السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد فهذا هو الدرس الرابع والعشرون. من برنامج الدرس الواحد السابع. والكتاب المقروء وفيه هو زاد الداعية الى الله من علامة محمد ابن عثيمين رحمه الله. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة محمد ابن صالح ابن محمد ال عثيمين. يكنى بابي عبد الله. ويعرف بابن عثيمين نسبة الى احد اجداده. المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة سبع واربعين بعد الثلاثمائة والالف. المقصد الثالث تاريخ وفاة توفي رحمه الله في الخامس عشر من شهر سنة احدى وعشرين بعد الاربع مئة والالف وله من العمر اربع وسبعون سنة رحمه الله رحمة واسعة. المقدمة الثانية تعريفه بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اصل هذا تاب هو محاضرة القيت باسم زاد الداعية الى الله. ثم ارتضى ممليها رحمه الله طباعة تلك المحاضرة باسم زاد الداعية الى الله وطبعت في حياته مرارا. المقصد الثاني بيان موضوعه تشتمل هذه الرسالة لطيفة على بيان الالة التي يفتقر اليها الداعية الى الله. وينتظم بها زاده الذي يمكنه من اداء رسالته المقصد الثالث توضيح منهجه. جادة هذه الرسالة هي جادة المحاضرات التي تبنى على السرد الا انها صارت فصولا باعتبار تعداد انواع الزاد فيها. فانه جعل لكل من الزاد جملة تدل على مبتدأه. فيعد الزاد الاول ثم الزاد الثاني وهكذا. وفيها طريقة علماء هذه البلاد من الاكثار من الادلة النقلية والعناية بالتقاسيم العلمية. نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال المصنف الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. فبلغ الرسالة وادى الامانة ونصحها الامة وجاهد في لا يحرق الجهاد وترك امته على محجة بيضاء ليلها كان نهارها. لا يزيغ عنها الا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. واسأل واسأل الله عز وجل ان يجعلني واياكم من اتباعه باطلا وظاهرا وان يتوفانا على ملته وان يحشرنا في زمرته وان يدخلنا في شفاعته وان يجمعنا انابيب جنات النعيم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اما بعد فايها الاخوة انه ليسرني ان التقي باخواني المسلمين هنا وفي اي مكان اخر يرجى منه الخير ونشر هذا الدين. لان الله تعالى على كل من اعطاه علما اخذ عليه ميثاقا بما اعطاه من العلم ان يبينه للناس ولا يكتمه كما قال الله تعالى. واذا ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. وهذا الميثاق الذي اخذه الله ليس وثيقة كنتم تكتبوا ويشاهدها الناس ولكنها وثيقة تعلم بما اعطى الله صاحبها من العلم. فاذا اعطاه الله العلم فان هي الوثيقة التي وثق الله بها هذا الرجل او هذه المرأة التي اعطاه الله علما فعلى كل من عنده علم ان يبلغ ما علمه من شريعة الله سبحانه من شريعة الله سبحانه وتعالى في اي مكان وفي اي مناسبة. ذكر المصنف الله تعالى ان الموجب ذكر هذه المقاصد الشرعية المتعلقة بزاد الدعوة هو الوفاء بالميثاق الذي اخذه الله سبحانه وتعالى على الذين اتاهم الكتاب. وهذا الميثاق هو ميثاق البيان بان يبينوا الدين الذي بعث الله عز وجل به الرسل. والله عز وجل قد اخذ على العلماء خصوصا ميثاق البيان واخذ على المسلمين عموما ميثاق النصح كما في حديث تميم في صحيح مسلم الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله الحديث ولا ريب ان اكد الناس واجبا في اداء النصح هم العلماء فيجتمع في حقهم ميثاق البيان وميثاق النصح معا. بما يعلم به ان حمل العلم ليس شيئا يتزين به وتطلب به الرئاسات والمناصب والحظوة عند الخلق وذكر العبد والثناء عليه وانما يراد من بث العلم ونشره والحرص على طلبه هو القيام بهذا الميثاق من رضي من الناس وسخط من سخط من الناس ومن انصرف بصره من المشتغلين بالعلم عن هذين الميثاقين وتعلق باهداب غيرهما لحقه من النقص في الدنيا والاخرة بقدر ما يفوته من اداء فريضة البيان والنصح ثمان اهل العلم رحمهم الله تعالى وقد علموا ان الله عز وجل قد كتب عليهم هذين الميثاقين يسلكون فيهما الطريقة الشرعية التي رضيها الله سبحانه وتعالى. ولا يأبهون بما يراه الناس بيانا ولا نصحا. فان الناس يعبرون عن بما يشاؤون اصابته من حظوظ الدنيا بانها مما يجب بيانه والنصح فيه وقد لا تكون كذلك في الشرع فالعادة الكامل لا يلحظ مآخذ الناس ومراداتهم. وانما يلاحظ مأخذ الشريعة ومرادها. وانه اذا رعى هذا نجى وانجى واذا مال بصره الى غير ذلك فانه يهلك ويهلك معه غيره. وقد يقول اني لاسى على رجلين رجل يريد العلم ولا فهم له ورجل اتاه الله العلم ولا عقل له فاذا حجب العقل عن معرفة طريقة الشريعة في الوفاء بميثاق البيان وميثاق النصح ربما جرى من المنتسبين الى العلم ما هو خلاف الطريقة الشرعية؟ ومن وعى هذا من ملتمسة العلم وحملته من الطلبة ادرك ان مقصود الجلوس الى الاشياخ ليس هو مجرد اخذ المعلومات فان المعلومات تزاحم فيها الاشياخ الكتب المصنفة وفي الكتب ما يفوق علوم الاشياخ فان الكتب حصيلة علم قرون الامة المتطاولة ولكن المقصود من الجلوس الى الاشياخ اخذ الدين بمعرفة مسالك البيان والبلاغ والنصح واقامة الحجة وافتاء الناس وهدايتهم وارشادهم ومعاملتهم على اختلاف طبقاتهم ولما وعى السلف رحمهم الله تعالى هذا الاصل طالت مدد صحبتهم للشيوخ قهم كما قال مالك كان الرجل يختلف الى الرجل ثلاثين سنة في طلب العلم. لانهم يدركون ان العلم ليس هو مجرد المعلومات بل العلم هو الدين كله. فربما رأوا من سكنة عالم او تحريكته ما كان في ما يغني عن كثير من البيان بل في احوال العلماء بافعالهم ما يحصل به تأديب النفوس ابلغ من تأديبها بالعقوبات كما ذكروا في احوال العلامة محمد بن ابراهيم ال الشيخ ان بعض طلبته اساء في مجلسه فقام وانصرف وترك المجلس والعلامة ابن حميد لما كان في بريدة وكان في مجلس الدرس فدخلت دابة من دواب اهل البلد وانصرفت ابصار بعض الناس اليها واحس الشيخ وكان ضريرا لكنه كان مفرط الذكاء بانشغالهم بها فقام وختم المجلس وانصرف من بينهم. وهذه الاحوال يحصل بها من التأديب ما هو اشد من العقوبة وفيها من البيان ما هو ابلغ ومن محاضرة تستغرق اوقات والانتفاع بالاحوال اعظم من الانتفاع بالاقوال. كما قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى. نعم ايها الاخوة ان موضوع محاضرتنا هذه زاد الداعية الى الله عز وجل. وزادوا لكل مسلم هو ما بينه الله عز وجل في قوله وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فزاد كل مسلم هي تقوى الله عز وجل التي التي كرر الله تعالى ذكرها بالقرآن امرا وثناء على من قام بها وبيانا لثوابه. وغير ذلك من اساليب الكلام. قال الله تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم بكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس هو الله يحب المحسنين. والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. جزاء مغفرة من ربهم وجنة تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. ونعم اجر العاملين. ايها الاخوة الكرام ربما تقولون ما هي التقوى؟ فالجواب ما اثر انطلق ابن حبيب رحمه الله حيث قال التقوى ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك ما نهى الله عنه ان وكما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله فجمع في هذه العبارات بين العلم والعمل واحتساب الثواب والخوف من العقاب فهذه هي التقوى. واننا لنعلم جميعا ان الداعية الى الله عز وجل اولى الناس ان يتحلى بهذا الخلق بتقوى الله في السر والعلن في السر والعلن وانني اذكر بمعونة الله عز وجل. في هذا المقام ما يتعلق بداعية وما ينبغي ان يتزود به. الزاد الاول المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ان موضوع هذه محاضراتها اصل هذه الرسالة هو زاد الداعية الى الله تعالى. واصل الزاد هو ما يتقوت به. فكل ما يتقوت به يسمى زاد وازواد الخلق نوعان اثنان احدهما ازواد الابدان من مأكل ومطعم ومشرب الثاني ازواج القلوب والارواح من نور وهداية وطاعة واحسان. والناس يشتركون في ازواجهم البدنية مؤمنهم وكافلهم برهم وفاجرهم الا ان التفاضل يقع في الازواج القلبية الروحية الايمانية فهم يتفاوتون فيها كما بين السماء والارض. ولهذا اعتنت الشريعة ببيان الازواج الدينية الروحانية القلبية. وجعلت من ذلك قدرا مشاعا مشتركا. ثم جعلت لكل طائفة ما تختص به من انواع الزاد فمن الزاد المشترك بين المسلمين جميعا في احوال قلوبهم وتكمين ايمانهم تقوى الله سبحانه وتعالى كما اشار المصنف فقال والزاد لكل مسلم هو ما بينه الله عز وجل في قوله وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فان هذا زاد قلبي روحي عام للمؤمنين جميعا. ووراء ذلك انواع من الزاد تختلف باختلاف طوائف ما يشتغل به الناس فالدعاة الى الله لهم زاد والمجاهدون لهم زاد وولاة الامر لهم زاد الى اخره ثم عرف المصنف رحمه الله تعالى التقوى ناقلا ذلك عن طلق ابن حبيب العنزي رحمه الله تعالى هذه كلمة مأثورة شهيرة عن طلق امتدحها الذهبي رحمه الله تعالى فقال جمع فاوعى. وهي من اوجز ما قيل في تعريف التقوى وبيان معناها. الا انها جارية على طريقة السلف رحمهم الله تعالى في المسامحة في ما يراد حده لان الصناعات العقلية لم يكن يحتاج اليها لكمال العقول وعدم افتقارها الى جمع ومنع في تعريف الاشياء ثم لما ضعفت مدارك الناس احتيج الى الجمع والمنع في الحدود وسبق ان ذكرنا ان التقوى هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين الله بامتثال خطاب الشرع. اتخاذ العبد وقاية بينه وبين الله بامتثال خطاب الشرع وفصلنا هذا التعريف وذكرنا ما يعترض به على بعض التعاريف المشهورة نعم الزاد الاول ان يكون الداعية على علم فيما يدعو اليه. على علم صحيح مرتكز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لان كل علم يتلقى من سواهما فانه يجب ان يعرض عليهما اولا. وبعد عرضه فاما ان يكون موافقا او مخالفا. فان ان كان موافقا قبل وان كان مخالفا وجب رده على قائله كائنا من كان. فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال يوشك ان انزل عليكم حجارة من السماء. اقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال ابو بكر وعمر. اذا كان هذا في قول لابي بكر وعمر الذي يعارض به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بالكم من بقول من دونهما في العلم والتقوى اصل الصحبة والخلافة. ان رد قوله اذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من باب اولى. ولقد قال عز وجل فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. قال الامام احمد رحمه الله تعالى تدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك. لعله اذا رد بعض قوله ان يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. وان اول زاد يتزود به الداعية الى الله عز وجل ان يكون على علم مستمد من كتاب الله تعالى. ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المقبولة واما الدعوة بدون علم فانها دعوة على جهل والدعوة على الجهل ضررها اكبر من نفعها. لان هذا الداعية قد نصب نفسه موجها ومرشدا فاذا كان جاهلا فانه بذلك يكون ضالا مضلا والعياذ بالله. ويكون جهل هذا جهلا مركبا والجهل المركب اشد من الجهل البسيط فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلم. ويمكن رفعه بالتعلم ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب ان هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون مدمرا اكثر مما فيكون منورا. ايها الاخوة ان الدعوة الى الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وما اتبعوا استمعوا الى قول الله تعالى امر النبي محمدا صلى الله عليه وسلم حيث قال قل هادي سبيلي ادعو الى الله على بصري انا ومن اتبعني فقال ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني اي من اتبعه صلى الله عليه وسلم. فانه لا وده يدعو الى الله على بصيرة لا على جاهل. وتأمل ايها الداعية لله قول الله تعالى على بصيرة. اي على بصيرة في ثلاثة امور الاول على بصيرة فيما يدعو اليه بان يكون عالما بالحكم الشرعي فيما يدعو اليه. لانه قد يدعو الى شيء يظنه واجبا وفي شرع الله غير واجب فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به وقد يدعو الى ترك شيء يظنه محرما. وهو في دين الله اي غير محرم فيحرم على عباد الله ما احله الله لهم. الثاني على بصيرة في حال المدعو ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا الى اليمن قال له انك ستأتي قوما اهل كتاب ليعرف حالهم ويستعد لهم فلا بد ان تعلم حال هذا فادعوا مع مستواه العلمي ما مستواه الجدلي. حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله لانك اذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله صار في هذا نكبة عظيمة على الحق. وانت سببها. ولا تظن ان صاحب الباطن يخفق بكل حال فان الرسول صلى الله عليه وسلم قال انكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو مما اسمع منه فهذا يدل على ان المخاصم وان كان مبطلا قد يكون الحن بحجة من اخر فيقضى بحسب ما تكلم به هذا المخاصم. فلا بد ان يكون عالم بحال المدعو. الثالث على بصيرة في الدعوة قال الله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن وبعض الناس قد يجد المنكر فيهجم عليه ولا يفكر في العواقب الناتجة عن ذلك لا بالنسبة له وحده. ولكن بالنسبة له ولنظائرهم من الدعاة الى الحق لذا يجب على الداعية قبل ان يتحرك ينظر الى النتائج ويقيس. وقد يكون في تلك الساعة ما يطفئ قيلها بغيرته فيما صنع ولكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره فالمستقبل قد يكون في المستقبل القريب دون البعيد. لهذا حذو اخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني. والامر وان تأخر قليلا لكن العاقبة جيدة الله تعالى واذا كان هذا اعني تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو مدلول النصوص الشرعية فانه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات. لانك كيف تدعو الى