السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله جعل الحج من شعائر الاسلام واعاده على عباده مرة في كل عام واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى اله به اجمعين وسلم عليه وعليهم تسليما مزيدا الى يوم الدين اما بعد فهذا هو المجلس الثالث من برنامج مناسك الحج الثامن والكتاب المقروء فيه هو كتاب التحقيق والايضاح للعلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا القول الى قوله رحمه الله ثم يخرج الى الصفا من بابه فيلقاه. نعم. احسن الله اليك. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله وغفر له ثم يخرج الى الصفا من بابه فيلقاه او يقف عنده على الصفا افضل ان تيسر ويقرأ عند بدء الشوط الاول قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله ويستحب ان استقبل القبلة على الصفا ويحمد الله ويحمد الله ويكبره ويقول لا اله الا الله والله اكبر لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. لا اله الا الله وحده انجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ثم يدعو بما تيسر رافعا يديه ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات ثم ينزل فيمشي الى المروة حتى يصل الى العلم الاول يسرع الرجل في المشي الى ان يصل الى العلم الثاني. اما المرأة فلا يشرع لها الاسراع بين العلمين لانها عورة. وانما المشروع لها المشي في السعير له ثم يمشي فيرقى المروة او يقف عندها. والرقي عليها افضل ان تيسر ذلك. ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا ما عدا قراءة الاية وهي قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله. فهذا انما يشرع عند الصعود الى الصفا في الشوط الاول فقط تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الاسراع حتى يصل الى الصفا يفال ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر وقال خذوا عني مناسككم احب ان ينكرني سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر وان يكون متطهرا من الحدث الاكبر والاصغر ولو سعى على غير طهارة اجزاه ذلك لو حاوت المرأة او نفست بعد الطواف سعت واجزاءها ذلك. لان الطهارة نفست منافسات يجوز على لغة لكن الافصح نفست. ما شاء الله. نعم. وهكذا لو حاضت المرأة او نفست بعد الطواف سعت اجزاءها ذلك لان الطهارة ليست شرطا في السعي وانما هي مستحبة كما تقدم. فاذا كمل السعي حلق رأسه او قصره والحلق للرجل افضل ان قصر وترك الحلق للحج فحسن واذا كان قدومه مكث قريبا من وقت الحج فالتقصير في حقه افضل ليحلق بقية رأسه في الحج لان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم هو واصحابه مكة في رابع ذي الحجة في رابع ذي الحجة امر من لم يسق الهدي ان يحل ويقصر ولم يأمر بالحلق ولابد في التقصير من تعميم الرأس ولا يكفي تقصير بعضه. كما ان حلق بعضه لا يكفي. والمرأة لا يشرع لها الا التقصير والمشروع لها ان تأخذ من كل لظفيرة قد رأمله فاقل والانملة هي رأس الاصبع ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك. فاذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته الحمد لله وحل له كل شيء حرم عليه بالاحرام الا ان يكون قد ساق الهدي الا ان يكون قد ساق الهدي من الحل فانه على احرامه حتى يحل من الحج والعمرة جميعا. واما من احرم بالحج مفردا او بالحج والعمرة جميعا فيسن له ان يفسخ احرامه الى ويفعل ما يفعله المتمتع الا ان يكون قد ساق الهدي لان النبي صلى الله عليه وسلم امر اصحابه بذلك وقال لولا اني كل هدي لا احللت معكم وان حاضت المرأة او نفست بعد احرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر فهو طافت وسعت وقصرت من رأسها وتمت عمرتها بذلك. فان لم تطهر قبل التروية قبل يوم التروية احرمت بالحج من مكانها الذي هي فيه وخرجت مع الناس الى منى وتصير بذلك قارثة قارنة بين الحج والعمرة. وتفعل ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة وعند المشعر ورمي الجمار والمبيت بمزدلفة ومنى ونحر الهدي والتقصير. فاذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة طوافا واحدا وسعيا واحدا واجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعا. لحديث عائشة رضي الله عنها انها حاضت بعد احرامها بالعمرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم افعلي ما يفعل الحاج غير ان لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. متفق عليه. واذا رمت الحائض او النفساء الجمرة يوما نحري وقصرت من شأنها حللها كل شيء. حرم عليها بالاحرام كالطيب ونحوه الا الزوج حتى تكمل حتى تكمل حتى كغيرها من النساء الطاهرات فاذا طافت وسعت بعد الطهر حللها زوجها. لا يزال المصنف رحمه الله تعالى يبين الاحكام المتعلقة بمن دخل المسجد الحرام مريدا النسك. وقد كان اخر ما نعته فيما سلف الطواف واتباعه بركعتين. ثم ذكر انه بعد فراغه من الركعتين وعوده الى استلام الحجر الاسود انه يخرج الى الصفا والصفا جبل كان معروفا بمكة زال اكثره اليوم وبقي طرف منه صغير وقوله رحمه الله تعالى من بابه بناء على ما كان عليه الامر في الزمن الماظي فان آآ المسعى كان منفصلا عن المسجد. وبينه وبينه ابواب منها باب الصفا. وقد ازيل هذا الباب والابواب التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى زالت ولم يبق منها شيء اليوم. وهذه الابواب كانت قريبة من الكعبة محيطة بها. وما يوجد من اسمائها الباقية. في الابواب الخارجية بني شيبة او باب الصفا فهي اسماء نقلت الى هذه الابواب الجديدة. اما الابواب القديمة التي كانت الاحكام مرتبة عليها في ما سلفت فقد زالته من جملتها باب الصفا. والمقصود ان الانسان اذا فرغ من ما سبق رصد الصفا فرقى ما بقي من الجبل ووقف او وقف عنده. والرقي على الصفا ان تيسر ذلك ثم يقرأ عند بدء الشوط الاول قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر من شعائر الله الاية وهذا الاختيار الذي نحى اليه المصنف بناء على قول من قال ان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها كانت نسكا والقول الثاني ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأها على ارادة تعليم النسك لا على ارادة كون الاية من جملة نسكه. والقول الثاني هو الاصح فيما يظهر. فما تلاه النبي صلى الله عليه وسلم من اين في المناسك كقوله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى لما قصد صلاة الركعتين وقوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر لما قصد الى الصفا الاظهر ان النبي صلى الله عليه وسلم قالها تعليما وبيانا لمعانيها بانزالها عملا. فان تأويلها بالعمل يعين على فهمها. فابى النبي صلى الله عليه وسلم عن معناها بما اظهره من العمل بها فقيلت تعليما لا نسكا. ثم ذكر انه اذا صعد على الصف فاستحب له ان يستقبل القبلة. وقد كان هذا ممكنا دون حائل فيما سلف. اما اليوم فان اكثر من يقف على الصفا يعسر عليه ان يستقبل القبلة فيراها وانما يستقبل اكثرهم القبلة ولا يراها وانما استقباله لجهادها فيستقبل الانسان فيستقبل الحاج القبلة سواء رآها ام لم يرها وان رؤيتها فانه افضل. ثم ذكر انه يحمد الله ويكبره. وفسر هذا التحميد والتكبير بما اورده من ذكر وهو قول لا اله الا الله والله اكبر الى اخره. وهذا ذكر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح لكن ليس فيه زيادة يحيي ويميت والاشبه ان هذه الزيادة لا تثبت في هذا المحل وانما يثبت الذكر دونها ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى سوى هذا الذكر الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم واشار الى ان ما وراءه دعاء مطلق فقال ثم يدعو بما تيسر فالذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الاول فقط وما زاد عن ذلك فان الانسان مخير فيه فيما شاءوا من الدعاء ويدعو الانسان رافعا يديه ورفع اليدين في هذا الموضع عند صعود الصفا قد ثبت في حديث ابي هريرة في صحيح مسلم في الجهاد لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وطاف حول البيت سبعا ثم صعد الصفا ورفع يديه ودعا. اما في صفة حجته فلم يذكر جابر رضي الله عنه ولا غيره من الصحابة لما نعتوها لم يذكروا رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وكأنهم تركوا هذا لانه صار شعارا متقررا عندهم. فلما صار من شعائر الحج الظاهرة شعائر النسك العمرة او الحج الظاهرة لم يحتج الى ذكره مفردا فاغنى تقرره عن اعادة معناه. ومن مدارك الشريعة في البيان ان ما استفاض واشتهر لا يحتاج الى تكرار في كل مرة فان النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لم يستفظ عنه انه امر كل من دخل في الاسلام بان يغتسل لكنه امر واحدا من الصحابة دون غيره. وكانه استغنى بهذا الامر لما شاع عن تكراره مرة بعد مرة وما كان من هذا الجنس يجري الحكم عليه استغناء بالاستفاضة فكون النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه على الصفا لما دعا عند دخوله مكة دل هذا على انها محل لرفع اليدين في الدعاء. وثبت هذا عن ابن عباس بالحج ان من مواضع رفع اليدين فيه اذا صعد الانسان على الصفا ويكرر الحاج هذا الذكرى والدعاء ثلاث مرات فيذكر ثم يدعو ثم يذكر ثم يدعو ثم يذكر ثم يدعو ثم ينزل فيمشي الى المروة وهي الجبل المقابل للصفا حتى الى العالم الاول وهو المعروف بالميل الاخظر. وانما سمي بالميل الاخظر لانه كان وضع في محله شاخص صبغ بصبغة خضراء ثم اشتهر هذا الشاخص باسم الميل الاخضر او علم اخضر ثم ازيل هذا الشاخص وجعل محله في المسعى اليوم انارة خضراء تشير الى موضع الشاخص الذي كان فاذا وصل الانسان الى هذا الشاخص اسرع اذا كان رجلا الى ان يصل الى العلم الثاني اقتداء بهدي صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك اما المرأة فقد نقل ابن المنذر رحمه الله تعالى الاجماع على انه لا يشرع لها بين العلمين وانما يشرع لها المشي فقط ومن كان معه نساء لاحظ هذا ولم يسرع في سعيه بل بقي معهن حفظا لهن. ثم يمشي بعد ذلك حتى يصل الى المروة فيرقى عليها او يقف عندها رقي عليها افضل ان تيسر ويقول ويفعل على المروة ما قال وما فعل الا قراءة الاية فان قراءة الاية عند القائلين بها انها نسك لا يقولون بتكرارها في غير المحل الاول بل يقتصرون على التعبد بها في الموضع الاول فقط وعلى ما تقدم فانها لا تقال في الاول ولا في غيره. ثم ذكر بعد ذلك انه ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الاسراء حتى الى الصفا يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط. لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر فقد كان هذا هديه صلى الله الله عليه وسلم في حجته التي نعتها جابر في صحيح مسلم. وقد امرنا صلى الله عليه وسلم باخذ نسكنا عنه فقال خذوا عني مناسككم. والحديث بهذا اللفظ غير محفوظ وانما المحفوظ ما في صحيح مسلم لتأخذوا مناسك وهو في معناه الا ان الاول وهو المحفوظ في صحيح المسند في صحيح مسلم اكمل لغة ثم ذكر انه يستحب ان يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دعا بدعاء معين لكن ثبت عن جماعة من الصحابة كابن مسعود وغيره انهم كانوا يدعون في سعيهم فيقولون رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك انت الاعز الاكرم. فهذا شيء مأثور عن الصحابة من احسن ما يدعو به الانسان في سعيه. وذكر مما يستحب بالساعي ان يكون متطهرا من الحدث الاكبر والاصغر ولو سعى على غير طهارة اجزأه ذلك وهكذا المرأة لو حاضت او نفست بعد الطواف سعت واجزاءها ذلك لان تارة ليست شرطا في السعي وانما هي مستحبة كما تقدم. فاذا كمل الحاج السعي حلق رأسه او قصره والحلق للرجال افضل لان النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا للرحمة كما في الصحيحين فان قصر وترك الحلق للحج فحسن. واذا كان قدومه مكة قريبا من وقت الحج فالتقصير في حقه افضل. لان الزمن قصير لا يتوفر معه الشعر. والنبي صلى الله عليه وسلم انما وصل مكة مع اصحابه في رابع ذي الحجة وامرهم صلى الله عليه وسلم بالتقصير دون الحق دون الحلق لما فيه من استبقاء الشعر. اما اذا تقدم كانوا بمدة مديدة كان يصل الى مكة في شوال فيدخل في نسكه بالحج معتمرا التمتع فان الافضل له ان يحلق رأسه لان بين عمرته وحجه مدة يتوفر فيها الشعر ويكثر يكون الحلق في حقه افضل لما تقرر من كون ذلك اصلا مطردا في تفضيل الحلق على التقصير. ثم ذكر ان انه لابد في التقصير من تعميم الرأس وانه لا يكفي تقصير بعظه. كما ان حلق بعظه لا يكفي وان المرأة لا يشرع لها الا التقصير فليس على النساء حلق بالاجماع كما ذكره المنذري رحمه الله تعالى. والمشروع للمرأة ان تأخذ من كل ظفيظة من ظفير رأسها قدر انملة والانملة رأس الاصبع ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك فاذا فعل المحرم ذلك تمت عمرته وحل له كل شيء حرم عليه بالاحرام الا ان يكون قد ساق الهدي من الحل. فانه يبقى على احرامه حتى يحل من الحج والعمرة جميعا فهذا الاحلال مختص بالمتمتع دون غيره. واما من احرم بالحج مفردا او بالحج والعمرة جميعا فيسن له ان يفسخ احرامه الى العمرة ويفعل ما يفعله المتمتع الا ان يكون قد ساق الهدي لان النبي صلى الله وسلم امر اصحابه بذلك وقال لولا اني سقت الهدي لاحللت معكم. وقد تقدم ان هذا مخرج على مذهب بالحنابلة في تفضيل التمتع على غيره فاذا كان التمتع هو الافظل فيكون الافظل في حق من افرد الحج او قرن بين والعمرة ان يقلبهما الى تمتع فيحلها بعمرة ثم يأتي بحجة. ثم ذكر ان المرأة اذا حاضت او نفست بعد احرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهرا. فاذا طهرت طافت وسعت وقصرت من رأسها وتمت عمرتها بذلك. ان كان في فسحة وسعة فان لم تطهر قبل يوم التروية احرمت بالحج من مكانها الذي هي فيه وخرجت مع الناس الى منى وتصير بذلك قرينة بين الحج والعمرة. فالمرأة اذا كانت قد نوت التمتع ثم حاضت في مدة لا يمكنها ان تطهر منها قبل الحج فانها تحول ما نوته من تمتع الى قران لان التمتع والقران في كونهما ينضمان على نسكين اثنين هما العمرة والحج. وتفعل المرأة ما يفعله الحاج من الوقوف عند المسعى حرام ورمي الجمار والمبيت مزدلف بمزدلفة ومنى ونحل الهدي والتقصير فاذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة طوافا واحدا وسعيا واحدا واجزاها ذلك عن حجها وعمرتها لان القارن ليس عليه الا طواف واحد وسعي واحد وهي قد صارت قارنة لضيق الوقت وتأخر طهرها والاصل في ذلك حديث عائشة لما حاضت بعد احرامها بالعمرة فقالها النبي صلى الله عليه وسلم افعلي ما يفعل الحاج غير لا تطوفي في البيت حتى تطهري متفق عليه. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان الحائض او النفساء اذا رمت الجمرة يوم النحر فقصرت من شعرها حل لها كل شيء حرم عليها بالاحرام كالطيب ونحوه. الا الزوج حتى تكمل حجها كغيرها من النساء الطاهرات فاذا طافت بعد الظهر حل لها زوجها وهذا لا يختص بالمرأة بل اذا وقع هذا من الحاج كله كما سيأتي فان الانسان قد يكون تحلل بما مضى اولا تحللا اولا ثم بما استكمله من طوافه يكون قد تحلل تحللا اخرا ثانيا يحل له به كل شيء وسيأتي هذا بكلام المصنف فيما يستقبل. نعم. احسن الله اليك. فصل في حكم الاحرام بالحج يوم الثامن من ذي الحجة والخروج الى منى. فاذا كان يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة استحب للمحلين بمكة ومن اراد الحج من اهلها الاحرام بالحج من مساكنيهم لان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اقاموا بالابطح واحرموا بالحج منه يوم التروية عن امره صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يذهبوا الى البيت فيحرموا عنده او عند الميزاب. وكذلك لم يأمرهم بطواف الوداع عند خروجهم الى منى ولو كان ذلك مشروعا لعلمهم اياه والخير كله في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم فاحب ان يغتسل ويتنظف ويتطيب عند احرامه بالحج. كما يفعل ذلك عند احرامه من الميقات وبعد احرامهم للحج يسن لهم التوجه الى منى الزوال او بعده من يوم التروية. ويكثر من التلبية الى ان يرموا جمرة العقبة. ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والسنة ان يصلوا كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع الا المغرب والفجر فلا يقصران ولا فرق بين اهل مكة وغيرهم لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من اهل مكة وغيرهم من منى وعرفة ومزدلفة قصرا. ولم يأمر اهل مكة ولم يأمر اهل مكة بالاتمام ولو كان واجبا عليهم لبينه لهم. ثم بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه الحاج من منى الى عرفة. ويسن ان ينزلوا بنمرة الى الزوال ان تيسر ذلك لفعله الله عليه وسلم فاذا زالت الشمس سنة للامام او نائبه ان يخطب الناس خطبة تناسب الحال. يبين فيها ما يشرع للحاج في هذا اليوم وبعده ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والاخلاص له في كل الاعمال ويحذرهم من محارمه يوصيهم فيها بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والحكم بهما والتحاكم اليهما في كل الامور اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله وبعدها يصلون الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الاولى باذان واحد واقامتين. لفعله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم من حديث جابر ثم يقف الناس بعرفة وعرفة كلها موقف الا بطن عرنة. ويستحب استقبال القبلة وجبل الرحمة ان تيسر ذلك. فان لم يتيسر استقباله ثم استقبل القبلة وان لم يستقبل الجبل ويستحب للحاج في هذا الموقف ان يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع اليه ويرفع ويرفع حال الدعاء وان لبى او قرأ شيئا من القرآن فحسن. ويسن ان يكثر من قول لا اله الا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة. وافضل ما قلت انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال احب الكلام الى الله اربع سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر. فينبغي الاكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب. وينبغي وينبغي الاكثار ايضا من الاذكار والادعية الواردة في الشرع منكم في كل وقت. ولا سيما في هذا الموضع وفي هذا اليوم العظيم ويختار ويختار جوامع الذكر والدعاء ومن ذلك. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا اله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا حول ولا قوة الا بالله ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر. اعوذ بالله من جهد البلاء وذوات الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء. اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال. اعوذ بك اللهم من البرص والجنون والجذام ومن سيء الاسقام. اللهم اني اسألك العفو والعافية الدنيا والاخرة. اللهم اني اسألك العفو والعافية في ديني ودنياي واهلي ومالي. اللهم استر عوراتي وامن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي عن يميني وعن شمالي ومن فوقي واعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتي. اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني. اللهم اغفر لي وهزلي وخطئي وعمري وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسرت وما اعلنت وما انت اعلم به مني. انت المقدم وعند المؤخرة وانت على كل شيء قدير. اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد. واسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك. واسألك قلبا سليما صادقا واسألك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم واستغفرك لما لا تعلم انك انت علام الغيوب. اللهم رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم رب النبي محمد عليه الصلاة والسلام اظهر لي ذنبي واذهب غيظ قلبي واعذني من مظلات الفتن ما ابقيتني. اللهم رب السماوات رب الارض ورب العرش العظيم. ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والقرآن. اعوذ بك من شر كل شيء انت اخذ بناصيتك انت الاول فليس قبلك شيء وانت الاخر فليس بعدك شيء. وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء. اقض عني الدين واغنني من الفقر. اللهم اعط نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل واعوذ من الجبن والهرم والبخل واعوذ بك من عذاب القبر. اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت. اعوذ بعزتك ان تضلني لا الا انت انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون. اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن لا يستجاب لها اللهم جنبني منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء والادواء. اللهم الهمني رشدي واعذني من شر نفسي. اللهم اكفني بحيالك عن حرام واغنني واغنني بفضلك عمن سواك. اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم اني اسألك الهدى والسداد. اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله واجله. ما علمت منه وما لم اعلم. واعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم. واسألك من لما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم واعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم اني نسألك الجنة وما قرب اليها من قول او عمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل واسألك ان تجعل ليقك واسألك ان تجعل كل قضاء قضيت لي خيرا لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا لا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. ربنا اتنا في الدنيا حسنة في الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ويستحب في هذا الموقف العظيم ان يكرر الحاج ما تقدم من الاذكار والادعية وما كان في معناها من الذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله الله عليه وسلم ويلح في الدعاء ويسأل ربه من خير من خيري الدنيا والاخرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دعا الدعاء ثلاثة فينبغي التأسي في ذلك عليه الصلاة والسلام ويكون المسلم في هذا الموقف مخبتا لربه سبحانه متواضعا له خاضعا لجنابه منكسرا بين يديه يرجو رحمة ومغفرته عذابه ووقته ويحاسب نفسه ويجدد توبة نصوحا. لان هذا يوم عظيم ومجمع كبير يجود الله فيه على عباده بهم ملائكته ويكثر فيه العتق من النار وما يرى الشيطان في يوم هو فيه ادحر ولا اصغر ولا احقر منه في يوم عرفة الا ما رؤي يوم بدر وذلك لما من جود الله من من جود الله على عباده واحسانه اليهم. وكثرة اعتاقه ومغفرته. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم اكثر من ان يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما اراد هؤلاء ينبغي للمسلمين ان يروا الله من انفسهم خيرا وان يهينوا عدوهم الشيطان ويحزنوه بكثرة الذكر والدعاء وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا ولا يزال الحجاج في هذا الموقف مشتغلين بالذكر والدعاء والتضرع الى ان تغرب الشمس فاذا غربت انصرفوا الى مزدلفة بسكينة ووقار اكثروا من التلبية واسرعوا في عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز الانصراف قبل الغروب لان النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال خذوا عني مناسككم فاذا وصلوا الى مزدلفة صلوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعا باذان واقامتين من حين وصولها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سواء الى مزدلفة في وقت المغرب او بعد دخول وقت العشاء. وما يفعله بعض العامة من لقط الحصى حصى الجمار. من حين وصولهم الى مزدلفة قبل الى الصلاة واعتقاد كثير منهم ان ذلك مشروع فهو غلط لا اصل له والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ان يلتقط له ان يلتقط له الحصى الا بعد انصرافه من المشعر الحرام الا بعد انصرافه من المشعر الى منى ومن اي موضع لقط الحصى اجزاه ذلك ولا يتعين لقطه من مزدلفة بل والسنة التقاط سبع في هذا اليوم يرمي بها جمرة العقبة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. اما في الايام ثلاثة ليلة تقدم منى كل يوم احدى وعشرين حصى يرمي بها الجمار الثلاث ولا يستحب اصل الحصى بل يرمى به من غير غسيل لان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه ولا يرمى بحصى قد رمي ولا يرمى بحصى قد رمي به. ويبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم ان يدفعوا الى منى اخر الليل لحديث عائشة وام سلمة وغيرهما واما غيرهم من الحجاج فيتأكد في حقهم ان يقيموا الى ان يصلوا الفجر ثم يقفوا عند المشعر الحرام فيستقبلوا القبلة ويكثروا من ذكر الله وتكبيره والدعاء الى ان يشفروا جده ويستحب رفع اليدين هنا الدعاء وحيثما وقفوا من مزدلفة اجزأهم ذلك ولا يجب عليهم القرب من المشعر ولا صعوده لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقفت ها هنا يعني المشعري وجمع كلها موقف. رواه مسلم في صحيحه وجمع هي مزدلفة. فاذا اسفروا جدا انصرفوا الى منى قبل طلوع الشمس واكثروا من التلبية سيرهم فاذا وصلوا محسرا استحب الاسراع قليلا. فاذا وصلوا بنا قطعوا التلبية عند جمرة العقبة ثم رووها من حين وصولهم بسبع حصيات متعاقبات يرفع يديه عند رمي كل حصاة ويكبر ايستحب ان يرميها من بطن الوادي ويجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وان رماها من الجوانب الاخرى اجزأه ذلك اذا وقع الحصافر نرمى ولا يشترط بقاء الحصى في المرمى وانما المشترط وقوعه فيه فلو وقعت الحصاد في المرمى ثم خرجت منه اجزأت اجزأت في ظاهر كلام اهل العلم وممن صرح باية النووي رحمه الله في شرح المهذب ويكون حصى الجمار مثل حصى وهو اكبر من الحمص ثم بعد الرمي ينحر هديه ويستحب ان يقول عند عند نحره او ذبحه بسم الله والله اكبر اللهم هذا منك يا ولد ويوجهه الى القبلة والسنة نحر الابل غائبة معقولة يدها اليسرى وذبح البقر والغنم على جنبها الايسر ولو ذبح الى القبلة ترك السنة واجزأته ذبيحته لان التوجيه الى القبلة عند الذبح سنة وليس بواجب ويستحب ان يأكل من هديه ويهديه ويتصدق لقوله تعالى فكن منها واطعموا البائس الفقير ويمتد وقت الذبح الى غروب شمس اليوم الثالث من ايام التشريق في صحيح اصح اقوال اهل العلم فتكون مدة الذبح يوم النحر ايام بعده ثم بعد نحو الهدي او ذبحه يحلق رأسه او يقصره والحلق افضل لان النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة والمغفرة للمحلق ثلاث مرات وللمقصرين واحدة ولا يكفي تقصير بعض الرأس بل لابد من تقصيره كله كالحلق. والمرأة تقصر من كل ظفيرة قدر انملة فاقل وبعد رمي جمرة العقبة والحلق او التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالاحرام الا النساء ويسمى هذا التحلل بالتحلل الاول ويسن له بعد هذا التحلل للتطيب والتوجه الى مكة ليطوف طواف الافاضة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل لا يحرم ولحله قبل ان يطوف بالبيت. اخرجه البخاري ومسلم. ويسمى هذا الطواف طواف الافاضة وطواف الزيارة. وهو ركن من اركان الحج لا يتم الحج الا به وهو المراد في قوله عز وجل ثم ليقضوا تفثهم ندورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ثم بعد الطواف وصلاة الركعتين خلف المقام يسعى بين الصلاة والمرة ان كان متمتعا وهذا السعي لحجه والسعي الاول لعمرته ولا يكفي سعي واحد في اصح اقوال العلماء لحديث عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت الحديث وفيه فقال ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل الا حتى يحل منهما جميعا الى ان قالت فطاف الذين اهلوا بالعمرة بالبيت وبالصواب والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا اخر بعد ان رجعوا من منى رواه البخاري ومسلم وقولها رضي الله عنها عن الذين اهلوا بالعمرة ثم طافوا طوافا اخر بعد ان رجعوا من حجهم تعني به الطواف بين والمروة على اصح الاقوال في تفسير هذا الحديث. واما قول من قال ارادت بذلك طواف الافاضة فليس بصحيح. لان طواف الافاضة ركن في حق الجميع وقد فعل الو وانما المراد بذلك ما يخص المتمتع هو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع منها من منى لتكميل حجه وذلك بحمد الله وهو قول اكثر اهل العلم ويدل على صحة ذلك ايضا ما رواه البخاري وفي الصحيح تعليقا ملزوما به عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن متعة قال اهل المهاجرون والانصار وازواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع واهللناها. فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهلا لكم بالحج عمرة الا من قلد الهدي. فطفنا بالبيت وبالصفاة والمروة واتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فانه لا لا يحل حتى لا يبلغ الهدي محله ثم امرنا عشية التروية ان نهل بالحج فاذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفاء والمروة. انتهى الوقت المقصود منه وهو صريح في سعي المتمتع مرتين والله اعلم. واما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يطوفوا بين الصلاة والمروة الا واحدة طوافهم الاول فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة لانهم بقوا على احرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا والنبي صلى الله عليه وسلم قد اهل بالحج والعمرة وامر من ساق الهدي ان يهل بالحج مع العمرة والا يحل حتى يحل منهما جميعا والقارن بين الحج والعمرة الا سعي واحد كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الاحاديث الصحيحة. وهكذا من افرض الحج وبقي على احرامه الى يوم النحر ليس عليه الا سعي واحد فاذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الافاضة. وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث المذكور رضي الله عنهم وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالاحاديث كلها. ومما يؤيد هذا الجمع بين ان حديثي عائشة وابن عباس حديثان وقد اثبت السعي الثاني في حق المتمتع وظاهر حديث جابر ينفي ذلك والمثبت مقدم على النهي كما هو مقرر في علمي الحديث والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب ولا حول ولا قوة الا بالله ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر من الفصول المبينة لاحكام الحج ترجم له بقوله فصل في حكم الاحرام بالحج يوم الثامن من ذي الحجة الى منى ولم يقتصر مضمن هذا الفصل على ما ترجم به رحمه الله تعالى. بل انه استرسل في ذكر ما وراء ذلك من احكام الحج كالوقوف بيوم عرفة والمبيت بمزدلفة واعمال يوم النحر كانه ترجم لما في صدر كلامه دون ما امتد اليه كلامه. وكان مما ذكره رحمه الله تعالى فيما يتعلق ببيان مضمن هذا الفصل قوله فاذا كان يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة وانما سمي بيوم التروية لان الحاج كانوا فيه يتزودون بالماء ويملؤون مزاداتهم منه حتى لا يحتاجوا الى ذلك في بقية مقامات الحج وراء منى قبل العودة اليها. فيستحب للمحل بمكة ومن اراد الحج من اهلها ان يحرم بالحج من مساكنهم يوم التروية. لان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقيمين بالابطح بالحج منه يوم التروية عن امره صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم ان يذهبوا الى البيت فيحرموا عنده او عند الميزاب ولم يأمره بطواف الوداع عند خروجهم الى منى ولو كان ذلك مشروعا لعلمهم اياه والخير كله في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم وحاصل مقصود المصنف رحمه الله تعالى ان الحاج يحرم لنسكه بالحج ان لم يكن محرما يوم الثامن من الذي هو فيه سواء كان في مكة او في منى او في غيرهما. واحرامه بالحج يكون في اصح قولي اهل العلم قبل الزوال فان النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الظهر في ذلك اليوم كان محرما فيدل هذا على تقدم الاحرام بالحج يوم الثامن قبل زوال الشمس فلا ايصلي الظهر الا وقد احرم به؟ ثم ذكر انه يستحب ان يغتسل ويتنظف ويتطيب عند احرامه بالحج كما يفعل ذلك عند احرامه من الميقات وهذا الاستحباب انما باعثه اذا وجدت الحاجة له اما توقيته بشيء ماثور عن النبي صلى الله عليه سلم او الصحابة فلم يثبت في ذلك شيء وتقدم ان الغسل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اغسال الانساك انما هو صلى الله عليه وسلم لما اراد الدخول الى المسجد الحرام. واما الصحابة رضوان الله من هم فقد ثبت عنهم ثلاثة مواضع اغتسلوا فيها احدها الاغتسال عند الميقات وهذا ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه فقد صح عنه كما رواه ابن ابي شيبة انه كان اذا جاء لم يقاتل ربما اغتسل وربما توضأ وبينا وجه ذلك وانه معلق من حاجة وثانيها اغتسالهم لدخول مكة وارادة المسجد الحرام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ثبت في الصحيح عن ابن عمر ايضا وثالثها اغتسالهم يوم عرفة في عشيتها كما ثبت هذا عن ابن عمر رضي الله عنه فالاغتسال في عشية عرفة مأتور عنه رضي الله عنه. واما ما عدا ذلك فانما ينظر فيه الحاجة. واما شيء معتور فليس فيه شيء. ثم ذكر ان الحاج بعد احرامهم بالحج يسن لهم ان يتوجهوا الى منى قبل الزوال او بعد من يوم التروية ويكثر من التلبية الى ان يرموا جمرة العقبة فان الحاج ينقطع تنقطع تلبية اذا رمى جمرة العقبة كما صح ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم. ويصل بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر سنة ان يصلوا كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع الا المغرب والفجر فلا يقصران ولا فرق بين اهل مكة ولا غيرهم على الصحيح من قول اهل العلم فموجب القصر هو النسك لا السفر كما هو مذهب المالكية وهذا هو الذي يدل عليه هديه صلى الله عليه وسلم وهدي اصحابه من بعده فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر اهل مكة وهم معه بمنى وعرفة ومزدلفة لم يأمرهم بالاتمام بل قصر وقصروا معه صلى الله عليه وسلم وكذلك فعلوا مع عمر رضي الله عنهم فان عمر رضي الله عنه انما امرهم باتمام الصلاة لما رجعوا الى مكة فصح عنه انه قال ان قوم سفر فاتموا صلاتكم وكان قوله لهم هذا لما كانوا في مكة ولم يأمرهم رظي الله عنه باتمام صلاتهم لما كانوا في غيرها من مقامات المناسك من غيرها ثم بعد ذلك ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه الحاج من منى الى عرفة له ان ينزل بنمرة الى الزوال ان تيسر ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الا الى عرفة الا بعد زوال الشمس وكان قبلها قد ضربت له خيمة بنمرة فلما زالت الشمس خطب النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيسن للامام ونائبه ان يخطب الناس خطبة تناسب الحال يبين فيها ما يحتاجون اليه من المهمات كالتوحيد والاخلاص والامر تقوى الله وطاعته والتحذير من المحارم والتمسك بالكتاب والسنة. ويصلون بعدها الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الاولى باداء من واحد واقامتين كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. ومن دقائق احكام الشريعة في هذا اليوم ان الشريعة اخلت العبد في صدر يوم عرفة من عبادة فلم تشغله فلم تشغله بشيء فلا يشرع شيء من العبادات في اول يوم عرفة وانما وقع هذا ليتفرغ الانسان نشيطا اخر يومه بالعمل الاعظم وهو دعاء الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم فما يفعله بعض الناس من الاجتهاد في اول النهار والاجتماع على تذكير او تعليم او وعظ هذا خلاف المشروع ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب الناس الا لما زالت الشمس فلا يشرع فعل هذا وفعل هذا تشويش على الناس ومخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. وينبغي ان يأخذ الانسان نفسه بالراحة في اول يوم عرفة حتى ينشط من عبادته في اخرها ومن لم يراعي هذا الاصل فانه يكسل عن العبادة في اخر النهار فيضيع الوقت الاعظم والعبادة الاكبر في يوم عرفة لمن شهده من الدعاء فيه. ثم بعد ذلك بين المصنف رحمه الله تعالى ان عرفة كلها موقف بطن عرنة وعرنة واد معروف بين منى وعرفة ولم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في الارتفاع عن بطن عرنة والاحاديث المروية في ذلك فيها ضعف. لكن اهل العلم متفقون على ان بطن عرنة ليس موقفا للحاج في يوم عرفة. ويستحب للحاج ان يستقبل القبلة وجمل الرحمة عند فسر ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح فان لم يتيسر له استقبالهما بان يجعل الجبل بينه وبين مكة بينه وبين القبلة فانه يجتهد في استقبال القبلة اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الجبل وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى تسميته بجبل الرحمة. وهذا الاسم اسم محدث لا يعرف شرعا ولا في لسان العرب الاول وانما كان يعرف بجبل ايلال ثم سمي في القرون المتأخرة في باسم جبل الرحمة وهذه الاسماء انما دخلت على البلادي هنا لما دخل الترك وكانت لهم ولاية على الحجاز فاشتهرت مثل هذه المسميات كتسميتهم لمدينة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة وتسميته بمكة بمكة المكرمة وتسميتهم لجبل حراء بجبل النور وتسميتهم لجبل اذال بجبل الرحمة. وكل هذه الاسماء لا تعرف. ومنها ما هو جائز لا بأس به كتسمية مكة بمكة مكرمة وتسمية المدينة بالمدينة المنورة لان هذا له اصل يمكن البناء عليه فمكة لها كرامة وحرمة والمدينة منورة بوجوده صلى الله عليه وسلم مدفونا فيها. واما تسمية جبل الرحمة بجبل هلال بجبل الرحمة وجبل النور وجبل حراء بني النور فهذه ليس لها اصل يبنى عليه فالاولى تسميتها بما كانت تعرفه العرب فانهم اهل هذه المواظع وهم باسمائها اعرف ينبغي تحويلها الى ذلك. والاكمل في كل اسم من اسماء المواضع ان يبنى على ما يعرف به شرعا او في عرف العرب الاقحاح فان هذا هو الذي تناط به الاحكام واحداث اسماء واحداث اسماء بعد ما رتب شرعا او لغة عند العرب الاول يوهم اشياء باطلة كما صار بعض الناس يتوهم بركة جبل النور وانه محل لانارة النفوس واصلاح فسادها وتطهير القلوب كما يعتقده بعض الناس او كما يعتقدونه في جبل الرحمة. وهذه قاعدة عظيمة فيما يتعلق باسماء مواضع تنبغي رعايتها والاهتمام بها وعدم اهمالها. لان الاسماء انما وضعت لمقصود اما شرعي واما عند العرب الذين هم اهل هذه المواطن. وربما هجرت هذه المواطن حتى احدث الناس لها اسماء جديدة تغير الاحكام كما وضع بعض الناس اسم قرن الثعالب على السير الكبير فسمى السيل الكبير بقرن الثعالب والعرب لم تكن تعرف السيل الكبير باسم قرن التعالي وانما قرن التعالب هو جبل صغير في منى كان الى وقت قريب وقد ادركنا بعض من شهده ثم ازيل وتغير مع هذه التغيرات الجارية في تلك البلاد ثم ذكر انه يستحب للحاج في هذا الموقف ان يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع اليه ويرفع يديه حال الدعاء كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى النسائي باسناد صحيح من حديث اسامة بن زيد اسامة بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان رافعا يديه يدعو يوم عرفة. وان لبى او قرأ شيئا من القرآن فحسن والاولى ان يجمع نفسه على الدعاء اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين دعاء يوم عرفة والاحاديث المروية في ذلك خير الدعاء دعاء يوم عرفة وافضل ما قلت انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له وامثال ذلك لم يثبت منها شيء بل يدعو الانسان بما جاء في الاحاديث الصحيحة او ما تضمنته ايات القرآن الكريم. وقد اصطفى المصنف رحمه الله تعالى طرف من جوامع الذكر والدعاء اختاره من اي القرآن الكريم ومن الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم او مما تضمن معنى جامعا وان لم يكن مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من محاسن الجمع التي ينبغي العناية بها واحسن منه وامثل ما تضمنه منسك العلامة عبد المحسن العباد المسمى بتفصيل الناسك فانه احسن المناسك التي اشتملت على الادعية المصطفاة التي ينبغي ان يدعي بها الداعي في ذلك اليوم لجمعها. ولو افردها انسان فانه ينبغي ان يفردها باسم ادعية مختارة ليوم عرفة. واما تسميتها بدعاء عرفة او ورد عرفة او حزب عرفة فيمنع منه لما يوهمه من اختصاصها بذلك المحل بل هي ادعية مختارة جاءت في القرآن او السنة تختار لجمع معان عظيمة ليستفيد منها من لا اطلاع له عليها. فاذا جمعت في مدون مفرد وسميت بادعية يدعى بها في يوم عرفة كان ذلك حسنا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان انه يستحب في هذا الموقف ان يكرر الحاج تلك الادعية والاذكار وما كان في معناها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر دعاءه ثلاثا وان يلح على ربه سبحانه وتعالى بالدعاء تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويكون مخبتا متواضعا خاضعا لله منكسرا بين يديه راجيا رحمته ومغفرته خائفا عذابه ومقته محاسبا لنفسه مجددا للتوبة النصوح لان يوم عرفة يوم عظيم يجود الله سبحانه وتعالى فيه على من يشاء من عباده فيعتقهم من النار. وما يرى الشيطان في يوم هو ادحر ولا اصغر ولا احقر منه من يوم عرفة الا ما رؤي يوم بدر لما يجري في ذلك اليوم من تفضل الله عز وجل على عباده باعتاق من يعتق منهم من النار ومباهاته بهم الملائكة كما ثبت ذلك في حديث عائشة في صحيح مسلم الذي ذكره المصنف. فينبغي للعبد ان يجتهد في دعاء الله سبحانه وتعالى في يوم عرفة طلبا لهذه الفضيلة العظيمة من العتق ورغبة في تحزين الشيطان واهانته اذاقته الامر بما يصيبه من كمد وحزن بفواته التوبة والرجوع الى الله سبحانه وتعالى واختصاص بني بما وفقهم الله سبحانه وتعالى اليه من اسباب المغفرة ومن اعظمها ما ما يمن الله سبحانه وتعالى به عليهم في يوم عرفة ويبقى الانسان مشتغلا بذكر والدعاء واولاه كما سبق ما كان في عشية عرفة فان الاحرى احظى بتوقيت الدعاء والاجتهاد فيه من يوم عرفة هو اخره واكده كل ما قربت الشمس من الغروب لئلا حظ الانسان منه. فاذا غربت الشمس يوم عرفة انصرف الناس الى مزدلفة بسكينة وهو قارن اكثر من التلبية واسرع في المتسع اذا وجدوا فجوة اسرعوا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز الانصراف قبل غروب غروب الشمس من عرفة اتباعا لهديه صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم بقي واقفا فيها حتى غربت الشمس ثم بعد ذلك دفع صلى الله عليه وسلم الى مزدلفة. ومزدلفة موضع معروف وانما سمي مزدلفة. لان الناس مزدلفين الى ربهم اي متقربين اليه بما امرهم سبحانه وتعالى من طاعة فيه. فاذا وصل اليها صلى المغرب والعشاء يقصر صلاة العشاء جمعا باذان واقامتين حين وصوله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم سواء وصلها بوقت المغرب او بعد دخول العشاء. فان حجزه الزحام حتى اوشك وقت العشاء ان يخرج فانه لا يجوز يجوز له ان يؤخرها حتى يصل الى مزدلفة. فالتأخير انما هو مشروع في حق من امكنه ادراك وقت الصلاة في مزدلفة اما من حبس بزحام فانه لا يجوز له ان يؤخرها حتى يخرج وقتها بل يصليها في وقتها ولو قبل وصوله الى مزدلفة ثم ذكر مما يحتاج التنبيه اليه ان ما يفعله بعض العامة من لقد حصى الجمار حين وصولهم الى مزدلفة قبل الصلاة واعتقاد كثيرا منهم ان ذلك مشروع انه غلط لا اصل له. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ان يلتقط له الحصى الا بعد انصرافه من المشعر الى منى فقد ثبت في السنن من حديث عبد الله ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم امر الفضل ابن عباس ان يجمع له الحصى غداة يوم النحر بمنى فهذا هو المسنون. وان التقطه الانسان من مزدلفة فلا بأس بذلك لكن لا يكون هو اول فعله. لان اول فعله اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو المبادرة الى الصلاة فالسنة ان يلتقط الانسان الحصى من منى. سواء فيما يتعلق برمي اليوم الاول او رمي بقية ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان مقدار الجمار التي تكون في اليوم الاول هي سبع اما الايام الثلاثة فيلتقطها كل يوم الاحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث كما سيأتي. ثم ذكر انه لا يستحب غسل الحصى بل يرمى به من غير غسيل لان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه ثم ذكر مسألة اخرى تتعلق بالرمي فقال ولا يرمى بحصى قد رمي به وهذا جمهور اهل العلم ان الحصى الذي رمي به لا يقصده الانسان فيعيد الرمي به. هذا مذهب جمهور اهل العلم والقول الثاني انه يجوز للانسان ان يرمي بحصن قد رمي به وهذا اسعد بالدليل لعدم المانع من وقد اختاره من المحققين العلامة محمد الامين الشنقيطي والعلامة ابن عثيمين رحمهم الله تعالى. ثم ذكر ان ان الحاج يبيت في هذه الليلة بمزدلفة ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم ان يدفعوا الى منى اخر الليل. لحديث عائشة سلمة وغيرهما واخر الليل يكون بغياب القمر كما ثبت ذلك في الصحيح. فان الدفع لم يكن كما جاء في حديث اسماء في الصحيح الا بعد غياب القمر. والقمر انما يغيب بعد مضي ثلثي الليل فالصحيح ان الانسان لا يدفع الا بعد مضي ثلثي الليل فانه محل غياب القمر. قد اختار هذا شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. وهذا في حق الضعفة من ان النساء والصبيان واما اهل القدرة والقوة فالمشروع لهم الا يدفعوا لكن ان دفعوا مثل دفع الضعف والنساء من النساء والصبيان فمذهب اهل العلم جوازه وهو الصحيح. فيجوز للقوي ان يتقدم كما يتقدم الضعيف. والاولى له ما ذكره المصنف انه يتأكد في حق القوي القادر ان يقيم بمزدلفة الى ان يصلي الفجر. وتكون صلاتها ولا سن اي في اول وقتها. وانما شرع تقديم الفجر في ذلك اليوم لتفريغ العبد للاشتغال بالدعاء بعدها قبل طلوع الشمس فاذا صلى الفجر بغلس وقف عند المشعل الحرام. والمشعر الحرام يطلقه بعض اهل العلم يريدون به جبل قزح المعروف بجبل الميقدة عند المسجد الموجود اليوم بمزدلفة ويطلقه اخرون ويدنا به مزدلفة كلها وهو الصحيح من قولي اهل العلم فان المشعر الحرام اسم لمزدلفة كلها لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند جبل الميقدة فاذا استطاع الانسان ان يقف عنده اتباعا لنبي صلى الله عليه وسلم فهذا اولى واذا لم يستطع وقف حيثما استطاع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال وقفت ها هنا وجمع كلها موقف يعني مزدلفة ويستحب له حال وقوفه عند المسعى الى الحرام استقبال القبلة ودعاء الله سبحانه وتعالى مع رفع يديه ويجتهد في الدعاء حتى يسفر جدا اي حتى يتبين النهار قبل طلوع الشمس لا اسفر جدا انصرف الى منى قبل طلوع الشمس واكثر من التلبية في سيره. فاذا وصلوا فاذا وصل الحاج الى محسر وهو واد بين مزدلفة. ومنى استحب له الاسراع. واسراعه قدر رمية حجر كما ثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه عند مالك في موطئه ورمية الحجر قدرها الفقهاء رحمهم الله تعالى بخمسمائة ذراع. وهي بمقادير اليوم تصل الى خمسين وثلاثمئة متر بين المشعرين مزدلفة ومنى فيستحب للانسان ان يشرع ان يسرع فيها قليلا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت ان موجب الاسراع كون محسر محلا لما نزل من عذاب ابرهة وقومه وان هذا فعله شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبدا فنحن نفعله تعبدا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا وصل الحاج الى منى قطعوا التلبية عند جمرة العقبة. ثم رموها حين اصولهم بسبع حصيات متعاقبات. يرفع الحاج يده عند رمي كل حصاة ويكبر قائلا الله اكبر. ويستحب ان يرميها من بطن الوادي ويجعل الكعبة عن يساره ومن عن يمينه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وان رماها من الجوانب الاخرى اجزأه ذلك اذا وقع الحصى في المرمى وهذا الامر كان فيما سلف اما اليوم فقد ازيلت الجبال القريبة من موضع الجمار وصار الطريق منفسحا يبقى بان يتحرى استقبالها بجعل الكعبة عن يساره ومن عن يمينه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يشترط اذا رمى ان يبقى الحصى في المرمى بل اذا وقع فيه وخرج منه لم يضره ذلك فلو وقعت الحصاد ثم خرجت منه اجزاء في ظاهر كلام اهل العلم رحمهم الله تعالى. ولم يكن الحوض الذي بني باخرة موجودا قبل بل كان اصل موضع الرمي محلا معروفا عند العرب يقصدونه لرمي الجمار. ولم يكن تم شاخص ولا حوض ثم بعد ذلك وضع الشاخص للدلالة عليه ثم في العهود المتأخرة في ولاية العثمان على الحجاز وضع الحوض ولم يزل الامر يتزايد حتى صارت الجمار على هذا الحال التي هي عليها اليوم ثم ذكر المصنف ان حصى الجمار ينبغي ان يكون مثل حصى الخلف وهو اكبر من الحمص قليلا واصغر من البندق ويكون ذلك قدر رأس الاصبع وانملته. ثم بعد الرمي ينحر هديه ويستحب ان يكون عند نحره او ذبحه بسم الله والله اكبر اللهم هذا منك ولك والذي ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه سمى وكبر فالسنة ان يسمي الانسان ويكبر. فان شاء ان يزيد دعاء بعد ذلك فله ان يقول ما شاء كقوله اللهم هذا منك ولك وامثل ما يدعو به الانسان من الزيادة ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم لما ضحى فان النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى قال اللهم تقبل من محمد ومن ال محمد ومن امة محمد. وهذا الدعاء لا يختص به صلى الله وعليه وسلم بل كل من اراد ان ينحر له ان يقول ذلك فيقول اللهم تقبل من محمد ومن ال محمد ومن امتي محمد صلى الله عليه وسلم يكون بذلك قد دعا لنفسه لانه من ضمن امة محمد صلى الله عليه وسلم. والمقصود ان المأثور في هذا المحل عند نحل الهدي هو قول بسم الله والله اكبر وما وراء ذلك فانه سائغ. ويوجه هديه الى القبلة والسنة ان ينحر الابل قائمة معقولة يدها اليسرى وذبحها وان يذبح البقرة والغنم على جنبها الايسر. ولو ذبح الى غير القبلة ان ذبيحته مجزئة الا انه ترك السنة. فالتوجيه الى القبلة سنة وليس بواجب. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه يستحب له ان يأكل من هديه ويهدي ويتصدق لقوله تعالى فكلوا منها واطعموا البائس الفقير. وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بهذه الاية على التثريت المشار اليه بقوله ان يأكل من هديه ويهدي ويتصدق فالمشروع للانسان هو هذه الامور الثلاثة في هديه واولها ان يأكل منه وتانيها ان يهدي منه وثالثه ان يتصدق وذكر تصديق ذلك بقوله تعالى فكلوا منها واطعموا البائس الفقير. وهذه الاية انما تدل على الاكل واطعام البائس الفقير منها بالصدقة واما الهدية فليست هذه الاية دليلا عليها وانما يدل عليها قوله تعالى الجواب هذا التثليث قاعدة في النحائر كالهدي والاضحية وغيرها. فما الدليل عليه قال الله عز وجل فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر. طيب ما وجه دلالة هذه الاية القانع ما هو من القناعة يعني طيب والمعتر مو الجواب ابراهيم هم القانع هو الذي لا يسع والمعتر لا لو قلبتها كان احسن هذي مسألة مهمة لان الامام احمد رحمه الله تعالى قال ذلك ثم ذكر هذه الاية ووجه دلالتها وهذه الاية من مشكلات ايات التفسير وقد اختلف فيها اهل العلم على ستة اقوال تقريبا. والصحيح هو ما ذهب اليه الامام ما لك في موطأه واختاره جماعة منهم الطاهر بن عاشور في تفسيره ان القانع هو الفقير الذي يسأل وان المعترض هو الذي يعتريك ويتعرض لك رجاء ان تهديه دون سؤال منه وسبق ان ذكرت لكم ان موطأ مالك محشو بمحاسن التفسير ومن جملتها تفسير هذه الاية فعلى هذه الاية فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر يحصل التتريس الذي اشار اليه المصنف رحمه الله تعالى وسبق ان ذكرت لكم ذلك مبينا في تفسير ايات ناسك ثم ذكر بعد ذلك ان وقت الذبح يمتد الى غروب شمس اليوم الثالث من ايام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة في اصح اقوال اهل العلم فتكون مدة الذبح يوم النحو وثلاثة ايام بعده. ثم بعد نحر الهدي او ذبحه يحلق رأسه او يقصره والحلق افضل كما تقدم. ولابد ان يعم رأسه بالحلق والتقصير. والمرأة تقصر من كل ظفيرة قدر انملة فاقل قد سلف هذا. فاذا رمى جمرة العقبة وحلق او قصر ابيح للمحرم كل شيء حرم عليه بالاحرام الا النساء ويسمى هذا بالتحلل الاول فان الانسان اذا اتى باثنين من ثلاثة تحللت تحللا اولا والثلاثة اولها الرمي وثانيها الحلق او التقصير وثالثها الطواف. وعلى هذا جمهور اهل العلم والذي يدل على هذا حديث عائشة الذي ذكره المصنف في الصحيحين انها قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل ان يحرم ولحله قبل ان يطوف بالبيت. فقولها رضي الله عنها ولحله قبل ان يطوف بالبيت يعني لما فرغ صلى الله عليه وسلم من نحر من رميه ونحل هديه ثم حلق صلى الله عليه وسلم احل ثم طيبته وطاف بالبيت صلى الله عليه وسلم حلالا. فهذا يدل على انه فعل اثنين من هذه الثلاثة على هذا فان من فعل اثنين من هذه الثلاثة احل وجعل الطواف بمنزلة واحد منهما توسعة على الناس فلو ان الانسان طاف ورمى جاز له ان يتحلل وما عدا ذلك من الاحاديث المروية التحلل بغيرها فلا تثبت كحديث اذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيء الا النساء فهذا حديث ضعيف مضطرب لا يصح الذي عليه جمهور اهل العلم هو المذهب الذي تقدم وهو الصحيح. ثم ذكر المصنف ان هذا الطواف يسمى طواف الافاضة وطواف الزيارة وطواف الحج وهو ركن من اركان الحج لا يتم الحج الا به كما قال الله عز وجل وليطوفوا بالبيت العتيق فان الطواف المذكورة هنا هو الطواف للحج ثم اذا طاف وصلى ركعتين خلف المقام يسعى بين الصفا والمروة ان كان متمتعا وهذا السعي حجه والسعي الاول لعمرته ولا يكفي سعي واحد في اصح اقوال اهل العلم. فان اهل العلم رحمهم الله تعالى مختلفون في السعي مرة ثانية على المتمتع لاختلاف الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهي حديث جابر في جهة وحديث عائشة وابن عباس في جهة اخرى. والصحيح هو ما ذهب اليه المصنف رحمه الله تعالى تبعا لجمهور اهل العلم ان المتمتع يجب عليه ان يسعى سعيا ثانيا لحجه لثبوت الاحاديث بذلك فان عائشة رضي الله عنها قالت ثم طافوا طوافا اخر بعد ان رجعوا من منى لحجهم. وانما تعني بهذا الطواف الطواف بين الصفا والمروة على اصح الاقوال في تفسير الحديث. والذي يدل على صحة هذا التفسير حديث ابن عباس الاخر الذي علقه البخاري مجزوما به ووصله البيهقي بسند صحيح عنه. وفيه قوله فاذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقوله بالصفا والمروة اعلام بانهم طافوا مرة سعوا مرة ثانية لحجهم كما طافوا له فالصحيح ان المتمتع يجب عليه طوافان وسعيان وبهذا يفترق عن القارن ان القرين ليس عليه الا طواف واحد وسعي واحد. وهذا الذي ذكره المصنف ونصره هو الذي تجتمع به الادلة ويقع به الاتفاق بين الاحاديث المثبتة كحديث عائشة وابن عباس والاحاديث النافية في حديث جابر رضي الله عنه وفيه انهم لم يطوفوا غير الطواف الاول. والمثبت مقدم على لان في الاثبات زيادة العلم وزيادة العلم تقتضي ثبوت الحكم الذي تضمنه ذلك العلم. فعائشة وابن عباس رضي الله عنهما ذكر زيادة في اثبات السعي على المتمتع فيقدم ما ذكراه على ما نفاه جابر رضي الله عنه نعم ما شاء الله فصل في بيان افضلية ما يفعله الحاج يوم النحر. والافضل للحاج ان يرتب هذه الامور الاربعة يوم النحر كما ذكر. فيبدأ اولا برمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق او التقصير ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع وكذلك للمفرد والقارن اذا لم يسعى مع طواف القدوم فان قدم بعض هذه الامور على بعض على بعض اجزأه ذلك. لثبوت الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في ذلك تقديم السعي على الطواف لانه من الامور التي تفعل يوم النحر فدخل في قول الصحابي فلما سئل يومئذ فما سئل عن يومئذ عن شيء قدم ولا اخر الا قال افعل ولا حرج. وذلك ولان ذلك مما يقع فيه النسيان والجهل. فوجب دخوله في هذا العموم. لما في ذلك من التيسير والتسهيل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عمن سعى قبل ان يطوف قال لا حرج. اخرجه ابو داوود من حديث اسامة بن باسناد صحيح فاتضح بذلك دخوله في العموم من غير شك والله الموفق. والامور التي يحصل للحاج بها التحلل التام ثلاثة وهي رمي جمرة العقبة والحلق او التقصير وطواف الافاضة مع السعي بعده لمن ذكر انفا. لمن؟ لمن لمن ذكر انفا فاذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه بالاحرام من النساء والطيب وغير ذلك. ومن بعث اثنين منها حل له كل كل شيء حوم عليه بالاحرام الا النساء ويسمى هذا بالتحلل الاول. ويستحب للحاج الشرب من ماء زمزم والتولع منه والدعاء ما تيسر من الدعاء النافع وماء زمزم لما شرب له كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم عن ابي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في ماء زمزم انها طعام طعم. زاد ابو داوود وشفاء سقم. وبعد طواف الاثارة والسعي ممن عليه سعي يرجع الحجاج الى فيقيمون بها ثلاثة ايام بلياليها ويرمون الجمار الثلاثة في كل يوم من الايام الثلاثة بعد زوال الشمس ويجب الترتيب في رميها فيبدأ وبالجمرة الاولى وهي التي تلي مسجد الخيف. فيبدأ بالجمرة الاولى وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يرفع يده عند كل حصاة ويسن ان يتقدم عنها ويجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويكثر من الدعاء والتضرع ثم يرمي الجمرة الثانية كالاولى ويسن ان يتقدم قليلا بعد رميها ويجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة ويرضع يديه فيدعو ثم يرمي الجمرة الثالثة ولا يقف عندها ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من ايام التشريق بعد الزوال كما رماها في اليوم الاول ويفعل الاولى والثانية كما فعل في اليوم الاول اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. والرمي في اليومين الاولين من ايام التشريق من واجبات الحج وكذا المبيت بمنى في الليلة الاولى والثانية واجب الا على الشقاة والرعاة ونحوهم فلا يجب ثم بعد الرمي في اليومين المذكورين من احب ان اعجل مما جاز له ذلك ويخرج قبل غروب الشمس وان تأخر وبات الليلة الثالثة ورمى الجمرات في اليوم الثالث فهو افضل واعظم اجرا كما قال الله تعالى واذكروا الله في ايام معدودات ممن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. ولان النبي صلى الله عليه وسلم رخص للناس بالتعجل ولم يتعجله بل اقام بنا حتى رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال ثم ارتحل قبل ان يصلي الظهر ويجوز لولي الصبي العارف عن مباشرة الرمي ان يرمي جاعنه جمرة العقبة وسائر الجمال بعد ان يرمي عن نفسه. وهكذا البنت الصغيرة العارسة عن الرمي يرمي عنها بحديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا ومعنا النساء والصبيان فلبينها عن الصبيان ورمينا عنهم اخرجه ابن ماجة ويجوز للعاجز عن الرمي لمرض او كبر سن او حمل اي او حمل ان يوكل من عنه لقول الله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات وزمن الرمي يفوت ولا يشرع قضاء فجاز لهم ان يوكلوا بخلاف غيره من المناسك فلا ينبغي للمحرم ان يستنيب من يؤديه عنه ولو كان حجه نافلة لان من الحج او العمرة ولو كان العين لزمه اتمامهما لقول الله تعالى واتموا الحج والعمرة لله. وزمن الطواف والسعي لا يفوز بخلاف زمن الرمي. واما الوقوف بعرفة المبيت بمزدلفة ومنى فلا شك ان زمنها يفوت ولكن حضور العاجز لهذه المواضع ممكن ولو مع المشقة بخلاف مباشرته للرمي ولان الرمي قد وردت وقد وردت الاستنابة فيه عن السلف الصالح في حق المعذور في خلاف غيره. والعبادات توقيفية ليس لاحد ان يشرع منها شيئا الا بحجة ويجوز اليومي عن نفسه ثم عن مسلم به كل جمرة من الجمار. كل جمرة من الجمار الثلاث وهو في موقف واحد ولا يجب عليه ان يكمل رمي الجبال عن نفسه ثم يرجع الى يومه عن مسني به في اصح قول العلماء بعدم الدليل الموجب لذلك ولما في ذلك من مشقة والحرج والله سبحانه وتعالى يقول وما انزل عليكم في الدين من حرج. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا. ولان ذلك لم ينقل عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما عن صبيانهم والعارج منهم ولو فعلوا ذلك لنقل لانه مما توافوا مما تتوافر الهمم على نقله والله اعلم ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر من المحصول المبينة احكام الحج ترجم له قوله فصل في بيان افضلية ما يفعله الحاج يوم النحر اي ما ينبغي عليه من ترتيب اعماله فيه اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم استطرد رحمه الله تعالى فتمم هذا بذكر ما يتعلق باحكام المبيت والرمي بمنى كما سيأتي. وقد ذكر في صدر هذا الفصل ان الافضل للحاج ان يرتب هذه امور الاربعة يوم النحر كما ذكر فيبدأ اولا برمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق او التقصير ثم الطواف في البيت والسعي وثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع وكذلك للمفرد والقارن اذا لم اسعى يا مع طواف القدوم هذا هو الافضل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وان قدم شيئا على شيء منها اجزأه ذلك لثبوت الرخصة عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمر في الصحيح وان النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا اخر قال افعل ولا حرج من رفع الحرج في ذلك اليوم والتيسير على الحاج ان الانسان ان قدم شيئا من هذه الاعمال بعضها على بعض لم يكن اثما بذلك. وقول الصحابي رضي الله عنه فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا اخر اعلام بان هذا الاذن بعدم المؤاخذة وطلب التوسيع مختص بهذه الاعمال فتوسيعه حتى يكون شعارا للحج لا يعرف عن اهل العلم رحمهم الله تعالى وانما قيد باعمال لذلك اليوم لمشقتها وكثرتها مع ازدحام الحاج ولا سيما في مثل هذه الازمان فهذا مناط التوثيق وقد صارت الامور اسهل مما مما تقدم ولا يزال الحج يتيسر في صورته ويعسر في حقيقته. فان صورة الحج في اداء المناسك والقيام بها صارت سهلة لكن اداءه في حقيقته من كثرة الاقبال على الله سبحانه وتعالى والاشتغال بطاعته صارت قليلة في قلوب الناس فقد اضحى الحج عند كثير منهم سياحة وليس عبادة وهذا قد روي في احاديث ضعاف من علاماته يوم القيامة ان يكون الحج سياحة. والاحاديث وان كانت ضعافا الا ان الحال صار عليها. فصار الحج التمكن منه في الصورة الظاهرة ميسرا. واما باعتبار حقيقته من الاقبال على الله والاشتغال بالعمل الصالح والانصراف من المحرمات فصار قليلا بل بعض الناس في تلك المشاعر يجاهر بمعاصيه ويظهر ما اعتاده منها دون نكيل ان مما يدل على وهن حقيقة الحج في قلوب الناس بخلاف ما كانت عليه الحال فيما سلف فان الناس كانوا يتعبون ويشقون في اداء حجهم لكنهم كانوا يجدون لذة الطاعة والعبادة فيه لاقبال الناس على ربهم وابتهالهم اليه والتزامهم بهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان الامور التي يحصل بها التحلل التام للحاج هي رمي جمرة العقبة والحلق او التقصير وطواف الافاضة مع السعي بعده فاذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه بالاحرام من النساء والطيب وغير ذلك ومن فعل اثنين منها حل له كل شيء حرم عليه بالاحرام الا النساء ويسمى هذا التحلل الاول. فالتحلل في الحج نوعان اثنان احدهما التحلل الاول ويسمى الاصغر ايضا ويكون ذلك بفعل اثنين من ثلاثة هي الرمي والحلق والطواف مع السعي. والاخر التحلل الثاني ويسمى الاكبر ويقع باستكمال الثلاثة جميعا. فاذا تحلل الانسان بالتحلل الاول حل له كل شيء حرم عليه مما محظورات الاحرام التسع التسعة المتقدمة بقي عليه منها شيء واحد وهو النساء اذا احل بالتحلل الاكبر حل له كل شيء حتى النساء. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه يستحب للحاج الشرب من ماء زمزم والتضلع منه والمراد بالتضلع كثرة الكرع منه وملأ الجوف به حتى تظهر وتبرز الشارب والامر بالتضلع من ماء زمزم وردت احاديث وردت فيه احاديث وظعاف لا يصح منها شيء وانما شربه صلى الله عليه وسلم منه في الصحيح. وماء زمزم لما شرب له كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره وفي اسناده ضعف لكنها مباركة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم انها مباركة ثم وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله انه طعام طعم وزاد ابو داوود بسند فيه ضعف وشفاء سقم فماء زمزم ماء مبارك والانتفاع به يكون بالشرب منه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وما زاد عن ذلك فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كرشه على الراس الذي رواه احمد. فان رواية الرش على الرأس التي عند احمد شادة ولا تصح وانما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الشرب منه لكن ماء زمزم ماء مبارك فاذا شاء الانسان ان يرش على رأسه او بدنه منه فان ذلك جائز لكنه ليس شيئا مأثورا مستحبا. ثم بعد طواف الافاضة والسعي ممن عليه سعي يرجع الحجاج الى الى منى. فيقيمون بها ثلاثة ايام بلياليها ويرمون الجمار الثلاث كل يوم من الايام الثلاثة بعد زوال الشمس. كما ثبت ذلك عن ابن عمر في موطأ ما لك بسند صحيح انه قال لا ترمى الجمار في الايام الثلاثة الا بعد زوال الشمس. فالايام الثلاثة الباقية الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لا يجوز ان يرمي فيها الحاج الا بعد زوال الشمس. ومن رمى قبل زوال الشمس لزمه دم كما ثبت ذلك عن ابن عمر بسند صحيح عند احمد في مسائل ابنه صالح والخروج عن ذلك هو قول ولم يزل المسلمون على ذلك حتى نشأت الناشئة في هذه الازمنة متأخرة فسهلوا الرمي قبل الزوال من اليوم الاخير الذي يتعجل فيه الحاج وهو الثاني عشر او الثالث عشر. والصحيح ان الرمي لا يكون الا بعد زوال الشمس كما ثبت عن ابن عمر في الموطأ ومن رمى قبل زوال الشمس في هذه الايام لزمه دم كما ثبت عن ابن عمر عند احمد في مسائل ابنه صالح ولا يعرف لعبدالله ابن ولا يعرف لعبدالله ابن عمر مخالف من الصحابة ولم يكن هذا من عمل السلف رضي الله عنهم ورحمهم ومن جاء عنه من السلف ذلك فاما انه لا يصح عنه واما انه صح عنه غيره واما انه صح عنه لكن لم يعمل به احد من الامة فان الامة في الصدر الاول من الصحابة والتابعين واتباع التابعين لم يؤثر ان الحج في سنة من السنوات رموا قبل الزوال في شيء من هذه الايام فهذه حجة قاطعة على ان الرمي قبل زوال الشمس لا يجوز ابدا بل هو من الشذوذ والخروج عن عمل الامة. وتطلب الرخصة في ذلك هو من الاخذ بالرخص التي لم تثبت انما يأخذ بالرخص التي ثبتت ادلتها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وما عدا ذلك من زلات الفقهاء فان الانسان لا اعبدوا الله سبحانه وتعالى به ولا سيما ما فيما يتعلق بشعيرة ظاهرة فان الشعائر الظاهرة من كمال الدين حفظها على فان حفظها على الاتقى ارجى في بقائها. واما تمزيقها بالرخص وغثاتتها واختلاف اهل العلم فهذا تزول به شعائر الدين الظاهرة فشعائر الدين الظاهرة ينبغي ان يحرص على بقائها اخذا ببقاء الامة فان الامة انما تبقى بظهور الدين واذا رخص في الشعائر الظاهرة فقيل يجوز للعبد ان يدفع صدقة الفطر نقدا لا طعاما ويجوز له ان يذبح اضحيته في غير بلده فينقلها ويدفع دونها مالا فان الشعائر تنطمس في البلاد حتى تنسى ومن نظائر هذا في كثير من البلاد الاسلامية انهم لا يعرفون صلاة الاستسقاء وهم مسلمون والعلم بينهم منشور لكن هجر العمل بها فصار القيام بها مستغربا فاذا سهل في هذا زالت شعائر الدين من الناس ووهن الدين في بهم وهذا الامر انما يعرفه من يرعى الكليات في حفظ الشريعة وهو المعروف بعلم مقاصد الشرع واما من ينقب في الكتب ليبحث عن قول فقيه او زلة عالم ثم يفتي الناس بها فهذا لا يعرف كليات الشريعة وهو يقصد بذلك التوسعة على الناس وفي الحقيقة انه يفرق جماعتهم. لان هذا مفرق لما كانت عليه الامة من العمل وخروج عن ما دلت عليه الادلة وليس الاخذ بهذا تشديدا. فان التشديد انما هو حمل الناس على خلاف المأمور به شرعا. كان يقول مشددا مثلا لا يجوز الرمي من الليل فان القائل بهذا القول خرج عما ثبتت به الحجة عن ابن عمر رضي الله عنه في تسويغه الرمي في الليل في هذه الايام لما اذن لزوجه صفية رضي الله عنها ورحمها فاذا منع الانسان كان تشديدا واما التمسك بما دلت عليه الادلة وحمل الناس عليه فليس تشديدا. ويوشك ان يكون المأمور به في الكتاب والسنة مما اطبقت عليه الامة في الوجوب ان يكون تشديدا عند قوم من المتكلمين في هذه المسائل حتى يصيروا حتى توقيت الصلوات بمواقيتها وعدم تسويغ ان تنقل من وقت اخر تشديدا وهذا صار القول به في بعض البلاد ان التشديد في مثل هذه المسائل ان الاعراب والافصاح عن هذه المسائل من التشديد في الدين حتى صار الدين الظاهر المأثور الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم تشديدا وهذه مقالات اهل الزندقة والنفاق التي سرت الى بعض المتشرعة فصاروا يروجون لها بالنيابة عنهم. وكل في الحقيقة من النواب عن الابليس القطاع للطريق كما ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى. ولا يغتر الانسان باتساع القول باخرة في هذه مسائل وليلزم الامر العتيق مما كان عليه اهل العلم رحمهم الله تعالى. ثم ذكر المصنف في احكام رمي الجمار انه يجب على ان يرتبها في رميها فيبدأ بالجمرة الاولى وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات وهي اقرب الى مسجد الخيف في رفع يده عند كل حصاة ويكبر في رفعه ويكثر من من الدعاء والتضرع كما ذكر المصنف ويسن ان يتقدم عنها ويجعلها عن يساره اذا رمى ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويكثر من الدعاء والتضرع وهذا الوقوف والدعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كقدر قراءة سورة البقرة اي يطيله الانسان اطالة شديدة فاذا كان ثم زحام دعا بقدر ما يستطيع. ثم ذكر انه يرمي الجمرة الثانية كالاولى ثم يتقدم قليلا بعد رميها ويجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة ويرفع يديه فيدعو كثيرا ثم يرمي الجمرة الثالثة ولا يقف عندها. فالوقوف انما هو مختص بالاولى والتانية. والمحال التي شرع فيها ذكر او دعاء في الحج لا تكون اواخرها محلا له. فابتداء الطواف يشرع فيه ان يكبر الانسان في اول شوط ولا يشرع له ان يكبر عند فراغه من السابع فاذا وصل الانسان الى اخر الشوط السابع وحاذ الحجر انصرف ولم يشر ولم يكبر في اصح قولي اهل العلم وكذلك اذا فرغ من الشوط السابع من السعي فانتهى الى المروة فانه لا يشرع له ان يقف وان يدعو وكذلك في هذا الموظع هذه قاعدة الشريعة في محال الادعية التي ذكرنا ثم ذكر بعد ذلك انه يرمي الجمرات في اليوم الثاني من ايام التشريق بعد الزوال كما رماها في اليوم الاول ويفعل عند الاولى والثانية ما فعل في اليوم الاول اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر ان الرمي في اليومين اولين من ايام التسيير واجب من واجبات الحج وكذا المبيت بمنى في الليلة الاولى والثانية واجب الا على السقاة والرعاة ونحوهم فلا يجب ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم. ثم بعد الرمي في اليومين المذكورين من احب ان يتعجل من منى جاز له ذلك ويخرج قبل غروب الشمس ومن تأخر وبات الليلة الثالثة ورمى الجمرات في اليوم الثالث فهو افضل واعظم اجرا لقوله تعالى الله في ايام معدودات فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى ولان النبي صلى الله عليه وسلم رخص للناس في التعجل ولم هو بل اقام بمنى حتى رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال ثم ارتحل قبل ان يصلي الظهر فاذا شاء الانسان تعجل فخرج في اليوم الثاني عشر وان شاء تأخر وهو افضل. والخارج متعجلا من منى في اليوم الثاني عشر يجب عليه ان يخرج قبل غروب الشمس فاذا غابت الشمس وهو في منى لزمه المبيت كما صح ذلك عن ابن عمر عند ما لك في موطئه. والمشتغل بجمع عدة كفره او ماء المحبوس في زحام ملحق بهذا. فاذا كان الانسان قد حمل عدة سفره وهو يتفقدها ثم غربت امس جاز له ان يشرع في الخروج منها وكذلك اذا شرع في الخروج ثم حبسه الزحام فلم يمكنه ان يخرج منها قبل غروب الشمس لم يكن اثما بخروجه منها بعد غروب الشمس. وانما الذي يأثم هو الذي يمكنه الخروج ثم يخرج منها. لان بقائه فيها لابد ان يستكمل يومين فان الله قال فمن تعجل في يومين واليوم لا يستكمل الا بغروب الشمس فاذا خرج قبل غروب الشمس فانه لا يكون قد استكمل اليوم. ثم ذكر انه يجوز لولي الصبي العاجز عن مباشرة الرمي ان يرمي عنه وليه. وورد في ذلك حديث جابر عند ابن ماجة واسناده ضعيف الا ان الاجماع منعقد على جواز الاستنابة عن الصغار والصبيان كما نقله ابن عبد كما نقله ابن المنذر رحمه الله تعالى في الاجماع ومثله كذلك ومثلهما كذلك العاجز لمرض او كبر سن او حمل يوكل من يرمي عنه متقيا سبحانه وتعالى حسب استطاعته لان ذلك يشق عليه. ولا يشرع للانسان ان يستنيب ممن يؤدي عنه غير هذا النسك. فله ان ينيب من يرمي عنه ليس له لكن ليس له ان ينيب من يقف عنه بعرفة او ان يبيت عنه بمزدلفة او منى بل يحضر في هذه المحال مع عجزه بخلافه مباشرة الرمي. والرمي قد وردت فيه الانابة بخلاف غيره والعبادات مبنية على التوقيف. ثم من احكام الرمي انه يجوز للنائب ان يرمي عن نفسه ثم عن مستنيبه كل جمرة من الجمال الثلاث في موقف واحد فمن انابه غيره فانه يرمي عن نفسه اولا في عند الجمرة الاولى ثم يرمي عن من انابه ثم يفعل ذلك في وافعلوا ذلك في الثالثة هذا هو القول الصحيح من قول اهل العلم وانه لا يلزمه ان يرمي عن نفسه اولا الثلاث فيرمي الاولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم يرجع مرة ثانية فيرمي مثلما رمى لنفسه رميا عن غيره اما في ذلك من الحرج والمشقة وعدم الدليل الموجب لذلك والله عز وجل يقول وما جعل عليكم في الدين من حرج والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يسروا ولا تعسروا نعم. فصل في وجوب الدم على المتمتع والقارن. ويجب على الحاج اذا كان متمتعا قارئ ولم يكن من حاضر المسجد الحرام دم وهو شاة او سبع بدنة او سبع بقرة ويجب ان يكون ذلك من مال حلال وكسب طيب لان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا. فينبغي للمسلم التعفف عن سؤال الناس هديا او غيره. سواء كانوا ملوكا او غيرهم اذا الله له من ما له ما يهديه عن نفسه ويغنيه عما في ايدي الناس لما جاء في الاحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم السؤال وعيبه ومدح من تركه فان عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه ان يصوم ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجع الى اهله وهو مخير في صيام شاء اصابها قبل يوم النحر وان شاء اصابها في ايام التشريق الثلاثة. قال تعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يرد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعت من تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام وفي صحيح البخاري عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قال لم يرخص في ايام التشريق ان يصم لم يرخص في ايام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدي. وهذا في حكم المرفوع الى النبي صلى الله عليه وسلم. والافضل ان يقدم صوم الايام الثلاثة على يوم عرفة ليكون ليوم عرفة مفطرا. لان النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم عرفة مفطرا ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. ولان الفطرة في هذا اليوم انشط لهم على الذكر والدعاء ويجوز صوم ثلاثة ايام المذكورة متتابعة ومتفرقة. وكذا صوم السبعة لا يجب عليه فيها بل يجوز صومها مجتمعة ومتفرقة لان الله سبحانه لم يشترط التتابع فيها وكذا رسوله عليه الصلاة والسلام والافضل خير صوم السبعة الى ان يرجع الى اهله قوله تعالى وسبعة اذ وسبعة اذا رجعتم. والصوم للعاجز عن الهدي افضل من سؤال الملوك وغيرهم هديا ليذبحه عن نفسه ومن اعطي هديا او غيره من غير مسألة ولا اشراف نفس فلا بأس به. ولو كان حاجا عن غيره اي اذا لم يشترط عليه اهل النيابة شراء الهدي من المال المدفوع له. واما ما يفعله بعض الناس من سؤال الحكومة او غيرها شيئا من الهدي باسم اشخاص يذكرهم وهو كاذب هذا لا شك في تحريمه لانه من التأكد بالكذب عافانا الله والمسلمين من ذلك. عقد المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر من الفصول المبينة لاحكام الحج ترجم له بقوله فصل في وجوب الدم على المتمتع والقارن. لان متمتعا والقارن يختصان عن المفرد بوجوب الدم عليهم اذا لم يكونا من حاضر المسجد في الحرام واما حاضر المسجد الحرام وهم اهله فليس عليهم دم. وقد بين المصنف ان الدم هو شاة او سبع بدنة او سبع بقرة وذكر من احكامه انه يجب ان يكون من مال حلال وكسب طيب لان الله طيب لا يقبل الا طيبا وتقدم ان هذا مطرد في احكام الحج كلها بل في اعمال الانسان كلها. وينبغي للمسلم ان يتعفف عن سؤال الناس هديا سواء كانوا ملوك او غيرهم اذا يسر الله له من ما له ما يهديه عن نفسه ويغنيه عما في ايدي الناس لما جاء من الاحاديث كثيرة في ذم السؤال به ثم ذكر ان المتمتع والقارن اذا عجز عن الهدي وجب عليهما ان يصوم ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجع احدهم الى اهله وهو مخير في صيام الثلاثة ان شاء صامها قبل يوم النحر وان شاء صامها في ايام التشريق الثلاثة وذكر الاية الدالة على ذلك ثم اورد ما في الصحيح ان عائشة وابن عمر كان يقول ان لم يرخص في ايام التشريق ان الا لمن لم يجد الهدي فصيام ايام التشريق حرام لكن اذا كان الانسان متمتعا او قارنا ولم يجد الهدي فانه يجوز له ان يصوم هذه الايام وهذا في حكم المرفوع الى النبي صلى الله عليه وسلم لان الرخصة لا تكون الا منه. وما جاء على البناء لغير فاعل من اقوال الصحابة فقولهم امر او نهي او رخص او غير ذلك فانه من المرفوع حكما عند جمهور اهل العلم وهو الصحيح كما سلف والافضل ان يقدم صوم هذه الايام الثلاثة على يوم عرفة ليكون في يوم عرفة مفطرا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا ليجتهد في الدعاء في ذلك اليوم. وحديث النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة عند ابي داود وغيره ضعيف لكن هديه صلى الله عليه وسلم فيها الفطر وهو المناسب للعمل في يوم عرفة من الاجتهاد في الدعاء لان الصائم يتعب ويكسل عن الدعاء فيه كثيرا. ثم ذكر ان الايام الثلاثة يجوز ان متتابعة متفرقة وكذلك السبعة لا يجب فيها التتابع. والافضل ان يؤخر صوم السبعة الى ان يرجع اليه كما قال الله تعالى وسبعة اذا رجعتم يعني الى اهلكم. ثم ذكر ان الصوم للعاجل افضل من سؤال الملوك وغيرهم هديا يذبحه عن نفسه ومن اعطي هديا او غيره من غير مسألة ولا اشراف نفس فلا بأس به. ولو كان حاجا عن غيره. اي اذا اعطي هديا دون سؤال منه تطلع نفس منه الى ذلك الهدي كان ذلك جائزا وله ان يذبحه هديا. وكذلك لو كان حاجا عن غيره يجوز له وذلك الا ان يشترط عليه من دفع له النفقة من اهل النيابة ان يشترط عليه ان يشتري الهدي من المال الذي دفع له فيجب ان يمتثل ذلك وان يشتري الهدي من هذا المال ولا يجوز له اخذ ما اعطي من الهدي. ونبه المصنف ان ما يفعله بعض الناس من سؤال الحكومة او غيرها شيئا من الهدي باسم اشخاص يذكرهم وهو كاذب فان هذا محرم لانه من التأكد بالكذب ويتأكد تحريمه لانه قائم مقام اداء عبادة فهو يتقرب الى الله بهذا الهدي. ولا ينبغي له ان يتقرب بما سببه محرم. نعم. احسن الله اليكم فصل في وجوب الامر بالمعروف عن الحجاج وغيرهم. ومن اعظم ما يجب على الحجاج وغيرهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. المحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة كما امر الله بذلك في كتابه. وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. واما ما يفعله الكثير من الناس سكان مكة وغيرها من الصلاة في البيوت وتعطيل المساجد فهو خطأ مخالف للشرع فيجب النهي عنه وامر الناس بالمحافظة على الصلاة في المساجد فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لابن ام مكتوم لما استأذنه ان يصلي في بيته لكونه اعمى بعيد الدار عن المسجد. هل تسمع النداء الصلاة؟ قال نعم. قال فاجبه. وفي رواية لا اجد لك رخصة. فقال صلى الله عليه وسلم لقد هممت ان امر بالصلاة تقام ثم امر رجلا فيؤم الناس ثم انطلق الى رجال لا يشهدون الصلاة. فاحرق عليهم بيوتهم بالنار. وفي سنن ابن ماجة وغيره حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمع النداء فلم يأت فلا صلاته الا من عذر. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله الله عنه قال من سره ان يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهم. فان الله شرع لنبيكم سنن وانهن من سنن الهدى ولو انكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لظلتم امام رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد الى من هذه المساجد الا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه ويرفعه الله بهذا وجهه ويحط عنه بها سيئة. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى رجلين حتى يقاما بالصف ويجب على الحجاج وغيرهم اجتناب محارم الله تعالى والحذر من يمسكها بها كالزنا واللواط والسرقة واكثر واكل مال اليتيم والغش في المعاملات والخيانة في الامانات وشرب المسكرات والدخان واسبال الثياب والكبر والحسد والرياء والغيبة والنميمة والسخرية واستعمال الات الملائكة الاسطوانات والعود والرباب والمزامير واشباهها واستماع الاغاني والات الطرب من الراديو وغيره واللعب النرد وشطرنج والمعاناة بالميسر وهو القمار وتصوير ذوات الارواح والادميين وغيرهم والرضا بذلك فان هذه كلها من التي حرمها الله على عباده في كل زمان ومكان فيجب ان يحذرها الحجاج وسكان بيت الله الحرام اكثر من غيرهم لان المعاصي في هذا يد الامين اثمها اشد عقوبتها اعظم. وقد قال الله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. فاذا كان الله قد توعد من اراد ان يلحد في الحرام ظلم فكيف تكون عقوبة من فعل؟ لا شك انها اعظم واشد فيجب الحذر من ذلك ومن سائر المعاصي. ولا يحصل للحجاج بر بر وغفران الذنوب الا بالحذر من هذه المعاصي وغيرها مما حرم الله عليهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه واشد من هذه المنكرات واعظم منها دعاء الاموات والاستغاثة بهم والنذر لهم مذحولهم رجاء ان يشفعوا لداعي عند الله او او يشفوا مريضه او يرد غائبه ونحو ذلك وهذا من الشرك الاكبر الذي حرمه الله وهو دين مشركي الجاهلية. وقد بعث الله وانزل الكتب لانكاره والنهي عنه. فيجب على كل فرد من الحجاج وغيرهم ان يحذره. وان يتوب الى الله مما سلف من ذلك ان كان قد سلف منه شيء. وان فيها حجة الذي تم عليه التوبة منه لان الشرك الاكبر يحبط الاعمال كلها كما قال تعالى كما قال الله تعالى ولو اشركوا لحفظ عنهم ما كانوا يعملون ومن انواع الشرك الاصغر الحلف بغير الله كالحدث بالنبي والكعبة والامانة ونحو ذلك ومن ذلك الرياء والسمعة وقول ما شاء الله وشئت ولولا الله انت وهذا من الله ومنك واشباه ذلك فيجب الحذر من هذه المنكرات الشركية والتواصي بتركها لما ثبت عن النبي صلى الله عليه انه قال من حلف بغير الله فقد كفر او اشرك. اخرجه احمد ابو داوود والترمذي باسناد صحيح. وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله او ليصمت. وقال صلى الله عليه وسلم ايضا من حلف بالامانة فليس منا اخرجه ابو داوود فقال صلى الله عليه وسلم ايضا اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر فسئل عنه فقال الرياء فقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا ما شاء الله شاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان. اخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا قال يا رسول الله ما شاء الله وشئت فقال اجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده؟ وهذه الاحاديث تدل على حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وتحذيره امته من الشرك الاكبر والاصغر وحرصه على سلامة ايمانهم ونجاته من ونجاتهم من عذاب الله واسباب غضبه. فجزاه الله عن ذلك افضل الجزاء فقد ابلغ ونصح لله ولعباده صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين الى يوم الدين. والواجب على اهل العلم من الحجاج والمقيمين في عباد الله الامين وبدية رسوله الكريم عليه الصلاة والتسليم ان يعلموا الناس ما شرع الله لهم ويحذروهم مما حرم الله عليهم من انواع الشرك والمعاصي وان يبسطوا ذلك بادلته ويبينوه بيانا شافيا ليخرجوا الناس بذلك من الظلمات الى النور ويؤدوا بذلك ما اوجب الله عليهم من البلاغ والبيان. قال الله سبحانه واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. والمقصود من ذلك تحذير العلماء هذه الامة من سلوك مسلك الظالمين من الكتاب في كتابه الحق ايثارا للعاجلة على الاجلة. فقد قال وقد قال تعالى ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد لما بيناه للناس بالكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا واصلحوا بينوا فاولئك توبوا عليهم وانا التواب الرحيم قد دلت الايات القرآنية والاحاديث النبوية على ان الدعوة الى الله سبحانه وارشاد العباد الى ما خلقوا له من افضل القربات واهم الواجبات ما هي سبيل الرسل واتباعهم الى يوم القيامة؟ كما قال الله سبحانه ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من وقال عز وجل قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم من دل على خير فله مثل اجر فاعله. اخرجه مسلم في صحيحه وقائم علي رضي الله عنه لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم متفق عليه متفق على صحته والايات والاحاديث في هذا المعنى كثيرة فحقيق باهل العلم والايمان ان يضاعف جهودهم في الدعوة الى الله سبحانه وارشاد عباده الى اسباب النجاة وتحذيرهم من اسباب الهلاك ولا سيما في هذا العصر الذي غلبت فيه الاهواء وانتشرت فيه المبادئ الهدامة والشعارات المضللة وقل فيه دعاة الهدى وكثر فيه دعاة الالحاد والاباحية. فالله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر لا يختص ببيان الاحكام المتعلقة بالحج لكنه يتأكد فيه فلاجل عظيم الحاجة اليه ذكره المصنف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب فترجم له بقوله فصل في وجوب الامر بالمعروف على الحجاج وغيرهم والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بالحج بل هو اصل من اصول الشريعة. وانما يتأكد القيام بهذا الاصل حال اجتماع الناس. وذلك آآ في الحج فمن اعظم ما يجب على الحجاج الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على ما امروا به من طاعة و التباعد عن كل ما نهاهم الله سبحانه وتعالى عنه. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا من المأمورات التي يجب امتثالها طرفا من المحرمات التي يجب الانتهاء عنها. فذكر من ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة كما امر الله بذلك كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وان ما يفعله الكثير من الناس من سكان مكة وغيرها من الصلاة في البيوت وتعطيل المساجد مخالف للشرع فيجب ان ينهوا عنه وان يؤمروا باداء الصلاة في المساجد. ثم ذكر طرفا مما يجب على الحجاج اجتناب من المحارم والحذر من ارتكاب كالزنا واللواط والسرقة الى اخر ما عد من المنكرات التي حرمها الله سبحانه وتعالى في كل زمان ومكان. الا ان التحريم يتأكد في هذا المقام لان المعاصي في البلد الامين اسمها اشد وعقوبتها اعظم كما قال الله عز وجل ومن يرد بظلم نذيقه من عذاب اليم. فاذا كان الله قد توعد على مريد الالحاد الحرم بظلم اذا كان مجرد فعله هما اصر فيه فان من فعل الفعل اعظم في العقوبة والصحيح في الارادة التي يرتب عليها العقاب انها الارادة المقترنة بالقدرة على فعل والتمكن منه وهي المسماة بارادة الاصرار. فان الامام احمد ذكر ان الهم نوعان احدهما همه خطرات والثاني هم اصرار وهم الاصرار هو المراد بالارادة التي يرتب عليها العقاب بان يكون الانسان قد عزم الفعل مع المكنة منه فانه يعاقب عليه ولو لم يباشره. وقد ذهب بعض اهل العلم الى ان السيئات تضاعف في الحرم. والصحيح ان السيئات لا تضاعف في الحرم كما وعددا. بل جزاء سيئة مثلها ولكنها تضاعف تضاعف قدرا وكيفية فالخطيئة المفعولة في الحرم اعظم من مثلها اذا فعل في غيره فالنظرة الحرام في مكة اعظم من نظرة الحرام في غيرها. ثم ذكر بعد ذلك ان الحجاج لا يحسن لا يحصل لهم بر الحج وغفران الذنوب الا بالحذر من هذه المعاصي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه وتقدم بيان معناه ومن اشد المنكرات ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى كالوقوع في الدعاء دعاء الاموات والاستغاثة بهم والنبي لهم وذبحي لهم رجاء شفاعتهم او شفاء المريظ او رد الغائب وهذا من الشرك الاكبر الذي يجب على كل فرد من الحجاج وغيرهم ان يحذره وان يتوب اليه لان الشرك الاكبر محبط للعمل كما قال تعالى ولو اشركوا لحفظ عنهم ما كانوا يعملون. ثم ذكر نظيره من المنكرات من انواع الشرك الاصغر كالحديث بغير الله. كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم الكعبة والامانة والرياء والسمعة وقول ما شاء الله وشئت ولولا الله وانت وهذا من الله ومنك واشباه ذلك فهذه كلها من المنكرات الشريكية التي يجب تركها وذكر المصنف رحمه الله تعالى الادلة عليها من اقوال النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على حرمتها وحماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وتحذيره امته من الشرك الاكبر. والواجب على اهل العلم من الحجاج والمقيمين في الله الامين ومدينة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ان يعلموا الناس ما شرع الله لهم وان يحذروهم مما حرمه الله عليهم كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى واولى ما يسعى فيه الداعي في تلك المواطن هو اصلاح حال الحجيج من الوافدين الى هذا المحل من اهل هذه البلاد وغيرها فانهم يقبلون في هذه المحال على الله سبحانه وتعالى فقلوبهم الين وارجى للقبول فيجب ان يجتهد العلماء طلاب العلم الداعون الى الله سبحانه وتعالى في اغتنام هذا الموسم المبارك في اصلاح حال الناس ودعوتهم الى امتثال ما امرهم الله سبحانه وتعالى به وان يضاعفوا من جهودهم في الدعوة الى الله سبحانه وتعالى والتحذير من اسباب الغي والهلاك ولا سيما في هذا العصر كما ذكر المصنف الذي غلبت فيه الاهواء وانتشرت فيه الدعوات الضالة وفشت الفرق والملل المنسوبة زورا وكذبا الاسلام نعم. فصل في استحباب التزود من الطاعات. ويستحب للحجاج ان يلازموا الى الله وطاعته والعمل الصالح مدة اقامتهم بمكة ويكثروا من الصلاة والطواف بالبيت لان الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيه عظيمة كما يستحب لهم الاكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاذا ارادوا الحجاج الخروج من مكة وجب عليهم ان يطوفوا بالبيت طواف ليكون اخر عهدهم بالبيت الا الحائض والنفساء. فلا وداع عليهما لحديث ابن عباس قال امر الناس ان يكونوا اخر ان يكون اخر عهد بالبيت الا انه خفف عن المرأة الحائض. متفق على صحته. فاذا فرغ من توديع البيت واراد الخروج من المسجد مضى على وجهه حتى ولا ينبغي له ان يمشي القهرة لان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه بل هو من البدع المحدثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. وقال صلى الله عليه وسلم اياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة اسأل الله الثبات على دينه والسلامة مما خالفه انه جواد كريم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فصل اخر من ما لا يتعلق باحكام الحج خاصة لكنه يتأكد فيه وهو التزود من الطاعات فترجم له بقوله فصل في استحباب التزود من الطاعات وذكر في عظمه ما يقع به ختم الحج وذكر في صدر هذا الفصل انه يستحب للحجاج ان يلازموا ذكر الله وطاعته والعمل الصالح مدة اقامتهم بمكة وان اكثر من الصلاة والطواف بالبيت لان الحسنات في الحرم مضاعفة. وهي مضاعفة كمية كغيرها في محالها فالحسنة بعشرة اضعافها سبع مئة ضعف الى اضعاف كثيرة. وكذلك هي مضاعفة باعتبار كيفها فهي تضاعف كما وكيف فالحسنة المفعولة في الحرم اعظم من نظيرها في غيره لشرف المكان واذا اقترن بذلك شرف الزمان كان اعظم في قدرها ثم ذكر ان مما يستحب لهم الاكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر ما يختم به الحاج حجه انه اذا اراد الحجاج خروجا من مكة وجب عليهم ان يطوفوا ببيت طواف الوداع ليكون اخر عهدهم بالبيت وهذا هو اخر الصفة التي تكون من مريدي النسك فان مريدي النسك له ثلاثة اطوفة اولها طواف القدوم وثانيها طواف الحج المسمى بطواف الافاضة وثالثها طواف الوداع. والاول واجب في ركن في حق المتمتع لانه ركن عمرته ومستحب في حق القارن والمفرد. والثاني ركن في حق الجميع والثالث واجب في حق الجميع. الا ان الحائض والنفساء يخفف عنهما فلا يجب عليهما وداع كما ثبت في حديث ابن عباس في الصحيحين قال امر الناس ان يكونوا ان يكون اخر عهدهم عهدهم بالبيت ان يكون اخر عهدهم بالبيت الا انه خفف عن المرأة الحائض فالمرأة الحائض من جنسها النفساء يسقط عنها طواف الوداع اذا فرغ من توديع البيت وخرج من المسجد اظع على وجهه ولا ينبغي له ان يمشي القهقراء لان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه بل هو بدعة محدثة فيخرج الانسان على حاله في الخروج ويجعل البيت في ظهره. نعم. احسن الله اليك. فصل في احكام الزيارة وادابها وتسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج او بعده. بما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام. وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام. رواه مسلم بن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام افضل من صلاة في مسجدي هذا اخرجه احمد وابن خزيمة وابن حبان وعن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام افضل من مائة الف صلاة فيما سواه. اخرجه احمد وابن ماجة والاحاديث في هذا المعنى كثيرة فاذا وصل الزائر الى المسجد استحب له ان يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اعوذ بالله العظيم بوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي ابواب رحمتك. كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما احب من خيري الدنيا والاخرة. وان صلاهما في الروضة الشريفة فهو افضل. لقوله صلى الله عليه ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه ابي بكر وعمر رضي الله عنهما تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بادب وخفض صوت ثم يسلم عليه عليه الصلاة والسلام قائلا السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته لماذا في سنن ابي داوود باسناد حسن عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من احد يسلم علي الا رد الله عليه روحي حتى ارد عليه السلام. وان قال الزائر في سلامه يا سلام عليك يا نبي الله. السلام عليك يا خيرة الله من خلقه. السلام عليك يا سيد المرسلين وامام والمتقين اشهد انك قد بلغت الرسالة واديت الامانة ونصحت الامة وجاهدت بالله حق جهاده. فلا بأس بذلك لان هذا كله من اوصاف صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه عليه الصلاة والسلام ويدعو له بما قد تقرر الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه عملا بقوله تعالى ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. ثم يسلم على ابي بكر رضي الله عنهما ويدعو لهما ويتوضأ عنهما ابن عمر رضي الله عنهما اذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالبا على قوله السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابا بكر يا سلام عليك يا ابتاه ثم ينصرف وهذه الزيارة انما تشرع في حق الرجال خاصة اما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج واما قص المدينة للصلاة في مسجد رسول الله الله عليه وسلم والدعاء فيه ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد فهو مشروع في حق الجميع بما تقدم من الاحاديث في ذلك ويسن للزائر ان الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. وان يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة اغتناما لما في ذلك من الاجر الجسيل من الاجر الجزيل ويستحب ان يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة ما سبق من الحديث الصحيح بفضلها وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. اما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره ان يتقدم اليها ويحافظ على الصف الاول مهما استطاع. وان كان للزيادة القبلية لما جاء في الاحاديث القبلية. بين القبلة يعني زيادة التي وقعت من جهة القبلة قبلية القبلية القبلية يعني الزيادة التي وقعت من جهة القبلة لان المسجد زيد فيه من جهات منها جهة القبلة. احسن الله اليك. وان ان كان في الزيادة القبلية لما جاء عن الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحث والترغيب في الصف الاول مثل قوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجده الا ان يستهموا عليه لاستهموا. متفق عليه ومثل قوله صلى الله عليه وسلم لاصحابه. تقدموا فاتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله اخرجه مسلم. واخرجه ابو داوود عن عائشة رضي الله عنها بسند حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لا يزال الرجل يتأخر عن الصف المقدم حتى يؤخره الله في النار. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لاصحابه الا تصفونك تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصفوف الاولى ويتراصون في الصف رواه مسلم والاحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تعم مسجده صلى الله عليه وسلم وغيره قبل الزيارة بعدها. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يرد اصحابه على ميامن الصفوف ومعلوم ان يمين الصف في مسجده الاول خارج الروضة فعلم بذلك ان العناية بالصفوف وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة وان المحافظة عليهما اولى من المحافظة على الصلاة في الروضة وهذا بين واضح لمن تأمل الاحاديث الواردة في هذا الباب والله الموفق ولا يجوز لاحد ان يتمسح بالحجرة او يقبلها او يطوف بها. لان ذلك لم ينقل عن النبي عن السلف الصالح بل هو بدعة من كرة ولا يجوز لاحد ان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة او تفريج كربة او شفاء مريض او نحو ذلك لان ذلك كله لا يطلب الا من سبحانه وطلبه من الاموات شرك بالله وعبادة لغيره ودين الاسلام مبني على اصلهم. احدهما الا يعبد الا الله وحده الثاني الا يعبد الا بما شرعه الله والرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا معنى شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله هكذا لا يجوز لاحد ان يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة لانها ملك الله سبحانه فلا تطلب الا منه. كما قال تعالى قل لله شفاعة جميعا فتقول اللهم شفع في نبيك اللهم شفع في ملائكتك وعبادك المؤمنين. اللهم شفع في افراطي ونحو ذلك واما الاموات فلا يطلب منهم شيء الا الشفاعة ولا غيرها سواء كانوا انبياء او غير انبياء لان ذلك لم يشرع ولان الميت قد انقطع عمله الا من ما استثناه الشارع وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاثة الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له وانما جاز ضلال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة بقدرته على ذلك فانه يستطيع ان يتقدم فيسأل ربه للطالب. اما في الدنيا فمعلوم وليس بذلك خاصا به. بل هو عام له ولغيره فيجوز للمسلم ان يقوم فيجوز للمسلم ان يقول لاخيه اشفع لي الى ربي في كذا وكذا. بمعنى ادعو الله لي ويجوز للمقول له ذلك. ان يسأل الله فعل اخيه اذا كان ذلك المطلوب مما اباح الله طلبه. واما يوم القيامة فليس لاحد ان يشفع الا بعد اذن الله سبحانه. كما قال الله تعالى من ذا الذي يشعر عنده الا باذنه. واما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز الحاقها بحال الانسان قبل الموت. ولا بحاله بعد البعث والنشور لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه الا ما استثناه الشارع. وليس طلب الشفاعة من الاموات مما استثناه الشارع. فلا يجوز الحاقه بذلك لا شك ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي كحياة برزخية اكمل من حياة الشهداء ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت ولا من جنس يوم القيامة الحياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها الا الله سبحانه. ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام ما من احد ان يسلموا عليها الا رد الله علي روحي حتى ارد عليه السلام. فدل ذلك على انه ميت وعلى ان روحه قد فارقت جسده. لكن لا ترد عليه عند السلام والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة وهو امر متفق عليه بين اهل العلم ولكن ذلك لا ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية. كما ان موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى. ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون. وانما بسطنا الكلام في هذه المسألة لدعاء الحاجة اليه بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب ويدعو الى الشرك وعبادة الاموات من دون الله. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل ما يخالف شرعه والله اعلم. واما ما يفعله بعض وهذي من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع لان الله سبحانه نهى الامة عن رفع اصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وعن الجهل له بالقول كجهر بعضهم لبعض وحثهم على غض الصوت عنده في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بقول كجهر بعضكم لبعض ان تحوط اعمالكم وانتم لا تشعرون. ان الذين يردون اصواتهم عند لله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم. ولان طول القيام عند قبره صلى الله عليه وسلم والاكثار من تكرار السلام يفضي الى زحام وكثرة الضجيج وارتفاع الاصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم. وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الايات المحكمات. وهو صلى الله عليه وسلم محترم حيا وميتا فلا ينبغي للمؤمن ان يفعل عند قبره ما يخالف الادب الشرعي. وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء قبره مستقبلا للقبر رافعا يديه يدعو فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعهم باحسان بل هو بل هو من البدع المحدثات وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بسنة سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة اخرجه الامام احمد وابو داوود والترمذي والنسائي باسناد حسن وابن وقال صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد. اخرجه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم. من عمل عملا ليس عليه امرنا ورأى علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما رجلا يدعوه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن ذلك وقال الا احدثك حديثا سمعته من ابي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا تتخذوا قبلي عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فان تسليمكم يبلغني اينما كنتم. اخرجه الحافظ محمد ابن عبد الواحد المقدسي في كتابه الاحاديث المختارة. وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره او تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم لانها هيئة الذل هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح الا لله كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء والامن والامر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه هدفه اتباع هدي السلف الصالح واما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الاعمى وسوء الظن بالدعاة الى هدي السلف الصالح فامره الى الله ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لايثار الحق على ما سواه انه سبحانه خير مسؤول. وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك لفتيه بالسلام او الدعاء لهذا فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات ولا ولا ينبغي للمسلم ان يحدث في دينهما لم يأذن به الله وهو بهذا العمل اقرب الى الجفاء منه الى الموالاة والصفاء وقد انكر الامام مالك رحمه الله هذا العمل واشباهه وقال لن يصلح اخر هذه الامة الا ما اصلح اولها ومعلوم ان الذي اصلح اول هذه الامة هو السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم. وخلفاء الراشدين وصحابته المرضيين واتباعهم باحسان. ولن يصلح اخر هذه الامة الا تمسكهم بذلك وسيرهم عليه وفق الله المسلمين لما فيه نجاتهم وسعادتهم وعزهم في الدنيا والاخرة انه جواد كريم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر في كتابه هذا لا يتعلق باحكام الحج. ترجم له بقوله فصل في احكام الزيارة وادابها والمراد بالزيارة زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الكائن في مدينته فال في قوله الزيارة عهدية يراد بها المعنى المتقدم. ولا تعلق للزيارة باحكام الحج. لكن لما كان جمهور انما يفد الى الحجاز لقصد نسك الحج احتاج الناس في كتب المناسك الى بيان الاحكام التي تتعلق بالزيارة لان زيارتهم للمسجد النبوي لا تكون الا في مثل ذلك الوقت وعلى هذا جرى عمل المصنفين في مناسك ومنهم المصنف رحمه الله تعالى فانه ذكر هذا الفصل وابتدأه بقوله وتسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج او بعده فلا تعلق لها باحكام المناسك لما ثبت من الاحاديث الصحيحة في فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وان صلاة في مسجده خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام الا المسجد الحرام وذكر اصنف هذا الحديث من رواية جمع من الصحابة وهو حديث صحيح مستفيض من رواية غير واحد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاذا وصل الزائر الى مسجده صلى الله عليه وسلم استحب له ان يقدم رجله اليمنى ويقول الاذكار الواردة عند الدخول للمسجد وسبق ان الثابتة منها انما هو قول اللهم افتح لي ابواب رحمتك مع الاستعاذة اعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم وما عدا ذلك ذلك فلا يثبت وهذا الذكر يقال عند كل مسجد وليس لدخوله مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص ثم يصلي ركعتين كما يصليهما في كل مسجد ففي الصحيحين من حديث ابي قتادة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا دخل احدكم المسجد فلا حتى يركع ركعتين وهذا حكم لا يختص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا دخله الانسان كان كسائر غيره من المساجد من صلاة ركعتين تحية للمسجد. والمسجد النبوي كله محل لاداء الركعتين واداؤهما في الروضة الشريفة ليس له فضل تختص به الا كونها من المسجد القديم وهذا لا لا تختص به بل في المحال القريبة منها ما هو معدود من جملة المسجد القديم. فلم يثبت دليل على تخصيص الروضة باداء الركعتين لكن هي من المسجد القديم ومما تفضل به المساجد بعضها على بعض بعضها عتيقا لانه محل للطاعة كما ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى. فاذا صلى ركعتين زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبر صاحبيه ابي بكر وعمر. وكان بعض ائمة الهدى كالامام مالك يكره ان يقول الانسان زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم. فالاولى ان يقال ثم بعد الصلاة يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم على صاحبيه لان زيارة القبر نشأ عنها كثير من البدع والضلالات كما بينه شيخ الاسلام ابن تيمية في الرد على الاقناع وذكر كلام الامام مالك وبين وجهه فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم متأدبا خافضا صوته بقولها السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته لما ثبت من الامر بالتسليم عليه صلى الله عليه وسلم ولا يختص التسليم عليه صلى الله عليه وسلم بكونه عنده. بل روى النسائي بسند صحيح عن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان لله ملائكة سياحين يبلغوني عن امتي السلام فحيثما سلم الانسان على رسوله صلى الله عليه وسلم بلغ ذلك السلام للنبي صلى الله عليه وسلم. وللانسان ان يسلم بما شاء من الالفاظ ما لم تشتمل على ما حرم الله سبحانه وتعالى فاذا قال السلام عليك يا سيد المرسلين وامام المتقين كان ذلك جائزا بلا خلاف بين اهل العلم. ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له بالمقام المحمود الوسيلة لما في الشرع من الحظ على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والسلام عليه والدعاء له ثم يسلم بعد ذلك على ابي بكر وعمر ويدعو لهما والثابت في هذا من الالفاظ ما صح عن ابن عمر انه كان اذا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه لا يزيد عن السلام فيقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابا بكر السلام عليك يا ابتاه ثم ينصرف واولى ما ادى فيه الانسان شيئا من الاعمال الصالحة ان يقتدي فيه ومن هؤلاء ابن عمر فيما فعل من صيغة السلام فيسلم الانسان بقوله السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابا بكر السلام عليك يا عمر ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذه الزيارة بالقصد الى السلام من المسجد بعد صلاة ركعتين انما تشرع في حق الرجال لان ليس لهن زيارة شيء من القبور لكن ان مرت المرأة قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم لها ان تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كما اذا مرت قريبا من المقبرة جاز لها ان تسلم عليهم كما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم علم كما تقوله اذا مرت بالقبور ثم ذكر بعد ذلك ان قصد المدينة للصلاة على النبي عليه الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء فيها ونحو ذلك مشروع في حق المرأة كما هو مشروع في حق الرجل فالمرأة انما تختص بالنهي عن القصد الى القبر بعد صلاتها ركعتين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر ان الزائر ينبغي له ان يحافظ على اداء الصلوات الخمس في الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيه من الفضل وان يكثر من الذكر والدعاء وصلاة النافلة اغتناما للاجر. وذكر انه يستحب ان يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة ولا معنى لهذا على الصحيح الا كون الروضة من المسجد العتيق فما شاركها في هذه العلة فان له من الفضل كما لها اما تخصيص هذه البقعة للصلاة دون غيرها فلم يثبت فيه شيء وهذا انما هو خبر والخبر لا يقتضي التخصيص فان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان النيل والفرات هان من انهار الجنة فلا يقتضي ذلك استحباب الشرب منهما ثم ذكر بعد ذلك ان صلاة الفريضة ينبغي للزائر ان يتقدم اليها وان يحافظ على الصف الاول فيتقدم عن الروضة لان الروضة صارت متأخرة وزيد من جهة القبلة والصفوف المتقدمة في المسجد النبوي وغيره من المساجد اولى من الصفوف المتأخرة وميامن الصفوف اولى من مياسرها كما ثبتت بذلك نصوص كثيرة ثم ذكر بعد ذلك انه لا يجوز لاحد ان يتمسح بالحجرة او يقبلها او يطوف بها لان ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة من كرة. ولا يجوز للانسان ان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة وتفريج كربة. لان ذلك وما كان من جنسه لا يطلب الا من الله سبحانه وتعالى. ودين الاسلام مبني على اصلين. احدهما توحيد الله والثاني متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بان لا يعبد الله الا بما شرع لنبي صلى الله عليه وسلم. وقول المصنف بما شرعه الله والرسول مما جرت به عادة المتأخرين من التوسع في نسبة الشرع الى الرسول صلى الله عليه وسلم. وسبق ان الشرع حق لله يختص به فلا يصح ان يقول انسان شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مما لا يجوز انه لا يجوز لاحد ان يطلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان انه لا يملكها بل الشفاعة ملك لله فهو الذي يسألها. لكن اذا دعا الانسان ربه ان يشفع فيه نبيه كان نقول اللهم شفع فيا نبيك فهذا جائز في قول بعض اهل العلم ومن اهل العلم رحمهم الله تعالى من كره هذا الدعاء ان يقول الانسان اللهم شفع فيا نبيك والذين كرهوا هذا انما حملهم على ذلك هو ان الشفاعة تختص غالبا باصحاب الكبائر والذنوب فلاجل ما شاع من اختصاصها غالبا بهذا كرهوا ذلك لكن الصحيح ان الشفاعة تقع ايضا في تحصيل الكمالات من رفعة الدرجات وغيرها فلانسان ان يدعو بمثل هذا الدعاء. ثم ذكر ان الاموات لا يطلب منهم شيء لا الشفاعة ولا غيرها سواء كانوا انبياء او غير انبياء وانما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته يوم القيامة لقدرته على ذلك. واما الميت فلا قدرة له على ذلك. ويجوز للمسلم ان يقول لاخيه الحي اشفع لي الى ربي اي ادعوا لي الله سبحانه وتعالى وان كان الاكمل ان يباشر الانسان نفسه بدعاء ان يباشر الانسان دعاء ربه بنفسه ولا يسأل غيره ذلك وقد كان كبار اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا فلم يكونوا يسألون النبي صلى الله وسلم ان يسأل لهم ربهم سبحانه وتعالى وانما ثبت هذا عن صغار الصحابة واعرابهم كما ذكر ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية في قاعدته في التوسل والوسيلة. ثم ذكر بعد ذلك ان يوم القيامة ليس لاحد ان يشفع الا بعد اذن الله ثم ذكر ان حال الموت التي عليها النبي صلى الله عليه وسلم هي حال خاصة فهو في حياة برزخية من حياة غيه لكنها من جنس ليست من جنس حياته قبل موته ولا من جنس حياته بعد بعثته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وهذه الحياة البرزخية لا تجب ان يسأل وان يدعى صلى الله عليه وسلم. بل هذا مما احدثه الناس في الازمنة المتأخرة لما فشت الاستغاثات والتوسلات بغير الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره وطول القيام انه خلاف المشروع فذلك خلاف الادب المأمور به مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك يفضي الى مفاسد كثيرة كالازدحام وكثرة الضجيج وارتفاع الاصوات فلا ينبغي فعله. وكذلك ما لا ينبغي ان قبل الانسان القبر بدعائه رافعا يديه بل يستقبل القبلة ويجعل القبر وراءه فان هذا امر محدث وذكر المصنف رحمه الله تعالى الادلة في التحذير من البدع ثم ذكر خبر علي بن الحسين ابن علي ابن ابي طالب المعروف بزين العابدين لما رأى رجلا يدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن ذلك وحدثه بهذا الحديث عن ابيه عن جده وهذا الحديث عزاه المصنف الى المقدسي في المختارة وقد اخرجه من هو قبله كابي بكر ابن ابي شيبة في المصنف ربيع للموصل في مسنده فالعزم اليهم اولى واسناده لا بأس به. وذكر ايضا ان ما يفعله بعض الزوار عند السلام من وضع يمينه على شمال فوق صدره او تحتك هيئة المصلي اذا وقف فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم ولا عند السلام على غيره لانها هيئة ذل لا تصلح الا لله. ثم ذكر بعد ذلك ان ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك الشفتين بالسلام او ادعاء كل هذا من جنس المحدث الذي يمنع منه الانسان. ومن اراد ان يسلم فانه يتقدم الى النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم بما اثر عن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه وقد تقدم وسلامة الامة في الاتباع والاقتداء وفسادها في العدول عن طريق الماضيين والابتداع في الدين. نعم. احسن الله اليك. قال تنبيه ليست زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة ولا شرط ولا شرطا في الحج كما يظنه زيارة المسلم. واجبة. ليست زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة ولا شرط ولا شرطا في الحج كما يظنه بعض العامة واشباههم بل هي مستحبة في حق من زار مسجد الرسول صلى الله عليه عليه وسلم او كان قريبا منه. اما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحيل قصد زيارة القبر. ولكن يسن له شد الرحيل قصد المسجد الشريف فاذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين ودخلت الزيارة لقبره عليه السلام وقبر صاحبيه تبعا لزيارة مسجد مسجده صلى الله عليه وسلم وذلك لما ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشدوا الرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى ولو كان شد الرحال لقصد قبره عليه السلام او قبر غيره مشروعا لدل الامة عليه وارشدهم الى فظله لانه انصح الناس واعلمهم بالله واشدهم له خشية. وقد بلغ البلاغ المبين ودل امته على كل خير وحذرهم من كل شر. كيف قد حذر من من شد الرحيل لغير المساجد الثلاثة وقال لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا. وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم. والقول بشرعية شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه عليه وسلم يفضي الى اتخاذه عيدا ووقوع المحظور الذي خاضه النبي صلى الله عليه وسلم بالغلو والاضراء كما قد وقع الكثير من الناس في ذلك باعتقادهم شرعية لزيارة قبره عليه السلام. واما ما يروى في هذا الباب من الاحاديث التي يحتج بها من قال بشرعية شد الرحال الى قبره عليه السلام فهي احاديث ضعيفة الاسانيد بل موضوعة كما قد نبه على على ضعفها الحفاظ كالدار قطني والبيهقي والحافظ ابن حجر وغيره فلا يجوز ان يعارض بها الاحاديث الصحيحة الدالة على تفريم شد الرحال لغير المساجد الثلاثة. واليك ايها القارئ شيئا من الاحاديث الموضوعة في هذا الباب لتعريفها الاغترار بها الاول من حج ولم يزرني فقد دفاني والثاني من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي والثالث من زارني وزار ابي ابراهيم في عام واحد ظمنت له على الله الجنة. والرابع من زار قبري وجبت له شفاعتي. فهذه الاحاديث واشباهها لم يثبت منها شيء النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ابن حجرة في التلخيص بعدما ذكر اخر قال الحافظ ابن حجر احسن الله اليك. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص بعد ما ذكرت الروايات طرق هذا الحديث كلها ضعيفة. فقال الحافظ قال الحافظ العقيري لا يصح في هذا الباب شيء وجزم شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ان هذه الاحاديث كلها موضوعة وحسبك به علما وحفظا واطلاعا ولو كان شيء منها ثابتا لكان الصحابة رضي الله عنهم اسبق الناس الى العمل به. وبيان ذلك للامة ودعوتهم اليه لانهم خير الناس بعد الانبياء اعلمهم بحدود الله وبما شرعه لعباده وانصحهم وانصحهم لله ولخلقه. فلما لم ينقل عنهم شيء من ذلك دل ذلك على انه غير مشروع. ولو منها شيء لوجب حمل ذلك على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شد الرحال بقصد القبر وحده جمعا بين الاحاديث والله سبحانه وتعالى اعلم لما بين المصنف رحمه الله تعالى في الفصل المتقدم ما يتعلق بزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والتقدم الى السلام عليه كما سلف عقد تنبيها بين فيه ان زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست واجبة ولا شرطا في الحج. كما يظنه بعض العامة واشباههم بل هي مستحبة في حق من زار من زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم او كان قريبا منه فهي تابعة لاصل العمل. فاذا خرج الانسان الى المدينة كان اصل عمله يستحب هو ان يزور مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فاذا زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم استحب له ان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. اما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد الزيارة. ولكن يسن له شد الرحل لقصد مسجد الشريف فاذا وصل الى المسجد سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه واندرج سلامه وزيارته لهم في زيارته للمسجد لما ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى. وهذا الحديث دال على حرمة شد الرحال الى بقعة معظمة سوى هذه المساجد الثلاثة كما ذهب الى ذلك جماعة من اهل العلم كابي الوفاء ابن عقيل والنووي القاضي عياض وابي العباس ابن تيمية رحمهم الله تعالى. ثم ذكر انه لو كان شد الرحال لقصد قبره مشروعا لا دل النبي صلى الله عليه وسلم الامة عليه ولبينه لهم بيانا تاما. وهو صلى الله عليه وسلم قد حذر امته من اتخاذ قبره عيد وقصده بالزيارة وشد الرحم يجعله في معنى المتخذ عيدا فيقع الناس في ما حذروا منه ومنعوا من الغلو والاطراء. ثم ذكر ان ما يروى من الاحاديث في هذا الباب لا يصح منه شيء كما نبه على ذلك كبار الحفاظ كالدار القطن والبيهقي وابن حجر واورد طرفا من هذه الاحاديث ثم ساق بعض كلام الائمة في ذلك كقول ابن حجر في الترخيص طرق هذا الحديث كلها ضعيفة وقول الحافظ عقيلي لا ينصح في هذا الباب شيء وجزم شيخ الاسلام ابن تيمية ان هذه الاحاديث كلها موضوعة. وشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى انما حكم عليها بالوضع وان كان في بعض اسانيدها ضعف وليس فيه وضاع لان الامر المشهور المستفيض المحتاج اليه اذا نقل بسند ضعيف فهذا يدل على ان راويه توهم توهما شديدا فيه حتى كانه صار بمنزلة من تعمد الكذب كما قال رحمه الله تعالى في الحديث المروي في اربع ركعات من فعله صلى الله عليه وسلم قبل العصر فانه كان يجزم بان هذا الحديث موضوع وتبعه تلميذه ابن القيم. وان كان اسناده محتمل وانما حكم عليه شيخ الاسلام بالوضع لان الثقات الاثبات كما في حديث ابن عمر وعائشة في الصحيح لما ذكروا المرتبة من فعله صلى الله عليه وسلم من السنن الرواتب المتعلقة بالصلاة لم يذكروا اربعا قبل العصر من فعله فدل على ان راويه توهمه توهما شديدا حتى كأنه وقع في الكذب فهذا معنى الوضع الذي يذكر في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية فما يستدركه بعض الناس من ان بعض هذه الاحاديث ضعيف وان حكم ابي العباس ابن تيمية عليها بالوظع مجازفة فانه لم يعقل معنى الوظع الذي اراده شيخ الاسلام ابن تيمية فتفوه بمثل هذا كلام. وابو العباس ابن تيمية بمنزلة عظيمة في معرفة الاحاديث والاثار. وقد قال المصنف حسبك به علما وحفظا واطلاعا. وكان الذهبي رحمه الله تعالى وهو من هو يقول كل حديث لم يعرفه ابن تيمية فليس بحديث فمثل هذا الرجل اذا تكلم في الاحاديث بما تكلم به فان كلامه لا يكون على وجه المجازفة. نعم هو كغيره من بني ادم يطرأ عليه الوهم والغلط والخطأ والسهو لكنه اذا تكلم في امر عام مستفيض كهذا الموضع بمثل هذا الكلام فانه ينبغي ان يفهم مراده في في ذلك. ولو كانت ولو كان اشد الرحال الى قبره ثابتا لكان الصحابة اسبق الناس في هذه الامة اليه ولكنهم لم يفعلوه فدل على انه غير مشروع. وهذه المسألة من المسائل التي عظمت البلية بها عند المتأخرين وعظم النكير بها على شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وكانه هو المتكلم بها امر كما ذكر العلامة مفتي حضرموت عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف ان غير ابي العباس تكلم بها كابن عقيل والنووي والقاظي عياظ لكن النفوس فيها ما فيها. فعلقت هذه المسألة بابن تيمية وحده. واليوم تعلق هذه مسألة ليست بالدولة السعودية كما كان فان الناس فيما سلف كانوا ينسبون هذا المنع الى الدولة السعودية. لكن المتحذقون بالتقرب الى يقولون ان الاوصياء من اتباع الوهابية من المؤسسة الدينية هم الذين يمنعون هذا فقط. اما علماء هذه البلاد فمنهم من لا يمنع ذلك وربما يجدون من يوافقهم في هواهم الذي يريدونه. والحق لا يختص بابن عبد الوهاب ولا بابن تيمية ولا بالدولة السعودية لكن الحق هو ما قامت عليه الادلة والادلة قائمة على تحريم شد الرحال. ولا يختص هذا بالحنابلة. بل هذا النووي من وهذا القاضي عياض يحسب من المالكية يريان حرمة شد الرحال الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. والذين يصورون ان هذه المسائل من دين ابن عبد الوهاب او من دين ابن تيمية فهم اما جهال بمذاهب اهل العلم في هذه المسائل واما ان لهم اغراظ يريدون الوصول اليها. نعم. احسن الله اليك. قال فصل في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع ويستحب لزائر المدينة ان يزور مسجد قباء ويصلي فيه الامام في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين قباء ممنوعا من الصرف ام غير ممنوع من الصرف؟ يعني مثل ما قرأ الاخ ولا قبائل مذهبان اصحهما انها غير ممنوعة من الصرف. كلاهما مذهب صحيح وورد ضبط الرواية به في احاديث في الصحيحين المنقول الرواية المسموعة المظبوطة كما نقله جماعة منهم اليونيني في نصرته نعم ويصلي فيه ركعتين وعن سهل ابن حنيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تطهر في بيته ثم اتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كاجر عمرة. ويسن له زيارة قبور البقيع وقبور الشهداء وقبر حمزة رضي الله عنه. لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور ويدعو لهم ولقوله صلى الله عليه وسلم زوروا القبور فانها تذكركم الاخرة. اخرجه مسلم وابن ماجة واللفظ له. وكان النبي صلى الله عليه يعلم اصحابه اذا زاروا القبور ان يقولوا السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم اخرجه مسلم وابن ماجة واللفظ له من حديث سليمان ابن هريرة عن ابيه واخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه بقبور المدينة فاقبل عليهم بوجهه فقال السلام عليكم يا اهل القبور يغفر الله لنا ولكم انتم سلفنا ونحن بالاثر. ومن هذه الاحاديث يعلم ان الزيارة الشرعية للقبور يقصد بها يقصد منها تذكر الاخرة والاحسان الى الموتى والدعاء لهم والترحم عليهم. فاما زيارتهم لقصد دعائي عند قبورهم او العكوف عندها او سؤالهم قضاء الحاجات او شفاء المرضى او سؤال الله بهم او بجاههم ونحو ذلك فهذه زيارة منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم بل هي من من الهجر الذي نهى الله الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا. فهذه الامور المذكورة تجتمع في كونها بدعة ولكنها مختلفة المرء ولكنها مختلفة المراتب. تقول هجرة هجرة الا تقول هجرة هجرة كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا. وهذه الامور المذكورة تجتمع في كونها بدعة. ولكنها مختلفة المراتب. فبعضها بدعة ليس به شيء كدعاء الله سبحانه عند القبور. وسؤاله بحق الميت وجهه ونحو ذلك. وبعضها من الشرك الاكبر كدعاء الموتى والاستعانة بهم ونحو ذلك قد سبق بيان هذا وفصل فيما تقدم فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق. فهو سبحانه الموفق والهادي لا اله غيره ولا رب سواه. هذا اخر ما اردنا املاءه والحمد لله اولا واخرا. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد. وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. ختم المصنف رحمه الله تعالى كتابه بهذا الفصل الذي لا تعلق له باحكام الحج لكنه تابع لما تقدم من زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فان الانسان اذا زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واستحب له ان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه وكان في المدينة استحب له ان يزور معينة ان يزور مواضع معينة فيها هي مسجد قباء والبقيع كما ترجم به المصنف ثم اورد في ذلك بعد ذلك قبور الشهداء وقبر حمزة. فالمخصوص من المساجد بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة من مساجد المدينة هو مسجد قباء لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوره راكبا وماشيا فيه ركعتين كلها سبت اي كل اسبوع. وثبت في فضله حديث اسيد ابن ظهير عند الترمذي ان النبي صلى الله الله عليه وسلم قال صلاة ركعتين في مسجد قباء كعمرة واسناده جيد وهو اصح الاحاديث المروية بذلك واما الحديث سهل هذا ففيه ضعف والمقصود كعمرة يعني كاجر عمرة كما وقع التصريح به في حديث سهل ابن حنيف. ويسن له ان يزور غير المسجدين المتقدمين ان يزور قبور البقيع وقبور الشهداء وقضى حمزة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوره ثم يدعو لهم وقد امر صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور وشرع وسن لنا صلى الله عليه وسلم ما نقوله من الذكر عندها كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى بعض ذلك وهذه هي الزيارة الشرعية فان الزيارة الشرعية هي ما اجتمعت فيها شيئان ما اجتمعا فيها شيئان اثنان احدهما قصد انتفاع الزائر بتذكر الاخرة والثاني قصد نفعه للمزور بالدعاء له. فاذا وجد هذان المعنيان كان في زيارة شرعية فان زارهم لقصد الدعاء عند قبورهم او العكوف عندها او سؤالهم قضاء الحاجات او شفاء المرضى او سؤال الله بهم فهذه زيارة بدعية من كرة لم يشرعها الله ولا سنها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم ولفعلها السلف رحمهم الله تعالى والبدعية ها هنا هي على ارادة الامر المحدث وقد يكون شركا وقد لا يكون شركا. والفقهاء رحمهم الله تعالى قد يعبرون عن شيء انه بدعة. يريدون من جهة الاحداث. لا يريدون انه لا يكون شركا فلقد يكون شركا وهو بدعة اي محدث. ومنه تعبير المصنف ها هنا كما وقع ايضا لشيخ الاسلام ابن تيمية في منسكه والتحقيق ان زيارة القبور ثلاثة انواع اولها الزيارة الشرعية وهي التي تقدم ووصلها والثانية الزيارة البدعية وهي المشتملة على بدعة كمن يقصد تلك القبور ليدعو الله عندها متبركا كان في هذه زيارته البدعية او يفعل شيئا من البدع عند القبر والثالث الزيارة الشركية وهي الزيارة التي تشتمل على الشرك بالموتى ودعائهم من دون الله سبحانه وتعالى. والى هنا انتهى ما اراد رحمه الله تعالى ابداءه من احكام الحج والعمرة على وجه مختصر تحرى فيه اتباع الدليل وهذا الكتاب كما سلف من انفع المناسك المختصرة كما ذكره تلميذه عبد المحسن ابن عباد في تبصير الناس فوقع اقرؤه على هذا نحو مناسبة ومراعاة للمقام نسأل الله سبحانه وتعالى ان ينفع بذلك المعلم والمتعلم وان يلهمنا رشدناه ان يقينا شر انفسنا. اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها. انت وليها ومولاها وهذا اخر تقرير على هذا الكتاب