المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الاول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه وفي رواية من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذان الحديثان العظيمان يدخل فيهما الدين كله اصوله وفروعه ظاهره وباطنه فحديث عمر رضي الله عنه ميزان للاعمال الباطنة وحديث عائشة ميزان للاعمال الظاهرة ففيهما الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول اللذان هما شرط لكل قول وعمل ظاهر وباطن فمن اخلص اعماله لله متبعا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فهذا الذي عمله مقبول ومن فقد الامرين او احدهما فعمله مردود داخل في قول الله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء والجامع للوصفين داخل في قوله تعالى ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو حسين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجر عند ربه فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون اما النية فهي القصد للعمل تقربا الى الله وطلبا لمرضاته وثوابه فيدخل في هذا نية العمل ونية المعمول له اما نية العمل فلا تصح الطهارة بانواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات الا بقصدها ونيتها فينوي تلك العبادة المعينة واذا كانت العبادة تحتوي على اجناس وانواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق فالمطلق منه يكفي فيه ان ينوي الصلاة واما المعين من فرض او نفل معين كوتر او راتبة فلا بد مع نية الصلاة ان ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات ولابد ايضا ان يميز العادة عن العبادة فمثلا الاغتسال يقع نظافة او تبردا ويقع عن الحدث الاكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها فلابد ان ينوي فيه رفع الحدث او ذلك الغسل المستحب وكذلك يخرج الانسان الدراهم مثلا للزكاة او للكفارة او للنذر او للصدقة المستحبة او هدية فالعبرة في ذلك كله على النية ومن هذا حيل المعاملات اذا عامل معاملة ظاهرها وصورتها الصحة ولكنه يقصد بها التوسل الى معاملة ربوية او يقصد بها اسقاط واجب او توسلا الى محرم فان العبرة بنيته وقصده لا بظاهر لفظه فانما الاعمال بالنيات وذلك بان يضموا الى احد العوضين ما ليس بمقصود او يضموا الى العقد عقدا غير مقصود قاله شيخ الاسلام وكذلك شرط الله في الرجعة وفي الوصية الا يقصد العبد فيهما المضارة ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها الى مقاصدها فان الوسائل لها احكام المقاصد صالحة او فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد واما نية المعمول له فهو الاخلاص لله في كل ما يأتي العبد وما يذر وفي كل ما يقول ويفعل قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال الا لله الدين الخالص وذلك ان على العبد ان ينوي نية كلية شاملة لاموره كلها مقصودا بها وجه الله والتقرب اليه وطلب ثوابه واحتساب اجره والخوف من عقابه ثم يستصحب هذه النية في كل فرد من افراد اعماله واقواله وجميع احواله حريصا فيه على تحقيق الاخلاص وتكميله ودفع كل ما يضاده من الرياء والسمعة وقصد المحمدة عند الخلق ورجاء تعظيمهم بل ان حصل شيء من ذلك فلا يجعله العبد قصده وغاية مراده بل يكون القصد الاصيل منه وجه الله وطلب ثوابه من غير التفات للخلق ولا رجاء لنفعهم او مدحهم فان حصل شيء من ذلك من دون قصد من العبد لم يضره شيئا بل قد يكون من عاجل بشرى المؤمن فقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم انما الاعمال بالنيات هي انها لا تحصل ولا تكون الا بالنية وان مدارها على النية ثم قال وانما لكل امرئ ما نوى اي انها تكون بحسب نية العبد صحتها او فسادها كمالها او نقصانها فمن نوى فعل الخير وقصد به المقاصد العليا وهي ما يقرب الى الله فله من الثواب والجزاء الجزاء الكامل الاوفى ومن نقصتني نيته وقصده نقص ثوابه ومن توجهت نيته الى غير هذا المقصد الجليل فاته الخير وحصل على ما نوى من المقاصد الدنية الناقصة ولهذا ضرب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم مثالا ليقاس عليه جميع الامور فقال فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله اي حصل له ما نوى ووقع اجره على الله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه خص فيه المرأة التي يتزوجها بعدما عم جميع الامور الدنيوية لبيان ان جميع ذلك غايات دنية ومقاصد غير نافعة وكذلك حين سئل صلى الله عليه وعلى اله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة او حمية او ليرى مقامه في صف القتال اي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وقال تعالى في اختلاف النفقة بحسب النيات ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة بربوة وقال والذين ينفقون اموالهم رآءا الناس ولا تؤمنون بالله ولا باليوم الاخر وهكذا جميع الاعمال والاعمال انما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الايمان والاخلاص حتى ان صاحب النية الصادقة وخصوصا اذا اقترن بها ما يقدر عليه من العمل يلتحق صاحبها بالعامل قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدرك ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وكان الله غفورا رحيما وفي الصحيح مرفوعا اذا مرض العبد او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ان بالمدينة اقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم اي في نياتهم وقلوبهم وثوابهم حبسهم العذر واذا هم العبد بالخير ثم لم يقدر له العمل كتبت همته ونيته له حسنة كاملة والاحسان الى الخلق بالمال والقول والفعل خير واجر وثواب عند الله ولكنه يعظم ثوابه بالنية قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس اي فانه خير ثم قال ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما فرتب الاجر العظيم على فعل ذلك ابتغاء مرضاته وفي البخاري مرفوعا من اخذ اموال الناس يريد ادائها اداها الله عنه ومن اخذها يريد اتلافها اتلفه الله فانظر كيف جعل النية الصالحة سببا قويا للرزق واداء الله عنه وجعل النية السيئة سببا للتلف والاتلاف وكذلك تجري النية في الامور المباحة والامور الدنيوية فان من قصد بكسبه واعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات واستصحب هذه النية الصالحة في اكله وشربه ونومه وراحاته ومكاسبه انقلبت عاداته عبادات وبارك الله للعبد في اعماله وفتح له من ابواب الخير والرزق امورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال ومن فاتته هذه النية الصالحة لجهله او تهاونه فلا يلومن الا نفسه وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه قال انك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله الا اجرت عليه حتى ما تجعله في في امرأتك فعلم بهذا ان هذا الحديث جامع لامور الخير كلها فحقيق بالمؤمن الذي يريد نجاة نفسه ونفعها ان يفهم معنى هذا الحديث وان يكون العمل به نصب عينيه في جميع احواله واوقاته واما حديث عائشة رضي الله عنها فان قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد او من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد فيدل بالمنطوق وبالمفهوم اما منطوقه فانه يدل على ان كل بدعة احدثت في الدين ليس لها اصل في الكتاب والسنة سواء كانت من البدع القولية الكلامية كالتجهم والرفض والاعتزال وغيرها او من البدع العملية التعبد لله بعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله فان ذلك كله مردود على اصحابه واهله مذمومون بحسب بدعهم وبعدها عن الدين فمن اخبر بغير ما اخبر الله به ورسوله او تعبد بشيء لم يأذن الله به ورسوله ولم يشرعه فهو مبتدع ومن حرم المباحات او تعبد بغير الشرعيات فهو مبتدع واما مفهوم هذا الحديث فان من عمل عملا عليه امر الله ورسوله وهو التعبد لله بالعقائد الصحيحة والاعمال الصالحة من واجب ومستحب فعمله مقبول وسعيه مشكور ويستدل بهذا الحديث على ان كل عبادة فعلت على وجه منهي عنه فانها فاسدة لانه ليس عليها امر الشارع وان النهي يقتضي الفساد وكل معاملة نهى الشارع عنها فانها لاغية لا يعتد بها