الله عز وجل وانت لا تعلم الطريق والموصل اليه. لا تعلم شريعته كيف يصح ان تكون داعية. فاذا لم يكن الانسان علم فان الاولى به ان يتعلم اولا ثم يدعو ثانيا. قد يقول قائل هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية. فالجواب لا لان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول بلغوا عني اذا فلابد ان يكون ما ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا ما نريده نحن لسنا عندما نقول ان الداعية انت محتاج الى العلم لسنا نقول انه لابد ان يبلغ شوطا بعيدا في العلم. ولكننا نقول لا يدعو الا بما يعلم فقط. ولا بما لا يعلم ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا الزاد الاول من ازواج الداعية وهو ان يكون الداعية على علم فيما يدعو اليه. لان الدين قائم على امر ونهي. ومن لم يحق بالامر والنهي الى ما يدعو فيحتاج الداعية الى علم يميز به الامر والنهي وهذا العلم هو علم الشريعة فاذا اطلع على علم الشريعة وادرك المأمور فيها والمنهي كان على علم فيما يدعو اليه. واصل العلم في هذه الشريعة هو القرآن والسنة فمن القرآن والسنة تتفجر انهار المعارف والعلوم. وما عدا الكتاب والسنة. فاما الة لفهم وهو الضالة المطلوبة واما اجنبي عنهما وهو الضارة المغلوبة كما قال ابن حجر في فتح الباري. قد اشار الى هذا معنى ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية بقوله والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالفرقان. والله ما قال امرئ متحلق بسواه ما الا من الهديان. فاصل العلم الذي ينبغي ان يشتغل بطلبه الداعية وان يحصله هو علم الكتاب والسنة والدعوة بلا علم دعوة تضر ولا تنفع وشررها اعظم من نفعها فان الجاهل لا يميز مراتب الامر والنهي فلا يفرق بين ما دعت اليه الشريعة وامرت به وبينما نهت عنه الشريعة وحذر منه والناس في الجهل كما تقدم في اصول الفقه منهم من هو جاهل جهلا بسيطا لا يدرك الشيء على عليه ومنهم من هو جاهل جهلا مركبا فهو لا يدرك الشيب بل يدركه على خلاف ما هو عليه. واذا تكلم في العلم من كان على هذا النحو اعني الجهل المركب حصل الضرر كما قال علي رضي الله عنه العلم نقطة كثرها الجاهلون قال الشافعي لو سكت الجاهل لقل الخلاف مما يدل على ان العلم مما يؤلف قلوب الناس ويغسلها من ادران الاحقاد. فاذا بث العلم ونشر ورغبوا فيه انتفى عن نفوسهم تلك الادران لان العلم يجعل لهم نورا يهتدون به. ومن جملة نور العلم انه يأمر اهله بالا يتكلموا فيما لم يحيطوا به علما ثم ذكر ان هذا الاصل مبني على قوله تعالى في سورة يوسف قل هذه سبيلي ادعو الى الله على انا ومن اتبعني والبصيرة تشير الى العلم. وذكر المصنف رحمه الله تعالى ان البصيرة يتعلق بها ثلاثة امور اولها بصيرة فيما يدعو اليه والثاني بصيرة في من يدعوه والثالث بصيرة فيما يدعو به. فاما الاول وهو البصيرة فيما يدعو اليه فذلك بان يكون عالما بالاحكام الشرعية بحكم الله عز وجل في ابواب الديانة. واما الثاني وهو البصيرة في من يدعوه فبالاطلاع على حاله فانه اذا عرف حال المدعو عرف الطريق الى دعوته واذا كان جاهلا بحال المدعو فانه يقع او في الغلط في دعوة من اراد دعوته. وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الاصل لما بعث معاذا فقال له انك تأتي قوم ومن اهل كتاب كما في الصحيحين فاخبره الى حال الناس ليعرف كيفية دعوتهم. ثم ذكر نوع وهو البصيرة فيما يدعو به وهو الذي اشار اليه المصنف بقوله في كيفية الدعوة فان كيفية الدعوة هي فيما يدعو به وحاصل ما تحرر من الادلة الشرعية في هذا المحل ان الناس لا يخرجون عن قسمين اثنين احدهما المسلم والثاني الكافر. ثم كل واحد منهما له قسمان ايضا. فالمسلمون ينقسمون الى قسمين اولهم مسلم مطيع والثاني مسلم عاص. واما القسم الثاني وهو من الكفار فينقسمون الى قسمين ايضا اولهما كافر معرض وتانيهما كافر معارض فتحصلت اربعة اقسام احدها مسلم مطيع والثاني مسلم عاص والثالث كافر معرض والرابع كافر معارض. وقد رتبت الشريعة لكل واحد من هؤلاء تحصل به دعوته فاما المسلم المطيع وهو الذي يكون عنده قبول فقد رتبت الشريعة دعوته بالحكمة واما المسلم العاصي وهو الذي يكون عنده اقبال فقد رتبت الشريعة دعوته للموعظة الحسنة. واما الكافر المعرض فقد رتبت الشريعة دعوته بالمجادلة بالتي هي احسن. واما الكافر المعارض فقد رتب الشريعة دعوته بمقاتلته. فهذه هي الطرائق الاربع التي رتبتها الشريعة في كيفية دعوة كل احد بملاحظة حاله. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا اشكالا يرد على بعض الناس وهي هل يلزم ومن هذا ان نترك الدعوة والنبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو اية. فاجاب بان النبي صلى الله عليه وسلم امر بتبليغ العبد الاية التي يعلمها فهو يبلغ بقدر علمه. فقوله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية اي مما تعلمون ليس في الشريعة الاذن بان يدعو الى ما لا يعلم الانسان. فمن يظن ان المرء يكفيه علم يسير ثم يدعو الى كل شيء ويأتيه الفتح من الله عز وجل على دعوته هذا كلام باطل مخالف لكتاب والسنة. كما ان من يظن ان المرء يمكث مدة طويلة لا يدعو حتى يحصل قدرا يقوم في ذهنه ان هذا لم يأتي به الكتاب والسنة ولكن الذي الذي جاء به الكتاب والسنة هو ان يدعو الانسان بحسب علمه وحاله. وقولنا بحسب علمه يعني بحسب ما اشتملت عليه نفسه من العلم وقولنا بحسب حاله اي بحسب تعلق الواجب به فان الدعوة واجب على الكفاية في اصح قوله اهل العلم واذا نظر الانسان الى نفسه عرف منزلتها في القيام بفرض كفاية هذا. فالواجب على احاد الناس ليس كالواجب على طلبة العلم والواجب على طلبة العلم ليس كالواجب على العلماء والواجب على احاد العلماء ليس كالواجب على العلماء الذين يقبل منهم ولي الامر ويدخلون عليه. كما ان المؤذن لا يجب عليه في دعوة الناس لما يجب على الامام والامام لا يجب عليه بدعوة الناس ما يجب على الخطيب. والخطيب لا يجب عليه في دعوة الناس ما يجب على العالم. فالناس في تعلق الامر بهم بحسب قدرهم. فان الواجب يتعلق بالقدرة. فاذا ظن الناشئ ان الله سبحانه وتعالى اوجب ان يدعو باستنفاذ قوته ووقته فان ذلك نوع من الضلال. لانه يؤول بقلبه الى الفساد فان من استعجل شيئا قبل اوانه عوقب بحرمانه. ومن تصدى لهداية الناس وارشادهم في بواكير شبابه من غير علم تام ولا عقل كامل فهو بين حالين اثنين. لا ثالث لهما احدهما ان يضعف ايمانه. ويتزلزل يقينه وربما انسلخ من الديانة وهذا امر قد شاهدناه. وتانيهما ان يتسارع الى الدعوة الى ظلالة كل ما زينت له نفسه من هداية الناس فانه يرى انه سبيل سائغ فيقوم بدعوة الناس اليه من غير بيان ولا تمحيص والواجب على العبد ان يلاحظ ما يجب عليه من الدعوة بحسب حاله وقوته. فاذا كان عندك مكنة والة في البيان والبلاغ انت تدعو بحسب هذه الالة واذا لم تكن عندك تلك الالة فانت لا تكلف نفسك ما لا تطيق فان تكليف النفس ما لا تطيق يرجع عليها بالفساد الذي هو الفترة المعبر عنه في اللسان ايضا بالفتور فان هذه الفترة انما تهجم على القلوب لان القلوب تحمل فوق طاقتها. وكما ان الابدان اذا حملت شيئا ثقيلا ضعفت به وربما اضر بها فان من العلل التي بعض الاجساد منشأها ان يقوم الانسان برفع ثقل لا طاقة له به وكما ان هذا يقع في الامور المحسوسة بالابدان فكذلك يقع في الامور المعنوية في القلوب. فيضعف الانسان لانه وحمل نفسه فوق طاقته فيما يتعلق بالبيان والبلاغ. فلا بد من ملاحظة الحال. واشبه شيء يشبه به هذا الامر كما ذكرته غير مرة لكم حال الانسان في ملابسه. فان الانسان وهو في السنة الاولى يلبس لباسا لا يصلح له في السنة الثانية ويلبس في السنة الثانية لباسا لا يصلح له في الثالثة. فاذا بلغ السابعة لم يكن شيء من لباسه في مبتدأ عمره صالحا فاذا بلغ لم يكن ما سبق من اللباس صالحا له بالكلية. فاذا شب وترعرع عن الطوق وصار رجلا لم يكن شيء من اللباس الذي سبق صالحا له ولو قدر انه اراد ان يلبس وهو ابن ثلاثين سنة لباسه وهو ابن خمسة عشر سنة لكان ذلك نقصا في عقله وكذلك الاحوال الايمانية فان الانسان اذا حمل قلبه ما لم تتهيأ له بالاحوال ايمانية فانه لا يقدر على ذلك. وكثير من الناس يعرض نفسه للبلاء وهو لم يمتحنها. فهو يظن انه حصل الة من الايمان تحمله على الكمالات فاذا اختبر نفسه فيها خارت قواه وتبدد شمله وضعف ايمانه واعتبر هذا في للناس. فكم من امرئ طلب الدنيا وهو صاحب طاعة؟ فلما تسارع فيها انخلع من الطاعة وضعف ايمانه وكم من الناس من رأى انه يتفرغ لطلب العلم لكن لم تكن له الة ايمانية كاملة فلما تفرغ له اما بترك وظيفته او بترك دراسته واذا هي اشهر قليلة والامر يرجع عليه بالعثرة والفترة. وكذلك من الناس من هيأ نفسه للخروج الى الجهاد فلما حل مرابع في الطريق وقع فيما حرمه الله سبحانه وتعالى. وكل هؤلاء من هم من انفسهم فانهم لم يعرفوا اقدارهم في الايمان. فاذا لم يعرف الانسان قدره في الايمان فاياه وامتحان نفسه فان امتحان النفس بالاعمال التي لا تطيقها ظرره على الانسان وخيم. كالظرر الدواء الذي يشربه الانسان دفع علة لكنه لا يعرف هل يقع هذا الدواء موقعه من المرض ام لا؟ فربما رجع عليه بالهلاك. وكذلك الاحوال التي يريد الانسان ان يدخل فيها ثم لا يعرف نفسه وهو قادر عليها ام لا فاذا دخل فيها اضر بايمانه ومن رأى احوال السلف رحمهم الله تعالى وكمال عقولهم وبعد نظرهم وتمييزهم لمراتب الاعمال فسيرة الصالحين حقا وان الصلاح ليس بظاهر يرى وانما الصلاح بباطن يخفى يجعله المرء بينه وبين الله سبحانه وتعالى فانه اذا وردت المحن او المنح وابتلي الانسان بها انكشف له غطاءه وتميز له وعرف منزلة نفسه. فينبغي للعاقل الا يدخل نفسه في شيء من الامور الا وهو يعرف قدرها. ومن جملة الدعوة الى الله سبحانه وتعالى فان التصدي للناس ونفعهم سواء بعلم او افتاء او امامة او تدريس او وغير ذلك لابد ان يزن الانسان نفسه فيه وزنا عظيما. فكم من انسان افتتح على نفسه الباب فكان انفتاح عذاب فتنة عليه لانه لم يفتحه بالنظر الى صلاحية نفسه وانما افتتحه اما لملائمة طبع او لموافقة للناس فجرى على هذا المجرى دون ان ينظر في نفسه اتصلح لهذا ام لا تصلح لهذا؟ فان من الناس من يجلس التعليم ثم يكون هذا التعليم مفتاح باب الدنيا عليه. والشهرة والحظوة وهو لا يحسن تصفية نفسه من اكدارها ولا تطهير قلبه من ادرانه ولا يتفطن الى احوال الناس في صلتهم بالمعلمين والمدرسين ولا يقع له وفهم في تمييز كيفية معاملة الخلق في هذه الابواب فيقع عليه بالعطب وربما خرج من التعليم الى ضده وقل هذا في كل باب من ابواب الديانة والمقصود ان الانسان ينبغي عليه ان يقيس ديانته وايمانه والا يخاطر بايمانه في اي باب من الابواب حتى يعرف مرتبة نفسه. نعم. الزاد الثاني ان يكون داعية صابرا على دعوته صابرا على ما يدعو اليه صابرا على ما يعترض دعوته صابرا على ما يعترضه هو من الاذى. ان يكون صابر على الدعوة اي مثابرا عليها لا يقطع ولا يمل بل يكون مستمرا في دعوته الى الله بقدر المستطاع. وفي المجالات التي يكون الدعوة فيها انفع واولى وابلغت وليصبر على الدعوة ولا يمل فان الانسان اذا طرقه الملل استحسن وترك. ولكن اذا كان مثابرا على دعوته فانه ينال واجر الصابرين من وجه وتكون له العاقبة من وجه اخر. واستمع الى قول الله عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان عاقبتني المتقين ولابد ان يكون الانسان صابرا على ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات. لان كل انسان اني اقوم داعيا الى الله عز وجل لابد ان يعارض. قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين كفى بربك هاديا ونصيرا. فكل دعوة حقة لا بد ان يقوم لها معارض لا بد ان يقوم لها ممانع فيها ومشكك ولكن يجب على الداعية ان يصبر على ما يعترض دعوته حتى ولو وصفت تلك الدعوة بانها خطأ او وانها باطل وهو يدرك انها مقتضى كتاب الله. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصبر على ذلك. ولكن هذا لا يعني ان الانسان يصر على ما يقول وما يدعو اليه وان تبين له الحق. فان الذي يصر على ما يدعو اليه وان له الحق يشبه من قال الله فيهم يجادلونك في الحق بعد ما تبينك انما يساقون الى الموت وهم ينظرون والمجادلة في الحق بعد ما تبين صفة مذمومة وقد قال الله فيمن اتصف بها. ومن يشقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. فما يعترض دعوتك ايها الداعية ان كان حقا فالواجب عليك الرجوع اليه وان كان باطلا فلا يثني عزمك عن المضي قدما في دعوتك كذلك لابد ان يكون الداعية صابرا على ما يعترضه هو من الاذى لان الداعية لابد ان يؤذى اما بالقول واما بالفعل وهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اوذوا بالقول واذوا بالفعل اقرأ قول الله عز وجل. كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون. ما رأيكم في من يأتيه الوحي من ربه ويقال في وجهه انك ساحر او مجنون. لا شك انه يتأذى مع هذا فالرسل صبروا على ما اوذوا بالقول وعلى ما اوذوا بالفعل. انظر الى اول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام. كان قومه يمرون وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول لهم ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون ولم يقتصر الامر بهم على السخرية به بل توعدوا بالقتل قالوا لان لم تنتهي يا نوح لتكونن من المرجومين. اي من المقتولين رميا بالحجارة. هنا توعد مع تهديد بانا قد رجمنا غيرك اظهارا لعزتهم وانهم قد رجموا اخرين وانت منهم. ولكن هذا لم يدن نوحا عليه الصلاة والسلام عن دعوته بل استمر حتى فتح الله بينه وبين قومه. وهذا ابراهيم عليه الصلاة والسلام قابله قومه بالرفض بل شهروا به بين الناس. قالوا فاتوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون ثم توعدوهم بالاحراق قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين. فاوقدوا نارا عظيمة ورموه بالمنجنيق لبعدهم عنها لشدة حرارتها ولكن قال رب العزة والجلال قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم فكانت وسلاما ونجا منها فكانت العاقبة لابراهيم. وارادوا به كيدا فاجعل لهم الاخسرين. وهذا موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل ذروني اقتل موسى وليدعو ربه اني اخاف ان يبدل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد فتوعده بالقتل ولكن اخر الامر كانت العقبى لموسى عليه الصلاة والسلام. وحاق بال فرعون سوء العذاب وهذا عيسى عليه الصلاة والسلام حصل له من الاذية ما حصل حتى رماه اليهود بانه ابن بغي وقتلوه على على زعمهم وصلبوه ولكن الله تعالى يقول وما قتلوه وما صلبه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا بل رفعه الله اليه وكان الله انزا حكيما فنجا منهم هذا خاتم الرسل وامامهم وسيد بني ادم محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله عنه واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين قال تعالى وقالوا يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون. وقال تعالى ويقولون انا لتاركوا الهتنا شاعر مجنون وحصل من اذيتهم القولية والفعلية ما هو معلوم لدى العلماء في التاريخ ومع هذا صبر فكانت العاقبة له اذا فكل داعية لابد ان يناله اذى ولكن عليه ان يصبر ولهذا لما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا كان من المتوقع ان يقول الله فاشكر نعمة الله على تنزيل هذا القرآن ولكن قال له فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثم من او كثر اشارة الى ان كل من قام بهذا القرآن فلا بد ان يناله ما يناله من الامور التي تحتاج الى صبر عظيم فعلى الداعية الى الله ان يكون صبورا وان يستمر حتى يفتح الله له. وليس من الضروري ان يفتح الله له في حياته بل ان المهم انت ابقى دعوته بين الناس ناصعة متبوعة ليس المهم الشخص ولكن المهم الدعوة فاذا بقيت دعوته ولو بعد موته فانه حي قال الله عز وجل او من كان ميتا فحينه وجعلنا له نورا يمشي بي في الناس كمن مثلوا في الظلمات ليس بخارج منها. كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون. ففي الحقيقة ان حياة الداعية ليس معناها ان تبقى روحه في جسمه فقط. بل ان تبقى مقالته حية بين الناس. وانظر الى قصة ابي سفيان مع هريرة وقد كان سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم دعا ابا سفيان فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاته نسبه وما يدعو اليه واصحابه فلما اخبره ابو سفيان عما سأله عنه قال هرقل له فان كان ما تقول حقا فسيمنك موضع قدمي هاتين سبحان الله من يتصور ان ملكا امبراطوريا كما يقولون. يقول مثل هذا القول في محمد صلى الله عليه وسلم وهو مع ذلك لم يحرر جزيرة العرب. من رق الشيطان والهوى ومن يتصور ان مثل هذا الرجل يقول مثل هذا القول ولهذا لما خرج ابو سفيان قال لقومه لقد امر لقد امر امر ابن ابي اميرا اميرة امرو اميرة امر ابن ابي طالب. لقد امر امر ابن ابي كبشة انه لا يخاف ملك بني الاصفر يعني امرا يعني امرا يعني عظم ومنه قوله تعالى لقد جئت شيئا امرا اي عظيما وقد النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدميه رقلا بدعوته لا بشخصه لان دعوته اتت على هذه الارض واكتسحت الاوتان والشرك اصحابه وملكها الخلفاء الراشدون بعد محمد صلى الله عليه وسلم. ملكوها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبشريعة النبي صلى الله عليه وسلم اذا على الداعية ان يصبر وستكون العاقبة له اذا كان صادقا مع الله سواء في حياته او بعد مماته. ان الارض لله يورثها من يشاء ياء من عباده والعاقبة للمتقين. وقال الله تعالى انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين ذكر المصنف رحمه الله وها هنا الزاد الثاني من ازواج الداعية الى الله وهو الصبر. وتقدم ان الصبر هو حبس النفس على حكم الله عز وجل. وان ممن يتعلق بهم الصبر هكذا التعلق من نصب نفسه لدعوة الناس وهدايتهم. فان الناس يحتاجون الى سياسة في اصلاحهم وملاحظة لاحوالهم بغية ايصالهم الى الهدى والنور. ورعاية هذا الاصل اشد من رعاية الدواب العجماء كما قال الشافعي رحمه الله تعالى سياسة الناس اشد من سياسة الدواب والمعنى ان ملاحظة ومعرفة تصرفات انفسهم امر يتقلب على الناظر فيه. فهم يقبلون تارة ويعرضون اخرى ويمدحون تارة ويقدحون اخرى الى اخر احوالهم البشرية ولا يدفع مثل هذا الا بالصبر عليهم وكأنه والله اعلم استفاض الامر بالافراد للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر في القرآن. فلو قال قائل انه لم يأتي امر مفرد موجها الى النبي صلى الله عليه وسلم اكثر من الصبر. كما قال الله سبحانه وتعالى له فاصبر كما صبر اولو من الرسل وقال له فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وقال سبحانه وتعالى واصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثما او كفورا فكأنه لتقرير هذا الاصل كان من اعظم ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الافراد قرر عليه الامر بالصبر لانه ما من داع يدعو الى الله سبحانه وتعالى الا وهو يدعو الى فطم الناس عما وخلعهم عن شهواتهم وذلك شاق على انفسهم فلا بد ان يكون فيهم من يعارضه ويناقض دعوته كما قال الله عز وجل وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين. وفي خبر ورقة ابن نوفل في يا ليتني فيها جدع انصرك اذا اخرجك قومك فقال صلى الله عليه وسلم اومخرجيهم؟ فقال انه لم يأتي احد بمثل ما جئت به الا اخرجه قومه وكل صاحب دعوة حق فانه له اعداء مرصدون كما بينه امام الدعوة في كشف الشبهات وذكرنا جملة صالحة من التعليق عليه في التقرير على شرح العلامة ابن فوزان هو من برنامج اليوم الواحد. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذا هو حال الانبياء جميعا. فما من نبي الا قد ابتلي بقومه وصار بينه وبينهم احوال ولكنه لما صبر نصره الله سبحانه وتعالى عليه وقص المصنف من خبر اولي العزم عليهم الصلاة والسلام ما يدل على ان الداعية يعرض له من يعارضه ويجادله فلا مناص له من ولتأكيد هذا جاء الامر بالصبر على زنة افعل الموضوعة للامر اصلا وعلى زنة فاعل الموضوعة مقابلة فقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا فالامر بقوله اصبروا ابتداء بالامر وقوله عز وجل وصابروا اي على وجه المقابلة فانه سيعرض لكم من يعارضكم ويناقضكم فلا بد من وجود المصابرة نعم. الزاد الثالث للحكمة. فيدعو الى الله بالحكمة وما امر الحكمة على غير ذي الحكمة والدعوة الى الله تعالى تكون بالحكمة ثم بالموعظة الحسنة ثم الجدال بالتي هي احسن لغير الظالم ثم بالجدال بما ليس احسن للظالم. فالمراتب اذا طبعا قال الله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن. وقال تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم. ان الحكمة اتقان الامور واحكامها بان تنزل الامور منازلها وتوضع في مواضعها ليست من الحكمة ان تتعجل وتريد من الناس ان ينقلبوا من حالهم التي هم عليها. الى الحال التي كان عليها الصحابة. بين عشية ضحاها ومن اراد ذلك فهو سفيه في عقله بعيد عن الحكمة. لان حكمة الله عز وجل تأبى ان يكون هذا الامر ويدلك لهذا ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ينزل عليه الكتاب نزل عليه الشرع متدرجا حتى استقر في النفوس. وكمل فرضت صلاة في المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل سنة ونصف وقيل خمس سنين على خلاف بين العلماء في هذا ومع هذا لم تفرض على وضعها الان اول ما فرضت كانت ركعتين من الظهر والعصر والعشاء والفجر. وكانت المغرب ثلاثا لاجل ان وترا للنار وبعد الهجرة وبعد ان امضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة تزيد صلاة الحضر فصارت اربعا في الظهر والعصر والعشاء وبقيت صلاة الفجر على ما هي عليه لانها تطول فيها القراءة. وبقيت المغرب ثلاثا لانها وتر النار والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة او فرضت في مكة لكنها لم تقدر تقديرا في انصبائها وواجبها بها ولم يبعثوا النبي صلى الله عليه وسلم السعاة لاخذ الزكاة الا في السنة التاسعة من الهجرة. فكان تطور الزكاة على مراحل في مكة واتوا حقه يوم حصاده. ولم يبين الواجب ولا مقدار ما يجب فيه ذلك الواجب. وجعل الامر موكولا الى الناس وفي السنة الثانية من الهجرة بينت الزكاة بانصبائها وفي السنة التاسعة من الهجرة صار النبي صلى الله عليه وسلم لما يبعث السعاة الى اهل المواشي والثمار لاخذها. فتأمل مراعاة احوال الناس في تشريع الله عز وجل وهو احكم الحاكمين كذلك في الصيام تطور في تشريعه فكان اول ما فرض يخير الانسان بين ان يصوم او يطعم. ثم تعين الصيام وصار الاطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر. اقول ان الحكمة تأبى ان يتغير العالم بين عشية وضحاها فلابد من طول النفس واقبل من اخيك الذي تدعوه ما عنده اليوم من الحق وتدرج معه شيئا فشيئا حتى تنتشله من الباطل. ولا يكن الناس عندك على حد سواء فهناك فرق بين الجاهل والمعاند. ولعل من المناسب ان نضرب امثلة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. المثال الاول دخل رجل اعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في اصحابه في المسجد. فبال الاعرابي وفي طائفة من المسجد فزجره الناس والزجر هو النهر بشدة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي اعطاه الله تعالى من الحكمة دينها نهاهم فلما قضى بوله امر صلى الله عليه وسلم ايراق على بوله ذنوبا مما يعني دلوى المفسدة فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم الاعرابي فقال له ان هذه المساجد لا تصنع لشيء من هذا البول ولا القدر انما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن. او كما قال صلى الله عليه وسلم فانشرح صدر الاعرابي هذه المعاملة الحسنة ولهذا رأيت بعض اهل العلم نقل ان هذا الاعرابي قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا لان محمدا صلى الله عليه وسلم عامله هذه المعاملة الطيبة اما الصحابة رضوان الله عليهم فسعوا في ازالة المنكر من غير دايرين لي حال هذا الرجل الجاهل. المثال الثاني معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله. فاذا عطس احد في الصلاة فليقل الحمد لله. سواء في القيام او في الركوع او في في السجود قال هذا الرجل الحمد لله فقال له معاوية يرحمك الله وهذا خطاب لادمي يبطل الصلاة. فرماه الناس بابصارهم وجعلوا ينظرون اليه فقال معاوية واتكلى امية. والثكل الفقد وهذه كلمة تقال ولا يراد معناها. وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال الا اخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا نبي الله اخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به. فقال ثكلتك امك يا معاذ وهل يكب الناس في النهر على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد السنتهم؟ لحظة ثم مضى معاوية رضي الله عنه في صلاته فلما اتم الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معاوية قال معاوية رضي الله عنه فوالله ما رأيت معلما احسن تعليما منه. اللهم صلي وسلم عليه والله ما قاهرني ولا نهارني وانما قال ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن او كما قال صلى الله عليه وسلم انظر الى الدعوة المحببة الى النفوس يقبلها الانسان وينشرح بها صدره. ونأخذ من الحديث من الفوائد الفقهية ان من تكلم في الصلاة وهو لا يدري ان الكلام يبطل الصلاة فان صلاته صحيحة. المثال الثالث جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قال ما اهلكك؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان وانا صائم فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يعتق رقبة. فقال لا اجد ثم امره ان يصوم شهرين متتابعين قال لا استطيع. ثم امر وان يطعم ستين مسكينا فقال لا استطيع. فجلس الرجل فاوتي النبي الله عليه وسلم بتمر فقال خذ هذا فتصدق به. ولكن الرجل طمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو اعظم المخلوق فان رسول الله صلى الله عليه وسلم اكرم الناس فقال الرجل اعلى افقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين الابتلاء اهل بيت افقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدأت انيابه او نواجذه لان هذا الرجل جاء خائفا يقول هلكت فذهب غانما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطعموا اهلك. فذهب الرجل مطمئنا غانما فرحا بهذا الدين الاسلامي وبهذا اليسر من الداعية الاول لهذا الدين الاسلامي صلوات الله وسلامه عليه. المثال الرابع ولننظر كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلم مرتكب الاثم. رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وفي يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده كلمتا وطرحوا في الارض وقال يعمد احدكم الى جمرة من نار فيضعها في يده. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعامله معاملة الاولين بل نزعه من يده وطرحه في الارض فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به فقال والله لا اخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم الله اكبر هذا الامتثال العظيم من الصحابة رضوان الله عليهم المهم انه يجب على الداعية ان يدعو الى الله عز وجل بالحكمة فليس الجاهل كالعالم. وليس المعاند كالمستسلم. فلكل من مقال ولكل منزلة حال. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا الزاد الثالث وهو الحكمة. والحكمة نوعان اثنان احدهما الحكمة العلمية وهي اصابة الحق. والثاني الحكمة العملية وهي وضع الامور في مواضعها. والداعية الى الله عز وجل محتاج الى هذا وهذا. والحكمة احدى الالات التي يدعى بها الناس فيما تقدم بحسب حال صاحبها فان المسلم المطيع الذي عنده قبول يدعى بالحكمة وما بعده من الاصناف يدعى بما يناسبه كما تقدم. وعامة المسلمين عندهم قبول للطاعة لان عقد الديانة في نفوسهم فاولى ما يصرف به امر دعوتهم ان يكون بالحكمة في بين الانسان لهم امر الديانة ويعظم لهم الشريعة ويعرفوا ما يلائم نفوسهم من ذلك يقع امر دعوته في نفوسهم موقع القبول والاذعان. ومقتضى هذا ان يكون الانسان عارفا من مدارك الناس وقدرهم وطاقاتهم حتى يعامل كل احد بحسبه. كما رأيتم في الاحوال النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام وكيف انه عامل الاعرابي بما لم يعامل به من دامت صحبته معه. فالاعرابي عمله بلين وتلطف. ومن قال صحبته معه لما اراه اذنب ذنبا بلبس الخاتم نزعه منه صلى الله عليه وسلم بقوة وهكذا حاله صلى الله عليه وسلم. ومن يظن ان الدعوة الى الله مجية كلها على التلطف والرحمة فقد خالف الشريعة. ومن يظن ان الدعوة الى الله كلها مبنية على الغلظة والشدة فقد خالف الشريعة بل الشريعة جعلت مواقع من الدعوة تكون بالتلطف والرحمة ومواقع اخرى من الدعوة تكون بالشدة والغلظة فيضع الانسان ما وضعته الشريعة في منزلته. فانه اذا وافق الدواء الداء حسمه. واذا لم فقه لم ينفع فيه فاذا استعملت الرحمة واللطف في مقام الغظة والشدة او استعملت الغلظة والشدة في مقام الرحمة واللطف آآ وذلك بالمدعو فينبغي ان يتفطن المرء الى هذا وان يلاحظ ما يصلح فيه هذا او هذا اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم نعم. الزاد الرابع ان يتخلق الداعية من اخلاق فاضلة. بحيث يظهر عليه اثر العلم في وفي عبادته وفي هيأته وفي جميع مسلكه حتى يمثلوا دور الداعية الى الله. اما يكون على العكس من ذلك فان دعواته وتفشل وان نجعت فانما نجاحها قليل. فعلى الداعية ان يكونوا متخلقا بما يدعو اليه من عبادات او معاملات او اخلاق وسلوك حتى تكون دعوته مقبولة وحتى لا يكون من اول من تسعر بهم النار. ايها الاخوة اننا اذا نظرنا الى احوالنا وجدنا اننا في الواقع قد ندعو الى شيء ولكننا لا نقوم به. وهذا لا شك انه خلل كبير. اللهم الا ان يحول بيننا وبينه النظر والى ما هو اصنع لان لكل مقام مقالة. فالشيء الفاضل قد يكون مفضولا لامور تجعل مفضول راجحا. ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الى بعض الخصال ولكنه يشتغل احيانا بما هو اهم منها وربما يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم ايها الاخوة انني اريد من كل داعية ان يكون متخلقا بالاخلاق التي تليق بالداعية. حتى يكونوا داعية حقا وحتى يكون قوله اقرب الى القبول ذكر المصنف ها هنا الزاد الرابع من ازواج الداعية وهو التخلق بالاخلاق الفاضلة والاخلاق تطلق على معنيين اثنين احدهما عام وهو الدين كله. كما في قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم يعني دين عظيم الثاني على معنى خاص وهو ما يتعلق بمعاملة العبد لغيره من الناس. فالعبد مأمور في هذا وهذا بان يكون على الاكمل الاتم بتحسين خلقه. والاية والاحاديث في حسن الخلق وفضائل مكارم الاخلاق مستفيضة وقد افرد اهل العلم رحمهم الله تعالى هذا الاصل بتأليف ومن كان مقتديا ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولتكن اخلاقه اخلاق النبوة. فمن كان ذا بصر وبصر بهدي صلى الله عليه وسلم واخلاقه ثم امتثلها حصل له الكمال. فمحاسن الاخلاق انما تجتمع في الرجل بحسب قوة الاقتداء باكمل الخلق خلقا وهو النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا فرط في العلم بها او علمها ولم يمتثل حصل من نقص اخلاقه بقدر ما يفوته من ذلك نعم. الزاد الخامس ان يكسر الداعية الحواجز التي بينه وبين الناس. لان كثيرا من اخواننا الدعاة اذا رأى قوما على منكر قد تحمله الغيرة وكراهة هذا المنكر. على الا يذهب الى هؤلاء ولا ينصحهم وهذا خطأ وليس من الحكمة ابدا الحكمة ان تذهب وتدعو وتبلغ وترغب وترهب. ولا تقل هؤلاء فسقت من لا يمكن ان امشي حولهم. اذا كنت انت ايها المسلم لا يمكن ان تمشي حول هؤلاء. ولا ان تذهب اليهم لدعوتهم الى الله. فمن الذي يتولاهم؟ ايتولاهم احد مثلهم ايتولاهم قوم لا يعلمون ابدا ولهذا ينبغي للداعية ان يصبر وهذا من الصبر الذي ذكرناه سابقا. وان يصبر نفسه ويكرهها ويكسر الحواجز بينها وبين الناس حتى يتمكن من ايصال دعوته الى من هم في حاجة اليها. اما يستنكر في هذا فهذا خلاف ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله. والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم كان يذهب في ايام منى الى المشركين في اماكنهم ويدعوهم الى الله وقد اثر عنه انه صلى الله عليه وسلم قال الا رجل يحملني الى قومه فان قريشا قد منعوني ان ابلغ كلام ربي. فاذا كان هذا دأب نبينا صلى الله عليه وسلم هو امامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فانه من الواجب علينا ان نكون مثله في الدعوة الى الله. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا الزاد الخامس من ازواج الداعية وهو ما عبر عنه بكسر الحواجز التي بينه وبين الناس. وهذه الكلمة مجملة يراد بها بها احد معنيين اثنين اولهما ان يقال ان كسر الحواجز هو الانغماس في الناس والانغمار في جماعتهم ودوام معاشرتهم والثاني ان يقال ان كسر الحواجز هو التواصل معهم ومعاشرة كل واحد منهم بحسب ما يصلحه من المعاشرة. فاما الاول فان الشريعة لم تأتي به. واما الثاني فهو الذي رعته الشريعة ولم تكن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر وعمر كصحبته لغيرهما من احادي الصحابة كما ان لم تكن صحبته صلى الله عليه وسلم لاحاد الصحابة كصلته بغيرهم ممن لم يدخل في الاسلام من اليهود والمشركين فلابد ان يعرف الداعية ان الذي امر به شرعا انما هو التواصل مع الخلق. ارادة هدايتهم ويعاشرهم بحسب ما يصلحون به واما الاول فانه خطر عليه. فربما جرته ملائمة طبع او صلاح شكل او موافقة اكل الى ان يديم صحبة الخلق فيحجبونه عن الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في اغاثة اللهفان وغيره كلاما حسنا في مراتب المعاشرين. فجعلهم على اربعة مراتب. اولهم من يعاشر كالغذاء وهم العلماء الربانيون. والثاني من يعاشر كالدواء. وهم من اليه المرء في مصالح الدارين. والثالث من يعاشره كالداء. وهم عموم الخلق فيحذر منهم كما يحذر من ان يصيبه الداء. ورابعهم من هم في المعاشرة كالسم القاتل. وهؤلاء اهل البدع والضلال والهوى والزيغ. نعم الزاد السادس ان يكون قلب الداعية منشرحا لمن خالفه. لا سيما اذا علم ان الذي خالفه حسن النية وانه لم يخالف الا بمقتضى قيام الدليل عنده. فانه ينبغي للانسان ان يكون مرنا في هذه الامور وان لا يجعل من هذا الخلاف متارا للعداوة البغضاء اللهم الا رجل خالف معاندا بحيث يبين له الحق ولكن يصر على باطله. فان هذا يجب ان يعامل بما ان يعامل به من التنفير عنه. وتحذير الناس منه لانه تبين عداوته حيث بين له الحق فلم يمتثل. وهناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس وهي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده. واعني مسائل ليست من الاصول التي تبلغ الى تكفير مخالف فهذه مما وسع الله فيها على العباد وجعل الخطأ فيها واسعا. قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا حكم الحاكم كاد ثم اصاب فله اجران. واذا حكم فاجتهد فاخطأ فله اجر. فالمجتهد لا يخرج عن دائرة الاجر ابدا فاما ان اصعب واما اجر واحد ان اخطأ. واذا كنت لا تريد ان يخالفك غيرك فان غيرك ايضا يريد ان لا يخالفه احد فكما انك تريد ان يأخذ الناس بقولك فالمخالفون لك يريدون ايضا ان يأخذ الناس بقولهم. والمرجع عند التنازع ما بينه الله عز وجل في قوله وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله. دانكم الله ربي عليه توكلت واليه ويقول عز وجل يا ايها الذين امنوا واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خيره واحسن تأويلا فيجب على كل المختلفين والمتنازعين ان يرجعوا الى هذين الاصيلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا لاحد ان يعارض كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بكلام احد من البشر مهما كان. فاذا تبين لك الحق فالواجب ان تضرب بقول من خالفه عرض الحائط. والا تلتفت اليه مهما كانت منزلته من العلم والدين. لان البشر يخطئ لكن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيه خطأ. ويؤسفني ان اسمع من قوم يعتبرون في طلب يعتبرون جادين في طلب الحق والوصول اليه ومع ذلك نجدهم متفرقين. لكل واحد منهم اسم معين او وصف طن معين وهذا في الحقيقة خطأ. ان دين الله عز وجل واحد وامة الاسلام واحدة. يقول الله عز وجل هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون. ويقول الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه سلمت ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون وقال عز وجل شرع لكم من الدين مغصبين به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. فاذا كان هذا توجيه الله عز وجل لنا فالواجب علينا ان نأخذ بها التوجيه وان نجتمع لابساط البحث وان يناقش بعضنا بعضا على سبيل الاصلاح لا على سبيل الانتقاد او الانتقام فان اي انسان يجادل غيره ويحاج بقصد الانتصار لرأيه واحتقار رأي غيره. او لقصد الانتقاد دون الاصلاح فان الغالب ان اخرج على وجه لا يرضي الله ورسوله. فالواجب علينا في مثل هذا الامر ان نكون امة واحدة. وانا لا اقول وانه لا يخطئ احد كل يخطئ ويصيب. ولكن الكلام في الطريق الى اصلاح هذا الخطأ. ليس الطريق الى اصلاح الخطأ ان تكلم في غيبته واقدح فيه ولكن الطريق الى اصلاحه ان اجتمع به واناقشه فاذا تبين بعد ذلك ان الرجل مصر على عناده وعلى ما هو عليه من باطل فحين اذ لي العذر وليلحق بل يجب علي ان ابين خطاه وان احذر الناس من خطأه وبهذا تصلح الامور. فاما التفرق والتحزب فان هذا لا تقر به عين احد. الا من كان عدوا للاسلام والمسلمين. والله عسانا ان يجمع قلوبنا على طاعته. وان يجعلنا من المتحاكمين الى الله ورسوله وان يخلص لنا النية ويبين لنا ما خفي علينا من شريعته. انه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. ختم المصنف رحمه الله تعالى بذكر الزاد السادس من ازواج الداعية وهو ان يكون قلب الداعية منشرحا لمن خالفه. والخلاف الواقع في ابواب الدعوة قسمان اثنان اولهما له السائغ ومحله المسائل الاجتهادية. والثاني الخلاف الممنوع ومحله المسائل التي لا تقبل فما كان من جنس الاول فان العاقل ينبغي ان ينشرح صدره للمخالف فيها. وان يكون بينه وبين غيره فيها رد وعذر. واما النوع الثاني وهو ما لا يسوغ الخلاف فيه بل يمنع فان يؤمر ببيان الحق فيه ودحظ الباطل ورده وان يضيق صدره بفشو مثل هذه الاقوال في الامة ولا صدور قول من داع من الدعاة ان يكون صحيحا لاجل انه داع. بل يعرض قوله على الكتاب والسنة. فان وافق الكتاب والسنة قبل وان كان مخالفا للكتاب والسنة رد عليه كائنا من كان. والله سبحانه وتعالى قد امرنا بالسعي في لزوم الجماعة وحذرنا من التفرق. كما قال الله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واخبر عن حال المتفرقين فقال ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء واخبر سبحانه وتعالى ان الامم اذا تفرقت انقسمت الى احزاب يرضى كل حزب بماله كما قال تعالى كل وحزب بما لديهم فرحون فيضيع الدين شتتا بين هؤلاء وهؤلاء. والواجب هو السعي في تأليف القلوب كما امرت به الشريعة ومن دقائق الفهم للخطاب الشرعي ان الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بتوحيد القلوب فما يسمى بدعوة توحيد المسلمين لا اصل لها في الكتاب والسنة. وانما الذي جاء في الكتاب والسنة والدعوة الى تأليف قلوبهم لانه من المقطوع به ان الخلق مع اختلاف مداركهم وتفرق مكنتهم وتفاوت قدرهم يستحيل ان على شيء واحد لا يختلفون فيه ولكن يقع التأليف بين قلوبهم كما قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم امتن العيب ولكن الله الف بينهم. وقال في الاية الفائتة واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم والتأليف لا يمكن الا برعاية هذا الاصل وهو الاعذار فيما فيه الاعذار فاذا خالف مخالف فيما يسوق فيه الخلاف كان معذورا وبقيت الالفة بين المسلمين وهذا امر قد دب في نفوس الخلق فانقسموا شيعا واحزابا. والله عز وجل لم يأمر الا بجماعة واحدة وحزب واحد والنبي صلى الله عليه وسلم لما اخبر في حديث الافتراق المروي في السنن عن تفرق هذه الامة اخبر ان الناجية هي جماعة واحدة فلما سئل من هي يا رسول الله؟ قال الجماعة ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم الجماعات. وانما اخبر عن جماعة واحدة فليس بالاسلام الا جماعة واحدة ينبغي لزومها وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضوان الله عنهم. واذا غير الناس الرسوم وبدلوا والاحوال واخترعوا طرائق فان الحقيقة بمن يطلب رضا الله سبحانه وتعالى ان يستمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعدل عنه قيد انملة وان يعلم ان الخير كل الخير هو في ثباته على هذه الشريعة وان يسعى في هداية الخلق بقدر بوسعه وان يرحم اولئك المخالفين فان اهل السنة كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يعرفون الحق الخلق فهم يميزون مراتب الصواب والخطأ والحق والباطل ويرحمون المخالفين حتى في تحذيرهم منهم هم يرحمونهم فانهم يرجون بهذا التحذير قطع الاثم عنهم لانه اذا حذر من تلك الاخطاء تجافاها واذا سكد عنها تداعى اليها الناس. والواجب على العبد ان يخرج من حظ نفسه الى حكم الشريعة. فلا يطلب لنفسه في هذه الامور حظا وان يظع شهوة قلبه وميل نفسه تحت قدمه ولا يقدم على امر الشريعة في الاجتماع التآلف شيئا وان يخلص قلبه من الحقد والغل للمسلمين وغشهم وان يديم سؤال الله سبحانه وتعالى لهم بالهداية والرشاد واثر عن احمد رحمه الله تعالى انه كان يقول اللهم من كان من هذه الامة على غير الحق وهو يظن انه على الحق الى الحق وهذا من كمال ايمانه رحمه الله تعالى وهذا هو اللائق بالعبد ان يدعو لاخوانه المسلمين ممن ان في شيء من هذه البلايا ان يدعو له بالهداية والرجوع الى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا اخر التقرير على هذا الدرس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله