الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد يقول الله جل وعلا فلبثت سنين في اهل مدينة ثم جئت على قدري يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب انت واخوك باياتي ولا تنيا في ذكري هذه الايات من سورة طه في سياق قصة موسى مع فرعون وكنا قد ذكرنا طرفا منها في الدرس قبل الماضي ودرس الامس جعلناه فقط في ذكر حديث الفتون وهو اجمع حديث في قصص موسى عليه السلام آآ ثم نعود لاكمال تفسير قصة موسى مع فرعون وقد سبق ان بينا معنى قوله فلبثت السنين في اهل مدينة ثم جئت على قدري يا موسى. والمعنى انك لبثت وبقيت سنين وهي عشر سنين آآ وقيل اكثر من ذلك وهي السنين التي آآ بقيها عند الرجل الصالح في مدين الذي زوجه احدى ابنتيه واشترط عليه ان يرعى له الغنم ثماني سنين وان اما عشرا فمن عنده فاتم موسى عشر سنين آآ ثم رجع واهل المدين ما كان يعرف بهذا الاسم وارض موجودة في شمال غرب المملكة وتعرف بالاسم بهذا الاسم الى يومنا هذا. قال ثم جئت على قدر يا موسى. قال الطبري ثم جئت للوقت الذي اردنا ارسالك الى فرعون رسولا ولمقداره. وقال ابن جرير الطبري وقال ابن كثير رحمه الله وجئت ثم جئت على قدر قال اوه نقرأ كلامه كاملا على الاية لان الاية لانه مرتبط بعضه ببعض قال يقول تعالى مخاطبا لموسى عليه السلام انه لبث مقيما في اهل المدينة فارا من اهل من فرعون وملأه يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الاجل ثم جاء موافقا لقدر الله ارادته من غير ميعاد والامر كله لله تبارك وتعالى وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء. ولهذا قال ثم جئت على قدر قال مجاهد اي على موعد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ثم جئت على قدري يا موسى على قدر الرسالة والنبوة. اه ثم قال واصطنعتك لنفسي. اه قال اصطنعتك لنفسي اي انعمت عليك يا موسى هذه النعم ومننت عليك هذه المنن اجتباء مني لك واختيارا لرسالتي والبلاغ عني والقيام بامري ونهيي. وقال ابن كثير اترك لنفسي اي اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي اي كما اريد واشاء. وذكر ابن كثير قال قال البخاري اه عند تفسيرها يعني تفسير هذه الاية قال عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التقى ادم وموسى فقال موسى انت الذي اشقيت الناس واخرجتهم من الجنة فقال ادم انت الذي اصطفاك الله برسالاته واصطفاك لنفسه وانزل عليك التوراة قال نعم قال فوجدته قد كتب علي قبل ان يخلقني يعني انني افعل هذا؟ قال نعم. قال فحج ادم موسى اخرج يعني البخاري ومسلم. فقال الله جل وعلا اذهب اذهب انت واخوك وهو اخوه وهارون لانه مر معنا انه سأل الله ان يجعله نبيا معه يريد ان يصدقه و ايازره فاستجاب الله دعاءه واجاب سؤله ثم ارسلهما جميعا الى فرعون فقال اذهب انت واخوك باياتي ومعنا باياتي اي بحجج بحجج وبراهيني ومعجزاتي لا تنيا في ذكري. ومعنى لا تني يعني كما قال ابن عباس لا تبطئ وقال مجاهد لا تضعفا. قال ابن كثير والمراد انهما لا يفتران في ذكر الله عز وجل. بل يذكر يذكر الله في كل في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عونا لهما عليه وقوة لهما وسلطانا كاسرا له والمراد ان ولاة نية يعني لا تضعفا في ذكر ولا تتأخر قال جل وعلا اذهبا الى فرعون انه طغى. اذهبا الى فرعون انه طغى ومعنى طغاة يعني تجاوز الحد لانه تجاوز حده وهو انه عبد مملوك الى ان ادعى الربوبية وتجاوز في الطغيان والعتو. قال ابن كثير اي تمرد وعتى. وتجاهر ما على الله وعصاه. فقولا له قولا لينا فقولا له قولا لينا. آآ قال ابن كثير رحمه الله هذه الاية فيها عبرة عظيمة. وهو ان فرعون في غاية العتو والاستكبار موسى صفوة الله من خلقه اذ ذاك ومع هذا امر الا يخاطب فرعون الا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الرقاشي عند قوله فقولا له قولا لينا. قال يا من يتحبب الى من يعاديه فكيف بمن بمن لا هو يناديه. وقال وهبي بن منبه قولا له اني الى العفو والمغفرة اقرب مني الى الغضب والعقوبة وعن عكرمة في قوله فقولا له قولا لينا قال لا اله الا الله وعن الحسن البصري فقولا له قولا لينا اي اعذرا اليه قولا له ان لك ربا ولك معادا ان لك ولك معادا وان بين يديك جنة ونارا اه جاء ايضا اه عن النزال بن سبرة عن علي قال قولا له قولا لينا. قال كنه. وعن سفيان الثوري قال كنه بابي يعني قل له كناية يا ابا فلان وهذه الاقوال لا تعارض بينها ولهذا قال ابن كثير بعدها والحاصل من اقوالهم ان دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ليكون اوقع في النفوس وابلغ وانجع كما قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن. نعم. هذه في الحقيقة فيها عبرة. ايها الدعاة الى الله ايها المسلمون جميعا فالله جل وعلا يقول لرسوليه موسى وهارون وهما خير الخلق في زمانهما حينما ارسلهما الى افجر واكفر واطغى الناس في زمانهما وهو فرعون قال قولا له قولا لينا اذا اذا اردت ان تدعو احد فالن القول له فان هذا ادعى الى قبول الحق اذا النت القول معه ادعى الى ان يقبل قولك لكن لو انك سببته او شتمته او تكلمت بكلام قاس فانه ادعى الى رده ولو كان مقتنعا به. وهذا امر معروف لا ينكره احد. ثم بين ان القول اللين يكون او قد يكون سببا للتذكر والاتعاظ والاعتبار والخشية من الله مع ان الله جل وعلا علم ان فرعون لن يتذكر ولن يخشى. ولما ارسل موسى وهارون اليه اليه وقال لهما قولا له قولا لينا هو جل وعلا يعلم انه لن يتذكر ولن يخشع. ومع ذلك امرهما. فعليك ان ترين القول وتلطف بالمخاطب بالمدعو. ترقق له الكلام. فان فهذا ادعى الى الاتعاظ وقبول ما تدعو اليه. قال جل وعلا فقولا له قولا لينا لعله بسبب انانة قولكما ورفقكما ولطفكما معه في الكلام. لعله يتذكر من التذكرة وهي الموعظة يتعظ ويتذكر بما تقولون فيؤمن بالله جل وعلا ويخشى ان يخاف من الله يقر بالالوهية بالوهيته وربوبيته ثم يخشاه ويخافه فيعمل فيؤمن ويعمل الاعمال الصالحة لانه لا يمكن لاحد ان يؤمن بالله الا ان يكون ذلك مصحوبا بخشيته جل وعلا. والخوف منه ولهذا قال العلماء اه الخوف والرجاء للعابد او للمسلم كالجناحين للطائر. لابد ان يسير الى الله بين الخوف والرجاء فيخافه خوفا لا يحمله على اليأس والقنوط ويرجوه رجاء لا يحمله على الامن من مكره قال جل وعلى لعله يتذكر او يخشى. قال ابن كثير لعله اي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلك او يخشى عيوش يوجد طاعة يوجد طاعة من خشية ربه كما قال تعالى لمن اراد ان يتذكر او يخشى ثم قال فالتذكر الرجوع عن المحذور والخشية تحصيل الطاعة ثم قال جل وعلا قالا ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا او ان يتقى. قال اي قال موسى وهارون يا ربنا لما ارسلهما الى فرعون اننا نخاف ان يفرط علينا وان يطغى. وهذا الخوف خوف جبلي طبعي وليس هو خوف العبادة لكن خوف جبلي لان فرعون كان من اعتى الجبابرة و كان يعذب ولهذا وصفه الله عز وجل وفرعون ذو الاوتاد لكثرة اوتاده اما لكثرة جنوده ورجاله او لكثرة الاوتاد ينصبها لاجل ان يعذب بها من لا يستجيب له وموسى كان في بيته ويعرفه قال انا نخاف ان يفرط علينا ان يفرط علينا آآ قال ابن كثير يعنيان ان يبدر اليهما بعقوبة او ان يطغى او يعتدي عليهما فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك وقال الطبري قال ربنا انا نخاف فرعون اي ان نحن دعوناه الى ما امرتنا ان ندعوه اليه ان يعجل علينا بالعقوبة وهو من قوله انفرط مني الى فلان امر اذا سبق مني ذلك اليه منه فارق القوم وهو المتعجل المتقدم امامهم الى الماء او المنزل. يسمى فارق القوم اه الافراط هو الاسراف والاشطاط والتعدي والمعنى نخشى ان يعجل ويبادر بعقوبتنا. وقال عبدالرحمن بن زيد ان يفرط ان يعجل. قال الله جل وعلا لهما لا تخافا اي لا تخاف من فرعون فانني معكما اسمع كلامكما وكلامه وارى مكانكما ومكانه. ولا يخفى علي من امركم شيء. واعلم ان ناصيته يدي فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش ولا يبطش الا باذني وبعد امري. وانا معكما بحفظي ونصري وتأييدي. قاله ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية لا تخافا من فرعون لانه عبد مملوك لي وهو في قبضتي وتحت تصرفي وانا اسمع وهذا فيه اثبات السمع لله جل او على فالله يسمع سمعا حقيقيا لا يخفى عن سمعه شيء جل وعلا. وارى اثبات الرؤيا وان الله يرى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. جل وعلا ثم قال انني معكما وهذه تسمى المعية الخاصة لان معية الله لخلقه قسمان. معية عامة. فالله مع جميع الخلق بعلمه وتدبيره وسمعه وبصره واحاطته لا يخفى عليه شيء من ذلك. وهناك معية خاصة وهي تكون للانبياء واتباع الانبياء ومن مقتضاها النصر وتأييد والحفظ والكلائة فهي هنا معية خاصة اي معكما كما قال ابن كثير بحفظ ونصر وتأييدي ومن كان الله معه فمن عليه قال فاتياه فقولا انا رسول ربك فارسل معنا. بني اسرائيل فاتياه فقولا له انا رسولا ربك يعني ان ارسلنا الله جل وعلا اليك ولا شك ان الكلام فيه اختصار. وانه ما اول ما دعيا الى الايمان بالله جل وعلا. كما قال جل وعلا فهل لك ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى؟ فاراه الاية الكبرى لان الدعوة الى التوحيد الى افراد الله بالعبادة. بدليل انه قال بعد ذلك فمن ربكما يا موسى؟ قال فمن ربكما يا موسى؟ فهما اول ما دعياه الى الايمان بالله وحده لا شريك له قصة موسى تكررت في عدة سور من القرآن آآ فلا يؤخذ دلالة القصة او دلالة الخبر من المواضع الاخرى. ولهذا اول دعوة الدعوة الى التوحيد فليكن اول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله وقول الانبياء عدد من الانبياء اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قال قال فاتياه فقولا انا رسول ربك. فارسل معنا بني اسرائيل. ان رسولان اليك من الله. الله ربك ارسلنا اليك. لتؤمن به وايظا ارسلنا اليك لترسل معنا بني اسرائيل. قال فارسلهم معنا ولا تعذبهم بما تكلفهم من الاعمال الرديئة. لانه كان مستوليا عليه مستعبدا لهم يقتل ابناءهم ويستحيي نسائهم هو وقومه ويستعملونهم في الاعمال الشاقة والسخرة ولهذا قال قالا له فارسل معنا بني اسرائيل خلي سبيلهم. من العذاب الذي هم فيه. ولا تعذبهم لانه كان يفعل بهم عذابا شديدا. يقتل الابناء ويستحيي النساء ويستخدمهم في الاعمال الشاقة ثم قال قد جئناك باية من ربك قد جئناك. وهذا دليل ان القوم يتحدث احدهم ويعبر بضمير الجمع وان كان الذي اوتي الاية واحد. فالذي اوتيها موسى لكن لما كانوا جميعا ومرسلين جميعا قالوا انا قد جئناك فنسبها الى موسى وهارون. ولان هارون كان مع موسى. قال جل وعلا قد جئناك كباية من ربك وهي العصا والحية كما مر معنا وسيأتي ان شاء الله في سورة القصص والسلام على من اتبع الهدى. قال الطبري والسلامة لمن تبع هدى الله. وهو بيانه وقال ابن كثير اي قد اخبرنا الله امرنا الله فيما اوحاه الينا من الوحي المعصوم ان العذاب متمحض لمن كذب بايات الله وتولى عن طاعته اذا معنى والسلام السلام اصلا يحمل معنى الامان فالسلام يعني الامان او السلامة والامن والنجاة على من اتبع الهدى والهدى هو هدى الله الذي ارسل به رسله وانزل به كتبه وكلامه هذا وكلامهما هذا متظمن لحث فرعون على الاهتداء والدخول في دين الله فانك ان فعلت فلك السلامة فانك ان فعلت فلك السلامة التي لا يعدلها سلامة. والسلام على من اتبع الهدى. ثم قال الا انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى. وهي الينا من قبل ربنا وحي حق ان العذاب عذاب الله انما ينزله بمن كذب بالحق وتولى عنه واعرض ولم يتبعه. ولهذا قال ابن كثير ان قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى اي اي قد اخبرنا الله فيما اوحاه الينا من الوحي المعصوم ان العذاب متمحض لمن كذب بايات الله وتولى عن طاعته كما قال تعالى فاما من طغى واثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى. وكما قال تعالى فانذرتكم نارا ولا يصلاها الا الاشقى الذي كذب وتولى. وكما قال تعالى فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى اي كذب بقلبه وتولى بفعله. جمع بين التكذيب بالقلب وعقده على عدم الايمان وتولى بافعاله وهذا ظاهر جلي في قصصه. الذي حكاه الله عز وجل في القرآن ثم قال جل وعلا قال فمن ربكما يا موسى؟ قال فرعون لهما فمن ربكما؟ يا موسى الحقيقة اه جحود منه والا هو يعلم من ربهما ولهذا قال الامين الشنقيطي رحمه الله في اضواء البيان قال ذكر جل وعلا في هذه الاية الكريمة يعني قوله قال فمن ربكما يا موسى؟ ذكر ان موسى وهارون لما بلغ فرعون ما امر بتبليغه اياه قال لهما من ربكما الذي تزعمان انه ارسلكما الي زاعما انه لا يعرفه وان انه لا يعلم لهم الها غير نفسه. كما قال ما علمت لكم من اله غيري. وقال لئن اتخذت الها غيري لاجعلنك من المسجونين. وبين جل وعلا في هذا الموضع ان قوله فمن ربكما تجاهل عارهم بانه عبد مربوغ لرب العالمين. هذا تجاهل من عدو الله تجاهل من عاره يعرف ربه وبانه عبد مرغوب لرب العالمين. قال الامين الشنقيطي وبين جل وعلا في غير هذا الموضع ان قوله فمن ربكما تجاهلوا عارفهم بانه عبد مربوب لرب العالمين. وذلك في قوله تعالى قال لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر. وقوله فلما جاءتهم اياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. اذا جحود والا قد استيقنت انفسهم بها ولكن هذا كله ظلم وعلو قال وجواب وسؤال موسى وسؤال فرعون عن رب موسى وجواب موسى له جاء موظحا في سورة الشعراء بابسط مما هنا وهذا كما قدمنا ان الله جل وعلا يبسط الكلام في موطن ويختصره في موطن ويجمله في موطن ويبينه في موطن فهنا لما قال من ربكما يا موسى قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى لكن في سورة الشعراء جاء مبسوطا باكثر من هذا وذلك بقوله قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين. قال لمن حوله الا تستمعون؟ قال ربكم ورب ابائكم الاولين قال ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب هذا كله بيان. من هو رب العالمين؟ بيان من ربكما فقال رب المشرق والمغرب وما بينهما ان كنتم تعقلون. قال لان اتخذت الها غيري لاجعلنك من المسجونين قال اولو جئتك بشيء مبين؟ قال فاتي به ان كنت من الصادقين. فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ونزع يده اذا هي بيضاء للناظرين الى اخر القصة. وقوله جل وعلا هنا عن موسى لانه تولى الجواب هنا وقال قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى لانه قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. وتعددت عبارات السلف في المراد بهذه بقوله ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. قال علي ابن ابي طلحة عن ابن عباس يقول خلق لكل شيء اي زوجة اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. يعني خلق لكل شيء زوجة منه وعلى شكله وطريقته لم يزوج بني ادم من الحيوانات والحيوانات والبهائم والدواب من بني ادم. وقال الضحاك عن ابن عباس جعل الانسان انسانا الحمار حمارا والشاة شاة وفرق بينهما. وقال ليث ابن ابي سليم عن مجاهد اعطى كل شيء صورته. فصورة الانسان تختلف عن صورة الحيوان بل صورة الناس كل له صورة وله ملامح ووجه يختلف فيه عن غيره. وقال ابن ابي نجيح عن مجاهد سوى خلق كل دابة هذا معناه اعطى كل شيء خلقه ثم هداه. وقال سعيد بن جبير في قوله اعطى كل شيء ثم هدى قال اعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه. ولم يجعل للانسان من خلق الدابة ولا للدابة من خلق الكلب الكلب ولا للكلب من خلق الشاة. واعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح. وهيأ كل شيء على ذلك وليس شيء منها يشبه شيئا من فعاله في الخلق والرزق والنكاح اذا اعطى كل شيء خلقه ثم هداه له جل وعلا. وكل خلق له خلق يختلف عن غيره فاعطاه خلقه. ثم هداه لمصالحه لمصالحه وقال بعض المفسرين وهذا يعتبر تقريبا هو القول الثاني. لان الاقوال السابقة كلها تعود الى قول واحد. قال بعض المفسرين اعطى كل شيء خلقه ثم هدى كقوله تعالى قدر فهدى. الذي قدر فهدى. اي قدر قدرا وهدى الخلائق اليه اي كتب الاعمال والاجال والارزاق ثم الخلائق ماشون على ذلك ولا يحيدون عنه ولا يقدر احد على الخروج منه. يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر ارض وجعل الخليقة على ما اراد جل وعلا وكل ذلك حق لا شك فيه. قال جل وعلا عن فرعون قال فما بال القرون الاولى ما بالها؟ يعني ما حال القرون الاولى؟ يعني ما بالهم لم يؤمنوا؟ ان تقول ان ربنا الله الذي اعطى كل شيء خلقه. يعني هو اله واحد ما بال القرون الاولى لماذا كفروا ولم يؤمنوا؟ وقال ابن كثير ملخصا يعني المعنى قال فما قوله آآ قال فما بال القرون الاولى؟ قال اصح الاقوال في معنى ذلك ان فرعون لما اخبره موسى بان ربه الذي ارسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى شرع يحتج بالقرون الاولى اي الذين لم يعبدوا الله اي فما بالهم اذا كان الامر كما اقول لم يعبدوه بل عبدوا غيره. قال له موسى في جواب ذلك هم وان لم يعبدوه فان عملهم عند الله مضبوط وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وكتاب الاعمال لا يضل ربي ولا ينسى اي لما قال ما بال القرون الاولى؟ يعني ما شأنهم؟ ما حالهم؟ لماذا ما عبدوا الله اذا كان الله هو رب الخلق؟ فاجابهم موسى بان علمها علم هذه القرون عند عند ربي. وقد احصى الله ذلك عليهم. وهو قد ارسل لهم الرسل ودعوهم فلم يستجيبوا فعذبهم واحصى عليهم اعمالهم وسيجازيهم عليها يوم القيامة. ولهذا قال في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى قال ابن عباس لا يضل لا يخطئ وقال الشنقيطي لا يذهب عنه علم شيء لا يذهب عنه علم شيء كائنا ما كان ولا ينسى ولا ينسى جل وعلا ولا يلحقهن السهو والنسيان. وقال ابن كثير لا يضل ربي ولا ينسى اي لا يشد عنه شيء ولا يفوته صغير ولا كبير. ولا ينسى شيئا يصف علمه تعالى بانه بكل شيء محب وانه لا ينسى شيئا تبارك وتعالى وتقدس وتنزه فان فان علم المخلوق يعتريه نقصانان احدهم هما عدم الاحاطة بالشيء والاخر نسيانه بعد علمه فنزه نفسه عن ذلك جل وعلا. فهو لا يضل لا يخطئ ولا يفوته شيء وهو ايضا لا ينسى جل وعلا ونكتفي بهذا القدر والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبده ورسوله