المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الثاني والثمانون عن جرير بن عبدالله رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه يدل هذا الحديث بمنطوقه على ان من لا يرحم الناس لا يرحمه الله وبمفهومه على ان من يرحم الناس يرحمه الله كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الحديث الاخر الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء فرحمة العبد للخلق من اكبر الاسباب التي تنال بها رحمة الله التي من اثارها خيرات الدنيا وخيرات الاخرة وفقدها من اكبر القواطع والموانع لرحمة الله والعبد في غاية الضرورة والافتقار الى رحمة الله لا يستغني عنها طرفة عين وكل ما هو فيه من النعم واندفاع النقم من رحمة الله فمتى اراد ان يستبقيها ويستزيد منها فليعمل جميع الاسباب التي تنال بها رحمته وتجتمع كلها في قوله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين وهم المحسنون في عبادة الله المحسنون الى عباد الله والاحسان الى الخلق اثر من اثار رحمة العبد بهم والرحمة التي يتصف بها العبد نوعان رحمة غريزية قد جبل الله بعض العباد عليها وجعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والحنان على الخلق وفعلوا بمقتضا هذه الرحمة جميع ما يقدرون عليه من نفعهم بحسب استطاعتهم فهم محمودون مثابون على ما قاموا به معذورون على ما عجزوا عنه وربما كتب الله لهم بنياتهم الصادقة ما عجزت عنه قواهم والنوع الثاني رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة تجعل قلبه على هذا الوصف فيعلم العبد ان هذا الوصف من اجل مكارم الاخلاق واكملها فيجاهد نفسه على الاتصاف به ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب وما في فوته من حرمان الثواب فيرغب في فضل ربه ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك ويعلم ان الجزاء من جنس العمل ويعلم ان الاخوة الدينية والمحبة الايمانية قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين وامرهم ان يكونوا اخوانا متحابين وان ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء والعداوات والتدابر فلا يزال العبد يتعرف الاسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل ويجتهد في التحقق به حتى يمتلئ قلبه من الرحمة والحنان على الخلق ويا حبذا هذا الخلق الفاضل والوصف الجليل الكامل وهذه الرحمة التي في القلوب تظهر اثارها على الجوارح واللسان في السعي في ايصال البر والخير والمنافع الى الناس وازالة الاضرار والمكاره عنهم وعلامة الرحمة الموجودة في قلب العبد ان يكون محبا لوصول الخير لكافة الخلق عموما وللمؤمنين خصوصا كارها حصول الشر والضرر عليهم فبقدر هذه المحبة والكراهة تكون رحمته ومن اصيب حبيبه بموت او غيره من المصائب فان كان حزنه عليه لرحمة فهو محمود ولا ينافي الصبر والرضا لانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم لما بكى لموت ولد ابنته قال له سعد ما هذا يا رسول الله فاتبع ذلك بعبرة اخرى وقال هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء وقال عند موت ابنه ابراهيم القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون وكذلك رحمة الاطفال الصغار والرقة عليهم وادخال السرور عليهم من الرحمة واما عدم المبالاة بهم وعدم الرقة عليهم فمن الجفاء والغلظة والقسوة كما قال بعض جفات الاعراب حين رأى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واصحابه يقبلون اولاده تهم الصغار فقال ذلك الاعرابي ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اواملك لك شيئا ان نزع الله من قلبك الرحمة ومن الرحمة رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب الذي كاد يأكل الثرى من العطش فغفر الله لها بسبب تلك الرحمة وضدها تعذيب المرأة التي ربطت الهرة لا هي اطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الارض حتى ماتت ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب ان من احسن الى بهائمه بالاطعام والسقي والملاحظة النافعة ان الله يبارك له فيها ومن اساء اليها عوقب في الدنيا قبل الاخرة وقال تعالى من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل من قتل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في اردفك كأنما فكأنما قتلن الناس جميعا ومن احياها ومن احياها فكأنما احي الناس جميعا وذلك لما في قلب الاول من القسوة والغلظة والشر وما في قلب الاخر من الرحمة والرقة والرأفة اذ هو بصدد احياء كل من له قدرة على احياءه من الناس كما ان ما في قلب الاول من القسوة مستعد لقتل النفوس كلها فنسأل الله ان يجعل في قلوبنا رحمة توجب لنا سلوك كل باب من ابواب رحمة الله ونحن بها على جميع خلق الله وان يجعلها موصلة لنا الى رحمته وكرامته انه جواد كريم