المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القرآن والحديث النبوي موقفهما من العلوم الكونية والفنون العصرية. قال الله تعالى ما فرطنا في الكتاب من من شيء. وقال تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة. وقال تعالى والله خلقكم وما تعملون. وقال عز وجل اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم وقال سبحانه ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس الى اخر الاية. فقال عز وجل وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه وقال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وقال سبحانه الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون. الى غير ذلك من الايات الكثيرة الدالة على جميع علوم الكون والحث على التفكر في المخلوقات واستخراج منافعها الدينية والدنيوية بحسب الاستطاعة. واعلم ان علوم اشهر السابقة واللاحقة وما يترتب عليها من المعارف والاخلاق والاعمال والنتائج نوعان. احدهما علوم دينية تعرف العبادة بالله باسمائه وصفاته وافعاله وشرائع دينه. تبين الجزاء على الاعمال. وما يتبعها من الادلة والبراهين والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب. الثاني علوم كونية موضعها النظر في الكون وما سخر الله للعباد من المنافع. وفهمها وتصويرها وابرازها بالعمل الى الخارج واستخراج منافعها. والكتاب فيه بيان النوعين جملة وتفصيلا. كما قال ابيان لكل شيء فلم يكن شيء يحتاج اليه العباد الا وقد هدى اليه القرآن. ودعا اليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله فعله بالعلوم الدينية فصلها تفصيلا لا يبقى فيها لبسا ولا اشكالا. خصوصا ما يحتاجه كل فرد في كل وقت في العبادة والمعاملات ومن احكام هذه الشريعة ان الامور التي تتغير بتغير الازمنة والامكنة والاحوال جعل لها قواعد وضوابط ترد اليها الحوادث الجزئية فتطبق المعينات على القواعد الكلية المبنية على تحصيل المصالح ودفع المفاسد. والعلومية يرشد العقول الى التفكير فيها واستخراج علومها. ويخبرهم انه اعدها وسخرها لمنافعهم المتعددة. وحثهم على معرفتها واستخراجها بكل وسيلة. وقد اخبر في هذه الايات انه خلق لنا جميع ما في الارض وسخر لنا ما في السماوات والارض به نستمتع وبه ننتفع بجميع الاستمتاعات وبكل الانتفاعات. ومن لازم ذلك الحث على جميع الوسائل التي تحصل لنا هذه النعم واخبر انه خلقنا وخلق اعمالنا بما يسر وسخر لنا من الاسباب التي ندرك بها الاعمال والنتائج. وان من كرم انه علم الانسان ما لم يعلم وجعله قابلا لتعلم العلوم كلها الدينية والكونية. وهذا العموم والشمول في هذا هذه الايات يأتي على جميع العلوم والفنون العصرية. كما يأتي على جميع العلوم الدينية وما يترتب على هذه وهذه من الثمرات والنتائج وكلها نعم من الله تعالى فان الله هو الذي علم الانسان بالاسباب التي حصل له فيها العلم الديني والكوني. كما انه هو الذي رزقه بالاسباب التي جعل الله رزقه فيها. وهو الذي اودع في الارض المنافع المتنوعة. وهو الذي يسير الاسباب التي تدرك بها هذه المنافع وامرهم بالتفكر والتقدير الذي يرسلهم اليها ويهديهم الى كيفية استخراجها وربط البشر بعضهم ببعض في علومهم ومعارفهم واثارها ونتائجها. وجعل هذا الارتباط المتنوع من اقوى الاسباب التي يدرك بها كل مقدور للبشر وكل ما هو في امكانهم وهم في هذه الحالة بين امرين. اما ان يستعينوا بهذه النعم على شكر المنعم وعلى القيام بحقوقه وحقوق سائر النوع الانساني بل على حقوق المخلوقات كلها. وعلى العدل والرحمة والحكمة والصلاح. والسعادة والمستقبلة ان فعلوا ذلك بقيت لهم النعم وبورك لهم فيها ولم يزالوا في صعود الى الخيرات ومنجاة من الشرور هلكات وتمكنوا ان يحيوا في هذه الدنيا حياة طيبة سعيدة هنيئة. وبهذا امر القرآن ولهذا ارشد القرآن وحذرهم من ضده وهو الامر الثاني وهو انهم اذا اشتغلوا بالنعم عن المنعم وجعلوا هذه النعم المادية غاية مطلوبهم ولم يقوموا بحقوق المنعم بها ولا حنوا بها على الخلق بالرحمة والعدل كانت وبالا عليهم وضررا لازما. كان وبالا عليهم وضررا لازما. وصارت الات ووسائل للهلاك والدمار والشقاء. ولم يمكنهم ان يعيشوا في هذه الدنيا عيشة هنيئة بل عيشة شقاء وتنقل من شر الى اعظم منه. وبهذا نعلم ان الرقي الحقيقي الصحيح هو باستصحاب العلوم الدينية والعلوم الكونية وامتزاج كل منها بالاخر وتعاونهما وتساعدهما على سلوك طرق الصلاح المطلق والسعادة حاضرة والمستقبلة والاستعانة بالنعم على طاعة المنعم لتتم النعم وتكمل السعادة وعلم بذلك ان هذا هو الدين بل روحه ولبه فانه خلقنا لعبادته وسخر لنا ما في الكون لنستعين به على عبادته وننتفع بما احله لنا واباحنا وفي اخباره سبحانه انه سخر لنا جميع ما في الكون من المنافع. دليل على امرين احدهما ان فيهما منافع عظيمة كنوزا وخزائن قد اعدها الله لنا وجعلها مهيئة ممكنا استخراجها وتحصيلها. الثاني ان فيه حثا لنا على تعلم الفنون والصناعات والاسباب التي بها ندركها ونحصلها وننميها ونكملها. ففيها التصريح بوجود المنافع المتنوعة كل الحاجات والحث على تحصيلها بكل وسيلة وطريق من علوم واعمال واختبارات وتجارب. وان منافعها لا تزال يوجد شيئا بعد شيء. فكلما تم ويتم للبشر من المستخرجات والمخترعات فانه داخل في هذه الايات. امتنانا وحثا على لاستكمال من نعمه التي تجلب بها المصالح وتدفع بها المضار. وقد صرح في قوله ويخلق ما لا تعلمون. حيث جاء بها في صيغة المستقبل انه يخلق فيما يستقبل من الزمان بتعليم الخلق واقدارهم وتمكينهم من الاسباب المتنوعة ما لا تعلمه العباد وقت نزول القرآن. وهذا شامل لكل ما حدث ويحدث. ولم يعين هذه المخترعات باسمائها ولا اوصافها بل اخبرهم بلوازمها الدالة على ملزومها لحكمة يفهمها كل متأمل متدبر فانه لو صرح لهم في ذلك الوقت اكتب اوصافها وقال لهم انه ستكون الطيارات بانواعها. والسيارات البرية والبحرية والغواصات باجناسها. وان الناس سيتخاطبون في جميع الاقطار في لحظة واحدة انه سيكون كذا وكذا. لو اخبرهم ببعض ذلك لم يصدقوا ولا ارتابوا بان الناس لا يصدقون بالامور التي لم يشاهدوها ولم يشاهدوا لها نظيرا. انظر لما اخبرهم عن الاسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى والمعراج والشجرة التي في النار وهي الشجرة الملعونة. كيف اختلفوا ولجوا في ونفورهم مع ان معجزات الانبياء قد عهد الناس منها انها مخالفة لما يعهدونه خارقة للعوائد. فكيف لو ان الناس في اخر الوقت سيطيرون في الهواء ويغوصون في البحار ويتخاطبون في الاقطار الشاسعة. اذا لكان من اقوى الى تكذيبه ولكن ولله الحمد اخبر بنصوص متعددة اخبارات عامة لتشمل جميع ما حدث ويحدث. واخبر بلا على وجه عام بحيث اذا حدثت الجزئيات امكن ادخالها في تلك الكليات وذلك من بلاغة القرآن واخباره عن الغيوب المستقبلة وعند وقوعها يزداد المؤمنون ايمانا بالله ورسوله ويزداد المكذبون اعراضا ونفورا وتمردا. قال الله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية. وقال تعالى ساصرف عن اياتي الذين ليتكبرون في الارض بغير الحق. وكما اخبر تعالى ان الارض فيها منافع وخزائن عظيمة سخرها للادميين. كذلك اخبر اهل انه انزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. ولم يعين منفعة دون اخرى ليشمل ويعم جميع المنافع التي تستخدم بالحديد سابقا ولاحقا. فكل منفعة استخرجت من الارض او من الحديد منفردة او مقرونة بغيرها او مساعدة بغيرها من الاسباب فانها داخلة في هذه الايات. وكل تعليم حصل للبشر من العلوم الدينية والدنيوية والكونية فانه اخل في قوله علم الانسان ما لم يعلم. فلا يمكن ان يشذ عن هذه العمومات شيء من العلوم والفنون والمنافع والاختراعات والمستخرجات والنتائج لها والثمرات. وكلها من الله بما يسره للعباد من الوسائل التي يدركونها ويستخرجونها بها. فمن الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون. ومن الذي اقدرهم على ما عليه يقتدرون؟ ومن الذي اودع الكون المنافع والخزائن وهداهم اليها فمن الذي يسر ذلك كله الا الله تعالى؟ وكما انه هو يحيي ويميت ويرزق الخلائق ويصرفهم ويدبرهم بانواع بما خلق لهم ويسر بما خلق لهم ويسر من الاسباب التي تحصل فيها هذه الامور. فكذلك هو الذي اوصلهم الى العلوم كونية واستخراج نتائجها. ولكن الجاحد قاصر النظر يقف عند الاسباب ولا يتجاوز الى مسببها ومقدرها انعمي بها واعلم ان هذه الايات التي فيها الحث على التفكير في امور الكون كلها. والنظر والتدبر والايات التي فيها ان سخر للعباد جميع ما في الارض وجعلها معدة ومهيئة لمنافعهم. ليس المقصود بها فقط مجرد النظر والتفكر. وانما جعل الله التفكر والنظر والتدبر مقصودا لغيره. مقصودا لتحصيل امرين عظيمين. احدهما ثمرة ذلك التفكر والتعقل وهو العلوم والمعارف الدالة على المطالب العالية. ومعرفة قدرة الله وتوحيده وسعة رحمته. وكمال علمه وشمول حكمته. والدالة على فما فيها من اصناف المنافع التي لا تزال تستخرج شيئا فشيئا. الامر الثاني ثمرة هذه العلوم من عبودية الله واخلاص الدين اله ومن تحصيل منافعها التي تفيد العباد وتصلح احوالهم وتتم بها احوالهم ويستجلبون بها المصالح ويدفعون المضار لقد وضح ان علوم الكون التي تسمى في العرف العلوم العصرية داخلة في دلالة القرآن. وان القرآن ارشد اليها وهدى العباد اليها وحثهم على اعمال افكارهم في تحقيقها وتحصيلها. وان جميع الصناعات النافعة والمخترعات المتنوعة كلها داخلة في الارشادات الهية وان القرآن فيه تبيان لكل شيء وهدى لكل مصلحة ورحمة تشمل خيرات الدنيا والاخرة وانه لا سبيل الى الاصلاح المطلق والسعادة والحياة الطيبة الا بالتزام هداه. وانه نهى العباد عما سواه ولا يغني عنه غيره. ومن ذلك قوله تعالى اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فهذا خبره تعالى عن امور مستقبلة انه سيري عباده من البراهين والادلة في الكون اي في الافق وفي انفسهم ما يدلهم على ان القرآن حق. والرسول حق. وما جاء ابه هو الحق وقد فعل ذلك فانه اراهم من اثار اختراعاتهم واعمالهم التي يسرها لهم. وخصوصا في هذه الاوقات ما به لكل منصف ان خبر الله وخبر رسوله حقا. فان مدار انكار المكذبين على استبعادات يستبعدونها في عقولهم حيث لم تدخل تحت ادراكهم ولا حواسهم ولا مداركهم ولا يخضعون لخبر الله وخبر رسوله. ويعلمون ان قدرة الله فوق ما وانه لا يشذ عنها شيء فانه على كل شيء قدير. فهذه المخترعات الهائلة التي لو اخبروا ببعضها قبل ظهورها للجوا في تكذيبهم واستهزائهم بمن اخبر عنها. قد شاهدوها ولمسوها وعملوها بايديهم. وكانت من ادل الدلائل على ما اخبر الله بها من الغيوب واحياء الموتى وامور البعث والجزاء. وندائه يوم القيامة الذي يسمعه القريب والبعيد وتخاطب اهل اهل الجنة والنار فيما بينهم مع البعد المفرط. كل هذا وغيره سهل على هؤلاء المكذبين التصديق به اذا قصدوا الانصاف حق ولكن ما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وكذبوا ما جاءت به الرسل وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان. ومصداق هذا الحديث ما شاهده الناس من قرب المواصلات واتصال الاخبارات في جميع الاقطار حتى كأن الدنيا قطر واحد بل بلد واحد من اتصال بعضه ببعض وتقارب الزمان من لازمه قارب المكان وقد كان هذا الحديث مشكلا قبل ذلك فلما تم للبشر ما تم لهم من هذا التقارب الباهر لم يبق شك ان هذا مراد وان من لازم اخباره صلى الله عليه وسلم وجود الاسباب المتنوعة التي يحصل فيها هذا التقريب والتقارب لان اخبار الشارع اخبار به وبما لا يتم الا به. كما ان امره بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. والوسائل لها احكام المقاصد وثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجا وانهارا. فمن ذا الذي تخطر بقلبه قبل هذا الوقت ان هذه الجزيرة القاحلة تكون بهذا الوصف. حتى ظهر مصداق ذلك ومبادئه بتيسير الله امور الحراثة واستخراج المياه بالالات الحديثة. فخبره بذلك خبر عن الامرين عما يقع وعما به يقع. اخبار عن الجزيرة ان انها ستكون مروجا وانهارا واخر عن حدوث الالات والوسائل التي تستخرج بها المياه وتحرث بها الاراضي وتتيسر الاعمال وفي ضمن ذلك الحث على تعلمها وعلى العمل بها فانه حث على السعي باسباب الرزق وهذا من الاسباب التي تكتب بها الارزاق بل من الاسباب التي نفعها عام. ومن ذلك قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. وقوله خذوا حذركم فهذا الامر باعداد المستطاع من القوة واخذ الحذر من الاعداء يشمل كل زمان ومكان بما يليق ويناسب لذلك الوقت تلك الحال فجميع الاسلحة المخترعة التي حدثت والتي ستحدث وجميع الوقايات والتحصن والحذر من الاعداء بكل وسيلة وطريق ممكن يؤدي اليها كل ذلك داخل في هذه الارشادات النافعة الحكيمة. والامر بها امر بها وبما لا يتم ولا تحصل الا به من تعلم الصناعات والفنون الحربية بانواعها بحسب الحال المناسبة. بل جميع الاوامر من الكتاب والسنة التي فيها الامر بدفع عدوان الاعداء والحذر منهم واعداد القوة لهم كله داخل في الجهاد. جهاد المدافعة والمقاومة. فيكون تعلم هذه الفنون والصناعات التي لا يمكن ان يتأدى الواجب الا بها واجبا وفرضا. لان ما على الامة لا يحل لهم ان يتركوا المقدور منها. فاذا فعلوا ما يستطيعون منها زال عنهم اللوم واعينوا على عدوهم لانهم اتقوا الله ما استطاعوا. ومن ذلك امتنانه على عباده بما يسره لهم من الفلك وانها من اكبر نعمه الدينية والدنيوية فانها تحملهم وتحمل اثقالهم وامتعتهم وتجارتهم من قطر الى اخر ويتم بها التبادل بين الاقطار بالتجارات والمنسوجات والصادرات والواردات التي تعجز الاقلام عن الاحاطة بكثرة منافعها الضروري والكمالية وذلك يدل دلالة واضحة ان تعلم الصناعات التي توجدها وتكملها مرغب فيها غاية الترغيب ان بها تتم نعم الله على العباد. بهذا الجنس الذي اتصلت به الاقطار وانتفع بعضها ببعض. بهذه الفلك الشاملة للسفن راكب البحرية والسيارات والقطارات البرية والطائرات الهوائية. وما تفتقر اليه من الالات والبرقيات بانواعها. كل هذا هذا داخل في الاخبار بانه انعم على العباد بالفلك. اما لا تتم النعم الا به فانه من النعم. والايات القرآنية في الفلك اكرم امتنان الله بها في القرآن كثيرة جدا معروفة. ولكن في القرآن اية تشارك تلك الايات بهذه المقاصد الجليلة يمتاز عنها بالتصريح بشمولها لجميع اصناف الفلك الهوائية والبحرية والبرية. وهي قوله تعالى واية لهم اي واية للعباد على كمال قدرة الله وتفرده بالوحدانية وسعة رحمته وكثرة خيراته وصدق رسله. انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون اي الثقيل المملوء من الركاب والبضائع والامتعة وغيرها. فانه لما كان القرآن خطابا لاول هذه الامة واخرها وهو يعتني باوسع المعاني واشملها. وقد علم الباري بعلمه المحيط ان الفلك ستتنوع وتتسع جدا في هذه الاوقات وما بعدها ولا يدركها الموجودون وقت نزول القرآن. وانما تدركها ذرياتهم اذا وجدت قال واية لهم انا بلنا ذريتهم فاعم معانيها واوسعها واعظمها اية انما يدركها الذرية ويشاهدونها. فالموجودون وقت الانزال قد عرفوا اصل الفلك وجنسه ولكن نهايته وتوسعه انما يكون لمن بعدهم من الذرية. ولهذا فسر هذه الاية كثير من السرين تفاسير تخالف ظاهرها حتى حملوا الذرية على الاباء والاجداد. وهذا غير معروف في العربية والقرآن عربي في غاية الوضوح وهو صريح فيما ذكرناه وهو ايضا جاء على اسلوب القرآن اذ يذكر من كل نوع اعلاه واوسعه معنى ومن ذلك امره تعالى بفعل الاسباب التي تحصل بها الارزاق من تجارات وصناعات وحراثة وحرف وغيرها. وامتنانه على العبادة بتيسيرها والاستعانة بها على القيام بواجبات الله وواجبات الخلق. مثل قوله تعالى بعدما امر بالسعي الى الجمعة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا. وهذا شامل لجميع المكاسب من تجارة وصناعة وحراسة وغيرها من اسباب الرزق. وقال تعالى هو الذي جعل لكم الارض ذلولا تمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور. اي جعلها مدللة لاسفاركم. مذللة لحروفكم وبنائكم. مذللة لاستخراج المعادن ودعت فيها مهيئة لكل ما تحتاجونه فامشوا في مناكبها. اي في طلب الرزق وتحصيله وذلك يشمل جميع الطرق التي ينال بها الرزق من جميع المكاسب والاقتصاديات النافعة فيدخل فيها جميع الاسباب والارزاق التي كانت موجودة والتي لا تزال توجد شيء شيئا فشيئا كلها داخل في هذه الاوامر والامتنانات من الله تعالى على العباد. فيكون تعلمها وسلوكها مما امر الله به ورسوله حتى انه تعالى امرنا ان نحجر على السفهاء في اموالهم الخاصة ونمنعهم من التصرفات الضارة لقصر عقولهم عارفهم وتجاربهم حتى نعلمهم ونختبرهم بالتجربة التي بها نعرف حزقهم ومهارتهم بالحفظ والكسب والمنافع. فقال ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما. اي لا تقوموا مصالح العباد الا بالاموال. فهي الركن في قيام المصالح الدينية والمصالح الدنيوية في طلب المنافع وفي دفع المضار لا يقوم ذلك الا بالمال. فلقد علمنا ربنا التامة بحفظ الاموال وتعلم طرق مكاسبها والاقتصاد في انفاقها. ولم يحرم علينا طريقا من هذه الطرق النافعة الا الطرق التي تضرنا في ديننا ودنيانا. فمن هذا عنايته بعباده ورحمته بهم. اما ما نستفيد منه انه يحب منا ان نتعلم الفنون الاقتصادية التي تنال بها الارزاق وتتم النعم بالفنون الاقتصادية والفنون الحربية والصناعات التي تنفع العباد وتجلب لهم الخيرات وتدفع عنهم الشرور. قد علمت مرتبتها من هذا الدين. وحث الكتاب والسنة على جميع المنافع منها وجعله وسائل للمقاصد. فما كان منها واجبا فوسيلته واجبة. وما كان مندوبا فوسيلته كذلك ان الوسائل لها احكام المقاصد. الله تعالى اباح لنا كل طيب نافع. اباحه واباح السعي في تحصيله. فقد وضح وتبين ان ان العلوم الدينية والعلوم الكونية ممتزج بعضها ببعض. محتاج بعضها الى بعض. فمتى اجتمعنا حصل الكمال وتمت السعادة ومتى فقد جميعا حصل الشقاء وخسران الدنيا والاخرة؟ ومتى وجد احدهما دون الاخر حصل من النقص والخسران والشقاء حسب ما فقد فطبق هذا التقسيم الحاضر على احوال الامم والجماعات والافراد تجد الامر كما ذكرنا. وتعرف ان الصلاح والخير الكامل والسعادة الابدية قد جاء بها الكتاب والسنة على اكمل الوجوه واعلاها. وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما