المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الحادي والثمانون عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه قال دعوني ما تركتكم فانما اهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه واذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذه الاسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم عنها هي التي نهى الله عنها في قوله يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء انتم بدلكم تسوكم وهي التي تسأل عن اشياء من امور الغيب او من الامور التي عفا الله عنها فلم يحرمها ولم يوجبها فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع فربما وجبت بسبب السؤال وربما حرمت كذلك فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من اجل مسألته وكذلك نهي عن سؤال التعنت والاغلوطات وينهى ايضا عن السؤال عن الامور الطفيفة غير المهمة ويدع السؤال عن الامور المهمة فهذه الاسئلة وما اشبهها هي التي نهى الشارع عنها واما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من اصول وفروع عبادات او معاملات فهي مما امر الله بها ورسوله ومما حث عليها وهي الوسيلة لتعلم العلوم وادراك الحقائق قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا اجعلنا من دون الرحمن الهتين يعبدون الى غيرها من الايات وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤالا وقال الا سألوا اذ لم يعلموا فانما شفاء العي السؤال وقد امر الله بالرفق بالسائل واعطائه مطلوبة وعدم التضجر منه فقال في سورة الضحى واما السائل فلا تنهر فهذا يشمل السائل عن العلوم النافعة والسائل لما يحتاجه من امور الدنيا من مال وغيره ومما يدخل في هذا الحديث السؤال عن كيفية صفات الباري فان الامر في الصفات كلها كما قال الامام ما لك لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة فمن سأل عن كيفية علم الله او كيفية خلقه وتدبيره قيل له فكما ان ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات فصفاته لا تشبهها الصفات فالخلق يعرفون الله ويعرفون ما تعرف لهم به من صفاته وافعاله واما كيفية ذلك فلا يعلم تأويله الا الله ثم ذكر صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث اصلين عظيمين احدهما قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه فكل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم من الاقوال والافعال الظاهرة والباطنة وجب تركه والكف عنه امتثالا وطاعة لله ورسوله ولم يقل في النهي فاجتنبوا منه ما استطعتم كما قال في الامر فان النهي هو كف النفس وهو مقدور لكل احد فكل احد يقدر على ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله ولم يضطر الله العباد الى شيء من المحرمات المطلقة فان الحلال واسع يسع جميع الخلق في عباداتهم ومعاملاتهم وجميع تصرفاتهم واما اباحة الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر فانه في هذه الحالة الملجئة اليه قد صار من جنس الحلال فان الضرورات تبيح المحظورات فتصيرها الضرورة مباحة لانه تعالى انما حرم المحرمات حفظا لعباده وصيانة لهم عن الشرور والمفاسد ومصلحة لهم فاذا قاومت ذلك مصلحة اعظم وهو بقاء النفس قدمت هذه على تلك رحمة من الله واحسانا وليست الادوية من هذا الباب فان الدواء لا يدخل في باب الضرورات فان الله تعالى يشفي المبتلى باسباب متنوعة لا تتعين في الدواء وان كان الدواء يغلب على الظن الشفاء به فانه لا يحل التداوي بالمحرمات كالخمر والبان الحمر الاهلية واصناف المحرمات بخلاف المضطر الى اكل الميتة فانه يتيقن انه اذا لم يأكل منها يموت الاصل الثاني قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم واذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم وهذا اصل كبير دل عليه ايضا قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم اوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته فاذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية سقط عنه وجوبه واذا قدر على بعضه وذلك البعض عبادة وجب ما يقدر عليه منه وسقط عنه ما يعجز عنه ويدخل في هذا من مسائل الفقه والاحكام ما لا يعد ولا يحصى فيصلي المريض قائما فان لم يستطع صلى قاعدا فان لم يستطع صلى على جنبه فان لم يستطع الايماء برأسه او مأ بطرفه ويصوم العبد ما دام قادرا عليه فان اعجزه مرض لا يرجى زواله اطعم عن كل يوم مسكينا وان كان مرضا يرجى زواله افطر وقضى عدته من ايام اخر ومن ذلك من عجز عن سترة الصلاة الواجبة او عن الاستقبال او توقي النجاسة سقط عنهما عجز عنه وكذلك بقية شروط الصلاة واركانها وشروط الطهارة ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم او للضرر في جميع الطهارة او بعضها عدل الى طهارة التيمم والمعضوب في الحج عليه ان يستنيب من يحج عنه اذا كان قادرا على ذلك بماله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على من قدر عليه باليد ثم باللسان ثم بالقلب وليس على الاعمى والاعرج والمريض حرج في ترك العبادات التي يعجزون عنها وتشق عليهم مشقة غير محتملة ومن عليه نفقة واجبة وعجز عن جميعها بدأ بزوجته فرقيقه فالولد فالوالدين فالاقرب ثم الاقرب وكذلك الفطرة وهكذا جميع ما امر به العبد امر ايجاب او استحباب اذا قدر على بعضه وعجز عن باقيه وجب عليهما يقدر عليه وسقط عنه ما عجز عنه وكلها داخلة في هذا الحديث ومسائل القرعة لها دخول في هذا الاصل لان الامور اذا اشتبهت لمن هي ومن احق بها رجعنا الى المرجحات فان تعذر الترجيح من كل وجه سقط هذا الواجب للعجز عنه وعدل الى القرعة التي هي غاية ما يمكن وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه والولايات كلها صغارها وكبارها تدخل تحت هذا الاصل فان كل ولاية يجب فيها تولية المتصف بالاوصاف متى يحصل بها مقصود الولاية فان تعذرت كلها وجب فيها تولية الامثل فالامثل وكما يستدل على هذا الاصل بتلك الاية وذلك الحديث فانه يستدل عليها بالايات والاحاديث التي نفى الله ورسوله فيها حرج عن الامة كقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله اه لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها وما جعل عليكم في الدين من حرج ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يريد الله ان يخفف عنكم فالتخفيفات الشرعية في العبادات وغيرها بجميع انواعها داخلة في هذا الاصل مع ما يستدل على هذا بما لله تعالى من الاسماء والصفات المقتضية لذلك كالحمد والحكمة والرحمة الواسعة واللطف والكرم والامتنان فان اثار هذه الاسماء الجليلة الجميلة كما هي سابقة وافرة واسعة في المخلوقات والتدبيرات فهي كذلك في الشرائع بل اعظم لانها هي الغاية في الخلق وهي الوسيلة العظمى للسعادة الابدية فالله تعالى خلق المكلفين ليقوموا بعبوديته وجعل عبوديته والقيام بشرعه طريقا الى نيل رضاه وكرامته كما قال تعالى بعدما شرع الطهارة بانواعها ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون فظهرت اثار رحمته ونعمته في الشرعيات والمباحات كما ظهرت في الموجودات فله تعالى اتم الحمد واعلاه واوفر الشكر والثناء واغلاه وغاية الحب والتعظيم ومنتهاه وبالله التوفيق