المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله محاورة دينية اجتماعية. هذه صورة محاورة بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين بالدين الحق ويشتغلان في طلب العلم جميعا. فغاب احدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا. فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله وتبدلت اخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فاذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين. الذين يدعون ذي الدين ورفض ما جاء به المرسلون. فحاوله صاحبه وقلبه لعله يرجع عن هذا الانقلاب الغريب فاعيته حيلة في ذلك وعرف ان ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر الى استئصال الداء ومعالجته بانفع الدواء. وعرف ان ذلك متوقف على معرفة الاسباب التي حولته الطرق التي اوصلته الى هذه الحالة المخيفة والى فحصها وتمحيصها وتوضيحها ومقابلتها بما يضادها ويقمعها. على وجه الحكمة والسداد. فقال لصاحبه مستكشفا له عن الحامل له على ذلك. يا اخي ما هذه الاسباب التي حملتك على هذا الرأي؟ ما هذه الاسباب التي حملتك على ما ارى؟ وما الذي دعاك الى نبذ ما كنت عليه. فان كان خيرا كنت انا وانت شريكين. وان كان غير ذلك فاعرف من عقلك ودينك وادبك انني وانك لا نرضى ان نقيم على ما يضرك. فاجابه صاحبه قائلا لا اكتمك اني قد رأيت المسلمين على حالة لا قضاها ذو الهمم العلية رأيتهم في جهل وذل وخمول وامورهم مدبرة واحوالهم سيئة واخلاقهم منحلة وقد ودور رح الدين والدنيا جميعا. ورأيت في الجانب الاخر هؤلاء الاجانب قد ترقوا في هذه الحياة وتفننوا في الفنون الراقية والمخترعات العجيبة المدهشة والصناعات المتفوقة. رأيتهم قد دانت لهم الامم. وخضعت لهم الرقاب. وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما شاءوا ويعدونهم كالعبيد والاجراء. فرأيت فيهم العز الذي بهرني والتفنن الذي ادهشني تميم. فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء القوم هم القوم وانهم على الحق والمسلمون على الباطل لما كانوا على هذا الوصف الذي اني ذكرت لك فرأيت ان سلوكي سبيلهم واقتدائي بهم خير لي واحسن عاقبة. فهذا الذي سيرني الى ما رأيت وقال له صاحبه حين ابدى ما كان خافيا. اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما ارى. هذا ليس من الاسباب التي يبني عليها اولو الالباب والعقول عقائدهم واخلاقهم واعمالهم ومستقبل امرهم. فاسمع يا صديقي تمحيص هذا الامر الذي وحقيقته ان تأخر المسلمين فيما ذكرت ليس ناشئا عن دينهم فانه قد علم كل من له ادنى نظر وبصيرة دين الاسلام يدعو الى الصلاح والاصلاح في امور الدين وفي امور الدنيا. ويحث على الاستعداد من تعلم العلوم والفنون النافعة ويدعو الى تقوية القوة المعنوية والمادية لمقاومة الاعداء والسلامة من شرهم واضرارهم. ولم يستفد احد منفعة دنيوية فضلا عن المنافع الدينية الا من هذا الدين. وهذه تعاليمه وارشاداته قائمة لدينا تنادي اهلها. هل ثم الى الاشتغال بجميع الاسباب النافعة التي تعليكم وترقيكم في دينكم ودنياكم. افبتفريط المسلمين تحتج على الدين ان هذا لهو الظلم المبين. اليس من قصور النظر ومن الهوى والتعصب؟ النظر في احوال المسلمين في هذه الاوقات التي تدهورت فيها علومهم واعمالهم واخلاقهم افقدوا فيها جميع مقومات دينهم وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين وترك النظر اليهم في زهرة الاسلام والدين في الصدر الاول. حيث كانوا قائمين بالدين مستقيمين على الدين سالكين كل طريق يدعو اليه الدين. فارتقت اخلاقهم واعمالهم حتى بلغت مبلغا ما وصل اليه ولن يصل اليه احد من الاولين والاخرين ودانت لهم الدنيا من مشارقها الى مغاربها. وخضعت لهم اقوى الامم وذلك بالدين الحق قوى العدل والحكمة والرحمة وبالاوصاف الجميلة التي كانوا عليها. اليس ضعف المسلمين في هذه الاوقات يوجب لاهل البصائر النجدة منهم ان يكون جدهم ونشاطهم وجهادهم الاكبر متضاعفا. ويقوموا بكل ما في وسعهم لينالوا المقامات الشاملة ولينجوا من الهوة العميقة التي وقعوا فيها. اليس هذا من افراد الفرائض والزم اللازمات في هذا الحال؟ الجهاد في حال قوة المسلمين وكثرة المشاركين فيه له فضل عظيم. يفوق سائر العبادات. فكيف اذا كانوا على هذه الحالة التي وصفت ان الجهاد لا يمكن التعبير عن فضائله وثمراته. ففي هذه الحال يكون الجهاد على قسمين. احدهما السعي في تقويم وايقاظهم وبعث عزائمهم وتعليمهم العلوم النافعة وتهذيبهم بالاخلاق الراقية. وهذا اشق الامرين هو انفعهما وافضلهما. والثاني السعي في مقاومة الاعداء واعداد جميع العدد القولية والفعلية والسياسية الداخلية والخارجية لمناوأتهم والسلامة من شرهم. افحين صار الامر على هذا الوصف الذي ذكرت وصار الموقف حرجا تتخلى لا عن اخوانك المسلمين وتتخلف مع الجبناء والمخالفين. فكيف مع ذلك تنضم الى حزب المحاربين؟ الله الله يا اخي لا كن اقل ممن قيل فيهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او ادفعوا. قاتلوا لاجل دينكم او ادفعوا لاجل قومكم وطنكم لا تكن مثل هؤلاء المنافقين. فاعيزك يا اخي من هذه الحال التي لا يرضاها اهل الديانات. ولا اهل النجدات والمروءات فهل ترضى ان تشارك قومك في حال عزهم وقوة عددهم وعنصرهم وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم وتخاذلهم في وقت اشتدت فيه الضرورة الى نصرة الاولياء ورد عدوان الاعداء. هل رأيت قوما خيرا من قومك او شاهدت دينا افضل من دينك؟ فقال المنصوح الامر هو ما ذكرت لك. ونفسي تتوق الى اولئك الاقوام الذين اتقنوا الفنون والصناعات. وترقوا في بهذه الحياة فقال له صاحبه وهو يحاوره رفضت دينا قيما كامل القواعد ثابت الاركان مشرق البرهان يدعو الى كل خير ويحث على السعادة والفلاح ويقول لاهله هلم الى كل صلاح واصلاح والى كل خير ونجاح. اسلكوا كل طريق يوصلكم الى السعادة الدنيوية والاخروية. دين مبني على الحضارة الراقية الصحيحة التي بنيت على العدل والتوحيد اسست على الرحمة والحكمة والعلم والشفقة واداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وسلمت من الظلم والجشع والاخلاق السافلة بظلها الظليل واحسانها الطويل وخيرها الشامل وبهائها الكامل ما بين المشارق والمغارب. واقر بذلك الموافق في قوى المنصف المخالف. اتتركها راغبا في حضارات ومدنيات مبنية على الكفر والالحاد. مؤسسة على الطمع والجشع الكع والقسوة وظلم العباد فاقدة لروح الايمان ورحمته عادمة لنور العلم وحكمته. حضارة ظاهرها مزخرف مزوق وباطنها خراب وتظنها تعمر الموجود. وهي في الحقيقة مآلها الهلاك والتدمير. الم تر اثارها في هذه الاوقات وما احتوت عليه من الافات والويلات وما جلبته للخلائق من الهلاك والفناء والتدمير. فهل سمع الخلق منذ اوجدهم لهذه المجازر البشرية التي انتهى اليها شوط هذه الحضارة نظيرا او مثيلا. فهل سمع الخلق منذ اوجدهم الله لهذا هذه المجازر البشرية التي انتهى اليها شوط هذه الحضارة نظيرا او مثيلا. فهل اغنت عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب من شيء لما جاء امر ربك وما زادتهم غير تدبيب فلا يخدعنك ما ترى من المناظر المزخرفة والاقوال المموهة والدعاوى الطويلة العريضة وانظر الى بواطن الامور وحقائقها. ولا يغرنك ظواهرها. وتأمل النتائج الوخيمة الذميمة فهل اسعدتهم هذه الحضارة في دنياهم التي لا حياة لهم يرجون غيرها؟ اما تراهم ينتقلون من شر الى شرور ولا يسكنون في وقت الا وهم يتحفزون الى شرور فظيعة ومجازر عظيمة. فالقوة والمدنية والحضارة مادة بانواعها اذا خلت من الدين الحق فهذه طبيعتها وهذه ثمراتها وويلاتها. ليس لها اصول وقواعد نافعة ولا لها غايات صالحة. ثم هب انهم متعوا في حياتهم واستدرجوا فيها بالعز والرئاسة. ومظاهر القوة فهل اذا انحزت اليهم وواليتهم يشركونك في حياتهم ويجعلونك كابناء قومهم؟ كلا والله انهم اذا رضوا عنك جعلوك من ارذل خدامهم. واية ذلك انك في ليلك ونهارك تكدح في خدمتهم. وتتكلم وتجادل وتخاصم اقسموا على حسابهم ولم ترهم رفعوك حتى ساووا معك ادنى قومهم وبني جنسهم. فالله الله يا اخي في دينك وفي مروءة واخلاقك وادبك. الله الله في بقية رمقك. فالانضمام الى هؤلاء والله هو الهلاك. فقال له المنصوح لقد صدقت فيما قلت ولكن لي على هذا المذهب اصحاب مثقفون. ولي على هذا الرأي شبيبة مهذبون. قد تعاقدت معهم على التمسك بالالحاد واحتقار المتمسكين بدين رب العباد قد اخذنا نصيبا وافرا من اللذات واستبحنا ما تدعو اليه نفوس من اصناف الشهوات فان لي بمقاطعة هؤلاء السادة الغرر وكيف لي بمباينتهم وقد اتصلت بهم غاية الاتصال. فالان يتنازعني داعيان. داعي الحق بعدما بان لي سبيله واتضح دليله وداعي النفس والاتصال بهؤلاء المنافي للحق غاية المنافاة. فكيف الطريق الذي يريحني ويشفيني؟ وما الذي عن هذا الامر يسليني؟ فقال له صاحبهن ناصح الم تعلم ان من اوجب الواجبات واكبر فضائل الرجل اللبيب ان يتبع الحق الذي تبين له ويدع ما هو فيه من الباطل وخصوصا عند المنازعات النفسية والاغراض الدنيوية. وان الموفق اذا وقع في المهالك طلب الوسيلة الى تحصيل الاسباب اما علمت ان من نعمة الله على العبد ان يقيض له الناصحين. الذين يرشدونه الى الخير ويأمرونه بالمعروف وينهون عن المنكر ويسعون في سعادته وفلاحه ثم من تمام هذه النعمة ان يوفق لطاعتهم ولا يتشبه بمن قال الله فيهم ولكن لا تحبون الناصحين. ثم اعلم انه ربما كان الانسان اذا ذاق مذهب المنحرفين وشاهد ما فيه من الغي والضلال ثم تراجع الى الحق الذي هو حبيب القلوب كان اعظم لوقعه واكبر لنفعه فارجع الى الحق صادقا وثق بوعد الله ان الله لا يخلف الميعاد. فقال المنصوح لا يخفى عليك يا اخي ان الباطل اذا دخل في القلوب وتمكن منها لا يخرج بسهولة فاريد ان توضح لي توضيحا تاما بطلان ما عليه هؤلاء الملحدون. فانهم يقيمون الشبه المتنوعة في ترويج قولهم ليغتر به من لا بصيرة له. فقال له الناصح اعلم ان الحق والباطل متقابلان. وان الخير والشر متنافيان وبمعرفة واحد من الضدين يظهر حسن الاخر او قبحه. فانبئك على وجه الاجمال والتنبيه اللطيف. اذا اردت ان تقابل من الاشياء المتباينات فانظر الى اساسها الذي اسست عليه والى قواعدها التي انبنت عليها. وانظر الى اثارها ونتائجها ثمراتها المتفرعة عنها وانظر الى ادلتها وبراهينها التي بها ثبتت. وانظر الى ما تحتوي وتشتمل عليه من الصلاح والمناك ومن المفاسد والمضار. فعند ذلك اذا نظرت لهذه الامور بفهم صحيح وعقل رجيح ظهر لك الامر عيانا. فاذا عرفت هذه الاصول فهذا الدين الحق الذي دعت اليه الرسل عموما وخاتمهم وامامهم محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا قد بني واسس على التوحيد والتأله لله وحده لا شريك له حبا وخوفا ورجاء واخلاصا وانقيادا. واذعانا لربوبيته استسلاما لعبوديته قد دل على هذا الاصل الذي هو اكبر جميع اصول الادلة العقلية والفطرية ودلت عليه جميع الكتب مئوية وقرره جميع وقرره جميع الانبياء والمرسلين واتباعهم من اهل العلوم الراسخة والالباب الرزينة والاخلاق العالية والاداب السامية. كل اولئك اتفقوا على ان الله منفرد بالوحدانية. منعوت بكل صفة كمال. موصوف بغاية الجلال والعظمة والكبرياء والجمال وانه رب كل شيء ومليكه وانه الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. وانه منزه عن كل صفة نقص وعن مماثلة المخلوقين وانه لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر الا هو. فالدين الاسلامي على هذا الاصل اسس وعليه قام واستقام. واما ما عليه اهل الالحاد فانه ينافي هذا الاصل غاية المنافاة. فانه مبني على انكار البارئ رأسا فضلا عن الاعتراف له بالكمال وعن القيام باوجب الواجبات وافرد الفروض وهو عبوديته وحده لا شريك له. فاهل هذا المذهب اعظم الخلق مكابرة وانكارا لاظهر الاشياء واوضحها. فمن انكر الله فبأي شيء يعترف؟ فباي حديث بعد الله واية يؤمنون. وهؤلاء ابعد الناس عن عبودية الله والانابة اليه. وعن التخلق بالاخلاق الفاضلة التي تدعو اليها الشرائع تخضع لها العقول الصحيحة ومع خلو قلوبهم من توحيد الله والايمان به وتوابع ذلك. فهم اجهل الناس واقلهم بصيرة معرفة بشريعة الاسلام واصول الدين وفروعه. فتجدهم يكتبون ويتكلمون ويدعون لانفسهم من العلم والمعرفة والثقافة واليقين ما لا يصل اليه اكابر العلماء ولو طلب من احدهم ان يتكلم عن اصل من اصول الدين العظيمة الذي لا يسع احدا جهله او وعلى حكم من الاحكام في العبادات والمعاملات والانكحة لظهر عجزه ولم يصل الى ما وصل اليه كثير من صغار طلبة العلم الشرعي. فكيف فاثق العاقل فضلا عن المؤمن باقوالهم عن الدين. فاقوالهم في مسائل الدين لا قيمة لها اصلا. ولو صبرت حاصل ما عليه رؤساؤهم لرأيتهم قد اشتغلوا بشيء يسير من علوم العربية وترددوا في قراءة الصحف التي على مشربهم. وتمرنوا على الكلام الذي من جنس اساليب في كثير من هذه الصحف الرديئة الساقطة فظنوا بانفسهم وظن بهم اتباعهم الاطلاع بالمعارف والعلوم. فهذا اسمى ما يصلون اليه في العلم. اما الاخلاق فلا تسأل عن اخلاق من لا يؤمن بالله ولا باليوم الاخر. ولا يعتقد الاديان الصحيحة. فان الاخلاق نتائج الاعتقادات الصحيحة والفاسدة. فغاية ما عند هؤلاء التملق القولي والفعلي. والخضوع الكاذب للمخلوقين. وهم مع هذا السافل تجد عندهم من العجب والكبر واحتقار الخلق والاستنكاف عن مخالطة من يستنقصونهم شيئا كثيرا فهم اوضعوا الق الله واعظمهم كبرا وتيها. ثم انهم يستعينون على هذا الخلق المسمى عندهم بالثقافة بالتصنع والتجمل بالملابس والفرش والزخارف ويفننون كثيرا من اوقاتهم بذلك وقلوبهم خراب خالية من الهدى والاخلاق الجميلة. فالجمال الظاهر باطل ماذا يغني عن الجمال الحقيقي؟ ثم اذا لاحظت غاياتهم ومقاصدهم فاذا هي اغراض دنية ومقاصد سفلية مطامع شخصية واذا صبرت احوالهم رأيتهم اذا اجتمعوا تظنهم اصدقاء مجتمعين. فاذا افترقوا فهم الاعداء تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يعقلون. وما وصفت لك من احوالهم وانت تعرف ذلك قليل من فكيف ترضى ان يكون هؤلاء احبابك واصدقاءك ترضى لرضاهم وتسخط لسخطهم وتقدمهم على حظوظك الحقيقية عادتك الابدية فانظر الى صفاتهم نظر التحقيق والانصاف. وقارن بينها وبين نعوت البررة الاخيار. الذين امتلأت قلوبهم من محبة الله والانابة اليه والايمان واخلاص العمل لاجله. وفاضت السنتهم بذكر الله والثناء عليه. واشتغلت جوارحهم في كل وسيلة تقربهم الى الله وتدنيهم من رضوانه وثوابه ونفع الخلق. اشجع الناس قلوبا واصدقهم قولا واطهرهم اخلاق وازكاهم عملا. اقربهم الى كل خير وابعدهم من كل شر. يكفون عن الخلق الاذى ويبذلون لهم الندى. ويصبرون منه هم على الاذى افتقدم على هؤلاء الانجاد الغرر من ملئت قلوبهم من الشك والنفاق وفاضت على ظاهرهم فاكتسوا لذلك ارذل الاخلاق يقومون بالنفاق والرياء ويقعدون بالتملق والاعجاب والكبرياء. وصفهم القسوة والطمع والجشع ونعتهم الكذب والغش والبهرجة والخنوع قد منعوا احسانهم لكل مخلوق. اتصفوا بكل فسوق. وقد خضعوا في بحوثهم العلمية لكل مارق وتبعوا في اخلاقهم كل رذيل وفاسق. قال المنصوح والله ما تعديت في وصفهم مثقال ذرة ولكني اريد ان دلني على طريق يجمع بين السعادة الدنيوية والسعادة الاخروية لان نفوس من تربى وتخلق باخلاق هؤلاء لا ترجع عما الا بامر قوي اما بترغيب وهوى يجذبها واما بترهيب وخوف يقمعها. فقال له صاحبه الناصح والله وقد ادركت في هذا الدين مطلوبك وفيه والله كل مرادك ومرغوبك فانه الدين الذي جمع بين سعادة الدنيا والاخرة وفيه لذات القلبية والروحية والجسدية. ولا تفقد من مطالب النفوس الحقيقية شيئا الا ادركته. ولا من انواع المسرات شيئا الا حصلته ففيه ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وسأوضح لك ذلك. فاعلم ان اصول اللذات المطلوبة اولا راحة قلبي وسكونها وطمأنينتها وفرحتها وبهجتها وزوال همومها وغمومها. ثانيا القناعة والطمأنينة بما اوتيه العبد من المطالب الجسدية ثالثا استعمال ذلك على وجه يحصل به السرور والاغتباط. فهذه الامور الثلاثة من رزقها واستعملها لها على وجهها فقد نال كل ما يتنافس فيه المتنافسون وادرك كل ما تعلق به طمع الطامعين. فان جميع اللذات ترجع الى ما ذكرنا فاما لذات القلوب وحصول سرورها وزوال كدرها فانما اصل ذلك الايمان التام بما دعا الله عباده الى الايمان به من الايمان بتوحده بجميع نعوت الكمال وامتلاء القلب من تعظيمه واجلاله ومن التأله له وعبوديته والانابة اليه واخلاص العمل الظاهر والباطن لوجهه الاعلى. وما يتبع ذلك من النصح لعباد الله ومحبة الخير لهم للمقدور من نفعهم والاحسان اليهم والاكثار من ذكر الله والاستغفار والتوبة. فمن اوتي هذه الامور فقد حصل لقلبه من من الهداية والرحمة والنور والسرور وزوال الاكدار والهموم والغموم. ما هو نموذج من نعيم الاخرة. واهل هذا الشأن لا يغبط ارباب الدنيا والملوك على لذاتهم ورئاساتهم. بل يرون ما اعطوه من هذه الامور يفوق ما اعطيه هؤلاء باضعاف ات مضاعفة وهذا النعيم القلبي لا يعرفه حق المعرفة الا من ذاقه وجربه. فانه كما قيل من ذاق طعم نعيم القوم يدريه ومن دراه غدا بالروح يشريه. فهذه اشارة لطريق هذا النعيم القلبي الذي هو اصل كل نعيم واما الامر الثاني فان الله اعطى العباد القوة والصحة وما يتبع ذلك من مال واهل وولد وخول وغيرها. والناس بالنسبة لهذه الاشياء نوعان قسم صارت هذه النعم في حقهم محنا ونقما. وقسم صارت في حقهم نعما وخيرات ومنحا. اما اهل الدين الحقيقي فقد قابلوا هذه النعم وتلقوها على وجه الشكر لله والاغتباط بفضله. وتناولوها على وجه الاستعانة بها على طاعة المنعم وعلموا انها من اكبر الوسائل لهم الى رضا ربهم وخيره وثوابه. اذا استعملوها فيما هيأت له وخلقت له وقد رضوا بها عن الله كل الرضا فانهم علموا انها من عند الله الذي له الحكمة التامة في جميع اقضيته واقداره وله الرحمة الواسعة في جميع تدابيره وله النعمة السابغة في كل عطاياه وهو ارحم بهم من الخلق اجمعين. فحيث علموا العلم اليقيني صدوره ممن هذا شأنه قنعوا بما اعطوه منها من قليل وكثير كل القناعة وسكنت قلوبهم عن التطلع والتطلب ما لم يقدر لهم ومتى حصلت الطمأنينة والقناعة والرضا عن الله بما اعطى. فقد حصلت الحياة الطيبة. فاذا ادركت حق ادراك نعتهم هذا عرفت ان نعيم الدنيا في الحقيقة هو نعيم القناعة برزق الله وطمأنينة القلوب بذكر الله وطاعته. ان الواحد من هؤلاء لو لم يكن عنده من هذه الامور وهي القوة والصحة والمال والاهل والولد وتوابع ذلك الا الشيء القليل. لكان في راحة طرور من جهتين جهة القناعة وعدم تطلع النفس وتشوفها للامور التي لم تحصل. وجهة ما ترجوه من ثواب الله العاجل الاجل على هذه العبادة القلبية التي تزيد على كثير من العبادات البدنية. فان التعبد لله بمعرفة نعمه والاعتراف بها والرضا بها والرجاء لله ان يديمها ويتمها. ويجعلها وسيلة الى نعم اخرى. وان يجعلها طريقا للسعادة الابدي لا ريب ان هذه الاحوال القلبية من افضل الطاعات واجل القربات. فكم بين سرور هذا الذي تعبد بروح الدين وحصلت له له الحياة الطيبة وبين من تلقى هذه النعم بالغفلة وعدم الاعتراف بنعمة المنعم وشقي بهمومها وغمومها وكان اذا حصل له شيء من مطالب النفوس لم يرضى به. بل تشوف الى غيره فتطلع لسواه. فهذا يتنقل من كدر الى كدر اخر لان قلبه تعلقا تعلقا شديدا بمطالب الجسد. فحيث جاءت على خلاف ما يؤمله ويريده قلق اشد القلق. وهو لا يزال في قلق مستمر لان المطالب النفسية متنوعة جدا. فلو وافقه واحد لم يوافقه الاخر ولو ارضاه واحد كدره الاخر وربما اجتمع في الشيء الواحد سرور من وجه وحزن من وجه اخر. فصفه ممزوج بكدره وسروره مختلط كن بحزنه فاين الحياة الطيبة لهذا؟ وانما الحياة الطيبة لارباب البصائر والحجى الذين يتلقونها كلها بالقبول والرضا واما الامر الثالث فهو جهة استعمال هذه النعم. فصاحب الدين الصحيح يتناولها على وجه الشكر لله على نعمه والفرح وحي بفضله وينوي بها التقوي على ما خلق له من عبادة الله وطاعته وينفقها محتسبا بها رضا الله وفضله وخلفه والاجل ويعلم انه اذا انفق على نفسه واهله او ولده او من يتصل به فانما نفقته صادفت محلها ووقعت موقعها معها فلم يتثاقل كثرة النفقة في هذا الطريق لانه يقول معتقدا هذا اولى مما بذلت فيه ما لي. وهذا الزم ما قمت به من الواجبات والفروض وهذا خير ما قمت به من المستحبات. وهذا اعظم ما ارجو له الخلف من الله حيث يقول وهو الكريم والوفي وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين. ولا يزال نصب عينيه احتساب الاجر يجري في سعيه بكسبه وفي مصرفه اجناس ذلك وانواعه وافراده متفطنا لقوله صلى الله عليه وسلم على انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك. فمن كان هذا وصفه فان لذات الدنيوية التي هي اللذات الحقيقية السالمة من الاكدار مهما يرجو من الثواب العاجل والاجل من الله. ومن كانت هذه صفته سهل عليه الاخذ من حلها ووضعها في محلها ويسرت له اموره غاية التيسير. واما من استعمل هذه النعم على وجه والغفلة ولم يفكر في الاعتراف بفضل الله في كل الاوقات وبنعم الله ولم يفرح بالنعم لانها من فضل الله بل فرح بها فقط لموافقة غرضه النفسي ولا نوى بها الاستعانة على طاعة الله ولا احتسب في نيلها وصرفها على المنفق عليهم الاجر والثواب فمن كان هذا وصفه فان الكدر والحزن له بالمرصاد. فانه اذا فاتته بعض الشهوات النفسية حزن. وان ادرك ما ادرك منها ولم يكن على ما في خاطره من كل وجه حزن. وان اراد منه ولده ومن يتصل به نفقة او كسوة واجبة او ومستحبة حزن ولم تخرج منه الا بشق الانفس. وان خرجت منه خرجت معها بضعة من سرور قلبه لانه يحب بقاء ما ويحزن لنقصه على اي وجه كان وليس عنده من الاحتساب ما يهون عليه الامر. هذا ان كان غير بخيل. فان كان شحيحا النفس مطبوعا على البخل فان حياته مع اولاده واهله والمتصلين به حياة شقاء وعذاب واكدار متواصلة واحزان مستمرة لا ايمان عنده يهون عليه النفقات ولا نفس سخية لا تستعصي على نيل المكرمات. فيا له من عذاب حاضر وعذاب مستمر. فاين هذا من ذاك الذي حصلت له الحياة الطيبة باكملها؟ هذا كله بالنظر الى هذه الامور الثلاثة التي هي اصل اللذات عند العقلاء. قد اتضح لنا ان صاحب الايمان الصحيح هو الذي فاز باللذات الحقيقية وسلم من المكدرات. ثم اذا عطفنا النظر الى الطوارئ البشرية التي لابد لكل عبد منها. وهي المصيبات التي تعتري العباد من الامراض المتنوعة وموت الاحبة وفقد الاموال ونقصها ووقوع المكاره بمن تحب وزوال المحاب وغيرها من انواع المصائب دقيقها وجليلها. رأيت امن حقا قد تلقاها بقوة وصبر واحتساب. وقد قام لها بارتقاء الاجر والثواب. وعلم انها تقدير العزيز العليم. وانها تقضيته صدرت من الرب الرحيم. فهان عليه امرها وخفت عليه وطأتها. فانه اذا فكر فيما فيها من الالام الشاقة قابل لها بما تتضمنه من تكفير السيئات وتكفير الحسنات. ورفعة الدرجات والتخلق باخلاق الكرام والقوة والشجاعة. واذا بدنه وماله رآها مصلحة لقلبه وروحه فان صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه الصبر على بلائه وانتظار الفرج من الله اذا المت الملمات واللجوء الى الله عند جميع المزعجات والمقلقات فاقل الاحوال عند هذا المؤمن ان تتقابل عنده صائب والمحاب والافراح والاتراح. وقد تصل الحال بخواص المؤمنين الى ان افراحهم ومسراتهم عند المصيبات تزيد على ما يحصل فيها من الحزن والكدر التي جبلت عليه النفوس. فاين هذه الحال من حال من تلقى المصيبات التي لابد للخلق منها قلب منزعج مرعوب وخشعت نفسه المهينة لما فيها من الشدائد والكروب. فبقيت الحسرات تنتاب قلبه وروحه. وزاد مصائب قلبه على مصائب بدنه ليس عنده من الصبر وارتقاب الثواب ما يخفف عنه الاحزان. ولا من الايمان ما يهون عنه الاشجان تعتريه المصائب فلا تجد عنده ما يخففها. فتعمل عملها في قلبه وروحه وبدنه واحواله كلها. القلب مليء من الهم والغم والالم والخوف السابق واللاحق. قد ملأ نفسه فانحل لذلك لبه وانحطم. وقد ضعف توكله على الله في غاية الضعف حتى صار قلبه يتعلق بمن يرجو نفعه من المخلوقين. فيا لها من مصائب دنيوية اتصلت بالمصائب الدينية النية والخلقية وتراكم بعضها فوق بعض حتى صار عنده اعظم من الجبال الرواسي. فوالله لو علم اهل البلاء والمصائب بما في الايمان والروح والتسلية والحياة الطيبة لسارعوا اليه ولو في هذه الحال التي هم فيها مضطرون الى ما يخفف عنهم الامها ولا يجدونه الا في الايمان الصحيح الحقيقي وما يدعو اليه ومما يتعلق به سرور الحياة ونعيمها او همها وغمها معاشرة الخلق على اختلاف طبقاتهم فمن عاشرهم بما يدعو اليه الدين استراح ومن عاشرهم بحسب ما تدعو اليه الاغراض النفسية فلابد ان يكون عيشه كدرا وحياته منغصة وتوضيح ذلك ان الناس ثلاثة اصناف رئيس ومرؤوس ونظير. اما من له رئاسة حكم او ثروة وله اتباع وحاشية فله معهم حالان. حالة فيما يفعله معهم وحالة فيما يصيب من اتباعه من خير وشر. وموافق للطبع ومخالف له. فان هو حكم الدين والشرع في الحالتين استراح وله اجر من الله اذ استعمل العدل معهم واستعمل النصح والاحسان. وقابل المسيء منهم بالعفو وشكرهم على فعل المعروف والخير. مبتغيا بذلك وجه الله وايضا فانه اذا تأمل فيما فعله من خير اطمأنت نفسه وانشرح صدره. فاين هذا من الرئيس الذي لا يبالي بظلم الناس في بدمائهم واموالهم واعراضهم. ولا يبالي بسلوك طرق العدل والانصاف وليس له صبر على اية اذية تصيبه من رعيته. فهو مع اتباعه في نكد مستمر. ورعيته قد ملئت قلوبهم من مقته وبغضه. يتربصون به الدوائر والفرص. حتى اذا وقع في باقل شيء اعانوا عليه اعداء اعدائهم فهو معهم غير مطمئن على حياته ولا على نعمته. لا يدري متى تفجأه البلايا ليلا او نهارا. هذه حالة الرئيس على وجه الاجمال. واما حالة المرؤوس فان اطاع الدين في وظيفته واطاع حاكمه او او والده واستعمل الاداب الشرعية في معاملته والاخلاق المرضية فهو مع طاعته لله ولرسوله قد استراح واراح وطابت عنه نفس رئيسه وامن عقوبته وامل احسانه وبره ومحبته. واما من تعدى طوره وعصا متبوعه والتوى فانه لا يزال متوقعا لانواع المضار يمشي خائفا وجلا لا يقر له قرار ولا يستريح له خاطر. واما حالة المساوي فان جمهور من تعاشرهم من الخلق اذا خالقتهم بالخلق الحسن اطمأنت نفسك وزالت عنك الهموم. لانك تكتسب بذلك مودتهم وتخمد عداوتهم مع ما ترجوه من عظم ثواب الله على هذه العشرة التي هي من افضل العبادات فان العبد فيبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم وحسن الخلق له خاصية في فرح النفس لا يعرف ذلك حق معرفته الا المجربون فاين حال هذا ممن عاشر الناس باسوأ الاخلاق فخيره ممنوع وشره غير مأمون وليس له اقل صبر على لا ما يناله من المكدرات فهذا قد تنغصت عليه حياته وحضرته همومه وحسراته فهو في عناء حاضر ويخشى من الشقاء الاجل. واما معاشرته مع اهله واولاده. ومن يتصل به فانه يتأكد عليه القيام بالحقوق اللازمة تامة لا نقص فيها ولا تبرم فمن عامل هؤلاء بما امر الله ورسوله راجيا بقيامه به ثواب ربه ورضاه عاش معهم عيشة راضية. ومن كان معهم في نكد وسوء خلق مع الصغير والكبير يخرج من بيته غضبان ويدخل على اهله وولده متكدرا ملآن اي حياة لمن كانت هذه حاله؟ وما الذي يرجوه حيث ضيع ما فيه فرحه ومسراته؟ واما عشرته مع معامليه فان استعمل معهم النصح والصدق وكان سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى حصلت له الرحمة وفاز الشرف والاعتبار واكتسب مودة معامليه ودوام معاملتهم. ولا يخفى ما في ذلك من طيب الحياة وسرور النفس وما في ضدها من سوء الحال وسقوط الشرف وتنغص الحياة. والفارق بين الرجلين هو الدين. فصاحب الدين منبسط النفس مطمئن القلب. فقد تبين لك ان السعادة واللذة الحقيقية بجميع انواعها تابعة للدين. واعلم يا اخي ان الدين نوع عن احدهما اعمال واحوال واخلاق دينية ودنيوية. وكما ذكرنا انه لا سبيل الى حصول الحياة الطيبة الا بالدين والثاني علوم ومعارف نافعة وهي علوم الشرع والدين وما يعين عليها ويتوسل اليها به. فالاشتغال بها من اجل للعبادات وحصول ثمرتها من اكمل اللذات ولا يشبهه شيء من اللذات الدنيوية. واعتبر ذلك بحال الراغبين في العلم تجد واكثر اوقاتهم مصروفة في تحصيل العلم. فيمضي الوقت الطويل وصاحبه مستغرق فيه. يتمنى امتداد الزمن. وهذا عنوان اللذة فان المشتاق يقصر عنده الوقت الطويل. ومن ضاق صدره بشيء يطول عليه الوقت القصير. وذلك ان صاحب العلم في كل وقت مستفيد علوما يزداد بها ايمانه وتكمل بها اخلاقه. والمتصفح للكتب النافعة لا يزال يعرض على ذهنه اولى الاولين والاخرين ومعارفهم واحوالهم الحميدة وضدها. ففي ذلك معتبر لاولي الالباب. فكم من قصة تمر عليك ففي الكتب تكتسب بها عقلا جديدا. وتسليك عن المصائب بما جرى على الفضلاء. وكيف تلقوها بالرضا والتسليم واغتنموا الاجر من العليم الحكيم. والعلم يعرفك طرقا تدرك بها المطالب. وتدفع بها المكاره والمضار. والعقل عقلان. عقل غريزي وهو ما وضعه الله في الانسان من قوة الذهن في امور الدين والدنيا وعقل مكتسب اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه اذا انضم الى العقل الغريزي ازداد صاحبه حزما وبصيرة. فكما ان العقل الغريزي ينمو ينمو الانسان حتى يبلغ اشده. فكذلك العقل له المكتسب له مادتان للنمو مادة الاجتماع بالعقلاء والاستفادة من عقولهم وتجاربهم وتارة بمشاورتهم باحثتهم. فكم ترقى الرجل بهذه الحال الى مراقي الفلاح؟ ولهذا كان انزواء الرجل عن الناس يفوته خيرا كثيرا ونفعا جليلا مع ما يحدثه الاعتزال من الخيالات وسوء الظن بالناس والاعجاب بالنفس الذي يعبر عن نقص الرجل ربما ضر البدن فان مخالطة الناس تفتح ابوابا من المصالح وتسليك وتقوي قلبك وفي ضعف القلب ضرر على العقل وضرر على الدين وضرر على الاخلاق وضرر على الصحة. وينبغي للانسان ان يعامل الناس بحسب احوالهم. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم خلقه مع الصغير والكبير. قال تعالى خذ العفو اي خذ ما صفا لك من اخلاق الخلق. ودع عنك ما تعسر منها فيجالس ابناء الدنيا بالادب والمروءة والاكابر بالتوقيت والاخوان والاصحاب بالانبساط والفقراء بالرحمة والتواضع واهل العلم والدين ان بما يليق بفضلهم. فصاحب هذا الخلق الجليل تراه مبتهج النفس في حياة طيبة. واما المادة الثانية للعقل المكتسب فهي الاشتغال بالعلوم النافعة فيستفيد بكل قضية رأيا جديدا وعقلا سديدا. ولا يزال المشتغل بالعلم يترقى في العلم العقل والادب والعلم يعرفك بالله وكيف الطريق اليه؟ يعرفك كيف تتوسل بالامور المباحة الى ان تجعلها عبادة تقربك الى الله والعلم يقوم مقام الرياسات والاموال. فمن ادرك العلم فقد ادرك كل شيء. ومن فاته العلم فاته كل شيء. وكل هذا في العلوم النافعة واما كتب الخرافات والمجون فانها تحلل الاخلاق وتفسد الافكار والقلوب. بحثها على الاقتداء باهل للبشر وهي تعمل في الايمان والقلوب عمل النار في الهشيم. فلما تلا النصيح لصاحبه هذه المواضيع وبرهن عليها قال له والله لقد انجلى عني ما اجد في اول موضوع تلوته علي. وانزاح عني الباطل في شرحك الاول. وان مجلسك يا اخي ونصيحتك بهذه الطريقة النافعة تعدل عندي الدنيا وما عليها. فاحمد الله اولا حيث قيدك لي. واشكرك شكرا كثيرا حيث وفيت بحق الصحبة ولم تصنع ما يصنعه اهل العقول الضيقة الذين اذا رأوا من اصحابهم ما يسوؤهم قطعوا عنهم حبل الودادي في الحال واعانوا الشيطان عليهم فازداد بذلك الشر عليهم وضاع بينهم التفاهم. واني لا انسى جميل معروفك حيث رأيتني سادرا في المهامة مغرورا بنفسي معجبا برأيي فارتني بعيني ما انا فيه واوقفتني بحكمتك على الهلاك الذي طعت فيه فالان استغفر الله مما مضى واتوب اليه. واسأله الاعانة على سلوك مرضاته. وافزع اليه ان يختم بالصالحات واحمد الله اولا واخرا وظاهرا وباطنا. فانه مول النعم. دافع النقم غزير الجود والكرم