الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد. فهذا لكتاب شرح قطر الندى للشيخ ابن هشام رحمه الله قال الشيخ رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخ الامام العالم العلامة جمال المتصدرين وتاج القراء تذكرة ابي عمرو وسيبويه والفراء ابو محمد عبد الله بن يوسف بن عبدالله بن هشام الانصاري فسح الله في قبره الحمد لله لرافع الدرجات لمن انخفض لجلاله. وفاتح البركات لمن انتصب لشكر افضاله. والصلاة والسلام على من مدت عليه رواقها وشدت به البلاغة نطاقها. المبعوث بالايات الباهرة والحجج المنزل عليه قرآن عربي غير ذي عوج عوج وعلى اله الهادين واصحابه الذين شادوا الدين وشرف وكرم وبعد فهذه نكت حررتها على مقدمة المسماة بقطر الندى وبل الصدى رافعة لحجابها كاشفة لنقابها مكملة لشواهدها متممة لفوائدها. كافية لمن اقتصر عليها وافية ببغية من جنح من طلاب علم العربية الى والله المسئول ان ينفع بها كما نفع باصلها وان يذلل لنا طرق الخيرات وسبلها انه جواد كريم رؤوف الرحيم وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب. الكلمة قول مفرد تطلق الكلمة في اللغة على الجمل المفيدة كقوله تعالى كلا انها كلمة هو قائلها اشارة الى قوله رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت وفي الاصطلاح على القول المفرد. والمراد بالقول اللفظ الدال على معنى كرجل وفرس. والمراد باللفظ اصوت المشتمل على بعض الحروف سواء دل على معنى كزيد ام لم يدل كديز مقلوب زيد وقد تبين ان كل قول لفظ ولا ينعكس والمراد بالمفرد ما لا يدل جزءه على جزء معناه. وذلك نحو زيد. فان اجزاءه وهي الزاي والياء والدال. اذا افردت لا تدل على شيء مما دل هو عليه. بخلاف قولك غلام زيد. فان كلا من جزئيه وهما الغلام وزيد دال على جزء معناه فهذا يسمى مركبا لا مفردا فان قلت فلما لا اشترطت في الكلمة الوضع كما اشترط من قال الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد قلت انما احتاجوا الى ذلك لاخذهم اللفظ جنسا للكلمة. واللفظ ينقسم الى موظوع ومهمل. فاحتاجوا الى الاحتراز عن المهمل بذكر الوضع. ولما اخذت قول جنسا للكلمة وهو خاص بالموضوع اغناني ذلك عن اشتراط الوضوء. فان قلت فلما عدلت عن اللفظ الى القول قلت لان اللفظ جنس بعيد لانطلاقه على المهمل والمستعمل كما ذكرنا والقول جنس قريب لاختصاصه بالمستعمل واستعمال الاجناس البعيدة في الحدود معيب عند اهل النظر وهي اسم وفعل وحرف. لما ذكرت حد الكلمة بينت انها جنس تحته ثلاثة انواع. الاسم والفعل حرف والدليل على انحصار انواعها في هذه الثلاثة الاستقراء. فان علماء هذا الفن تتبعوا كلام العرب. فلم يجدوا الا ثلاثة انواع ولو كان ثم نوع رابع لعثروا على شيء منه. فاما الاسم فيعرف كالرجل والتنوين كرجل وبالحديث عنه كتائب ضربت. لما بينت من حصرت فيه انواع الكلمة الثلاث. شرعت في بيان ما يتميز كل واحد منها عن قسيميه لتتم فائدة ما ذكرته. فذكرت للاسم ثلاث علامات. علامة من اوله وهي الالف واللام كالفرس والغلام وعلامة من اخره وهي التنوين. وهو نون زائدة ساكنة تلحق الاخر لفظا لا خطا لغير توكيد نحو زيد ورجل وصه. وحينئذ ومسلمات فهذه وما اشبهها اسماء. بدليل وجود التنوين في اخرها وعلامة معنوية وهي الحديث عنه كقام زيد فزيد نسر لانك حدثت عنه بالقيام. وهذه العلامة فعل علامات المذكورة للاسم وبها استدل على سمية التاء في ضربت الا ترى انها لا تقبل ال ولا يلحقها التنوين ولا غيرها من العلامات التي تذكر سوى الحديث عنها فقط. وهو ضربان معرب وهو ما يتغير اخره بسبب العوامل الداخلة عليه. كزيد ومبني وهو بخلافه. كهؤلاء في لزوم الكسر ذلك حذامي وامسي في لغة الحجازيين وكأحد عشر واخواته في لزوم الفتح وكقبل وبعد واخواتهم ما في لزوم الضم اذا حذف المضاف اليه ونوي معناه. وكمن وكم في لزوم السكون وهو اصل البناء لما فرغت من تعريف الاسم بذكر شيء من علاماته. عقبت ذلك ببيان انقسامه الى معرب ومبني. وقدمت المعرب لانه الاصل واخرت المبني لانه الفرع وذكرت ان المعرض هو ما يتغير اخره بسبب ما يدخل عليه من العوامل كزيد. تقول اني زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد. الا ترى ان اخر زيد تغير بالضمة والفتحة والكسرة. بسبب ما دخل عليه من جاءني ورأيت والباء فلو كان التغير في في غير الاخر لم يكن اعرابا كقولك فيه. فلس اذا صغرته فليس واذا كسرته افلس وفلوس وكذا لو كان التغير في الاخر. ولكنه ليس بسبب العوامل كقولك جلست حيث جلس زيد فانه يجوز ان تقول حيث بالضم وحيث بالفتح وحيث بالكسر الا ان هذه الاوجه الثلاثة ليست بسبب العوامل الا ترى ان العامل واحد وهو جلس وقد وجد معه التغير المذكور. ولما فرغت من ذكر المعرب ذكرت المبني وانه اذ يلزم طريقة واحدة ولا يتغير اخره بسبب ما يدخل عليه. ثم قسمته الى اربعة اقسام. مبني على الكسر. ومبني على الفتح ومبني على الضم ومبني على السكون. ثم قسمت المبني على الكسر الى قسمين قسم متفق عليه وهو هؤلاء فان جميع العرب يكسرون اخره في جميع الاحوال. وقسم مختلف فيه وهو حذامي ونحوهما من الاعلام المؤنثة الاتية على وزن فعالي. وامس اذا اردت به اليوم الذي قبل يومك ما باب حذام ونحوه فاهل الحجاز يبنونه على الكسر مطلقا. فيقولون جائتني حذامي ورأيت حذامي ومررت وعلى ذلك قول الشاعر فلولا المزعجات من الليالي لما ترك القطاطيب المنام اذا قالت حذام فصدقوها فان القول ما قالت حذامي. فذكرها في البيت مرتين مكسورة مع انها فاعل. وافترقت بنو تميم فرقتين فبعضهم يعرب ذلك كله بالضم رفعا وبالفتح نصبا وجرا فيقول جاءتني حذام بالضم ورأيت حذامة ومررت بحذامة بالفتح واكثرهم يفصل بينما كان اخره راء كوباري اسم لقبيلة وحضاري اسم لكوكب وسفارة اسم لما فيبنيه على الكسر كالحجازيين. وما ليس اخره راء كحذام وقطام فيعربه اعرابا ما لا ينصرف ينصرف واما امس اذا اردت به اليوم الذي قبل يومك فاهل الحجاز يبنونه على الكسل. فيقولون مضى امس واعتكفت امسي وما رأيته منذ امس بالكسر في الاحوال الثلاثة قال الشاعر منع البقاء تقلب الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها حمراء صافية وغروبها صفراء كالورث اليوم اعلم ما يجيء به ومضى بفصل لقضائه امس. فامسي في البيت فاعل لمضى وهو مكسور كما ترى. وافترقت بنو تميم فرقتين فمنهم من اعرضه ضمة رفعا وبالفتحة مطلقا فقال مضى امس بالضم واعتكفت امس وما رأيته امسى بالفتح قال الشاعر لقد لقد رأيت عجبا مذ امسا. عجائزا مثل الساعاني خمسا. يقلن ما في رحلهن اهم ساء لا ترك الله لهن ضرسا ولا لقين الدهر الا تعسى. ومنهم من اعرضه بالضمة رفعا على الكسر نصبا وجرا. وزعم الزجاجي ان من العرب من يبني امس على الفتح. وانشد عليه قوله مذ امسى وهو وهم والصواب ما قدمنا من انه معرب غير منصرف. وزعم بعضهم ان امسى في البيت فعل ماض وفاعله مستتر التقدير منذ امس المساء ولما فرغت من ذكر المبني على الكسر ذكرت المبني على الفتح. ومثلته باحد عشر واخواته تقول جاءني احد عشر رجلا ورأيت احد عشر رجلا ومررت باحد عشر رجلا بفتح الكلمتين في الاحوال الثلاثة. وكذا تقول في اخواته الا اثني عشر فان الكلمة الاولى منه تعرب بالالف رفعا وبالياء نصبا وجرا تقول جاءني اثنا عشر رجلا ايت اثني عشر رجلا ومررت باثني عشر رجلا. وانما لم استثني هذا من اطلاق قولي واخواته لانني سأذكر فيما بعد ان اثنين واثنتين يعربان اعراب المثنى مطلقا وان ركب. ولما فرغت من ذكر المبني على الفتح ذكرت المبني على الضم ومثلته بقبل وبعد. واشرت الى ان لهما اربع حالات. احداها ان يكونا مضافين فيعربان نصبا على او خفضا بمن تقول جئتك قبل زيد وبعده فتنصبهما على الظرفية. ومن قبله ومن بعده فتخفضهما بمن الله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون وقال الله تعالى الم يأتهم نبأ الذين من قبلهم من بعد ما اهلكنا القرون الاولى. الحالة الثانية ان يحذف المضاف اليه وينوى ثبوت لفظه يعربان الاعراب المذكور ولا ينونان لنية الاظافة وذلك كقوله. ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما مولى عليه العواطف. الرواية بخفض قبض بغير تنوين. اي ومن قبل ذلك فحذف ذلك من اللفظ. وقدره وقرأ الجحدري والعقيلي لله الامر من قبل ومن بعد بخفض بغير تنوين. اي من قبل الغلب ومن بعده فحذف المضاف اليه وقدر وجوده ثابتا الحالة الثالثة ان يقطع عن الاضافة لفظا ولا ينوى المضاف اليه. فيعربان ايضا الاعراب المذكور ولكنهما لانهما حينئذ اسمان تامان. كسائر الاسماء النكرات فتقول جئتك قبلا وبعد. ومن قبل ومن بعد قال الشاعر فساغ لي الشراب وكنت قبلا اكاد اغص بالماء الفرات. وقرأ بعضهم لا هي الامر من قبل ومن بعد بالخفض والتنوين. الحالة الرابعة ان يحذف المضاف اليه وينوى معناه دون لفظه. فيبنيان حينئذ على الضم كقراءة السبعة. لله الامر من قبل ومن بعد وقولي واخواتهما اردت به اسماء الجهات الست. واول ودون ونحوهن. قال الشاعر لعمرك ما ادري واني لاوجل على اينا تعدو المنية اول. وقال وقال اخر اذا انا لم اؤمن عليك الم يكن لقاؤك الا من وراء وراء ولما فرغت من ذكر المبني على الضم ذكرت المبني على السكون ومثلت ومثلت له بمن وكم؟ تقول جاء اني من قام ورأيت من قام ومررت بمن قامه. فتجد من ملازمة للسكون في الاحوال الثلاثة تقول كم مالك وكم عبدا ملكت وبكم درهم اشتريت فكم في المثال الاول في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه وعلى الخبرية عند الاخفش وفي الثاني في موضع نصب على المفعولية بالفعل الذي بعدها وفي الثالث في موضع خفض بالباء وهي ساكنة في الاحوال الثلاثة كما ترى. ولما ذكرت المبني على السكون متأخرا خشيت من وهم من يتوهم انه خلاف الاصل فدفعت هذا الوهم بقول وهو اصل البناء واما الفعل فثلاثة اقسام. ماض ويعرف بتاء التأنيث الساكنة وبناؤه على الفتح كضرب الا مع واو الجماعة. فيضم او الضمير المرفوع المتحرك فيسكنك ضربت ومنه نعم وبئس وعسى وليس في الاصح. وامر ويعرف دلالته على الطلب مع قبوله يا المخاطبة وبناؤه على السكون تضرب الا المعتلف على حذف اخره تغزوا واخشى وارمي ونحو قوما وقوموا وقومي فعلى حذف النون ومنه هلم في لغة تميم وهات وتعالى في الاصح ومضارع ويعرف بلم وافتتاحه بحرف من حروف نأيت نحو نقوم واقوم ويقوم وتقوم ويضم اوله ان كان ماضيه رباعيا كي يدحرج ويكرم ويفتح في غيره كيضرب ويجتمع ويستخرج ويسكن اخره مع نون النسوة نحو يتربصن والا ان يعفون ويفتح مع نون التوكيد المباشرة لفظا وتقديرا نحو لا يمكن ويعرض فيما عدا ذلك نحو يقوم زيد ولا تتبعان لتبلغن فاما ترين ولا يصدنك لما فرغت من ذكر علامات الاسم وبيان من وبيان انقسامه الى معرب ومبني. وبيان انقسام المبني منه الى مكسور ومفتوح ومضمون وموقوف شرعت في ذكر الفعل. فذكرت انه ينقسم الى ثلاثة اقسام. ماض ومضارع وامر. وذكرت لكل واحد منها علامته الدالة عليه وحكمه الثابت له من بناء واعراض وبدأت من ذلك بالماضي فذكرت ان ان علامته ان يقبل تاء التأنيث الساكنة قام وقعد تقول قامت وقعدت وان حكمه في الاصل البناء على الفتح كما مثلنا. وقد يخرج عنه الى الضم. وذلك اذا اتصلت به واو الجماعة كقولك قاموا وقعدوا او الى السكون وذلك اذا اتصل به الضمير المرفوع المتحرك كقولك قمت وقعدت وقمنا وقعدنا والنسوة قمنا وقعدنا وتلخص من ذلك ان له ثلاث حالات. الضم والفتح والسكون وقد بينت ذلك. ولما كان من الافعال الماضية اختلف في فعليته نصصت عليه ونبهت على ان الاصح فعليته وهو اربع كلمات نعم وبئس وعسى وليس فاما نعمة وبئس فذهب الفراء وجماعة من الكوفيين الى انهما اسمان. واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجر عليهما في قوله بعضهم وقد بشر ببنت والله ما هي بنعم الولد وقول اخر وقد سار الى محبوبته على حمار بطيء الشيء السير على بئس العير. واما ليس فذهب الفارسي في الحلبيات الى انها حرف نفي بمنزلة ما النافية. وتبعه على ذلك ابو بكر بن شقير. واما عسى فذهب الكوفيون الى انها حرف ترج بمنزلة لعل وتبعهم على ذلك ابن السراج صحيح ان الاربعة افعال بدليل اتصال تاء التأنيث الساكنة بهن. كقوله عليه الصلاة والسلام من توضأ يوم الجمعة ونعمة ومن اغتسل فالغسل افضل. والمعنى من توضأ يوم الجمعة فبالرخصة اخذ. ونعمت الرخصة الوضوء. وتقول المرأة حمالة الحطب وليست هند مفلحة وعسى هند ان تزورا. واما ما استدل به الكوفيون فمؤول على في الموصوف وصفته واقامة معمول الصفة مقامها. والتقدير ما هي بولد مقول فيه نعم الولد. ونعم السير على عير طول فيه بئس العين. فحرف الجر في الحقيقة انما دخل على اسم محذوف كما بينا وكما قال الاخر. والله ما لي بنا مصاحبه ولا مخالط الليان جانبه. اي بليل مقول فيه نام صاحبه. ولما فرغت من ذكر علامات الماضي حكمه وبيان ما اختلف فيه منه. ثنيت بالكلام على فعل الامر. فذكرت ان علامته التي يعرف بها مركبة من مجموع شيئين وهما دلالته على الطلب وقبوله ياء المخاطبة. وذلك نحن. قم فانه دال على طلب القيام ويقبل يا المخاطبة تقول اذا امرت المرء قومي وكذلك اقعد واقعدي واذهب واذهبي. قال الله تعالى فكلي واشربي وقري عينا فلو دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة نحو صح بمعنى اسكت ومه بمعنى اكف او قبلت ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب نحو انت يا هند تقومين وتأكلين لم يكن فعل امر. ثم بينت ان حكم فعل الامر في الاصل البناء على السكون تضرب واذهب وقد يبنى على حذف اخره وذلك ان كان معتلا نحو اغزوا واخشى وارم وقد يبنى على حذف النون وذلك اذا كان مستندا لالف اثنين نحو كوما او واو واو جمع النحو كوم او ياء خاطبه نحو قومي فهذه ثلاثة احوال للامر ايضا كما ان للماضي ثلاثة احوال. ولما كان بعض كلمات الامر مختلفا فيه هل هو فعلنا وسع؟ نبهت عليه كما فعلت مثل ذلك في الفعل الماضي. وهو ثلاثة هلم وهات وتعالى ما هلم فاختلف فيه فاختلف فيه العرب على لغتين. احداهما ان تلزم طريقة واحدة. ولا يختلف لفظ بحسب من هي مسندة اليه. فتقول هلم يا زيد وهلم يا زيدان وهلم يا زيدون وهلم يا هند وهلم يا هندان وهلم يا هندات وهي لغة اهل الحجاز وبها جاء التنزيل. قال الله تعالى والقائلين لاخوانهم هلم الينا اي ائتوا الينا. وقال تعالى قل هلم شهداءكم. اي احضروا شهداءكم اي عندهم اسم فعل لا فعل امر لانها وان كانت دالة على الطلب لكنها لا تقبل ياء المخاطبة. والثانية ان تلحقها بالضمائر البارزة بحسب من هي مسندة اليه فتقول هلم وهلما وهلم وهل ممن بالفك وسكون اللام وهل امي وهي لغة بني تميم؟ وهي عندهم وهي عند هؤلاء فعل امر لدلالتها على الطلب وقبولها يا المخاطب وقد تبين بما استشهدت به من الايتين انها الامة تستعمل قاصرة ومتعدية. واما هات وتعال فعدهما جماعة من النحويين في اسماء الافعال. والصواب انهما فعلا امر. بدليل انهما دالان على الطلب وتلحقهما ياء المخاطبة تقول هاتي وتعالي. واعلم ان اخر هات مكسور ابدا. الا اذا كان لجماعة المذكرين فانه فتقول هات يا زيد وهاتي يا هند وهاتي يا زيدان او يا هندان وهاتينا يا هندات كل ذلك بكسر التاء وتقول هاتوا يا قوم بضمها. قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم. وان اخر تعالى مفتوح في جميع احواله من غير استثناء. تقول تعال يا زيد وتعالي يا هند وتعالي يا زيدان وتعالوا يا زيدون وتعالين يا هندات. كل ذلك بالفتح. قال الله تعالى قل تعالوا اتلوا. وقال تعالى فتعالين امتعكن. ومن ثم لحنوا من قال تعالي اقاسمك الهموم. تعالي بكسر اللام. اللام ولما فرغت من ذكر علامات الامر وحكمي وبيان ما اختلف فيه منه ثلث بالمضارع. فذكرت ان علامته ان يصلح دخول لم عليه نحو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. وذكرت انه لابد ان يكون في اوله حرف من حروف رأيت وهي النون الف والياء والتاء نحو نقوم واقوم ويقوم وتقوم. وتسمى هذه الاربعة احرف المضارعة وانما ذكرت هذه الاحرف بساطا وتمهيدا للحكم الذي بعدها لا لاعرف بها الفعل المضارع. لانا وجدناها تدخل في باول الفعل الماضي نحو اكرمت زيدا وتعلمت المسألة ونرجست الدواء اذا جعلت فيه نرجسا ويرمأت الشيب اذا غضبته باليرى الناء وهو الحنا. وانما العمدة في تعريف المضارع دخول لم عليه. ولما فرغت من ذكر علامات المضارع شرعت في ذكر حكمه. فذكرت ان له حكمين. حكما باعتبار اوله وحكما باعتبار اخره. فاما حكمه باعتبار او فانه يضم تارة ويفتح اخرى. فيضم ان كان الماضي اربعة احرف. سواء كانت كلها اصولا نحو احرج يدحرج او كان بعضها اصلا وبعضها زائدا نحو اكرم يكرم. فان الهمزة فيه زائدة لان اصله كاروم ويفتح ان كان الماضي اقل من الاربعة او اكثر منها. فالاول نحو ضرب يضرب وذهب يذهب ودخل يدخل والثاني نحن انطلق ينطلق واستخرج يستخرج. واما حكمه باعتبار اخره. فانه تارة يبنى على السكون وتارة يبنى على الفتح وتارة يعرب فهذه ثلاث حالات لاخره. كما ان لاخر الماضي ثلاث ولاخر الامر ثلاث حالات. فاما بناؤه على السكون فمشروط بان يتصل به نون الاناث نحو. النسوة يقمن والوالدات يرضعن والمطلقات يتربصن ومنه الا ان يعفو. لان الواو اصلية وهي واو وعفا يعفو والفعل مبني على السكون لاتصاله بالنون. والنون فاعل مضمر. عائد على المطلقات ووزن يفعلن وليس هذا كيعفون في قولك الرجال يعفون. لان تلك الواو ضمير لجماعة المذكرين كالواو في يقومون وواو الفعل حذفت والنون علامة الرفع ووزنه يفعون. وهذا يقال فيه الا ان يعفو بحذف نونه كما تقول الا ان يقوموا وسيأتي شرح ذلك كله. واما بناؤه على الفتح فمشروط بان تباشره نون التوكيد لفظا تقديرا نحو كلا ليمبذن. واحترست بذكر المباشرة من نحو قوله تعالى ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون لتبلغن في اموالكم فاما ترين من البشر احدا. فان الالف في الاول والواو في الثاني والياء في الثالث صلة بين الفعل والنون فهو معرض لا مبني. وكذلك لو كان الفاصل بينهما مقدرا كان الفعل ايضا معربا. وذلك كقوله تعالى ولا يصدنك عن ايات الله. ولتسمعن مثله. غير ان نون الرفع حذفت تخفيفا لتوالي الامثال ثم التقى ساكنان اصله قبل دخول الجازم يصدونك. فلما دخل الجازم وهو لا الناهية. حذفت النون فالتقى ساكنان الواو والنون فحذفت الواو لاعتلالها ووجود دليل يدل عليها وهو الضمة. وقدر الفعل معربا وان كانت النون مباشرة لاخره لفظا لكونها مفصولة عنه تقديرا. وقد اشرت الى ذلك كله ممثلا. واما ففيما عدا هذين الموضعين نحو يقوم زيد ولن يقوم زيد ولم يقم زيد واما الحرف فيعرف بالا يقبل شيئا من علامات الاسم والفعل نحو هل وبل وليس منه مهما واذ ما بل ما المصدرية ولما الرابطة في الاصح لما فرغت من القول في الاسم والفعل. شرعت في ذكر الحرب. فذكرت انه يعرف بالا يقبل شيئا من علامات الاسم. ولا علامات الفعل نحو هل وبل فانهما لا يقبلان شيئا من علامات الاسماء ولا شيئا من علامات الافعال فانتفى ان يكون اسمين وان يكونا فعلين وتعين ان يكونا حرفين اذ ليس لنا الا ثلاثة اقسام. وقد انتفى اثنان فتعين الثالث. ولما كان من الحروف اختلف فيه هل هو حرف او اسم؟ نصصت عليه كما فعلت في الفعل الماضي وفعل الامر وهو اربعة. اذ ما ومهما وما المصدرية ولما الرابطة؟ فاما اذ ما فاختلف فيه سيبويه وغيره فقال سيبويه. انها حرف بمنزلة ان الشرطية. فاذا قلت اذ ما تقم قم فمعناه انتقم اقم. وقال المبرد وابن السراج والفارسي. انها ظرف زمان. وان المعنى في المثال متى تقم اقم احتجوا بانها قبل دخول ماء كانت اسما والاصل عدم التغيير. واجيب بان التغيير قد تحقق قطعا. بدليل انها كانت فصارت للمستقبل فدل على انها نزع منها ذلك المعنى البتة. وفي هذا الجواب نظر لا يحتمله هذا المختصر واما مهما فزعم الجمهور النهس بدليل قوله تعالى مهما تأتينا به من اية فالهاء من به عائدة عليها والضمير يا الا على الاسماء. وزعم السهيلي وابن يسعون انها حرب. واستدل على ذلك بقول زهير. ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم وتقرير الدليل انهما اعربا خليق اسما لتكن. ومن زائدة فتعين خلو الفعل من الضمير وكونه مهما لا موضع لها من الاعراب اذ لا يليق بها ها هنا لو كان لها امحل الا ان تكون مبتدأ جاء هنا متعذر لعدم رابط يربط الجملة الواقعة خبرا له. واذا ثبت ان لا موقع لها من الاعراب تعين كونها حرفا والتحقيق النسمة تكن مستتر ومن خليقة تفسير لمهما كما ان من اية تفسير لما في قوله تعالى ما تخمن اية ومهما مبتدأ والجملة خبر واما ما المصدرية فهي التي تسبك مع ما بعدها بمصدر نحو قوله تعالى ودوا ما عنتم اي ودوا عنتكم. وقول يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا اي يسر المرء ذهاب الليالي. وقد اختلف فيها فذهب سيبويه الى انها حرف بمنزلة ان المصدرية. وذهب الاخفش وابن السراج الى انها اسم منزلة الذي واقع على ما لا يعقل وهو الحدث والمعنى. ودوا الذي عنتموه اي العنت الذي عنتموه. ويسر المرء الذي ذهبه الليالي اي الذهاب الذي ذهبه الليالي ويرد على هذا القول انه لم يسمع اعجبني ما قمته وما قعدته ولو صح ما ترى لجاز ذلك. لان الاصل ان العائد يكون مذكورا لا محذوفا واما لما فانا في العربية على ثلاثة اقسام نافية بمنزلة لم نحو لما يقضي ما امره. اي لم يقضي ما امره ايجابية بمنزلتي الا نحو قولهم عزمت عليك لما فعلت كذا اي الا فعلت كذا اي ما اطلب منك الا لكذا وهي في هذين القسمين حرف باتفاق. والثالث ان تكون رابطة لوجود شيء بوجود غيره نحو. لما جاء اني اكرمته. فانها ربطت وجود الاكرام بوجود المجيء. واختلف في هذه. فقال سيبويه انها حرف وجود لوجود وقال الفارسي وجماعة انها ظرف بمعنى حين. ورد بقوله تعالى. فلما قضينا عليه الموت الاية وذلك انها لو كانت ظرفا لاحتاجت الى عامل يعمل في محلها النصب. وذلك العامل اما قضينا او دلهم اذ ليس معنا سواهما وكون العامل قضينا مردود بان القائلين بانها اسم يزعمون انها مضافة الى ما يليها والمضاف طافوا اليه لا يعمل في المضاف. وكون العامل دلهم مردود بان من نافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. واذا فبطل ان يكون لها عامل تعين ان لا موضع لها من الاعراب وذلك يقتضي الحرفية وجميع الحروف مبنية لما فرغت من ذكري علامات الحرف وبيان ما اختلف فيه منه ذكرت حكمه. وانه مبني لا حظ لشيء من كلماته في وصلى الله على محمد