لقد خلقنا كان في احسن تقويم والتقويم الاحسن الذي خلق فيه كان نوعان احدهما تقويم باطنه اقرأ والاخر في باطنه لا تظهر بركته لا يؤنس الا بالرسالة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين يبلغون الخلق رسالة الله فيهدونهم الى ما فيه منفعتهم في الدارين ويكشفون عن مصالحهم الكفيلة بسعادة الاولى والاخرة ومن جملة ما تضمنته رسائل الانبياء جميعا الدعوة الى العلم فان الانسان تكتنفه ظلم متعددة اعظمها ظلمة الجهل التي خلق فيها قال الله تعالى وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا فلا سبيل الى الخروج من ظلمة الجهل الا بالعلم ولا سبيل الى الخروج من ظلمة الظلم الا بالعدل والعدل موقوف على العلم فمن لم يكن له علم لم يمكنه العدل فرجع الامر كله الى العلم قال القرافي رحمه الله تعالى في الفروق اصل كل خير العلم انتهى كلامه فما يصل الى الانسان من خير الدنيا والاخرة مرهون بمقدار ما عنده من العلم فمن ازداد حظه من العلم ازداد حظه من الخير ومن نقص حظه من العلم نقص حظه من الخير ولتجلية هذا الاصل ملئت دلائل الشرع ببيان فضل العلم وليس بعد بيان فضل التوحيد والصلاة شيء في دلائل القرآن والسنة ابين ولا اظهر من بيان فضل العلم بشدة حاجة الناس عليه شدة حاجة الناس اليه قال الامام احمد حاجة الناس الى العلم اشد من حاجتهم الى الطعام والشراب انتهى كلامه وتبين ذلك وفق ما ذكره ابو عبد الله ابن القيم في مفتاح دار السعادة ان حاجة الطعام والشراب حاجة البدن واما العلم فانه يسد حاجة النفس وانت بالنفس لا بالجسم انسان فمن اراد تكميل نفسه لا مناص له من التماس العلم ومن جوامع الاقباط المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العلم ما رواه البخاري ومسلم من حديث يونس ابن يزيد الايلي عن محمد ابن شهاب الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا تفقهه في الدين فمن علامات ارادة الله بعبده الخير ان يرزقه الفقه في الدين والفقه في الدين ادراك خطاب الشرع والعمل به فلا يوصف احد بالفقه الا بجمعه هذين الامرين واولهما العلم الذي يتضمن ادراك خطاب الشرع وثانيهما العمل به وقد نقل ابن القيم في مفتاح دار السعادة اجماع السلف ان اسم الفقيه لا يكون الا لمن جمع العلم والعمل فليس المطلوب من ادراك دلائل الشرع الاحاطة بها فحسب بل المراد الاعظم فوق ذلك ان يمتثلها العبد عملا فاذا اوعى العبد دلائل الشرع علما وعملا سمي فقيها ولا يترقى الانسان في المنازل العالية بعد النبوة بمثل العلم قال ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى ليس شيء بعد النبوة كالعلم انتهى كلامه بان حقيقة النبوة علم الهي اصطفي به بشر من البشر كنبينا صلى الله عليه وسلم ولم يترك سبيل الى تحصيل ذلك الكمال بعده الا بالعلم في حديث ابي الدرداء عند ابي داود وغيره وهو حديث حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء ورثة الانبياء ومن مأثور كلام السلف علماء هذه الامة كانبياء بني اسرائيل بان الامة الغضبية لم يكن يستقيم امرها الا ببعثة الانبياء فيها كما في حديث ابي هريرة في الصحيحين كانت الملائكة تسوس بني اسرائيل اذا قام نبي اذا مات نبي قام نبي ثم جعلت سياسة الخلق في هذه الامة بدلالتهم وهدايتهم موكولة الى العلماء لانهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم وهم لم يرثوه امساكا بعمود نسب ولا استصحابا بقطعة من حسد ولا استكثارا لجملة من المال وانما ورثوه بما حفظوه وفهموه من العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا المدرك الذي ذكرناه كفى به في تحريك النفوس شوقا ولهفا الى التماس العلم فاعظم ما شغل به الانسان في عمره من طاعة الله سبحانه وتعالى هو التماسه العلم الذي يدله ويرشده الى ربه عز وجل فان الله خلقنا لعبادته والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب عليها من العباد فهي مفتقرة الى هاد يهديها ومرشد يرشدها وتلك الهداية والارشاد موقوفة على العلم فمن اكتبس من العلم اهتدى ومن اضاع حظه من العلم ضاع حظه من الهداية وربما لم يصب نورا منها البتة فينبغي ان يعمل احدنا نفسه جهدا في ادراك العلم اخذا وجمعا تحصيلا ثم تلقينا وبثا ونشرا فانه يجمع حينئذ بين طرفي الخير في العلم وطرفه الاول الاجتهاد في تحصيله وطرفه الثاني الاجتهاد في بثه فمن جمع له هذان الطرفان فقد حاز خيرا كثيرا وارتفع في وراثة النبوة مقاما عظيما وتلك المرتبة الجليلة لا يبلغها العبد الا بالصبر فان الصبر سر الخيرات ومفتاح الكمالات ومما كثر فيه الخطاب الشرعي الامر بالصبر تنويعا وتلوينا فتارة قوطب به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وتارة اخرى خوطب به المؤمنون كافة فقال الله عز وجل فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل وقال عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون فلا سبيل الى ادراك الخير الا بالصبر واذا فتح للانسان روزنة من الصبر فقد فتح له مرتقا عظيم يبلغه الدرجات العالية وفي الصحيحين من حديث عطاء عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ومن يتصبر يصبره الله وما اعطي عبد عطاء خيرا ولا اوسع من الصبر ويتأكد هذا الصبر في زمن الملهيات والمشغلات التي تكاثرت انواعها وتعددت الوانها في هذه الحقبة الاخيرة حتى زهد جم غفير من الناس تلا بل من المتشرعة في العلوم وصاروا يلهثون وراء شراب ترعانى ما سيجدوه متفرقا بعد سنوات يسيرة يفيق احدهم من غفلته وينتبه من رقدته واذا بالسابقين قد حطوا رحالهم بالمنازل العالية وهو يتوجع على نفسه كيف ضيع وقته وجهده وانفق ما له في شيء لم يبلغ به كمالا في الدنيا وسيحصل به نقص له في الاخرة فلا شيء اعظم من اغتنام فسحة العمر وقوة النفس في تحصيل العلوم والمعين الاعظم على ذلك استصحاب الصبر ومن جميل المنقول في ذلك شعرا قول ابن فارس رحمه الله تعالى اذا كان يؤذيك حر المصير وبرد الشتاء ويمس الخريف ويلهيك حسن جمال الربيع فاخذك للعلم قل لي متى؟ او بيتا قريبا من هذا ذهب عني لكنه من عيون الاشعار المشهورة بالانباه الى ضرورة الصبر على العلم والا يغفل المرء عن مراغمة نفسه في تصبيرها ووعدها بما سيكون لها من الخير في الدنيا والاخرة واذا اردت ان تكشف مبلغ الناس في الصبر على العلم فانظر الى جمعهم عند ابتداء درس ما ثم انظر بعد باويقات يسيرة واذا بالجمع قد قل ومن اسباب تفرق الجمع عدم استصحاب الصبر في العلم فيتأكد استصحاب الصبر في العلم خاصة وفي الدين كله حتى يدرك المرء بغيته مما يريد ثم ان مما يعين العبد على ادراك محصوله ونيل مطلوبه من العلم ان يلتمس فيه الاخلاص لله سبحانه وتعالى وحقيقة الاخلاص لله تصفية القلب من ارادة غير الله فاذا اخرجت الارادات الفاسدة من القلب فلم يبق في القلب الا ارادة الله وحده كان العبد مخلصا في عمله وتتنوع وجوه الاخلاص بحسب الاعمال والاخلاص في العلم يكونوا بتشييد اربعة اصول في النفس احدها ان ينوي المتعلم رفع الجهل عن نفسه وثانيها ان ينوي رفع الجهل عن غيره وثالثها ان ينوي العمل بالعلم ورابعها ان ينوي حفظ العلم وصيانته من الضياع فاذا وعى القلب هذه الاصول الاربعة واعملها العبد في التماس العلم كان مخلصا دين والاعمال ما زينت بمثل الاخلاص وكم من عمل يسير كثرته النية وكم من عمل عظيم حقرته النية فالنية من اسباب دوام الخير وكثرته واتصاله ومن حسن نيته في العلم اتصل اخذه له ودامت رفقته معه وفتح له الله عز وجل من ابواب المعارف والعلوم ما لا يدرك مع فساد النية فالمرء محتاج بعد الصبر في العلم الى ملاحظة الاخلاص فيه وان يكرر النظر في اخلاصه مرة بعد مرة قال سفيان الثوري ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب عليه انتهى كلامه فالنية محلها القلب والقلب متقلب فبتقلب القلب تتغير نية العبد في مطلوبه الذي اراده فاذا اراد احدكم ان يلتمس العلم فليجعل بين ناظريه عروتين وثيقتين ان تمسك بهما ادتاه الى العلم الجليل وهما الصبر على تحصيل العلم والاخلاص فيه فاذا تمسك بهاتين العروتين وصارت جادة العلم بين ناظريه فلينظر الى اخذه في هذه الجادة دون غيرها فان طريق العلم لاحب بين واضح فمتى سلكه العبد بلغه مأمنه وادرك فيه بغيته ومتى اخذ العبد في الجواد يمنة او يسرة ضاع كثير من عمره وقوته فيما لا يجني فيه نفعا وطريق العلم جامع بين امرين احدهما الحفظ والفهم فمن اراد ان ينال العلم بلا حفظ او بلا فهم فلا يتعنى فان ملكة العلم قائمة على هذين الاصلين ذكره ابو العباس ابن تيمية الحفيد وهو موجود في كلام قدماء فلاسفة اليونان فمن اراد ان يأخذ في جادة العلم فليعظم في نفسه امر حفظه وفهمه وليعلم انه اذا ركن الى واحد من الامرين دون الاخر فانه لا ينال العلم كما انه اذا غلب احدهما على الاخر فان اخذه للعلم يكون ناقصا فقد ذكر الوشلي بنشر الثناء الحسن عن بعض شراح الرحبية ولم يسمه ان من اعمل قوته في الحفظ دون الفهم اضر بفهمه ومن اعمل قوته في الفهم دون الحفظ اضر بحفظه فهما قوتان في العقل ينبغي ان يمازج بينهما العبد في اخذ العلم موازنة ليدرك بغيته منه وهاتان القوتان محل اعمالهما الاصول المعتمدة التي دأب اهل العلم على اقتباس العلم منها فان العلم يرد الى موارد مبينة واصول محددة وهي المقتصرات التي وضعها اهل العلم في انواع العلوم فمن اراد ان يستشرف العلم ويرزقه فليقبل على تلك المقتصرات حفظا وفهما والى هذه الجادة ارشد محمد ابن محمد الزبيدي في قوله في الفية السند تماحوى الغاية في الف سنة كخص فخذ من كل فن احسنه لحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصح فقوله بحفظ متن جامع للراجح اشارة الى الحفظ وقوله تأخذه على مفيد ناصح اشارة الى الفهم فتعمد الى اصول الفنون من المختصرات بانواع العلوم بارشاد مرشد عارف بالطريق فتقبل عليها حفظا وفهم فاذا بقرت تلك الاصول استنباطا واسترجاء شادا بمعانيها ومقاصدها ادركت العلم في مدة يسيرة وكثير من نعاة هذا الطريق فيما سلف يذكرون ان تحصيل العلم يكون في خمس سنوات او سبع واذا ضيق الزمان بما استجد من حوادث الدهر وانواع الشغل التي اكتنفت حياة الناس فان المرء يحصل العلم في عشر سنوات او اثنتا عشرة سنة ونجد اليوم من يطلب العلم عشرا وعشرا فلا يحصل شيئا لانه لم يسلك الجادة المأمونة التي تواطأ اهل العلم عليها ومما يؤسف عليه ان ترى تزهيدا في تلك الاصول ونظرة استخفاف بها فتجد في كلام كثير من المتكلمين في صناعة العلم اليوم النظر الى ما سبق من الاصول المعتمدة من انواع التأليف في علوم الشرع وما يخدمها بانها كتب تراثية معقدة لا تربي ملكة الفهم ولا تقوي ذهن المتلقي على الادراك وهذا كلام الجاهل بها وانما يزداد الاسف على مثل هذه المقالة لا بالنظر الى قائلها فانه لا ينبغي ان تنظر الى من هلك كيف هلك وانما انظروا الى من نجا كيف نجا وانما الاسف الشديد والالم العظيم هو ان يتلقف الناشئة المحبون للعلم هذه الوصفات المنعوتة فيظنون ان ادراك العلم يكون بالخروج عن الجادة المألوفة الى جادة مستنهضة جديدة لم تطرق من قبل فما هي الا سنوات حتى تسفر الحقائق ويبينا لهم ان ما جروا وراءه صواب فينبغي ان تحرص على لزوم جادة العلم بالاقبال على المقتصرات المعتمدة حفظا وفهما ومن جملة المختصرات التي ينتفع بها المتلقي الكتاب الذي بين ايديكم وهو نور البصائر والالباب في العبادات والمعاملات والحقوق والاداب لشيخ شيوخنا عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين بعد الثلاث مئة والالف فانه متن نافع وجيز اختص بمزايا تفرد بها عن نظائره من التآليف الفقهية التي وضعها المعاصرون له فمن خصائص هذا المتن ظمه ابوابا من العلم تفتقد في ابواب الاحكام وهما البابان العظيمان اللذان جعلهما اخر كتابه وهما باب الاداب المتنوعة والحقوق فان هذين البابين من الزم العلم للعبد وجهل العبد بهما يفضي به الى تضييع ما يلزمه من شرع الله سبحانه وتعالى بالاداب والحقوق ومن جملة خصائصه احسانه ضم متفرقي الابواب بعضها الى بعض فانه ينظم ابواب كتاب من كتب الفقه في نسق واحد فاذا طالعت صنعته في كتاب الطهارة وضاهيتها بنظائره من التأليف الفقهية وجدت احسانا في جمع النظير مع النظير وضمه اليه والفقه انما يعرف بهذا قال عبد الحق السنباطي من فقهاء الشافعية الفقه الجمع والفرظ انتهى كلامه ويوجد شبيه له في كلام جماعة من متقدم الشافعية لكنه اختص بحسن صياغته لمقصودهم اذ قال الفقه الجمع والفرق اي جمع المسائل المتشابهة التي تنتظم في سلك واحد والتفريق بين المسائل المختلفة بما بان فرقه الصحيح للصوري من مدارك الاحكام والادلة الشرعية ومن خصائص هذا الكتاب ترصيعه في مواضع مختلفة منه بجمل من الادلة الشرعية والادلة الشرعية من القرآن والسنة زين للمتون الفقهية ومما بز به كتاب عمدة الفقه لابي محمد ابن قدامة نظائره من التأليف الفقهية للحنابلة انه بنى كل باب من ابوابه غالبا على دليل شرعي ويستفيد المتلقي له الجمع بين التفقه بالمسائل والتفقه بالدلائل وكان من سبق يعي هذا المدرك في الفقه فلا يخلطون بينهم واما المتأخرون فلنقص احوال الناس في العلم ضاع الفقه بين فقه الدلائل وفقه المسائل فمن الناس من يعظم بقوله وفعله فقه المسائل مقصرا في فقه الدلائل ومن الناس من يعظم بقوله وفعله فقه الدلائل مقصرا في فقه المسائل والجادة الامنة في اخذ الفقه ان تتلقاه بالموردين كليهما فتتفقه اولا بالمسائل وتتفقه ثانيا بالدلائل والمراد بالتفقه بالمسائل دراسة المتون الفقهية المنسوجة على النسق الفقهي في كتب الفقهي المعروفة مجردة في كتب الفقه المعروفة مجردة عن دلائلها والمراد بفقه الدلائل ان تدرس الادلة الشرعية استنباطا لما فيها من المسائل كايات الاحكام واحاديث الاحكام والاجماع وهذه السابلة الاخرة تأتي بعد التفقه بالمسائل فانفع ما يكون للمبتدئ ان يتفقه في المسائل بدراسة متن مختصر يطلع منه على جمل القول في وبالفقه ثم يترقى بعده الى ما فوقه ثم ما فوقه فيترشح بعد اكتمال وعيه وادراك فيه لمسائل الاحكام للنظر في التفقه بالدلائل فيعمد حينئذ الى دراسة ايات الاحكام اولا ثم احاديث الاحكام ثانيا ثم الاجماع ثالثا فاذا وعى هذا المآخذ من الادلة احتوى على فقه عظيم جامع للممازجة بين فقه الدلائل وفقه المسائل وهذا الامر يحتاج الى اجتهاد عظيم وقوة بالغة والحاح ومداومة. وهو يسير على من يسره الله عليه فان ادراك العلوم ليس بقوة الحفظ ولا بجودة الفهم ولا بكثرة الجلوس في مجالسه ولا بمعرفة شيوخه والقراءة عليه ولكن اخذ العلم هو بالصدق مع الله سبحانه وتعالى في طلبته. فمن صدق الله عز وجل والح عليه في سؤاله واستمطار الفتح منه فتح الله عز وجل له مجالك العلوم وقوى قدره ومن غفل عن هذا الاصل كان اخذه للعلم ضعيفا فمع المداومة ودوام الالحاح على الله وصدق سؤاله ودعائه وطلبه يعين الله سبحانه وتعالى العبد على العلم حتى يفتح له ابوابا مشرعة منه يهيئ له سبيل الخير في ادراكه واننا لنفقد في انفسنا دعاء الله عز وجل العلم فكم من واحد منا يجلس في درس لا يسأل الله عز وجل عند حضوره اليه ان يرزقه الله عز وجل العلم والفهم ويمضي مدة طويلة في حفظ شيء منه كالقرآن او الحديث او متونه فلا يكون من دعائه في صلاته. اللهم ارزقني حفظ القرآن او اللهم ارزقني حفظ الاربعين نووية او اللهم ارزقني حفظ سلم الوصول وكأن هذا امر لا يدعى الله سبحانه وتعالى به واذا كان اصل الخير وهو العلم يغفل الانسان عن دعاء الله به. فكيف يستمطر المرء فضل ربه عز وجل عليه في ابواب الخير كلها اذا ضيع سؤال الله عز وجل ودعاءه ان يرزقه العلم فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا واياكم علما نافعا وعملا صالحا وستكون قراءة هذا الكتاب في ايام متفرقة من السنة الغالب الاعم ان تكون فواتح الشهر الهجري وربما يقتضي المقام تقديم شيء منها حتى يكون في اخر الشهر الذي قبله كما اننا سنزيد ان شاء الله تعالى اوقاتا بحسب ما تستدعيه المصلحة كاقراء ابواب الزكاة والصيام قبل رمضان واقراء كتاب الحج قبل الحج مع الحاق اوقات اخرى نسرع فيها اخذ هذا الكتاب. لا رغبة في الاسراع في العلم وانما رغبة في اختنام فسحة العمر التي يعطاها الانسان معلما او متعلما مع امكان مراجعة ذلك بالنظر والمداومة بالفكر فيما سلف من القول للمعلم او الم تعلم على حد سواء وهذه فاتحة دروسه نسأل الله عز وجل فيها عونه ورجله وفضله وسيتلوها ان شاء الله تعالى الدرس الثاني في يوم الخميس التاسع والعشرين من هذا الشهر فيكون في اخر هذا الشهر درس اخر باذن الله عز وجل وسيكون الدرس مقسوما على احدهما بعد صلاة المغرب ويكون فيه فقه العبادات والمعاملات والاخر بعد العشاء ويكون فيه فقه الحقوق والآداب وسنجري في الشرح على نحو متوسط مبرأ من وصمة الإلغاز جمعا للفائدة انفعه وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع المسلمين قال المصنف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله واصلي واسلم على محمد وعلى اله وصحبه اما بعد فهذا كتاب مختصر في الاحكام فقهي في الاداب واضح الالفاظ والمعاني خاص في المسائل التي يحتاج اليها كل احد مقتصرا فيه على القول الصحيح منبها على مأخذ من الكتاب والسنة راجيا من الله تسهيله ونفعه وبركته ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه القطعة من كلامه احدى عشرة جملة فالجملة الاولى قوله بسم الله الرحمن الرحيم والباء بالبسملة حرف جر اصلي يراد منه الاستعانة فان اصل وضع الباء في لسان العرب للانصاف كما حققه سيبويه في كتابه واستطرد المتأخرون في توليد المعاني التي تجتنب الباء حتى بلغوها اربع اربعة عشر معنى استوفاها ابن هشام في بغل اللبيب والتحقيق ان تلك المعاني ترجع الى الانصاف ومن جملتها معنى الاستعانة فان الالتصاق حينئذ بذكر اسم الله عز وجل يراد منه الاستعانة به سبحانه وتعالى فالمبثمل الشارع في شيء اذا قال بسم الله الرحمن الرحيم فانه يعلن استعانته بالله وحده وحرف الباء الجاري هنا له متعلق يتم به يتم به معناه قال الناظم لابد للجار من تعلق بالفعل او معناه نحو مرتقي ومتعلق الجار والمجرور هنا موصوف بثلاثة اوصاف احدها كونه فعلا لاسما لان الفعل هو الاصل في الاعمال فمن اراد ان يخبر عن عمل اخبر عنه بالفعل لا بالاسم وثانيها ان يكون ذلك الفعل المخبر به مناسبا للمقام الذي يشرع فيه الفاعل فاذا كان مقاما للكتابة كان الفعل مناسبا لها اذا كان مقاما للاكل كان الفعل مناسبا له وثالثها ان يكون متأخرا لامرين احدهما قصد تعظيم الله عز وجل بالا يتقدمه بالذكر شيء والاخر ليفيد القصر فيما ذكر والمراد بالقصر تقييد الامر المطلق وهو المسمى عند الاصوليين بالحصر واليه اشار الاخضري في الجوهر المكنون في قوله تقييد امر مطلق بامر هو الذي يدعونه بالقصر فيكون تقدير المتعلق في هذه الجملة من كلام المصنف بسم الله الرحمن الرحيم اصنف ومتعلق الجار والمجرور هو قوله ايش اصنف فانه موصوف بثلاثة اوصاف اولها انه فعل فاصنف فعل من الافعال وثانيها انه مناسب للمقام وهو مقام التصنيف فلو كان آكلا عند قوله بسم الله الرحمن الرحيم كان تقدير الفعل اكل وثالثها انه متأخر للامرين الذين تقدما ذكرهما والجملة الثانية قوله الاسم الاحسن الله علم على ربنا عز وجل وهو اكثر الاسماء الحسنى دورانا بالكتاب والسنة ومعناه المعبود المألوف اي الذي يألههم القلوب محبة وتعظيما فتكون عابدة له لان حقيقة العبادة مبنية على امرين احد احدهما محبة المعبود والاخر الخضوع له والى ذلك اشرت بقولي وعبادة الرحمن غاية حبه وخضوع قاصده هما قطبان والرحمن الرحيم اثنان لله عز وجل مشتقان من رحمته عز وجل فان ربنا عز وجل رحمن رحيم فكلاهما متعلق بصفة الرحمة والفرق بينهما ان الاول وهو الرحمن اسم لله بالنظر الى تعلق صفة الرحمة به والثاني وهو الرحيم اسم لله باعتبار تعلق صفة الرحمة بالمخلوقين الذين وقعت عليهم الرحمة فلما اختلفا فلما اختلف المتعلق سمي الله سبحانه وتعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بهذين الاسمين اشار الى هذا ابو عبد الله ابن القيم في بدائع الفوائد وعقدت ذلك شعرا فقلت ورحمة لله مهما علقت بذاته فالاسم رحمن ثبت او علقت بخلقه الذي رحم فسمه الرحيم فاز من سلم نعيدها رأيتموها كلكم طيب كل واحد منكم اذا لم تكتبوها مني تكتبوها من الاخ كان يحرص على ان يقيد ما يسمعه من العلم ولا تقول انا سارجع للاشرطة كثير يقول هذا ثم لا يفعله لذلك اكتبوا ورحمة لله مهما علقت بذاته فالاسم رحمن ثبت ورحمة لله مهما علقت بخلقه فالاسم رحمن ثبت او علقت بخلقه الذي رحم او علقت بخلقه الذي رحم فسمه الرحيم فاز من سلم والجملة الثانية قوله الحمد لله والحمد هو الاخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه هو الاخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه ذكره ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابو عبد الله ابن القيم في بدائع الفوائد فالحمد قائم على اصلين احدهما كونه خبرا عن محاسن المحمود والاخر يقتران تلك المحامد بمحبة المحمود وتعظيمه ومحاسن المحمود هي الخصال اللازمة له والمتعدية منه من الكمالات هي الخصال اللازمة له والمتعدية منه من الكمالات فيحمد محمود ما على امرين احدهما فصاله اللازمة وتسمى الفضائل والاخر ايصاله المتعدية وتسمى الفواضل فمن الاول حمده على عقله ومن الثاني حمده على كرمه ومحاسن ربنا عز وجل التي حمد عليها نوعان احدهما فماله الحاصل والاخر احسانه الواصل احدهما كماله الحاصل والاخر احسانه الواصل والمراد بكماله الحاصل ما اتصف به سبحانه وتعالى من انواع الكمالات في ذاته مائه ذاته وافعاله والمراد باحسانه الواصل ما افاضه من كرمه وانعامه على جميع خلقه والجملة الثالثة قوله واصلي واسلم على محمد وعلى اله وصحبه والصلاة في لسان العرب اثم جامع بالعطف والحنو ذكره طائفة من المحققين كابي بكر السهيلي في نتائج الفكر وابي عبدالله ابن القيم في بدائع الفوائد وابن هشام النحوي في مغني اللبيب والملوي الازهري في شرح السلم في جماعة من المحققين الذين ارتضوا ان الوضع اللغوي للصلاة هو العطف والحنو واما ما شاع عند المتأخرين من ان الصلاة هي الدعاء فرده ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد من وجوه عدة خلافا لما ذكره جلاء الافهام فالمعتمد في مذهبه ما حققه في بدائع الفوائد من ان الصلاة في اللسان العربي ليست الدعاء وانما العطف والحنو وما ذكره المتأخرون ومن سبقهم من الافراد التي عبروا بها عن الصلاة كلها مندرجة في العطف والحنو كما جاء عن ابي العالية الرياح عند البخاري معلقا ثناؤه على عبده في الملأ الاعلى في تفسير صلاة الله على الرسول صلى الله عليه وسلم هو واحد من انواع العطف والحنو على النبي صلى الله عليه وسلم وقل مثل هذا في سائر الانواع واشرت الى هذا نظما وقلت وفسر الصلاة في اللسان وفسر الصلاة باللسان بالعطف والحنو في ايقاني عن السهيلي وولد القيم عن السهيلي وولدي القيم وابن هشام في كلام قيم وابن هشام في كلام قيم والملوي في شرحه للسلم والملوي بشرحه للسلم وما عداه فاليه ينتمي وقولنا بالبيت الثاني وولد القيم اي ابن وهي لغة نصيحة وقول ناتيه في كلام قيم اي مستقيم فان القيم في كلام العرب هو المستقيم وقولنا البيت الثالث وما عداه فاليه ينتمي اي ان بقية الاقوال سوى هذا القول ترجع اليه فهو الاصل الجامع لها واذا تقرر ان الصلاة في الوضع العربي اسم جامع للعطف والحنو فان صلاة الله على الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا صلاة غيره كصلاتنا عليه هي عطف وحنو على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك انواع متعددة في مقاصد الخلق وقوله واسلم السلام في لسان العرب باب معظمه الصحة والعافية باب معظمه الصحة والعافية ذكره ابن فارس بمقاييس اللغة ويثمر هذا القول بان السلام هو الخلاص والبراءة من النقائص والعيوب ان السلام هو الخلاص والبراءة من النقائص والعيوب ولم يثبت للسلام من الله ولا من خلقه معنى شرعي يشار اليه فرجع التعويل الى الوضع اللغوي فالمسلم على النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه او يدعو له بان ليكون مخلصا بريئا من جميع النقائص والعيوب واذا جمع بين الصلاة والسلام كقول المصنف واصلي واسلم كانت كانت الصلاة لجلب الخيرات والسلام لدفع المضرات كان كانت الصلاة لجلب الخيرات والسلام لدفع المضرات فبالصلاة تحصل الكمالات فبالصلاة تحصل الكمالات وبالسلام تسقط الافات وبالسلام تسقط الافات فاذا صليت على احد حليته واذا سلمت عليه خليته فاذا صليت على احد الليت واذا سلمت عليه خليته والمراد بقولنا حليته اي نسبته الى الكمالان والمراد بقولنا خليته اي برأته من النقائص والعيوب والافات وقوله على محمد اي على الرسول المبعوث في هذه الامة صلى الله عليه وسلم فان اشهر اسمائه واذكرها في القرآن والسنة هو اسم محمد وقوله وعلى اله ال الرجل هم ذووه وقرابته وال النبي صلى الله عليه وسلم هم في اصح الاقوال من حرمت عليهم الزكاة وهؤلاء زوجاته وبنو هاشم فمن كان من زوجاته او نسل من ذرية هاشم ابن عبد مناف فهو من ال الرسول صلى الله عليه وسلم والى هذا اشرت بقولي ال النبي هم الذين تحرم ال النبي هم الذين تحرم عليهم الزكاة والحصر اعلموا عليهم الزكاة والحصر اعلموا بهاشم ومن له من الولد في هاشم ومن له من الولد وكل زوج للنبي لم ترد وكل زوج للنبي لم ترد اي لم يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم. فمن انتظم في هذا الوصف لكونه من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم او من نسل هاشم فانه من ال محمد صلى الله عليه وسلم وقوله وصحبه الصحب اسم اسم جمع المشهور عند اهل اللغة لا واحدة له من لفظه وذهب جماعة فالاخفش الى انه جمع وواحده صاحب واختاره من المتأخرين محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى صاحب اضواء البيان واعظم ما تج به الاقدمون في كونه اسم جمع لا جمعا هو فقدان صيغة فعل في صيغ الجمع ورده محمد الامين الشنقيطي بان ما يذكره النحاة لا يقتضي الحصر فرب مسألة في كلام العرب معروفة لم يذكرها النحاة فما انتهت اليه علومهم لا يقتضي حصر المسائل النحوية فيما ذكروه وهذا مأخذ من العلم شاق لا يترشح اليه الا من رسخت قدمه في معرفة العربية ومن كلام ابن القيم المستعظم عند العارفين بالعلم قوله رحمه الله وكم من مسألة نحوية في الكتاب والسنة لم تشرق عليها شمس النحاف هذا معنى كلامه اي ان من ما جاء في القرآن والسنة اوضاع نحوية لم يقيدها النحاس في المشهور من علمه والحاصل ان تعرف ان اهل العلم مختلفون في صحب هل هو اسم جمع او هو جمع وصحب النبي صلى الله عليه وسلم هم المنسوبون اليه بالصحبة واحسن ما قيل في الصحابي شرعا انه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك. فلا تثبت الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم من احد الا بثلاثة امور احدها ان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم واللقاء لا يكون الا في عالم المشاهدة فلو لقيه في عالم الغيب كالرؤيا المنامية او كالجنة اذا صار من اهلها فانه لا يكون صحابيا والثاني ان يكون مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم حال لقائه به وثالثها ان يموت على ذلك فلا يغير ولا يبدل بل يلقى الله سبحانه وتعالى على الاسلام فمن جمع هذه الاوصاف الثلاثة طار من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والجملة الرابعة قوله اما بعد وهي كلمة يؤتى بها للانتقال من اسلوب الى اسلوب والمراد بالاسلوب الفن من فنون الكلام الفن من فنون الكلام ذكره البجيرمي في حاشية فتوحات الوهاب عن شيخه عطية الاجهور والمراد الفن النوع من انواع الكلام فمعنى العبارة المشهورة اما بعد كلمة يؤتى بها للانتقال من اسلوب الى اخر ان يؤتى بها للانتقال من نوع من الكلام الى نوع اخر فالكلام المتقدم عادة يكون انشاء لذكر الله عز وجل بالبسملة والحمد عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ثم يقول المتكلم اما بعد تنبيها الى انتقاله الى مقصد اخر من مقاصد كلامه فتقدير الكلام مهما يكن شيء بعدما تقدم ذكره فهذا كتاب مختصر الى اخر كلام المصنف رحمه الله والجملة الخامسة قوله فهذا كتاب مختصر واسم الاشارة هذا متعلق بالمعنى القائم بالذهن دواء تقدمت ابادة الكتاب عليه ام تأخرت؟ فاذا قدر ان المصنف ابتدأ كتابه بتدوين مقدمته وهي سابقة لما بعده فتكون حينئذ الاشارة في قوله هذا الى المعنى القائم في الذهن اي ما اريد ان ابينه من الكلام في العلم. وهذا متفق عليه وان كانت هذه القولة اما بعد في ديباجة كلامه بعد ان صنفه بان يكون اتم كتابه ثم عاد فكتب ديباجته فاهل العلم مختلفون هل الاشارة فيه الى قائم في الاذهان او مشاهد في الاعيان القائم في الاذهان المعاني التي في كتابه مما دونها والمشاهد في الاعيان الكتاب المصنف لانه فرغ منه ثم وضع ديباجته والصحيح عند المحققين انه اشارة الى القائم في الاذهان لان الكتابة من المصادر السيالة التي اذا فرغ منها فاعلها تلاشى فصارت الاشارة فيها الى المعنى القائم في الذهن من ادراكها فحينئذ تكون الاشارة في قوله فهذا كيفما كانت اشارة الى المعنى القائم في الاذهان من معاني الكتاب والكتاب فعال بمعنى مفعول فهو مكتوب جامع في امر ما واصل الكافي والتاء والباء في لسان العرب موضوع للجمع ومنه سميت جماعة الخير كتيبة لالتئامها واجتماعها وسمي المكتوب من الحروف والكلمات كتابا لاجتماعه والتئامه وقوله مختصر اي قليل المباني مع جلالة المعاني فان الاختصار المحمود هو ما قل مبناه وجل معناه وهو من الخصائص النبوية والفضائل المحمدية التي اوتيها النبي صلى الله عليه وسلم بما كان له صلى الله عليه وسلم من جمع الكلام فان من شمائله صلى الله عليه وسلم انه اوتي جوامع الكلم ومما يحمد في العلم جمعه اقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في بيانه الدين ومن المشهور بمدح المختصرات قولهم خير الكلام ما قل ودل وهذه كلمة صحيحة بمعناه لكن لم يثبت روايتها عن علي رضي الله عنه ولا غيره من الصحابة وانما يوجد قريب منها من كلام ابي القاسم السمرقندي عند ابن استمعاني في كتاب ادب الاملاء انه قال خير الكلام ما قل في الخطاب ودل على الصواب وبه نختم قبل الاذان الله اكبر الله اكبر اكبر الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على ان يعلى حي على الفلاح ان يعلى الفلاح الله اكبر الله لا اله الا الله فمما يحمد بالعلم والبيان ان يكون اللفظ وجيزا والمعنى والى ذلك اشرت بقولي خير الكلام كلام عد عد في اللفظ قليلا ان بقرت الحرف منه اغرق الافهام نيلا ومعنى بقرت الحرف منه اي شققت الكلمة منه تستنبط معانيها وتستدعي مقاصدها فتكون وافرة المعاني والمقاصد والجملة الثالثة قوله بالاحكام والفقهي في الاداب فكتابه المختصر موضوع في مقصد شريف وهو بيان الاحكام والفقه بالاداب والاحكام ترعى جمع حكم والحكم هو خطاب الشرع والحكم هو خطاب الشرع وخطاب الشرع نوعان احدهما خطاب بالخبر عن الخالق او المخلوق خطاب بالخبر عن الخالق او المخلوق والاخر خطاب بالخبر عن حق الخالق على المخلوق خطاب بالخبر عن حق الخالق على المخلوق الاول يسمى خطابا شرعيا خبريا والثاني يسمى قطابا شرعيا طلبيا وينتج منهما ان الحكم الشرعي نوعان احدهما الحكم الشرعي الخبري ومتعلقه التصديق والثاني الحكم الشرعي الطلبي ومتعلقه امتثال الامر والنهي واعتقاد حل الحلال امتثال الامر والنهي واعتقاد حل الحلال فمثلا قول الله تعالى ان الساعة اتية لا ريب فيها هو خطاب طبري متعلقه التصديق وقوله تعالى فاقم الصلاة خطاب شرعي متعلقه الامتثال بفعل الامر فيسمى الاول حكما شرعيا خبريا ويسمى الثاني حكما شرعيا طلبية والف كلام المصنف في قوله الاحكام عهدية اراد بها نوعا خاصا من الاحكام وهو الاحكام الشرعية الطلبية دون الخبرية فان كتابه موضوع ببيان الاحكام الشرعية الطلبية التي يتعلق بها الامر والنهي واعتقاد حل الحلال وهو المخصوص عند المتأخرين باسم علم الحلال والحرام او اسم الفقه وكان اسم الفقه عند الاوائل اوسع من ذلك فانه يتعلق بالدين كله كما في حديث معاوية المتقدم صدرا الكلام ومنه المعنى الذي اقتصر عليه المتأخرون وهو علم احكام الحلال والحرام المسمى بالاحكام الشرعية الطلبية فكتابه هو في الاحكام الشرعية الطلبية المسماة بالفقه وقرنها رحمه الله تعالى بما يحتاج اليه من الآداب والحقوق في خاتمة كتابه. كما تقدم التنويه به والاشارة اليه والجملة السابعة قوله واضح الالفاظ والمعاني فمن خصائص كتابه انه كتاب وضع بينا لا لبس فيه هذا من محامد الكلام فان الغلط في فهم الكلام له موارد تورد عليه من جملتها غموض الكلام فاذا غمض الكلام غاب معناه عن متلقيه الاخذ له فمما يحمد به كتاب المصنف انه جعله واضح الالفاظ والمعاني بان بيانا اللفظ يعين على فهم المعنى فالمباني خزائن المعاني واذا كان اللفظ الذي خزن فيه المعنى واضحا تهل استجلاء المعنى واذا كان غامضا تنازع الناس في فهمه واختلفت مآخذهم في ادراكه والجملة الثامنة قوله خاص في المسائل التي يحتاج اليها كل احد والمراد بتخصيصه ذكر بعض المسائل دون استيعاب جميع الاحكام الشرعية الطلبية فهو معتني ببيان طرف من الاحكام الشرعية الطلبية ولم يرد استيعابها والحامل له على رعاية التخصيص طلب المنفعة لانه قال مبينا ما خصه بالذكر من المسائل التي يحتاج اليها كل احد وهي العلم الذي ينبغي ان يفرغ الانسان فيه قوته فيما يلتمسه فان العلم انما يطلب للحاجة وهذه الحاجة هي عبادة الله عز وجل التي يسد بها فقر قلب العبد فاذا التمس المرء من العلم ما يحتاج اليه سدت حاجته واستغنى بما وصله من العلم في عبادة الله سبحانه وتعالى وانما كان علم الاوائل ما يحتاجون اليه وكان الامام مالك يقول انما العلم المشهور اي الظاهر الذي يعرفه الناس فمن يظن ان العلم الذي ينبغي ان يطلب هو ما وراء ذلك فهذا عظيم الجهل بالقرآن والسنة فان القرآن والسنة ليس فيهما الا العلوم الظاهرة التي يحتاجها الناس وهي اولى ما يلتمسه مقتبس العلم ثم اذا اتاه الله عز وجل قدرة عليه وقوة فيه حق له ان يستنبط ما وراء ذلك ويتفكر فيه اما ان يقصر فيما يحتاج اليه او يزري على طلبه فهذا من الجهل بدين الله وهذا الذي ذكرناه من ان من الناس من لا يرفع راسا الى ما يحتاج اليه له مظاهر بينة في احوال ملتمس العلم فتسمع من احدهم كلاما بالجرح والتعديل وعلل الحديث فاذا اردته عن مسألة مما يحتاج اليها في طهارته او صلاته او صيامه وجدته جاهلا بها. وهذا من شواهد اخذ العلم من غير جادته المعروفة فيضيع المرء ما يلزمه من الدين ويعتني بما لا يلزمه في مبادئ امره ولذلك نظائر في احوال الناس فينبغي ان يعتني مقتبس العلم في حمل بحمل نفسه على ما يحتاج اليه من الدين وهو الذي قصد المصنف تخصيص كتابه به ثم ثم ذكر الجملة التاسعة وهي قوله مقتصرا فيه على القول الصحيح اي انه اعتنى بذكر القول الصحيح في مسائل العلم والقول الصحيح الذي اراده المصنف ليس خارجا عن مذهب من المذاهب بل هذا الكتاب موضوع اصلا على مذهب الامام احمد فانه اشار في موضع متقدم منه الى انه المذهب وهو الراجح. ونقل مرة ترجيحا عن ابي العباس ابن تيمية. وهو ومن المجتهدين من الحنابلة رحمهم الله تعالى ولا يتصور وضع كتاب بالمسائل دون بنائه على ما قيده اهل العلم في مذاهبهم الفقهية ولا تجد احدا طنف في الفقه الا وقد نسج على منوال مذهب فقهي فاذا كان له اختيار كالمصنف رحمه الله تعالى جعله عن الاختيار الذي انتهى اليه ولو خالف المذهب فلا يظن ان هذا الكتاب ونظائره جاءت من فلك دوار لا يرتبط باصول وثيقة ولا مذاهب معروفة بل هو مبني على مذهب الحنابلة ثم اختار المصنف في مسائل منه ما يخالف مذهب الحنابلة والقول الصحيح هو السالم من الخطأ وهو في المسائل الفقهية نوعان احدهما صحيح قطع وهو ما ظهر من الادلة واجمعت عليه علماء الامة الاجلة فمثلا الصلوات المفروضة على الخلق في اليوم والليلة خمس فهذا هو القول الصحيح في عدد الصلاة المفروضة قطعا ولا يحتمل غير ذلك لدلائل السنة والاجماع على ذلك والاخر القول الصحيح ظنا لا قطعا القول الصحيح وظنا لا قطعا اي ما يترجح ظنا غالبا عند متكلم في الفقه باجتهاده فهو يرجح هذا القول على غيره ويقدمه على ما سواه من الاقوال لما بان له من الادلة الشرعية وما يبدر من احد من القول في هذا يحتاج الى صدق كونه متأهلا للاجتهاد فمن كانت له الة في الاجتهاد دخل في زمرة المجتهدين المصححين للاقوال ظنا فان القطع لا خلف فيه بين عوام المسلمين ولا علمائهم وانما الشأن بالمسائل الظنية التي يدخلها الترجيح بالنظر الى الادلة والترجيح في المسائل الظنية نوعان احدهما الترجيح المقيد بمذهب والاخر الترجيح المطلق والفرق بينهما ان الاول يكون ترجيحا طاخا باصول مذهب وقواعده والاخر يكون مطلقا غير مقيد بمذهب من المذاهب فمثلا من المسائل المختلف فيها ضابط الموالاة في الوضوء فاذا اريد بيان الراجحي في مذهب الحنابلة فالراجح في مذهب الحنابلة ان الموالاة ضابطها نشاف العضو بالا يؤخر غسل عضو عمن قبله عما قبله حتى ينشف او يؤخر غسل اخره عن اوله حتى ينشف فالراجح في الموالاة عند الحنابلة هو هذا وهذا راجح بالنظر الى المذهب فالمستقر عند الحنابلة في ضوابط الموالاة ما ذكرنا. مع وجود خلف بينهم واما الراجح غير المقيد بمذهب في الموالاة فهو رده الى فهو ردها الى العرف فما كان مخلا بتتابع الوضوء وفاصلا مستعظما في العرف فانه يكون مخلا بالموالاة وهذا ترجيح مطلق غير مقيد بمذهب وهذا الراجح هو قول الامام احمد وهو مذهب الاوائل والمتوسطين من الحنابلة مع كونه قولا لغيره لكن الراجحة في المذهب الذي استقر عليه في مسألة الموالاة هو الذي قدمت لك من ردها الى نشاف العضو. واما بالنظر الى الادلة فالراجح تعليق ضابط الموالاة بالعرف. وان الفصل اذا طال اخل بالموالاة والترشح للترجيح في المذهب او بالاطلاق منصب منصب عظيم تحتاج الى الة عظيمة من الفهم والادراك والاحاطة بالادلة فليست مرتعا خصبا بان يتكلم فيها كل احد وما صار عليه الناس من دعواهم طلب الراجحي دعوة مكذوبة فان الراجح الذي يذكرونه يكون قولا فقيه من الفقهاء المشهورين غالبا فهو اما اختيار لابي العباس ابن تيمية او اختيار العلامة ابن عثيمين رحمهم الله تعالى وهذان اشهر من تكلم في الفقه عند الحنابلة المتأخرين فتجد من الناس من يقول الراجح هو كذا وكذا وهو ليس له راجح لانه لا الة له على الترجيح وانما هو ناقل للراجح عند احد المرجحين المتأهلين لذلك. فينبغي له ان يقيده بان الراجح عند فلان او فلان هو كذا وكذا. لئلا يتعدد المرجحون في المسائل الفقهية ومن الاثار السيئة للدراسات الاكاديمية رواج دعوة ترجيح فانك لا تجلس في مقعد من مقاعد التعليم الا سمعت متكلما في الفقه يقول والراجح كذا وكذا مما يوهم انه راجحه فيظن متلقي الفقه ان كل شيخ له ترجيح وليس وليس الامر كذلك فليس كل المتكلمين بالفقه لهم الة يمكنهم بها ان يجتهدوا ويرجحوا وانما جمهورهم نقلة للترجيح الذي اليه علم احد العلماء الذين لهم الة على الاجتهاد والجملة العاشرة قوله منبها على مأخذه من الكتاب والسنة اي مرشدا الى مدركه الذي رد اليه من الكتاب والسنة وهذا التنبيه نوعان احدهما عام وهو المذكور في هذه الجملة ان مسائل هذا الكتاب مآخذها ترجع الى القرآن والسنة والاخر تنبيه خاص وهو في مواضع قليلة من الكتاب ذكر فيها الدليل من القرآن او السنة وهو في مواضع قليلة من الكتاب ذكر فيها الدليل من القرآن او السنة والجملة الحادية عشرة قوله راجيا من الله تسهيله ونفعه وبركته اي مؤملا من الله سبحانه وتعالى ما ذكر ورجاء الله عز وجل شرعا امل العبد بربه في حصول المقصود امل العبد بربه في حصول المقصود مع بذل الجهد وحسن التوكل مع بذل الجهد وحسن التوكل وقد رجع المصنف رحمه الله من ربه ثلاثا اولها تسهيل الكتاب تصنيفا وفهما فهو يرجو من ربه ان يسهل له وضع هذا الكتاب حتى يتمه ثم يسأله ان يسهل فهمه لمن رام الاطلاع على مقاصده والثانية رجاؤه ربه ان ينفع به اي ان تحصل الفائدة منه وثالثها رجاءه من ربه بركته والبركة هي دوام الخير وكثرته فيكثر الله سبحانه وتعالى به الخير فيما ينتفع به من العلم فيما وضعه المصنف فيه من المسائل المتعلقة بالعبادات والمعاملات والحقوق والاداب وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب ونستكمل الدرس بعد الصلاة بالبدء في القسم الثاني وهو الاداب والحقوق والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين