السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو الدرس الرابع من برنامج الدرس الواحد السابع. والكتاب المقروء فيه هو قضاة في السرف المالي للعلامة الميلي رحمه الله. وقبل الشروع في اقراءه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف. وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة مبارك بن محمد ابراهيم الميلي الجزائري. المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في السنة السادسة عشرة. بعد الثلاثمائة والالف. المقصد الثالث تاريخ وفاء توفي رحمه الله في الخامس والعشرين من شهر صفر سنة اربع وستين بعد الثلاثمائة والالف وله من العمر ثمان واربعون سنة رحمه الله رحمة واسعة. المقدمة الثانية بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه طبعت هذه الرسالة في ايات مصنفها رحمه الله باسم محاضرة في السرف المالي. واقراره ذلك بمنزلة الاسم منه. المقصد الثاني بيان موضوعه. موضوع هذا الكتاب هو السرف المالي وكانت المحاضرات في عرف من سبق لا تلقى القاء ثم تفرغ في قالب المكتوب بل كانت وتلقى مكتوبة وعلى هذا جرى العمل في قرون الامة حتى تغير في هذا القرن فصار كلام يلقى ثم يحول الى قال بكتابة. فالدروس التي كانت تعقد في مدارس الاوقاف كالصلاحية وغيرها او تلك المحاضرات التي كانت تقام في جمعية العلماء بالجزائر كان ملقيها يكتبها كتابة وافية ثم يقرأها مما كتب ولهذا بقيت محفوظة دون تغيير او تحويل او اشكال فيها. المقصد الثالث توضيح منهجه هذه الرسالة هي لون من الوان البيان الادبي. صيغة في موضوع شديد الاهمية وهو الشرف المالي الذي بينه المصنف رحمه الله من جوانب عدة كبيان حده ووجوهه وحكم الشرع فيه. وابراز مضاره وسبل مقاومته. كل ذلك في سياقة رفيعة يأخذ القول فيها رقاب بعضه ارسالا مما ينبه اليه ان مما تقوى به الملكة الادبية كتب علماء الجزائر فان كانوا من ابلغ اهل القرن كعبد الحميد ابن باديس والبشير الابراهيمي والمبارك الميلي في تونس وهو محمد الخضر ابن حسين فان هؤلاء الجماعة وجدوا في زمن واحد في القرن الماضي وتميزوا عن سائر علماء الاقطار بما كان لهم من بلاغة ومن قرأ في كتب القوم رأى مقادير بلاغتهم رحمهم الله تعالى فينبغي الا يخلي طالب العلم نفسه من القراءة في تصانيفهم وقد جمعت في مجموعات كمجموعة البشير ابراهيم ومجموعة محمد الخظر حسين رحمهما الله. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى الحمد لله الذي جعل الاسلام دينا وسطا لا ناقصا عن حد الاعتدال ولا ذاهب عنه شطط نحمده ان جعلنا من اهله وجنوده. ونسأله التوفيق للعمل بآدابه والوقوف عند حدوده ثم الصلاة والسلام على خاتم النبيين واول المسلمين القائل وقوله الجد ما عالما اقتصد وعلى اله واصحابه الذين نصروه بحسن الاقتياد ونشروا دعوتهم بالحكمة والسداد. وعلى من تبعهم متخليا عن السرف متحليا صادق قوله رحمه الله تعالى واول المسلمين اي اسبقهم فيه رتبة لا انه اسبقهم هم اليه فقد كان وجوده صلى الله عليه وسلم عاقبا لمن قبله من الانبياء الذين هم ائمة المسلمين المراد بوصفه صلى الله عليه وسلم بكونه اول المسلمين يعني ارفعهم فيه درجة. نعم اما بعد فيا ايها السادة كنتم لمن خلفكم خير قادة. ان هذا سوق لا ينفق فيه الا الدين الخالص والارشاد الناصح وميدان لا يبرز اليه الا من جمع الله له بين سعة الاطلاع وحسن الاختيار. وبين صدق اللهجة وعذوبة البيان وانا ليس لي من البضاعة ما اطمع في نفاقه لديكم. وليس لي من البلاغة ما يحسن عرضه عليكم. غير ان الجمعية كلفتني بالقاء كلمات عليكم في موضوع السرف المالي ووجوهه ووجوب مقاومته وكيف تقاوم؟ فلم اردت ثواني عن استجابة دعائها وهي جمعية جد ولم استجز القعود عن تلبية ندائها. وهي تدعو الى الرشد. فان وجدتم حديث خلوا من الفائدة فالمسؤول عن ضياع من كلفني بهذا الحديث. وان وجدتم بعض الفائدة فالحمد لله الذي هدانا هذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله السرف ايها السادة يطلق اطلاقا عاما. على معنى هو تجاوز المرء الحد في فعل من افعاله. فالغلو من شعبه ولعلاجه جمع علماء السنة احاديث الاقتصاد في الطاعة. في ابواب كتبهم ووضع الغزالي كتابه الاقتصاد في الاعتقاد ويستعمل السرف استعمالا خاصا فيراد به تجاوز المرء الحد في الانفاق وهو اخو التبذير. كلاهما اضاعة للمال. وقد حذر القرآن منه في ايات منها ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا. وقال تعالى واتي ذا القربى والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وقال تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. ولولا محاربة الاسلام للسرف ما كان يندبنا الى تقنين الماء في الطهارة. وهو لا قيمة له في كثير الاوقات واغلب الجهات. قال ابن ابي زيد رحمه الله وقلة الماء مع احكام الغسل سنة والسرف منه غلو وبدعة الشرف الخاص ايها السادة هو موضوع حديثنا وانما ذكرنا السرف العام لان كل ما ورد في ذمه والوعيد عليه متناول للسرف الخاص وقد اخبرنا القرآن ان المبذر اخو الشيطان وان الشيطان كفور لربه. فالمبذر كفور وسائر في طريق الكفر بربه. وكفى به حكما ممن قوله الحق. وله الملك يوم ينفخ في الصور. ذكر مصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة بيان حقيقة السرف. فذكر رحمه الله تعالى ان السرف يطلق على معنيين اثنين احدهما معنى عام والاخر معنى خاص. فاما المعنى العام للسرف فهو مجاوزة الحد المأذون فيه. وهو الذي اشار اليه بقوله هو تجاوز المرء الحد في فعل من بافعاله. فاذا تجاوز المرء الحد الذي اذنت به الشريعة فقد وقع في السرف. وعد المصنف رحمه الله تعالى الغلو من شعبه. وانه ناشئ منه. والحق ان السرف والغلو جميعا في انهما مجاوزة للحد المأذون به. الا ان بينهما فروقا ثلاثة اولها ان الغلو في العقائد. والسرف في الافعال. وثانيها ان الغلو يقع لازما للمرء وربما تعدى الى غيره. اما السرف فانه لا يتحقق الا بتعدي اثره الى غيره. وثالثها ان الغلو يتمحض اصل صاحبه في طلب التقرب والتعبد بما يفعل. واما السرف فقد يكون واقعا على جهة التعبد وقد يكون واقعا على جهة العادة. واما المعنى الثاني وهو المعنى الخاص فهو مجاوزة المرء الحد المأذون فيه فيما يتعلق بانفاق المال. وله شريك لقبي في خطاب الشرع وهو التبذير. والفرق بينهما ان السرف يقع بمجاوزة حد اذن في ليه؟ فيكون اصل الفعل مأذونا به. واما التبذير فانه يتعلق بانفاق المال في وجوه غير مأذون بها. فمن جاوز مثلا في اكرام ضيفه الحد المأذون به فقد وقع في السره لان اصل الاكرام مشروع. لكن من انفق ما له في شرب خمر او غير ذلك من المحرمات فقد وقع في التبذير. وهذا وذاك قد حذر منهما الشرع الحكيم في ايات واحاديث عدة ذكر المصنف رحمه الله تعالى جملة منها. وسبق تقرير قاعدة كلية في الشريعة في درس الصباح وهو ان الشرع جاء بالعدل وهو التوسط بين طرفي الافراط والتفريط ومن جملة التوسط ما يتعلق بانفاق المال في وجوهه. فالعبد مأمور الا يفرط ولا يفرط في ماله نعم. وقد نهى عنه الكتاب وذمه في غير ما اية منها. يا اهل الكتاب لا تغنوا في دينكم. ولا انه لا يحب المسرفين. وان المسرفين هم اصحاب النار. وان الله لا يهدي من هو مسرف اللابع هذه الايات في سورة واحدة ولا بعدة سور؟ في عدة سور. طيب وش كيف تقرأ؟ قال الله تعالى. ايه اية اعد ان كنت اسقطت الواو لما جيت احدى الايات وفيها واو واو اسقطت الواو. اعد. نعم. قال الله تعالى يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غلط. غلط. منها يا اهل الكتاب هذي ما فيها اشكال. لكن بعد ذلك اذا جاءت واو العطف تقول وقوله تعالى وقوله تعالى وقوله تعالى هذا نبهنا على انه مثل اسقاط الكلمات عند المحدثين المحدثين يقولون هنا يشيرون الى حدثنا ويقولون عن الشعب سمع جابرا يعني عن الشعب انه سمع جابر لابد تقرأها كذا وكذلك الايات التي تكون في معنا واحد من سور مختلفة تقرأ بهذه السورة فتدخل فيها قولك قوله تعالى وقوله تعالى لان لا يتوهم خلاف الصواب فيها واحيانا يكون ايرادها بالعطف الواو بدون ذكر تعالى متعذرا كقوله هنا في الاية الثالثة والتي هي اول الصفحة الاربعين قال وان المسرفين هم اصحاب النار فمن المتعذر ان تقرأها هكذا لكن تقرأها فتقول وقوله تعالى نعم. وقوله تعالى ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين وقوله تعالى وان المسرفين هم اصحاب النار وقوله تعالى ان كذابا هذه القاعدة في اي متن اللي ذكرناها الواسطية. نعم. عاقبة السرف المالي في الاخرة ان يلقى بصاحبه في النار وعاقبته في الدنيا ان يلقى بهم في المتربة والصغار. فالسرف المالي هو الذي القى باسرنا بين ايدينا اما المرابين الذين اذا ذكرت لهم الرحمة واثنيت عليها حسبوها غنيا مغرما بكراسي النيابة. او مبتلى العباد او في معنى هذين ممن يهين المال في سبيل اهانته ويشتته لتشتيت شمله. والسرف المالي هو الذي وضع بيوتا كان ذا مجد وسؤدد. والسرف المالي هو الذي اخرج من ايدينا املاكا واي املاك الى ايد ترى من اشرف قوت يومنا والسرف المالي هو الذي قعد بالامة الجزائرية عن تعمير المساجد وانشاء المدارس واتخاذ ملاجئ للفقراء والعجزة. وبالاخرة ان السرف المالي هو الذي قس القلوب. وامات الشعور على ما في وجودنا من منفعة فلغيرنا وما فيه من مضرة ومعرة فعلينا فكانت الجمعية موفقة في اختيارها هذا الموضوع لو ان اختارت له غيري ممن يصوره تصويرا ينفذ الى القلوب على قسوتها ويحرك المشاعر على غلظة ويفتح البصائر على طول غفلتها. اذا كان السرف ايها السادة هو تجاوز الحد فان الحد منه مشروع ومنه معروف فما حضره الله علينا فقد حدنا عنهم فانفاق فلس واحد في المحظورات تجاوزا للحد المشروع يعد تترتب عليه مضاره الاخروية والدنيوية. وما ندبنا اليه الشرع فقد رخص لنا في تركه ليترك لنا فسحة النظر في عواقب الانفاق في المندوبات. وحق اختيارها بعضها على بعض عند تواردها. فالسرف في المندوبات هو كثرة الانفاق التي تؤدي الى اهمال مندوبات هي اعم نفعا واعظم اجرا. او تفضي الى العجز عن حقوق الناس من اداء دين او نفقة عيال. فالانفاق على الفقراء لحظ حياتهم الفانية القاصرة النفع. ليس كالانفاق على تعليم البنين لحفظ حياتهم الخالدة المتعددة الفائدة. وهكذا تختار من وجوه الانفاق في الخير ما هو ابقى لميسرتك واجدى على امتك وما اباحه الشرع لنا فقد وكل فعله وتركه الى نظرنا واختيارنا. فالمباحات في نظره المكلفين بمثابة المسائل التمرينية للمتعلمين. الغرض من تلك التمارين تقوية ملكة الذكاء في المتعلم وتعويده على تطبيق الكليات على الجزئيات. وتسهيل استحضار القواعد عند عروض امثلتها. على نحو ذلك افهم الحكمة في تشريع المباحات فبها تنمو في المكلف نقوة التفكير ويتدربون على اختيار الوجه الاصلح واصابة موضع حكمة فيما يفعلون او يذرون. وبهذا تنحل شبهة كثيرا ما تخدع الناس. يقوم احدنا على عمل مباح فينكر عليه اخوانه الذين رأوا فيه ضررا فيجيبهم بانه مباح مستوي الطرفين. وليس كذلك دائما. فقد تعرض المباح اعتبارات شرعية ترجح احد طرفيه. فيصير الطرف المرجوح مرغوبا عنه شرعا. وربما نشأ عنه ضرر اخروي وقد يعرض له اعتبارات شخصية او زمنية ترجح احد طرفيه فيصير الطرف المرجوح مذموما عقلا وسببا لضرر دنيوي. فالفلاح مثلا له ان يكتري هكتارا بالفين يبذر به شعيرا يأتي به بعد امن بمئتي فرنك ولكن اما ينكر الناس على هذا الفلاح وهل تنهض حجته عليهم بان عمله مباح اذا السرف في المباح موكول الى العرف واعتبار حال المنفق. فرب انفاق هو سرف بالنظر لحال شخص وغير سرف بالنظر اخر واذا اردنا ان نبين السرف في المباحات قلنا انه الاسترسال في قضاء مآرب النفس واحضار مشتهياتها في المأكل والمسكن والملبس والمنكح وهذا فقه عمر رضي الله عنه كفى بالمرء سرفا الا يشتهي شيئا الا اشتراه فاكله هذا ما رأينا القائه اليكم من معنى السرف وعواقبه الوخيمة وتحديده في المحظورات والمندوبات والمباحات بعد ان بين المصنف رحمه الله تعالى حد السرف وذكر معنييه واتبعه بذكر طرف من عواقبه الوخيلة قدر في هذه الجملة الاخيرة حدوده في المحظورات والمندوبات والمباحات. ويعلم ان السرف لا يدخل في المكروهات وانما يدخل في محرم ظاهر او يدخل في مندوب او وفي مباح عنده وعلى التحقيق الذي ذكرنا فان تجاوز الحد في المحرم لا يكون شرفا وانما يكون تبذيرا فاذا انفق المال في وجه محرم خرج من اسم السرف الى اسم التبذير. ويكون حين محرما على كل حال. واما تجاوز الحد في مأذون به سواء كان مما يتعلق به او بالمأذون المستوي الطرفين وهو المباح فهذا هو الذي يصدق فيه ما ذكره المصنف من حده في المندوبية او المباحات. واما تحديده في المنهيات فمتعقب بان اصل الشيء اذا كان منهيا عنه فانفق فيه المال صار تبذيرا واما حده في المندوبات فقد ذكره رحمه الله تعالى بقوله هو كثرة الانفاق التي تؤدي الى اهمال مندوبات هي اعم نفعا واعظم اجرا او تفظي الى العجز عن حقوق الناس من اداء دين او نفقة عيال. فاذا انفق المال في وجه مندوب افضى الى ترك مندوب افضل منه او ادى الى التقصير في واجب من النفقة كان ذلك محظورا منهيا عنه وكان من السرف في المندوبات الذي يذم. ثم انتقل الى مسألة ثالثة وهي السرف في المباحات ونبه رحمه الله تعالى الى علة الاباحة في الشرع. وان المقصود بها هي تقوية العباد على اداء المأمورات واجتناب المحظورات. فان النفس لو لم يوجه اليها الا الامر والنهي كلت وملت فجعل لها شيء يؤذن به وهو المباح وهذا معنى كلامه هي بمثابة المسائل للمتعلمين فهم يتقوون بها على فعل المأمور وترك المحظور. ثم نبه رحمه الله تعالى الى مسألة تتعلق بالاسراف في المباح وهي ان من الناس من يتعلل بتوسعه في المباحات كمأكل او مشرب او ملبس او نوم بقوله بان هذه الامور مباحة مستوية الطرفين. ورد رحمه الله تعالى هذه المقالة بان مباحا قد تعرض له اعتبارات شرعية ترجح احد طرفيه. فيصير الطرف المرجوح مرغوبا عنه شرعا. ومن جملة لذلك السرف في المباح فان المتقرر في اصول الفقه ان المباح مستوي الطرفين فيكون مأذونا به فيتعلق به امر ولا نهي لذاته لكن اذا اقترن به معنى خارج عنه فانه قد يخرج عن حد الاباحة ولذلك ذهب جماعة من الفقهاء رحمهم الله تعالى الى ان الاسراف في المباح مكروه وهو مذهب الحنابلة كما قالوا ويكره الاسراف في المباح. بل ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم الى ان الاسراف في المباح محرم. وهذا اقوى من جهة الدليل والنظر. فان المباح انما يراد به التوصل الى اقامة حكم الشرع بفعل مأمور وترك محظور. فاذا افظى المباح الى القطع عن فعل المأموم وجر الى الوقوع في فعل المحظور لم يمكن حينئذ ان نقول انه مباح تستوي فيه الفعل والترك فمثلا اذا توسع الانسان في مأكله او مشربه او ملبسه حتى صار يثقل عن حضور الجماعة لم يقل حينئذ ان توسعه في مأكله ومشربه وملبسه مباح. بل يقال حينئذ عند الجمهور انه مكروه وعند شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم انه محرم. وكما سلف القول بالتحريم اقوى. لان ذلك مجاوزة للمباح فيما قدر به شرعا. والمباح قدر شرعا لتقوية العباد على العبادات. فاذا ادى الى تأخيرهم عنها وتخذيلهم عن فعلها وتقوية نفوسهم على ما حظر منها كان المباح حينئذ نوعا منه وهذا الاصل هو الذي بنى عليه ابن القيم رحمه الله تعالى كتابه اغاثة اللهفان ودندنة رحمه الله تعالى في جملة من من كتبه حول مفسدات القلب التي ترجع الى المباح كالتوسع في المأكل والمشرب والملبس والكلام وغير ذلك ومن طالع كلامه واعتبر ذلك في احوال الناس وجد صدق ما قالوا وان المباح الذي يتوسع فيه الى السرف يفضي بصاحبه الى ترك المأمور وفعل المحظور. وقد نبه الى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مثلا في الصحيحين ولا يزال اقوام يتأخرون عن الصلاة حتى يؤخرهم الله في النار. فذكر التأخير هنا حمل عليه اصلا اشتغالهم بمباح. لان الاصل في المسلمين حسن الظن بهم. فلا يقال انهم تأخروا لفعل محظور بل يقال انهم شغلوا بمباح فاذا كان الاشتغال بمباح افظى الى التأخير في الصلاة يجر بصاحبه الى تأخير حتى النار فهذا يدل على ان المباح اذا اسرف فيه جر الى فعل المحظور وترك المأمور. والفقهاء الله تعالى ينبهون في بعض المسائل الى افراد من هذا كما ذهب بعضهم الى كراهة الشبع وذهب قوم الى تحريمهم عدم ذلك لكن اذا كان عادة وديدانا فالقول بتحريمه تخريجا على هذه القاعدة قوي لكن وقوعه او دون تأثير له في ترك المأمور وفعل المحظور فحين ذاك لا يقال انه محرم ويدل على ذلك حديث ابي هريرة في سقياه اللبن لما شرب فاعتذر الى النبي صلى الله عليه وسلم لما كرر عليه طلب الشرب قال لا اجد له مساغا يا رسول الله ولا يكون الانسان لا يجد مساغا الا اذا شبع وهذا انما يقع على جهة المرة بعد المرة اما اذا كان وعادة فانه يثقل العبد عن العبادة. ولهذا قال من قال من الفقهاء يكره الشبع خشية اضطرابه عادة يلجأ الى الوقوع في المحظور الذي ذكرناه فيما يتعلق بالسرف في المباح. نعم. اما وجوه فكثيرة والكلام في اغلب الوجوه يستدعي حديثا مستفيضا. وكلاما طويلا عريضا ويقبح فيه الايجاز الذي يشبه ان يكون وميضا عند الذي يضمن استيعاب نشاط السامعين للحديث اذا استعرض المتكلم في مجلس واحد انصرف في الخمر والقمار. والزنا وسائل المنهيات وفي الفلاحة والتجارة وغيرها من المباحات. وفي القهوة والاتاي والدخان وغيرهن من الزوائد التي صارت عند الكثير الزم من الضروريات. وفي الزردة والزيارة وما اليها من البدع والمنكرات. وانما يحسن بمن يطرق وهذا الموضوع بصفة خطابة مثل هذا الجمع ان يختار من وجوه السرف بعض ما هو اظهر في المجتمع. وضرورته اخفى على كثير من العقلاء فانا الان اذكر لكم من وجوه السرف الصداق والوليمة والهضيمة والضيافة والهدية واوقفي على كل واحد منها بالفات النظر الى مفاسده الفاتا يحملنا على لزوم مقاومته. قوله بالفات النظر هذا خلاف السوي في التعبير للعربي. لان اللفت هو الصرف. ولكن يقال توجيه النظر. ولذلك سمى العلماء كتبهم توجيه الامر وتوجيه النظر ولم يسموها لفت الانظار ولا لفت النظر لان اللفتة صرف والمقصود هو توجيه النظر الى الكلام نعم. فاما الصداق فالغرض منه التفرقة بين النكاح والسفاح. واختلفوا في اقل ما يجب منه ولكنهم لم يختلفوا انه دنيا اكثره وقد تغالى الناس فيه تغاليا بعثهم على التفاخر بالتكاثر واعتقاد انه سبب للمجد او مظهر من فحاطوا النكاح الضروري للبنين والبنات من صعوبات قل من يقدر على تذليلها. وسنوا له عوائد تخور العزائم محاولة تغييرها او تمديدها. ثم نظروا الى الشوارع نظرهم الى الصداق فاغرقوا فيها كل الاغراق. ترى المصدق والمشور يرهن املاكه ان لم يبعها او يأتي على اهم ذخيرته ان لم يستنفذها. يقال ان عروسه او كلمته جاءت بالخمسينات او المئات من الملابس وبكذا وكذا من انواع الزينة التي يبليها النظر قبل الجسد ويذهب برونقها الهواء قبل الغمس في الماء. ولو ان السرف في الصداق والشواه كان بتمليك زوجين اصولا تغل او حيوانات تنتج لكان في منفعته ما يخفف قليلا من مفسدته. ولكنه كما ترون وتسمعون ضريبة فادحة يستخلصها منا نوع من التجار لا نجدهم للتنفيس على معسر ولا لبناء مشروع خيري. نشأ عن هذا السرف سوى الاضرار العامة لكل سرف اضرار لا يستهان بها. احدها غرس الكراهية في نفس الزوج لما يحدثه التكلف في الصداق من ضعف المحبة والرحمة التي هي مساكن الحياة الزوجية وثمرة هذا الغرس هو سوء العش هو سوء امساك مساك الحياة الزوجية. هي مساكن الحياة الزوجية. مساك. بزينة ومعنى جماع. يعني الذي يجمع الحياء. نعم. مساك؟ مساك مساك نقول وزنا ومبنى يعني على زنة جماع وبمعناه. نعم. التي هي مساك الحياة الزوجية وثمر هذا هو سوء العشرة والفراق الذي يجرح العواطف. ويسيء حياة الابناء. ثانيها عنوش المراتب العجز عن الشوا رووا الصداق والعانس منغصة لحياة اسرتها. ثالثها عزوبة الرجل بعزله عن ذلك السرف في الصداق والرجل الاعزب عضو اشن في الاغلب. رابعها انكاح البنت غير ما تميل اليه ويميل اليها جريا خلف كثرة المال ودوسا لعاطفة المحبة بسبب رقة الحال. خامسها كثرة الطلاق من بناء عقدة النكاح على السرف في الصداق. لا على المحبة والوفاق سادسها ضعف الاخلاق وانتشار الشرور من اجل اضطراب النفوس الناشي عن العزوبة والعنوس فان النكاح سكون طمأنينة للزوجين. قال الله تعالى ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها. وجعل مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. سابعها ضعف الامة بقلة النسل ورقة الدين وصرف مواهب الشباب الى الاشتغال بالفارغات بلي العامرات بالمساوي. والذي يألف مناظر الغرام والحزن لا يستطيع يقف موقف الجد والبطولة ونختم هذا الوجه من السرف بكلمة صحت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند احمد واصحاب قال رضي الله عنه والامة غنية بكثرة الغنائم وقلة ابواب الانفاق. الا لا تغلو في صداق النساء فانها وكانت مكرمة في الدنيا وتقوا عند الله لكان اولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما اصدق رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم امرأة من نسائه ولا اصدقت امرأة من بناته اكثر من ثنتي عشرة اوقية. وان كان رجل ابتلى بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول كرهت اليك عرق القربة والاثنتة تا عشرة اوقية تزيد على اربعمائة درهم. ولكنه نهى عن الزيادة عن الاربعمائة. وعزم على وضع الزائد في بيت المال ردت عليه امرأة بقوله تعالى واتيتم احداهن قنطارا فرجع اليها وكان وقافا عند كتاب الله. ولم يرجع اليها في دم الغلو وان فيه مفاسد ولكن في تحديد اكثر الصداق وتمليك الزائد للمسلمين. ونرى ان عمر رضي الله عنه كان لا يعجزه الجواب بانه امير وللامير ان يقصر المباح على احد طرفيه. حسب المصلحة العامة ولكنه اختار تسليما لوجوه احدها خشية ان يكون وضع الزائد على ما حده في بيت المال غصبا. اما لمال المصدق او لمال الزوجة وثانيا انه كان يرى نفسه كما هو الواقع اسوة وقدوة فسلم للمرأة ليعلم الامة احترام الافكار وعدم التعصب للنفس يدل ما رواه ما لك في الموطأ انه احتلم في سفر واشتغل بغسل اثر الاحتلام من ثوبه حتى اسفر. فقال له عمرو ابن عاصي رضي الله عنه لو تركت ثوبك يغسل فانا معنا ثيابا فاجابهم بانه ليس كل الناس يجدون ثيابا ولو فعلت لكانت سنة وثالثها الوقوف عند ظاهر القرآن واتهام النفس بان في التأويل انتصارا للفكرة. والتأويل في الاغلب تضليل للنفس وتعطيل للنص ولولا السرف في التأويل ما سترت عنا محاسن الدين ولا تعذر على المرشدين جمع كلمة المسلمين فبين المصنف رحمه الله تعالى ما سلف مما يتعلق بتحديد السرف شرع رحمه الله تعالى يكشف عن وجوده في جملة من صوره بين المسلمين ومن جملة ذلك الصداق الذي هو مهر المرأة. وقد اجمع اهل العلم على ايجاب المهل ولكنهم اختلفوا في حد اقله واكثره. والصحيح انه لا حد لاقله ولا لاكثره. ولكن يراعى فيه حكم الشريعة فاذا كان فيه ظلم وهظم بالانقاص او اسراف وافحاش بالزيادة كان منهيا عنه لاجل لهذا المعنى وقد ذكر رحمه الله تعالى ما ال اليه حال الناس من السرف في الصداق ثم بين جملة من اضرار كغرس الكراهية في نفس الزوج واضعاف رابطة الزوجية بين الرجل وامرأته والتسبب في فشو النساء وعزوبة الرجال وكثرة الطلاق وضعف الاخلاق وانتشار الشرور واقلال النسل ورقة دين واشاعة الفحش تضييق طرق المباح مما يجعل الرجال والنساء يقعون في المحظور في هذه الابواب. وذكر رحمه الله تعالى قول عمر رضي الله عنه ما اصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه ولا اصدقت امرأة من بناته اكثر من اثنتي عشرة اوقية. وهذا دال على عدم المبالغة في المهر لان ذلك لا يجاوز اربع مئة درهم كما بينه رحمه الله تعالى. ثم ذكر قول عمر وان كان الرجل يبتلى بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وهذا قد صرح به جماعة ممن وقع في الطلاق فانه يقول بان الذي جره الى حل عقد الزوجية بينه وبين زوجته انه لا تزال يتذكر كل ما رآها ما اثقلت به كاهله من الديون طلبا لصداقها ومهرها ثم ذكر رحمه الله تعالى ما جاء عن عمر من ارادة تحديد المهور في القصة المشهورة مع المرأة التي ردت عليه وهذه القصة قصة لا تثبت ولم تروى من وجه صحيح وما ذكره من تطلب حمل فعل عمر على ترك الالزام بالتحديد لا يحتاج لان هذه القصة لم تثبت في نفسها. ولكن تحديد المهور اذا اريد به وضع حد لمفاسد متعدية فليولي الامر ان يضعه واما باعتبار الشرع فالاصل ان المهور لا تحديد لها لكن ان وقعت مفاسد مترتبة من المبالغة في المهور حينئذ ينظر ولي الامر في مصلحة الرعية. لان حكم ولي الامر مناط بمصلحة الرعية كما قرره الفقهاء رحمهم الله تعالى نعم. واما الوليمة فقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر بها. والغرض منها اظهار النكاح والإحسان الى الفقراء وكانت في صدر الاسلام بسيطة خالية من السلف والتكلف. ففي صحيح البخاري انه صلى الله عليه وسلم اولم على صبية بنت يعين على زينب بنت جحش من امهات المؤمنين رضوان الله عليهن اجمعين. بتمر وسمن واقط. رضوان الله عنهن ان تقول عليهن احسن الله في القرآن رضي عليه ولا رضي عنه؟ عنه. عنه. نعم. احسن الله اولا معنى صبية بنت حيي وعلى زينب بنت جحش من امهات المؤمنين رضي الله عنهن اجمعين. بتمر وسمن واقط وفيه انه اولم على بعض نسائه بتمر من بمدين من شعير. وكذلك الوليمة على فاطمة بنت افضل الخلق كانت من شعير كما في الطبراني. وقد اسرف الناس في الولائم فتنافس الاغنياء في مظاهر الترف وقلدهم من دونهم. كل بما فيجد ويجتهد فما شئت من فرش مبثوثة لاقدام الوجهاء محرومة منها اعين الفقراء الى ستائر منمقة فائدة منوعة ويمتد هذا السرب اياما تختلف باختلاف اقدار المؤلمين. ولا تخلو الولائم عادة من منكرات تكرم وتغضب رب العالمين وعوائد مستنكرة تقنع في مروءة مؤلم وتجرح اصدقاؤهم من اعطاء المدعوين اموالا للراقصين والراقصات ويجمع المؤلم منهم ما لا يفتخر بكثرته وهو ما يعبر عنه في جهات من الوطن بالعون وفي الاخرى وفي الاخرى بالغرامة. انبعث الناس الى الولائم بغير الباعث الشرعي فاثمر لهم مفاسد منها صعوبة النكاح بالعجز عن سرف ولائم وصعوبة النكاح تمضي الى ما تقدم من العنوس والعزوبة وضعف الاخلاق وضعف الامة. ومنها تغير قلوب المحابين هم المتصاهرين بعدم اعطاء المدعوين منهم للراقصين والراقصات ما يرضي المؤلم او بقلة ما يبذلونه له من العون او التعوذة او الغرامة او بزيادة بعضهم على بعض في ذلك. والفة القلوب نعمة لا يستهين بها الا الانانيون الذين لا يهمهم غيرهم غير ذواتهم. وقد امتن الله بها على الصحابة رضوان الله عليهم. فقال تعالى واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم ثم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت قلوبهم ولكن الله الف بينهم. وتبديد السرف بالولائم بنعمة لا يشترى بما في الارض جميعا ينسينا تبديده كثيرة واهانته لنفوس عزيزة. ومنها اهانة الفقراء وهم من حيث الخلق اخف اجراما ومن حيث الدين ايسر انقياد ومن حيث المجتمع اكثر انتاجا. وقد جاء عن ابي هريرة رضي الله عنهم موقوفا عند البخاري مرفوعا عند مسلم. شر الطعام طعام يدعى الغني ويترك الفقير. فاذا اردنا السداد وسلوك طريق اقتصادي فلنقتدي بولائم السلف. ولنقصد فيها الى المقصد اشرف من اعلان الزواج ونفع العدل للمحتاج. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا وجها اخر من وجوه السرف في انفاق المال وهو في الوليمة واصل الوليمة هي الطعام الذي يصنع للنكاح. فان العرب جعلت لموائد اطعمتهم يا اسماء مشهورة عندهم منها الوليمة فانها اسم لمأدبة النكاح. وجاء الشرع في اقرارها وفعلها الرسول صلى الله الله عليه وسلم وامر بها وكانت في صدر الاسلام خالية من السرف والتكلف كما ثبت في وليمته صلى الله عليه وسلم عند بنائه بصفية وزينب انها كانت بتمر وسمن واقط وانه اولم على بعض نسائه بمدين من شعير وكذلك روى الطبراني بسند لا بأس به ان وليمة فاطمة رضي الله عنها كانت بمدين من شعير لما بنى بها علي رضي الله عنه وقد اسرف الناس في الولائم وتنافسوا فيها ووقعوا في منكرات بسبب هذا الاسراف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى واثمد ذلك لهم مفاسد منها ما ذكره المصنف من صعوبة النكاح وتغير قلوب الخلق واهانة فقراء بحيث ينحون عن مثل هذه الموائد المبسوطة او لا يقدرون على فعل ذلك في انكحتهم كما يفعله الاغنياء وقد جاء الشرع بتعظيم قدر الفقراء في احاديث كثيرة كتقديمهم في الدخول الى الجنة او في جعل النصر بدعائهم وغير ذلك من الاحاديث الدالة على تفضيل الفقراء على الاغنياء وهي مسألة طويلة عند اهل العلم تتعلق بالتفظيل بين الغني والفقير. ومن جملة ما يتعلق بالوديمة ما ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم ها هنا بقوله شر الطعام طعام الوليمة يدعى اليه الغني ويترك الفقير فجعل شرا لما فيه من العيب والثلج وهذا الحديث قد روي موقوفا لفظا مرفوعا حكما. وقد جاء رفعه لفظا عند مسلم وما جاء عن الصحابة من الحكم على شيء بالمعصية والكفر واشباه ذلك فانه محمول على الرفع كما نقله ابن عبد البر اجماعا فاذا صرح الصحابي بكون شيء معصية او كفرا فان ذلك عن خبر لا عن رأي ما قال عمار رضي الله عنه ما رواه بعض اصحاب السنن من صام يوم الشك فقد عصى. ابا القاسم صلى الله عليه وسلم فهذا يقال ان له حكم الرفع لما فيه من الجزم من معصية. ومثل هذا قول ابي هريرة لو لم يأتي مرفوعا لفظا فانه يجزم بان له حكم الرفع نعم. واما الاطعام على الموتى وهو ما يسمى في لسان النعي وفي لسان سلفنا الفصيح العظيمة. واحسنوا في هذا الاسم ان فيها لهظما واكلا لاموال اليتامى ظلما. يتكلف ولي الميت اطعام الناس على نحو اطعام الولائم واعطائه اجرة للطلبة على واتم للقرآن وللمردين على ذكرهم للاذكار. وقد تستمر قراءة القرآن التي هي للاجرة لا للاجر مدة تزيد عن الشهر تمر نحو ذلك في بعض الجهات استعداد ولي الميت لوفود التعزية بالذبائح والاطعمة والاشربة من قهوة من قهوة واتاي وقد يتفق له اليومان والثلاثة متوالية لا يفد عليه فيها وافد فيفسد ما هيأه ثم يظن انقطاع الوفود فلا يستعد فيفد حينئذ جمع يشتت همه في جمع مواد ضيافته. هكذا نعامل المصابين منا بالتضييق والارهاق. وتبديد ما الله لهم من التركة بالانفاق بل نحملهم ارتكاب الديون وطلاقة الوجه وضحك العيون. ولا نعذرهم عند التقصير ولا نعفي عوراتهم من ولا ترق قلوبنا لصغار الاولاد ولو لم يبقى لهم بعد هذا السرف الا التراب. بل نأكل ونشترط ونأخذ ونغتبط الله تعالى يقول وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ان الذين ياكلون واليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. وقد اثمر هذا السلف الممقوت علاوة على افتقار اسر بيوت اخرى مفاسد احدها ضياع اليتامى فلا ما لا يبقى على كرامتهم ولا قدرة على عمل لسد حاجتهم ولا اقرباء يراعون حق قرابتهم ولا جمعيات تقوم بكفالتهم فان ماتوا صغارا كان موتهم علينا سبة وعارا. وان اصبحوا كبارا جنوا على المجتمع ثانية واسوء حال الايامى فالزواج متعذر عليهن في الغالب. وذو قرابتهن يرون في حفظ صبيتهن خدمة على الاجانب ان عملنا في بوجه كاسب وان قعدنا في بقلب لاهف. ثالثتها قسوة القلوب والغفلة عن عظة الموت فقراء القرآن ترى الميت فبينهم وهم يأكلون ويتلذذون ويتحدثون ويضحكون ويغتابون ويعيبون وفود التعزية لمصابهم تحنون. فان وجدوا لديهم من لوازم الضيافة ما يقضي الا بناتهم. قالوا ما مات من خلى مثلك خلاها تبارك الله عامرا. وان لم يجدوا ما يسدوا ما هم يبهت نظرهم قالوا خلى الدار فلان. واي قلب اغلظ من قلب لا يتعظ بالموت. وان لسان حال الاموات لافصح من لسان الاحياء من عظات قالت امرأة تبكي اخاها وكانت في حياتك لعظات فانت اليوم اوعظ منك حيا. رابعتها صرف القرآن عن الغاية التي من اجلها فالقرآن الذي انزل تذكرة لمن يخشى. انزل اذا تدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب. اصبح بضاعة تباع للمرضى الموتى والقرآن الذي لو انزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. اضحى لا يتجاوز حناجر قراءه. والقرآن الذي يجعل ومن الجبان شجاعا ومن الشوح جوادا صار اهله الا من رحم ربك اجبان الناس واشحهم ان هذا لهو المصيبة التي لا يقاس بها الثكل ثاكل. والداهية التي تصفر حقيقة منها الانامل. فاذا اردنا في هذا الامر وسلوك طريق السلامة. فلنقرأ القرآن عن الاعتعاظ والاعتبار والا نتوسل به الى دين الدرهم والدينار. ولنعفي من تلك العوائد ومد الموائد بل يصنع لهم الطعام الجيران وذوو الارحام. روى ابو داوود والترمذي وغيرهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اصنعوا لال جعفر طعاما. فقد اتاهم ما يشغلهم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا وجها ثالثا من وجوه السرف وهو السرف في الاطعام عند الموتى اذا ماتوا وهو الذي يسمى في لسان اهل الجزائر العظيمة وهو مصطلح صحيح في اللغة. وهذا الفعل الذي يفعله الناس من الاطعام على الموت كالذي يتكفله اولياء الميت هو من جملة النعي فقد صح عند ابن ماجة من حديث جرير رضي الله عنه انه قال كنا الاجتماع على الطعام عند اهل الميت من النعي. وهذا نقل على اجماع الصحابة رضوان الله عنهم على ان الاجتماع على طعام يصنعه اهل الميت للناس ان هذا من جملة النعي المنهي عنه. وانظم الى صنع الطعام والاجتماع عند اهل الميت في بعض البلاد وجود من يقرأ من المقرئين ومن يتحدث من المتحدثين. ثم ذكر رحمه الله تعالى مفاسد لهذا السرف الممقوت منها ضياع اليتامى وسوء احوال الايامى وقسوة القلوب والغفلة عن الاتعاظ بموت الميت وصرف القرآن عن الغاية التي انزل من اجلها الى قراءته في المآتم. وذكر رحمه الله تعالى اخرا الطريق الشرعية التي امر بها الناس وهو ان من مات لاحد اقاربه احد او جار له فان السنة ان يصنع جيرانهم وذوو ارحامهم لهم الطعام كما امر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اصنعوا لال جعفر طعاما فقد اتاهم ما يشغلهم. فالسنة هي ان يصنع الطعام لال الميت. ويذهب به اليهم. واما ما عليه الناس يوم من عكس القضية وهو ان اهل الميت صاروا يتكلفون فهذا ليس بمشروع جزما. فان صنعه غيرهم عندهم فهذا فيه وجه حظر ووجه شرع فاما وجه الشرع فهو صنع الطعام لاهل الميت. واما وجه الحظر فهو الاجتماع نعم يصنع الطعام لال الميت كما امر. واما ان يصنع الطعام ثم يدعى الناس للاجتماع عند اهل الميت فهذا مخالف للطريقة الشرعية فصار الطعام الذي يصنع في حال وفاة احد على ثلاثة احوال الحال الاولى ان يصنع لال الميت ولا يدعى للاجتماع عليه. بل من حضر اكل والثاني ان لال الميت ويدعى له الناس. فهذا ممنوع لانه من النعي. والثالث ان يصنعه ال الميت لغيرهم. فان كان ضيفا طارئا عليهم من خارج البلد لا بأس وان لم يكن كذلك فانه ممنوع منه. واعتبر هذا في احوال الناس تعرف شيوع المحظور وقلة فقط للمأمور نعم. واما السرف في موائد الضيافة فترى المضي فيتكلم تأتيث منزل الضيافة وزخرفة واقضنا الاواني الرفيعة فاذا نزل به الضيف اغرب باحضار الفواكه في غير ابانها وبالغ في تنويع الاطعمة والحلوى الى غير ذلك من وللترف واسباب السرف يبعث المضيف الى ذلك الاسراف اما طلب مرضات ضيف تكرمته واما حب الاعجاب بجهوده ومقدرته واما خشية كلام الناس فيه واليته فلو قصر في شيء مما جرت به عادة امثاله بتقديمه للضيوف لعد تقصيره او وقصوره استخفافا بضيوفه ولئما رضعه في صباه. حكى لان رجلا موسرا يسكن بضيعة بعيدة عن القرى ان ضاف اصدقاء له قدم اليهم من فلاحته وكسبه لحما حنيدا ولبنا حليبا. وفاكهة طرية واطعمة شهية. ولكنه لم يتعفهم فناجيل القهوة ولا بكؤوس الاتاي فعدوها له اساءة طغت على ذلك الاحسان وتحدثوا بها متعجبين متنقصين. فبلغهم وانتقاص فدعاهم مرة اخرى فنزلوا عليه بعد الزوال فاسرع اليهم بفناجين القهوة. ولم يزل يتردد اليهم بها حتى منتصف الليل فعملت فيهم عملا واشتد بهم الجوع وهموا بالبوحل المضيف. فترددوا ثم هجم احدهم عليه بقوله اين العشاء؟ فاجابه هذه قمة العشاء السامق وكان جاهدا فلم يطعمه عنده هذه المرة غير القهوة. ولقد وفق في جوابه الفعلي كما احسن في جوابه القول وفي مضار السرف في في انضيافاته غرس مبادئ الجفاء في القلوب وصون الشح في النفوس. ذلك بان الرجل ينزل به او ببلده من يود اضافته ولكن العادة الغالبة تجعل الضيافة عليه ذلك الحين متعذرة او متعسرة فيقع في حرب بين حكم ضمير او امر العادة وقد يجيب صوت الضمير وحنبدأ ولكن بنقص وكدر. وقد ينزل على حكم العادة بلاء يضيف النازل ويبقى حيا منه خزيانا ولكن بتكرر هذا الانقياد للعادة يعتاد ترك الضيافة. ولو مع الاستطاعة فيجفو قلبه وتشح نفسه ويقع ولغير هذا الرجل مثل ما وقع فيه فتقطع صلة ما امر الله به ان ينصن او تكاد فعلينا ان نجود جودا خاليا من الكلفة والتبذير وان نعتقد ان كمال الجود في كثرة انضيافاته لتمتين الروابط بالصلات لا في كثرة المأكولات ثم قطع عند الحاجة اليها ان الاحسن هو ان نصرف ضيافة ضخمة واحدة الى عدة ضيافات هينة. كما نصرف ورقة الالف الى اوراق شتى من ذوات عشرين وخمسين. وقد قال معلم الجود ومكارم الاخلاق عليه الصلاة والسلام. لو دعيت الى قراع اجبت ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا وجها اخر من وجوه السرف وهو السرف في موائد الضيافات. فان اصل قام الضيف شيء قرره الشرع كما ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ظيفة فدل هذا على وجوب اكرام الضيف. والكرم لا حد له بل مرده الى العرف. فكل ما سمي اكراما للضيف في العرف كان من جملة المأمور به. واذا تجوز في ذلك الى تعدي المأذون به صار سرفا كما ذكر المصنف ها هنا من احوال الناس وذكر من مظاد السرف في الضيافات غرس مبادئ الجفاء في القلوب وتثبيت الشح في النفوس وايقاع العداوة واضعاف الروابط والصلات بين الناس وهذا خلافه مقصود الضيافة اصلا. كما ان الشرع الحكيم جاء بخلاف هذا فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن عمر رضي الله عنه قال نهينا عن التكلف ومن جملة السرف في الضيافة وقول الصحابي نهينا او امرنا معدود في جملة المرفوع حكما نعم. واما التكلف في الهدايا فالباعث عليه وثمرته كالباعث على السرف في انظيافة وثمرته. فان لم يجد الرجل او المرأة ما يملأ العين من الهدية تركها فتركها بذلك صلة ينبغي ان تتعاهد. وقد يهدى الى المرأة او الرجل ما لا يملأ العين يغضبان ويطنقان في المهدي لسان السوء. وقد ادبنا الاسلام في هذا الامر بمثل حديث لو دعيت الى قراع لاجبت ولو اهدي الي كراع لقبلت وحديث يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة النجارتها ولو فرس من شاة. وفرس الشاة احقر ما فيها ليس نظر الاسلام الى الضيافة والهدية من حيث انها فرصة لملء البطون او معرض لصناعة الاطعمة والحلوى بل مقصود منها الصلات وتنمية المودات. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا الوجه الاخير من وجوه الاسراف وهو الاسراف في هدايا فان اصل الهدية مأمور به كما روى الترمذي وغيره بسند حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تهادوا تحابوا فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالهدية ومقصود الشرع بالاهداء هو تقوية صلة المؤمنين بعضهم ببعض واذا جوز المأذون به من الحد في الهدية وقع الناس في ضد المقصود الشرعي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ولو اهدي الي كراع وهو مما يحتقر لقبله صلى الله عليه وسلم نعم هذا ما اردنا التنبيه عليه الان من وجوه السرف ومفاسدها ولعلنا قد اسرفنا في القول من حيث التطوير الذي يستغنى عنه بالمعنى لا من حيث توفية الموضوع حقه. واذا شعرنا بالسرف فلنعد الى الاقتصاد. الاقتصاد هو الاستقامة على الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط. وهي الرتبة التي عناها ابن الوردي بقوله بين تبذير وبخل رتبة وكلا دين ان زاد قاتا اخرج الامام احمد عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فقه الرجل قصده في معيشته وقال تعالى ولا تجعل يدك مغنونة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. وجعل القرآن مقاصد هنا من عباد الرحمن الممدوحين فقال تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك وحكي ان عبد الملك بن مروان قال لابن اخيه عمر بن عبدالعزيز حين زوجه ابنته فاطمة ما نفقتك؟ فقال له عمر الحسنة بين السيئتين وتلائم ايات والذين اذا انفقوا. رضي عبد الملك بالاقتصاد نفقة لفاطمة وهي التي بلغت مكانة من المجد عبر عنها شاعر بقوله بنت الخليفة والخليفة جدها اخت الخلائف خليفة زوجها قال المؤرخون لا يصدق هذا البيت على امرأة سواها ممن تقدمنها او تأخرن عنها اقتصاد ايها السادة ضد التبذير والسرف. كما انهم ضد الشح والبخل. فكل ذنب جاء في كلام الله ورسوله وكلام كمائن لهذين الطرفين فهو مدح وثناء على الاقتصاد. وكل ما يذكر من الاثار السيئة والعواقب الوخيمة لدينك الطرفين فهو تنبيه على محاسن الاقتصاد وفوائده. فالاقتصاد مفض بصاحبه في الاخرة الى الجنة ان شاء الله وفي الدنيا العز والكرامة الى جعل وجودنا لنا وحياتنا عامرة بالاثار الخالدة. ولنتصور سرفنا في مثل الدخان والقهوة والاتاي مما لا لذة فيه ولا نعيم. ثم لنتصور اقتصادنا بترك هذه الاعشاب نجد في ذلك الاقتصاد ما يكفي للنهوض بمشاريع واسعة من علمية وصناعية وتجارية وفلاحية. ذلك اننا ستة ملايين فلنفرض سدسنا يتعاطى الدخان والشمة وينفق فيها كل واحد فرنكا. كل يوم فهذا مليون فرنك. يذهب كل يوم في الدخان والشمة والنفر الثنتان يشرب القهوة والاتاي ويستهلك كل واحد ربع فرنك. في اليوم فهذا مليون اخر يخرج كل يوم في القهوة والاتاي فلو اننا استبدلنا بهذه الاشياء مشاريع خيرية مقبوضة كل يوم من اليونان من الفرنكات لكانت مشاريعنا اغنى المشاريع واقواها ووجودنا اشرف الوجودات واعزها فكيف لو اقتصدنا بترك المحرمات ونبذ قبائح العادات وكف النفس عن بعض المشتهيات. نشكو التأخر والانحطاط ونقيم على خطتي التفريط والافراط حالنا حال من يشكو مرض السكر ويتمادى على شرب العسل واكل الحلوى. ان دائنا منا وعلاجه بايدينا. فلتكن لنا ارادة قوية في طرح السرف وخطى ثابتة في سلم الاقتصاد. ولا نمثل الاعجوبة التي قال فيها الاول. ومن العجائب مجمة قرب الحبيب وما اليه وصول تنعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول. بعد ان فرغ رحمه الله تعالى من بيان وجوه السرف وذكر مفاسدها بين رحمه الله تعالى الحد المأمور به وهو الاقتصاد والمراد به الاستقامة بين طرفي الافراط والتفريط. فان السرف يقابله التقطير وما بينهما هو الجادة المسلوكة السالمة شرعا. وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يقولون ان الحسنة بين السيئتين والهدى بين الضلالتين ومرادهم بذلك ان حسنة المأمور به شرعا بين سيئة الجفاء وسيئة الغلو وقل هذا في نظيره وهو الهدى بين ضلالتين يعني ضلالة الافراط والتفريط. وهذا الاصل كما سلف هو الذي فضلت به هذه الامة على غيرها فهي امة وسط يعني عدل في جميع ابوابها سواء فيما بصلتها مع ربها او بالصلة المؤمنين بالله من المسلمين بعضهم بعضا. ومن تمسك الاقتصاد سلم في الدنيا ويوم المعاد. ومن فرط في الاقتصاد خرج به ذلك الى التقتيل او الى الاسراف وكلاهما ما طرف مذموم ولو ان المبدلين والمسرفين اعتبروا هذه الاموال فصرفوها في ما ينبغي صرفه فيه من البر والخير والاحسان والنفع لجاد ذلك على المسلمين بخير كثير كما ضرب المصنف بذلك مثلا ونرى الان ايها السادة انه قد استبان لكم السرف المالي واتضح لكم بعض وجوهه. وامنتم بوجوب مقاومته على اي وجه كان واندمجت في غضون الكلام السابق. كيفية المقاومة وهي تعتمد على ثلاث دعائم. ذكر ما جاء في السرف من الايات واحاديث وللحكماء وهي ناحية نقلية ثانية بيان مضار السلف ومفاسده وهي ناحية عقلية. ثالثا امثلة من اقتصاد وهي ناحية عملية تطبيقية. ولا بد لاثمار المقاومة من تعميم كيفيتها بين طبقات الامة. وللتعميم وسائل والتعليم المسجدي في قطع الوعاظ من اوقاتهم دروسا في تفسير اية من ايات السرف او حديث من احاديثه ويبنون دروسهم على من ثلاثة التي وصفناها. ثانيتها التعليم المكتبي فيلقي المعلم في امثلة قواعده ودروس ادابه بعض ما جاء في مما يقل لفظه ويقرب فهمه. ثالثا والخطابة فتنشأ خطب في مواضع السرف تكون نماذج تحتذى والمحاضرات من نوادي خامسة والمقالات والقصائد من صحف السيارة. سادسا انشاء الاشعار العامية يتغنى بها بين الطبقة التي لا تغشى المساجد والنوادي والتي لم تزل بعيدة عن التأثير بالفصحى. سابعتها تخليد الحديث في هذا الموضوع بالتأليف وتيسير تعميمهم بالنشر والطبع فتعهد الجمعية الى من ترى فيهم الكفاءة بالتأليف او بجمع المختار مما يلقى في الموضوع بالفصحى وبالعامية وتنشط الكتاب والادباء والخطباء بجوائز على ما تستحسنه من اثار اقلامهم وقرائهم وتشارك في تعميم ما يطبع باشتراء نسخ منه واهدائها مجانا. ثامنتها الاسوة الحسنة في تقدم من يملك الشجاعة ادبية الى اعتزام الاقتصاد وطرح السرف. فيما يغني من وجوه السرف المعتادة ويسعى في تقوية جانبه بحمل بعض اصدقائه على خطته والمتشاركون في هذه الخطة يجملوا ان يؤكدوا عزمهم بالتحالف على التزامها. والقدوة الحسنة هي التي تجعل لكلام الا ان وقعا في القلوب ولامر الدين احتراما في النفوس ولعظات المرشدين تأثيرا في المجتمع والقدوة الحسنة هي التي تجعلنا امة جد وعمل لا شرد متهزن وتواكل. فان وقوف المرشد عند حد القول يحمل المستمع على الوقوف عند حد السماع. وقال قولا بالعمل يبعث السامع على قرن السماع بالاتباع. فالقول المجرد يبعث على القول المجرد والامتثال بالعمل يبعث عن الامتثال بالعمل وهذا سر نجاح السلف وفشل الخلف. لما بين المصنف رحمه الله تعالى ان السرف داء اجتماعي عضال ضرب باطنابه في نفوس الخلق نبه الى وظيفة اهل الاصلاح وهي مقاومة مثل هذه العوادي التي تغير على المجتمعات فتؤثر فيها. ورتب رحمه الله تعالى سبل مقاومة ذلك على ثلاث دعائم اولها ذكر ما جاء في السرف من ايات واحاديث واقوال حكماء وهي ناحية نقدية وتانيها بيان مضاج السرف ومفاسده وهي ناحية عقلية وثالثها ضرب امثلة من اقتصاد السلف وهي ناحية عملية تطبيقية. ثم بين رحمه الله تعالى مخارج هذه الدعائم. وطرائق امتثالها وان الوسائل التي يمكن بها تحقيق هذه الدعائم في المقاومة لهذا الداء العضال في يكون باعمال جملة من الوسائل منها التعليم المسجدي يعني المنسوب الى المسجد فيحرص الوعاظ على ان يجعلوا من اوقاتهم دروسا تتعلق بالسرف. ومنها التعليم المكتبي وهو المنسوب الى المكتب. لان اصل تعليم كان في عهد السلف من التابعين فمن بعدهم ينسب الى المكتب وكان يعلم فيه القرآن والحساب وكتابة الاحرف ثم خرج في صورة المدارس النظامية في القرون الهجرية الوسطى الى زماننا هذا فينبغي على القائمين في التعليم في المدارس والجامعات والمعاهد ان يتنبهوا الى نشر ما يكون فيه وعي للناس ازاء هذا الداء العضى ومنها الخطابة والمحاضرات والمقالات والاشعار ومنها تأليف الكتب ونشرها وتعميمها ومنها الاسوة الحسنة بان يكون في الامراء والوزراء والعلماء والحكماء والادباء من يمتثل امر الشريعة ويخالف حال الناس من التفاخر بوجوه الشرف التي اعتادوها. والناس يتأثرون بالفعل اكثر من تأثرهم بالقول. نعم. وهذا مغزى الجمعية في دعوتها الى حياة السلف. فما كان في حياة سلفي من دين فالجمعية تقف فيه وقوفهم عند الكتاب والسنة. واجتهاد فحول الثقات وما كان في حياتهم من دنيا فالجمعية تأخذ منه الجد وبعد النظر فتختار من حياة هذا العصر الارفع الانفع وهذا نثر ما نظمه شاعرنا اذ قال اما الحياة فاننا معشر جدد فيها ولكننا في ديننا قدماء. ختم المصنف رحمه الله تعالى هذه الرسالة تنبيه الى ان الدعوة الى الاقتصاد ومحاربة السرف هي دعوة الى حياة السلف فان السلف رحمهم الله تعالى الا كان من شأنهم في هذا الامر نبذوا الشرف وتحري الاقتصاد في جميع وجوه الانفاق وخير هذه الامة هم السلف الاوائل وسلامة من جاء بعدهم هو في امتثال طريقتهم. كما قال مالك رحمه الله تعالى لا يصلح اخر هذه الامة الا بما صلح به اولها. وقال الشاعر وخير الامور السالفات على الهدى. وشر الامور المحدثات البدنية وقال ابن الجزلي في الطيبة فكن على نهج سبيل السلف في مجمع عليه او مختلف. فينبغي ان يتحرى الانسان سلوكا طريق السلف في اموره كلها في ابواب العقائد والاقوال والافعال والاخلاق فان ذلك اسلم واوثق طريقا ومن جملته ان يتخلص الانسان من معرة السرف والتقطير وان يلزم طريقة شرعي بالاقتصاد بين من يقبض يده وبين من يبسطها كل البسط وهذا اخر التقرير على هذا الدرس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين