السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه سلم تسليما مزيدا. اما بعد فهذا المجلس الثاني في شرح الكتاب الثالث من برنامج اليوم الواحد التاسع والكتاب وفيه هو الرسالة التفوقية للعلامة ابي عبدالله ابن القيم رحمه الله. وقد انتهى بنا البيان الى قوله فصل واما الهجرة الى الرسول صلى الله عليه وسلم. نعم. احسن الله اليكم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين. قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى لها فصل واما الهجرة الى الرسول فمعلم لم يبقى منه. فمعلم لم يبقى منه سوى رسمه ومنهج لم تترك منه بنيات في الطريق سوى اسمه ومحجة سفت عليها السوافي فطمست رسومها واغارت عليها الاعادي فغورت من اهلها وعيونها ملكها غريب بين العباد فريد بين كل حي وناد بعيد على قرب المكان وحيد على كثرة الجيران. مستوحش مما به يستأنسون مستأنس مما به يستوحشون مقيم مقيم اذا اذا قطنوا منفرد في طريق لا يقر له لا يقر قراره حتى يظفر باربه. فهو الكائن معهم بجسده البائن منهم بمقصده في طلب الهدى اعينهم وما ليل مطيه بنائم وقعدوا عن الهجرة النبوية وهو في طلبها مشمر قائم يعيبونه بمخالفة بارائهم ويزرون عليه اجراء على جهالاتهم واهوائهم. قد رجموا فيه الظنون وابكوا عليه العيون به ريب المنون فتربصوا انا معكم متربصون. قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون. نحن واياكم نموت ولا افلح عند الحساب من ندم. والمقصود ان هذه الهجرة النبوية شأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد. بعيد على كسلان او ذي ملالة. واما على واقف هو قريب ولا امر الله ما هي الا نور يتلألأ. ولكن انت ظلامه وبدر اضاع مشارق الارض ومغاربها ولكن انت وقتامه ومنهل عذب صاف ولكن انت كدره ومبتدأ له خبر عظيم ولكن ليس عندك خبره فاسمع شأن هذه الهجرة والدلالة عليها وحاسب نفسك بينك وبين وحاسب نفسك بينك وبين الله هل انت من المهاجرين لها او من المهاجرين اليه فحد هذه الهجرة سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الايمان ونازلة من نوازل القلوب وحادثة من حوادث الاحكام الى الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وكل مسألة طلعت عليها شمس رسالته والا والا فاقذف بها في بحار الظلمات. وكل شاهد عدله هذا المزكي الصادق. والا فعده من اهل الريب والتهمات فهذا هو حد هذه الهجرة فما للمقيم في مدينة فمال المقيم في مدينة طبعه وعوائده القاطنة في دار مغباه القاطن في دار مرباه ومولده القائل اما على طريقة ابائنا سالكون واما بحبلهم ممسكون وانا على اثارهم مقتدون وما لهذه الهجرة قد القى كله عليهم واستند في معرفة طريق نجاته وفلاحه اليهم معتذرا بان رأيهم له خير من رأيه لنفسه. وان ظنونهم وارائهم اوثق من ظنه وحبسه. ولو فتشت عن مصدر هذه الكلمة صادرة عن الاخلاد الى ارض البطالة. متولدة بين بعل الكسل وزوجته الملالة. المصنف رحمه الله تعالى من بيان النوع الاول من هجرة القلوب وهو هجرتها الى الله شرع يبين الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفتحا بيانه بالتوجع والتفجع من الحال التي الها اليها الخلق حتى اضحت الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقلوب معلما لم يبقى منه سوى رسمه ومنهجا لم تترك منه بنيات الطريق سوى اسمه. ومحجة اي طريق سفت عليها السوافي اي الرياح. فطمست رسومها واغارت عليها الاعادي فغورت مناهلها وعيونها اي بعدتها في الارض فحال سالكها غريب بين فريد بين كل حي وناج بعيد على قرب المكان وحيد على فترة الجيران. مستوحش مما به يستأنسون بما به يستوحشون الى اخر ما ذكر رحمه الله تعالى من حاله وحالهم حتى انهاه ذلك الى قوله والمقصود ان هذه الهجرة النبوية شأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد. ثم بين رحمه الله على ان حقيقة هجرة القلب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ ولكن العبد لا يزال خابطا في ظلامه وبدر اضاء مشارق الارض ومغاربها ولكن العبد هو غيمه وقتامه يعني غباره الذي يعلوه فيحول بين وصول ذلك النور والضوء اليه ومنهل عذب صاف ولكن العبد كدره بتجافيه له ومبتدأ له خبر عظيم ولكن ليس عند العبد خبره الا من رحم الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى انه يبين بعد حقيقة هذه الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانذر بين يدي بيانه تنبيه الى سماع شأن هذه الهجرة ليعلم المرء نفسه بعد المحاسبة هل هو من المهاجرين لها؟ اي لها او المهاجرين اليها اي القاصدين اليها. فالناس باعتبار هذه الهجرة نوعان. احدهما امرئ هاجر لتلك الهجرة اي مباعد لها ومفارق. والاخر امرئ مهاجر اليها اي قاصد اليها ومبتغ. ثم بين رحمه الله تعالى حقيقة الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بانها سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الايمان ونازلة من نوازل القلوب وحادثة من حوادث الاحكام الى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق والمصدوق صلى الله عليه وسلم فحقيقة هجرة القلب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تلمسه طريقه وهديه وسنته صلى الله عليه وسلم في كل حال من الاحوال يعرض له وكل باب من الابواب يروم فتحه مما يتعلق او الطلبيات فكل مسألة طلعت عليها شمس رسالته والا فاقذف بها في بحر الظلمات وكل شاهد له هذا المزكي الصادق والا فعده من اهل الريب والتهمات فهذا هو حد هذه الهجرة وحقيقتها المفصحة عنها اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فان مرد الهجرة اليه صلى الله عليه وسلم هو كمال اتباعه وطاعته وامتثاله في امره وتصديق خبره. ثم رجع رحمه الله تعالى الى نعي حال الناس. ممن ترك الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه مرتضيا الاقامة في مدينة طبعه وعوائده اي الفه الذي اعتاده وسار عليه القاطن في دار مرباه ومولده اي الذي بقي في الدار التي تربى فيها وولد فيها متمسكا بقول القائل ان على طريقة ابائنا سالكون وانا بحبلهم مستمسكون وانا على اثارهم مقتدون. فهؤلاء ليس لهم من الهجرة الى النبي صلى الله عليه وسلم بقلوبهم نصيب بل هم مقيدون باهوائهم وارائهم وعادات ابائهم وبلدانهم. وهذه المقالة بالتعويل على الاسلاف والاكابر وترك الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأت كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى من الاخلاد الى ارض البطالة. فرضي المرء ان يكون من البطالين وتولد ذلك بين بعل الكسل وزوجته الملالة فلما تزوج الكسل وهو البعل الملالة اولدها تلك البطالة التي يخلد فيها المرء الى طريقة ابائه واجداده ومن ملح الادباء وهي موجودة في كلام المصنف وكلام شيخه رحمه الله تعالى العناية بما يكون من المزاوجة بين شيئين فينتج منهما شيء اخر كما قال احدهم تزوجت البطالة بالتواني فاولدها غلاما مع غلامه فاما الابن سموه بفقر واما البنت سموها ندامة. ومن هذا الجنس قول شيخه رحمه الله تعالى الذي نقله عنه في مدارس السالكين قال تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة فتولد بينهما شر الدنيا والاخرة وله في مواضع متفرقة من كلامه هو نظائر ذلك كما يوجد ذلك في كلام غيره. وهذا من محاسن الجمع في الربط بين شيئين ينشأ منهما شيء اخر كالمثال الذي ضربه المصنف رحمه الله تعالى في تولد هذه المقالة الكاسدة الفاسدة من الاخلاد الى ارض البطالة ينازي بما كان عليه الاباء والاجداد بالتزاوج بين الكسل والملالة. نعم. احسن الله اليكم. والمقصود وان هذه الهجرة فرض على كل مسلم وهي مقتضى شهادة ان محمدا رسول الله. كما ان الهجرة الاولى مقتضى شهادة ان لا اله الا الله وعن هاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ ويطالب بهما في الدنيا فهو مطالب بهما في الدور الثلاثة دار الدنيا ودار البرزخ ودار وللقرار قال قتادة كلمتان يسأل عنهما الاولون والاخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا اجبتم المرسلين؟ وهاتان كلمتان هما هما مضمون الشهادتين وقد قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. فاقسم سبحانه باجل مقسم به وهو نفسه عز وجل على انهم لا لهم الايمان ولا يكونون من اهله حتى يحكموا رسوله في جميع موارد النزاع وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع ابواب الدين فان لفظة ما من صيغ العموم فانها موصولة تقتضي نفي الايمان اذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم ولم يقتصر على هذا ولم ولم يقتصر على هذا حتى ضم اليه انشراح صدورهم بحكمه حيث لا حيث لا يجدوا في انفسهم حرجا وهو الضيق والحصر وهو الضيق اسروا من حكمه بل يتلقوا حكمه بالانشراح ويقابله بالقبول لا انهم يأخذونه على اغماض ويشربونه على اقداء فان هذا مناف للايمان بل لابد ان يكون اخذه بقبول ورضا وانشراح صدر ومتى اراد العبد ان يعلم منزلته من اهداف يمضوا في حاله وليطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف وغرضه او على خلاف ما قلد فيه اسلافه من المسائل الكبار وما دونها بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى ما وسبحان الله كم من حزازة في قلوب كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم ان وبودهم ان لو لم ترد وكم من قرارة في اكبادهم منها وكم من شجا في حلوقهم من موردها موردها. من موردها احسن الله اليكم. وكم من شجن في حلوقهم من موردها ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم قوله ويسلموا تسليما. فذكر الفعل مؤكدا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين وهو الخضوع له والانقياد لما حاكم به طوعا ورضا وتسليما لا قهرا ومصابرا كما يسلم المقهور لمن قهره كما يسلم المقهور لمن قهره كرها بل تسليم عبد تسليم عبد محب مطيع لمولاه وسيده الذي هو احب شيء اليه يعلم ان سعادته وفلاحه في تسليمه اليه. ويعلم انه اولى به من نفسه وابر به منها وارحم منها وانصح له منها واعلم من صالح واعلم بمصالحه منها ويقدر على تحصيلها. فمتى علم العبد هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم تسلم له وسلم اليه وانقادت كل ذرة من قلبه اليه ورأى انه لا سعادة له الا بهذا التسليم والانقياد وليس هذا مما وليس مما يحصل معناه بالعبارة بل هو امر قد انشق له القلب واستقر في سويدائه لاتت العبارة بمعناه ولا مطمع في بالدعوة والامان فكل يدعون وصال ليلى ولكن لا تقر لهم بذاك وفرق بين علم وفرق بين علم الحب الحب تكثيرا ما يشتبه على العبد علم الشيء بحاله ووجوده ووجوده وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال وهو مثخن بالمرض والصحيح وبين الصحيح السليم وان لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم والعلم به وبين حاله ووجوده تأكيده سبحانه لهذه الامور المذكورة لما فرغ المصنف رحمه الله تعالى من بيان معنى الهجرة الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم بالقلوب بين ان هذه الهجرة فرض على كل مسلم وهي مقتضى شهادة ان محمدا رسول الله. كما ان الهجرة الاولى مقتضى شهادة ان لا اله الا الله. فحاصل معنى هاتين الهجرتين ان هجرة قلب العبد الى الله تكون بالعبادة. وهجرة قلب العبد الى صلى الله عليه وسلم تكون بالاتباع وهذان المعنيان هما المذكوران في الشهادتين. وعن هاتين هجرتين يسأل العبد في البرزخ ويطالب بهما في الدنيا فهو مطالب بهما في الدور الثلاثة دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار قال قتادة ابن دعامة كلمتان يسأل عنهما الاولون والاخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا اجبتم المرسلين والسؤال الاول يتعلق بهجرة القلب الى الله. والسؤال الثاني يتعلق بهجرة القلب الى الله صلى الله عليه وسلم وهاتان الهجرتان من عيون العلم وجوامعه التي ينبغي ان يستفرغ المرء وسعه في تفهم تعلقاتهما ودوام الدوران مع مسائلهما وللمصنف خاصة كلام مبثوث في جملة من به يحسن قرن بعضه ببعض ذكر طرفا منه في كتاب مدارج السالكين وطرفا اخر في طريق الهجرتين وطرفا ثالثا في نونيته في فصل ابتدأه بقوله واجعل لقلبك هجرتين ولا تنم فكلاهما على كل امرئ فرظان الى اخر ما ذكر. فينبغي ان يعتني المرء ولا سيما طالب العلم بالاطلاع على ما يفتقر اليه من علم هاتين الهجرتين حتى يقع منه تحقيقهما فان الانسان اذا كان بهما فلا طريق له الى القيام بحقوقهما. واما مع العلم فان العلم خير عون على امتثال ما امر به هاتان الهجرتان. ومن بدائع كلامه رحمه الله تعالى في مدارج السالكين عند ذكر هجرة قلوبي الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم قوله ومن لم يشتغل قلبه بهاتين الهجرتين فليحثوا على رأسه الرماد وليرجع الى نفسه ويراجع ايمانه من اصله ويقتبس علما من قبل ان يقال له ارجعوا على الصراط من وراء السور انتهى كلامه. فمن لم يشتغل بتحقيق معنى الهجرتين في الدنيا صار نصيبه الرد يوم القيامة على الصراط ان يرجع وراءه لعله ان يصيب نورا يستدل به على ما يهديه الى ما فيه نجاته ولو كان التمس في الدنيا نورا يتبين به حقيقة الهجرتين ويطلع به تمام اليقين على معانيهما وما تعلق من احكامهما لكان ان ذلك زادا ونجاة له يوم القيامة. فالعلم بهذين الهجرتين من اعظم العلوم واجلها وارفعها العبد اليه ماسة بل هي فوق حاجته الى الطعام والشراب فان الطعام والشراب قوام الابدان. واما هاتان الهجرتان انيفهما قوام الارواح والناس لا يتفاضلون بمقادير اجسامهم وابدانهم واموالهم وانسابهم وانما يتفاضلون ما في قلوبهم وما يقع منهم من الاعمال. ولا يكون ولا تكون القلوب مشتملة على الكمالات. ولا الاعمال حاوية للفضائل الا اذا تحقق من العبد هاتان الهجرتان فينبغي ان يجتهد طالب العلم في فهم هاتين الهجرتين وان يجعلها بين ناظريه في هاجر قلبه في جميع احواله الى الله عز وجل بالاخلاص والعبادة. والى النبي صلى الله عليه وسلم والاتباع ثم بين المصنف رحمه الله تعالى ما يشهد ان هاتين الكلمتين هما مضمون الشهادتين بذكر قوله تعالى فلا فوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وبين ان الله عز وجل اقسم في هذه الاية بنفسه انه لا يثبت لهم ايمان ولا يكونون من اهله حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع لا يستثنى من ذلك شيء. لان لفظة ما الواقعة في قوله تعالى ما شجر بينهم دالة على العموم فانها موضوعة في لسان العرب للدلالة عليه كما هو معلوم في علم العربية والاصول ثمان الله سبحانه وتعالى لم يقتصر على نفي الايمان عنهم اذا لم يوجد تحكيمه حتى ضم اليهم انشراح صدورهم بحكم فلا يجدوا في انفسهم حرجا وهو الضيق والحصر من حكمه بل يتلقوا حكمه صلى الله عليه وسلم بالانشراح ويقابل بالقبول لانهم يأخذونه على اغماض فيه ويشربونه على اقذاء اي اقذار فان هذا مناف للايمان بل لا بد ان يكون اخذه بقبول ورضا وانشراح صدر. ثم قال رحمه الله ومتى اراد العبد ان يعلم منزلته من هذا فلينظر في حاله وليطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه او على خلاف ما قلد فيه اسلافه من المسائل الكبار وما دونها بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره ثم سبح متعجبا من حال اناس يوجد فيهم مناجعة لما تضمنته هذه الاية من التسليم وانشراح الصدور لحكمه صلى الله عليه وسلم فقال فسبحان الله كم من حزازة في قلوب كثير من الناس كثير من النصوص وبودهم ان لو لم ترد وكم من حرارة في اكبادهم منها وكم من شجا في حلوقهم من موردها وستبدو لهم فالسرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر فان كثيرا من الناس ربما حملته الانفة التي يجدها في والاستكبار الذي يعلوه عن الاخلاد الى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابواب من الدين وربما ود ان ما ورد في ذلك عنه صلى الله عليه وسلم لم يرد وفتش هذا في نفسك وفي احوال الناس تجد شواهده ظاهرة فيه فان الناس سرعان ما يطلبون فلتاتهم من قيد الشريعة الذي زعموه تقليدا لهم فتجد منهم من يطوي من احاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يروق له هواه. وربما نعتها بشيء من النعوت السيئة التي عن سوء ما يضمره قلبه وربما سمعت احدا اذا ذكرت له الاحاديث العظام في تحريم التصوير كقوله صلى الله عليه وسلم كل مصور في النار وما في معناه من الاحاديث الواردة في الصحيحين رأى ان هذا وأدا للأذواق السليمة وكبتا للفنون الجميلة ويقابله اخر اذا حدثته بما اوجبه الله عز وجل في باب طاعة ولاة الامر وما جاء في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ظن المسكين ان في ذلك تأييدا للسلاطين الظالمين واخلادا الى طريقتهم وما ذاك الا الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم والمتبع العاقل يعلم انه لا يرضي هؤلاء وهؤلاء فاذا كان تام العقل ان المقصود الاعظم هو طلب رضا الله سبحانه وتعالى. سخط من الخلق من سخط ورضي من الخلق من رضي. فان الله عز وجل امرك طلبه يضح ولم يأمرك بطلب رضا الناس ورضا الله سبحانه وتعالى هو في طاعته واتباع شرعه والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم فمن اخذ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم واقتدى رضي الله سبحانه وتعالى عنه. واذا رضي الله عنك فلا تبالي بمن سخط فانك اذا كان الله معك لم تفقد شيئا واذا لم تكن مع الله فانك لن تجد شيئا فمن عقل هذا المعنى ودار الشريعة وجعل سلطانها حاكما على نفسه سلم. واما من جعل هواه حاكما على الشريعة فطوى منها ما طوى واظهر منها ما اظهر وتكلم بشيء يريده تبعا لهواه في وقت ثم طواه في وقت اخر فلعمري ان هذا من اعظم دلائل الهوى ومظاهر ذلك في زماننا هذا كثيرة فانت تسمع احدهم تارة يعيب بعض المتكلمين فيه بذكر الاحاديث الواردة في الرويبضة فهو يرى ان في الناس سقطا لا يؤبه بهم ولا يؤخذ برأيهم ولا يعول على قولهم وهذا حق. فاذا جاء في معترك اخر ومقام ثان دعا الى المشاركة الشعبية التي يزج فيها بالساقط واللاقط والعاقل والسفيه والصاحي والمجنون. وانبأ المتبع للسنة فهو ينزل هذه الاحاديث في مقامها فلا يستعملها تارة سلاحا للدفاع عن نفسه ولا يستعملها تارة سلاحا للوصول الى اغراض خفية وانما يستعملها السني المتبع للاهتداء والاقتداء بطريق النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المصنف بعد ان الله سبحانه وتعالى اكد ما ذكره من وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم لضم قوله تعالى اليه ويسلم تسليما فذكر الفعل مؤكدا بمصدره القائم مقام ذكره مرتين. وهو الخضوع له والانقياد لما حكم به طوعا ورضا. حتى لا يجد المرء في نفسه شيئا وسيعيد المصنف رحمه الله تعالى هذا المعنى مفصلا في تفسير معاني الاية فيما يستقبل ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى ان ما ذكره من العبارات ليس محصلا للامر بل هو امر يوجد في القلب ويستقر في سويدائه يعني في جوفه والسويداء تصغير سواد القلب اي جوفه وداخلته والعبارة تعجز عن الافصاح عن الحقائق القلبية وهذا امر نوه به ابن القيم رحمه الله تعالى في عدة كتب فان اللسان يعجز عن البيان عما يجده المرء من الذوق في قلبه ثم بين رحمه الله تعالى انه ثم فرق بين علم الحب وحال الحب فان من الناس من يكون عند علم من الحب لكنه لا يجد حقيقته حتى يدخل فيه. وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال وهو متقن بالمرض وبين الصحيح السليم وان لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم به وبين حال وجوده هذا نظير المذكور في ترتيب مراتب اليقين انها ثلاث مراتب اولها مرتبة علم اليقين مركبة عين اليقين وثالثها مرتبة حق اليقين فما يجده المرء في كل مرتبة من مراتبها يختلف باعتبار دراكه وقوة وثوق النفس فيه بحسب حال تلك المرتبة. نعم. احسن الله اليكم احسن الله اليكم. وتأملت اكيد هو سبحانه لهذا المعنى المذكور في الاية بوجوه عديدة من التأكيد اولها تصديرها بناء النافية وليست زائدة كما يظن من اظن ذلك وانما دخولها لسر في القسم وهو الايذان بتضمن المقسم عليه للنفي. وهو قوله لا يؤمنون. وهذا منهج معروف وهذا منهج معروف في كلام العرب اذا اقسموا على ان في شيء صدروا جملة القاسم باداة نفي مثل هذه الاية ومثل قول الصديق رضي الله عنه لا لاها الله لا يعمد الى لا يعمد الى اسد من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. وقال الشاعر فيعطيك سلبه. احسن الله اليكم. فيعطيك سلبه. وقال الشاعر فلا وابيك ابنة العامري لا يدعي القوم اني افروا وقال الاخر فلا والله لا يلفى لما بي ولا للديهم ابدا دواء وهذا في كلامه وهذا وفي كلامهم اكثر من ان يذكر. وتأمل جمل القسم التي في القرآن المصدرة بحرف النفي كيف تجد المقسم عليه منفيا ومتضمنا للنفي متضمنا لنفي ولا اواخر ولا يهرب هذا قوله فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم انه لقرآن كريم فانه لما كان المقصود بهذا القاسم نفي ما قاله الكفار في القرآن من انه شعر او كهانة او اساطير الاولين صدر القسم باداة النفي ثم اثبت له خلاف ما قالوه. فتضمنت الاية معنى فتضمنت الاية معنى ليس الامر كما يزعمون. ولكنه قرآن ولهذا صرح بالامرين النفي والاثبات في مثل قوله فلا اقسم بالخنس الجواري الكنس والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس انه لقول رسول كريم. وكذلك قوله لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة. ايحسب الانسان ان نجمع عظامه بلا قادرين على ان نسوي بنانه. والمقصود ان افتتاح هذا القسم باداة النفي يقتضي تقوية المقسم عليه وتأكيده وشدة وثانيها تأكيده بنفس القسم وثالثها تأكيده بالمقسم به وهو اقسامه بنفسه لا بشيء من مخلوقاته وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة وبمخلوقات فيه تارة ورابعها تأكيده بانتفاء الحرج ووجود التسليم. وخامسها تأكيد الفعل بالمصدر. وما هذا التأكيد والاعتناء الا لشدة الحاجة هذا الامر العظيم وانه مما يعتنى به ويقرر في نفوس العباد بما هو من ابلغ انواع التقرير. لما فرغ المصنف رحمه الله تعالى من الاشارة المجملة الى معنى الايات المقدمة فلا وربك لا يؤمنون. رجع رحمه الله تعالى ثانية لبيان بعض ما انتظم فيها تفصيلا فقال وتأمل تأكيده سبحانه لهذا المعنى المذكور في الاية بوجوه عديدة من تأكيد منفعة تكفيرها تقوية المعنى المذكور فيها فان تكرار المؤكدات يراد به تقوية المعنى الذي انتظم في الكلام المذكور وابتدأ ذلك بعدها قائلا اولها تصديرها بلا النافية. اي في قوله فلا وربك ولاء هذه ليست زائدة كما يظنه بعض المتكلمين. لكن من دقائق السياق القرآني ان القسم اذا كانت متعلقا بمنفي فان لا النافية تذكر في مقدمه. فقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون قسم على منفي وهو عدم الايمان. فلما كان المقسم عليه منفيا اوردت لا النافية في اوله وهذا مطرد في القرآن الكريم. ثم نبه المصنف رحمه الله تعالى انه لا يقدح في هذه الكلية في التصريف قرآني قوله تعالى فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم. فان ظاهر السياق القسم قدم بين يديه ذا النافية مع عدم وجود النفي. وبين المصنف رحمه الله تعالى ان المقصود بهذا القسم نفي ما قاله الكفار. فالنفي موجود معنى لا مبنى. وحين اذ فان ذكر لا النافية قبل القسم موجبه وجود النفي فيما بعدها اما مبنى واما معنى فمن المبنى قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون. فان وجود النفي ظاهر هنا في بناء الكلام. واما معنى ففي قوله تعالى اقسم بمواقع النجوم فان النفي مضمن معناه لانه اريد باثبات عظمة القرآن وكونه كريما نفي ما يدعيه المشركون من انه شعر او كهانة او اساطير الاولين. ثم بين رحمه الله تعالى بعد ذلك ثانيها وهو تأكيده بنفس القسم لان القسم من انواع المؤكدات وذلك بقوله تعالى وربك ثالثها تأكيده بالمقسم به وهو اقسامه بنفسه لا بشيء من مخلوقاته. وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة وبمخلوقات تارة لكن ما اقسم فيه الله عز وجل بنفسه فهو اعظم تأكيدا واجل مقاما مما اقسم الله عز وجل فيه بمخلوق من مخلوقاته وهذه الاية اقسم الله عز وجل فيها بنفسه العظيمة سبحانه وتعالى ورابعها تأكيده بانتفاء الحرج اي الضيق ووجود التسليم. وخامسها تأكيد الفعل بالمصدر الذي هو تسليما ثم قال وما هذا التأكيد والاعتناء الا لشدة الحاجة الى هذا الامر العظيم؟ وانه مما يعتنى ويقرر في نفوس العباد بما هو من ابلغ انواع التقرير. نعم