السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله جعل الحج من شعائر الاسلام وكرره على عباده مرة في كل عام. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. وسلم عليه وعليهم تسليما مزيدا الى يوم الدين. اما بعد فهذا هو المجلس الاول من برنامج مناسك الحج الثامن والكتاب المقروء فيه هو كتاب التحقيق والايضاح. للعلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى. وقبل في اقرائه لابد من ذكر مقدمات ثلاث. المقدمة الاولى التعريف بالمصنف. وتنتظر في ستة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة القدوة عبد العزيز ابن عبد الله ابن عبد الرحمن ابن باز يكنى بابي عبد الله ويعرف بابن باز نسبة الى جد الله ولقب بمفتي البلاد وشيخ الاسلام وكان رحمه الله شديد الزهد في الالقاب. المقصد الثاني التاريخ مولده ولد في الثاني عشر من ذي الحجة. سنة ثلاثين بعد الثلاثمائة والالف المقصد الثالث جمهرة شيوخه تلقى رحمه الله تعالى علومه عن جماعة من العلماء منهم من طالت ملازمته له ومنهم من قرأ عليه شيئا يسيرا كسعد بن حمد بن عتيق وحمد بن فارس ومحمد ابن ابراهيم ومحمد ابن عبداللطيف ال الشيخ وشيخ تخرجه هو العلامة محمد ابن ابراهيم هو العلامة محمد ابن ابراهيم ال الشيخ. المقصد الرابع جمهرة طلابه اخذ عنه رحمه الله تعالى جم غفير من الطلبة طبقة طبقة منهم جماعة من العلماء كالشيخ فهد بن حمي والشيخ محمد ابن صالح ابن عثيمين والشيخ صالح بن فوزان والشيخ عبدالله بن القعود والشيخ عبدالرحمن البراك رحم الله امواتهم وحفظ الحي منهم. المقصد الخامس ثبت ترك رحمه الله تعالى من بعده ارثا عظيما من المصنفات منها ما بنفسه كالعقيدة الصحيحة والتحقيق والايضاح والفوائد الجلية ونقد القومية العربية ومنها ما كتب عنه حال الدرس ثم عرض عليه حال حياته كشرح ثلاثة الاصول ومنها ما كتب عنه حال الدرس. ولم يعرض عليه حال حياته كشرح كتاب التوحيد وغيره. وهذا القسم الثالث اقل الاقسام اعتدال به على قواعد اهل العلم كما سبق بيانه في غير هذا المحل. المقصد السادس تاريخ وفاته توفي رحمه الله في السابع والعشرين من محرم الحرام سنة عشرين بعد الاربعمائة والالف وله من العمر تسعون سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. مقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذا الكتاب هو التحقيق والايضاح. لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة كما صرح به المصنف في ديباجة كتابه. والمراد بالزيارة زيارة مخصوصة هي زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته وهذا التركيب على ضوء الكتاب والسنة تركيب شاع عند المتأخرين. يريدون به ما كان مبنيا من المسائل على دلائل الكتاب والسنة. ولم يكن معروفا عند من سبق وهو من جنس الصفة الكاشفة. فان ما يبديه العلماء في كل مذهب مرده وفي اصل الاصول عندهم الى الكتاب والسنة. فان فقهاء الاسلام متفقون على ان الاباء والسنة هما اصل الدلائل التي تبنى عليها المسائل. فذكرها من جنس ذكر صفة كاشفة لا تفيد تمييزا ولا تخصيصا. ومن ظن ان كتب المتأخرين هي التي حظيت بهذا مما يبرزونه باسم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم او صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم او صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم او بيان كذا وكذا في ضوء الكتاب والسنة. ويغفل عن ان هذا الاصل اصل مضطرد عند المتقدم مين فيحط على كتب الفقهاء بانها لم تنسج على الدليل فذلك غلط عليهم ومن اعظم الغلط في الشريعة الغلط على الاجلة من العلماء. والاولى اجتناب هذا. ولم نجد احد من كبار المحدثين لما صنف كتابا له وترجم تراجمه بنى على هذا المعنى بل الكبار منهم كالبخاري وابن حبان والبيهقي مثلا لما ذكروا الصلاة ترجموا بصفة الصلاة ولم يقولوا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسبق بيان هذا المعنى فيما سلف. المقصد الثاني اثبات نسبته اليه. هذا الكتاب النسبة الى المصنف رحمه الله تعالى. ويدل على ذلك دليلان اثنان احدهما شيوع نسبته اليه بطباعته مرارا حال حياته دون نكير منه وثانيهما عدم ادعاء احد سواه انه تصنيف له او لغيره المقصد الثالث بيان موضوعه موضوع هذا الكتاب ابراز الشرعية المتعلقة بثلاثة ابواب عظيمة من الدين اولها الحج وثانيها العمرة وثالثها زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الكائن في مدينته المقصد الرابع ذكر رتبته جرى عامة اهل العلم قديما وحديثا على تقييد مدون في منسك الحج وقد اتفق للمصنف رحمه الله تعالى اقتفاء عادتهم فصنف هذا الكتاب منسكا في الحج بناه على دلائل الكتاب والسنة مما تبين له كما صرح به في صدر كتابه على نحو مختصر. فجاء لاختصاره واشتماله على دلائل من انفع المناسك المختصرة التي صنفها المتأخرون كما صرح بذلك تلميذه عبدالمحسن العباد في تبصير الناسك. المقصد الخامس توضيح منهجه رتب المصنف رحمه الله تعالى كتابه هذا في فصول يترجم لكل واحد منها بقوله فصل ثم يتبعه بما ما يدل على ما ترجم له واعتنى فيه كما اراد ببيان دلائل الكتاب والسنة فحشاه على اختصاره بادلة كثيرة من القرآن والسنة. معتنيا في الغالب بعزو الاحاديث الى مخارجها من كتب المصنفة وربما اهمل ذلك في مواضع منه وقل ذكره للخلاف الا ان يشير الى ترجيح كان يقول وهو الاصح من قولي اهل العلم او وهو الصحيح في المسألة فان مثل هذا اشارة الى الخلاف المقصد السادس العناية به حظي هذا الكتاب بعناية فائقة في طبعه مرات كثيرة في حياة المصنف نافت عن ثلاثين مرة ثم وضع تلميذه الشيخ عبدالله بن جبرين شرحا له اسمه الافصاح شرح كتاب التحقيق والايضاح واصله امان املاها حال الدرس قيدت عنه ثم عرضت عليه فاقرها ونشرت بهذا الاسم حال حياته رحمه الله واه المقدمة الثالثة ذكر السبب الموجب لاقراءه الموجب لاقراء هذا الكتاب رعاية فقه المناسبات والمراد بفقه المناسبات بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بزمان او مكان او محال كاحكام الصيام او الحج او الخسوف او الاستسقاء ومن مآخذ العلم الاعتداد بهذا الاصل. فان اشاعة رعاية فقه المناسب فان اشاعة رعاية فقه المناسبات ينتفع بها طائفتان اثنتان الطائفة الاولى طائفة خلية من العلم بالاحكام الشرعية المتعلقة بتلك المناسبة فتنتفع بابداء احكامها حال وقوعها ومن قواعد العلم المقررة ان الواجب من العلم هو ما وجب العمل به فكل شيء وجب العمل به فانه يجب تقدم العلم به عليه كما ذكر ذلك القرافي في الفروق وابن القيم في اعلام الموقعين ومحمد علي بن حسين المالكي في تهذيب الفوق. فمن رام اداء شيء من الاحكام المعلقة بالمناسبات وجب عليه ان يتعلم احكامها قبل الاقدام على بما يجب فيها والطائفة الثانية طائفة لها علم بهذه الاحكام فيجري بيان الاحكام لها تذكيرا لما علمته من قبل. فان العلم اذا كرر تقرر في النفوس. ولا سيما اذا كان علما غامضا دقيقا وقد ذكر ابو العباس ابن تيمية الحجيج في منهاج السنة النبوية ان احكام مناسك الحج من ادق العلم واغمظه. فيحتاج ملتمس العلم ان يكرره مرة بعد مرة وانفع التكرير له هو ما اقترن بزمانه. نعم ما شاء الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده اما بعد فهذا منسك مختصر يشتمل على وتحقيق كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم جمعته لنفسه ما شاء الله من المسلمين واجتهدت في تحرير مسائله على ضوء الدليل. وقد طبع للمرة الاولى في عام ثلاث وستين ثلاث مئة والف للهجرة على نفقة جاهزة الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن الفيصل قدس الله روحه واكرم مثواه ثم اني بسطت سائله بعض البسط وزدت فيه من التحقيقات ما تدعو له الحاجة. ورأيت اعادة طبعه لينتفع به من شاء الله من العباد وسميته التحقيق والايضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة. ثم ادخلت فيه زيادات اخرى مهمة وتنبيهات مفيدة تكميلا للفائدة وقد طبع غير مرة واسأل الله ان يعمم النفع به وان يجعل السعي فيه خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه في جنات النعيم فانه حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء تضمنت ديباجة المصنف رحمه الله تعالى امورا احدها استفتاح كتابه بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا من الاداب المستحسنة في التصنيف وثانيها الاخبار عن نعت هذا الكتاب وذلك في قوله فهذا منسك مختص مصاب. والمنسك عند اهل العلم اسم لما وضع من تأليف مشتمل على احكام الحج والعمرة. ولم يزل من دأب اهل العلم في كل مذهب تأليف مناسك مفردة وهذا المنسك مبني على الاختصار كما قال المصنف في وصفه مختصر لان المناسب للعلم عامة الف ولما تعلق بعموم الناس هو الاختصار والايجاز. فان علم الشريعة مبني عليه ومن توهم ان علم الشريعة مبني على تطوير الكلام وذكر الخلاف فقد اخطأ ومن ممادح النبي صلى الله عليه وسلم ايتاؤه جوامع الكلم كما ثبت ذلك في حديث جابر في الصحيحين وجمع الكلام يقتضي ان يكون بناؤه على الايجاز وكان هذا هو علم السلف. كما قال رجل لايوب العلم اليوم اكثر ام فيمن تقدمنا؟ فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيمن تقدمنا اكثر. وكان كلام الاوائل قليلا كثيرا البركة بخلاف كلام المتأخرين فانه كثير قليل البركة. ذكر هذا المعنى ابن في مدارج السالكين وابن ابي العز في شرح العقيدة الطحاوية. وثالثها افصاح عن الحامل له في تصنيف هذا الكتاب. وذلك في قوله جمعته لنفسي ولمن شاء من المسلمين. ومراده من تصنيفه نفع نفسه به بتعريفها باحكام الحج والعمرة والزيارة ودوام ملاحظة هذه الاحكام باعادة النظر فيه مرة مرة ثم طلب انتفاع غيره من المسلمين بعده ممن شاء الله سبحانه وتعالى وهذا من اعظم المقاصد في التصنيف فان المصنف ينبغي له ان يكون اكبر همه فيما يشرع فيه من تأليف ان ينفع نفسه اولا ثم ينفع المسلمين ثانيا ورابعها بيان ان هذا الكتاب حررت مسائله على ضوء الدليل. لقوله واجتهدت في مسائله على ضوء الدليل. وهذا الوصف كما سبق صفة كاشفة. لا يقتضي ان تكون الكتب الاخرى ولا سيما كتب المذاهب الاربعة المعتمدة مصنفة على غير بل هو خبر عن انه لم يلتزم بمذهب معين من المذاهب المتبوعة في كل مسألة بل التزم في عامة امره مذهب الحنابلة فان ظهر له شيء خلاف ما يقتضيه الدليل عند غيرهم اخذ به وهذه هي طريقة اهل الحذق والمعرفة من اهل العلم فانهم يجرون في تفقههم وافتائهم على مذهب معتمد. لكن التزامهم بالمذهب لا عدم خروجهم عنه اذا بان الدليل في غيره واتباع الدليل اعظم من اتباع الائمة المعظمين المقلدين والناس في هذا طرفان ووسط فطائفة جامدة على ما تضمنت كتب كتب المذاهب المتبوعة تمنع الخروج عنها قيد قيدا انملة وتقابلها طائفة ثانية تزري على كتب الفقه وتعيب الاخذ بها وتنأى عن الانتفاع بها في التفقه وبينهما طريقة متوسطة حسنة جرى عليها كمل الخلق وهي الاعتداد بكتب المذاهب مصنفة في التفقه في الدين. فاذا تضمنت شيئا مخالفا للدليل خارج المذهب المتبوع اخذ بما دل عليه الدليل ولو كان مخالفا للمذهب. دون تشويش تهييج وهذه هي طريقة ائمة الدعوة الاصلاحية في الجزيرة العربية بعد القرن الثاني عشر فانهم على مذهب الحنابلة اصولا وفروعا. واذا بان لهم الدليل على خلاف شيء من مقيدات المسائل في المذهب اتبعوا الدليل. وكانت سبيلهم قاصدة سالمة حتى نشأ في الاسلام من لم يعرف طريقتهم فتوهم قوم ان طريق الاتباع عند علماء الدعوة هي مجانبة كتب الفقه وقابلتهم طائفة اخرى توهمت ان طريقتهم الجمود على مذهب الحنابلة وطريقتهم كما سلف هي اعتماد مذهب الحنابلة مع ملاحظة ما ترجح به الدليل. الا ان المرجح للدليل عند لهم هو من كانت له قدرة على الاجتهاد. وذلك مخصوص بمن جمع الته وليس الاجتهاد عندهم حمى مستباحا لكل من تكلم في العلم فالغالب على فقهاء هذه الدعوة عدم مخالفة المذهب الا من قوم قلة كانت لهم مكنة في النظر في المسائل والخروج عما تضمنه المذهب كالعلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. من علماء الصدر الاول منهم ثم العلامة عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في علماء الطبقة الثانية نية منهم ثم العلامة عبد الله ابن عبد اللطيف ابن عبد الرحمن ابن حسن في الطبقة الثالثة ثم العلامة محمد ابن ابراهيم ابن عبد اللطيف في الطبقة الرابعة ثم العلامة عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز في الطبقة الخامسة وقل خروج غير هؤلاء مما يدل على انهم يعظمون هذا الامر تعظيما شديدا وتأمل هذا في حال الناس في صلاة التراويح فيما سلف في الطبقة الرابعة فلم يكن احد يخرج عن ما عليه المذهب الا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى لما كان اب فدلا في حياة شيخه محمد ابن ابراهيم. اما غيره فقد كان ملتزما بالمذهب وفي ذلك البيان ان طريقتهم هي تعظيم المذهب ورعاية التفقه من كتب الاصحاب الا من كانت له مكنة والة. اما ما ال اليه الناس اليوم بسبب الدراسات الاكاديمية. مما يسمى باختيار الباحث حتى صار الاجتهاد حقا مستباحا لكل متكلم في العلم فهذه ليست طريقة اهل العلم لا ولا حديث وسادس ما تضمنته المقدمة بيان ان المصنف رحمه الله تعالى بسط بعض مسائل الكتاب بعض البسط وزاد شيئا من التحقيقات تدعو اليه الحاجة ثم ادخل فيه بعد ذلك زيادات اخرى مهمة وتنبيهات مفيدة تكمينا الفائدة ثم ذكر امرا سابعا وهو بيان اسم الكتاب في قوله وسميته التحقيق والايضاح الى اخره. وذكر اسم الكتاب في ديباجته من مستحسنات الادب. في في الكتب لئلا يقع الغلط في تسميته. فان جملة من الكتب تنازع الناس تحقيق اسمها لعدم مصنفها بالاسم في دباجة كتابه او اثنائه وثامنها دعاء الله سبحانه وتعالى عموم النفع به. وان يجعل السعي فيه خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه في جنات النعيم. وهذا المستحسنات الادب عند تأليف الكتب تب بان يدعو الانسان ربه ان يقع النفع بكتابه وان يكون سببا لفوزه عنده ثم ختم هذه المقدمة بالافصاح عن اسمه فقال المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والافصاح عن اسم المصنف من الاداب الواجبة في التصنيف. لان العلم لا يؤخذ عن مجهول كما نص على ذلك ميارة المالكي في قواعده ومحمد حبيب الله الشنقيطي في اضاءة حالك فالكتب التي لا تعرف التي لا يعرف مصنفوها لا يعول عليها. فالجهل بالقائل كالجهل بالمقول. فاذا جهل المتكلم بما فيها من العلم كان ذلك ايضا تجهيدا لما تضمنه الكتاب فقد يكون صحيحا وقد يكون غير صحيح. ولهذا ذكروا من احكام المصنفات مجهولة اسم المصنف ان تعرض على الاصول فان وافقتها اخذ بها وان خالفتها تركت والاولى عدم الاعتداد بها لان العلم لا يؤخذ عن مجهول كما سلف. نعم. احسن الله اليك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذه رسالة مختصرة في الحج وبيان فضله وادابه. وما ينبغي لمن اراد السفر لادائه وبيان كثيرة مهمة من مسائل الحج والعمرة والزيارة على سبيل الاختصار والايضاح قد تحريت فيها ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. جمعتها نصيحة للمسلمين وعملا بقول الله تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين وقوله تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتابات ولا تكتمونه. الاية وقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الدين نصيحة ثلاثة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. وروى الطبراني عن حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم ومن لم يمسي ويصبح ناصحا لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فليس منهم. والله المسؤول ان ينفعني بها والمسلمين. وان يجعل السعي فيها خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه في جنات النعيم انه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا مقدمة ثانية والفرق بين المقدمتين ان هذه المقدمة هي مقدمة الكتاب وتلك هي مقدمة طبعة ثانية او ما بعدها. وكانت تصانيف من سلف تشتمل على مقدمة واحدة فقط. هي مقدمة الكتاب ثم لما وجدت الطباعة وامكن تكرار طبع الكتاب مع الزيادة عليه مرة ثانية او ثالثة او فوق ذلك غير الطبعة الاولى وجد نوع ثان من المقدمات وهو مقدمة الطبعة. فمقدمات الكتب نوعان اثنان. احداهما مقدمة الكتاب الاصلية وتانيهما مقدمة طبعة تانية او ما فوقها والفرق بينهما ان مقدمة الكتاب تتعلق به اصلا وهي المقدمة بين يديه اولا. اما مقدمة الطبعة فتتعلق بالتقديم الطبعة للاشارة الى ما لوحظ فيها من زيادة او تغيير او تحويل او نحو ذلك بك وهذه المقدمة الثانية وهي مقدمة الكتاب ليس فيها زيادة على ما سلف من الامور التي تضمنتها مقدمة الطبعة الا الاشارة الى انه جمعها للمسلمين عملا بقول الله تعالى وذكر فان الذكر تنفع المؤمنين وقوله تعالى واذ اخذ الله الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. وقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. ولا كما في الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة وفيه قيل لمن؟ يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. وهذا الحديث في صحيح مسلم من حديث تميم علي رضي الله عنه ليس فيه ذكر الثلاث وانما ذكر الثلاث عند ابي داود وغيره وكأنه غير محفوظ في لفظ الحديث بل المحفوظ هو لفظ مسلم وفيه الدين النصيحة. قال قلنا لمن يا رسول الله الحديث ولم يذكر ثلاثا ثم اردفه المصنف رحمه الله تعالى بحديث ثاني جار المجرى المتابعة له. فقال وروى الطبراني عن حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يهتم بامر المسلمين. واسناده ضعيف. وصاغ ايراده لانه قام مقام التابعي لما قبله والحديث المتقدم عليه مخرج في صحيح مسلم كما سلف دون قيد الثلاث ومن الاهتمام بامر المسلمين والنصيحة لهم بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بدينهم. بل هذا اعظم النصح لهم ومن جملة ذلك بيان احكام الحج والعمرة. نعم قال فاصم في ادلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة الى ادائهما. اذا عرف هذا فاعلموا وفقني الله واياكم لمعرفة الحق اتباعه ان الله عز وجل قد اوجب على عباده حج بيته الحرام وجعله احد اركان الاسلام قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام في سننه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه انه قال لقد هممت ان ابعث الى هذه الامصار فينظر كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم مسلمين وروي عن علي رضي الله عنه انه قال من قدر على الحج فتركه فلا عليه ان يموت يهوديا او نصرانيا ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج ان يبادر اليه لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الى الحج يعني الفريضة فان احدكم لا يدري ما يعرض له. رواه احمد. ولان اداء الحج واجب على الفور في حق من السبيل اليه بظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله ولي عن العالمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا. اخرجه مسلم. وقد وردت حديث يدل على وجوب العمرة منها قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الاسلام قال صلى الله عليه وسلم ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر. وتغتسل من الجنابة الوضوء وتصوم رمضان. اخرجه ابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن عمر ابن الخطاب من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. فقالت دعوة هذا اسناد ثابت صحيح. ومنها حديث عائشة رضي الله عنها انها قالت يا رسول الله هل عن النساء من جهاده؟ قال جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة. اخرجه احمد وابن ماجة باسناد صحيح. ولا يجب الحج والعمرة للعمر الا مرة واحدة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. ويسن الاكثار من الحج والعمرة معلمات مثل الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. عقد المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل لبيان الحج والعمرة. وقد صرح رحمه الله تعالى بحكمهما اذ قال فصل في ادلة بوجوب الحج والعمرة. فالحج والعمرة عنده واجبان. وقد ذكر رحمه الله تعالى ادلة ذلك وابتدأ ببيان ادلة وجوب الحج فذكر في ذلك دليلا من القرآن والسنة ومن اثار الصحابة رضوان الله عنهم. فاما دليل القرآن فهو قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. الاية وهذه الاية اصل في بيان وجوب الحج. ودلالتها على ذلك من وجهين اثنين احدهما في الاتيان بحرف الجر على في قوله تعالى ولله على الناس. فان حرف الجر على موضوع في خطاب الشرع للدلالة على الامر. كما صرح بذلك ابن القيم في بدائع الفوائد ومحمد بن ومحمد ومحمد بن اسماعيل الامير في طرح منظومته في اصول الفقه. والالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر نوعان اثنان احدهما ما وضع لذلك لغة وشرعا وهي الالفاظ الصريحة المجموعة في قول شيخ شيوخنا حافظ للحكمي في وسيلة الحصول واللؤلؤ المكنون اربع الفاظ بها الامر دري افعل افعل اسم فعل مصدري والنوع الثاني الالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر شرعا وهي الالفاظ غير الصريحة والابن القيم في بدائع الفوائد والامير في شرح منظومته كلام مستطاب في بيان جملة كثيرة من هذه الالفاظ الموضوعة في الشرع للدلالة على الامر ومن جملتها الاتيان بعلى كقوله تعالى ولله على الناس حج البيت. وثانيهما في قوله تعالى ومن كفر فان ان الله غني عن العالمين. فان الكفر لا يذكر الا على ترك مأمور به واجب سواء كان الكفر الذي يفضي اليه كفرا اكبر او اصغر فحيث رتب الكفر على الترك فاعلم ان ما رتب عليه الكفر واجب واما رتبة الكفر عند تركه فتختلف باختلاف مأخذ حكمه وباعتبار الحج فمن ترك الحج جاحدا له فكفره اكبر ومن تركه غير جاحد له مع القدرة عليه والمكنة منه باجتماع الشروط وانتفاء الموانع كفر اصغر فقد اتى ذنبا من عظائم الذنوب. واما دليل السنة فحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس ثم ذكرها وعد منها في اللفظ الذي اورده المصنف وحج بيت الله الحرام. وهو بهذا اللفظ ليس في الصحيحين بل ولا في شيء من كتب الرواية المسندة المشهورة. وانما فيها وحج البيت ومن قواعد الرواية بالمعنى اجتنابها حال التصنيف. لان المصنف يجمع قوته وتمكنه مراجعة الاصول فينبغي ان يحقق الالفاظ كما هي في مخارجها من تأليف ائمة الرواية ودلالة هذا الحديث على وجوب الحج في عده من مباني الاسلام واركانه عظام فان اركان الاسلام التي يبنى عليها واجبة الا ولم تكن واجبة لما صح اطلاق الركنية عليها. فصارت دالة على وجوب الحج من جهة عده ركنا من اركان الاسلام واما الاثار الواردة عن الصحابة اورد المصنف رحمه الله تعالى اثرين احدهما عن عمر والاخر عن علي اسناده ضعيف وانما صح عن عمر رضي الله عنه انه قال من اطاع الحج فلم يحج فسواء عليه يهوديا مات او نصرانيا اخرجه الاسماعيلي والبيهقي في سننه الكبرى. واسناده صحيح كما ذكر ابن كثير وابن حجر رحمهم الله رحمهما الله. ودلالة هذا الاثر وما كان في معناه على وجوب الحج في تصير من ترك الحج مع القدرة عليه في حكم اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهم محكوم بكفرهم. كما قال تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين الاية. والحاق من ترك الحج بهم دال على اقترافه ذنبا عظيما من افعال اهل الكفر وسواء تركه جحدا او غير جحد فان ذلك كفر حال القدرة عليه كما قال الله فيما سلف ذكره ومن كفر فان الله غني عن العالمين وبينا وجهه ذلك فهذه الادلة دالة على وجوب الحج وانعقد على ذلك اجماع المسلمين وهو من الشعائر الظاهرة التي لا تحتاج الى نقل خاص في بيان وجوبها لاستفاضة ذلك في اهل الاسلام. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مسألة تتعلق بوجوب الحج وهي فوريته والمراد بالفورية المبادرة الى فعله عند اول التمكن منه المبادرة الى فعله عند اول التمكن منه واورد المصنف رحمه الله تعالى للدلالة على ذلك حديث ابن حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعجلوا الى الحج. الحديث رواه احمد وهو عند ابي داود وغيره بلفظ من اراد الحج فليتعجل. وفي اسناده ضعف وروي من وجه اخر ومن اهل العلم من يحسنه باعتبار اجتماع طرقه والاشبه والله اعلم ضعف هذا الحديث. ومما يوجب على العبد المبادرة الى الحج عند استطاعته ما ذكره المصنف في قوله لان اداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل السبيل اليه في ظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت الاية وهذا التفريع مبني على قاعدة اصولية وهي ان الوجوب على في اصح قولي اهل العلم. فاذا وجب على العبد شيء فانه لا تبرأ ذمته ولا يسلم من عهدته حتى يبادر اليه غير متأخر عنه لان الاحكام مبنية على طلب ابراء الذمة وهو معنى الفورية. كما قال الله سبحانه وتعالى فاستبقوا الخيرات في دلائل اخرى مذكورة في تآليف الاصوليين فمن استطاع الحج وجب عليه ان يبادر اليه فورا دون تأخير وفورية الحج هي مذهب جمهور اهل العلم فان جمهور اهل العلم على ان الحج واجب على الفور. خلافا وانما ذهب من ذهب الى القول بعدم فورية الحج اخذا بان فرضه كان في السنة السادسة واداؤه صلى الله عليه وسلم له كان في السنة التاسعة فحيث تأخر مثال بعد ورود الامر دل ذلك على انه على التراخي للفور. وهذا المذهب فيه لان فرض الحج لم يكن بقول الله سبحانه وتعالى واتموا الحج والعمرة لله. النازلة سنة وانما كان بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت. فالاية الاولى انما في الامر باتمام الحج والعمرة عند الدخول فيهما وليس فيها بيان وجوب الحج والعمرة ابتداء وانما وقع ذلك بغيرها من الدلائل. فالصحيح ان الحج انما وقع في سنة تسع واختار هذا جماعة من المحققين كابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابي عبدالله ابن وشيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى دليلا اخر من السنة يدل على الفورية وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا اخرجه مسلم ودلالته على ذلك هو ما تقرر في اصح قول اهل العلم بالاصول ان الامر للفور فقوله صلى الله عليه وسلم فحجوا دال على فورية الحج لكونه امرا وما كان امر فان الخطاب به امتثالا يقع على الفور وعدم التراخي. وبعد ان فرغ المصنف رحمه الله تعالى من بيان دلائل وجوب الحج اتبعه بدلائل وجوب العمرة. ولم يذكر شيئا من اي القرآن يدل على وجوب العمرة لخلو ذلك من ايه. وقوله تعالى واتموا الحج والعمرة لله لا يدل على وجوب العمرة ابتداء وانما يدل على وجوب اتمامها بعد الدخول فيها. ولهذا فالمعول عليه عند القائلين بوجوب العمرة انما هو الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث الواردة عن صلى الله عليه وسلم في ايجاد العمرة نوعان اثنان احدهما ما هو حديث صريح غير صحيح والثاني ما هو حديث صريح صحيح لكن زيادة ذكر العمرة فيه شادة وهذا هو حكم الاحاديث التي المصنف رحمه الله تعالى كحديث عمر في قصة جبريل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم وتحج البيت وتعتمر فان اصل الحديث صحيح لكن هذه لكن هذه الزيادة ضعيفة وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة فان اصل هذا الحديث صحيح الا ان هذه الزيادة بذكر العمرة شاذة. وكل حديث جاء فيه ذكر وجوب العمرة مقرونة بالحج فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث المروية في ايجاد في ايجاب العمرة لا يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن صح هذا عن جماعة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وغيره. فالصحيح من قولي اهل العلم وجوب العمرة كما هو مذهب الشافعي واحمد. ودليل الوجوب هو الاثار المروية عن الصحابة ولا نعلم بينهم خلافا في ذلك. واتباع اذهار الصحابة من طريقة اهل السنة والحديث والاثر ثم ذكر مسألة متعلقة بوجوب الحج والعمرة فقال ولا يجب الحج والعمرة في العمر الا مرة واحدة. فالذي تبرأ به الذمة ويحصل به الامتثال هو اداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر. وما زاد عنها كان واورد المصنف رحمه الله تعالى دليلا على ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي اخرجه الاربعة الا الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. وهذا الحديث فيه ضعف فان اصل القصة في وليس فيه ذكر هذا اللفظ لكن الاجماع منعقد على هذا. وان العبد مأمور باداء هذا النسك الحج مع العمرة مرة واحدة في عمره. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من السنن الاكثار من الحج والعمرة تطوعا كما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرة الى كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة فاذا امكن للعبد ان يستكثر من اداء العمرة والحج تطوعا فذلك من افضل الاعمال فصل في وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم. اذا عزم المسلم على السفر الى الحج او او العمرة استحب له ان يوصي اهله واصحابه بتقوى الله عز وجل وهي فعل اوامره واجتناب نواهيه. وينبغي ان يكتب ما له وما عليه من الدين ويشهد على ذلك ويجب عليه المبادرة الى التوبة النصوح من جميع الذنوب لقوله تعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم فحقيقة التوبة الاقلاع عن من الذنوب وتركها الاقلال من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العود فيها وان كان عنده للناس مظالم من نفس او مال او عرض ردها اليهم او تحللهم منها قبل سفره لما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال من كان عنده مظلمة لاخيه من مال او عرض فليتحلل اليوم قبل قبل ان دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل اليه وينبغي ان ينتقب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال لما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا. رواه الطبراني عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغوز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه ناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور. واذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة ضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه ناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام حرام وحجك غير مبرور. وينبغي للحاج الاستغناء عن ما في ايدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلى الله عليه عليه وسلم ومن يستعذف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. ويجب على الحاج ان يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الاخرة والتقرب الى بما يرضيه من الاقوال والاعمال في تلك المواضع الشريفة. ويحذر كل الحذر من ان يقصد بحجه بحجه الدنيا وحطامها او والسمعة والمفاخرة بذلك فان ذلك من اقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله. كما قال تعالى من كان الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار وحفظ ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون. وقال تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا. ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن اولئك كان سعيهم مشكورا. وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه اشرك معي فيه غيري تركته وشركه. وينبغي له ايضا ان يصحب في سفره الاخيار من اهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين ويحذر من صحبة السفهاء والفساق. وينبغي له ان يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ويتفقه في ذلك ويسأل عما اشكل عليه ان يكون على بصيرة. فاذا ركب دابته او سيارته او طيارته وغيرها من المركوبات استحب له ان يسمي الله سبحانه ويحمده ثم يكبر ثلاثا ويقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون يقول اللهم اني اسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده اللهم ما عند الصاحب في السفر والخليفة في الاهل اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل بصحة لذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار ودعاء الله سبحانه والتضرع اليه وتلاوة القرآن وتدبر معانيه. ويحافظ على الصلوات في الجماعة ويحفظ لسانه من كثرة القيل والقال والخوض فيما لا يعنيه والاضراط بالمزاح ويصون لسانه ايضا من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية لاصحابه وغيرهم من اخوانه المسلمين. وينبغي له بذل البر في وكف اذاه عنهم وامرهم بالمعروف ونهيه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة حسب الطاقة ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فصلا اخر من كتابه يبين فيه جملة من الاحكام المتعلقة بالحج ترجم له بقوله فصل في وجوب التوبة من المعاصي والخروج عن المظالم والخروج من المظالم وذكر فيه غير هذين الشيئين. مما يتعلق بما يكون عليه الحاج في سفره. وانما قصر الترجمة على هذين الامرين لجلالتهما وعظمتهما وكان له ان يترجم بقوله مثلا فصل في ما ينبغي على عند سفره الى حجه الا انه عدل عن ذلك وان كان مقصود الفصل الى الترجمة بهذا تنبيها الى جلالة محله من النسك. وبين في صدر هذا الفصل ذلك قال اذا عزم المسلم على السفر الى الحج او العمرة استحب له ان يوصي اهله واصحابه بتقوى الله عز وجل وهي فعل اوامره واجتناب نواهيه وينبغي ان يكتب ما له وما عليه من الدين ويشهد على ذلك ومقصود الوصية ان يبين فيها حق الله وحق خلقه. فحق الله سبحانه وتعالى الذي كتبه عليه هو امره اهله بملازمة تقوى الله سبحانه وتعالى وحق خلقه ردوا ما عنده من حقوقهم من مال وغيره فيجب عليه ان يبينه ليعرف عنه ذلك ان مات في سفره فلا تضيع حقوق الخلق ولا تتعلق في ذمته باقية بعد موته. ثم ذكر رحمه الله تعالى بعد هذا مما يجب على مريد الحج قبل سفره ان يبادر الى التوبة النصوح من جميع الذنوب. وذكر قول الله سبحانه وتعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون. وهذه الاية دالة على وجوب التوبة. لكن ليس فيها تعيين كونها توبة نصوح. وكان المطابق لما ذكر ان يذكر قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا. فان هذه الاية مصرحة بتعيين التوبة الواجبة وهي التوبة والتوبة النصوح هي ان يتوب الانسان من الذنب ثم لا يرجع اليه. كما صح ذلك عن عمر ابن الخطابي فيما رواه ابن جرير في تفسيره ثم بين المصنف رحمه الله تعالى حقيقة التوبة اصل التوبة هو الرجوع الى الله سبحانه وتعالى. فان التوبة متضمن لمعنى رجوع فاذا تاب العبد الى الله فانه يرجع اليه مفارقا نهيه الى امره ومعصيته الى طاعته. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما يبين حقيقتها متضمنا لشرائطها. فقال وحقيقة التوبة الاقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العود فيها الى اخره. وهذه امور مبينة للحقيقة انما هي شرائط التوبة. فانزل الشرائط منزلة مبين حقيقة وان كانت حقيقة التوبة كما سلف هي الرجوع الى الله سبحانه وتعالى وشروطها ثلاثة عند اهل العلم اولها الاقلاع من الذنب وتركه وتانيها الندم على مواقعته وثالثها والعزيمة على عدم العود فيها اي في الذنوب التي مضت. وهذه الشروط الثلاثة خصت بالذكر عند اهل العلم تعلقها بالتوبة اصلا وزاد بعضهم شرطا رابعا وهو اخلاص وهذا الشرط شرط في جميع الاعمال فان العمل لا يقبل حتى يكون خالصا فترك اهل العلم عده لانه شرط مضطرد في كل عمل. وزاد بعضهم شرطا خامسا وهو التخلص من المظالم المتعلقة بالنفوس او الاعراض او الاموال وتحلل اهلها واعرظ عنه جمهور اهل العلم العادين لشروط التوبة لاندراجه في معنى الاقلاع عن الذنب فان من لم يرد المظالم ولم يتحلل اهلها لم يكن مقلعا عن الدم. وسبق ان ذكرت لكم ان من قواعد لاهل العلم ان الرد اولى من المد. فاذا امكن رد الكلام بعضه فاذا امكن رد الكلام بعضه الى بعض كان ذلك اولى من مده وبسطه. فشروط التوبة هي الثلاثة التي ذكرت انفا وما زاد عنها فاما ان يكون راجعا الى اصل عام كالاخلاص او مندرجا في احدها كما يذكر من رد المظالم والتحلل منها. واورد المصنف رحمه الله تعالى حديثا مخرجا في صحيح البخاري. يؤذن بوجوب التحلل من المظالم وردها الى اهلها وهو قوله صلى الله عليه وسلم من كان عنده مظلمة لاخيه من مال او عرظ فليتحلل اليوم قبل ان لا فيكون دينار ولا درهم الحديد وفيه ايجاب التحلل من المظالم وطلب المسامحة والعفو من اهلها. فان اصل التحلل هو طلب جعل المرء في حل. ولا يكون ذلك الا وقوع العفو عنه والمسامحة له. وهذا الامر دائر مع المصلحة فاذا كانت مصلحة التحلل راجحة اقدام عليها. وان كانت المفسدة راجحة احجم عن قلل لان المقصود هو رد المظالم والتخلص منها لا تجديدها. وقد يكون في التحلل تارة تجديدا لتلك المظالم وتهييجا لها. فاذا لم يمكن التحلل مباشرة رد المظلمة دون ايجاب المباشرة كان يعطي المال وسيطا يوصله الى صاحبه او غيره ذلك لئلا تتجدد المظالم وينتفي المقصود منها. ثم وذكر المصنف رحمه الله تعالى من الاحكام المتعلقة بسفر الحاج انه ينبغي ان ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة ومعنى الانتخاب الاختيار. فيختار من ما له مالا حلالا طيبا لما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله طيب لا يقبل الا طيبا. ومن الطيب اللازم ان يكون المال حلالا فيما يفتقر اليه من عبادات كحج وعمرة ثم اورد رحمه الله تعالى حديثا ثانيا في هذا المعنى اجراه مجرى المتابعة لما سبق وهو حديث ابي هريرة المخرج المخرج عند الطبراني ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغني عنه حديث والاول ان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا. ثم ذكر من احكام السفر انه ينبغي للحاج الاستغناء عن ما في ايدي الناس. والتعفف عن سؤالهم. لقوله صلى الله عليه وسلم ومن يستعفف يعفه الله وقوله لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة الحديث وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين. وهذا لا يختص بالحج. بل ينبغي للعبد ان يستغني عما في ايدي الناس وان يمتنع من سؤالهم وان يعلق حاجته بربه عز وجل. وانما ذكر المصنف رحمه الله تعالى وغيره هذه المسألة في هذا المحل من مناسك الحج لان مذهب المالكية ان من كان له عادة في سؤال الناس وجب عليه الحج فيسأل الناس ويحجوا بما جمعه من سؤالهم. وهذا خلاف ما عليه جمهور اهل العلم فان به هو الاستغناء عما في ايدي الناس. ثم ذكر رحمه الله تعالى طرفا مما يتعلق بنية الحج قال ويجب على الحج ان يقصد يجب على الحاج ان يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الاخرة والتقرب الى الله بما يرضيه من الاقوال والاعمال الى اخر ما ذكر. والنية المتعلقة بالاعمال ثلاث مراتب اولها نية العمل بها النية التي يحصل بها تمييز العمل. اهو عبادة ام عادة؟ وهل العبادة فيه فرض ام نفل وثانيها نية تتعلق بتمييز المقصود بالعمل. اهوى الله ام غيره؟ ويتعلق بهذه المرتبة الاخلاص والرياء وثالثها نية تتعلق بتمييز المقصود من العمل اهوى ثواب الاخرة ام الدنيا هذه المراتب مطردة في كل عمل من الاعمال. واذا اردت اجراءها في الحج فنية العمل فيه هل هو فرضك الذي تؤديه؟ ام نفل تتقرب به الى الله سبحانه؟ وتعالى وهذا متعلق بالمرتبة الاولى. وفي المرتبة الثانية وجوب الاخلاص في اعمالك في الحج كلها صغيرها وكبيرها سرها وعلنها. وفي الثالثة انه ينبغي على العبد ان يتحرى ما عند الله سبحانه وتعالى من ثواب الاخرة الذي صحت به الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعمال الحج ومنها الحديث المتقدم في الصحيحين والحج المبرور ليس له جزاء لله الجنة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا مما يخالف هذا فقال ويحذر كل الحذر من ان يقصد بحجه الدنيا وحطامها اولياء السمعة او الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك فان ذلك من اقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله وذكر رحمه الله الاية المصدقة لذلك ثم اتبعها بحديث ابي هريرة المخرج في صحيح وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري وقته وشركه فيجب على العبد ان يخلص حجه لله سبحانه وتعالى. ثم ذكر من الاداب المستحسنة في السفر ان يحرص الحاج على صحبة الاخيار من اهل الطاعة والتقوى. ويحذر من صحبة السفهاء والفساق لان صحبة اهل الخير تعينه على امتثال المأمور به في حجه. كما ان صحبة اهل السفه اي والفسق تجره الى الوقوع في فيما حرم الله سبحانه وتعالى. وهذا الاصل لا يختص الحج بل هو اصل عظيم مقرر في الشرع فان الشرع جاء بالحث على مصاحبة الاخيار ومباعدة الاشرار كما قال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين صادقون هم الصادقون مع الله ومع خلقه بامتثال اوامر الله سبحانه وتعالى وصدق الحديث مع خلق الله عز وجل وفي الصحيحين من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك اما ان تبتاع منه واما ان يحذيك ان اياك واما ان تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير اما ان يحلق ثيابك واما ان تجد منه ريحا والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض كاسراب القطا كما قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى. ثم ذكر مما ينبغي للحاج وهو ان يتعلم ما ما يشرع له في حجه وعمرته وان يتفقه في ذلك ويسأل عما اشكل ليكون على بصيرة. وهذا كما سلف مبني على قاعدة عظيمة. وهي ان كل ما وجب العمل به فيجب تقدم العلم به عليه. فلا يجوز للانسان ان يدخل في عملا من الاعمال الواجبة دون علم. فمن يحج دون تعلم لاحكام الحج فانه اذا وقع في شيء من الاخطاء المتعلقة باحكام نسكه يكون اثما مباشرة. ولو لم يتعمد لان جهله بها محرم فلا يجوز للانسان ان يجهل الاحكام الشرعية المتعلقة بما وجب عليه من من العمل لان كل واجب عمله يجب تقدم العلم به كما ذكر ذلك القرافي وابن القيم ومحمد علي ابن حسين المالكي في تهذيب الفروق وسبق ذكر هذا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من اداب السفر تقديم ذكر في دعائه فيستحب للانسان ان يأتي بالدعاء الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى وقال في اخره في صحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اخرجه مسلم من حديث عبد الله ابن عمر. وليس في لفظ الحديث عند مسلم ذكر التسمية ولا ذكر الحمد. وهما غير محفوظان وهما غير محفوظين في الحديث انما المحفوظ في الحديث هو التكبير ثلاثا ثم قول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين الى اخره وهذا الدعاء يسمى دعاء السفر ومحله هو حال خروج الانسان من بلده ولا يشرع في غيره. فمن سافر من بلده الى مكة او المدينة او غيرهما شرع له ان يقول ذلك في ابتداء السفر. فاذا خرج من تلك بلدة قافلا الى بلدته لم يشرع له ان يقول هذا الذكر. وكذلك اذا خرج من تلك البلدة الى بلدة اخرى فانه لا يشرع له ان يقول هذا الذكر. فاذا سافر الانسان مثلا من الرياض الى المدينة ابتدأ هذا الذكر عند خروجه من الرياض الى المدينة. فاذا خرج من المدينة الى مكة لم يكن له الاتيان به لانه لا يزال مسافرا ومحل هذا الذكر انما هو في اول سفره عند خروجه من بلده هو لا يزال مسافرا ولو خرج من بلد الى بلد مائة مرة حتى يرجع الى بلده الاول. ثم ذكر رحمه الله تعالى مما ينبغي ان يكون عليه الحاج في سفره الاكثار من الذكر والاستغفار ودعاء الله والتضرع اليه وتلاوة القرآن تدبر معانيه والمحافظة على صلاة الجماعة وحفظ اللسان وترك الخوض فيما لا ينفع وعدم الافراط في المزح وصون اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والسخرية باصحابه وغيرهم من اخوانه المسلمين. وكل هذه الامور مما استفاضت دلائله في الاحكام الشرعية المتعلقة بالحج وغير الحج. ثم ذكر مما يتعلق بادب بالرفقة وهو انه ينبغي له بذل البر في اصحابه وكف اذاه عنهم وامره بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة الموعظة الحسنة على حسب الطاقة. فيعاملهم على الوجه الاتم. كما يحب ان يعاملوه هم على الوجه الاتم وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من احب ان يزحزح عن النار دخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه وهذا اصل في ملاحظة معاملة الخلق بالاتم لانه يحب ان يعاملوه بمثله نعم احسن الله اليك. قال فصل فيما يفعله الحاج عند وصوله الى الميقات. فاذا وصل الى الميقات تحب له ان يغتسل ويتطيب بما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الاحرام واغتسل ولما ثبت في الصحيحين يعني عائشة رضي الله عنها قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل ان يحرم ولحله قبل ان يطوف بالبيت وامر صلى الله عليه وسلم عائشة رضي وعائشة رضي الله عنها لما حاضت وقد احرمت بالعمرة ان تغتسل وتحرم بالحج وامر صلى الله عليه وسلم اسماء بنت عميس رضي الله عنها قال لما ولدت لما ولدت بذي الحليفة ان تغتسل وتستثمر وتستثمر وتحرم فدل ذلك على ان المرأة اذا وصلت الى الميقات وهي حائض او نفساء تغتسل وتحرم مع الناس وتفعل ما الحاج غير الطواف بالبيت كما امر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة واسماء رضي الله عنهما بذلك ويستحب لمن اراد الاحرام ان هذا شاربه واظفاره وعانته وابيضيه فيأخذ ما تدعوه الحاجة الى اخذه بالا يحتاج الى ذلك بعد الاحرام وهو محرم عليه ولان النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الاشياء في كل وقت. كما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس الختان والاستحداث وقص الشارب وقلم الاظافر وقلب الاظفار يتف الابا عطوة. وفي صحيح مسلم عن انس رضي الله عنه قال وقت لنا في قص الشارب وقلم الاظفار ونتف الابط وحلق العانة ان لا نترك ذلك اكثر من اربعين ليلة واخرجه النسائي بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرجه احمد وابو داوود والترمذي بلفظ النسائي واما الرأس فلا يشرع اخذ شيء منه من الاحرام لا في حق الرجال ولا في حق النساء واما اللحية فيحرم حلقها او اخذ شيء منها في جميع الاوقات بل يجب اعفاء وتوقيرها بل يجب اعفائها وتوفيرها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف المشركين وفروا اللحى واحبوا الشوائب. واخرج مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشوارب واخ وارظ اللحى خالفوا المجوس. وقد عظمت وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة محاربتهم من لحى بمشابهة الكفار والنساء ولا سيما من ينتسب الى العلم والتعليم فانا لله وانا اليه راجعون اسأل الله ان يهدينا وسائر المسلمين السنة والتمسك بها والدعوة اليها وان رغب عنها الاكثرون. وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ثم يلبس ثم يلبس ثم يلبس الذكر ازارا ازارون نداء ويستحب ان ان يكونا ابيظين نظيفين ويستحب ان يحرم في نعلهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم وليحرم احدكم في ازار ورداء ونعمة واخرجه الامام احمد رحمه الله واما المرأة فيجوز لها ان تحرم فيما شاءت من اسود او اخضر او غيرهما مع الحذر من التشبه بالرجال لباسهم لكن ليس لها ان تلبس النقاب والقفازين حال احرامها ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين. واما تخصيص بعض العامة احرام المرأة في الاخضر او الاسود دون غيرهما فلا اصل له ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظير ولبسه ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبسه ولبس ثياب الاحرام ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريد من حج او عمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. ويشرع له التلفظ بما نوى فان كانت نيته العمرة قال لبيك الله عمرة او اللهم لبيك عمرة وان كانت نيته الحج قال لبيك الله لبيك حجا او او الله اللهم لبيك حجا لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وان نواهما جميعا لبى بذلك فقال اللهم لبيك عمرة وحجا والافضل ان بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة او سيارة او غيرهما. لان النبي صلى الله عليه وسلم انما اهل بعد ما استوى على راحلته بعثت به من الميقات للسير هذا هو الاصح من اقوال اهل العلم. ولا يشرع له التلفظ بما نوى الا في الاحرام خاصة لوروده عن النبي صلى الله وسلم واما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له الا يتلفظ في شيء منها بالنية فلا يقول نويت ان اصلي كذا وكذا ولا نويت ان اطوف كذا وكذا بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة والجهر بذلك اقبح واشد اثماه ولو كان التلفظ بالنية مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم واوضحه للامة بفعله او قوله ولسبق اليه السلف الصالح فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه رضي الله عنهم علم انه بدعة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. اخرجه مسلم في صحيحه وقال الصلاة والسلام من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه من حيث متفق متفق على صحته. وفي لفظ لمسلم من عمل ليس عليه امرنا فهو رد. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فصلا اخر. يتعلق باحكام الحج وفصل فيما يفعله الحاج عند وصوله الى الميقات. وابتدأه بقوله فاذا وصل الى الميقات استحب له او ان يغتسل ويتطيب. واورد في ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه تجرد من المخيط عند الاحرام واغتسل والاحاديث المروية في اغتساله صلى الله عليه وسلم عند الاحرام من الميقات لا يثبت منها شيء. ولم يكن هذا امرا يلتزمه اصحابه الله عنهم بل ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه انه كان اذا احرم اغتسل وربما توضأ والمفرق بين الحالين فيما يظهر والله اعلم ملاحظة الحاجة الى ذلك فاذا احتيج الى الاغتسال لاجل قدر البدن ووسخه كان ذلك مستحبا. واذا لم توجد الحاجة لم يستحب ذلك. وهذا هو الذي تدل عليه الاحاديث الثابتة في ذلك فان النبي صلى الله عليه وسلم امر من امر بالاغتسال لما كان له موجب للاغتسال كعائشة في حيضها واسماء في نفاسها فاذا وجد نظير هذا باحتياج البدن الى الاغتسال استحب له ذلك. فان لم المرء اليه لم يكن ذلك مستحبا. ويتبع الاغتسال في الاستحباب التطيب وقد ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة اذ قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم احرامه قبل ان يحرم وتطيب المحرم انما هو في بدنه ورأسه فيستحب له وان يطيب بدنه ورأسه دون ثياب نسكه. ثم ذكر المصنف رحمه الله الا مما يستحب مريد النسك ان يتعاهد شاربه واظفاره وعانته وابطيه. فيأخذ ما تدعو الحاجة الى اخذه وهذا هو الذي عليه المحققون في استحباب هذه الاعمال للناس وهو وجود داعي الحاجة فاذا دعت الحاجة الى ذلك استحب وان لم تدع الحاجة الى ذلك لم يستحب له. فان الدلائل لم تثبت في تعاهد الشارب والاظفار والعانة والابطين عند ارادة الدخول في النسك. فلا تختص بهذا كما ذكر ذلك شيخ الاسلام ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى. لكن ان وجدت الحاجة الى ذلك استحب للعبد ان يتعاهدها فان النبي صلى الله عليه وسلم امر المسلمين بتعاهد هذه الاشياء في كل وقت فانها من سنن الفطرة كما ثبت ذلك في حديث ابي هريرة المخرج في الصحيحين وفيه الفطرة خمس. وفي صحيح مسلم من انس انه قال وقت لنا في قص الشارب وقل من اظفار ونتف الابط وحلق العانة ان لا نترك ذلك اكثر من اربعين ليلة فمنتهى التأميد في اخذ هؤلاء هو بلوغ الاربعين فلا يجوز للانسان ان يؤخرها عن الاربعين. وقد يتعين ذلك قبلها اذا وجدت علة الحكم فاذا طالت الاظافر او الشارب او كتف شعر الابط والعانة وجب على الانسان ذلك ولو قبل الاربعين لان الحكم مناض بعلته دفع الاذى والتقدر عن العبد فاذا وجدت العلة وجب على الانسان ان يبادر الى ما امر به وقد وقع التصريح بنسبة المؤقت الى النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحفوظ هو لفظ مسلم قتلنا وما اضافه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء لغير الفاعل كامرنا او نهينا او وقت لنا فانها مرفوعة الى النبي صلى الله عليه وسلم حكما على الصحيح من قولي اهل العلم كما اشار الى ذلك العراقي بقوله في الالفية قول الصحابي من السنة او نحن امرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله باعصر على الصحيح وهو قول الاكثري. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلمة في بيان هذا الحكم كان الاولى العدول عنها اذ قال لان النبي صلى الله عليه وسلم شرع المسلمين تعاهد هذه الاشياء الى اخره. فان النبي صلى الله عليه وسلم ليس شارعا. وانما هو مبلغ هذا هو الذي نطقت به اية الكتاب الكريم وجرى عليه عمل السلف رحمهم الله تعالى فلم يأتي في الفاظ قط قولهم شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ولا جاء ذلك في اي القرآن الاحاديث النبوية وذكرنا هذه المسألة سابقا في ابيات من يذكرها الشرع حق الله دون رسوله ايوا بقوله يثبتنا بالقول بالنص يثبتنا الشرع حق الله دون رسوله بالنص اثبت لا بقول فلان اوما رأيت الله حين ابا حين اشاده ما جاء في الايات ذكر الثاني وجميع صحب محمد لم ينطقوا شرع الرسول ببرهان فاي الكتاب لم يأتي فيها قط ان النبي صلى الله عليه وسلم شارع وانما فيها انه مبلغ وكذلك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلفظوا بهذا وانما كانوا يقولون فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا او سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى بعد ذلك مما ينبه اليه من الاحكام ان تعاهد الرأس بالاخذ منه لا يشرع عند الاحرام لا في حلق الرجال ولا في حلق النساء. فالتعاهد يختص بالامور السابقة وبينا ما سلف فيها. واما اللحية فيحرم حلقها او اخذ شيء منها في جميع الاوقات لما جاء من الادلة في وجوب اعفائها وتوفيرها وذكر رحمه الله تعالى الاحاديث في ذلك. فاما تحريم الحلق فهذا امر نقل جماعة من اهل العلم الاجماع عليه منهم ابو محمد ابن حزم وابو العباس ابن تيمية الحفيد في حرم حلق اللحية اجماعا والمراد بالحلق استئصالها بحيث لا يبقى شيء من شعرها. اما اخذ شيء منها فاهل العلم مختلفون في دخوله في جملة الاعفاء والتوفير المأمور به ام لا؟ والصحيح ان اخذ ما زاد عن القبضة صحت به الاثار عن الصحابة كابن عمر وابي هريرة. واما ما دون ذلك مما هو فوق القبضة فلم يصح عن احد من الصحابة رضي الله عنهم الاخذ منه. فيجب وقف المأخوذ منها على ما ورد عن الصحابة رضوان الله عنهم وما زاد عن ذلك فلا يؤخذ منه شيء الا ان حصل به ضرر او احتيج اليه في مداواة ونحوها. وهذه المسألة مما عظمت فيها في الازمنة المتأخرة. عند الناس. فصار من المنكرات الظاهرة حلق اللحية بالكلية. ومخالفة امر النبي صلى الله عليه وسلم في التوفير والاعفاء. واشد ما تعظم المصيبة به في وقوع هذا المنكر اذا كان في من ينتسب الى العلم والتعليم. وشيوع منكر ما لا يؤذن بغض الطرف عنه. فان المحرم محرم قل او كثر فشى في الناس ام لم يفشوا فيهم؟ والواجب على طالب العلم ان يرعى هذا الامر في المنكرات وان يمتثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابي سعيد الخدري المخرج في صحيح مسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان وتغيير القلب يكون بكراهة الذنب وبغضي. وهذا امر يجب ان يطرده الانسان في جميع المعاصي ولو كثرت وفشت وان يحرك داعي الانكار في نفسه عند رؤيته لها. وعظمت المصيبة اكثر واكثر في الازمنة الاخيرة بتطلب مخارج لهذا المنكر وتشريعه بين الناس واظهار هذه المسألة من خفاف المسائل التي يسع الامر فيها الخلق وهذا من رقة الدين وضعفه في نفوس الناس وقد بلغ بلغ الامر بمن ضرب في هذا المسلك بالتماس بناء ذلك على دليل. فقال احد المتكلمين في هذه هي المسألة وقد وجدت مخرجا لمن وقع في حلق اللحية وهو ان الاصوليين مختلفون في دلالة افعل هل هي على الوجوب؟ او الاستحباب او للطلب الشائع بين الوجوب والاستحباب وعلى ذلك تكون الادلة السابقة في وجوب توفير اللحية وارخائها على هذا الخلاف. فيكون الامر فيها متسعا. وهذا كله من رقة الدين وضعفه في قلوب الخلق واهل العلم والمنتسبون للشريعة ينبغي ان يبنوا تدينهم على العزائم لا على الرخص ومن ظن ان بناء الدين على الرخص يوجب قبوله في قلوب الخلق فقد زل فان ابن مسعود ان كان يقول ان هذا الامر جد. فاذا خلطتموه بالهزل مجته قلوب الناس. فمن يظن انه بتيسيره للدين كما يتوهم ببنائه على الرخص المجزوم بها او المظنونة او المتوهمة قد اخطأ طريقة الكتاب والسنة. فان الله عز وجل لما امر اهل الكتاب قال لهم خذوا الكتاب بقوة فالدين انما يقوم وتقبله القلوب اذا كان معظما في النفوس. فاذا رقق الدين لهم وحب بهذا المسلك فانهم ينفرون منه بل ينفرون من الداعي الذي اختار ومن تلاعب الشيطان بالناس ما ارتكبه بعض المنتسبين الى الدعوة من ابتغاء هذا الاصل ظانين انهم يوصلون الدين بذلك الى قلوب الخلق وهو خلاف طريقة الكتاب والسنة. فان الكتاب والسنة لم تنسج هذا في تقعيد الدين في قلوب الناس وتقليده فيهم بل جرت على طلبهم عزائم والكمالات لان النفوس اذا عزمت وكملت قوت على سلوك الطريق. واذا اضعفت بمثل هذه الرخص انقطعت عن سلوك الطريق. فينبغي على طالب العلم ان يلازم الاخذ بالعزيمة المقوية. لان الرخص الموهنة المتوهمة تضعف دين الانسان فان المرء يبدأ برخصة مجمع عليها ثم يتسارع الى رخصة مختلف فيها ثم يرتكب بعدها رخصة متوهمة حتى يتلاشى دينه بالكلية ما ترونه اليوم في حال الناس فلا تنظر الى من هلك كيف هلك ولكن انظر الى من نجا كيف نجا ان اعظم الطرق المؤدية الى تعظيم الدين في قلوب الناس هو تعظيمه لهم وبناء فعلهم له على الكامل. واما الناقص فانه لا ينفعهم. وما يجري عليه الناس من ابتغاء غير هذا السبيل لا ينفع الداعي ولو ولا المدعو وستنبئك الايام عن حقائق ذلك ومن يسلك وهذا المسلك ممن يطلب رضا الجماهير يخسر الجماهير حتما. وقد سلكه قبله اناس فخسروا جماهيرهم وربما رجع عليهم جماهيرهم باللعن وربما هم انخلعوا من الاسلام بالكلية وانتحلوا مذاهب والنفاق الرائجة في كل عصر تحت اسماء مختلفة كالعلمانية والليبرالية وغيرها. فليحذر الطالب هذا الامر ويأخذ نفسه بالاحوط ليسلم له دينه. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يتعلق احكام الكائنة عند الوصول الى الميقات ان يلبس الذكر ازارا ورداء. ويستحب ان يكون ابيظين نظيفين ويستحب ان يحرم في نعلين وتصير لباس الذكر على هذه الصفة من كونه ازارا ورداء ابيضين نظيفين اما ترتيبه ازارا ورداء فهذا هو الذي ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم. واما كونهما واما كونهما ابيضين فالاحاديث الصحيحة. في مدح البياض والامر باتخاذ الثياب منه كما ثبت ذلك عند الترمذي وابن ماجة. واما كونهما نظيفين فلان نظافة الرداء والازار دالة على كمال التجمل الموجب لكمال العبادة فان الانسان اذا كمل بربه اعانه ذلك على تكميل عبادته وقد اشترى تميم الدار حلة بالف دينار كان يلبسها في صلاة الليل فهو يتجمل لربه ليكون تقربه له على الوجه الاكمل. واستحباب النعلين فيه هذا الحديث عند احمد وليحرم احدكم في ازار ورداء ونعلين. واصل في الصحيحين ليس فيه هذا اللفظ. فهذا الحديث بهذا السياق شاذ. واستحباب النعال خاصة لم يرد فيه شيء معين بالنسبة للحاج. واما بالنسبة لعامة حال الانسان فقد ثبت الامر بالانتعال ومدحه في احاديث كثيرة في صحيح مسلم وغيره. ثم ذكر بعد ذلك لباس المرأة فقال واما المرأة فيجوز لها ان تحرم فيما شاءت من اسود او اخضر او غيرهما فلا يتعين لون من الالوان مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم لحرمة ذلك. لكن ليس لها ان تلبس النقاب حال احرامها ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهي المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين في صحيح البخاري. وما كان في معنى النقاب فهو ملحق به كالبرقع واللثامة. وقد روى البيهقي بسند صحيح عن عائشة قالت في عد احكام المرأة في الحج قالت ولا تبرقعوا ولا فالمرأة منهية عن البرقع واللثام كما هي منهية عن النقاب لكن النقاب جاء في لفظه صلى الله عليه وسلم وغيره انما جاء في اثار الصحابة كاثر عائشة الذي ذكرته لكم عند البيهقي بسند صحيح. ثم نبه ان ما يتوهمه بعض العوام من تخصيص احرام المرأة في لون معين كالاخظر او الاسود انه لا اصل له. ثم ذكر بعد ذلك كما يشرع للناسك بعد فراغه من غسله وتنظفه ولبسه ثياب الاحرام وهو ان ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده وهذه النية هي التي تسمى بالاحرام فان الاحرام هو نية الدخول في النسك وليس هو لبس الازال والرداء بل الاحرام هي هو نية الدخول في النسك. وهذه النية هي النية خاصة فانا الناسك له نيتان اثنتان احداهما نية عامة بارادة نسكه من حج او عمرة وهذه النية واقعة منه عند خروجه من بلده. والثانية نية خاصة وهي متعلقة بارادته الدخول في النسك وهي التي تكون عند الميقات. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان الناسك يشرع له التلفظ بما نوى بان يقول لبيك عمرة او اللهم لبيك عمرة او ان يقول لبيك حجا او يقول اللهم لبيك حجا لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبيك عمر وحجا وفي لفظ لبيك بعمرة وحج. وهل هذا التلفظ تلفظ بالنية ام تلفظ بالنسك قولان لاهل العلم وصحهما ان هذا تلفظ بالنسك وليس تلفظا بالنية. لان النية محلها القلب ولم يشرع التلفظ بها في شيء من العبادات وانما الذي تلفظ به عند الدخول في النسك تعيينه وبيان مقصود الناسك في نسكه الذي اراده. فاذا قال لبيك عمرة دل على ارادته العمرة واذا قال لبيك حج ان دل على ارادته الحج واذا قال لبيك عمرة وحجا دل على تعيين نسكه بالعمرة والحج وهو القران كما سيأتي فالمختار ان هذا تلفظ ببيان النسك وليس تلفظا بالنية باصح قولي اهل العلم رحمهم الله تعالى. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى محل التلفظ ببيان النسك وهو انه يكون بعد استواء الحاج على مركوبه من دابة او سيارة او غيرهما وهذا هو الصحيح من قولي اهل العلم. لان النبي صلى الله عليه وسلم انما اهل بعدما استوى على راحلته كما ثبت ذلك في في الصحيحين من حديث ابن عمر واما الاحاديث المروية ان النبي صلى الله عليه وسلم اهل بنسكه على الارض فلا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ عنه هو ما رواه ابن عمر من اهلاله بنسكه حال استواه حال استوائه على ناقة ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه لا يشرع التلفظ بما ينويه العبد الا في الاحرام خاصة لانه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فلا ينبغي له ان يتلفظ فيه بالنية. والصحيح ان ما وقع منه صلى الله الله عليه وسلم ليس تلفظا بالنية وانما هو بيان للنسك المراد المقصود. فلا يشرع التلفظ بالنية لا في حج ولا في ضوء ولا في عمرة ولا في حج فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل نويت ان احج او نويت ان اعتمر او نويت ان يتوضأ او نويت ان اصلي فلم ينقل ذلك عنه ولم ينقل عن اصحابه رضي الله عنهم. وقد قطع المصنف الله تعالى بان هذا لم يعهد عن السلف الصالح ومراده بالسلف الصحابة ومراده بالسلف الصحابة تابعينا واتباع التابعين وهو كما قال فان هذا انما وجد في كلام غيرهم فوجد هذا في كلام الشافعي كما روى ذلك كعنه بسند صحيح ابن المقرئ في معجمه والسبكي في طبقاته. فما يوجد في كلام ابي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى والتلميذ ابن القيم ان ذلك لا يعرف عن احد من ائمة اهل العلم فيه نظر فقد صح ذلك عن الشافعي. لكن الشافعي رحمه الله تعالى قد ترك هذا وهجر القول بالتلفظ بالنية عند الصلاة الذي صح عنه عند ابن المقرئ و السبكي في الطبقات والذي دل على هجره انه اخلاه من كتبه فهذا كتاب الام بين ايدينا ولم يذكر فيه هذه المسألة فكان الشافعية كان يرى هذا قديما ثم تركه وهو الصحيح لانه لا يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من الصحابة ولا التابعين رحمهم الله تعالى فهو من محدثات الامور وبدع الاعمال التي دخلت على الناس نعم. احسن الله اليك فصل في المواقيت المكانية وتحديدها المواقيت خمسة. الاول ذو الحليفة وهو ميقات اهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم ابيار الثاني الجحفة وهي ميقات اهل الشام وهي قرية خراب تلي رابغ. والناس اليوم يحرمون من من رابغ ومن احرى من هذا احرى من الميقات لان رابغ قبلها بيسير. الثالث قرن المنازل وهو ميقات اهل نجد. وهو المسمى اليوم بالسيل يا لملم وهو ميقات اهل اليمن الخامس ذات عرق وهو وهي ميقات اهل العراق وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى الله عليه سلم لمن ذكرناه ومن مر عليها من غيرهم ممن اراد الحج والعمرة. والواجب على من مر عليها ان يحيي منها ويحرم ويحرم وعليه ان يتجاوزها بدون احرام اذا كان قاصدا مكة يريد حجا او عمرة. سواء كان مروره عليها من طريق الارض او من طريق لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم من ما وقت هذه المواقيت هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن ممن اراد الحج والعمرة المشروع لمن توجه الى مكة من طريق الجو بقصد الحج او العمرة ان يتأهبان لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة ان شاء الله ان يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة فاذا دنا من الميقات لبس ازاره ورداءه ثم لبى بالعمرة ان كان الوقت متسعا وان كان الوقت ضيقا لباب الحج وان لبس ازاره واذا هو قبل الركوب او قبل الدنو من الميقات فلا بأس ولكن لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك الا اذا حاذ الميقات او دنى منه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم لم يحرم من الا من الميقات والواجب على الامة التأسي به الله عليه وسلم في ذلك كغيره من شئون الدين. لقول الله سبحانه لقد لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. ولقول النبي صلى الله واله وسلم في حجة الوداع خذوا عني مناسككم. واما من توجه الى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة كالتاجر والحطاب والبريء والبريد ونحوه فليس عليه احرام الا ان يرغب في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن ممن اراد الحج والعمرة. فمفهومه ان من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا احرام عليه. وهذا من رحمة الله بعباده وتسليمه عليهم فله الحمد والشكر على ذلك. ويؤيد ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اتى مكة عام الفتح لم يحرم بل دخلها على رأسه المظفر لكونه حين ذاك حجا ولا عمرة وانما اراد سلاحها وازالة ما فيها من الشرك. واما من كان اسكنه دون المواقيت دون المواقيت كسكان ردة وام السلم وبحره. سلم الشجر هذا المعروف يكثر فيها الشجر هذا سموه ام السلام. ام السلم وبحرها والشرائع وبدر ومستورة واشباهها فليس عليه ان يذهب الى شيء من المواقيت خمسة المتقدمة بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما اراد من حج او عمرة واذا كان له مسكن اخر خارج الميقات فهو بالخيار ان شاء من الميقات وان شاء اخر من مسكنه الذي هو اقرب من الميقات الى مكة. لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال ومن كان دون ذلك فمهله من اهله حتى اهله حتى اهل مكة يهلون بمكة اخرجه البخاري ومسلم لكن من اراد العمرة وفي وهو في الحرم فعليه ان يخرج الى الحل ويحرم بالعمرة منه. لان النبي صلى الله عليه وسلم لما غلبت ابنه عائشة رضي الله عنها العمرة عبدالرحمن رضي الله عنه ان يخرج بها الى الحلة فتحرم منه فدل ذلك على ان المعتمر لا يحرم بالعبرة من من الحرم وانما بهذه الحلك وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس المتقدم ويدل على ان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله حتى اهل مكة يهلون من مكة هو بالحج الى العمرة اذ لو كان الاهلال بالعمرة جائزا من الحرم لاذن عائشة رضي الله عنها في ذلك ولم يكلفها بخروج الى الحل وهذا واضح قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم وهو احوط للمؤمن ان فيه العمى بالحديثين جميعا والله الموفق اما ما يفعله بعض الناس عن الاكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم او من تنعيم او الجعرانة او غيرهما وقد سبق ان اعتمر قبل الحج. فلا دليل على شرعيته بل الادلة تدل على ان الافضل تركه تركه لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج وانما اعتبرت عائشة من التنعيم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتمر بدلا عن عمرتها التي احرم بها من الميقات فاجابها النبي صلى الله عليه وسلم الى ذلك وقد حصلت لها العمرتان العمرة التي مع حجها وهذه العمرة المفردة فمن فمن وهذه عورة المفردة فمن كان مثله مثل عائشة فلا بأس ان من الحج عملا بالادلة كلها وتوسيعا على المسلمين لا شك ان اشتغال الحجاج بعمرة اخرى بعد فراغهم من الحج سوء العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع ويسبب كثرة الزحام والحوادث مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته والله الموفق. ذكر المصنف رحمه الله تعالى اصلا اخر من الاصول المتعلقة ببيان احكام الحج. ترجم له بقوله فصل في المواقيت المكانية وتحديدها فهو متضمن لبيان احد نوعي مواقيت الحج. فان مواقيت الحج نوعان اثنان احدهما المواقيت الزمنية وثانيهما المواقيت المكانية فالمواقيت الزمانية هي بيان الازمان المحددة شرعا للعمرة والحج. والمواقيت المكانية هي بيان الاماكن المحددة شرعا لابتداء العمرة والحج. وهذا الفصل متعلق بالثاني منهما وهو المواقيت المكانية. قد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان المواقيت طمسة والاجماع منعقد على هذا. الا ان هذه المواقيت تنقسم الى قسمين اثنين اولهما ما ثبت توقيته من النبي صلى الله عليه وسلم وهي المواقيت الاربعة الاولى ذو الحليفة والجحفة وقرن المنازل ويلملم. والثاني ما وقته غيره اجتهادا. ثم وقع الاجماع عليه وهو ذات عرق فان توقيت ذات عرق انما وقع من عمر رضي الله عنه اجتهادا ثم انعقد الاجماع عليه ميقاتا لاهل العراق والاحاديث المروية في توقيت ذات عرق من النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء وقد بين المصنف رحمه الله تعالى محال هذه المواقيت ومن تتعلق به فقال في الاول ذو الحليفة وهو ميقات اهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم ابيار علي. وقد كان ناء عن المدينة فيما سبق وصار اليوم حيا من احيائها داخلا في مسماها. والثاني الجحفة وهو ميقات اهل الشام وهي قرية الخراب تلي رابغ فيما سلف. فان المصنفين للمناسك قديما كانوا يذكرون هذا فقد كانت قرية ثم خربت. اما اليوم فقد جدد هذا الموضع وصار في الجحفة ميقات كن يؤمه الناس وعدلوا عن رابغ. فقد كانت ترابغ محلا للاحرام لما خربت الجحفة. فلما اعيد تجديد هذا الميقات قبل سنين صار الناس يحرمون منه. والثالث قبل المنازل المسمى بالسيل الكبير وهو ميقات اهل نجد والرابع يلملم وهي المسماة بالسعدية. والخامس ذات عرق. والمصنفون في المناسك يذكرون خرابها وقد كان هذا فيما سلف اما اليوم فقد جدد الميقات فيها واعيد الطريق اليها فان الطرق كانت قد عدلت عنها واما اليوم فقد اعيد الطريق اليها قبل سنوات وهي تسمى بالضريبة في اسماء الناس اليوم فهي قرية معروفة اليوم وقد بني فيها ميقات باخرة وجدد الطريق اليها في توسيعات الطرق الاخيرة وهذه المواقيت المكانية وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكرنا كما ثبت عنه في الصحيحين. فمن مر عليها ممن اراد الحج والعمرة وجب عليه ان يحرم منها. ويحرم على مريد النسك ان يتجاوزها دون الاحرام فمن اراد الحج والعمرة وجب عليه ان يكون احرامه بنسكه من هذه محال مؤقتة ولا يجوز للانسان ان يتجاوزها. فان تجاوز ما وقت له من محل وجب عليه الرجوع اليه. فان لم يرجع لزمه دم في اصح قول اهل العلم. كما صح عن ابن عباس فيما رواه مالك في موطئه انه قال من ترك شيئا من نسكه او نسيه فليرقه دما ومن احرم بنسكه من غير ما وقت له من مكان فقد ترك منه شيئا فيجب عليه دم فيه ثم ذكر ان المشروع لمن توجه الى مكة من طريق الجو بقصد الحج والعمرة ان يتأهب لذلك بالاغتسال والتطيب قبل الركوب في الطائرة لعدم امكان ذلك فيها فاذا دنا من الميقات لبس ازاره ورداءه ثم لبى بنسك فيه ان كان عمرة او حجا ولبس ازاره ورداءه قبل الدنو من الميقات ولبس الازار والرداء قبل الدنو من الميقات لا بأس به. ولكن لا ينوي الانسان الدخول في النسك حتى يحاذي الميقات. هذا هو السنة. فالسنة ان يكون دخول العبد في النسك نيته من الميقات. وان تقدمه ففي ذلك خلاف عند المتأخرين ممن صنف في المناسك باخرة. واما المتقدمون فقد نقل ابن عبد البر الاجماع على جواز الدخول في قبل الميقات ويدل على ذلك ما ثبت عن ابن عمر عند عبد الرزاق في الامال وغيره انه احرم حج من بيت المقدس فيجوز للانسان ان يحرم بالنسك قبل ميقاته. لكن السنة ان يحرم من الميقات فان تقدم ذلك جاز ذلك. والمراد دخوله في احرامه قبل ميقاته النية لا بمجرد اللبس فان الانسان قد يلبس رداءه وازاره في الرياض قبل ركوب الطائر ثم لا ينوي الا اذا حاذ الميقات فهذا لا يكون قد احرم بنسكه من الرياظ لكن اذا لبس ازاره ورداؤه ونوى النسك من الرياظ فيكون قد احرم قبل الميقات وهذا جائز بالاتفاق وثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه فليس هو بدعة كما تفوه به بعض المتأخرين ثم ذكر رحمه الله تعالى ان من لم يرد النسك التاجر والحطاب والبريد فليس عليه احرام الا ان يرغب في ذلك وهذا هو الصحيح في قولي اهل العلم. فالدخول في النسك عند المرور توقيت لا يجب الا على مريده. اما من لم يرد النسك كان يدخل مكة لحاجة من بيع او شراء او بريد او غير ذلك فلا يجب عليه ثم ذكر بعد ذلك حكم من كان دون مسكنه دون المواقيت اي قبل المواقيت قريبا الى الحرم فقال واما من كان مسكنه دون المواقيت كسكان جدة وام السلم وبحره الشرائع وبدر الى ان قال فليس عليه ان يذهب الى شيء من المواقيت الخمسة بل مسكنه هو ميقاته. فيحرم بما فيحرم منه بما اراد من نسك واذا كان للانسان مسكنان احدهما في احدهما دون المواقيت والاخر خارج المواقيت فهو مخير في ذلك ان شاء احرم بما من مما هو دون الميقات وان شاء احرم من الميقات. ثم ذكر بعد ذلك مما يتعلق من يريد العمرة من اهل الحرم انه يجب عليه ان يخرج الى الحل بخلاف الحج. فالحج يهل اهل مكة من مكة فيحرمون بحجهم منها. اما العمرة فان الانسان مأمور بان يخرج من الحرم الى الحل. فيخرج الى التنعيم او الى عرفة او الى غيرهما من جهات الحل ثم يدخل بعد ذلك بنسك العمرة كما امر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما ارادت الاعتمار بعد بحجها ان تخرج الى التنعيم فاخرجها صلى الله عليه وسلم الى التنعيم وهو من الحل ثم رجعت مرة ثانية الى الحرم وجاءت بالعمرة فاحرام اهل مكة من مكة مخصوص بالحج دون العمرة. وهذا اتفاق بين اهل العلم ونسبته الى الجمهور فيها نظر بل هو اتفاق والخروج عن هذا القول هو شاذ كما ذكره في القرى فالقول بان مريد العمرة يحرم من مكة اذا كان من اهلها قول شاد لا يعول عليه الاشبه ان اهل العلم متفقون على وجوب خروج المكي من مكة الى الحل ليحرم بعمرته ثم ذكر بعد ذلك حكم العمرة المكية وهي التي يفعلها كثير من الناس بعد فراغهم من الحج بخروج الى التنعيم او الجعرانة او غيرهما ثم الدخول الى مكة معتمرين وتكرير ذلك وذكر ان الادلة تدل على ان الافظل تركه لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه واصحابه لم يعتمروا بعد فراغهم الى اخر ما ذكر وهذا الذي ذكره باعتبار الافضل صحيح فان الافضل هو عدم ذلك لكن القول بعدم الجواز قول ضعيف. بل القول بالبدعة لو قيل انه بدعة لم يكن ذلك بعيدا واهل اهل العلم متقابلون في هذه المسألة فمنهم من يجعلها مستحبة ومنهم من يجعلها بدعة والصحيح انها جائزة ليست بسنة ولا ببدعة والدال على الجواز ثبوت ذلك في الاثار فقد روى ابن ابي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر انه سئل عن ذلك فقال ان اناسا يفعلون ذلك ولان اعتمر في غير ذي الحجة احب الي من ان اعتمر في ذي الحجة وجوابه مشعر بالجواز. وروى مالك في موطأه بسند لا بأس به ان عائشة كانت تفعل ثم تركته ففعلها لذلك في اول عمرها وقوة نشاطها دال على جواز ذلك. فكانت اذا حجت خرجت رجعت مرة ثانية معتمرة فعلت هذا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتكرارها دال على انه جائز. فالصحيح جواز ذلك. وانه ليس بمستحب ولا ببدعة. وهذه المسألة من المسائل التي عظمها المتأخرون حتى ادخلوها في البدع. وطالب العلم ينبغي له ان لا يقنع بما ذكره المتأخر مهما عظمت رتبته بل يحقق مذاهب اهل العلم القدماء. والقائل بالبدعة في هذه المسألة من الكبار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وما قالاه رحمهم الله تعالى لا يعرف عن من سبقهما من اهل العلم بل الادلة على خلاف ذلك. وثبوت الاثار عن الصحابة يمنع القول بالبدعة والاشبه الجواز كما سلف. ومضايق النظر في هذه المسائل توجب على طالب العلم ان يديم النظر في كتب الاثار ولا يكمل الفقه الا بالاثار وانما كان فقه الاوائل من الائمة رحمهم الله تعالى مالك والشافعي والثوري والاوزاعي واحمد هو بالاثار التفقه فيها ولا سيما ما يتعلق بمناسك الحج فان احوج باب من العبادات الى الاثار هو باب المناسك. لان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حجوا معه. وعرفوا احكام نسكه فما جاء من الاثار عنهم ينزل منزلة عظيمة لان الاشبه انهم اخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحج والعمرة عبادتان توقيفيتان والصحابة منزهون عن القول في احكامهما بشيء لا يعول عليه واذا هجر هذا الاصل في المناسك خاصة تعطلت كثير من الاحكام فما سلف من الدم عند ترك الواجب فيه اثر ابن عباس عند مالك في موطئه بسند صحيح انه قال من ترك شيئا من نسكه او نسيه فليرق دما والذي يخرج عن هذا فيقول لا يجب عليه الدم لعدم الدليل من الكتاب والسنة خارج عن قانون ادلة فان اثار الصحابة في المناسك لها اثر عظيم. وجملة من مناسك الحج لا عمدة لنا فيها الا ما نقله الصحابة رضوان الله عنه. فينبغي ان يعتني طالب العلم بالاثار عامة. وباثار الحج خاصة. وهذا اخر التقرير على هذا الكتاب في هذا المجلس ونستكمله باذن الله سبحانه وتعالى في المجلس الثاني بعد صلاة في العصر وبالله التوفيق. وانبه دائما الى ان درس الفجر في الدروس لمن يكون بعد ساعة من الاذان. فحيث تقدم الاذان او تأخر فابني ساعة بعده. وعلى هذا كان من سلف فان الاشياخ كان لهم اوقات فكان درس الفجر يبدأ بعد ساعة من الاذان ودرس المغرب يبدأ بعد نصف ساعة منه وكان درس ما بين العشائين يستمر الى ان تكون ثلاث ساعات بين اذان المغرب بين اذان المغرب واقامة العشاء. فكانوا يجلسون بعد اذان العشاء ساعة ونصف في الدرس. هكذا كان على ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لما كان في الدلم وقبله الشيخ محمد بن ابراهيم لما كان في الرياض والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف في وكان هذا عادتهم ودأبهم حتى تغيرت الاحوال في هذه الازمان والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين