الحمد لله يقبل توبة التائبين. ويقيل عثرات الخاطئين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له امر بالتوبة وحض عليها. ويسر سبيلها وهدى اليها واشهد ان محمدا عبده ورسوله نبي التوبة وداعيها. وامام الامة اما بعد ايها المؤمنون ان الذنب ملازم للادمية. وان الانسان ايا كان مقارف للخطيئة. قال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى حدث الله تعالى حدثنا الله ابن عبد الرحمن ابن بهرام الدائمي قال حدثنا مروان يعني ابن محمد الدمشقي قال حدثنا سعيد ابن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابي ادريس الخولاني عن ابي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى انه قال يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم. وقال مسلم ايضا حدثنا قتيبة قال حدثنا الليل عن ابن قيس قاص عمر بن عبدالعزيز قاصي عمر بن عبدالعزيز عن ابي صرمة عن ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا انكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفرون لهم وقال الترمذي رحمهم وقال الترمذي رحمه الله تعالى حدثنا احمد بن منيع قال حدثنا زيد بن حبابة قال حدثنا علي ابن مسعدة الباهلية قال حدثنا قتادة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون. فدلت هؤلاء الاحاديث على ان ابن ادم كله مواقع الخطيئة كيف لا والاب الاول ادم عليه الصلاة والسلام قد اذنب والابن لاحق بابيه لكن الاب الاول ادم عليه الصلاة والسلام اذنب فندم فتاب فتاب الله عليه. كما قال الله تعالى فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم. قال ابو العباس ابن تيمية الحبيب رحمه الله في الرسالة التدميرية من فتاب وندم فقد اشبه اباه ومن اشبه اباه فما ظلم. ايها المؤمنون لقد تظاهرت ايات قرآنية والاحاديث النبوية وانعقد الاجماع على وجوب التوبة كما ذكره جماعة من المحققين كابي زكريا النووي وابي العباس ابن تيمية وابي عبد الله ابن القيم. وتدبروا اية قرآنية واحدة. جاء فيها الامر بالتوبة قال الله عز وجل فيها وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. لقد اقتدر الله عز وجل الخطاب بذكر الامر المأمور به وهو التوبة. تعظيما له فلم يقدم الله عز وجل بذكر مخاطبين كما جرت العادة في الامر والنهي. ولم يقل الله عز وجل يا ايها المؤمنون توبوا الى الله. بل قال مبتدأ وتوبوا الى الله ثم ذكر الله عز وجل المخاطبين فيها فكانوا افضل الاجناس وارفعها تعظيما لشأنها فقال وتوبوا الى الله ايها المؤمنون. فالمخاطمون بها هم خلص الخليقة وهم عباد الله المؤمنون اية من سورة مدنية هي سورة النور يأمر الله عظة النور يأمر الله عز وجل فيها الصحابة رضوان الله عليهم بعد هجرتهم وجهادهم ونصرتهم بان يتوبوا الى الله عز وجل. ثم والى الله عز وجل ثم حذف الله عز وجل اداة النداء وهو ياء وهي الياء فلم يقل الله عز وجل وتوبوا الى الله يا ايها المؤمنون وانما النداء اشعارا بقرب هذا الجنس اليه سبحانه وتعالى وتحبيبا لهم فيها فقال وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. وليت شعري ما هي التوبة التي حظيت بهذا المقام الارفع حتى ابتدر الله عز وجل بالامر قبل بيان المأمور ثم عمم المأمور كله بجميع المؤمنين ثم حذف اداة النداء المحتاجة اليه ان التوبة اول المقامات في الطريق واوسطها ونهايتها فهي رجوع بعد نفور وهي هي اقبال بعد ادبار وهي اشراق بعد غروب وهي سعة بعد ضيق وحقيقتها رجوع العبد عما يكرهه الله ويأبى الى ما يحبه الله ويرضاه وتحت هذا اصلان عظيمان. اولهما رجوع العبد عن الخطيئات الى تركها فهو يؤدي الزكاة بعد منعها ويرفع يده عن الحرام بعد ارساله ويمنع رجله عن الحرام بعد امتدادها. ويصم اذنه عن الحرام بعد سماعه. وثانيهما رجوع العبد الى فعل الحسنات بعد تركها. فهو يسارع الى الحسنات التي ضيعها من صلاة او صيام او صدقة فيأتيها فالعبد مأمور بالتوبة تحت هذين الاصلين. فهو مأمور بان يتوب من حسنة تركها ان يرجع اليها ومأمور بسيئة واقعها ان يرفع اقدامه عنها. وتنتظم شروط التوبة في ستة شروط عظيمة في عدة شروط عظيمة اولها الاخلاص لله عز وجل في التوبة. فلا يكون الحامل على التوبة حفظ صحة الانسان ولا رئاسته ومنصبه ولا حسبه ونسبه بل يكون مراده بالتوبة وجه الرب سبحانه وتعالى مخلصا له كما قال عز وجل وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. وقال البخاري رحمه الله تعالى حدثنا عبدالله بن مسلمة قال اخبرنا ما لك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم عن علقمة عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى فينبغي ان يكون من نية التائب انه يتوب الى الله عز وجل وتاب مريدا وجهه ورضاه لا احد سواه. وثانيها ان ينزع عن الذنب. ويرفع يده لسانه وقدمه وسمعه عن الحرام. فكيف تصح التوبة من الذنب مع الاقامة عليه؟ فلابد ان يجمع المرء نفسه ولا نزع قلبه ولسانه وجوارحه من الذنوب التي هو عليها حتى تكون التوبة توبة صادقة. واما الشرط فهو ان يقع في قلبه الندم والتأسف والحسرة على مخالفته لامر مولاه. وان احدنا في شيء من امر الدنيا اذا خالف فيه معظمه او رئيسه او كبير قومه او والديه فكيف لا يحصل في ندم ولا حسرة ولا اسف على معصية الله سبحانه وتعالى وترك امره ومواقعة نهيه. واذا القلب منزلة الندم في التوبة كان ذلك اول المراقي الى صدقها كما جاء بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه قال ابن ماجة حدثنا هشام ابن عمار قال حدثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن زياد ابن ابي مريم عن ابن لمعقل قال دخلت مع ابي على عبد الله يعني ابن مسعود قال فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم توبة واما الشرط الرابع فهو ان يعزم على عدم العودة اليها. فان الانسان يسهو ويغفل وينبغي ان يقعد سهوه وغفلته بعد وقوعه في الدم بان يجمع نفسه على عدم الرجوع الى المعصية فانه اذا رجع اليها مرة ثانية كان محتاجا الى توبة جديدة. واذا غفل عن هذه التوبة الجديدة لم تكن الخوف التوبة القديمة مغنية واما الشرط الخامس فهو ان يرجع من هذا الحق ان كان للادمي في مال او عرض او شيء من حطام الدنيا فيتحلله حتى اذا لقي تحلله حتى اذا لقي الله عز وجل لقيه وليس لاحد من بني ادم عليه له شيء واما الشرط السادس فهو ان يأتي بالتوبة في وقتها فان للتوبة وقتا اذا جاء فيه العبد بها قبلت منه واذا لم يأتي به فيها لم تقبل منه. وهذا الوقت نوعان احدهما وقت خاص لكل احد من العباد. وهو روحه فان العبد تقبل منه التوبة ما لم يغرغر فاذا غرغرت روحه لم يتقبل الله توبته كما قال تعالى في سورة النساء وليست التوبة للذين يعملون السيئات الذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان وقال الترمذي رحمه الله تعالى حدثنا ابراهيم بن يعقوب قال حدثنا علي بن عياش الحمطي قال حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن ابيه عن مكحول عن جبير بن نوفيل عن ابن عمر رضي الله عنهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. واما الوقت الاخر فهو وقت عام كل الناس وهو اذا طلعت الشمس من مغربها فان الله عز وجل يقبل من العباد توبتهم ما لم تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها فحينئذ لا تقبل منهم توبة ابدا. قال مسلم ابن الحجاج رحمه قال مسلم ابن الحجاج رحمه الله حدثني ابو خيثمة زهير بن حرب ولفظ له قال حدثنا اسماعيل ابن ابراهيم عن محمد ابن عنان عن محمد ابن سيرين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من تاب قبل ان تطلع الشمس من تاب الله عليه. ايها المؤمنون ان الاية التي ابتدرنا بقرائتها وفيها الامر بالتوبة ختمها الله عز وجل الاخبار بان التائبين على رجاء فلاح فقال وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون. وليس في كلام كلمة اجمع في الدلالة على الظفر والفوز من كلمة الفلاح فاذا تاب العبد كان على رجاء فلاح اما اذا لم يتب العبد كان على خشية خسار كما قال الله عز وجل ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون. واي على حين يناله التائبون واي منزلة يرتفعون اليها حتى يغبطون عليها. اما ان من فلاحهم ان يغفر الله عز وجل هيئاتهم فيخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم امهاتهم. كما قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم. وقد نقل الامام احمد رحمه الله وغيره الاجماع على ان هذه الاية نزلت في حق التائبين. فاذا تاب العبد وصدق في توبته فان الله عز وجل يكفروا سيئاته وجل يكفر سيئاته كلها ويغفر خطيئاته اجمعها. ومن فلاح التائبين ان الله عز وجل يبدل سيئاتهم حسنات فتنقلب كل تلك الخطيئات والسيئات والعثرات والكدرات الى حسنات ترفع العبد عند الله كما قال الله سبحان الله كما قال الله سبحانه وتعالى الا من تاب وامن وعمل عملا صالح فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات. واي فلاح اعظم حسنات واي فلاح اعظم من هذا الفلاح ان تحولت اذا حسنات والمعصية الى قربة لعمري انه فلاح لا يعدله فلاح. ومن فلاح التائبين ان الله عز وجل فيحبهم كما قال الله عز وجل ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. واي رتم المتطهرين؟ واي رتبة اعظم عند الله من ان تكون انت ايها المخلوق الضعيف حبيبا عند ربك مقربا منه معظما عنده وان احدنا اذا الى سمعه ان عظيما او كبيرا او ملكا او اميرا يحبه محبة شديدة حصل له من النشوة والقوة والصفوة والغلبة لغيره فكيف اذا كان الذي يحبك وهو الرب سبحانه وتعالى؟ وليس الشأن ان تحب الله ولكن الشأن ان يحبك الله فان المدعين لمحبة الله قدير ولكن الفائزين بحب الله قليل. ومن فلاح التائبين ان الله عز وجل بتوبتهم كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم ابن الحجاج في صحيحه قال حدثني عبد الله ابن مسلمة ابن قعن ابن قعنب قال حدثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن الحزمي عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لله اشد فرحا لله اشد فرحا بتوبة احدكم من احدكم بضالته اذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى عند ذكر فرح الله بتوبة التائبين قال وهذا هو السر الاعظم الذي لا تحيطه عبارة وتعجز عنه كل اشارة. فيا طوبى لاولئك الذين يفرح الله عز وجل برجوعهم اليه عز وجل برجوعهم اليه وان من كمال رحمة الله عز وجل انه لا يزال ميسر للخلق اجمعين التوبة فيبسط يده وفي الليل يثيب ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل كما صح بذلك الخبر عن النبي الله عليه وسلم ومن فلاح التائبين ان الله عز وجل يطهر قلوبهم. فاذا تاب العبد حصل لقلبه فدفعت عنه كل بلية وخطيئة ومرض ونقي من امراض الشهوات والشبهات كلها كما صح بذلك الخبر عن صلى الله عليه وسلم قال الترمذي رحمه الله تعالى حدثنا قزيبة قال حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد اذا اخطأ خطيئة نكدت في قلبه نقطة سوداء فاذا هو نزع واستغفر وتاب ثقل قلبه يعني طهر ونقي وما ترون الاناء الوسخ اذا اجري عليه الماء والصابون عاد نظيفا بعد اذ كان متسقا. فكذلك القلوب اذا تابت الى ربها وثابت الى رشدها فان الله عز وجل يجري لها من الطهارة كما يجري للانية المتسخة اذا غسلت. ومن فلاح التائبين ان الله عز وجل يدخلهم الجنة ويرفعهم في مقام حميد. كما قال الله عز وجل في سورة التحريم يا ايها الذين امنوا يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا. عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات من تحتها الانهار يوم لا يقدم له النبي والذين امنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم. يقولون ربنا الهم لنا نورنا وابن لنا انك على كل شيء قدير. فاي فلاح اعظم من هذا الفلاح؟ واي حظوة اعظم من هذه الحظوة؟ واي رتبة يرفع اليها العبد بهذه الرفعة وقد سمعنا شيئا قليلا وطرفا يسيرا من فلاح التائبين. ايها المؤمنون اين يشمرون الى التوبة والمتسابقون اليها. ولقد كان ابو القاسم صلى الله عليه وسلم يتوب الى ربه في اليوم مئة مرة قال مسلم ابن الحجاج حدثنا ابو بكر قال مسلم ابن الحجاج حدثنا ابو بكر ابن ابي شيبة قال حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابي بردة قال سمعت الاغر المزني وكان من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس يا ايها الناس يا ايها الناس توبوا الى الله فاني اتوب في اليوم اليه مئة مرة هذا حال ابي القاسم الطاهر المطهر الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فبالله عليكم نحن بالخطيئات المتلطخون بالسيئات اولسنا الى حاجة اعظم واكبر من توبة ابي القاسم صلى الله عليه وسلم قد لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الالسن. بادر بها غلق النفوس فانها زخر وغنم للمنيب المحسنين اصطلح بين يدي الله وعد اليه والذ بالسؤال ان يوفقك الى توبة نصوح يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة البهيم الاريلي ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل امن علي بتوبة تمحو فيها ما كان اني في الزمان الاول اللهم اطل عثراتنا واغفر خطيئاتنا وارحم ضعفنا واجبر كسرنا اللهم اجعلنا من عبادك التائبين اللهم احينا على الاسلام والسنة وتوفنا على الاسلام والسنة. اللهم حبب الينا الايمان وزينه بقلوبنا. وكره الينا الكفر والفسوق والعقيان واجعلنا اللهم من عبادك الراشدين. اللهم اقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك. ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا وقواتنا ابدا ما احييتنا. اللهم انا نسألك بركة في اعمالنا ونسألك بركة في اعمالنا ونسألك بركة في قواتنا ونسألك بركة في اقواتنا. اللهم احينا وتوفنا مسلمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين