بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد. غفر الله لنا ولشيخنا المستمعين قال الله تعالى في كتابه الكريم فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل. والله اعلم بما ينزل. قالوا انما انتم انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون. قل نزله رح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى وهدى وبشرى للمسلمين. ولقد نعلم انهم يقولون ان انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين. ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب اليم انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله. واولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن منشرح بالكفر صدرا ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بانه مستحب الحياة الدنيا على الاخرة. وان الله لا يهدي القوم الكافرين اولئك الذين طبع الله على على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون. لا جرم انهم في الاخرة هم الخاسرون بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد لا يزال السياق في هذه الايات المباركات من سورة النحل يقول الله جل وعلا فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم الاستعاذة هي طلب العوز وهي الالتجاء والاعتصام فعلى المسلم اذا اراد ان يقرأ القرآن ان يلتجأ الى الله ويعتصم به من الشيطان الرجيم لان الشيطان عدو للانسان ولا ينفك عن ايذائه وافساد عبادته عليه واقل ذلك ان يرتج عليه في القراءة ويجعل لسانه يتلعثم احيانا كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله ومن الناس من يصرفه عن القرآن بالكلية فيقرأ ولا يدري ماذا يقرأ ولا يدري معنى ما يقرأ ولهذا لو شغل بشغل عارض عما يقرأ ورجع الى الصفحة لا يدري اين وصل لان قلبه مشغول لان الشيطان عدو مبين للانسان وهذا القرآن العظيم هو مادة الايمان وهو الذي ينبت الايمان في القلوب وهو الذي يقرب الى الله وهو الذي يحبب الى العبد الطاعة ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ولهذا يحرص الشيطان على صد المسلم عن القراءة ولهذا شرعت التسمية قبل قراءة القرآن على الصحيح كما كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يفعل ذلك في صلاته فانه كان يقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من من همزه ونفسه ونفخه فيستعيذ بالله السميع الذي يسمع كل شيء العليم الذي يعلم كل شيء من الشيطان الرجيم الشيطان مشتق من شطنا اذا بعد عن الخير من الشيطان المبعد من رحمة الله الرجيم المرجوم الذي رجم وابعد بسبب عصيانه وعدم سجوده لادم لما امره الله جل وعلا بذلك ثم قال من همزه اهمز الشيطان كما فسره علماء الحديث؟ بانه الخنق وفسره بعضهم بالموتة والمراد ان الشيطان قد يتسلط على الانسان بالخنق بخنقه وبالاغماء عليه من همزه ونفسه ونفسه هو الشعر فيتسلط على الانسان بان يقول الشعر الماجن الشعر الذي فيه الذم والسب والشتم والتغزل بالنساء فيجعل ذلك ديدنه وهمه ونفخ قال العلماء نفخه الكبر فانه قد يتسلط على الانسان بان يجعله متكبرا مترفعا فالمسلم اذا استعاذ هذه الاستعاذة العظيمة سلمه الله من الشيطان من ان يتسلط عليه بالخنق او الموتة او الصرع او نحو ذلك ومن ان يتسلط عليه ويصده عن القرآن ويولعه بالشعر المحرم ومن ان ينفخ فيه ويجعله متكبرا مختالا على الناس والاستعاذة قبل القراءة من السنة سنة باجماع اهل العلم وظاهر الامر هنا الوجوب لان الاصل في الامر انه للوجوب والله جل وعلا يقول فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله هذا امر لكن قال الحافظ ابن جرير الطبري امام المفسرين انه باجماع المفسرين ان الاستعاذة ليست واجبة وانما مندوبة ولا شك ان هذا الاجماع يصرف الامر عن الوجوب اذا اجمع اهل العلم وان لم نعرف مستند الاجماع كما هو مقرر عند اهل العلم وذهب بعض اهل العلم الى ان الاستعاذة تكون بعد القراءة بعد ما تنتهي من القراءة تستعيذ وذهب الى هذا بعض الصحابة ذهب اليه ابو هريرة وذهب اليه حمزة وذهب اليه ابن ابي حاتم وبعض اهل العلم وقالوا الدليل ان الله قال فاذا قرأت قرأتها يعني حصلت منك القراءة قرأت فعل ماضي فاذا قرأتها وحصلت منك القراءة فاستعذ بالله يعني بعدها ما تنتهي من القراءة استعذ بالله وذهب جمهور اهل العلم الى ان القراءة الى ان الاستعاذة قبل القراءة. وقالوا ويدل على هذا سنة النبي صلى الله عليه واله وسلم فانه هكذا كان يفعل يستعيذ ثم يقرأ. والنبي صلى الله عليه وسلم يبين القرآن للناس وقالوا ان قوله جل وعلا فاذا قرأت القرآن المراد فاذا اردت ان تقرأ القرآن فاذا اردت ان تقرأ القرآن وهذا له نظائر في كتاب الله فمن ذلك قوله جل وعلا يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق. الاية اية الوضوء ومن المعلوم ان الانسان يتوضأ قبل ان يقوم الى الصلاة فقالوا معنى قولي اذا قمتم الى الصلاة يعني اذا اردتم ان تقوموا لتصلوا توظؤوا قبل ان تصلوا. هذا معنى الاية وكذلك هنا اذا قرأت يعني اذا اردت ان تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا هو الصواب ان شاء الله ان السنة هي الاستعاذة قبل ان تقرأ القرآن. فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون اخبر جل وعلا ان الله لم يجعل للشيطان سلطانا وحجة وقدرة على اظلال المؤمنين. الذين يتوكلون على الله ومن اهم اعمالهم الاستعاذة بالله فمن استعاذ بالله وقاه الله فلا سلطان للشيطان عليه ولا حجة ولهذا قال المفسرون انه ليس له سلطان قالوا ليس له حجة وقال بعضهم قيل لا يحملهم على ذنب لا يغفره الله وقيل المراد من استعاذ بالله منع من الشيطان ولم يسلطه عليه ونحوه قول ابن جرير الطبري قال انه ليس له سلطان على الذين امنوا فاستعاذوا بالله منه. فالحاصل انك الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم سواء عند قراءة القرآن او عندما ينزغك نزغ ويعرض لك عارظ كالغضب وسوء الظن ونحو ذلك وقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلين قد اختصم واحدهما قد احمر وجهه وانتفخ وانتفخت اوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه اني لاعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فذهب اليه رجل فقال ان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فقال اخر عني اتراني مجنونا؟ فعند الغضب السنة ان تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لان الغضب من الشيطان ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل اذا غضب وهو قائم ان يجلس وان ذهب غضبه والا يتكئ يضطجع لانه كلما كان الانسان قائما متحفزا فهو ادعى الى الفتنة والى الظرب والقتل ونحوه فاذا كان جالسا يكون تسلط الشيطان عليه اضعف واذا كان مضطجعا يكون اظعف وجاء ايضا في بعض الاحاديث انه يتوضأ لان الشيطان الغضب من الشيطان والشيطان من النار والنار يطفئها الماء فالشيطان ليس له سلطان ولا حجة ولا تسلط على الذين امنوا اي صدقوا واقروا امنوا بالله وبرسوله صلى الله عليه واله وسلم وبهذا القرآن وبكل ما يجب الايمان به من شرائع الدين وعلى ربهم يتوكلون والتوكل هو الاعتماد على الله وتفويض الامور اليه مع الاخذ بالاسباب فهم على ربهم يتوكلون ان يعتمدون فيما نابهم من مهمات الامور وفي جميع شؤونهم وهذه هي علامة السعادة للانسان ان يكون توكله واعتماد قلبه على ربه جل وعلا ولا يعتمد على الخلق لان الله جل وعلا بيده كل شيء وهو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ثم قال جل وعلا انما سلطانه على الذين يتولونه انما سلطانه وتسلطه وحجته وتأثيره وعلى الذين يتولونه اي يتخذونه وليا وآآ يطيعونه واذا نزغهم الى شيء بادروا اليه والذين هم في والذين هم به مشركون والذين اشركوا به وجعلوه شريكا لله اما بعبادته واما بعبادة الاصنام والاوثان التي يأمرهم الشيطان بعبادتها لان من عبد غير الله من الاصنام والاوثان وغيرها فانه يعبد الشيطان في الحقيقة لانه هو الذي امر بهذا وهو الذي سول به فهؤلاء بعيدون من الله غير مؤمنين بالله وغير متوكلين عليه بل هم متولون للشيطان اتخذوه وليا استنصحوه واطاعوه وايضا جعلوه لله شريكا فسلطه الله عليهم والشيطان مهما كان عدو لدود لا ينفع معه شيء الا الاستعاذة بالله ممن خلقه الا الاستعاذة بالله من شره الاستعاذة بالله الذي خلقه من شره ووسوسته لان الله جل وعلا يقول ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ولهذا لا يقنع الشيطان دون ان يوقع الانسان في الكفر وان يجعله من حزبه ومن اهل النار وقد اقسم على ذلك بين يدي الله ولكن الله جل وعلا عصم عباده المؤمنين ولم يجعل له عليهم سلطانا واما من اطاعوه واتبعوه فهم الذين جنوا جنوا على انفسهم قال جل وعلا واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل بدلنا اية يعني غيرنا هذه الاية ونسخناها وجئنا باية اخرى مكانها وهذا كما قال جل وعلا ما ننسخ من اية او ننسها نأتي بخير منها او مثلها فاذا حصل ان الله بدل اية وجعل مكانها اخرى قال والله اعلم بما ينزل جل وعلا من القرآن وانما ينزله بعلمه وبحكمته وهو العليم بما يصلح حال الناس في وقت من الاوقات وما يصلحهم في وقت اخر ولهذا كما جاء التدرج في امر الخمر لانه كما قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو قيل للناس لا تشربوا الخمر من اول مرة قالوا لن نترك الخمر ولكن جاء تحريمه على مراحل حتى قوي الايمان في نفوسهم واستعدوا لذلك وتعودوا على تركه اغلب الاحيان ثم جاء تحريمه بعد ذلك فالله عليم حكيم والنسخ ليس دليلا على الاضطراب او على البداء انه بدأ لله ما لم يكن بدأ له او علمه كما تقول المعتزلة والرافضة وامثالهم واليهود قبل ذلك وانما ذلك لحكمة يعلمها جل وعلا وليتبين المؤمن الذي يؤمن بالله جل وعلا وحيثما جاءه حكم الله قال سمعنا واطعنا من الذي في قلبه شك وزيغ يتحير ويشك ويرتد عن الحق لادنى شبهة تعرض له فاما المؤمنون فهم ثابتون على الايمان وهم مستسلمون لله ومنقادون له ويعتقدون انه هو العليم الحكيم وان ما يبدله او ينسخه فهو لحكمة عظيمة ولمصلحة عظيمة ظهرت لهم او لم تظهر قال جل وعلا واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل جل وعلا انزله بعلمه المحيط بكل شيء وبحكمته التي تضع كل شيء موضعه قالوا انما انت مفتر قال المشركون كفار قريش وامثالهم انما انت مفتر اي كذاب مختلف تختلق هذا القرآن من عندك ومرة تأتي بشيء ثم تغيره وتأتي باية اخرى وهذا من قلة ايمانهم وكفرهم بالله جل وعلا ولهذا قال الله جل وعلا قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون اكثر هؤلاء لا يعلمون الحق ولا يعلمون انك رسول الله ولهذا يقولون ما يقولون مما لا يليق فكيف يقال ل النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي كان قبل بعثته يعرفونه بالصادق الامين عرفوا صدقه وعرفوا عدم كذبه قبل ان يوحى اليه صلى الله عليه واله وسلم ولما اوحى الله اليه ازداد خيرا الى خير ونورا الى نور. ولهذا لما كما في صحيح البخاري فلما ظهر امر النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابو سفيان قد ذهب مع طائفة من قريش الى بلاد الروم وكان ابو سفيان حينئذ كافرا على ملة قومه فاستدعاهم هرقل وسألهم اسئلة ومنها هل جربتم عليه كذبا هل كان يكذب قال لا ما جربنا عليه كذبا قال ما كان ليترك الكذب عليكم ويكذب على الله ولهذا شهد انه رسول الله لكن لم يتبعه فالحاصل ان من يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم انه مفتر كاذب مخترق للقرآن لا يعلم لا يعلم حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم انه رسول من عند الله بل ولا يعلم ولا يعرف ربه قبل ذلك فهؤلاء لا حيلة فيهم لانهم عن الحق معرضون قال جل وعلا قل نزله روح القدس من ربك بالحق قل لهم يا نبينا نزله اي هذا القرآن رح القدس وهو جبريل من ربك؟ تكلم الله به وسمعه منه جبريل ونزل به جبريل وقرأه على نبينا صلى الله عليه واله وسلم فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وتكفل الله له ببيانه وحفظه ولهذا اذا قرأه عليه جبريل ثم سكت قرأه كما قرأه جبريل وروح القدس هو جبريل والقدس هو الطهر وسمي روح القدس الروح الطاهرة لانه كان يأتي بما يحيي الارواح وهو القرآن وهو الوحي فهو يحيي يحيي ارواح العباد فالمؤمنون احياء والكافرون اموات اومن كان ميتا فجعلنا له نورا او من كان له او من كان ميتا فجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها او من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فالكافر ميت والمؤمن حي احياه الله بالايمان قل نزله رح القدس من ربك بالحق قال ابن كثير اي بالصدق والعدل نزل الله افظل الملائكة بالقرآن على افضل الخلق وهو نبينا صلى الله عليه واله وسلم ونزله بالحق بالصدق والعدل فهو الحق الذي لا مرية فيه وهو الصدق الذي لا كذب فيه ثم بين علة ذلك ليثبت الذين امنوا انزل الله جل وعلا هذا القرآن ليثبت الذين امنوا على الايمان فاذا اردت ان يثبت ايمانك وان يزداد ايمانك وان يقوى ايمانك فعليك بالقرآن عليك بكتاب الله قراءة وتدبرا وتأملا فهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب تفرج به الكربات وتزول به الهموم والغموم. وتنشرح به الصدور لكن لمن اقبل عليه ولزمه يجد بعض الناس اول ما يحاول ان يقرأ شيئا من الصد بانواع شتى فربما يستسلم لهذا الصد ولا يجزم على القراءة ويواصل فهذا من كيد الشيطان لكن المؤمن القوي يصبر ويصابر ويستمر في قراءة القرآن. وما هي الا وقت ليس بالطويل وتزول عنه هذه هذه الوساوس هذا الكيد فكثير من من المصابين مثلا بالسحر او بالعين او بغيرها من الافات لما تقول له اقرأ سورة البقرة كاملة اذا اتاك عشرة واحد منهم يلتزم والاكثرون لا يلتزموا. لماذا يقول جاءني شيء من الهم من الضيق جاءني غم جاءني خوف جاءني كدت ان اموت وجدت الما وجدت يبسا في حلقي او نحو ذلك. نقول هذا والله من كيد الشيطان ولو صبرت وصابرت ليزولن عنك واذا زال عنك حصل الشفاء. وبدت الفائدة فاصبر وصابر ورابط لان القرآن لا يقتل وانما يحيي يحيي به الله القلوب لا يقتلك القرآن. لا تخف انك تموت من قراءة القرآن يحتاج الى صبر ومصابرة فهو هدى للمؤمنين. قال ليثبت الذين امنوا هذه الحكمة او من حكمه تثبيت المؤمنين على الحق وعلى دين الله لان الانسان اذا لم يكن من اهل القرآن الذين يقرأونه ويصدرون عنه تلقى عليه الشبهات وتشعله الدنيا تكثر عليه الافات فكم من انسان زاغ قلبه فاذا اردت الثبات على دينك الجأ الى الله جل وعلا بكثرة قراءة كتابه واجعل لك منه حزبا ووردا يوميا تقرأه فانه من السنة من السنة التي ينبغي ان نلتزم بها ان يكون لكل واحد منا نصيب من القرآن كل يوم والافضل ان يكون من الليل لما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من نام عن حزبه من الليل فقرأه ما بين الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل من نام عن حزبه اسنده اليه كل انسان له حزب هذه السنة بعض الناس لا يعرف القرآن الا في رمضان او يمر عليه الشهران والثلاثة ما قرأ القرآن ما نصحت نفسك بهذا ما نصحت نفسك كنت اناصحا لنفسك فاسمعها كلام الله حتى تؤمن وتزداد تزداد ايمانا وتثبت على الحق وتهتدي وتجد البشرى في كتاب الله قال ليثبتوا الذين امنوا وهدى وبشرى للمؤمنين هدى من الضلالة هدى الى الحق هدى الى الصراط المستقيم يهدي للتي هي اقوم للحال التي هي اقوم الاحوال وبشرى للمؤمنين يبشرهم بما اعد الله لهم من الثواب العظيم. من دخول الجنات وما فيها من النعيم المقيم والخير العميم ثم قال جل وعلا ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر قال الله عز وجل مصليا لنبيه ومطمئنا له ولقد نعلم انهم يقولون اي كفار قريش يقولون عنك لما جئتهم بهذا القرآن الذي نزل به روح القدس من من لدنا وهو هدى وبشرى وتثبيتا للمؤمنين نعلم انهم يطعنون فيك ويقولون انما يعلمه بشر وذلك انهم قالوا انما يعلمه غلام لبني الحضرمي نصراني كان من كان نصرانيا يقال له جبر وكان اعجميا وكان يجلس عند الصفا او عند المروة يبيع بعض الاشياء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليه احيانا ويكلمه يدعوه الى الايمان وكان هذا لا يحسن العربية وانما يتكلم قليلا من العربية بقدر ما يتفاهم فيه مع الناس لا يحسنها فلما رأوه يجلس عنده احيانا والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه الى الله. ويمره بالخير قالوا هذا القرآن الذي جاء به محمد افتراه من قبله علمه به هذا النصراني جبر النصراني وقيل اسمه يعيش فبين الله لنبيه واقسم انه يعلم الذي يقولون قول ويعلم قولهم انما يعلمه بشر يعلموه بشر فقال الله عز وجل لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين لسان الذي يلحدون اليه الالحاد هو الميل في الكلام فلسان هذا الرجل وهو جبر النصراني الذي يلحدون اليه يميلون اليه ويقولون انه هو الذي يعلمك القرآن لسانه اعجمي ما يعرف العربية ما يعرفه الا القليل وهذا القرآن الذي يقولونه هو علمه علمك اياه لسان عربي مبين افصح اللسان افصح الكلام واعظم الكلام بل انتم يا كفار قريش عجزتم عن ان تأتوا بمثله ولا وعجزتم ان تأتوا بعشر سور من مثله. وعجزتم ان تأتوا بسورة واحدة من مثله ولو تظاهرتم وتعاونتم انتم والجن وكان بعضكم لبعض ظهيرة ما استطعتم ان تأتوا بمثل هذا القرآن فكيف تقولون انه يعلمه ذاك الغلام النصراني الاعجمي الذي لا يحسن اللغة العربية كيف تكون هو الذي علمه القرآن انتم المفترون وانتم المختلقون وانتم الكذبة الفجرة وكفى خذلانا لهم ونصرة لنبي لنبينا صلى الله عليه وسلم ان الله هو الذي تولى الدفاع عن نبيه وهو الذي كذبهم واظله واخزاهم فيما قالوه ثم قال ومعنى لسان عربي يعني باللغة العربية ومعنى مبين يعني بين يبين الحق يبين عن الحق ويظهره ويجليه. بيانا ما بعده بيان ما بعده بيان لانه كلام رب العالمين ولهذا عجز فصحاء العرب ان يأتوا بمثل سورة الكوثر انا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الابتر. ثلاث ايات ما استطاعوا ان يأتوا بمثلها ولو استعانوا بالجن ما استطاعوا لا هم ولا الجن ان يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا قال جل وعلا ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب اليم ان الذين لا يؤمنون بايات الله قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره يخبر تعالى انه لا يهدي من اعرظ عن ذكره وتغافل عما انزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له قصد الى الايمان ولم يكن له قصد الى الايمان بما جاء به من عند الله فهذا الجنس من الناس فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله الى الايمان باياته وما ارسل به رسله في الدنيا ولهم عذاب اليم موجع في الاخرة فسر الاية تفسيرا اجماليا مبينا ان الذين لا يؤمنون بايات الله ومنهم كفار قريش فلا يؤمنون بايات الله واعظمها القرآن فلا يؤمنون بها بل يكفرون بها ويطعنون بها ويكذبون بها لا يهديهم الله لماذا؟ لانهم اعرضوا عن طريق الحق ولو اهتدوا لزادهم هدى ولكنهم اعرضوا وهذا دليل ان الانسان له قدرة يا اخوان وانه يهتدي ويضل يعني يعملوا اعمال الهداية واعمال الضلالة وله اختيار وله حرية وان كان هو واختياره لا يخرج عما قضاه الله وقدره ولكنه حينما يباشر الامور يباشرها مباشرة المختار الذي يختار ما يريد فهم ما اختاروا طريق الايمان بل اعرضوا عنه وطعنوا فيه وعادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوه فهؤلاء لا يهديهم الله ولو اهتدى لزادهم هدى واتاهم تقواهم فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم لا يهديهم الله ولهم عذاب اليم فهم محرومون من الهداية هداية التوفيق والايمان والدخول بدين الله ولهم عذاب اليم اي مؤلم موجع لمن حل به. وهو عذاب النار نعوذ بالله من ذلك قال انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله اخبره جل وعلا مدافعا عن نبيه صلى الله عليه واله وسلم انه انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله هذا رد على قولهم انما انت مفتر قالوا انما انت مفتري. فدافع الله عن نبيه فقال انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله انتم انتم يا من تقولون انما يعلمه بشر ولسان الذي تلحدون اليه اعجمي وهذا القرآن لسان عربي مبين. انتم المفترون الكاذبون المختلقون الدجالون انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبون اولئك هم الكاذبون عند الله جل وعلا وعند الناس وقد اكذبهم الله قدرا وشرعا فهذا القرآن هو الحق الذي لا مرية فيه وليس من عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو باق الى يوم القيامة ويهدي للتي هي اقوم وهو هدى ونور ورحمة وبشرى للمحسنين او سراج منير فكيف يكون كذبا واختلاقا فهم اكذب الخلق عليهم من الله ما يستحقون قال ابن كثير ثم اخبر تعالى ان رسوله صلى الله عليه واله وسلم ليس بمفتر ولا كذاب لانه انما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق الذين لا يؤمنون بايات الله الذين لا يؤمنون بايات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس والرسول صلى الله عليه وسلم كان اصدق الناس كان اصدق الناس وابرهم واكملهم علما وعملا وايمانا وايقانا معروف معروفا بالصدق في قومه ولا يشك في ذلك احد منهم بحيث لا يدعى بينهم الا الامين الا بالامين محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لما سأل هرقل ابا سفيان وذكر الخبر الذي ذكرناه انه قال ما كان ليذر الكذب عليكم ويكذب على الله. فهو رسول من عند الله حقا قال جل وعلا انما يفتري الكذب يختلقه الذين لا يؤمنون بايات الله من الكفار من قريش وامثالهم واولئك هم الكاذبون عند الله ثم قال من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن منشرح بالكفر صدرا ذهب كثير من المعربين الى ان من كفر من هنا بدل مما قبلها وتقدير الكلام انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون باية الله وهم من كفر بالله من بعد ايمانه وهم من كفر بالله من بعد ايمانه وقال بعض المفسرين ان من هنا ابتدائية وهي تخبر عن صنف اخر فالمشركون ينقسمون الى قسمين قسم المشركون اصلا ولم يؤمنوا ولم يدخلوا في الايمان وقسم امنوا ثم ارتدوا عن الدين بعد الايمان وهم المعنيون بقوله هنا من كفر بالله من بعد ايمانه كفر بعد ايمانه يعني دخل في الايمان وعرف الاسلام ثم كفر فهؤلاء ونعم وانشرحت صدورهم بالكفر توسعت واحبته فهؤلاء عليهم غضب من الله واستثنى جل وعلا المكره فقال الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان الا من اكره عرض على السيف او على القتل فقيل له اما ان تكفر بالله تكفر بالقرآن تكفر بالنبي تكفر بالاسلام والا قتلناك هي اذا وصل الى حد الاكراه فله ان ينطق بكلمة الكفر بلسانه بشرط الا تصل الى قلبه فقلبه مطمئن بالايمان والقلب لا يطلع على ما فيه الا الله جل وعلا فهم ليس لهم الا ما يعطيهم بلسانه فاذا اعطاهم بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان بالله فهذا لا يظره الا ان تتقوا منهم تقات هذا لا يضره ولكن بشرط ان يحصل له الاكراه وقد اورد المفسرون بعض الاثار ان هذه الاية نزلت في عمار رضي الله عنه وهو ان قريش اخذوه وعذبوه وعرضوه على السيف فقالوا اما ان تسب محمدا صلى الله عليه وسلم وتكفر به والا قتلناك فاظهر سبه والكفر به ولكن قلبه كان مطمئنا ولما خرج من عندهم واتى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره قال كيف تجد قلبك قال اجد قلبي مطمئن بالايمان قال ان عادوا فعد ان عادوا فعد وقد اورد ابن كثير وغيره عدة طرق لهذا الاثر وبعضهم يحسنه بمجموع طرقه والذي يظهر ان كل طرق هذا الحديث كلها ظعيفة لا يثبت ذلك عن عمار ولكن دلالتها واضحة ان من اكره سواء عمار او غيره. في زمن النبي صلى الله عليه وسلم او في زمننا او في اي زمان وعرض على السيف ان له ان يظهر كلمة الكفر وعدم الاسلام او سب النبي اذا خاف من القتل يباح له ذلك والافضل هو ان يختار طريق العزيمة وهو الا يعطيهم شيئا من ذلك ولا يفرحون به كما فعلت سمية رضي الله عنها ام عمار عرظوها على القتل فابت ان تكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم فطعنها عدو الله ابو جهل فقتلها وكما فعل بلال رضي الله عنه فان قريشا عذبوه وكانوا يأتون بالصخرة التي قد اشتد حرها ويضعونها على بطنه وعلى ظهره ويقول ارجع عن دين محمد. صلى الله عليه وسلم ويقول احد احد اي اعبد الواحد الاحد فلما اكثروا عليه قال لو اعلم ان كلمة اشد غيظا لكم من هذه لقلتها رضي الله عنه فهذا اختار العزيمة ولهذا قال العلماء ان من يعرض له الاكراه على ترك الدين ترك الاسلام ان امامه طريقان له ان يظهر بلسانه بشرط ان يكون القلب منشرحا بالايمان فيسلم من شرهم له ذلك ويباح له والطريق الثاني وهو الافضل هو الصبر على دينه وعدم اعطائهم شيء من ذلك ولكن لو خاف الانسان وما اراد ان يأخذ بطريق العزيمة فالحمد لله ما جعل الله علينا في الدين من حرج له ان يظهر شيئا مما لا يعتقده قلبه بشرط ان يكون القلب مطمئنا بالدين وبالاسلام وبالايمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا شرح بالكفر سدرا اي فتح قلبه بقبول الكفر وهذا حصل من بعض المسلمين لما عذبوهم قريش وهددوهم باخذ اموالهم انهم رجعوا عن دين الاسلام وارتدوا بعد الاسلام انشرح صدورهم للشرك الذي كانوا عليه ورجعوا اليه هذا هو منشرح بالكفر صدرا فهؤلاء عليهم غضب من الله نعوذ بالله عليهم غضب الله لانهم فعلوا ما يغضبه ولهم عذاب عظيم هو عذاب النار وما فيه من الاغلال والانكال والسلاسل والزقوم والماء الحميم الى غير ذلك ثم قال ذلك بانه مستحب الحياة الدنيا على الاخرة الذين فعلوا هذا هم الذين استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة حب الحياة ليحيوا ينجوا من عذاب قريش يتمتعون بهذه الدنيا فهؤلاء اثر الحياة الدنيا على الاخرة واثروا واثروا الفانية الباقية ثم قال وان الله لا يهدي القوم الكافرين الله جل وعلا لا يهدي هداية التوفيق والتشديد القوم الكافرين الذين كفروا بالله واعرضوا عن طريق الحق ولكنه يهدي المؤمنين ويهدي المتقين والمراد هنا هداية التوفيق لان هداية الارشاد والدلالة قد هدى الله الخلق جميعا بارسال الرسل وانزال الكتب وان من امة الا خلا فيها نذير لان العلماء يقولون الهداية هدايتان هداية ارشاد ودلالة وهداية توفيق والهام فهداية التوفيق والالهام هذه لا يملكها الا الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء يوفق من يشاء للايمان ويشرح صدره للايمان ويثبته على الحق واما هداية الانشاد فالله هدى الخلق والنبي صلى الله عليه وسلم يهدي الى صراط مستقيم والمؤمنون الذين يرشدون الى الحق ويدعون اليه يهدون الى صراط مستقيم لكن هداية التوفيق خاصة برب العالمين جل وعلا لا يملكها الا هو. ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء قال جل وعلا اولئك الذين طبع الله على قلوبهم. هؤلاء الذين استحبوا الكفر عالايمان واستحبوا الدنيا على الاخرة وانشرحت صدورهم بالكفر بعد الايمان ورضوا به واطمأنوا اليه هؤلاء الذين طبع الله على قلوبهم والطبع هو الختم بل هو اشد من الختم بحيث ان الله جل وعلا طبع على قلوبهم ختمها وطبعها وسد منافذ الخير اليها فلا تؤمن فهي باقية على الكفر صم بكم عمي فهم لا يرجعون ابدا جزاءه وفاقا اعرضوا وكفروا فعوقبوا الجزاء من جنس العمل فطبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم ايضا فالقلوب لا تفقه الايمان ولا تتبعه والاسماع لا لا تسمعوا سماع الانتفاع. تسمع الايات لكن لا تسمع سماع الانتباع الذي تنتفع به ويؤثر الايمان فيها بالقلوب ولا يبصرنا الحق الابصار الذي يدعوهم الى اتباعه جزاء وفاقا فلما فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم قال جل وعلا واولئك هم الغافلون الغافلون عن امر الله الغافلون عما ينتظرهم من العذاب الغافلون عن ما يكون في الاخرة من شدة الاداب والنكال للكافرين والا هم ليسوا غافلين من حيث الدعوة دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين لهم واقام عليهم الحجة وبين لهم المحجة وتلا عليهم القرآن لكن لم يؤمنوا فهم غافلون عن حقيقة ما يكون يوم الاخرة من العذاب الشديد لمن حل به نعوذ بالله من عذابه قال جل وعلا لا جرم انهم في الاخرة هم الخاسرون قلنا ان معنى لا جرم الاظهر فيها كما هو اختيار ابن جرير وابن كثير وغيرهم ان لا جرم بمعنى حقا تقدير الكلام لا جرم انهم في الاخرة هم الخاسرون اي حقا انهم في الاخرة هم الخاسرون هؤلاء الذين سبق ذكرهم هم الخاسرون اشد الخسارة وهم المغبونون الذين قد خسروا الدنيا والاخرة وخسرت انفسهم واحلوها بعذاب الله ونقمته بدل نعيمه وجنته ولو لو امنوا واتبعوا الرسول صلى الله عليه واله وسلم الله اليكم قال الله تعالى ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم. يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها فكل نفس ما عملت وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتينا رزقها. يأتيها. يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله. فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه خذهم العذاب. فاخذهم العذاب وهم ظالمون. حسبك ثم قال جل وعلا ثمان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم ثم تفيد الترتيب والتراخي فما بعدها مرتب على ما قبلها. وجاء بعده ايضا فاخبر هذا من سعة رحمته جل وعلا انه يغفر ويتوب على من تاب اليه ولو كان حصل منه ما حصل من الكفر والذنوب فقال ثمان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا معروف ان الهجرة هي الخروج من بلد الكفر الى بلد الاسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة لاهل مكة الخروج من مكة الى المدينة لان المهاجرين هاجروا من مكة الى المدينة فرارا بدينهم فقال الله عز وجل ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا وبعدها ومعنى فتنوا قيل وعذبوا في دينهم وقال بعض المفسرين وهو اظهر اي فتنوا في دينهم فارتدوا هناك من لما افتتنوا من اهل مكة فتنوا في دينهم وعذبوا وضربوا وفعل بهم ما فعل ارتدوا عن الدين ورجعوا الى ما كان عليه قومهم من الكفر وانشرح صدورهم به لكن من تاب من ذلك ثم جاهدوا وصبروا ان ربكم بعديها لغفور رحيم من تابوا من هذا الامر الذي حصل منهم فتابوا من ردتهم وهاجروا الى النبي صلى الله عليه واله وسلم وجاهدوا في سبيل الله وهذا ليس وهذا دليل صدق ايمانهم ان الجهاد فيه بذل الجهد لابد يجود الانسان بماله ونفسه هذا يقدم عليه من كان صادقا في ايمانه ثم جاهدوا وصبروا صبروا في جهادهم صبروا على دينهم صبروا على ما ينالهم من الاذى هذا لانهم صادقون لكن من اذا اوذي في دين الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ورجع وارتد عن دينه هذا ما صبر لكن هؤلاء صبروا على ما اصابهم ثبتوا على دينهم ان ربك من بعدها لغفور رحيم من بعدها من بعد هذه الاعمال وهي الهجرة والجهاد في سبيل الله والصبر على ما اصابهم هذا متضمن للتوبة ولابد ان ربك من بعدها لغفور رحيم لغفور لهم يغفر ذنوبهم فرحيم بهم وبغيرهم ومن رحمته بهم انه يدخلهم الجنة ويثبتهم على الحق وهذا فيه حث لكل من وقع في الكفر او وقعت عنده ردة ان عليه ان يبادر بالتوبة والرجوع الى الله فمن تاب تاب الله عليه من تاب التوبة النصوح التي تكون عن اخلاص لله واقلاع عن الذنب وندم عليه وعزم على الا يعود اليه هذه تجب ما قبلها والاسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وهذا من رحمة الله جل وعلا هذا من رحمة الله بنا جميعا من ذا الذي لا يذنب ولكن الله يمهل عبادة وان كان لا يهملهم فمن تاب ولو عاش مئة سنة وهو على الذنوب والكفر والشرك ثم تاب في اخر عمره تاب الله عليه وادخله الجنة لانه غفور رحيم جل وعلا ويفرح بتوبة عباده اشد من فرح صاحب الراحلة التي عليها طعامه وشرابه واظلها في ارض فلا ثم وجدها جل وعلا ولا يهلك على الله الا هالك قال جل وعلا يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها يعني ان ربك من بعدها لغفور رحيم يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم في يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وهو يوم القيامة حينما تقوم الساعة يذهب الاعوان والانصار ويبقى كل انسان يجادل عن نفسه يسأل عن ذنبه كل نفس بما كسبت رهينة اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا لا يجي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لماذا لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه فهل اعددت لذلك اللقاء عدته اصدق الله امن استقم على دين الله اليوم حتى تدافع عن نفسك بالحق واما من كان مخلطا او كافرا او مشركا لا ينفعه اذا اراد الكذب ختم على فمه وتكلمت جوارحه بما كان يعمل قال جل وعلا يوم تأتي كل نفس تجادل اي تحاج عن نفسها ليس لها احد يحتج عنها او يدافع عنها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون وعند ذلك توفى من الايفاء تعطى جزاءها وافيا كاملا ان خيرا فخير وان شرا فشر توفى ما عملت لا تظلم ان عملت الخير توفى ثواب المؤمنين وهو الجنة. وان عملت شرا وكفرا توفى ثواب اهل النار نعوذ بالله وهم لا يظلمون لا يظلمون شيئا من حسناتهم ولا يظلمون ايضا في السيئات بحيث يزاد عليهم بل ان فضل الله ورحمته سابقة فمن جاء بالحسنة فله عشر امثالها ما يظلم يزاد تضاعف له عشر مرات ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ما يتوضع عليه سيئة غيره ولا يزاد عليه سيئات ما عملها ابدا وهذا من كمال عدل الله جل وعلا قال جل وعلا وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة هذا مثل ضربه الله جل وعلا لاهل مكة قال ابن كثير رحمه الله هذا مثل اريد به اهل مكة فانها كانت امنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كاملا ومن دخلها كان امنا لا يخاف كما قال تعالى وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا اولم نوكل لهم حرما امنا يجبى اليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا وهكذا قال ها هنا يأتيها رزقها رغدا اي هنيئا سهلا من كل مكان من البر والبحر يأتيها رزقها يأتي اليها من البر رحلة الشتاء والصيف من الشام ومن اليمن ويأتي ايضا من البحر السفن التي تحمل البضائع. يقول الله جل وعلا وظرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة وهي مكة كانت هذه القرية امنة لا يعتدي عليها احد كانت العرب حتى قبل الاسلام يعرفون حرمة مكة و حرمة الاعتداء عليها ولهذا كان لا احد يعتدي على اهل مكة فجعله الله عز وجل جعل هذه القرية امنة من الخوف لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف وايضا كانت مطمئنة لا يحتاج اهلها الى كثير عناء من اجل الطعام يسر الله لهم امورهم فرحلة في الشتاء الى اليمن تأتيهم بالطعام وارحة في الصيف الى الشام تأتيهم بالطعام ويأتيهم الطعام ايضا من البحر فكان رزقها رغدا يأتيها رزقها رغدا اي واسعا كثيرا رزق الرغيد والناس من حولهم يذبحهم الجوع ويموتون جوعا فضرب الله لهم هذا المثل فما راعوا هذه النعمة ما رعوا انهم في بلد امنين مطمئنين يأتيهم رزقهم رغدا من كل مكان فكان الواجب عليهم لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم الى الايمان ان يؤمنوا به ويتبعوه شكرا لله ثم شكرا لهذه النعم التي هم فيها ولكن لما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فبدل الله امنهم خوفا ورغد رزقهم ظيقا ظيقا وظنكا وذلك حينما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجعلها عليهم سبعا كسني يوسف سبع سنوات حتى اكلوا الجلود ما وجد شيء يأكلونه لانهم كفروا بانعم الله قال جل وعلا يأتيها رزقها رغدا من كل مكان رغدا اي هنيئا سهلا كثيرا واسعة من كل مكان من البر والبحر فكفرت بانعم الله اي جحدت الاء الله جحدت هذه النعم فكان مقتضى هذه النعم الامن طمأنينة رادوا العيش كان مقتضى شكرها ان يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم. رسول من من عليهم بهذه النعم يطيعوه ويتبعوه وهم يعرفون ذلك فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف اي اذاق اهلها اذاق جل وعلا اهلها لباس الجوع سماه لباسا لانه ظهر عليهم وعلى ابدانهم ظهر عليهم الهزال وظهر عليهم السمرة والتغير الوجوه والاصفرار فسماه لباسا لانه مثل اللباس الذي يظهر على بدن الانسان فاذاقها الله لباس الجوع والخوف فاصابهم الجوع حتى اكلوا الجلود والخوف لما اذن الله للنبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة صار يتعرض تعرظ عيرهم واصحابه الذين عهد عهد قريش الا يقبل من جاء منه اليهم ذهبوا الى الساحل ابو بصير ومن معه فصاروا يقطعون على قريش كل ما جاءت قافلة تعرضوا لها واخذوها فبدل الله خوفهم امنا ورغد عيشهم الى الجوع فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. الباء للسببية بسبب صنعهم فكانوا يصنعونه ويعملونه ويفعلونه. والله اعلم وصلى الله وسلم