احسن الله اليكم. فصل فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس. وهو ان تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتقوى تقوى علما وعملا واما حاله فيما بينه وبين الله تعالى فهو ايثار طاعته وتجنب معصيته. وهو قول وهو قوله تعالى الا واتقوا الله فارشدت الاية الى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق وواجبه بينه وبين الحق. ولا يتم الواجب الاول الا بعزله لنفسه من الوسط والقيام بذلك لمحض النصيحة والاحسان. وسكون السين. احسن الله يكون ولا يأتي الواجب الاول الا بعزل نفسه من الوسط. الوسط يعني ايش؟ بس يكون السين ايش معنى الوسط بين السين؟ يعني الشيء بين شيئين هذا يسمى وسطا واما الوسط في تحريك السين فهو والعدل الخيار ومنه قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا. وسطا اي خيارا عدولا. نعم. احسن الله اليكم. ولا يتم الاول الا بعزم نفسه من الوسط والقيام بذلك لمحض النصيحة والاحسان ورعاية الامر. ولا يتم له اداء الواجب الثاني الا بعزل الخلق من البين والقيام به لله اخلاصا ومحبة وعبودية فينبغي التفطن لهذه الدقيقة التي كل خلل يدخل على العبد في هذين الواجبين انما هو من عدم مرائتها علما وعملا وهذا هو معنى وهذا هو معنى وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر قدس الله روحه كن مع الحق بلا خلق ومع الخلق بلا نفس. ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل امره والمقصود بهذه المقدمة ذكر ما بعدها. لما فرغ المصنف رحمه الله تعالى من ذكر حكم ما يكون على العبد بينه وبين الناس بمخالطتهم تعاونا على البر والتقوى علما وعملا بينما بالحق الثاني وهو حق الله عز وجل وحاله معه. فذكر ان ما ينبغي ان تكون عليه حاله بينه وبين هو ايثار طاعته وتجنب معصيته وهو قوله تعالى واتقوا الله فارشدت الاية الى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق وواجبه بينه وبين الحق. وواجبه بينه وبين الخلق التعاون على البر والتقوى وواجبه وبينه وبين الحق سبحانه وتعالى هو اتقاؤه. ثم بين انه لا يتم اداء الواجب الاول وهو ما للخلق الا بعزل نفسه من الوسط والقيام بذلك لمحض النصيحة والاحسان ورعاية في الامر ومعنى قوله الا بعزل نفسه من الوسط يعني الا بترك ملاحظة حق نفسه. فان الانسان لا تكمن معاشته شرطه للناس بالتعاون والتقوى حتى يكون طارحا حق نفسه مغضيا عنه مسامحا فيه ثم قال ولا يتم له اداء الواجب الثاني الا بعزل الخلق من البين والقيام به لله اخلاصا ومحبة وعبودية فلا يكمن اتقاؤه لله عز وجل الا بان لا يكون في قلبه توجه لغير الله سبحانه وتعالى فيكون فله خالصا له وحده. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذه دقيقة اي خفية يتولد منها كل خلل يدخل على العبد في اداء هذين الواجبين فانما يكون ذلك بعدم مراعاتها وعملا فمن لم يرعى ما ينبغي ان يكون عليه مع الخلق ولم يرعى ما ينبغي ان يكون عليه مع الله عز وجل دخل عليه الخلل وان جر اليه الضرر في حاله. ثم بين رحمه الله تعالى ان هذا المعنى الذي بسطه الفا هو من المعاني المندرجة في قول الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله احد علماء الحنابلة الصالحين الذين لم يثبت لاحد من المتأخرين من الكرامات ما ثبت له. قاله ابو ابن تيمية الحفيد فكان عبدالقادر الجيلاني رجلا صالحا وعالما كبيرا من اشياخ ابن قدامة صاحب المغني وغيره وله احوال واقوال رحمه الله عز وجل منها اشياء مجملات ومنها اشياء بينات ووقع الناس بعده في الغلو فيه وعظموه تعظيما اخرجه بعضهم عما ينبغي شرعا والمقصود ان له كلاما حسنا يتعلق باحوال النفوس والقلوب ومن ذلك قوله كن مع الحق بلا خلق ومع الخلق بلا نفس اي كن مع الله سبحانه وتعالى بلا خلق فلا تنظر الى محمدة ولا ثناء على ذكر من الخلق واذا كنت مع الخلق فكن بلا نفس اي لا ترى لنفسك حقا ولا مطلبا ولا مغنما ثم قال ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل امره فرطا اي ان من اضاع ملاحظة فيما بينه وبين الله وذاك فيما بينه وبين الخلق لم يزل امره متعسرا بما يجري عليه من الخط ولم يزل امره فرطا في تضييع ومن اقام نفسه في هذين المقامين سلم له ايمانه وقوي وثبتت في العلم والهداية قدمه ثم بين ان المقصود بهذه المقدمة ذكر ما بعدها فالجملة المتقدمة من الكلام توطئة لما يكون بين يديها فيما يستقبل من كلامه رحمه الله عن هجرة القلوب الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم. ومعنى قوله في دعائه قدس الله روحه اي نزه الله روحه وطهرها ذلك بتمتيعها بانواع النعيم في البرزخ منعها من انواع العذاب ان تصل اليه في قبره نعم. احسن الله اليكم. فصل لما فصلت عير لما فصلت عير السير واستوطن سافروا دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه. احدث له ذلك نظرا اخر فكره في اهم ما يقطع به منازل سفره الى الله وينفق فيه بقية عمره فارشده من بيده الرشد. فارشده من بيده الرشد الى ان ما اهم شيء يقصده انما هو الهجرة الى الله ورسوله فانها فرض عين على كل احد في كل وقت وانه لانفكاك لاحد من وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من العباد اذ الهجرة هجرتان هجرة بالجسم من بلد الى بلد وهذه احكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها والهجرة الثانية هجرة بالقلب الى الله ورسوله وهذه هي المقصودة هنا وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية وهي الاصل وهجرة الجسد تابعة لها وهي هجرة تتضمن منه والى فيهاجر بقلبه من محبة غير الله الى محبته ومن ومن عبودية غيره الى عبوديته ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه الى خوف الله ورجائه والتوكل عليه. ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له الى دعاء ربه وسؤاله وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له. وهذا هو بعينه معنى الفرار فهو بعينه معنى الفرار الى الله قال تعالى ففروا الى الله فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله اليه وتحت من والى هذا سر عظيم من اسرار التوحيد فان الفرار اليه سبحانه يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية والانابة التوكل وسائر منازل العبودية فهو متضمن لتوحيد الالهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. واما منه اليه فهو متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر. وان كل ما في الكون من المكروه والمحظور الذي يفر منه العبد فانما اوجبته مشيئة الله وحده فانه ما شاء الله كان. ووجب وجوده بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم مشيئته. فاذا فر العبد الى الله فانما يفر من شيء الى شيء وجد بمشيئة الله وقدره. فهو في الحقيقة فار من الله اليه. ومن هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم واعوذ بك منك وقوله لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك فانه ليس في الوجود شيء يفر منه ويستعاذ منه ويلجأ منه الا وهو من الله خلقا وابداعا. فالفار والمستعيذ فار مما اوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه الى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه واحسانه. ففي الحقيقة هو هارب من الله ومستعيذ بالله منه وتصور هذين الامرين يوجب للعبد انقطاع علق قلبه من غير الله بالكلية خوفا ورجاء ومحبة فانه اذا علم ان الذي يفر منه ويستعيذ منه انما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده فتضمن ذلك الله وحده بالخوف والحب والرجاء ولو كان جاره مما لم يكن بمشيئة الله ولا قدرته لكان ذلك موجبا لخوفه منه. مثل مثل من يفر من مثل من يفر من مخلوق اخر اقدر منه فانه في حال فراره من الاول الى الاخر خائفا منه حذر الا يكون الثاني يعيدهم بخلاف ما اذا كان الذي بخلاف ما اذا كان الذي يفر اليه هو الذي قضى وقدر وشاء ما يفر منه فانه لا يبقى في القلب التفات الى غيره بوجه فتفطن لهذا السر العجيب في قوله اعوذ بك منك ولا ملجأ ولا من جاء منك الا اليك فان الناس قد في هذا اقوالا وقل منهم من تعرض لهذه النكتة التي هي لب الكلام ومقصوده وبالله التوفيق. فتأمل كيف عاد الامر كله الى الفرار من الله اليه وهو معنى الهجرة الى الله تعالى ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه ولذا ولهذا يقرن سبحانه بين الايمان والهجرة في القرآن في غير موضع لتلازمهما واقتضاء احدهما للاخر. والمقصود ان الهجرة الى الله تتضمن هجران ما يكره هجرة هجرة احسن الله اليكم. والمقصود ان الهجرة الى الله تتضمن هجران ما يكرهه واتيان انا ما يحبه ويرضاه واصلها الحب والبغض فان المهاجر من شيء الى شيء لابد ان يكون ما يهاجر اليه احب اليه مما يهاجر منه يؤثر احب اليه على الاخر واذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه انما يدعوه الى خلاف ما يحبه الله ويرضاه وقد بله وقد بلي بهؤلاء الثلاث فلا تزال تدعوه الى غير ربه وداع الايمان يدعوه الى مرضات ربه فعليه في كل وقت ان يهاجر الى الله ولا ينفك في هجرة حتى الممات. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة طليعة مقصوده ومرامه من ارسال هذه الرسالة والمعنى الاعظم الذي تضمنته وابتدأ ذلك بقوله لما فصلت عير السير اي قافلة المسير واستوطن المسافر الخارج من بلده دار الغربة وهي الدنيا فان الانسان داره الاولى الجنة. ثم خرج منها مستوطنا دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه احدث له ذلك نظرا اخر فاجال فكره في اهم ما يقطع به منازل الى سفره الى الله وينفق فيه بقية عمره فارشده من بيده الرشد الى ان اهم شيء يقصده انما هو الهجرة الى الله ورسوله فلما خرج المرء من منازله الاولى وهي الجنة الى دار الدنيا احدث ذلك فيه نظرا اخر طالبا السلامة والمغنم فاجاب فكره في اهم ما يتخذه من المعينة على قطع منازل سفره الى الله لينفق عمره فيها فارشده من بيده الرشد وهو الله سبحانه بالوحي الذي اوحاه الله عز وجل على انبيائه ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم الى ان اهم شيء يقصده ان ما هو الهجرة الى الله ورسوله وفي كل امة رسول وهجرة هذه الامة في قلوبها من الرسل الى محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الهجرة التي هي من اعظم عدة العبد في قطع طريقه فرض عين على كل احد في كل وقت ولا انفكاك لاحد من وجوبها فلا يخلو منها احد البتة وهي مطلوب الله ومراده من العباد. لان الذي خلقوا له هو عبادته سبحانه. ولا تمكن عبادته الا هجرة القلوب الى الله عز وجل والى من ارسل اليهم. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى ان الهجرة هجرتان فالاولى هجرة الابدان والثانية هجرة القلوب واشار الى الاولى بقوله هجرة بالجسم من بلد الى بلد وهذه احكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها. وهي التي يوسع الفقهاء الكلام فيها في كتاب الجهاد احكامها وما تعلق بها. واما النوع الثاني وهي هجرة القلب الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي الهجرة المقصودة ها هنا بالكلام وهي التي قل توسيع الكلام فيها وندر من يوصل الخلق باحكامها ويقرب لهم ما يتعلق بفهمها وافهامها ومن محاسن كلام المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ما احتوت عليه هذه النبذة من بيان حقيقة هجرة القلوب الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم ان حاجة القلوب اليها فوق كل حاجة فلا تتم سعادتها وطمأنينتها الا بهجرتها الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فهذه الهجرة حقيقة بقول المصنف وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية وهي الاصل وهجرة الجسد تابعة لها. لان من لم يهاجر قلبه فلن يهاجر بدنه. والذي يخرج من دار الكفر الى دار الاسلام لم يكن له محرك قبله الا هجرة قلبه الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان هجرة القلوب تتضمن من والى ومن والى في هذا الموقع اعظم من موقع في كلام النحات في حروف المعاني فان موقع هذين الحرفين من والى في هجرة القلوب وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الابتداء والانتهاء في الاحوال والاعمال فقال فيهاجر بقلبه من محبة غير الله الى محبة الله وحده ومن عبودية غيره الى عبوديته وحده ومن خوف غيره الى خوفه وحده ومن رجاء غيره الى اي وحدة ومن التوكل على غيره الى التوكل عليه وحده سبحانه ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له الى دعاء ربه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له. فهذا موقع من والى في الهجرة القلوب فمن ابتداء والى انتهاء وابتداء ذلك في من الغير وانتهاءه الى الله سبحانه وتعالى وحده وهذا المعنى الذي انطوت عليه من والى في هجرة القلوب هو المقصود بمعنى الفرار اليه وتعالى في قوله تعالى ففروا الى الله فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله اليه وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الكلام الحسن في معنى الفرار فيه انباه الى صرف النظر عن كلامه الواقعي في جملة من كتبه ومنها مدارج السالكين من جعل متعلق هذا المعنى هو الهروب من فان ذكر الفرار من الله اكمل من ذكر الهرب من الله عز وجل فانه ذكر في جملة من اعمال القلوب كالخوف والرهبة وغيرها ذكر الهرب من الله عز وجل الا ان الموافق للوحي هو التعبير عن ذلك بالفرار الى الله وقد انبهني احد الاخوان الى هذه الحقيقة ثم تطلبت التمييز بين الفرار والهرب فوجدت ذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى فان الفرار يراد منه امن الخطر واما الهرب فيراد منه دفع الضرر فالفرار اكمل من الهرب ودليل التفريق قوله سبحانه وتعالى في سورة الجن وانا ظننا ان لن نعجز الله في الارض ولن معجزه هربا يعني في دفع الظرر عنهم. واما الفرار فانه يحصل فيه ما هو اعظم من ذلك وهو امن الخطر. فمن فر من شيء الى شيء فقد حصل له الامن واعظم ذلك فرار القلوب الى الله سبحانه وتعالى. فالدلالة على مراتب باعمال القلوب واحوالها بالفرار الى الله اكمل من الدلالة عليها للهروب الى الله وان وجد هذا في كلام جماعة منه ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين لكن كلامه في بيان معنى الفرار هنا اكمل مما ذكره في تلك الاحوال وان كان رحمه الله تعالى عرض في كتاب مدارج السالكين لمنزلة الفرار لكن لم يعلق الاعمال والاحوال القلبية بها وان كان هو الاجدى والاولى تبعا للسياق القرآني. ومما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في ذلك ها هنا ان توحيدا المطلوب من العبد هو الفرار من الله اليه. ثم ذكر ان تحت من والى في الفرار سر عظيم من اسرار التوحيد حاصله ان الفرار الى الله نوعان. احدهما الفرار اليه. وهو فرار يتضمن التأليه والتعظيم والاخر فرار منه اليه وهو فرار يتضمن توحيد المعرفة والاثبات. فالاول يرجع الى توحيد الالهية. والثاني يرجع الى الربوبية والاسماء والصفات. وهذا معنى ما ذكره المصنف اولا في قوله فان الفرار اليه سبحانه يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية الى اخره. فهذا يتعلق بالنوع الاول ثم قال بعده واما الفرار منه ليه؟ فهو متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر. وان كل ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفر منه العبد. فانما اوجبته مشيئة الله وحده الى اخر ما قال وهذا يتعلق بالنوع الثاني ثم قال ومن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم اعوذ بك منك وقوله لا ملجأ ولا من جاء منك الا اليك فانه ليس بالوجود شيء يفر منه ويستعاذ منه ويلجأ منه الا وهو من الى الله خلقا وابداعا فالفار والمستعيد فار مما اوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه الى ما تقتضيه رحمته بره ولطفه واحسانه ففي الحقيقة هو هارب من الله اليه ومستعيذ بالله منه. فلا يحصل له الامن من الخطر الا بفراره من الله الى الله. وهذا معنى قول عمر ابن الخطاب في الصحيح لما ذكر له وباء بالشام نفر من قدر الله الى قدر الله فان هذا من الفرار المذكور في هذا المعنى وفي ذلك فقال بعض السلف من خاف شيئا هرب منه ومن خاف الله هرب اليه واكمل ان يقال من خاف شيئا فر منه ومن خاف الله فر اليه فان الذي يخاف الله عز وجل لا يجد طمأنينته وسكونه الا بالفرار اليه سبحانه وتعالى وحده. ثم ذكر ان تصور هذين الامرين من الفرار الى الله والفرار منه اليه يوجب للعبد انقطاع علق قلبه يعني تعلق قلبه من غير الله بالكلية خوفا ورجاء ومحبة فلا يكون في قلبه تعلق بغير الله سبحانه وتعالى فلا يفر في عبوديته الا الى الله. ولا يفر في ما تعلق بامر الربوبية الى الله سبحانه وتعالى ثم ذكر المصنف قدر هذا الكلام الذي ابداه بقوله فتفطن لهذا السر العجيب في قوله اعوذ بك منك ولا منجى منك الا اليك فان الناس قد ذكروا في هذا اقوالا وقل منهم من تعرض لهذه النكتة التي هي يلب الكلام ومقصوده. ثم قال المصنف فتأمل كيف عاد الامر كله الى الفرار من الله اليه. وهو معنى الهجرة الى الله تعالى ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر من هجر ما نهى الله عنه اخرجه البخاري من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما فحقيقة الهجرة شرعا كما سلف هي ترك ما يكرهه الله ويأباه الى ما يحبه ترك ما يكرهه الله ويأباه الى ما يحبه ويرضاه. وهذا مندرج في قوله المهاجر من هجر ما نهى الله عنه وهو ايضا مندرج في حقيقة الفرار الى الله عز وجل ثم قال المصنف ولهذا يقرن سبحانه بين الايمان والهجرة في القرآن في غير موضع لتلازمهما واقتضاء احدهما للاخر. ثم قال والمقصود ان الهجرة الى الله تتضمن هجران ما يكرهه واتيان ما يحبه ويرضاه واصلها الحب والبغض فان المهاجر من شيء الى شيء لابد ان يكون ما يهاجر اليه احب اليه مما يهاجر منه فيؤثر احب الامرين اليه على الاخر. واذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه انما يدعوه الى خلاف ما يحبه الله الله ويرضاه وقد بلي بهؤلاء الثلاث فلا تزال تدعوه الى غير مرضات ربه وداع الايمان يدعوه الى مرضات ربه فعليهم في كل وقت ان يهاجر الى الله ولا ينفك في هجرة حتى الممات. فلا يزال العبد طلابا لهجرة قلبه الى الله سبحانه وتعالى على بدفع عدوان نفسه وهواه وشيطانه. نعم. احسن الله اليكم. فصل وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة الداعي بحسب قوة داعي المحبة وضعفه فكلما كان داعي المحبة في قلب العبد اقوى كانت هذه الهجرة اقوى واتم واذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة حتى انه لا يكاد يشعر بها علما ولا يتحرك بها ارادة. والذي يقضى منه العجب ان المرء يوسع الكلام ويفرع المسائل في الهجرة من دار الكفر الى دار الاسلام وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح. وهذه هجرة عارضة ربما لا تتعلق به في العمر اصلا واما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الانفاس فانه لا يحصل فيها علما ولا ارادة وما ذاك الا للاعراض عما خلق له الاشتغال عما لا ينجيه غيره وهذه حال من غشيت بصيرته وضعفت معرفته وضعفت معرفته بمراتب العلوم والاعمال والله المستعان وبه التوفيق لا اله غيره ولا رب سواه لما بين المصنف رحمه الله حقيقة الهجرة الى الله الدوران مع مرضاته بترك ما يكرهه الله ويأباه الى ما يحبه ويرضاه. بين ان هذه الهجرة القلبية الى الله عز وجل تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه. فاذا قويت محبة الرب في قلب العبد قويت هجرته اليه واذا ضعف ذلك الداعي في قلبه ضعفت هجرته الى ربه. فمحبة الله عز وجل بمنزلة الوقود الذي يحرك القلب الى الهجرة الى الله سبحانه وتعالى فاذا نقص وضعف ضعف سير القلب الى الله بالهجرة اليه واذا قوي اشتد القلب في طلب الهجرة الى الله سبحانه وتعالى ثم قال المصنف والذي يقضى منه العجب ان المرء يوسع الكلام ويفرع المسائل في الهجرة من الكفر الى دار الاسلام وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح وهذه هجرة عارضة ربما لا تتعلق به في العمر اصلا. فتجد المتكلمين في العلم من يوسع الكلام ويتعرض في مواقع عدة لبيان احكام هجرة الابدان من دار الكفر الى دار الاسلام وما دونها مما يندرج فيها وهي هجرة انقطعت من دار الاسلام التي صارت مأوى ومأرزا له وهي الحجاز لانه لا هجرة بعد الفتح. وربما تكون عارضة في بلد دون بلد وفي حال دون حال فلا تتعلق احيانا ببعض الخلق في عمره كله ومع ذلك تجد حاله في هجرة القلب ما ذكره المصنف بقوله واما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الانفاس اي بقدر ما يخرج نفس الانسان منه ويرجع فانه لا يحصل فيها علما ولا ارادة. وما ذاك الا للاعراض عما خلق له. والاشتغال بما لا ينجيه وحده اما لا ينجيه غيره وهذه حال من غشيت بصيرته وضعفت معرفته بمراتب العلوم والاعمال فتجد من الخلق متعلمين ومعلمينا من لا تسمع لهجرة القلوب عنده رفزا ولا يجري على لسانه منها ذكرا وتكون بمحل بعيد من مداركه وعلومه وفهومه لوقوف اكثر الخلق مع الظاهر وعدم معرفة بحقائق الشرع واطلاعهم على بواطن الاحكام في مراتب العلوم والاعمال حتى ادى ذلك باخرة اهمال ما يتعلق باحوال القلوب واعمالها ظنا بان ذلك من زاد العوام او لا يتكلم فيه الا على الترغيب والترهيب. اما الكلام فيه على وجه الترقية والتقرب الى الله سبحانه وتعالى. فان ذلك بمنأى عن مدارك جماعة من المعلمين والمتعلمين مما سلط جماعة من دهماء الخلق من الوعاظ والقصاص على الكلام في هذه المسائل حتى ادخلوا فيها اشياء هي اجنبية عنها في حكم الشرع. فلا ينبغي ان يكون حال احدنا كحال هؤلاء الذين يقومون ويقعدون في الكلام في مسائل تتعلق بهجرة الابدان ربما لا يحتاج اليها امرا اعظم وشأنا اكبر وهو هجرة القلوب الى الله سبحانه وتعالى التي لا تنفك القلوب ابدا من الاحتياج اليها بل الحاجة اليها ملازمة للعبد حتى يفد على ربه سبحانه وتعالى ولا يقوى دينه ولا يستحكم ايمانه ولا يقينه الا بقوة وجود هذا المعنى في قلبه فان المرء اذا قلب في قلبه حقيقة الهجرة الى الله والى رسوله صلى الله الله عليه وسلم وادام النظر فيها وقلب الفكر في معانيها وجد في تحصيل مقاصدها حصل كمال الايمان ورسوخ يقين وتمام اللذة والانس والطمأنينة بالله سبحانه وتعالى. فينبغي ان تكون هذه الاماءة والالماعة من كلامه رحمه الله تعالى محركا عظيما لنا جميعا في التنبه الى التفقه باعمال القلوب واحوالها وان الحاجة اليها فوق الى كثير من علوم الظاهر التي يفرغ احدنا فيها وسعه ويتعب نفسه فكم رأينا احدنا يحفظ متنا في النحو او في الاصول او في الصرف او في الفرائض او المنطق او غير ذلك. ثم لا تجد له عناية بحقائق القلوب واحوالها واحكامها وما تعلق بها من رقائق وعوائق وبوائق ومهلكات بل تجده معرضا عنها زاهدا فيها ظن منه ان هذا امر يأتي اتفاقا ولا يكون كذلك بل هذه الحقائق والعلوم هي بحاجة الى اعمال الفكر وادمان النظر وتحريك القلب في تفهمها حتى يكتنزها القلب. فان المرء لا يحب الله بدعواه انه يحبه ولا يرجو الله بدعواه انه يرجوه ولا يخاف الله بدعواه انه يخافه وانما يحصل له الرجاء والحب والخوف بمعرفته بحقائق هذه الاحكام ومنازلها ومراتبها ومقاماتها وعوارضها وافاتها وما يعرض للنفس فيها وما يقويها وما يضعفها وهذا من اعظم الفقه وكان اسم الفقه عند السلف متضمنا لذلك كما ذكره ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صدر كتابه المعروف في احوال القلوب واعمالها الذي اختصره ابن قدامة والاصل والمختصر اليوم هما بيد الناس فاسم الفقه يشمل احوال القلوب واعمالها وما يتعلق بها من العلل والافات. فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يبصرنا بما ينفعنا وان يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب ونستكمل ان شاء الله تعالى بعد صلاة العصر والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين