلماء بذلك قول سعيد بن جبير ان الرجل ليعمل بحسنة فتدخله النار. وفي لفظ فيدخله الله بها النار يعني انه استعظمها وبقي مستحظرا لها بين عينيه يستعلي بها على خلق الله ويمن بها على به سبحانه وتعالى فخذل من حيث قصر في قيامه بحق الرب سبحانه وتعالى فكب في وجهه على نار جهنم وهكذا حالكم لعباد الله عز وجل فانهم يحسنون اعمالهم ويجتهدون في اصلاحها ثم بعد ذلك اذا فعملوها نسوها ولم يروها بين اعينهم شيئا لانهم يستحضرون ان عظمة الله سبحانه وتعالى وما يجب له من فوق ما يعملون من اعمال. فائدة الاستغفار يرد مجردا ويرد مقرونا بالتوبة فان ورد مجردا دخل في طلب وقاية شمل الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه وشر وقاية الذنب المتوقع بالعزم على الاقلاع عنه. يعني انك اذا قلت استغفر الله من غير قرنها لسؤال توبة كان دعاؤك هذا شاملا لامرين اثنين. احدهما طلب وقاية شر الذنب الماظي بالدعاء والندم عليه والثاني طلب وقاية الشر الذنب المتوقع في المستقبل بالعزم على الاقلاع عنه وما كتب هنا وشر وقاية الذنب المتوقع قلب صواب الكلام ووقاية شر بالذنب المتوقع. فان ورد مجردا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الاقلاع عنه. وهذا الاستغفار الذي يمنع الاصرار بقوله ما اصر من استغفر ولو عاد باليوم سبعين مرة وبقوله الى صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار خرجه ابن ابي الدنيا الحديثان قد روي باسنادين متكلم فيهما. والحديث الاول قد خرجه من هو اعلم ابن ابي الدنيا كبي داوود في سننه والترمذي في سننه. والاقرب والله اعلم تحسين اسناده. كما مال اليه ابو الفداء ابن كثير في تفسيره فانه لم يعلى الا بكون فيه مولى لابي بكر الصديق مجهول ومجاهيل ولا سيما من طاف بابي بكر الصديق امرهم سهل ولا سيما اذا اقترن هذا بالنظر الى الباب الذي روي فيه هذا الحديث وهو باب فضائل ورغائب. نعم. وكذا في قوله تعالى والذين اذا افعلوا فاحشتنا وظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. وفي الصحيح اذنب عبد الحديث وهو المانع من العقوبة في قوله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وان ورد مقرونا بالتوبة اختص بالنوع الاول فان لم يصحبه الندم على الذنب الماضي بل كان سؤالا مجردا فهو دعاء محض. وان صحبه ندم فهو توبة. قوله رحمه الله الا وان ورد مقرونا بالتوبة رجع الى بيان معنى الاستغفار اذا جاء مقرونا بالتوبة فبين انه مختص بالنوع الاول وهو وطلبوا وقاية شر الذنب الماظي. فاذا قلت استغفر الله واتوب اليه كان المراد بالاستغفار وها هنا طلبوا وقاية شر الذنب الماظي. فان لم يصحبه الندم على ذنب مظى فانه يكون دعاء مجردا. واما اذا صحبه الندم فانه يكون توبة. والعزم على الاقلاع من تمام التوبة والتوبة اذا قبلت فهل تقبل جزما ام ظاهرا فيه خلاف معروف؟ فيقال الاستغفار المجرد هو التوبة مع طلب المغفرة بالدعاء والمقرون بالتوبة هو طلب المغفرة للدعاء فقط وكذلك التوبة ان اطلقت دخل فيها الانتهاء عن المحظور وفعل المأمور ولهذا الفلاح عليها وجعل من لم يتب ظالما فالتوبة حينئذ تشمل فعل كل مأمون وترك كل محظور ولهذا كانت بداية العبد ونهايته هي هي حقيقة دين الإسلام وتارة يقرن بالتقوى او بالعمل فتختص حينئذ بترك المحظور والله الله اعلم يعني ان الامر بالتوبة اذا جاء مقرونا بالتقوى او بالعمل فتختص حينئذ بترك المحظور. ويكون المراد بالامر بالتقوى او بالعمل القيام باداء المأمور. وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في الجملة السالفة من ان هي بداية العبد ونهايته حق فان العبد محتاج في كل لحظاته الى التوبة الى الله عز وجل. ولهذا قال الله عز وجل وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر يوم مئة مرة وكان يستغفر في المجلس الواحد سبعين مرة هذا وهو الطاهر المطهر الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فغيره من العباد احوج الى تجديد التوبة. ودوام سؤال الله عز وجل اياها حتى يثبت عليها ويترقى في مقاماتها فان التوبة ليست فقط من فعل السيئات بل التوبة ايضا من ترك الحسنات كما بينه ابو العباس ابن تيمية في القاعدة وانظر كم تركت من الحسنات فانت محتاج الى التوبة من ذلك فانك ربما تركت حسنة واجبة وربما تركت حسنة مستحبة فتحتاج الى سؤال الله عز جل بان يتوب عليه فيوفقك الى استدراك ما تركت من الحسنات بالقيام به فضلا عما هو متعلق بالسيئات وهو ان العبد ملازم للذنب كما دلت على ذلك الاثار والاخبار الصحاح ومنها اما في صحيح مسلم بحديث ابي ذر الطويل وفيه ان الله عز وجل قال يا عبادي انكم تذنبون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم. فدل هذا الحديث على ان الذنب ملازم للادمي. فيحتاج العبد لطرد الذنب عنه بان يديم استغفار الله سبحانه وتعالى. وهذا الحديث الذي ذكرنا من رواية مسلم يغني عن الحديث الظعيف المشهور ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كل بني ادم خطاء وخير الخطائين التوابون فان هذا يروى من حديث انس من وجه لا يحتمل بل اسناده ضعيف وما في صحيح مسلم اولى واحلى. نعم. وفي فضائل الاستغفار احاديث كثيرة من انها حديث جلاء القلوب تلاوة القرآن والاستغفار. هذا الحديث بهذا اللفظ مما لم يوقف عليه ولكن روي بعضه مما يفيد ان جلاء القلوب الاستغفار باسانيد ضعيفة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناه حق فان للذنب ضرنا على القلب والاستغفار يدفع درن الذنب فصار بمثابة الجنان القلوب ولهذا من اكثر الاستغفار عاد قلبه ابيظا نقيا ومن اهمل الاستغفار تراكمت الذنوب على قلبه حتى يسود. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم في يومه كله بكثرة الاستغفار تحصيلا لهذا الحالي الكامل. وحديث فان تاب واستغفر ونزع صقل قلبه. وهو حديث حسن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بيان اثر التوبة والاستغفار بعد وقوع الذنب. فان العبد اذا اذنب كما جاء في هذا الحديث وغيره نكت بقلبه نكتة سوداء. فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه يعني طهر قلبه من هذا وهذا يدلك على المعنى الذي تقدم ذكره من كون الاستغفار ابتلاء للقلوب. وحديث ادم انك لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني على ما كان منك. غفرت لك ولا لا ابالي وهذا حديث مروي من حديث انس رضي الله عنه وهو اخر حديث في الاربعين النووية واسناده لا به ومعنى عنان السماء يعني السحاب. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد ربي اغفر لي وتب علي انك مئة مرة. وتقدم ان هذا الحديث من صحاح الاحاديث المذكورة في صفة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا اني لاستغفر الله في اليوم اكثر من سبعين مرة واتوب اليه. خرجه البخاري. ومن مرفوعا لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون يغفر لهم فرجه مسلم. وفي المسند من حديث عطية عن ابي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال حين يأوي الى فراشه استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه. غفر الله له ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر وان كانت مثل رمل عالج وان كانت عدد ورق الشجر. هذا الحديث من رواية عطية عن ابي سعيد وعطية هذا الذي يروي عن ابي سعيد اذا مر بك فاعلم انه عطية ابن سعد العوفي احد الضعفاء فيكون الاسناد ضعيفا وقوله مثل رمل عالج عالج محل كثير الرمل. وحديث من اكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا. فرجه احمد من حديث ابن عباس. وقد خرجه من هو فوقه من اصحاب السنن كابي داوود وابن ماجة واسناده ضعيف. ويعبده قوله تعالى استغفروا ربكم انه كان غفارا. فقوله وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه ليمتعكم متاعا حسنا. قال رباح القيسي ليني واربعون ذنبا. قد سافرت لكل ذنب مائة الف مرة. تقدم ان نيف فيها ضبطان اثنان احدهما التشديد وهو مشهور والاخر او التخفيف وهو بمعنى الفضل والزيادة. وقال الحسن لا تملوا من الاستغفار. وقال المدني ان اعمال بني ادم ترفع فاذا رفعت صحيفة فيها استغفار دفعت واذا رفعت ليس بها استغفار رفعت سوداء. وعن الحسن قال اكثروا ومن الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي اسواقكم. فان ثم تدرون متى تنزل المغفرة. وقال لقمان لابنه اي بني عود اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا. ورؤي عمر بنو عبدالعزيز في النوم فقيل له ما وجدت افضل؟ قال الاستغفار اخره الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما الى يوم الدين وهذا الذي ذكره ابو الفرج ابن رجب من الاثار الواردة عن السلف دال على تصديق ما تقدم من افتقار العبد الى الاستغفار كما ان فيما نثره ابو الفرج رحمه الله تعالى في تفسيره ابلغوا البيان على جلالة هذه السورة وان قصرت وقد تضمنت هذه السورة اربعين فائدة فائدة الاولى ان الله ينصر رسله واولياءه تارة بالسيف والسنان وتارة بالحجة والبيان وتارة بالجمع بينهما كما اتفق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانه نصر على العرب بحجته وبيانه وسيفه وسنانه. وهذا اكمل النصر الفائدة الثانية جواز ذكري الخاص بعد العام اهتماما به وتعظيما لشأنه كما قال تعالى اذا جاء نصر الله والفتح فان فتح مكة من جملة نصر الله الفائدة الثالثة ان نصر الله قادم لا يتخلف عن المؤمنين لان الله قال اذا جاء نصر الله والفتح واذا ظرف لما يستقبل من الزمان والخطاب في الاية لا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم بل يعم اتباعه لان الاصل في خطاب القرآن كونه للعموم فكل من اتبعه فان النصر مآله الفائدة الرابعة ان النصر صفة من صفات الله عز وجل فهو سبحانه نعم المولى والنصير الفائدة الخامسة ان من نصر الله نصره الله فان النبي صلى الله عليه وسلم قام في نصرة التوحيد وتحقيق العبودية لنصره الله كما ذكر في هذه الاية وهو وعد الله الحق ان تنصروا الله ينصركم الفائدة السادسة اختصاص نصر الله بالكمال والتمام فهو ظفر لا نقص فيه كيف لا والله خير الناصرين كما قال تعالى بل الله مولاكم وهو خير الناصرين الفائدة السابعة ان نصر الله لاوليائه يستوجب منهم تحقيق عبوديته ولهذا ذكر اسم الله لقوله اذا جاء نصر الله دون غيره من الاسماء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ونصر عبده اشعارا بهذا المعنى الفائدة الثامنة ان فتح مكة هو اعظم فتح في الاسلام لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر في غزواته الاخرى بما امر به في هذه السورة عقب فتح مكة الفائدة التاسعة ان ذكر بعض افراد العام لا ينفي عمومه فالاحاديث الواردة في تفسير الناس انهم اهل اليمن لا تفيد اختصاصهم بالدخول في الاسلام دون غيرهم اذ قد دخل في الاسلام اقوام اخرون سواهم الفائدة العاشرة ان خير الوفود التي قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في اخر عمره هم وفد اليمن لتخصيصهم بالذكر في المجيء في حديث ابن عباس المذكور في تفسير سورة النصر الفائدة الحادية عشرة بيان فضل اهل اليمن لفظل وافدهم مع مدح النبي صلى الله عليه وسلم لهم جميعا بقوله رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم الحديث الفائدة الثانية عشرة ان العامة قد يطلق ويراد به بعض افراده ويسميه الاصوليون عام اريد به الخصوص فالناس هم عبدة الاوثان من العرب على قول ابن عطية الفائدة الثالثة عشرة ان دخول الناس في دين الله نوعان احدهما دخول التزام بحكمه وهؤلاء هم من يدخله مسلما والاخر دخول الزام بحكمه وهؤلاء هم الذين لا يسلمون لكن تكون الولاية للمسلمين عليهم الفائدة الرابعة عشرة بيان صحة هذا الدين وكماله لان الناس يدخلون فيه افواجا افواجا بخلاف غيره من الاديان الباطلة. فانما يدخل فيها الواحد بعد الواحد الفائدة الخامسة عشرة ان ترك الكفر والتحول الى الاسلام يسمى دخولا في الدين السادسة عشرة ان قبول الناس للدعوة وانقيادهم لمن يدعوهم الى الله نعمة عظيمة توجب على الداعي شكرا عظيما الفائدة السابعة عشرة ان تعداد النعم اوفق في القيام بشكرها فان النعمة اذا كثرت فجدير ان تحدث في قلب العبد شكرا لها ولهذا عدد الله النعم في هذه السورة بقوله اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله فذكر نعما ثلاثا الفائدة الثامنة عشرة ان الله عز وجل قد يظهر لبعض عباده ما يعرفون به دنو اجالهم كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مما هو مذكور في تفسير هذه السورة الفائدة التاسعة عشرة جواز نعي العبد نفسه قبل الموت اذا رأى علاماته الفائدة العشرون ان هذا النعي ليس من الجزع وضعف القلب الفائدة الحادية والعشرون انه ليس من تمني الموت الممنوع منه الفائدة الثانية والعشرون انه ليس من ادعاء علم الغيب لتحقق علاماته الدالة عليه الفائدة الثالثة والعشرون انه ليس من التشاؤم المنهي عنه الفائدة الرابعة والعشرون ان النعي الذي هو مجرد الاخبار بالموت ليس منهيا عنه وانما ينهى عن نعي يصحبه الجزع وذكر مآثر الميت وتجديد الحزن عليه الفائدة الخامسة والعشرون ان المناسب بالعبودية في حق من تقدم عمره وكبرت سنه هو الازدياد من الطاعة ليقدم على الله على خير حال هو خلاف ذلك من اعظم الشر ولهذا ذم الاشيمط الزان الفائدة السادسة والعشرون ان افضل ما يتزود به من العمل في خاتمة العمر واخره هو التسبيح بحمد الله واستغفاره الفائدة السابعة والعشرون ان الاستغفار مما تختم به الطاعات ورجاء التجاوز عن تقصير العبد فيها الفائدة الثامنة والعشرون ان تسبيح الله وتنزيهه انما يكون بما يحمد عليه لا بما يتوهمه البشر كما ذكر عن بشر المريت من قوله سبحان ربي الاسفل دعانا الله عما يقول علوا كبيرا الفائدة التاسعة والعشرون ان الجمع بين التسبيح والاستغفار افضل من الاقتصار على احدهما الفائدة الثلاثون ان الرب من اسماء الله الحسنى الفائدة الحادية والثلاثون ان الربوبية من صفاته عز وجل الفائدة الثانية والثلاثون ان التواب من اسماء الله عز وجل الفائدة الثالثة والثلاثون ان التوبة من صفاته عز وجل فهو الذي يوفق العبد للتوبة ثم يقبلها منه الفائدة الرابعة والثلاثون ان التوبة لا تختصوا بالاقلاع عن فعل السيئات بل من التوبة التوبة من ترك الحسنات الفائدة الخامسة والثلاثون ان التوبة لا يؤمر بها احد دون احد بل الناس كلهم مأمورون بها لا فرق بين مطيع وعاص الفائدة السادسة والثلاثون ان من تاب تاب الله عليه لان الله امرنا بها وسمى نفسه توابا ومن توبته على العبد ان يقبل ذلك منه الفائدة السابعة والثلاثون ان الاستغفار توبة لان الله عز وجل امر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم ختم باسم التواب منبها على اندراج الاستغفار في التوبة الفائدة الثامنة والثلاثون ان كان اذا دخلت على الاسماء الالهية والصفات الربانية لا توجب نفيا بل تفيد استمرارا ودواما فالله عز وجل تواب ولن يزال توابا الفائدة التاسعة والثلاثون ان الله لا يزال بصفاته ابديا كما كان عليها ازليا والمراد بالابد الزمن المستقبل والازل الزمن الماضي الفائدة المكملة للاربعين ان ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على قومه وفتحه مكة دليل على صدق نبوته اذ لو كان كاذبا لم يظهره الله عليهم وهو يزعم ما يزعم وهذا اخر التقرير على كتاب تفسير سورة النصر للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى نسأل الله التوفيق للاعانة والفضل والزيادة وان يمدنا بواسع كرمه وفضله وان يتولانا في الصالحين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين