السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد فهذا هو الدرس السابع والعشرون من برنامج الدرس الواحد الثامن وكتاب ومختصر في معاملة الظالم السارق للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى. وقبل الشروع في اقرائه لابد من في مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف. وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة القدوة عبدالرحمن بن احمد بن رجب السلمي الدمشقي ثم البغدادي. يكنى بابي الفرج. ويعرف وابن رجب المقصد الثاني تاريخ مولده ولد صبيحة الخامس عشر من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين وسبعمائة. المقصد الثاني تاريخ وفاته آآ توفي رحمه الله في شهر رجب سنة خمس وتسعين وسبعمئة وله من العمر تسع وخمسون سنة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه عنوان هذه الرسالة اللطيفة مختصة في معاملة الظالم السارق. فهو الاسم المثبت في النسخة الخطية. ومضمن يدل عليه المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذا الكتاب طرف من احكام معاملة الظالم السارق. المقصد الثالث توضيح منهجه. مع قلة وريقات في الكتاب الا انه مصطبغ بمنهج ابي الهوى ابن رجب في الاستدلال بالاحاديث النبوية والاثار السلفية. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد قال المصنف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم وبعد فهذا مختصر في ما يروى عن عن اهل المعرفة والحقائق في معاملة الظالم السارق قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن سب والدعاء عليه خرج ابو داوود من حديث عائشة انها سرقت ملحفة لها فجعلت تدعو على من سرقها جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها لا تسبخي عنه. قال ابو داوود لا تسبخي يعني لا تخففي الامام احمد من وجه اخر عن عائشة قالت سرقت لحفتي فدعوت الله على صاحبها. فقال النبي صلى الله عليه لا تسبخي عليه دعيه بذنبه. والمراد ان من ذهب له مال بسرقة ونحوها. فان ذهابه من جملة مصائب الدنيوية والمصائب كلها كفارة للذنوب. والصبر عليها يحصل للصابر الاجر الجزيل. وفي حصول اجري له على مجرد المصيبة خلاف مشهور بين العلماء. فاذا كانت المصيبة من فعل ادمي ظالم كالسارق والغاصب ونحوهما فان المظلوم يستحق ان يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم فان لم يكن له حسنات طرحت من سيئاته المظلوم عليه قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبخي عنه فسره ابو داوود السجستاني بقوله لا عنه اي لا تخففي عنه من سيئاته. فانك اذا دعوت عليه انتصفت من حقك الذي اعتدى عليك فيه فخفف عنه بسبب ذلك. ويدل على هذا قوله في الرواية الاخرى اعيه بذنبه اي دعيه متلطخا بذنبه دون تخفيف عنه. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى والمراد ان من ذهب له مال بسرقة ونحوها فان ذهابه من جملة المصائب الدنيوية والمصائب كلها كفارة للذنوب والصبر عليها يحصل للصابر اي بسببه الاجر الجزيل اصيبت بذهاب المال بسرقة او نهبة او اختلاس او غير ذلك هي احدى المصائب الدنيوية ومن المتقرر في الشرع ان المصائب كفارات للذنوب. واذا صبر العبد على المصيبة اجر عليها واختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في حصول الاجر للعبد بمجرد المصيبة. هل يحصل له بمجردها ام لا بد من انطواء قلبه على الاحتساب فيها؟ كامرئ سرق له مال او مات له ولد او غير ذلك هل يحصل له بالمصيبة الجمع بين شيئين هما تكفير الذنوب وحصول الاجر بمجرد وقوع مصيبة ام ان المصيبة مكفرة؟ والاجر عليها يحتاج الى احتساب فلا يكون مثابا من اهل المصائب الا من احتسب الاجر والثواب على الله سبحانه وتعالى. والامر فيها كما قال المصنف خلاف مشهور بين العلماء والاشبه والله اعلم ان المصيبة مكفرة للذنب مؤذنة بالاجر واليه ما لا الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري. لكن من استحضر الاحتساب اجل واعلى في اجره وثوابه ممن لم يستحضر الاحتساب. فمن بلي بمصيبة حصل له التكفير والاجر عليها فان كان محتسبا عظم اجره منها. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى ان المصيبة التي تجدي من هذا الجنس من افعال الادميين من سرقة او غصب او نهبة او اختلاس ان المظلوم يستحق بها ان يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم فان لم يكن له حسنات طرحت من سيئات المظلوم عليه كما ثبت ذلك في الصحيح. نعم. فان دعا المظلوم على ظالمه في الدنيا فقد استوفى منه بدعائه بعض حقه اخف وزر الظالم بذلك فلهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ان تصبر فلا تدعو عليه فان ذلك يخفف عنه الترمذي من حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من دعا على من ظلمه فقد انتصر. وروى ليث وعن طلحة ان رجلا لطم رجلا فقال اللهم ان كان ظلمني فاكفنيه فقال له مسروق قد استوفيت. وقال مجاهد لا تسبن احدا فان ذلك يخفف عنه ولكن احب لله بقلبك وابغض لله بقلبك. وقال سالم بن ابي الجعد الدعاء قصاص وشكى رجل الى عمر ابن عبد العزيز رجلا ظلمه وجعل يقع فيه فقال له عمر انك ان تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من ان تلقاه وقد استقضيتها. وقال ايضا بلغني ان الرجل ليظلم بمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم حتى يستوفي حقه ويكون للظالم الفضل عليه. قال بعض السلف لولا ان الناس يدعون على ملوكهم لعجوا قيل لملوكهم العقاب ومعنى هذا يشير الى ان دعاء الناس عليهم استيفاء منهم بحقوق من الظالم او لبعضها فبذلك فيدفع عنهم العقوبة. روي عن الامام احمد قال ليس بصابر من دعا على من ظلمه. وفي مسند الامام احمد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عليها لله عز وجل الا عز الله بها نصره ويشهد له ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زاد الله عبدا بعفو الا عزا فان دعا على من ظلمه بالعدل جاز وكان مستوفيا لبعض حقه منه وان اعتدى عليه في دعائه لم يجوز وروي عن ابن عباس في قوله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. قال لا يحب الله ان يدعو احد على احد الا ان يكون مظلوما فانه قد رخص له ان يدعو على من ظلمه وذلك قوله تعالى الا من ظلم ومن صبر فهو خير. وقال الحسن قد ارخص له ان يدعو على من ظلمه وذلك قوله تعالى الا من ظلم ومن صبر فهو خير. وقال الحسن قد ارخص له ان يدعو على من ظلمه. من غير ان يعتدي عليه. وروي عنه قال لا تدعو عليه ولكن قل اللهم اعني عليه واستخرج حقي منه. لما قرر المصنف رحمه الله تعالى ان من بلي ببلية سرقة سارق واشباهها فقد صار له حق يطالب به هذا السارق. فان دعا عليه كان ذلك تخفيفا عنه ذكر رحمه الله الاحاديث والاثار في ذلك. فاورد من الاحاديث مرفوعة حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من دعا على من ظلمه فقد انتصر. وفي اسناده ضعف وهو مشعر في معناه بان الداعية المظلوم يستوفي من حقه بدعائه ودليل الاستيفاء قوله صلى الله عليه وسلم فقد انتصر والاكمل في حق العبد اعراضه عن الاستيفاء حفظا للاعظم من الاجر واذا اغضى العبد عن المظلمة وتغافل عنها كان اجره اعظم واعظم كما في حديث ابي هريرة الذي رواه احمد بسند قوي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عليها اي يتجاهلها يصرف نفسه عن متابعتها والتلوم من التحزن عليها فيغضي عليها لله عز وجل الا اعز الله بها نصره اي الا اظهر الله سبحانه وتعالى بذلك نصره عاجلا. وفي معناه الحديث المخرج في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زاد الله عبدا بعفو الا عزا. فمن لم يرفع رأسا الى هذه المصيبة ولا اعمل لسانه فيها بالدعاء على من ظلمه فقد حكم الله عز وجل انه يعزه وينصره ان ذلك اذا اقترن بعفوه عمن ظلمه كان سببا لعزه. ثم بين رحمه الله تعالى ان من دعا على من ظلمه بالعدل جاز دعاؤه. فالداعي المظلوم اذا دعا على ظالمه بما هو عدل فذلك جائز وهو مستوف لبعض حقه منه. اما ان اعتدى في دعائه فوق المأذون به فان ذلك لا يجوز والاصل في ذلك قول الله عز وجل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. ومعنى الاية لا يحب الله ان يدعو احد على احد الا ان يكون مظلوما. فالمظلوم اذن له بالدعاء. والدعاء الذي اذن له به هو ما لا يشتمل على متعد فان التعدي في الدعاء بجميع مآخذه وموارده منهي عنه في الشريعة كما قال الله تعالى ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. والمقصود بالمعتدين المجاوزين للمأذون به ثم ذكر رحمه الله تعالى في تصديق هذه الاحاديث ذكر اثارا عن السلف رحمهم الله تعالى نعم. ومن العارفين فمن كان يرحم ظالمه فربما دعا له سرق لبعضهم شيء فقيل له ادعو الله عليه. فقال اللهم ان كان فقيرا فاغنه وان كان غنيا فاقبل بقلبه وقال ابراهيم التيمي ان الرجل ليظلمني فارحمه. قيل له كيف ترحمه وهو يظلمك؟ قال انه ايدري لسخط من تعرض واذى رجل ايوب السختيان واصابه اذى شديدا. فلما تفارقوا قال ايوب اني لارحم انا نفارقه وخلقه معه. وقال بعضهم لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك. فانما سعى في مضرته ونفعك وقيل لبعض السلف الصالح ان فلانا يقع فيك قال لاغيظن من امره يغفر الله لي وله قيل من امره؟ قال الشيطان وقال الحجاج ابن الفرافصة بلغنا ان في بعض الكتب من استغفر لظالمه فقد هزم الشيطان. وقال الفضيل بن عياض حسناتك من عدوك اكثر منها من صديقك. ان عدوك يغتابك في دفع اليك حسناته الليل والنهار. فلا ترضى اذا بين يديك تقول اللهم اهلك لا بل ادعوا الله له. اللهم اصلح اللهم راجع فيكون الله يعطيك اجرا ما دعوت فان من قال لرجل اللهم اهلك فقد اعطى الشيطان سؤله لان الشيطان انما يدور منذ خلق الله ادم لهلاك الخلق وفي كتاب الزهد للامام احمد ان رجلا من اخوان فضيل ابن عياض من اهل خراسان قدم مكة فجلس الى الفضيل في المسجد الحرام يحدث ثم قام الخرساني يطوف فسرقت منه دنانير ستين او سبعين فخرج الخرساني يبكي قال له فضيل ما لك؟ قال سرقت الدنانير. قال عليها تبكي؟ قال لا. مثلتني واياه بين يدي الله عز وجل اشرف عقلي على ادحاظ حجته فبكيت رحمة له. وسرق لبعض المتقدمين شيء فحزن عليه. فذكر ذلك لبعض العارفين وقال له ان لم يكن حزنك على انه قد صار في هذه الامة من يعمل هذا العمل اكثر من حزنك على ذهاب مالك لم تؤدي النصيحة لله عز وجل في عباده اليه او كما قال. وخرج الامام احمد وابو داوود والنسائي وابن ماجة. من حديث ابي امية المخزومي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اوتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خالك سرقت؟ قال بلى. فاعاد عليه مرتين او ثلاثة فامر به فقطع وجي به. فقال استغفر الله اليك فقال استغفروا الله واتوب اليه. فقال اللهم تب عليه ثلاثا ولفظه لابي داوود. وفي صحيح البخاري عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اوتي برجل قد شرب فقال اضربوه فضربوه فلما انصرف قال بعض القوم اخزاك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هكذا لا تعينوا الشيطان عليه. وفي رواية له ايضا لا تكونوا عون الشيطان على اخيكم وخرجه النسائي بمعناه وزاد ولكن قولوا رحمك الله وخرجه ابو داوود. وعنده ولكن قولوا اغفر له اللهم ارحمه وخرج البخاري ايضا من حديث عمر ابن الخطاب ان رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عبدالله وكان يلقب حمارا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك منه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولده في الشراب فاوتي به يوما فامر به فجلد. فقال رجل من القوم اللهم العنه ما اكثر ما يؤتى به. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا تلعنوه فوالله ما علمت الا انه يحب الله ورسوله تم وصلى الله على سيدنا محمد لما بين المصنف فيما سلف ان المظلوم له ان يدعو دون تعد ذكر حال طائفة منكم للخلق الذين ان كان لهم مظلمة تعدى بها احد عليهم لم يدعوا عليه بل كانوا يدعون له رحمة به ومحبة لنقله من البلاء الاعظم الذي هو فيه الى منجاة فيها صلاحه. وهذا امر شديد على النفوس ولا تستطيعه الا القلوب السليمة. ثم انه شديد الغيظ للشيطان. فان الشيطان من اصيب بمصيبة على تعدي لسانه في حق ظالمه فكيف يحبس لسانه عن التعدي اولا ثم ينقلب دعاؤه عليه الى دعاء له. لكن من كمل ايمانه ورسخت قدمه في معرفة الله عز وجل ومعرفة امره لم ينظر الى ما فاته من الدنيا او اصابه من بلائها بل نظره الى ما فيه صلاح الخلق وفلاحهم واكد ما يكون ذلك اذا كان امرا متعلقا بعرض العبد فان العفو فيه والاعراض عنه اولى بكما للخلق كما لهذا الرجل من السلف الصالح ان رجلا جاءه فقال ان فلانا يقع فيك. فقال لاغظن من امره فقيل له ومن امره؟ فقال الشيطان اي ان الشيطان هو الذي جره الى الوقيعة فيه فلاغيظن الذي امره وهو الشيطان بالدعاء له. وهذا من من اكمل الاحوال ان لا يتعرض الانسان لمن تعرض له بل يعرض عنه اتكالا على الله سبحانه وتعالى وردا للامر اليه قال عبدالله بن احمد لابيه يا ابتي ان فلانا يقع فيك افلا ترد عليه؟ فقال يا بني يكفي اي يكفيني عن ان اتعرض للرد عليه. ومصداق ذلك قوله تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا وفي القراءة الثانية ان الله يدفع عن الذين امنوا فكلما كمل ايمان العبد كمل حظه من مدافعة الله عز وجل ودفاعه عنه. واذا وكل الانسان امره الى ربه سبحانه وتعالى فقد افلح وانجح وذكر رحمه الله تعالى في هذا اثارا عدة عن السلف في هذا المعنى وختم ما يصدق ذلك باحاديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث ابي امية المخزوم عند الاربعة الا وفي اسناده جهالة ثم اتبعه بحديث ابي هريرة عند البخاري في قصة الرجل الذي كان يشرب ويضرب ولما تعرض له من تعرض من القوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هكذا لا تعينوا الشيطان عليه وفي رواية للبخاري لا تكونوا عون الشيطان على اخيكم اي بما تثربون به عليه وتحقرونه فيه لاجل ما وقع فيه بسبب مقتضى الادمية من ملازمة الخطية. ورواية النسائي ولكن قولوا رحمك الله ورواية ابي داود ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه ارشاد الى الامر الاعظم وهو الدعاء له فان الدعاء على من ابتلي بهذه البلايا انفع له من الدعاء عليه. والمرء يريد تخليص الناس من هوى انفسهم وسلطان الشيطان الى امر الشرع. ومما يعين على تخليصهم الدعاء لهم. ثم ذكر حديث عمر عند البخاري في قصة عبدالله رضي الله عنه الذي كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان يشرب فاتي به يوما فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما اكثر ما يؤتى به فتعدى عليه هذا الرجل باللعن فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا تلعنوه فوالله ما علمت الا انه يحب الله ورسوله. ويستفاد من هذا ان فاعل المعصية لا يلزم ان يكون فعله محادة لله ورسوله وكراهة لامره. بل جرى ذلك منه موافقة للهوى والشهوة فاذا وقع منه ذلك موافقة للهوى والشهوة من عبقاء محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في القلب لم يكن مستحقا للعنة. ومن الناس من يظن في العصاة دوام انخلاع من محبة الله سبحانه وتعالى وانهم ما تجرأوا على هذه المعاصي الا لفراغ قلوبهم فيقول انه لم يفعل كذا الا انه لا دين له او لا ايمان له او لا خير فيه. وهذا تعد على الله سبحانه وتعالى وتأل عنه. فمن اين علمت ان قلبه قد فرغ من الايمان وانه لا دين له ولا خير فيه. فربما كان موجب وقوعه في هذا هو اتباعه لشهوة نفسه والناس في اتباع الشهوة والهوى على طرائق قددا فمنهم من يتبعها في امر ظاهر ومنهم من يتبعها في امر باطن ومنهم من يتبعها في امر خاص ومنهم من يتبعها في امر عام. فاذا اتفق ان احدا تبعها في امر عام ظاهر لم يكن ذلك دليلا على ان ذلك العاصي قد افرغ قلبه من الايمان او لا يحب الله او لا يحب رسوله صلى الله عليه وسلم ومن وعى هذا رحم العصاة وعلم ان في قلوبهم من محبة الله ورسوله والايمان به باعتبار اصل الايمان ما يوجب حرمتهم ويحفظ لهم حقهم وانه لا يجوز ان يتعدى عليهم الانسان الا بمأدون به شرعا. كاقامة الحد مثلا. اما ما ذلك فانه لا يجوز للانسان ان يتعدى عليهم. بل العاقل يعلم ان النافع لهم هو دعاء الله سبحانه وتعالى لهم بالصلاح والهداية والخروج من هذه المعاصي. ومن فطن لهذا المعنى علم ان المعصية الظاهرة لا اتوجب بكل حال ان تكون حالك اكمل من حال صاحبها. بل قد تكون له معصية ظاهرة تراها انت فيسقط من من عينك وانت لك معصية في الباطن لا يراها وانت في حال اسقط من حاله لكن الناس يقفون مع عالم الشهادة فهم اذا رأوا صور الخلق البادية في ظواهرهم من اثار المعاصي عليها رأوا ان هؤلاء في الحظيظ الادنى والمنزل الادون. وربما كانت حال هذا الناظر الحاكم بذلك اسوأ من هذا. فالمعاصي الباطنة اشد من المعاصي الظاهرة والقلب الذي يجتمع على العلو على الناس اسوأ حالا من قلب امرئ يعصي ويقر بانه ولما سئل عبد الله ابن المبارك عن التواضع قال اذا رأيت احدا من المسلمين فلا تظنن انك خير منه وصدق رحمه الله فان هذا هو التواضع المحض. فمهما رأيت احدا من المسلمين من اهل الطاعة او اهل المعصية فلا يجزين في قلبك انك خير منه. فربما كان في الصورة الظاهرة تراه على معصية ولكن في قلبه من الخوف والرجاء ومهابة الله سبحانه وتعالى ما ليس في قلبك انت. وله من الانين والزفرة والحرقة اذا خلا بنفسه على معصيته التي تسلطت النفس والشيطان عليه بها ما ليس لك انت. والذين يتألون ويفخرون باعمالهم ويسقطون الخلق من الاعين بذنوبهم ادعى للسقوط هم كما وذلك ابن القيم رحمه الله تعالى وقد تكون اعمال اولئك اليسيرة اعظم من اعمال هؤلاء المعجبين باعمالهم الفرحين بها. قال سعيد ابن جبير رحمه الله تعالى رب حسنة ادخلت صاحبها النار ورب سيئة ادخلت صاحبها الجنة. قال اهل العلم في تفسير هذا ان فاعل الحسنة عملها فلم يزل يرقبها بين عينيه يتفاخر بها اعلى خلق الله ويتألى على الله فاوجبت عقوبته وفاعل السيئة جعلها نصب فاورثته خشية وانكسارا فهو لا يزال يتحرق من فعلها ويتلوم من اتيانها ويخشى ان يأخذها الله عز وجل بجريرتها. فلما اجتمع قلبه على هذا الانكسار والخضوع غفر الله سبحانه وتعالى له قال ابن القيم رحمه الله تعالى انين التائبين. اعظم عند الله من زجر المغترين. فالمغتر الذي يعجبه عمله ويفرح به ويشيعه ويترفع على خلق الله ويرى انه عامل لله بطاعة يسقط من ديوان العبودية لله سبحانه وتعالى ويكون ارفع منه فيه رجل يئن لذنبه ويتألم من معصيته ويتقلب قلبه حرقة وغصة على مواقعته للمعصية. ومن سعة رحمة الله سبحانه وتعالى انه قبل من خلق هذه الحال كما في صحيح مسلم من حديث ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا ام تكونوا تذنبون لذهب الله بكم وجاء بخلق يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم. فالله عز وجل يحب من عباده ان يسألوه التوبة والاستغفار فهم مجبولون على الخطيئة ونفوسهم ملازمة لها باعتبار قدر الله عز وجل فاذا وقعت منهم الخطيئات وطاف عليهم طائف الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون اقلعوا ونزعوا فاحب الله سبحانه وتعالى اقلاعهم ونزعهم فقبل توبتهم ولا يكره الله سبحانه وتعالى على من عبده تكرار الرجوع اليه وانما يكره نفرته منه وبعده عنه واقامته على المعصية. فاذا اذنب العبد فتاب قبله الله. واذا رجع فاذنب ثم تاب قبله الله. ثم اذا رجع فاذنب فتاب قبله الله فلا يزال الله عز وجل يقبله مهما تزايد في ذنوبه اذا كان اوابا الى ربه عز وجل رجاعا اليه التوبة فان الله قد كتب على ابن ادم حظه من الذنب وهو يحب من عبده اذا وقع الذنب قدرا ان يبادر الى توبة المأمور بها شرعا متابعا لحال ابيه ادم عليه الصلاة والسلام فان ادم وقع الخطية وعصى ادم ربه فغوى ثم ندم ادم عليه الصلاة والسلام وزوجه وتضرع الى ربه سأله المغفرة فقال ربنا اغفر لنا فقبل الله عز وجل منه ندمه وتوبته وصيره نبيا قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى في الرسالة التدميرية من اذنب فندم اب فقد اشبه اباه يعني ادم ومن اشبه اباه فما ظلم وهذا اخر التقرير على هذه الرسالة اللطيفة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين