ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اشهد ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد فهذا هو الدرس الثاني من برنامج الدرس الواحد السابع. والكتاب المقروء فيه هو اجوبة لطيفة عن اربع سؤالات شريفة. للعلامة غنام النجدي رحمه الله. وقبل الشروع في لابد من ذكر مقدمتين اثنتين. المقدمة الاولى التعريف بالمصنف. وتنتظم في ثلاثة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة غنام بن محمد بن غنام الزبيري ثم الدمشقي لم يذكر بكنية في الكتب التي ترجمت له لكنهم ذكروا رجلا من اولاده معدودا في العلماء اسمه عبدالرحمن ويعرف بغنام النجدي المقصد الثاني تاريخ مولده لم يذكر احد ممن ترجم له سنة ولادته المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله يوم السبت الثامنة من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين بعد المائتين والالف ولم يذكر احد تقدير عمره. رحمه الله رحمة واسعة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه كتب على طرة النسخة الخطية للكتاب بخط تلميذه عبدالسلام الشطي الاسم الذي نشرت به وهو اجوبة لطيفة عن اربع سؤالات شريفة المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذه الرسالة اللطيفة بيان مذهب الامام احمد في اسئلة تتعلق بالاجتهاد والتقليد نقل الجواب عنها عن احد علماء الحنفية الاثريين المتأخرين وهو ابو الحسن السندي واحب السائل ان يقف على مذهب احمد فيها المقصد الثالث توضيح منهجه جرى رحمه الله تعالى على طريقة متأخر الفقهاء الذين يكتفون في بيان المسائل بالنقل عن كتب المذهب المعتمدة فالرسالة على وجازتها مشحونة بالنقل عن جملة من مصنفات الحنابلة المتأخرين نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين قال المؤلف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم سؤال يشتمل على اربع مسائل تؤخذ من كلام ابي الحسن السندي عليه الرحمة من الرؤوف المبدي احداهن لزوم تقليد من يظنه موافق قال لي الحق وترك تقليد من يظنه مخالفا للحق. وهذا في العامي. واما من له اهلية فالاخذ في حقه اوجب واكد الثانية ان الاجتهاد لم ينقطع الثالثة ترجيح بعض المذاهب الرابعة جواز التلفيق الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. اما الأولى جائزة بل قد تجب فإنه قال في مختصر التحرير وشرحه ويلزمه اي العامي ان بان له الارجح منهما اي المذهبين. تقليده ولا يلزمه التمذهب بمذهب يأخذ برخصه وعزائمه في اشهر الوجهين قال شيخ الاسلام ان خالفه لقوة دليل او زيادة علم او تقوى فقد احسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع وقال بل يجب في هذه الحال انه وانه نص الامام احمد. وذكر الوزير ابن هبيرة من مكائد الشيطان ان يبقى يقيم اوثانا في المعنى تعبد من دون الله بان يتبين له الحق فيقول ليس هذا مذهبنا تقليدا لمعظم عنده قد قدمه على الحق في الاقناع ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال الاشهر عدمه. قال شيخ الاسلام العامي هل يلتز؟ هل عليه ان يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه فيه وجهان لاصحاب الامام احمد وهما وجهان لاصحاب الشافعي والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا لا يوجبون ذلك قال في مختصر الروضة وشرحه للعلامة نجم الدين سليمان ابن عبد القوي الطوفي يجوز للعامي تقليد المجتهد ولا يجوز ذلك لمجتهد اجتهد هذا وظن الحكم اتفاقا فيهما. اما من لم يجتهد في الحكم بعد وهو متمكن من معرفته بنفسه بالقوة القريبة من العقل. لكونه اهلا للاجتهاد بالقوة القريبة من الفعل المراد بها عندهم الأهلية يعني يعبرون عنها القوة القريبة من الفعل احسن الله اليكم لكونه اهلا للاجتهاد فلا يجوز له تقليد غيره ايضا مطلقا. لا لاعلم منه ولا لغيره لا من الصحابة ولا غيرهم. لا لعمل ولا فتية لا مع ضيق الوقت ولا مع سعته. هذا فائدة قوله مطلقا. وقال ايضا يجوز التقليد في الفروع خلافا لبعض القدرية قال في المنتهى والاقناع ومختصر التحرير ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين زاد في شرح مختصر عن الاكثر لانهم استفتوا من والسلف وافتوا وشاع ولم ينكر. قال عليه الصلاة والسلام اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم. وفيهم الافضل من غيرهم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة جواب ما يتعلق بالمسألة الاولى وهي لزوم تقليد من يظنه موافقا للحق. وشرك تقليد من يظنه مخالفا للحق. وانطوى في الجواب الذي ذكره رحمه الله تعالى بيان معنى التمذهب. فالمراد به الاخذ بمذهب من المذاهب الفقهية برخصه وعزائمه وهو عندهم مخصوص بالفروع. فلا يطلق التمذهب على ارادة اتباع مقالة او رأي علقوا بباب الخبريات وانما يخصون هذا بباب الطلبيات الذي صار مسمى باسم فالتمذهب هو الاخذ بمذهب من المذاهب في الفقهيات برخصه وعزائمه والمذاهب الفقهية تنقسم الى قسمين اثنين. احدهما مذاهب مستقرة والثاني مذاهب غير مستقرة. فاما المذاهب المستقرة فهي المذاهب الاربعة المتبوعة وهي مذهب ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد رحمهم الله فان المذاهب الت الى استقرارها عنهم. وصارت لها اصول معروفة وفروع محفوظة وقد نص على هذا المعنى ابو عمر ابن الصلاح رحمه الله تعالى. فاذا اطلق اسم المذاهب المستقرة فهو منصرف الى هؤلاء والثاني مذاهب غير مستقرة وهي المذاهب التي اندثرت او لم يتم بناؤها في الاصول والفروع على الوجه الذي ينبغي. فالمندثر ومثلا كمذهب الاوزاعي او ابن جرير الطبري. وما لم يستقر بناؤه اصولا وفروعا فكمذهب داوود ابن علي المعروف بمذهب الظاهرية فما كان من هذا الجنس ممن ذكر او لم يستكمل بناؤه الفقهي في اصوله وفروعه فانه ينعت بالمذهب غير المستقر. اما المذهب فهو مخصوص باربعة الاولى المشهورة كما نص على ذلك ابو عمر ابن الصلاح رحمه الله تعالى واذا تقرر ان المذهب هو بهذا النعت وان المذاهب منقسمة الى هذين القسمين فقد تكلم اهل العلم رحمهم الله تعالى في مسألة سموها بحكم التمذهب. هل يلزم العبد التمذهب بمذهب من هذه المذاهب المستقرة ام لا يلزمه ذلك على قولين اثنين. احدهما ان اللزوم الذي هو الايجاب لا دليل عليه. لان الله سبحانه وتعالى لم يأمر بطاعة احد سوى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما خرج عن ذلك فان الالزام به. على وجه الالزام لعدم انتهاض الادلة الدالة على وجوب الالتزام بمذهب من المذاهب دون غيره كما بينه ابن رحمه الله تعالى في اعلام الموقعين. واذا اريد بالتمذهب عدم الالزام. وانما سلوك المذهب رعاية لحال الخلق باعتبار قدرهم او بالنظر الى تفهم احكام الشرع شريعة كان ذلك سائغا. فان العامي الذي لا يقدر على استنباط الاحكام ومعرفة حكم الشريعة في نوازل الاحكام له ان يلتزم مذهبا من المذاهب. كما ان المتفقه في الشريعة الراغبة في معرفة احكامها يجوز له ان يتخذ مذهبا يتفقه في احكام الشريعة فيتفقه بمذهب ابي حنيفة او بمذهب مالك او بمذهب الشافعي او بمذهب احمد بحسب الحال الذي دعت الى ذلك مثل هذا سائغ كما نص على ذلك العلامة سليمان ابن عبد الله ال الشيخ في كتابه تيسير العزيز الحميد ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من المسائل المندرجة في هذا الجواب مسألة الانتقال من المذهب. والانتقال من مذهب له صورتان اثنتان. احدهما انتقال في مسألة وهو المسمى بالخروج عن المذهب. والثاني الانتقال في جميع المسائل وهو المسمى بالتحول المذهبي. فاما المسألة الاولى وهي الخروج عن المذهب فاذا كان لزوم المذهب غير واجب كما تقدم فان التزامه في مسألة بعينها لا دليل ايضا على ايجابه. بل يجوز على الصحيح عند المتكلمين في مسائل الاصول في هذا الباب ودلت عليه الادلة يجوز الخروج عن المذهب في مسألة من المسائل فلو ان ايا خرج عن المذهب في مسألة الى مذهب مالك او ان مالكيا خرج عن مذهب مالك في مسألة الى مذهب الشافعي وهلم جر كان ذلك سائغا. واما الصورة الثانية وهي الانتقال عن المذهب في جميع المسائل فهي المسماة بالتحول المذهبي. والتحول المذهبي عند الاصوليين مخصوص بالتحول في مذاهب الفروع دون غيرها كأن يكون الفقيه او المتفقه او المجتهد او المقلد العامي على مذهب من المذاهب المتبوعة ثم يترك هذا المذهب الى مذهب اخر كأن حنفيا ثم يتحول شافعيا او يكون مالكيا ثم يتحول حنبليا فذلك ايضا سائغ لما تقدم ان ايجاب اتباع مذهب من المذاهب المستقرة لا دليل عليه ولكنها طرائق معرفة احكام الشريعة في حق المقلدين العاجزين عن معرفة الاحكام او هي سلم للترقي الى معرفة حكم الشريعة في مسائل الاسلام. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مسألة ختم بها وهي مسألة تقليد المفهوم هل يقلد المفضول مع وجود الفاضل؟ وهي متعلقة الانتقال عن المذهب اما في او في جميع المسائل فهل يسوغ ذلك؟ الصحيح كما ذكره رحمه الله تعالى بدليله انه يجوز اتباع المفضول مع وجود الفاضل من المجتهدين قد كان في التابعين من يستفتى مع وجود الصحابة كسعيد ابن المسيب؟ رحمه الله تعالى وجرى على هذا العمل بين السلف وشاع ولم ينكر فيجوز تقليد المفضول من المجتهدين مع وجود فاضل والحديث الذي بنى عليه الشارح كلامه وهو حديث اصحابك النجوم هذا حديث لا يصح. نعم احسن الله اليك واما الثانية فكما قال ان الاجتهاد لم ينقطع وانه ممكن بل يجب عند اصحابنا. ولهذا قال في مختصر التحرير ولا يجوز خلو عصر منه اي المجتهد ويشهد له عبارة المنتهى والاقناع وغيرهما حيث شرطا في القاضي ان يكون مجتهدا اي مطلقا لانهما قالا بعد ولو في مذهب امامه للضرورة ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا مسألة ثانية من المسائل الاربعة المتعلقة بالاجتهاد والتقليد وهي المسألة المشهورة عندهم باسم انقطاع الاجتهاد. فان اهل العلم رحمهم الله تعالى مختلفون في انقطاع الاجتهاد. هل ينقطع الاجتهاد ام لا؟ والمختار على الصحيح ان الاجتهاد لا ينقطع فانه لا يجوز ان يخلو عصر من قائم لله بحجة. والاحاديث الواردة في بقاء الطائفة المنصورة والفرقة الناجية في هذا كما بينه الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتاب الفقيه والمتفقه فان بقاء طائفة من صورة وفرقة ناجية يقتضي ان تكون فيهم الحجة قائمة ظاهرة يوجد فيهم المجتهد القادر على استنباط الاحكام فيما يتعلق بالنوازل الواقعة المتجددة وهذا هو مذهب احمد كما استنبطه صاحب الرسالة من عبارة المنتهى والاقناع في كلامهما في القاضي ان يكون مجتهدا لانه ما قال ولو في مذهب امامه للضرورة. فذلك يقتضي ان يكون القاضي جاهدا مطلقا لكن ان عجز عن ذلك ساغ ان يكون القاضي مجتهدا في مذهب امامه وقد ذكر اهل العلم رحمهم الله تعالى ان المجتهدين على طبقات ونوعوا ذلك. لكن يمكن رد ما كروه جميعا اذا اصلي اثنين احدهما الاجتهاد المطلق الذي لا يتعلق بمذهب والثاني الاجتهاد المقيد بمذهب والناس في التاني على درجة اسبل الكلام عليها ابن القيم في اعلام الموقعين. ومع تقريرهم رحمهم الله تعالى هذا الاصل الا انهم ينبهون الى ان اجتماع الى ان اجتماع الات الاجتهاد في الناس يكاد يصعب بحيث لا يكون في ابناء الزمان قرنا بعد قرن من تصدق عليه اوصاه الا القلة القليلة. وهذا هو المختار وهذا المذهب وسط بين من يحكم بانقطاع اجتهاد وخلو الارض من المجتهدين وبين من يفتح مشاريع الاجتهاد لكل احد. وخير الوسط الوسيط وشرها الافراط والتفريط. فالقول بامكان اجتهاد وعدم انقطاعه. لكن مع وجود العوز في اجتماع وقلة من يتضلع في علوم الاجتهاد هذا حق لا مرية فيه. وللشرع رحمه الله تعالى كلام حسن عز نظيره عند المتكلمين في مسألة انقطاع الاجتهاد ذكره في اخر كتاب الموافقات. وقد ذكر رحمه الله تعالى بان من الاجتهاد نوع لا يمكن القول بانقطاعه الى قيام الساعة. والقول بانقطاعه غلط على الشريعة. وذكر ان هذا النوع هو ما يرجع الى تحقيق المنار في بيان وجود الوصف الذي علقت الشريعة به الاحكام. مثال ان الشهاهجة مثلا اشترط له العدالة. فلابد ان يكون رضا عدلا. كما قال الله سبحانه وتعالى ممن ترضون من الشهداء. فتحقيق ان الشاهد رضا يحتاج الى اجتهاد فيه. هل تجتمع فيه العدالة فيكون رضا عدلا ام لا يكون كذلك. وما كان من هذا الجنس فلا يمكن حينئذ بان يقال ان لهذا ينقطع مع وجوده. فالمختار في تحرير المسألة هو ما ذكره الشاطبي رحمه الله تعالى. ان انقطاع جهاد يتعلق به صورتان اثنتان اولاهما ما ما لا يمكن انقطاعه الى قيام الساعة ومناقه تحقيق المناط. اي ومتعلقه تحقيق المنار. اي بيان الوصف الشرعي الذي علقت به الاحكام. والثاني ما يمكن انقطاعه وجعله رحمه الله تعالى انواعا عدة ترجع الى تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه بكلام حسن ينبغي على طالب العلم ان يرجع اليه. نعم. احسن الله اليكم واما الثالثة فكما ذكر انه يجوز ترجيح بعض المذاهب بالدليل. قال في قال في شرح مختصر الروضة حكي عن الباطلاني انكار الترجيح وليس بشيء يعني قول الباقلاني. هذا ليس بشيء لان العمل بالارجح متعين عقلا وشرعا. وقد عمل الصحابة بالترغيب مجمعين عليه وقد نص الشارع على اعتباره حيث قال يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله الحديث فهذا تقديم للائمة بالصلاة ترجيح ولما بعث بسرية استقرأهم القرآن فوجد فيهم رجل يحفظ سورة البقرة ليس فيهم من يحفظها غيره فامره عليهم ترجيحا له بحفظها ولما كثر القتلى يوم احد امر بدفن الجماعة في قبر واحد وقال قدموا اكثرهم قرآنا وبالجملة الترجيح دأب العقل والشرع حيث يحتاج اليه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا المسألة الثالثة من المسائل الاربع المتعلقة الاجتهاد والتقليد وهي مسألة ترجيح بعض المذاهب بالدليل. وهذه المسألة لها صورتان اثنتان الاولى ترجيح مذهب من المذاهب من كل وجه على بقية المذاهب. والثانية ترجيح مذهب ما في مسألة معينة والفرق بينهما ان الاول عام كلي والثاني خاص جزئي فاما ما كان من النوع الاول وهو ترجيح مذهب من ذاهب المتبوعة من كل وجه فلا ريب ان ذلك متعذر. لان بتفضيل مذهب ابي حنيفة على الاطلاق او بتفضيل مذهب الشافعي على الاطلاق او لتفضيل مذهب ما لك على الاطلاق او بتفضيل مذهب احمد على الاطلاق مذهب احمد على الاطلاق يفتقر الى دليل شرعي وليس في كلام الله ولا في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولا الاجماع ما يدل على ترجيح شيء من هذه المذاهب الحادثة بعد زمن النبوة والرسالة على مذهب اخر. وان نحى هذا بعض الفقهاء كما ابو المعالي الجويني رسالة في تفضيل مذهب الشافعي على غيره من المذاهب وقابله الكوثري فصنف رسالة في تفضيل ابي حنيفة على سائر المذاهب فان ذلك ليس له مستمسك قوي من الادلة. فالحكم بان شيئا من المذاهب افضل من كل وجه. على بقية في المذاهب قول ظاهر الظعف واهل العلم رحمهم الله تعالى يحترزون في تفضيل شيء على شيء حتى انه لما حكموا بتفضيل ما اجتمعت فيه خصال الصحة من الكتب المصنفة ككتاب البخاري ومسلم حكموا بان البخاري وان كان اصح الا انه ليس من كل وجه فقد يكون في مسلم حديث هو اصح مما يقابله من الاحاديث في صحيح البخاري. هذا في شيء اجتمعت فيه صفات محكوم بها شرعا لان صفات المخبرين من رواة الاحاديث مبنية على ادلة شرعية واذا لم يوجد مثل هذا المعنى في المذاهب فيتعذر حينئذ بان نقول ان شيئا من المذاهب افضل من بقية المذاهب من جميع الوجوه لكن غلبة محبة مذهب او التعصب له او انتشاره في بلد يحمل اهله على مثل هذه المقالات. فيرجح حينئذ لاجل المحبة او التعصب او البلدية مذهب من المذاهب المتبوعة فيكون عند اولئك اعظم من مذهب غيره وليس شيء من ذلك مقبولا لخلوه من الدليل ومن تكلم من اهل العلم في ذلك فهو معذور بما وقع في قلبه من غلبة محبة مذهب امامه او ما شاب نفسه من التعصب له او موافقة لاهل بلده ومجاراة لهم. ولكن لا يعول على هذه الطبائع التي تنشأ في النفوس. اما الصورة الثانية وهي ترجيح مذهب ما في مسألة معينة فهذا لا مرية فيه. لان الحكم بترجيح مذهب على اخر في مسألة لا ممكن بالنظر الى الادلة التي بنى عليها اتباع كل مذهب قولهم فاذا قويت الادلة في جناب قول صار هذا اولى بالترجيح من القول المقابل فاذا استدل مثلا الحنفية باستحباب مسح العنق في الوضوء وفي الاحاديث الواردة وقابلهم الجمهور بخلو الاحاديث الصحاح في صفة الوضوء من ذلك مع ضعف في الاحاديث التي تمسك بها الحنفية كان المجزوم به ان مذهب الجمهور في هذا ارجح من مذهب ابي ابي حنيفة رحمه الله تعالى فرجح لاجل الدليل المجزوم به لان قول هؤلاء او من قول هؤلاء وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان الترجيح عمل الصحابة وطريقتهم في ذلك تكاد تكون اجماعا كما قال وقد عمل الصحابة بالترجيح مجمعين عليه كعملهم في خلافة ابي بكر رضي الله عنه فانهم حكموا بخلافة ابي بكر وانه ارجح من غيره ما جاء من الادلة في جناب تقديمه رضي الله عنه. كما ان الشرع جاء باعتبار الترجيح في مسائل عدة منها في من يقدم للامامة كما في حديث ام القوم اقرأهم لكتاب الله او فيما يتعلق الامارة في الولاية كما جاء في تقديم حافظ سورة البقرة على غيره او ما جاء في ترتيب القتلى يوم احد لما فصار يدفن الجماعة في قبر واحد وامر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم اكثرهم قرآنا. وبالجملة فالامر ما قال المصنف فالترجيح دأب العقل والشرع. حيث يحتاج اليه. ومحله كما سلف انما هو في مسألة معينة. اما بان مذهبا من المذاهب هو في جميع المسائل افضل من غيره من المذاهب فذلك متعذر. نعم اسأل الله واما الرابعة فهي كما قال من جواز التلفيق على ما قد على ما قد اختاره علامة زمانه الشيخ مرعي ولم اعلم احدا من ائمة مذهبنا خالفه غير الشيخ السفاريني. ويشهد لما قاله العلام الشيخ مرعي ما في المنتهى والاقناع وغيرهما من قولهم. وان ترك الامام ركنا او شرطا مختلفا فيه بلا تأويل ولا تقليد اعاد وهذه الكتب التي ذكرتها هي التي عليها المعتمد في مذهب ناصر السنة ابي عبدالله الامام احمد بن حنبل الامام احمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وعن جميع الائمة نمقه الفقير غنام بن محمد النجدي مولد الزبيري منشأنا الدمشقي مسكنا الحنبلي مذهبا الاثري اعتقادا. ختم المصنف رحمه الله تعالى ببيان المسألة الرابعة من المسائل الاربع المتعلقة بالاجتهاد والتقليد. وهي مسألة التلفيق والمراد بالتنفيذ في اصطلاح الاصوليين الجمع في الاختيار او الافعال بين مذهبين او اكثر في مسائل الفروع لان الاصل في التمذهب كما تقدم هو الاخذ بمذهب واحد فاذا ضم المرء الى نفسه الاخذ بمذهب اخر في مسألة صار منفقا بين مذهبين فهو يعمل مثلا مذهب ابي حنيفة في وضع اليدين على السرة في الصلاة قائما ثم يخرج عن مذهب ابي حنيفة الى رفع اليدين في المواضع الاربعة اتباعا لجمهور اهل العلم فيكون قد لفق بين مذهب ابي حنيفة ومذهب غيره في صلاته. فما كان من هذا الجنس سميته والحامل على التلفيق عندهم انما هو التقليد او التأويل. اما ان كان عليه غير ذلك كارضاء الخلق او اتباع شهوة النفس فانه لا يسمى عندهم تلفيقا وان كانت صورته صورة التلفيق. فالتلفيق عندهم مخصوص بما كان تسوغه التقليد او التأويل. فهو يخرج من مذهبه الى مذهب اخر. تقليدا لما رآه اعظم في نفسه في مسألة ما. او نظر في ادلة القائلين بها فبان له انه اولى بالتقليد والاتباع من مذهب امامه فصار متأولا فيها وهذا التلفيق فيه قولان للفقهاء رحمهم الله تعالى من الحنابلة وغيرهم اولهما عدم الجواز والثاني الجواز. ومذهب الامام احمد هو ذلك اذا كان حامله التقليد او التأويل. اما ان ادعى صاحبه ارضاء احد او اتباع شهوة نفسه او طلب طمع دنيا فانه لا يكون سائغا في حقه بل كونوا مأزورا لان قصده غير معتد به شرعا واعتمد المصنف رحمه الله تعالى في تحقيق ان هذا هو مذهب الامام احمد بعبارة المنتهى والاقناع وفيها قولهم وان ترك الامام ركنا او شرطا مختلفا فيه. بلا تأويل ولا تقليد اعاد فان مقتضى هذه الجملة انه ان كان بتأويل او تقليد فانه لا يعيد ويكون معذورا في ذلك وانما يقع حينئذ صورة التلفيق في حقه ثم نبه المصنف رحمه الله تعالى ان هذا القول بنسبته الى مذهب الامام اولى مما نحى اليه السفارين رحمه الله تعالى من عدم الجواز. قال وهذه الكتب التي ذكرتها يعني المنتهى والاقناع هي التي عليها المعتمد في مذهب ناصر السنة ابي عبدالله الامام احمد الى اخره. لان من المتأخرين قد يجمعوا على ان العمدة في المذهب ما تضمنه الاقناع والمنتهى. فمذهب الحنابلة المتأخرين مرده الى هذين الكتابين العظيمين واذا وجد بينهما اختلاف حكم بعد ذلك بينهما اما بحكم خاص بالنظر الى غاية في المنتهى لمرع الكرم او بحكم عام بالنظر الى ما ذكره بقية الاصحاب. في تأليفهم ولا سيما صاحب الانصاف. وفي هذا الاعلام الى ان نسبة قول من الاقوال الى مذهب من المذاهب ينبغي ان يعول فيه على الكتب المعتمدة عند اهله. ولا يعول على كتاب ليس بمعتمد فلا تبرأ ذمة احد ينسب الى ابي حنيفة او مالك او الشافعي او احمد قولا ليس في الكتب المعتمدة عند اهل مذهبه. بل اذا اراد مثلا ان ينقل مذهب الحنابلة فانه ينظر في الاقناع المنتهى واذا اراد ان ينقل مذهب الشافعية فانه ينظر في المنهاج والمنهج. واذا اراد ان ترى مذهب المالكية فانه ينظر في خليل والرسالة واذا اراد ان يذكر مذهب الحنفية فانه ينظر في القدوري والكنز. فاذا طالع هذه الكتب المعتمدة حكم حينئذ بان هذا مذهب الحنفية او الشافعية او المالكية او الحنابلة. اما مجرد وجوده في كتاب مصنفه حنفي او مالكي او شافعي او حنبلي فانه لا يدل على تصحيح نسبته الى المذهب. ولهذا فان العارفين بالمذاهب المتبوعة اهتموا بتمييز مراتب كتب المذهب فهم ما يعتمد منها وما لا يعتمد. واحسن من اعتنى بذلك هم المالكية. ولهم منظومة معتمدة من عندهم للنابغة القلاوي تسمى بالطليحية. بين فيها مراتب كتب مذهب المالكية سميت بذلك لانه نظمها تحت شجرة من شجر الطلح. فسميت نسبة الى الموضع الذي نظم فيه وبخصوص الحنابلة رحمهم الله تعالى فان الكلام على مراتب كتبهم متفرق في التأليف صنفت في تراجمهم رحمهم الله تعالى ككتاب الطبقات بابي يعلى على او ذيله او الدر المنظم او كتاب ابراهيم ابن مفلح او غيرها من التعاليف التي تبين مراتب كتب مذهب الحنابلة. ولعلامة دمشق عبد القادر ابن بدران رحمه الله تعالى كلام حسن نافع في كتاب المدخل الى مذهب الامام احمد ابن محمد ابن حنبل فانه مبينة في تفارق كلامه في ذلك الكتاب مراتب جملة من كتب الحنابلة. اما بقوله هو او بنقله رحمه الله تعالى عن بعض ائمة المذهب المتقدمين كابن مفلح وغيره. وقد سبق اقراء الفصل الذي تكلم ابن بدران على هذه المسألة في برنامج الابواب والفصول الاول في الفصول المنتخبة من كتاب ادخل لابن بدران وهذا اخر التقرير على هذا الدرس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين