السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا الدرس التاسع عشر من برنامج الدرس الواحد الثامن والكتاب المقروء في هو الرسالة المغنية للحافظ ابي علي ابن البناء رحمه الله تعالى. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدم كلمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو العلامة الحافظ المتقن الحسن بن احمد بن عبدالله البغدادي المقرئ يكنى بابي علي ويعرف بابن البناء باثبات الهمز اخره وربما حذفت فقيل ابن البنا المقصد الثاني تاريخ مولده ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله ليلة السبت الخامس من شهر رجب. من اللي مر علينا اليوم في نفس هذا التاريخ الشيخ حمود رحمه الله خامس رجب ايضا ليلة السبت الخامس من شهر رجب سنة احدى وسبعين واربع مئة. وله من العمر خمس وسبعون سنة المقصد الثاني المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذه الرسالة الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت ويشهد على ذلك امران اثنان اولهما النسخة الخطية المعتمدة في نشره اذ حملت هذا الاسم. والثاني ذكر جماعة له بهذا الاسم كابن حجر والروداني وزاد الروداني في تسميته في كتاب صلة الخلف النافع للانسان في اولاه واخراه وسلامة دينه ودنياه وهذه الجملة مذكورة في ديباجة المصنف. مما يقوي ثبوتها في ضمن الاسم المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذه الرسالة بيان فضيلة الامساك عن فضول الكلام والمخالطة المقصد الثالث توضيح منهجه هذه الرسالة من الذخائر المنسوجة على طريقة اهل الحديث بالرواية المسندة وعقد فيها المصنف تراجم لبيان مقصوده من مروياته وزينها بتحف ضراف من الاشعار والاثار. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع الحاضرين والمستمعين ولسائر المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي واله وبعد احسن الله عونك وتوفيقك وصونك وتحقيقك فانك سألت تعجيل رسالة تنفعك في اولاك واخراك تجمع لك سلامة دينك ودنياك فاتيت بها مختصرة يستدل بابوابها على مفهوم خطابها نفعنا الله واياك بها وجميع المسلمين ان شاء الله تعالى. باب نجاة الانسان بالصمت وحفظ اللسان. قال ابو الفتح محمد ابن احمد ابن ابي الفوارس الحافظ املان قال اخبرنا ابو علي محمد ابن احمد ابن حسن الصواب قال حدثنا عبد الله ابن احمد ابن ابن حنبلة قال حدثني ابي رضي الله عنه قال حدثنا اسحاق بن عيسى قال حدثني ابن لهيعة عن يزيد ابن ابن عمر عن ابي عبدالرحمن عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا هذا الحديث اسناده ضعيف. لكن رواه ابن شاهين في كتاب الترغيب. من حديث عمرو بن الحارث وابن لهيعة ان يزيد به. وعمرو ابن الحارث احد الثقات. فصح هذا الحديث بمتابعة عمر لابن لهيعة التي اخرجها ابن شاهين في كتاب الترغيب. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا اي من امسك عن ما لا يحتاج اليه من الكلام نجا والمراد بالنجاة حيث اطلقت في عرف الشرع النجاة من عذاب النار. فان حقيقة ثلاث مرهونة بها نعم قال حدثنا ابو الحسين علي ابن محمد ابن عبد الله ابن بشران السكري المعدل. قال اخبرنا ابو علي اسماعيل ابن محمد صفق قال حدثنا الرمادي وقال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت. هذا الحديث مخرج في الصحيحين وهو قطعة من حديث اطول من هذا السياق وفيه بيان ان من علامات الايمان قول الخير او الصمت. والعبد في منطقه مقسوم على ثلاثة احوال اولها ان يقول خيرا وثانيها ان يقول شرا وثالثها ان يصمت فلا ينطق بشيء. والذي جعلته الشريعة دليلا على الايمان وعلامة من علاماته ان يقول المرء الخير فان لم يقل الخير فانه يمسك عن الكلام به ان ما لم يذكر من هذه الاحوال الثلاثة انه خلاف الايمان. فالكلام بالشر خلاف الايمان والولع بذلك علامة على ضعف ايمان صاحبه. وكلما ساء منطق العبد كلما ساء حظه من ربه عز وجل وآآ ضعفت رتبته عند الله عز وجل. ومما يدل على هذا ما في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. فان هؤلاء لما ساء منطقهم بلفظ قبيح وهو اللعن كان الجزاء حرمانهم من الشهادة والشفاعة نعم. قال اخبرنا عبد الله ابن يحيى ابن عبد الجبار السكري قال اخبرنا اسماعيل ابن الصفا قال حدثنا عباس الدوري قال حدثنا ابو عاصم عن محمد بن عجلان عن ابيه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليسكت. قال اخبرنا ابو الفضل عبدالواحد ابن عبد قال اخبرنا ابو الفضل عبدالواحد ابن عبد العزيز ابن الحارث التميمي رحمه الله قال حدثنا احمد سلمان الفقيه النجاد قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا معاوية ابن عمر قال حدثنا زائدة عن الاعمش عن يزيد عن يزيد ابن حيان عن عنبس ابن عقبة قال قال عبد الله رضي الله عنه والله قال والله قال عبد الله رضي الله عنه هو الذي منعت عنبس من الصرف عن عنبس ابن عقبة. عن عنبس ليس ممنوعا من الصبر. عن عنبس ابن عقبة. انت قلت عن عنبسة احسن الله اليكم. عن يزيد ابن حيان عن عنبس ابن عقبة قال قال عبد الله رضي الله عنه والذي لا اله الا هو ما على وجه الارض احوج الى طول الى طول سجن من لسان. هدا نثر المشهور عن الله ابن مسعود اثر صحيح. وفيه بيان خطر اللسان وشدة شره. حتى انه احق بالحبس المديد من كل شيء على وجه الارض. نعم قال اخبرنا ابو الحسن محمد بن احمد بن محمد بن رزق ويه البزاز قال اخبرنا اسماعيل ابن محمد الصفار قال حدثنا احمد ابن الرمادي يقال حدثنا ابو احمد الزبير قال حدث قال حدثنا عمرو بن عبدالله النخعي. قال حدثنا ابو عمرو الشيباني وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ان اخذ بكل ما نتكلم به فقال ثكلتك امي كوكب جبل وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم الا حصائد السنتهم؟ هذا الحديث بهذا السياق اسناده صحيح. وقد اخرجه بهذا الاسناد واللفظ الطبراني في الكبير وهو قطعة من حديث معاذ ابن جبل الطويل عند الترمذي وابن ماجة الا ان السياق الطويل لا تخلو اسانيده من ضعف نعم يحصل بمجموع تحسينه لكن هذه الجملة هي اصح ما روي في حديث معاذ الطويل وهو احد الاحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله على في الاربعين النووية وهي الاربعين التي جعلها في جوامع الاحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم ثكلتك امك ابن جبل اي فقدتك وهذا مما يجري على اللسان ولا يراد به حقيقته وانما رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الامر عليه ليقر في قلبه فخاطبه بمثل هذا. ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم الا صائد السنتهم اي من اعظم ما يدخل الناس النار ويوجب لهم الانكباب اي الطرح على المناخر والمراد بالمناخر الوجه لان المنخر محله الوجه. وجاء ذلك في رواية الا حصائد السنتهم اي الا ما تنتجه السنتهم. جعل الكلام الصادر من الانسان على لسانه بمنزلة الحصيدة التي يحصدها الزارع. فكما ان الزارع يقصد زرعا بما يبذره ويسقيه فكذلك الانسان يحصد ما يحصد مما يتكلم به نعم. قال اخبرنا ابو طاهر عبدالغفار بن محمد بن جعفر بن زيد المؤدي ان المؤدب قال اخبرنا ابو علي ابن الصواف قال حدثنا عبد الله ابن احمد ابن حنبل قال حدثني ابي قال حدثنا حسن ابن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي ابن زيد ويونس ابن عبيد ويونس ابن عبيد وحميد عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. هذا الحديث لا يخلو اسناده من ضعف لكن الحديث مروي من وجه اخر من حديث انس وغيره فهو حديث صحيح مروي من حديث جماعة من الصحابة وفيه بيان ان حقيقة الاسلام منها ان المسلمون من لسان المسلم ويده. والاحاديث التي يأتي فيها قول النبي الله عليه وسلم المسلم كذا وكذا يراد بها بيان حقيقة الاسلام فكل حديث جاء فيه ذكر خصلة من خصال المسلم فالمراد بذلك بيان حقيقة الاسلام. فقوله صلى الله عليه وسلم مثلا هنا المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده معناه ان من حقيقة الاسلام ان تسلم اعراض المسلمين بينهم. وكقوله صلى الله عليه سلم في الصحيح المسلم اخو المسلم فمعناه ان من حقيقة الاسلام عقد الاخوة الايمانية عليه واطرد هذه القاعدة في كل حديث من الاحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وهي حقيقة الافراد لما فيها من بيان حقيقة الاسلام فانه بجمع النظير الى النظير في مثل هذه الاحاديث تظهر حقيقة الاسلام الذي ينبغي ان يتعبد المرء ربه نعم. قال اخبرنا ابو القاسم عبدالرحمن بن عبيد الله استمسار الحرف وقال اخبرنا احمد بن سلمان قال اخبرنا هلال ابن علاء قال حدثنا عمر قال حدثنا عمر ابن عثمان قال حدثنا موسى ابن اعين قال قال حدثنا موسى ابن اعين. قال حدثنا موسى ابن اعين عن عبد الله ابن محمد ابن عقيل عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفظ ما بين فقميه ورجليه دخل الجنة هذا الحديث الذي ذكره المصنف في اسناده ضعف لكنه روي من حديث جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كحديث سهل ابن سعد والمراد بالفقمين الفكين كما جاء في بعض الفاظ الحديث من حفظ ما بين فكيه ورجليه دخل الجنة. والمراد اللسان والفرج. فقد تكفل النبي صلى الله عليه وسلم لمن حفظ لسانه وفرجه ان يدخل الجنة. نعم. قال اخبرنا ابو منصور محمد ابن رامش قال قدم علينا الحج قال اخبرنا ابو محمد حسن ابن احمد ابن شيبانا المعدل قال اخبرنا محمد ابن اسحاق قال حدثنا قتيب ابن سعيد قال قال الليث ابن سعد مروا براهب فنادوه فلم يجبهم ثم عادوا فنادوا فلم يجبهم فقالوا له فلا تكلمنا فاطلع عليهم وقال يا هؤلاء ان لساني سبع واني اخاف ان ارسله فيأكلني اخاف ان ارسله ان ارسله ان ارسله فيأكلني. نعم. يا ان لساني سبع واني اخاف ان ارسله فيأكلني. نعم. وانشدنا في معناه احفظ لسانك ايها الانسان لا يقتلنك انه ثعبان. كم في المقابر من قتيل لسانه؟ كان التهاب الفرسان انشدنا ابو الحسن علي ابن المظفر ابن بدر الشافعي البندني بها قال انشدنا ابو النعمان عبد الاعلى ابن ابن احمد النجلي قال انشدنا الحسين ابن احمد ابن بسطام لابي النواس. خلي جنبيك لرامي وامض عنه وبسلام متبداي الصمت خير لك من داء الكلام ربما استفتح بالقول مغاليق الحمام رب قول ساق قيام وفئام انما السالم من الجم فاه بلجام. وانشدنا ايضا انت من الصمت امن الزلالي ومن كثير الكلام في وجل. لا تقل القول ثم تتبعه. يا ليت ما كنت قلت لم اقول. وانشدنا اعد البيت. انت من الصمت امن الزلل ومن كثير الكلام في وجل. لا تقل القول ثم تتبعه يا ليت ما كنت قلت لم اقول اجعلها انت مع الصمت امن الزلل. انت مع الصمت امن الزلل. هذا اظهر في المعنى نعم. وانشدنا ايضا اسطور العية ما استطعت بصمت ان في الصمت راحة للصمت واجعل الصمت ان عيت جوابا رب قول جوابه في السكوت. وقالت الحكماء قوله استروا استروا العي العيه والعجز عن البيان. وقوله في اخره رب قول جوابه في السكوت قال الاعمش رحمه الله تعالى السكوت جواب اب فمن ما يجاب به بعض المتكلمين السكوت عن كلامهم الذي سواء سؤالا او غير ذلك. نعم. وقالت الحكماء مثل الكلمة كالشهم لا يمكن رده وان ما جعل للانسان لسان واحد واذنان حتى يكون ما يسمع اكثر من حتى يكون ما يسمع اكثر مما يتكلم وهو على رد ما لم يقل اقدر منه على رد ما قد قال وانشدنا ايضا يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه تذهب نفسه وعثرته بالرجل تبرأ على مهلي باب السكوت ولزوم البيوت. قال اخبرنا ابو الحسن علي ابن احمد ابن محمد ابن داود الرزاز. قال اخبرنا ابو بكر الشافعي قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا داود بن عمرو بن زهير قال حدثنا عبد الله بن مبارك عن يحيى ابن ايوب عن عبيد الله ابن حرف عن القاسم عن ابيهما خذ القاعدة الفتحة زحو احسن الله اليكم عن عبيد الله عن ابن زحر عن القاسم عن ابي امامة رضي الله عنه قال قال عقبة بن عامر رضي الله عنه قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال قال قال املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكي على خطيئتك. واسناده ضعيف لكن له شواهد اخرى من حديث من غير حديث عقبة يثبت بها الحديث. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم املك عليك لسانك بمعنى حديث عبدالله بن عمرو المتقدم من صمت نجا فان السؤال هنا عن النجاة فكأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال اسكت فتنجو. لان ملك الانسان لسانه يلزم منها ان يكون صامتا حاكما للسانه ومن الناس من يحكمه لسانه. فينفرط عليه ولا يستطيع ان يسوسه فيتكلم ما شاء كيفما شاء ولا يفرق بينما ينبغي صدوره في حال وما ينبغي امساكه في حال اخرى. وسبق ان ذكرت لكم ما كان ابو هريرة يقوله لقد حملت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائيه فاما احدهما فبثثته واما الاخر فلو بثته لقطع هذا البلعوم. فامسك ابو هريرة رضي الله عنه عن شيء مما سمعه من النبي صلى الله الله عليه وسلم لعلمه بان ما ينشأ عن ذلك من الفتنة اعظم وليس مراد ابي هريرة خوفه من تبليغ ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن مراده انه لو حدث به وقعت فتنة ادت الى حدوث القتل بين المسلمين. وهذا الذي حبسه ابو هريرة كما قال اهل العلم. انما هو المتعلق بتعيين اسماء اهل الفتن ودعاتها في الصدر الاول وما يؤول اليه حال الناس في الملك والولاية ونحو ذلك مما لا يترتب عليه عليه عمل وللشاطبي رحمه الله تعالى في مقدمات الموافقات كلام حسن في معنى اثر ابي هريرة خيرة هذا وقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وليسعك بيتك عبر بالسعة عن للجلوس في البيت لان طبع الانسان اذا حبس نفسه في بيته ان يضيق عليه. فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان لزومه لتحصيل النجاة يجعله واسعا على الانسان. وانما يوسعه على الانسان اشتغاله بما ينفعه فان الانسان اذا لزم بيته واقبل على ما ينفعه صار البيت عليه واسعة واذا كان فارغا ضاق عليه البيت ولو كان واسعا. ولذلك ارشده النبي صلى الله عليه وسلم الى ما يشتغل به ليكون البيت عليه واسعا فقال وابكي على خطيئتك. فالبكاء على الخطيئة وشهودها الحامل على الاستكثار من الحسنات يجعل الانسان في لذة مناجاة لربه عز وجل فمهما كان البيت عليه ظيقا في سكنه فهو واسع عليه لانه مشتغل بما به راحة قلبه. وهؤلاء الثلاثة التي فارشد اليهن النبي صلى الله عليه وسلم بهن جماع النجاة. كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم لان السؤال وقع عن هذا اذ قيل له من نجاة؟ فقال املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكي على وتتأكد هؤلاء الثلاث اذا كان في خروج الانسان خارج بيت حصول امر اضر به في دينه. فبقاؤه في بيته وامساك لسانه بخطيئته انفع له في دنياه واخراه. وكلما كان الانسان مشتغلا بالامور النافعة حصلت له مدارج النجاة هذه. واذا كان الانسان فارغا بطالا فانه يجر الى الخروج عن هؤلاء الثلاث فظلا عن كونه مشتغلا ما حرم الله سبحانه وتعالى فان حاله في البعد عن النجاة اشد واشد فالناس في هذا الامر احد ثلاثة اولهم امرئ امتثل هذا الحديث ففاز النجاة والثاني امرئ كان فارغا من العمل بما فيه لكنه غير مشتغل بالباطل فهذا على شفا هلكة لان النفس ان لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ومن حبائل الشيطان التي يكيد بها للنفوس تدريجها في الفراغ والاشتغال بالمفضول عن الفاضل حتى يجترها الى الوقوع فيما حرم الله عز وجل. والثالث من اشتغل بما حرم الله سبحانه وتعالى فهو ابعد عن درس هذه نعم. قال اخبرنا ابو علي الحسن بن احمد بن ابراهيم بن شذان قال اخبرنا ابو عمر عثمان بن احمد بن السمات قال حدثنا جعفر بن محمد الخياط قال حدثنا عبد الصمد ابن ابن يزيد ابن يزيد الصائغ قال الفضيل بن عياض رحمه الله يقول في اخر الزمان عليكم بالصوامع. قلنا وما الصوامع؟ قال البيوت فانه ليس ينجو من شر في ذلك الزمان الا صفوته من خلقه. وكان يقول ليس هذا الزمان الكلام هذا زمان السكوت ولزوم البيوت هذا في زمانه رحمه الله تعالى فكيف في زماننا لا ريب ان حاجة العبد الى امساك لسانه والاقلال من الخلطة اعظم واعظم. فينبغي ان ينتبه العبد الى هذا الامر انها مخالطة الناس ينبغي ان يقتصر الانسان فيها على المهمات اللازمة التي بها قوام معاشر او معاده وما زاد عن ذلك فانه يتقلل من ذلك لئلا يتضرر بهم في دين او دنيا نعم. وقال ايضا ليكن ليكن شغلك في نفسك ولا يكن شغلك في غيرك. فمن كان في غيره فقد مكر به. قال اخبرنا علي ابن محمد المعدل قال اخبرنا ابو الحسين اسحاق بن احمد الكافي. قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبلة قال حدثني ابي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان الثوري قال حدثنا سفيان الثوري عن ابي عبدالله الاغر عن وهب بن منبه قال في حكمة ال داوود حق على العاقل ان تكون له اربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يناجي فيها ربه وساعة يخلو فيها الى اخوانه الذين يخبرونه بعيوب نفسه وساعة يخلي بينه نفسه وبين شهواتها التي لا قوام له الا بها مما يحل ويحشر. فان في هذه الساعة عونا له على الساعات الاخر وحق على العاقل ان يكون عارفا حافظا للسانه مقبلا على شأنه وحق على العاقل الا يرى ضاعنا الا في ثلاث زاد لمعاد او مرمة او او مرمة لمعاش او لذة في غير محرم. قال اخبرنا ابو الفوارس الحسن ابن احمد ابن بالفوارس قال اخبرنا ابو علي ابن الصواف قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني ابي قال حدثنا ابو المغيرة الحمصي قال صفوان بن عمرو قال حدثني قيس ابن عمرو للسكوني قال حدثني عاصم ابن حميد قال سمعت معاذا رضي الله عنه يقول انكم لن تروا من الدنيا الا بلاء وفتنة ولن يزداد الامر الا شدة ولم تروا من الامراء الا غلوة ولن تروا امرا يهولكم عليكم الا حقره بعد ما هو اشد منه. قال احمد بن حنبل رضي الله عنه اللهم رضنا مرتين هذا الاثر اسناده صحيح. والجملة الاولى منه مروية من قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة بسند صحيح من حديث معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما قال قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة. فهذه الدار مطبوعة على البلاء والفتنة فان الله عز وجل لم يخلقنا فيها الا ليبتلينا. كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الملك تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا. ثم وقعت البلية ثانية ببعثته صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم انما بعث ابتلاء كما في صحيح مسلم من حديث عياض ابن حمار رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله نظر الى اهل الارض فما الحديث وفيه انما بعثتك ليبتليك وابتلي بك فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم تأكيدا الابتلاء وقد صرح بذلك صلى الله عليه وسلم اذ قال في حديث معاوية السالف لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة واذا كان هذا هو حال الدنيا فاللائق بمن قذف في دار بلاء وفتنة ان يطلب لنفسه النجاة وان يعلم ان هذه الدار لا تخلو من نكد وتقلب حال فانها مطبوعة على ذلك ما قال ابو الحسن التهامي طبعت على كدر وانت تريدها صفوا من الاقذاء والاكدار ومكلف ايامي ضد طباعها متلمس في الماء قبسة نار. فينبغي ان يعلم المرء ان هذا هو حال الدنيا فليسر فيها بسيرة الصدر الاول الذين انجاهم الله سبحانه وتعالى من حمأتها عظم معنى هذا الاثر لما حدث به الامام احمد رحمه الله تعالى قال اللهم رضنا اللهم لان نفوس الخلق لا تشبع من الدنيا. واكثر منازعة الخلق للامراء لاجل الدنيا. ولذلك قال معاذ ولن تروا من الامراء الا غلظة ولن تروا امرا يهولكم ويشتد عليكم الا حقره بعد ما هو اشد وهذا يحمل العاقل على الرضا بما قسم الله سبحانه وتعالى وان يخلص نفسه من سطوته طلب حظها من الدنيا وليطلب حظه من الاخرة فان العاقل هو من يطلب النفيس الباقي ويبيع الرخيصة الفاني ولا ارخص ولا افنى من الدنيا ولا ابقى ولا اغلى من الاخرة. ولما ادرك السلف رحمهم الله تعالى هذا شمروا عن ايديهم في طاعة الله سبحانه وتعالى واجتهدوا فيها لانهم يعلمون ان الدنيا الى زوال وانهم منها الى ارتحال وامتثلوا قول علي الذي علقه البخاري في كتاب الرقاق ووصله ابو نعيم الاصبهاني في الحلية بسند صحيح قال يا ايها الناس ان الدنيا ولت مدبرة وان الاخرة جاءت مقبلة وان لكل منهما بنون فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا. ومن رأى حال السلف ادمن مطالعة احوالهم هان عليه هذا الامر. ولاجل ذلك ذكر جماعة من اهل المعرفة والايمان كابي الفرج ابن الجوزي وابي عبدالله ابن القيم ان من الاسباب التي تحصل بها رق القلب وتهون بها هذه الدنيا ادمان مطالعة احوال السلف رحمهم الله تعالى وقراءة قصصهم واخبارهم فينبغي ان يكون لطالب العلم حظ من قراءة سير اولئك وان يكثر من ذلك وفيهم عظماء كما ذكر ابو الفرج ابن الجوزي افردهم بالتصنيف لما في اخبارهم واحوالهم يزيد الايمان ويرسخ الايقان منهم الحسن البصري واحمد بن حنبل وسعيد بن المسيب بعد اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فان المرء اذا رأى احوالهم وما هم عليه من الكمالات هانت عليه في هذه الدنيا وحرص على التشبه بهم. ومن طالع من بعدهم من اهل الايمان والعمل قوي قلبه على ذلك كمن يقرأ سيرة عبد الغني المقدسي الحافظ وقد افردها الضياء في جزئين ونقل كثيرا من كلامه الذهبي رحمه الله تعالى في سير اعلام النبلاء. ومما يؤسف له ان كثيرا من طلبة العلم ينظر الى مثل هذه المآخذ الايمانية بعين لا يأبه بها فيرى ان القراءة في كتب الرقاق والسير والحكايات والاخبار انما هي حظ الدهماء او الجهال او عموم الناس او المنسوبين الى طريقة ظلال وهذا من جهله بحقيقة الديانة فان الفقه في الدين اصله كما ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتاب المقاصد شامل هذا وغيره ومن اعظم ما ينبغي ان يصون الانسان نفسه فيه حال قلبه ونفسه واذا اهمل ذلك تقلبت عليه اخطر ما يكون التقلب اذا اشتغل الانسان بسبب يقربه الى الله فكان سببا في تبعيده الى الله. كمن يعمل الصالحات بها فان عمله للصحيحات على وجه المراءة ال به الى تبعيده عن ربه عز وجل. ومثل ذلك طالب العلم الذي يشتغل بتحصيل العلم لكنه يقف مع صورته. ولا يكون العلم حاملا له على التقرب الى الله سبحانه وتعالى وهذا حال اكثر الناس كما قال ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر رأيت اكثر الناس واقفين مع سورة العلم لا حقيقته. فهم الواعظ كثرة الناس الى اخر ما ذكر. وله ايضا فصل في صيد خاطئ يقول فيه تأملت العلم والميل اليه والتشاغل به فاذا هو يقوي القلب قوة تميل به الى نوع قساوة فاخبر رحمه الله تعالى ان العلم ربما يورث طالبه قساوة اذا وقف مع صورته ولم يكن ذلك العلم حاملا له على العمل. ثم قال بعد ذلك ففهمت والحالة هذه انه لابد من تديع النفس بانواع المرققات في تلديعا لا يفرجها عن كمال التشاغل بالعلم. انتهى كلامه فينبغي ان يشتغل طالب العلم بترقيق نفسه بالقراءة في كتب بالرقاب وزيارة الصالحين وعيادة المرظى وزيارة القبور فان هذه المرققات تلين قسوة قلبه التي تعتريه بسبب وقوف اكثر الناس مع صورة العلم. وهذا حال الناس من قبل ومن بعد في علم فهم لا يرون من العلم الا مسائله. واما حقائقه واثره في النفوس فهذا قليل حتى الا الحال الى الناس الى ان يقرأ الانسان في كتب العقائد فيظنها تخاطب عقله ولا تخاطب وجدانه فيمر على عذاب القبر ويحفظ فيه خلاف المعتزلة ونسبة انكار عذاب القبر الى بعض فرقهم لا الى جميعهم وغير ذلك من المسائل لكن لا يثمر ذلك في قلبه شهود هذا الامر العظيم. فتكون دراسته لهذه العلوم على وجه يقسي قلبه ولا يلينه. ولو ان الانسان كانت له بصيرة لرأى ان كل علم الي او اصلي يرشده الى الله سبحانه وتعالى. فان العلم ميراث النبوة ونور العلم هو الهادي الى الصراط المستقيم وكل قبس من الاقباس المنصوبة على ذلك الطريق هي هادية الى مزيد من النور. ولو ان الناس تعاطوا بهذه الطريق لاثمر ذلك في قلوبهم الخير الكثير سواء كان العلم الذي يتناوله الانسان ويتعاطاه علما او اصليا او علما اليا. ومن صرف القلوب عما ينفعها زهد كثير من طلبة العلم كما سلف في هذا الامر وعدم قيامهم به ولا رفع الرأس اليه. وقد كان يقرأ في حلق العلم في ما في البلاد النجدية مثلا كتاب الزهد للامام احمد. وكان عامة الاشياخ الكبار لا يقطعون قراءته. فانهم اذ انتهوا منه مرة اخرى في حلقة الدرس وهكذا. واما طلبة العلم اليوم فانهم يرون ان كتاب الزهد فيه كثير من الاسرائيليات والاحاديث حديث الضعاف والحكايات المنكرة فلا يشتغل به ولا يضيع الوقت في مثله. والحقيقة ان الضياع فيما قال هذه التي انتحلوها واخذوها من رؤوسهم ولم يأخذوها من العلماء فزهدوا في مثل هذه الاشياء. والمقصود من هذه الاماعة ان يكون لك يا طالب العلم حظ من هذه المعاني التي ترشدك وتهديك. وانك اذا خلوت منها فانك على بطل شديد فان القرآن يهدي ناسا يقودهم الى الجنة فيكون لهم اماما. ويأخذ به ناس فيزخ في اقفيتهم الى نار جهنم. ومن شاهد احوال الناس عرف ذلك. فينبغي ان يحذر طالب العلم ان لا يكون حظه من العلم اسمه ورسمه. بل يكون حظه من العلم حقيقته الايمانية. وهدايته الربانية التي تجعله يأنس بالله عز وجل ويتلذذ بمناجاته ويرى ان حبس نفسه في حلق التعليم قربة يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى فتزيده ايمانا. وليس المراد من جلوسه في حلق التعليم ان يحصل هذه المعلومات فيتقدم بها في منصب دنيوي او شهادة او رياسة او جاه او يجدي بها وقتا او يجامل بها صاحبا او يرضي بها شيخا او صديقا وانما بها انه منتصب فيها متقرب الى الله سبحانه وتعالى نسأل الله عز وجل ان يرزقنا البصيرة في دينه نعم. وانشد علي ابن ابي طالب عليه السلام في معنى هذا الحديث عجبا للزمان في حالتيه ولامن دفعت منه اليه. رب يوم بكيت منه فلما قصرت في غيره بكيت عليه. وانشد ايضا بعض اهل في معناه اذا ما الدهر اورث انتقاصا حنوت له اما صلى انتكاسا وقلت له نعمنا فيك حينا هذا الفعل منك لنا قصاصا فطورا شاكرا ما كان منه وطورا صابرا ارجو الخلاص مع اربعة من العباد فقال بعض لبعض ليقل كل واحد منكم في زمنه شيئا فانشأ الاول يقول ان دام ذا الدهر لم يحزن على احد ممن يموت ولم يفرح بمولود. وانشأ الثاني يقول هذا الزمان الذي كنا نحذره هذا زمان الذي كنا نحذره في قول كعب وفي قول ابن مسعود وانشأ الثالث يقول اعمى اصم من الازمان ملتبس وفيه للنفس تصويب بتصعيد. وانشأ الرابع يقول فاطلب لنفسك منجاة ومد قال لا بد منه ولو في قعر ملحود. وقال بعض الحكماء الزمان لا عيب له ولا ذم لان الله تعالى يصرف اقداره فيه وانشد نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا وقد نهج الزمان بغير جرم ولو نطق الزمان به هجانا. ديانتنا التخادع والتراءي. فنحن له نخادع من يرى وانشدا ايضا ارى حللا تصان على رجال واعراضا تذل فلا تصان. يقولون الزمان به فساد وهم فسادوا وما فسد الزمان. باب ما يجب عند ظهور الفتن من طلب السلامة ونزول الوطن قال اخبرنا ابو محمد الحسن ابن محمد الخلال الحافظ رحمه الله قال اخبرنا عمر بن احمد بن شاي قال حدثنا عبد الله ابن محمد البغوي وقال حدثنا محمد ابن عبد الملك ابن ابي الشوارب قال حدثنا عبدالواحد ابن ابن زياد قال حدثنا عاصم عن ابي كبشة قال سمعت ابا موسى الاشعري رضي الله عنه يقول على المنبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بين ايديكم فتن كقطاع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي. قالوا فما تأمرنا؟ قال كونوا احلاس بيوتكم الحديث اسناده لا بأس به وهو حديث حسن. وفيه الارشاد الى الفتن التي تكون فيما من عمر هذه الامة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه ان بين ايديكم اي فيما تستقبلون فتنا كقطع الليل المظلم والمقصود بجعلها قطعا انه كلما خرج من قطعة من هذه الفتن دخل في فتنة اخرى وعظيم اثر هذه الفتن على النفوس ان تصير الرجل يصبح مؤمنا ثم يمسي كافرا ويمسي مؤمن ويصبح كافرا مما يدل على ظلمتها وشدة اثرها على القلوب. ثم اخبر عن حال الناس فيها من جهة الخيرية فقال القاعد فيها خير من القائم. والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فالناس فيها على طرائق قددا وشرهم السعاة فيها الداعون اليها والواجب على الانسان في مثل هذه الحال الاخذ بما امر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما قالوا له فما تأمرنا؟ قال كونوا احلاس بيوتكم. والحرص هو البسط التي تلقى في البيوت. فكما ان هذه الوسط تختص بالبيوت فلا تخرجوا منها فينبغي ان يجعل الانسان نفسه حرس بيته لا يخرج منه لان ترشحه للفتنة يجعله يصاب من رشاشها. وربما تنجس بذلك الرشاد فجره الى اعظم منه. ولاجل كف النفوس عن التسارع الى الفتن. عظم امر الاقبال على الله سبحانه وتعالى فيها. كما في حديث معقل ابن يسار في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العبادة في الهرج كهجرة الي اي العبادة حال الفتنة بمنزلة الهجرة الى النبي صلى الله عليه وسلم. وانما سيرت العبادة بهذه المنزلة وعظم اجرها لان الناس مطبوعون حال الفتن على الترشح اليها والتسارع فيها وطلب الاطلاع على اخبارها واحوالها وربما غبرهم ذلك فيها فعظم امر ليكون ذلك حاملا للنفس على الاقبال على التعبد لله سبحانه وتعالى. واعتبر هذا في حال الخلق فيما يمر من الفتن فترى ان اكثر الخلق متعلقين بالخلق وقل منهم من يتعلق بالخالق. فاكثر الناس عندما تحدث الفتن تراهم يسوغون لانفسهم مشاهدة القنوات الفاجرة باسم الاطلاع على الاخبار يضيعون وقتا طويلا في متابعة الاذاعات باسم الاطلاع على الاخبار. وكل هذا شغل بالمخلوق وانصراف عن الاقبال الخالق فالمقبل على العبادة في زمن الفتنة عظم امره لان اكثر الناس منصرفين عن الله عز وجل. ومن قواعد تعظيم العبادة ان العبادة المفعولة في حال الغفلة تعظم. ومن ذلك ما في صحيح البخاري من حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من تعار من الليل قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله والله اكبر فان استغفر غفر له وان قام فصلى ركعتين قبل منه. وانما عظم هذا لان النوم وقت غفلة. وكثير من الناس يتعارى من ان يستيقظوا وينتبهوا في اثنائه ثم يقلب جانبيه ويرجع الى نومه ولا يذكر الله سبحانه وتعالى لان هذا وقت غفلة فلما كان وقت غفلة عظم الاجر فيه ومثل هذا حال الفتنة فان حال الفتنة حال غفلة عن الله سبحانه وتعالى ويعلم بهذا ان من اعظم السلاح الذي يتخذه المرء عند ورود الفتن ان كون حلس بيته وان يقبل على الله سبحانه وتعالى وان يشتغل بما ينفعه. سواء كانت تلك الفتن مما يتعلق بامر الدين او مما يتعلق بامر الدنيا. فان الفتنة كالغبار الذي يكتسح الخلق فلا يميز الانسان فيه شيئا حتى اذا انجلى ذلك الغبار عرف الحال كما قال الشاعر ستعلم اذا انجلى الغبار افرس ام حمار ولا يحصل التمييز الا لمن رسخ علمه واتسع كما قال الاوزاعي ان الفتنة اذا قبلت علمها العالم وخفيت على الجاهل فاذا ادبرت استوى الناس فيها. ولكن قد يكون المرء قد تلطخ بشيء من اثارها واحوالها فلا ينفعه حينئذ معرفته لها. واما العالم فانه يتبين ذلك تبينا راسخا فيعلم ما يدين الله سبحانه وتعالى به ويعرف ما يتكلم به ويعرف ما يسكت عنه طلبا من سخط الرحمن لا طلبا للنجاة من سوط السلطان. فان رقبان الله سبحانه وتعالى ومخافته اعظم من ملاحظة حال السلاطين والملوك واكثر الاغبار من المشتغلين بالعلم من المتسرعة يظنون ان الامساك عن كلامي في حال الفتن انما يحمل عليه مطالعة المتكلم المنصوب للفتوى بامر السلطان وهذا من الجهل بالله بامره والا فمن عرف شدة الفتنة عرف ان الفتن تذر الحليم حيرانا فمقتضى تلك الفتنة ان يمسك عنها الانسان ويعرف ما يقول وما يسكت عنه. ومن صحب العلماء الكبار من علماء هذه ورأى احوالهم في ابان مرور تلك الفتن رأى الفرق بين الراسخ والزائغ فان الراسخ له من الكمال والزائغ تجده مضطرب النفس متبلبل الحال. اعني من المتشرعة وهذا اشبه بما كان يذكره ابن القيم الله تعالى في منزلة السكينة من مدارج السالكين انه كان اذا اظلمت الفتن واشتدت الاحوال جئنا الى ابي العباس ابن تيمية فما ان نجلس في مجلسه ويقرأ علينا ايات السكينة حتى يذهب عنا ما نجد لان قوة الايمان والوثوق بالله سبحانه وتعالى وكمال الاقبال عليه يدفع هذه الفتن ويعرف الانسان بحقائقها ومآلها ودعواتها وكم من انسان رفع بصره في فتنة يظن انها تؤول الى خير ثم تؤول بشر عظيم كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في اعلام الموقعين كل خارج خرج في الاسلام ابتغاء تغيير منكر كان ما انتجه من المنكر اعظم من المنكر الذي سعى في دفعه وما من احد من القراء دخل في فتنة لابن الاشعث الا ندم عليها وعرف وخيم اثرها وسوء واطرد هذا الامر في كل فتنة تقوم فينبغي ان يعلم الانسان ان ضرر الفتن على القلوب اعظم من ضررها على الاحوال الظاهرة فلا تخافن في حال فتنة ان يفوتك حظك من الدنيا ولكن خف حال الفتنة ان يفوتك حظك من الدين وقد مرت بهذه البلاد فتن اتسع بعض الناس في الكلام فيها ووقع فيما لا ينبغي فصار مآل بعض منهم بعد ذلك ما قرب من الانحلال من الديانة. لان توسعهم في القول جرهم الى الوقوع في العلماء والتعدي عليهم ولحوم العلماء مسمومة كما قال ابن عساكر في مقدمة كتابه المعروف في الذب عن ابي الحسن العسكري قال لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك استار منتقصيهم معلومة ومن اعمل لسانه فيهم بالتلب امات الله قبل موته بموت القلب. فينبغي ان يحذر الانسان من هذا المآل. فان شواهده في حال الناس اليوم كثيرة وكم من انسان كان يشار اليه بالديانة فيما مضى في تلك الفتن ثم صار قوم منهم خلوا من الديانة وبعضهم ربما قرب من الوقوع في الضلال والردة نسأل الله العافية. نعم قال اخبرنا ابو القاسم عبدالملك بن محمد بن بشران الواعظ الزائد قال اخبرنا ابو بكر محمد بن حسين الاجري قال حدثنا احمد ابن تحيا الحلواني قال حدثنا سعيد بن سليمان عن إبراهيم بن سعد عن ابيه عن ابي سلمة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي. والماشي فيها خير من الساعي. من يستشرف لها تستشرف له ومن وجد منها ملجأ النوم عاذا فليعذ به. واسناد هذا الحديث الصحيح وهو في الصحيحين وقوله صلى الله عليه وسلم فيه من يستشرف لها تستشرف له شاهد صدق لما سلف ان من تطلع الى الفتنة اجترته اليها واللائق بالانسان ان يطلب وما يلجأ فيه ويعود به ليتوقع من شر الفتن. نعم. قال حدثنا محمد بن احمد بن رزقويه قال اسماعيل ابن محمد الصفار قال حدثنا احمد ابن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن ابن طاووس عن ابيق قال لما وقعت فتنة عثمان رضي الله عنه قال رجل من العرب لاهله اني قد جننت فقيدوني فقيدوه فلما ما زالت الفتنة قال لهم حلوا قيدي. الحمد لله الذي عافاني من الجنون وعافاني من فتنة عثمان ان قال اخبرنا ابو بكر محمد بن عمر البزاز قال اخبرنا ابو عبد الله الاروي قال اخبرنا ابو اسحاق قال حدثنا ابو عبد لا يستمر قندي. قال سمعت يحيى ابن معاذ الرازي يقول الهي يدعوك بلسان نعمك فاجبني بلسان كرمك الهي اذا شهد لي الايمان بتوحيدك ونطق لساني بتحميدك ودلني القرآن على فواضل جودك ويشفع لي محمد خير بيدك فكيف لا لا يبتهج رجائي بحسن موعودك. وكان يحيا كثيرا يطلب الخلوة والتفرد من الناس دخل علي اخوه ذات يوم فقال له اخي كم تترك من الناس ان كنت من الناس فلابد من الناس قال فنظر اليه يحيى ثم قال ان كنت من الناس فلابد من الله ثم ان شاء يحيى يقول دعوا دعوا بالله دعوا بالله تعذالي. ذكرنا قاعدة قلنا كل مصدر على هذا البناء فهو الكعبة. على زناتي. تفعال للتكرار وتعدال الا الا تلقاء وتبيان اتفاقا وتذكار على خلاف فيها وذكرت كلمات اضعف من ذلك. فالاصل في هذا البناء على المصدر ان يكون بالفتح على زينة افعال دعوا بالله. نعم. فما ان تفهموا حالي دعوني واخرجوا عني رجال القيل والقال. فيا شوقي الى شخص الى الرحمن ميالي. وفي سر من الاسرار حطاط قول يحيى رحمه الله ان كنت من الناس فلا بد من الله يعني ان الانسان مفتقر الى ربه سبحانه وتعالى ولا غنى له عنه ففي نفسه ضرورة لا تسد الا بالاقبال على الله. كما قال الله عز وجل يا ايها الناس انتم الفقراء الله والله هو الغني الحميد. ويشبه هذا المعنى قول ابن عون ذكر الله دواء وذكر الناس داء فالمرء المقبل على ذكر الله عز وجل يداوي بذلك فساد قلبه. والمقبل على ذكر الناس يفسد بذلك قلبه. نعم. وانشد ابراهيم بن عبدالملك من حمد الناس ولم يبلغهم ثم بلاهم اما من يحمد وصار بالوحدة مستأنسا يوحشه الاقرب ولا بعد. وانشد الحسين بن عبدالرحمن طب عن الامة نفسا بالوحدة انسا ما رأينا احدا ما رأينا احدا يسوى. نعم. يسوى على الخبرة فلسا وانشد ابو بكر بن مسلم توحش من الاخوان لا تبغى مؤنسا ولا تتخذ خلا ولا تبغي صاحبا وكن سامريا الفعل من نسل ادم وكن اوحاديا ما حييت مجانبا. فقد فسد الاخوان والحب والهوى فلست ترى الا وكاذبا فوالله لولا ان يقال مدهده وتنكر احوالي لقد صرت راهبا. ما معنى قوله وكن سامريا تاني يشير الى السامري الذي من بني اسرائيل الذي عوقب بنفرته من الناس وهربه منهم والا يقول لا مساس لما صب الله عز وجل عليه العذاب فهو يشير الى ان يكون حاله كحال السامر من مباعدة الناس وعدم مخالطتهم نعم باب الاشتغال بما يغني وترك الخوف وترك الخوض فيما لا يعنيه. اخبرنا ابو علي الحسن ابن شهاب ابن حسن قال حدثنا ابو عبد الله عبيد الله ابن محمد ابن حمدان ابن بطة قال حدثنا ابو علي اسحاق ابن ابراهيم الحلواني قال حدثنا ابو يوسف ويعقوب ابن يوسف ابن دينار البغدادي قال حدثنا يزيد ابن عبد ربه قال حدثنا بقية ابن الوليد عن الاوزاعي عن الزهري عن ابي سلمة بن عبدالرحمن عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام وتركه ما لا يعنيه. هذا الحديث حديث ضعيف. روي من وجوه لا تثبت ولا يحصل باجتماعها قوة له. وقد ضعفه كبار الحفاظ كاحمد وابي داوود وغيرهما وقالوا لا يصح الا مرسلا عن علي ابن الحسين رحمه الله تعالى وسبق ان ذكرنا لكم ان معناه ثابت في الشريعة وان اصول ما لا يعني ترجع الى اربعة اشياء اولها المحرمات وثانيها المكروهات. وثالثها المشتبهات في حق من لا يتبينها ورابعها فضول المباحات. فكل فرد يرجع الى احد هذه الاصول الاربعة هو مما لا يعني وينبغي ان يتركه الانسان نعم واخبرنا ابو علي قال اخبرنا ابو عبد الله قال حدثنا اسماعيل ابن عباس الوراق قال حدثنا احمد بن ملائم قال حدثنا سعد بن عبد الحميد. قال حدثنا عصام بن طليق عن سعيد عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر الناس ذنوبا اكثرهم كلاما فيما لا يعنيه واسناده ضعيف قال اخبرنا ابو القاسم عبدالعزيز بن محمد بن جعفر العطار قال اخبرنا ابن الصواف قال حدثنا عبد الله ابن احمد ابن قال حدثني ابي قال حدثنا حسين بن محمد قال حدثنا مسعودي وعن عون ان امرأة قالت قد اوجبت قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عملت كبيرة فوريت في المنام فقيل لها يا فلانة انت القائلة كذا وكذا وانت تنطق فيما لا يعنيك وتمنعين ما لا يضرك. واسناد هذا الحديث ضعيف. وما ذهب اليه ناشر الكتاب من جعله مما لا بأس به يمكن ان يكون لو لم يكن بهذا المتن فان مثل هذا المتن لا يحتمل هذا الاسناد ففيه تعرض لجناب امرأة معدودة في اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. لانها اخبرت عن نفسها بانها لقد اوجبت وقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عملت كبيرة ومعنى قد اوجبت اي قد استحقت الجنة ترجو الله سبحانه وتعالى ذلك. ثم رؤيت على خلاف هذا فمثل هذا المتن لا يقبل بمثل هذا نعم. قال اخبرنا ابو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان. قال اخبرنا ابو عم عثمان ابن عثمان بن احمد السماك قال حدثنا علي ابن ابراهيم ابو الحسن الواسطي قال حدثنا حجاج بن نصير قال قال عيسى ابن مريم عليه السلام ختم الملك الخير في ثلاث في المنطق والصمت والنظر فما كان من منطق في غير ذكر فهو لغو. وما كان من صمت في غير تفكر فهو وما كان من منظر في غير عبرة فهو له. اخبرنا ابو الفتح هلال ابن محمد ابن جعفر الحفار قال اخبرنا عمر بن احمد قال حدثنا الله قال حدثنا زكريا قال حدثنا الاصمعي قال حدثنا سفيان ابن عيينة قال قال زيد بن علي لابنه يا بني اطلب ايعنيك بترك ما لا يعنيك فان في ترك ما لا يعنيك دركا لما يعنيك. واعلم انك تقدم على ما قدمت ولست تق واعلم انك تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما اخرت فاثر ما تلقاه غدا على على ما لا تراه ابدا وفي معناه اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى ان يكون موتك بغتة. كم صحيح رأيت من غير سقم ذهب نفسه الصحيحة فلتة لمن هداني بذلك. يا خالد. للبخاري رحمه الله تعالى قال ابن حجر وقد اتفق وقوع ذلك له لانه مات رضي الله عنه فلتة من غير سابق سقم. نعم انشد اخر اعمل وانت من الدنيا على حذر واعلم بانك بعد الموت مبعوث. واعلم بانك ما قدمت من عمل يحصى عليك وما جمعت موروث وانشد اخر. اعمل لان لا تسقم. فعمرك اليوم مغنم. فجد به قال فجد به لا لاهي وسيد لا يطعم. وان رأيت فتورا فقله لاله وجد به لاله لا يقع فجد به لاله وسيد لا يطعم ايش رايكم بالضبط هذا يطعم ولا لا يطعم لا يطعم قلنا هذي هذي القراءة الراجحة من اربعة وجوه مبنى ومعنى فالافضل وصف الله بذلك فجد به لاله وسيد لا يطعم نعم. فجد به لاله وسيد لا يطعم. وان رأيت فتورا فقل له فستنعم بقرب رب جليل ومن خدم ومن ومن خدم فسيختم واعلم يقينا بفهم فانت عندي من لم يقدم في عالم فسوف يوما يندم. اخبرنا ينبغي ان تكونوا ومن خدم فسيخدم. لان لا ينكسر ساكنة يعني اكمل. ومن خدم فسيخدم واعلم يقينا بفهم فانت عندي مقدم. من لم يقدم في فسوف يوما يندم. اخبرنا ابو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق قال حدثنا محمد ابن عمر ابن بهته. قال حدثنا عبدالله بن الهيثم قال حدثنا سليمان ابن الربيع قال قال اعرابي طلبت الراحة لنفسي فلما ارى شيئا اروح لها من ترك ما الا يعنيها؟ وكان الحسن يقول من علامة اعراض الله عن عبده ان يجعل شغله فيما لا يعنيه. وقال غيره وهلاك الناس في خصلتين فضول مال وفضول مقال. وقال شبيط ابن عجلان ان الله تعالى الدنيا بالوحشة ليكون انس المطيعين به. اخر الرسالة والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد واله وهذا اخر التقرير على هذه الرسالة والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه