السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمد عبده ورسوله. اما بعد فهذا هو الدرس الثاني عشر من برنامج الدرس الواحد السابع والكتاب المقروء هو الاجابة الصادرة على صحة الصلاة في الطائرة. للعلامة محمد الامين الشنقيطي رحمه الله الله وقبل الشروع في اقراره لابد من ذكر مقدمتين اثنتين. المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة الفقيه محمد الامين ابن محمد المختار ابن عبدالقادر الجكني الشنقيطي يكنى بابي عبد الله المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في السنة الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة والالف المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله ضحى يوم الخميس السابع عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين بعد الثلاثمائة والالف وله من العمر ثمان وستون سنة. رحمه الله واسعة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذا الكتاب هو الاجابة الصادرة على صحة الصلاة في الطائرة هكذا هو في نسخته الخطية باثبات حرف الجر على عوض حرف الجر في الذي طبعت به هذه النسخة وكان هذه التسمية من وضع احد تلاميذ المصنف ولا يقال في اللسان الفصيح اجاب على بل يقال اجاب عني المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذه الرسالة هو حكم الصلاة في الطائرة المقصد الثالث توضيح منهجه هذه الرسالة اللطيفة بنيت على اصلين اثنين احدهما تقرير القول الراجح في المسألة المذكورة والثاني المناظرة في اثباته واكتسى هذان الاصنام بالمكنة الاصولية التي امتاز بها المصنف رحمه الله نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم والسلامان على النبي الكريم. اما بعد فقد طلب مني بعض فضلاء اخواننا ان نقيد لهم حروفا تظهر بها صحة صلاة من صلى في الطائرة. الاخ خالد يقرأ من النسخة الثانية لان هذه النسخة لما قرأتها صار عندي شك في بعض الفاظها. فامرته ان يرجع الى النسخة التي نشرت في ضمن مجموع الشيخ محمد الامين. فنحن نقرأ لنقابل بينهما اشياء يسيرة الا في شيء ادخل في هذه الرسالة يأتي ليس منها. نعم. احسن الله اليكم فاجبناهم الى ذلك ونذكر ان شاء الله وجه استنباط صحتها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم من كلام العلماء على طريق في المناظرة الشرعية الخالية من اللجاج والجدال. اما القرآن فقد امتن الله فيه على على خلقه في سورة الامتنان التي هي سورة النحل بهذه المراكب المستحدثة لانه لما بين انواع الامتنان فيها ذكر الامتنان بانواع من المركوبات في قوله تعالى والخيل البغال والحميران تركبوها. اشار الى امتنانه بمركوبات لم لم تخلق بعد. ولم يعلمها الموجودون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ويخلق ما لا تعلمون. فالاتيان بقوله ويخلق ما لا تعلمون مقترنا بجنس المركوبات. يدل على انه من جنس ما يركب ودلالة الاقتران وان ضعفها بعض الاصوليين كما اشار اليه صاحب مراقي ال سعود بقوله اما اقتران اللفظ في المشهور فلا يساوي في والمذكور فقد صححها جماعة من المحققين ولا سيما في هذا الموضع الذي دلت هذا قال المؤلف تفسير هذه الايات الى اخره هذا الله اعلم من ادخله هل الناشر وضعه حاشية والطابع رفعه الى اعلى لكنه ليس من الرسالة. لانه يقطع الكلام سوء المذكور ثم بعد ذلك يقول فقد صححها في اخر صفحة ستطعش. فكل هذا مدخل من قوله قال المؤلف الى قوله المذكور هذا استبعده نعم وقد صححها جماعة من المحققين ولا سيما في هذا الموضع الذي دلت فيه قرائن المشاهدة على صحة دلالة الاقتران فيه. ونعني بدلالة الاقتران دلالة اقتران ويخلق ما لا تعلمون بجنس ما يركب فانه يدل على انه من جنس ما يركب فاذا حققت ان الله امتن في سورة الامتنان على الخلق بوجود هذه المراكب التي من جملتها الطائرة فاعلم ان ركوبها جائز. لان الله لا يمتن بمحرم. واذا كان جائزا ودخل وقتها الصلاة فقد دل الكتاب والسنة والاجماع على ان الله لا يكلف الانسان الا طاقته بقوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها وقوله اتقوا الله ما استطعتم وقوله صلى الله عليه وسلم فاذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. فاذا صلى فيها فقد فعل طاقته ولم يؤمر الا بطاقته. وقد اشار النبي صلى الله عليه وسلم الى حدوث هذه المركوبات. بقوله كما ثبت في في حديث مسلم. ولتتركن قلاص فلا يسعى عليها. اما السنة ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة. الدليل من القرآن الكريم على جواز الصلاة في الطائرة. وهذا الدليل مستلم مما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة النحل التي سميت بسورة الامتنان وبسورة ام لكثرة ما ذكر الله عز وجل فيها من افضاله وانعامه على الخلق ممتنا. والدليل فيها منطوي في قوله تعالى على ويخلق ما لا تعلمون. لما قرن بقوله والخيل والبغال والحمير لتركبوها. فان الله ذكر وهذه الانواع الثلاثة من جنس المركوبات ثم اخبر سبحانه وتعالى عن انه يخلق ما لا يعلم خلق وقرنت هذه الجملة وهي جملة الامتنان بي ويخلق ما لا تعلمون بما قبلها من المذكورات والاصوليون يريدون بدلالة الاقتران ما انتظم في النظم من الكلام فيستوي في باحكام وهذه الاية هي من اكثر الايات التي استدل بها جماعة من الفقهاء على مسائل عدة بناء على دلالة الاقتران. فالقائلون بعدم الزكاة في الخيل استدلوا بهذه الاية. لما اقترنت الخيل بذكر الحمير والبغال قال ولا زكاة فيها. قالوا فكذلك الخيل لا زكاة فيها. واستدل بها ايضا القائلون بجواز اكل الخيل قالوا ان الله سبحانه وتعالى قرن هؤلاء الثلاثة ممتنا بها في منفعة ينتفع بها الخلق وهي الركوب واذا كانت هذه المنة موجودة في هذه الاصناف الثلاثة بالركوب فان نقل الحكم الى الامتنان بالاكل كذلك هو مندرج في جملة المنة وهذا هو ما صرح به يصنف لما قال والله سبحانه وتعالى لا يمتن بمحرم. فيبقى الانتفاع بالممتن به جائزا في وجوهه الا ان يأتي دليل على المنع منه. فالامتنان مثلا بمنافع الحمير باق على اصله. الا لما جاء الدليل حرمة الاكل قيل ان اكل الحمير حينئذ محرم. ولما امتن بالخيل ولم يأتي دليل بالمنع. بل جاء الدليل تسويغه ايضا كان هذا دليلا على جواز اكل الخيل. ومن جملة دلالة اقتران استدلال المصنف رحمه الله تعالى بهذه الاية في الاقتران بالمركوبات بينما ذكره الله عز وجل من الدواب المشهورة الخيري والحمير والبغال قال وقرنها بقوله ويخلق ما لا تعلمون في الامتنان على الخلق في الركوب. واهل العلم رحمهم الله تعالى مختلفون في دلالة الاقتران تقوية وتضعيفا لابن القيم رحمه الله تعالى كلام حسن لا نظير له عند غيره من المتكلمين في هذه المسألة من الاصوليين وغيرهم. ذكره في بدائع الفوائد ان دلالة الاقتران تكون تارة ظاهرة القوة وتكون تارة اخرى ظاهرة الضعف وتكون تارة ثالثة متساوية القوة والضعف بحسب القرائن التي تحتف بها وبخصوص بهذه المسألة فان القرائن المشاهدة كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى دالة على صحة الاقتران بينما امتن الله سبحانه وتعالى من المركوبات وهي الحمير والبغال والخير لما قرنت بيخلقوا ما لا يعلمون ومن جملته ما لم يذكر كالطائرات والغواصات الفضائية وغيرها. فهذه كلها مندرجة في قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. ومن قواعد البيان القرآني لاحكام القدر والشرع ان يقع فيه اجمال يحيط بجميع الافراد قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. وقع لفظ مجملا فيندرج فيه كل ما يخلقه الله سبحانه وتعالى ويظهره للخلق القي بعد ان كانوا لا يعلمون به. ولهذا فان بيان القرآن يقع مجملة كما يقع مفصلا. لما تقرر ان هذا القرآن قد انتظم فيه بيان كل شيء ولكن الناس يختلفون في قوة استنباطهم لادلة القرآن في تصديق ما يحيط بهم من الاحكام كما قيل لسفيان ابن عيينة يا ابا محمد قد استنبطت من القرآن كل شيء فاين المروءة في القرآن؟ فقال رحمه الله في قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف يعني في قوله وامر بالعرف. فبين المصنف رحمه الله تعالى ان المراكب التي هي الطائرات مندرجة في قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون وقد قرنت بما اذن بركوبه وامتن الله سبحانه وتعالى على الخلق بذلك. ثم قرر ان الله عز وجل لا يمتن بمحرم. فكل شيء اظهر الله عز وجل فيه فضله على الخلق فهو حلال. وهذا معنى الامتنان. فالامتنان هو اظهار الله فضله على الخلق فيه. فاذا ورد في سياق الاية ابراز امتنان الله عز وجل بشيء من الاشياء على خلقه فان الله عز وجل لا يمتن محرم فيدل هذا على جواز المذكور فيه. كما استدل جماعة من الفقهاء على جواز ركوب البحر وعدم كراهيته ولا تحريمه خلافا للقائلين به. بالاي الكثيرات في القرآن التي امتن الله سبحانه وتعالى على الخلق فيها الفلك وهي السفن. فذكره سبحانه وتعالى لها على وجه دال على ان ركوب البحر مباح لا يكره ولا يحرم. ثم انه لما ترى ان الامتنان دال على الجواز بين ان من ركب الطائرة ودخل وقت الصلاة فان الله سبحانه وتعالى لا يأمره بفوق ما يطيق. لان الوجوب معلق القدرة كما اشار الى ذلك ابن سعدي في قوله وليس واجب بلا اقتدار ولا محرم مع اضطراره فاذا اوجدت القدرة على الفعل تعلق الوجوب بالعبد. واذا لم تكن له قدرة خفف عنه الواجب او عنه بالكلية وهذا الذي يركب الطائرة لا يكلف الا بما يطيق وهو ان يصلي فيه واذا صلى الانسان فيها فقد فعل ما هو في وسعه وطاقته ولا يلام العبد في ايقاع الحكم حسب الطاقة لان الله قال فاتقوا الله ما استطعتم. فهذا اتقى ربه عز وجل بحسب ما استطاع وقدر. نعم. احسن الله اليكم اما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل انه سئل عن الصلاة في السفينة فقال صلي فيها قائما الا ان تخاف الغرق. اخرجه الدار قطني والحاكم على شرط الصحيحين مع ان القرآن دل بدل بدلالة الاشارة على صحة الصلاة الصلاة بالسفينة حيث امتن بركوبها تجري في البحر بما ينفع الناس ومعلوم انه لا يتيسر النزول بالساحل عند كل صلاة. فالصلاة فيها صحيحة قطعا. واذا دل الكتاب والسنة والاجماع على صحة الصلاة الصلاة في سفينة البحر فاعلم انها لا يوجد بينها وبين الطائرة فرق له اثر في الحكم. لان كلا منهما سفينة محركة ماشية. يصح عليها الاتيان بجميع اركان الصلاة من قيام وركوع وسجود واعتدال وغير ذلك. بل هو في الطائرة اسهل لانها اخف حركة من السفينة وكل منهما تمشي على جرم لان الهواء جرم باجماع المحققين من نظار المسلمين والفلاسفة وتحقق صحة ذلك اذا نفخت قربة فان الرائي يظنها مملوءة من الماء ولو كان الهواء غير جرم لما ملأ الفراغ بملئ الاوعية المنفوخة وبين الهواء والماء مناسبة حتى ان احدهما ينتقل من عنصره الى عنصر الاخر الا ترى الماء اذا بلغ مائة درجة من درجات الحرارة تبخر وصار هواء انتقل من عنصر الماء الى عنصر الهواء فاذا لم يكن بينهما فرق له تأثير في الحكم فاعلم ان عامة العلماء ما عدا قوم من اتباع داود عند الظاهري على ان المسألة منطوقة بها والمسألة المسكوتة عنها اذا لم يكن بينهما فرق مؤثر في الحكم فان المسكوت عنها تدخل في من منطوق بها وهو الدليل المعروف عند الاصولين بالالحاق بنفي الفارق. وهو نوع من من تنقيح المناط. وسماه الشافعي القياس في عن الاصل قال في مراقي السعود قياس معنى الاصل عندهم حققي. لم عنهم حق عنهم حققي قياس معنى الاصل عنهم حققي لما دعي الجمع بنفي الفارق. وقال ايضا في مسالك العلة في الكلام على تنقيح المناط فمنه ما كان بالغاء الفارق وما بغير من دليل رائقي فالحاق ظرب الوالدين بالتأفيف في قوله تعالى فلا تقل لهما اف والحاق شهادة اربعة عدول بالعدلين في قوله واشهدوا ذوي عدل من والحاق وزن الجبل بمثقال ذرة في قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والحاق احراق مال اليتيم باغراقه واغراقه باكله في قوله تعالى ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما. والحاق البول في اناء وصبه في الماء الراكد بالبول في الماء الراكد المنهي عنه والحاق التضحية بالعمياء بالتضحية بالعوراء المنهي عن التضحية بها. والحاق الامة بالعبد في سراية العتق في قوله صلى الله عليه وسلم من اعتق من اعتق شركا له في عبد الحديث والحاق منع حكم القاضي في حالة الجوع والعطش والحقن والحقب والسرور والحزن ونحو ذلك من من كل ما يشوش عليه بالغضب بالغضب المنصوص عليه في حديث ابي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقظين حاكم بين اثنين وهو غظبان ونحو ذلك مما هو كثير جدا كله الحاق بنفي الفارق واعلم ان الغاء الفارق يقول به من لا يقول بالقياس وهو في حكم النص عند جماهير العلماء مما يدل على ذلك ان الامام ابا حنيفة لا لا يقول بالقياس بالكفارات. وقد قال فيها بالالحاق بنفي الفارق. وذلك في الاعراب الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. يضرب وينتف شعره ويقول هلكت واهلكت واقعت اهلي في نهار رمضان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتق رقبة. والنبي صلى الله عليه سلم نص على كفارة صوم رمضان في خصوص الجماع. ولم يتكلم عن الشرب والاكل عمدا فيه. فحكم ما لك وابو حنيفة بالغاء الفارق والحاق الاكل والشرب المسكوت عنهما بالجماع المنصوص عليه في وجوب الكفارة. فقال بوجوبها في الاكل والشرب عمدا. اما ما وعدنا بعد ان بين رحمه الله تعالى دليل القرآن وهو اية النحل التي امتن الله عز وجل بها ذكر الدليل من السنة وهو حديث ابن عمر الذي اخرجه الدارقطني وهو الحاكم باسناد جيد من حديث ابن عمر انه سئل عن الصلاة في السفينة فقال صلي فيها قائما الا ان تخاف الغرق. ونبه المصنف على ان الصلاة في السفينة قد اشار القرآن الى صحتها بالوجه الذي ذكرناه انفا من الامتنان بركوب البحر وبين ان من المقطوع به انه لا يتيسر النزول بالساحل عند كل صلاة فالصلاة حينئذ في السفينة صحيحة بالكتاب والسنة والاجماع. وحيث تقرر ان وحيث تقرر ان الصلاة في سفينة صحيحة فانه لا يوجد بينها وبين الطائرة فرق واذا عدم الفرق المؤثر في الحكم ساغ الحاق المسألة بنظيرها. والفروق بين المسائل الفقهية من الابواب النافعة. فان معرفة الفروق بين المسائل الفقهية تمتاز به المسائل بعضها عن بعض ويدرك المتفقه ان كان الحاق شيء منها بشيء وهذه الفروق تقوى تارة وتضعف تارة اخرى. فمن الفروق ما يكون صحيحا. ومن الفروق ما يكون ضعيفا. لهذا قسم المحققون الفروق الفقهية الى نوعين اثنين. احدهما طرق القوية وهي ما كان الفرق فيه صحيحا خصوصا عليه والثاني الفروق الضعيفة وهي ما كان الفرق فيه ضعيفا ملغى. واعتبر هذا في ابواب الديانة. تجد ان ابواب الفقه لا تخلو من التفريق عن مسائل متناظرة كما ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى الفرق بين المسح على الخف والمسح على الجبيرة وذكروا الفرق بين انواع الذبائح المعمور بها شرعا والعقيقة وغيرها. ومن احسن المؤلفات في هذا الفن على وجه الاختصار المناسب لعموم الطلبة. القسم الثاني من كتاب العلامة بن سعدي القواعد والاصول الجامعة وهو الفروق والتقاسيم النافعة. فان كتابه على هذين القسمين. فينبغي الا يهمل طالب العلم نفسه من بقراءة القسم الثاني من الكتاب واستشراحه فان المتكلمين في القواعد كثير. واما المتكلمون في الفروق وكان رحمه الله تعالى من اتقن اهل زمانه في بناء المسائل الفقهية على الفروق المرعية هذا شرف كتابه الارشاد في الفقه لعنايته ببيان وجوه الفرق بين المسائل الفقهية الذي يثمر الفرق في الحكم عليها. واذا علم هذا فقد نفى المصنف رحمه الله تعالى وجود فرق له اثر في الحكم بين الصلاة في السفينة والصلاة في الطائرة لان كلا منهما ماش ويصح الاتيان بجميع اركان الصلاة عليهما من قيام وسجود وركوع فذلك ممكن على هذا وعلى هذا بل كما ذكر رحمه الله تعالى هو على الطائرة اهون منه على السفينة لان الغالب في الطائرة فتوى واما السفينة فانها تتحرك على البحر. ثم نبه رحمه الله تعالى ان جمهور اهل العلم رحمهم الله تعالى على ان المسألة المنطوقة بها والمسألة المسكوتة عنها اذا لم يكن بينهما فرق له اثر في الحكم فان كوت عنها تدخل في حكم المنطوق. وهو الدليل المسمى عندهم بالالحاق بنفي الفارق فتلحق مسألة باخرى لنفي الفارق بينهما. وكان الشافعي رحمه الله تعالى يسميه القياس في معنى الاصل وظرب المصنف رحمه الله تعالى امثلة عدة يتبين بها قال كالحاق ضرب الوالدين بالتأفيف في قوله فلا تقل لهما اف. فان الاية في النهي عن قول اف للوالدين وضرب الوالدين اشد من قول اف ولا فرق بين هذا وهذا فالحاقه به في الحرمة والنهي ظاهر. وقل مثل هذا في سائر الامثلة التي ذكرها فان انه يقصد الحاق الحكم المسكوت عنه بالحكم المذكور لانتفاء الفارق بينهما من جملته هذه المسألة التي ذكرها وهي الحاق الصلاة بالطائرة بمسألة الصلاة في السفينة نعم الله اليكم اما ما وعدنا به من كلام الفقهاء على طريق المناظرة الشرعية فانا نقول اولا من ادعى بطلان الصلاة بالطائرة فهو الذي عليه البيان ومدعي الصحة معه الاصل. لانها صلاة لم يختل منها ركن ولا شرط واركان الصلاة وشروطها معروفة لا يختل بالطائرة منها شيء ولا دليل على بطلانها فيها من كتاب ولا سنة ولا اجماع ولا كلام عن احد من اصحاب المذاهب ونقول ثانيا اذ انا اذا اردنا تحقيق هذه المسألة المنطبق على على جزئياتها افرغناها في قالب الدليل العظيم المعروف عند الاصوليين التبر والتقسيم وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل وعند الجدليين بالترديد والتقسيم. فنقول اوصاف الراكب التي يتوهم انها لبطلان صلاته فيها يحصرها التقسيم الصحيح في هذه الاقسام الخمسة. اولها انها غير متصلة بالارض. الثاني انها غير ساكنة الثالث انها ترفعه عن مسامتة القبلة فيكون غير مستقبل القبلة مستقبل والقبلة شرط في الصلاة. الرابع القدرة على اكمال الاركان لحركتها واضطرابها. الخامس عدم معرفة جهة القبلة. ولا وصف غير هذه الاوصاف الخمسة الا الاوصاف الطردية التي لا اثر لها في الاحكام فاذا حققت هذا التقسيم فاعلم ان الصبر الصحيح يدل على ان هذه الاقسام ليس فيها واحد يبطل الصلاة اما كونه كونها غير متصلة بالارض فليست شرطا في صحة الصلاة. لان ارض المصلي هي موضع صلاته. اذا كان يمكنه الركوع والسجود وسائر اركان وقد اجمع جميع العلماء على صحة الصلاة فوق السقف. مع ان الموضع المسامت لاعضائه منه غير متصل بالارض وفي الدسوق عند قول خليل ورفع مأموم ما يسجد عليه ما نصه؟ واما السجود على غير متصل بالارض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته كما مر. ايها الحال انه غير واقف في ذلك السرير والا صحت كالصلاة في المحمل انتهى منه بلفظه. فترى هذا هذا العالم المحقق صرح بانه لو قام في سرير معلق من بين السماء والارض فصلى فيه فصلاته صحيحة وان المحظور انما هو لو صلى في الارض وسجد على السرير المعلق لانه يكون ايماء في الصلاة بلا عذر وهو مبطل لعدم السجود وهو ركن اما كونها غير ساكنة فلا يبطل لاجماع العلماء على صحة الصلاة في سفينة الماء وهي تضطرب في جبال الموج فلو كانت الحركة مبطلة لبطلت في السفينة. اما كونها ترتفع عن مسامتة القبلة فلا يبطلها لاجماع العلماء على ان من صلى على جبل ابي قبيس وهو مرتفع عن مسامتة القبلة ارتفاعا كثيرا بينا. فصلاته صحيحة. مع ان جماهير العلماء على ان الغائب عن مكة يجعل وجهه الى جهة القبلة ولا يلزمه الاجتهاد في مسامتتها. كما دل عليه قوله تعالى ومن حيث خرجت فولي وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنت فولوا وجوهكم شطرا والمراد بالشطر الجهة ومنه قول الشاعر اقول تقول لام زينب اقيمي صدور اقول لامي زمباع اقيم. اقول لام زمباع اقيمي صدور شطر بني تميم اي جهتهم. قال في المختصر والا فالاظهر جهتها اجتهادا. واذا كانت الجهة كافية فمن فمن في الصلاة فمن في الطائرة مستقبل للجهة بلا شك اما عدم القدرة على الاتيان بالاركان فهو منتف بل اهلها قادرون على جميع اركان الصلاة. وقد صلينا فيها مرارا نسجد ونركع ونقوم ونجلس وما تعسر علينا شيء من ذلك. اما معرفة القبلة فهي متيسرة لشدة علم اهلها بالخطوط الجوية. فظهر بالتقسيم الصحيح الصحيح عدم بطلان الصلاة فيها. وقد تقرر في علم الاصول في مبحث الصبر والتقسيم. ان الصبر والتقسيم اذا كانا قطعيين فالحكم قطعي واذا كانا ظنيين فالحكم ظني كما اشار له صاحب مراقي السعود بقوله وهو قطعي اذا ما نمي للقطع والظن سواه وعي. ولا يمكن لاحد ان يزيد وصفا غير الاوصاف التي بينا الا وصفا طرديا لا اثر له في الحكم. وابداء المعترض وصفا زائدا على اوصاف المستدل بالصبر لا لا يثبت به الاعتراض بل ان بل ان ابدى المستدل انه طردي صح دليله وسقط الاعتراض لعدم تأثير ذلك الوصف الزائد كما هو في الاصول واشار له صاحب مراقي السعود بقوله ان يبدي وصفا زائدا معترض وفاء وفى به دون البيان الغرض والشاهد منه في قوله دون البيان اما مع البيان فلا يقدح الوصف الزائد في السبر في سبر مستدل. هذا ما ظهر والعلم عند الله بعد ان بين المصنف رحمه الله تعالى تقرير صحة الصلاة في الطائرة بالكتاب والسنة رجع الى نصب الاصل الثاني الذي وعد به وهو المناظرة فيها مع مدعي بطلانها وبنى ذلك على شيئين اثنين اولهما ان من ادعى بطلان الصلاة في الطائرة فهو الذي يطالب بدليل الابطال. لان مدعي الصحة معه الاصل. فان من جاء بالحكم الشرعي وفق ما هو عليه فقد برئت ذمته وسقط عنه الطلب. واذا صلى المصلي في الطائرة او غيرها على نحو ما امر به الشارع من احكام الصلاة وصفتها فصلاته صحيحة. فاذا اراد مدع ان يبطلها فهو الذي طالبوا بالدليل وليس الذي يطالب بالدليل هو الذي يدعي صحة الصلاة. مثاله من حكم بصحة صلاة المسافر الذي يجمع بين صلاتي الوقت المجموع كالظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يدخل الى بلده قبل وقت الثانية فالذي يبطل صلاته الفرض التانية ويجعلها نفلا ويأمره بان يصلي مع جماعة المسلمين يطالب بدليل على صحة الابطال فاذا قيل ان المسافر الذي جمع الظهر والعصر في سفره ثم دخل بلده قبل العصر وزعم القائل بان صلاة العصر تنقلب في حقه نفلا ولا تكون قد وقعت منه فرضا ويجب عليه ان يصلي مع جماعة المسلمين في المسجد يطالب بدليل الابطال لان المسافر لما جمع بين الصلاتين جمع بينهما على وجه من مأذون به شرعا في حال رخصت فيها الشريعة فاوقعها بصفاتها كاملة صحيحة فمدع الابطال يفتقر الى دليل يبطل به صحة الصلاة التانية ووجوب اعادتها اذا دخل المسافر الى بلده ولا دليل معه بل الدليل مع من يصحح الصلاة لاجل الاصل اولا ولاجل ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد. فهو يدل على ان من اوقع عملا وفق المأمور به في الشرع فان عمله مقبول. وهذا قد اوقع الصلاة على وجه مأمور به في الشرع فيكون عمله مقبولا غير مبطل. واما الاصل الثاني الذي ذكره فهو اعمال اصيل من الادلة وهو الصبر والتقسيم عند الاصوليين. ويسمى بالشرطي المنفصل عند المنطقيين ترديد والتقسيم عند علماء الجدل الذي هو علم البحث والمناظرة. والمقصود به كما ذكر اي الاختبار بجمع الوجوه واختبار كل وجه منها. هل يصح ام لا؟ حتى ينقح الصحيح منها والملغى. وقد ذكر رحمه الله تعالى ان اوصاف الراكب في الطائرة التي يتوهم انها سبب لبطلان الصلاة تحصر في خمسة اقسام. وما عداها فانه لا اثر له في الحكم وهذه الاقسام الخمسة هي كما ذكر الاول انها غير متصلة بالارض والثاني انها غير ساكنة والثالث انها ترفعه عن مساندة القبلة والرابع عدم القدرة على اكمال الاركان لحركتها. والخامس عدم معرفة من جهة القبلة. وقد كرر رحمه الله تعالى اعلى هذه الاقسام التي تورد على صلاة الراكب في الطائرة من اوصاف وبين الصحيح في فاما الاول وهو كونها غير متصلة بالارض فلا يبطل الصلاة. لان الارض المصلي هي موضع صلاته فحيثما صلى المصلي في علو او سفل فان موضع صلاته الذي يتعلق به الحكم هو الارض التي صلى عليها تلك الصلاة سواء سفل مكان صلاته او على مكان صلاته ونقل رحمه الله تعالى عن شرح الدسوق على متن خليل ما يبين هذا وان من صلى في سرير معلق بين السماء والارض قائما فصلاته فيه صحيحة. فجعل المكان المرتفع موضعا للمصلي مع ارتفاعه. وعدم كونه على الارض نفسها. واما وهو كونها غير ساكنة فهذا لا يبطل لاجماع العلماء على صحة الصلاة في السفينة. والسفينة تضطرب اضطرابا اشد من اضطراب الطائرة فلما كانت الحركة غير مبطلة للصلاة على السفينة فلا تكون كذلك مبطلة للصلاة على الطائرة واما الثالث وهو كونه ترفعه عن مسامتة القبلة فلا يبطلها ايضا باجماع العلماء على ان من صلى فوق ابي قبيس وهو الجبل الذي حذاء البيت الحرام فان صلاته صحيحة. على ان جماهير والعلماء يوجبون على الغائب عن البيت الحرام استقبال الجهة فقط. ولا يلزمونه المسامته فحال البعيد غير حال القريب. واما الوجه الرابع وهو عدم القدرة على الاتيان بالاركان هذا منتف فان المصلي في الطائرة يأتي بجميع اركان الصلاة كما هي. وقد ذكر رحمه الله تعالى ما اتفق له في اسفاره من الصلاة فيها مع استيفاء اركان الصلاة. واما الامر الخامس وهو عدم معرفة القبلة. فرده رحمه الله تعالى بتيسر ذلك على قائدها لشدة معرفة اهل الطائرات بالخطوط الجوية فيسهل عليهم تحديد القبلة وقد صار هذا واضحا بينا في الطائرات اليوم فان القبلة تحدد فيها بواسطة اجهزة ظاهرة للعياء وحينئذ فهذه الاعتراضات المتوهمة كلها مما لا يسلم له ولا يخرج من منازعة شديدة تدل على توهينه وتضعيفه. وقد ذكر اهل العلم رحمهم الله ان الصبر والتقسيم ان كان قطعيا فالحكم قطعي وان كان ظنيا فالحكم والصبر والتقسيم ها هنا قطعي فان الاختبار انتج هذه الوجوه الخمسة والحكم عليها اثمر ابطال الاعتداد بها في ابطال صلاة راكب الطائرة. بل دل كما قرره المصنف رحمه الله على ان صلاة واكب الطائرة صحيحة. فيكون حينئذ دليل السبل والتقسيم هنا قطعي ويثمر صحة الصلاة في الطائرة لقيام الادلة على صحتها من القرآن والسنة كما سلف وعدم وجود دليل يدل على بطلان صلاة المصلي فيها. واهل العلم رحمهم الله تعالى مجمعون اليوم على صحة الصلاة في الطائرة. واما مع اول خروجها فقد كان في المالكية قوم يذهبون الى بطلان الصلاة في الطائرة ولاجل هذا صنف المصنف رحمه الله تعالى هذه الرسالة رجاء انتفاع اهل مذهبه من المالكية. لان هذه المسألة فشت في بلاد المغرب وفي افريقية وهي بلاد المالكية لما صار السفر بالطائرة الى الحج ممكنا. فوقع اختلاف فقهاء المالكية في هذا. فمن من افتى بصحة الصلاة ومنهم من افتى بعدم صحتها. فاقتضى ذلك النزاع ان يكتب العلامة محمد الامين الشنقيطي هذه الرسالة وقد نشرت هذه الرسالة بالنسخ اليدوي في بلاد افريقيا. وبها عرف الشيخ محمد الامين في بعض بلاد افريقيا ومن لطيف ما يذكر ان تلميذه الشيخ عبدالرحمن عوف كوني المدني انما انتقل الى البلاد لاجل ملازمة الشيخ محمد الامين الشنقيطي بعد ان وقف على هذه الفتوى في بلاده فولت العليا التي تسمى اليوم ببوركينا فاسو فلما اطلع على هذه الفتوى رأى مبلغ الرجل في العلم فخرج من بلاده لاجل ملازمته ولازمه رحمه الله تعالى لحتى توفي وهذا اخر التقرير على هذه الرسالة والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين