الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه ومن دعاهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد يقول الله جل وعلا في سورة المؤمنون الم تكن اياته تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون وهذا وهذا استفهام توبيخي تقريعي وذلك بعد قوله جل وعلا في الايات السابقة تلفحوا ومنخفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ثم قال بعد ذلك موبخا ومقرعا لهم على كفرهم ضلالهم قال الم تكن اياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون يقول ابن كثير هذا جواب يقول ابن كثير هذا تقريع من الله تعالى لاهل النار وتوبيخ لهم على ما ارتكبوا من الكفر والمآثم والمحارم والعظائم التي اوبقتهم في ذلك فقال تعالى الم تكن اياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون. اي قد ارسلت اليكم الرسل وانزلت عليكم الكتب وازلت شبهتكم ولم ولم يبق لكم حجة تدلون بها كما قال تعالى لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. وقال تعالى كلما القي فيها فوج سألهم خزانتها الم يأتوا نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان انتم الا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نعقل ما كنا في اصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير اذا الله جل وعلا يوبخهم لانه كانت تتلى عليهم الايات الرسل يتلون ايات الله وبيناته ودلائله التي تدل على وجوب افراده بالعبادة ووجوب الايمان به واتباع الرسل والحذر من النار فكنتم بها تكذبون كنتم تكذبون بهذه الايات. وتصفون الرسل بانهم كذبة وانهم مفترون فاصبروا على عاقبة امركم فان ما صرتم اليه بسبب كسبكم واعراضكم عن الحق وعدم ايمانكم. وهذا التوبيخ لهم يعظ كل قلب مؤمن يعظ كل احد ان يؤمن اليوم قبل ان يكون غد ان يؤمن اليوم حين ينفع الايمان فان الحجة قائمة عليه والله جل وعلا قد اقام حجته على خلقه. ثم قال جل وعلا قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا. هذا جوابهم فقالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا. قال ابن كثير اي قد قامت علينا الحجة ولكن كنا اشقى من ان ننقاد لها ونتبعها. فظللنا عنها عنها ولم نرزقها وقال نحوه السعدي قال اي غلب علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والاعراض عن الحق والاقبال على ما يضر وترك ما ينفع وقال الطبري اي غلبة اي غلب غلبت علينا او غلب علينا ما سبق لنا في سابق علمك وحط لنا في ام كتاب ونحوه قال السمعاني قال انما ادخلنا النار بما غلب علينا من حكمك وقضائك بشقاوتنا وقال ابن وقال الامين الشنقيطي مؤيدا هذا القول الثاني قول الطبري ومن معه الظاهر ان معنى قوله غلبت علينا شقوتنا ان الرسل بلغتهم وانذرتهم وتلت عليهم ايات بهم ولكن ما سبق في علم الله من شقاوتهم الازلية غلب عليهم فكذبوا الرسل ليصيروا الى ما سبق من علمه جل من شقاوتهم ونظير هذا قوله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم فتلخص من اجوبة اهل العلم او من تفسير اهل العلم لقوله غلبت علينا شقوتنا قولان القول الاول ان معنى شقوتنا يعني آآ شقاوتنا نحن عملنا هذا كلام ابن اكاذيب يعني قامت علينا الحجة ولكن كنا اشقى من ان ننقاد لها. السعدي يقول غلبت علينا الشقوة الناشئة من الظلم والاعراض عن الحق واما الفريق الثاني وهم قبريون معه قالوا ان معنى غلبت علينا شقوتنا يعني ما كتبته وقدرته علينا وما لا الى هذا الامين الشنقيطي مؤيدا له وهذا يعني يترتب عليه اشكال انهم احتجوا بقضاء الله وقدره عليهم ولهذا يقال والله اعلم انهم احتجوا بذلك لا يعني لا سبيل او انهم قالوا ذلك لا على سبيل الحجة والدفاع عن انفسهم ولكن على سبيل الاعتراف بان الله قدر ذلك عليهم ولهذا عملوا العمل الذي يؤدي اليه والحاصل سواء قلنا بهذا وهذا لان الحقيقة عند النظر في القولين هما متلازمان متلازمان هم عملوا بانفسهم اعمال الشقاوة فاستحقوا النار بناء على عملهم ولكن كان ذلك قد كتب عليهم من قبل لكنهم لا يعلمون ماذا كتب عليهم ولهذا لا حجة لاحد في القدر لا يحتج محتج على الله بالقدر قبل وقوعه لانه لا يدري ماذا كتب الله وماذا قدر ولهذا انما استحقوا النار بعملهم بعملهم الفاسد الخبيث القبيح وهو الكفر ولكن كان ذلك وفق ما قضاه الله وقدره. ولكنهم اقدموا على الاعمال باختيارهم وطوعهم ما اكره على ذلك اقدموا على ذلك بطوعهم واختيارهم فوقع منهم ذلك وفق ما قضاه الله وقدره ولكنهم لا ما كانوا يعلمون ماذا كتب واقيمت عليهم الحجة وازيلت الشبهة وارسلت الرسل وبين لهم الحق وجلي لهم تجلية ما بعد لها جلاء فاختاروا العمى على الهدى وهنا عذبهم الله بما كانوا يكسبون وبما كانوا يعملون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين كنا قوما ضالين عن الاسلام الى الكفر وعن طريق الجنة الى طريق النار. فظلوا سواء السبيل واتبعوا سبيل الشيطان واعرضوا عن سبيل الله وسبيل الرسل وقوله شقوتنا فيها قراءتان. قرأ حمزة والكسائي شقاوتنا بالالف وفتح الشين وقرأ الباقون بكسر الشين من غير الف شقوتنا وقرأ حمزة شقاوتنا قال جل وعلا ربنا اخرجنا منها فان عدنا انا ظالمون. اي ينادون الله جل وعلا لشدة ما هم فيه من العذاب يقولون ربنا اي يا ربنا اخرجنا منها اخرجنا من النار وما نحن فيه من العذاب فان عدنا اي الى الكفر والضلال فانا ظالمون. ولهذا قال الامين فان عدنا الى ما لا يرضيك بعد اخراجنا منها فانا ظالمون وان الله يجيبهم بقوله اخسئوا فيها ولا تكلمون وقال ابن كثير ردنا اي ردنا الى الدار الدنيا فان عدنا الى ما سلف منا فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة كما قالوا فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل؟ ذلكم بانه اذا دعي الله وحده كفرتم وان به تؤمن فالحكم لله العلي الكبير اي لا سبيل الى الخروج لانكم كنتم تشركون بالله اذ اذا وحده المؤمنون. ومعلوم ان هذا ان هذا القول انهم يقولونه ولكن الله عليم بجميع امورهم وعليم بما لم يكن لو كان كيف يكون. وانهم لو ردوا لعادوا الى الكفر كما قال جل وعلا ولو ردوا لعادوا عنه فان عدنا فانا ظالمون ثم قال جل وعلا اخسئوا. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون اخسئوا فيها. قال الامين ايمكثوا فيها خاسئين اي اذلة اصاغرين حقيرين. الى ان قال وقوله اخسئوا اي ذلوا وفيها ما كثيرة في الصغار والهوان وقال ابن كثير اخشئوا فيها هذا جواب من الله تعالى للكفار اذا سألوا الخروج من النار والرجعة الى هذه الدار يقول اخشئوا فيها ايمكث فيها صاغرين مهانين اذلاء ولا تكلموني اي ولا تعودوا الى سؤالكم هذا فانه لا جواب لكم عندي قال العوفي عن ابن عباس اخسئوا فيها ولا تكلمون قال هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه آآ ثم روى بعض الاثار وان كانت تحتاج يعني الى وهي موقوفة على بعض السلف ومثل هذا لابد ان يكون مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة اذا كان الذي جاء عنه بعض الامور الغيبية ممن يأخذ عن اهل الكتاب فاورد ابن كثير عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال ان اهل جهنم يدعون مالكا فلا يجيبهم اربع عاما ثم يرد عليهم انكم ماكثون. قال هانت دعوتهم والله على مالك وربي مالك. ثم يدعون ربهم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. قال فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون. قال فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة. وما هو الا الزفير تشهيق في نار جهنم قال فشبهت اصواتهم باصوات الحمير اولها زفير واخرها شهيق واورد نحوه ايضا عن ابن مسعود والله اعلم في ذلك. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون انه كان فريق من عبادي يقولون ربنا امنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين يقول جل وعلا وانه كان فريق من عبادي يقصد ان انه كان هناك عباد مؤمنون قد اتبعوا السبيل التي دعوتكم عليه دعوتكم اليه وعرفتم ذلك اعرضتم عنه ولكن كنتم ترون من هو على ذلك. وهم فريق من عبادي ولكنكم تتخذونهم سخرية ازاء قال ابن كثير ثم قال مذكرا لهم بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون به بعباده المؤمنين واولياءه. فقال الا انه كان فريق من عبادي يقولون ربنا امنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا. اي فسخرتم منهم في دعائهم اياي وتضرعهم الي حتى انسوكم ذكري اي حتى حملكم بغضهم على ان نسيتم وكنتم منهم تضحكون من صنيعهم وعبادتهم كما قال تعالى ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون واذا مروا بهم يتغامزون اذا الله جل وعلا لما قال اخسئوا فيها ولا تكلمون قال انه كان فريق من عبادي يقولون ربنا امنا كانه يذكر اخسئوا بها ولا تكلمون ويعلل ان الايمان قد وضح وظهر لكم فقد كان هناك فريق وجماعة من عبادي وهم اهل الايمان بالله والتصديق برسله يقولون ربنا امنا اي امنا برسلك ما امنا بك وبرسلك وبما جاء من عندك فاغفر لنا وارحمنا وكانوا يسألوننا مغفرة ذنوبهم ويطلبون رحمتنا وانتم ترون ذلك ويتوسلون الى الله بانه خير الراحمين. قال الطبري وانت خير من رحم اهل البلاء. فلا تعذبنا بعذابك قال جل وعلا فاتخذتموهم سخرية اخذتموهم سخرية اي استهزاء والسخرية فيها قراءتان سخرية وسخرية قرأ حمزة نافع وهمزة بالضم سخريا وقرأ الباقون بالكسر سخريا سخرية بضم السين وبكسرها وهو ما لغتان كما قال الخليل ومنهم من يفرق بين الضم والكسر والمراد بقوله اتخذتموهم سخرية اي استهزاء لان السخرية هي الاستهزاء على سبيل الاحتقار للمستهزئ به فكنتم تسخرون منهم وتهزؤون بهم وايضا كنتم محتقرين لهم غاية الاحتقار وكان الواجب عليكم ان تتبعوهم وتفعلوا مثل فعلهم. وان تشكر لهم وتعظم لهم هذا الامر الذي قاموا فيه وهو عبادة الله وانتم عكستم الامر فكفرتم واعرظتم ثم ايظا زاد بان استهزأتم بعبادي المؤمنين الذين كانوا يدعونني. قال جل وعلا وكنتم منهم نعم حتى انسوكم ذكري حتى هنا حرف غاية يعني فاتخذتموه سخريا الى غاية انكم نسيتم ذكري نسيتم الاتعاظ نسيتم ذكري اي كما قال الامين الشنقيطي اي لم تزال كذلك اي لم يزالوا كذلك حتى انساهم ذلك ذكر الله به فكان مأواهم النار. فالحاصل انهم استمروا على هذا الاعراض وهذا وهذه السخرية بعباد الله المؤمنين حتى وصل الحد بهم الى ان نسوا ذكر الله جل وعلا فلم يتعظوا عظته ومواعظه فاعرضوا الى ان لقوا الله على كفرهم وظلالهم. قال وكنتم منهم تضحكون اي كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين وقال ابن كثير كما مر قريبا قال اي حملكم بغضه؟ نعم اي ما كنتم منهم تضحكون اي من صنيعهم وعبادتهم كما قال تعالى ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون فهذا ايضا كله من باب الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار والانتقاد لما عليه اهل الايمان فقد جاهروا في الكفر وعادوا اولياء الله جل وعلا. ثم قال جل وعلا اني جزيتهم اليوم بما صبروا اني جزيتم جزيت عبادي هؤلاء الذين انتم تستهزئون بهم وتمكرون بهم وتضحكون منهم اني جزيتم اليوم بما صبروا. الباء هنا للسببية. وما مصدرية ابى بصبره او ما موصولة. اي بالذي صبروا انهم هم الفائزون وقرأت انهم هم الفائزون الحاصل ان الله جل وعلا جزاهم بسبب صبرهم بان جعلهم فائزين بان جعلهم فائزين. والفائزون هم الذين فازوا بنعيم الجنة ونجوا من النار وهذا هو اعظم الفوز ان النجاة الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب قال جل وعلا قال كم لبثتم في الارض عدد سنين هذا توبيخ من الله جل وعلا لهم يوبخهم جل وعلا على كفرهم وعلى وعلى اعراضهم مع انه كان عمر يسير الذي بقوا في الدنيا فلو استغلوه في طاعة الله لنجوا وافلحوا. ولهذا يقول ابن كثير يقول تعالى منبها لهم على ما اظوع على ما اظاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده ولو صبروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز اولياؤه المتقون. قال كم لبثتم في الارض عدد اي كم كانت اقامتكم في الدنيا طبعا كانت قليلة جدا ولهذا اجابوا قالوا لبثنا يوما او بعض يوم لا بدنا يعني مكثنا في الارض والارض مراد القبور قال بعض المفسرين القبور والمراد ان نعم بعضهم قال ان المراد في الارض هنا القبور وبعضهم قال بل المراد به حياتهم الدنيا حياتهم في الحياة الدنيا قبل الموت وهذا مال اليه ابن كثير وهو في الحقيقة اظهر فان قلنا ان المراد توبيخهم على قصر المدة التي فرطوا فيها ولو عملوا في المدة القصيرة لافلحوا وفازوا خير كثير في المدن الطويلة ولا ويحتمل ايظا ان يكون اه المراد ان الله سألهم عن المدة السابقة كلها لما بعثهم بيان شدة ما يلحقهم من الهول مع انهم كانوا معذبون في قبورهم ولكن كل ذلك يهون عندهم وتقصر مدته مقابل العذاب الذي يكون يوم القيامة قالوا لبثنا يعني مكثنا في الدنيا يوما او بعض يوم فاسأل العادين فاسأل الحاسبين الذين يعرفون ذلك فانا قد نسيناه وقال قتادة فاسأل اه نعم وهذا قول قتادة يعني فاسأل العادين الذين يعدون. وقال مجاهد اه العادين الملائكة فاسأل الملائكة الذين كانوا معنا في الدنيا يعدون علينا اعمالنا والحاصل انهم اعترفوا بانهم يعني بقصر الدنيا اعترفوا ولهذا قالوا يوما او بعض يوم واسأل العادين يبينوا لك ان هذه هي المدة التي مكثناها مدة يسيرة جدا قال جل وعلا ان لبثتم الا قليلا. قال الله جل وعلا وهذه هي قراءة الجمهور الجمهور قل بالامر اه نعم اه هذه قراءة حمزة والكسائي. قل ان لبثتم. وقرأ الجمهور قال الا بالثم على ان القائل هو الله جل وعلا. قال الله لهم او قل لهم يا نبينا وعلى كل حال هو من قول الله جل وعلا سواء كان اه استجابة من النبي صلى الله عليه وسلم او امر رسوله بان يقول لهم ذلك او قاله هو لهم آآ قال ان لبثتم الا قليلا. ما مكثتم في الدنيا الا وقت قليل جدا. لو انكم كنتم تعلمون لو انكم كنتم تعلمون. يقول ابن كذيب ان لبثتم الا قليل اي مدة يسيرة على كل تقدير لو انكم كنتم تعلمون اينما اثرتم الفاني على الباقي ولا ما تصرفتم لانفسكم هذا التصرف السيء ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة فلو انكم صبرتم على طاعته وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا. نعم. ولهذا يا اخوان الايمان يحتاج الى صبر هذا في الاية التي مرت قال جل وعلا اني جزيتم اليوم بما صبروا. فلابد يا اخي ان تصبر على دينك تتمسك وحفت الجنة بالمكاره تحتاج صبر وثبات على الدين وحفت النار بالشهوات لا تتبع نفسك هواها وشهواتها فلابد من الصبر على طاعة الله ولابد الصبر عن معصية الله ولابد الصبر على اقدار الله المؤلمة التي تحل بك وتنزل بك في هذه الحياة هذا فصل الحكم وبيانه من الله انهم ما لبثوا الا قليلا والمراد مدة اجالهم حتى ولو عمر احدهم مائة سنة فوالله قليل بالنسبة للاخرة وهنا يرد سؤال اه اورده الشيخ الامير الشنقيطي رحمه الله في دفعها من الاضطراب عن اي الكتاب انه هنا انهم قالوا هنا لبثنا يوما او بعض يوم وفي اية اخرى قالوا ويقول نعم ويقولون ما لبثنا لبثنا ساعة جاء عن بعضهم آآ ان لمستم الا عشرا وقال بعضهم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها لم يلبثوا الا ساعة من النهار يتعارفون بينهم وقال لم يلبثوا الا ساعة من نهار ما لبثوا غير ساعة فكانه يعني ظاهره انها مختلفة بعضهم يقول يوم بعضهم يقول عشر وبعضهم يقول ساعة وبعضهم يقول عشية قال ابن فقال الامير الشنقيطي رحمه الله اه ما حاصله آآ ان هذا يعني بناء على اقوالهم فهم مختلفون فبعضهم يقول لبثنا يوما. بعضهم يقول لبثنا ساعة بعضهم يقول لبثنا عشرا فهذه على اخبارهم وهذا على يعني يخبر اقوالهم واخبارهم. فهم حينما يتذكرون الدنيا يختلفون ولهذا امثلهم طريقة واقواهم عقول يقولون لبثنا عشرا والبقية يقولون لبثنا يوما عشية ساعة فالحاصل ان هذه حكاية لاقوالهم وليس هذا تناقضا في كلام الله جل وعلا. ثم قال وعلى موبخا ومقررا لهم افحسبتم انما خلقناكم عبثا افحسبتم انما خلقناكم عبثا وهذا كقوله جل وعلا ايحسب الانسان ان يترك سدى يعني اظنتم كما قال ابن كثير اي افظنتم انكم مخلوقون عبثا؟ لا قصد ولا ارادة منكم ولا حكمة لنا وقيل للعبث وقيل للعبث خلقناكم عبثا يعني خلقناكم للعبث. اي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب. وانما خلقنا العبادة واقامة اوامر الله عز وجل وانكم الينا لا ترجعون اي لا تعودون في الدار الاخرة كما قال تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى ايها هملا مهملا لا يؤمر ولا ينهى؟ فهذا استفهام انكار وتوبيخ يعني او يقول الشوكاني استفهام للتوبيخ والتقرير يوبخهم مع تقريرهم في ذلك افحسبتم انما خلقناكم عبثا مهملين مثل البهائم لا ثواب ولا عقاب وانكم الينا لا ترجعون وانكم لا ترجعون الى الله ولا تردون اليه ولا تبعثون ولا تنشرون ولا تجازون على اعمالكم فهذا ظن خاسر هم ظنوا هذا مع اقامة الحجج والدلائل عليهم فلا حجة لهم لكن هذا ظنهم الذي ارداهم هذا ظنهم بربهم الذي ارداهم فتركوا فالادلة الواضحة البينة وصاروا الى هذا الظن الخاسر قال جل وعلا فتعالى الله الملك الحق قال ابن كثير اي تقدس ان يخلق شيئا عبثا فانه الملك الحق المنزه عن ذلك لا اله الا هو رب العرش الكريم وقال الشوكاني تنزه عن الاولاد والشركاء وقال غيره تعاظم وترفع فالحاصل انه ينزه نفسه عن ظنهم السيء وهو انه خلقهم لاجل العبث واللعب واللهو وانهم لا يحشرون ولا ينشرون هذا ظلم لو كان ذلك. وكان وهذا ايضا يكون هذا عمل لا لا فائدة ولا غاية له. فقال جل وعلا فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش الكريم على نفسه بانه جل وعلا هو رب العرش الكريم وهو وهو اعظم المخلوقات وقد مر معنا الكلام قريبا على انه لا يقدر قدره احد لا يقدر قدر العرش احد آآ الا الله سبحانه وتعالى ان الكرسي الذي هو موضع قدمي الرحمن انه وسع السماوات والارض فكيف بالعرش؟ وصفهن هنا بانه كريم اه ليبين انه تنوي المنظر كما قال ابن كثير قال فذكر العرش لانه سقف جميع المخلوقات وصفه بانه كريم اي حسن المنظر بهي الشكل كما قال تعالى وانبتنا فيها من كل زوج كريم ثم اه ذكر آآ موعظة بليغة لعمر ابن عبد العزيز اوردها ابن ابي حاتم آآ عن رجل من اه من ال سعيد بن العاص قال كان اخر خطبة خطبها عمر ابن عبد العزيز ان حمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد ايها الناس فانكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى وان لكم ان ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم فخاب وخسر وشقي عبد اخرجه الله من رحمته وحرم جنة وحرم جنة عرضها السماوات والارض الم تعلموا انه لا يأمن غدا الا من حذر هذا اليوم وخافه وباع وباع نافذا بباق وقليلا بكثير وخوفا بامان. الا ترون انكم من اصلاب الهالكين؟ وستكون وسيكون كونوا من بعدكم الباقين حتى تردوا خير الوارثين ثم انكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا الى الله قد قضى نحبه وانقضى اجله وانقضى اجله حتى تغيبوه في صدع من الارض في بطن صدع غير مموهد ولا موسد قد فارق الاحباب وبشر التراب وواجه الحساب مرتهن بعمله غني عما فقير الى ما قدمت. فاتقوا الله عباد الله قبل انقضاء مواثيقه ونزول الموت بكم. ثم رفع طرف ردائه على وجهه فبكى وابكى من حوله رحمه الله. وهي في الحقيقة موعظة بليغة رحمة الله عليه ثم قال جل وعلا او ختم هذه السورة بقوله ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون وقل ربي وقل ربي اغفر وارحم وانت خير الراحمين. يقول ابن كثير يقول تعالى متوعدا من اشرك به غيره وعبد معه سواه ومخبرا ان من اشرك بالله لا برهان له اي لا دليل له على قوله فقال تعالى ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به. وهذه جملة معترظة وجواب الشرط في قوله فان ما حسابه عند ربه؟ اي الله يحاسبه على ذلك. ثم اخبر انه لا يفلح الكافرون اي لديه يوم القيامة لا فلاح لهم ولا نجاة اذا بين الله جل وعلا ان من يدعو مع الله الها اخر والمراد الشرك الدعاء يعني يصرف شيئا من دعائه والدعاء هو العبادة يصرف شيئا من لغير الله جل وعلا لا برهان له به يعني ليس له على ذلك برهان ولا سلطان ولا حجة لكن الصفة هنا ليست صفة مقيدة بمعنى نقول من يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به. اما اذا كان له به برهان فلا مانع من دعائه. لا ليس هذا المقصود. فهنا ليست صفة مقيدة لا برهان له به وانما هي صفة كاشفة تكشف عن حقيقة كل من دعا مع الله الها غيره انه لا حجة له في ما عنده من سلطان ولا حجة ولا برهان لان الحجج والبراهين كلها تدل على ان الله وحده لا شريك له كما مر تقرير ذلك بايات كثيرة بل القرآن كله مليء في ذلك سواء من قبل توحيد الالوهية من قبل دلالة توحيد الالوهية او توحيد الربوبية او توحيد الاسمى والصفات كلها تدل على انه لا اله الا هو وانه لا برهان ولا حجة عند من عبد غيره ومعه تعالى الله عما يقول ويعمل الظالمون. قال فانما حسابه عند ربه هذا تهديد وتخويف وبيان انه سيلقى الحساب الاليم الدقيق بناء على كفره واعماله التي قدمها في الدنيا ثم بين انه لا يفلح الكافرون لان من فعل ذلك كافر من دعا مع الله الها غيره فهو كافر ومن كفر فانه لا يفلح ونفي الفلاح يدل على الكفر المطلق وذلك اه يكون يوم يجازيه الله جل وعلا ويحاسبه على اعماله. ثم قال وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين آآ قال ابن كثير هذا ارشاد من الله تعالى الى هذا الدعاء فالغفر اذا اطلق معناه محوه محوه الذنب كثره عن الناس والرحمة معناها ان ان يسدده ويوفقه في الاقوال والافعال. اذا الله جل وعلا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وكل لنبيه صلى الله عليه وسلم فهو خطاب لامته فالله امره ان يدعو ان يستغفر الله ويستغفر الله ويكثر من الاستغفار لان الاستغفار هو طلب آآ غفر الذنب وستره عن الناس ومحوه وارحم الرحمة هي تسديده في اقواله وافعاله هكذا قال ابن كثير فاذا جمع بين المغفرة والرحمة فالمغفرة الذنوب وازالة اثارها وسترها والرحمة طلب التوفيق والتسديد للاعمال الصالحة فينبغي للانسان ان يكثر من هذا الدعاء فيكثر من الاستغفار رب اغفر لي وارحمني وانت خير الراحمين. رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين. فيسأل الله ان يغفر ذنوبه وان يرحمه ورحمته تشمل توفيقه في الدنيا الى الاعمال الصالحة وايضا ثباته على الحق وايضا دخوله الجنة في الاخرة ووصف نفسه بانه خير الراحمين جل وعلا فهو خير من رحم من رحم لان رحمته وسعت كل شيء والرحمة التي بين الخلائق في الدنيا ما هي الا جزء من مئة رحمة خلقها الله. ولهذا قال جل وعلا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح يقول الله جل وعلا اني خلقت مئة رحمة انزلت منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلق وادخرت تسعة وتسعين منها المؤمنين وهذه ليست الرحمة التي هي صفة الله لكن هذه رحمة مخلوقة خلقها الله جل وعلا ولكنه ايضا متصف بالرحمة التي لوسعت كل شيء والتي لا اعظم منها سبحانه وتعالى. نسأل الله ان يغفر لنا ولكم وان يرحمنا واياكم. وبهذا نكون انتهينا من هذه السورة المباركة. والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبده ورسوله نبينا محمد