المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله خطبة في النهي عن التحجر في المساجد بغير حق. الحمد لله الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. اقرارا به وتوحيدا. واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي اخرج الله به العباد من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي الى نور العلم والايمان والطاعة والخير. وجعل اتباعه وطاعته سببا للفوز والفلاح واجتناب ما نهى عنه موصلا الى كل خير ونجاح. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله واصحابه وللجد والتشمير والسماح. اما بعد ايها الناس اتقوا الله تعالى فان تقوى الله توصل العبد الى جنات النعيم وتنجيه من عذاب الجحيم وتيسره لليسرى وتجنبه العسرى. وليست تقوى الله بالتمني والتحلي. وانما هي تقوى القلوب ولزوم طاعته وطاعة رسوله في اداء الاوامر واجتناب الزواجر والبعد عن جميع المعاصي وظلم العباد واجتناب الاصرار على الكبائر صغائر. ثم اعلموا رحمكم الله ان التحجر في المساجد ووضع العصي ونحوها. والانسان متأخر في سوقه او بيته او اشغاله لا يحل ولا يجوز لان ذلك مخالف للمشروع ومخالف لما عليه الصحابة والتابعون لهم باحسان. فان النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على التقدم الى المساجد والقرب من الامام بانفسهم. وحث على الصف الاول وقال لو يعلم ما في النداء والصف الاول من الاجر والثواب. ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه لاستهموا. ولا يحصل هذا الامتثال وهذا الاجر الا لمن تقدم بنفسه. واما من وضع عصاه وتأخر عن الحضور فانه مخالف لما حث عليه الشارع غير ممتثل ان لامره فمن زعم انه يدرك فضيلة التقدم وفضيلة المكان الفاضل بتحجره مكانا في المسجد وهو متأخر فهو بل من فعل هذا فاته الاجر وحصل الاثم والوزر. ومن مفاسد ذلك انه اذا تحجر مكانا فاضلا يعتقد انه وقد حصل له فضيلة التقدم وفضيلة المكان. وهذا اعتقاد فاسد فان الفضل لا يحصل الا للسابق بنفسه لا للسابق عصاه فلو كان في ذلك خير لكان اولى الناس به. اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نزههم الله عنه كما عن كل قبيح فلو علم المتحجر للمكان الفاضل انه اثم وان صلاته في مؤخر المسجد افضل له واسلم له من اثم لم يتجرأ على هذا وابعد عنه غاية الابعاد. وكيف يكون مأجورا بفعل هو فيه مأزور. فلا شك ان هذا من والغرور ومن مفاسد ذلك ان المساجد لله والناس فيها سواء وليس لاحد فيها حق الا اذا تقدم بنفسه فاذا سبق غيره كان احق منه. فاذا حمى شيئا لغيره فيه حق كان اثما عاصيا لله وكان ظالما لصاحب حق وليس الحق لواحد ولا لاثنين. بل جميع من جاء قبله فله حق في مكانه الذي حماه عنهم فيكون قد ظلم خلقا كثيرا وفاته الاجر والخير. ومن جاء والصف الاول قد تحجره الناس او المكان الفاضل. فصف في الصفوف المؤخرة كان افضل منهم واعظم اجرا واسلم من الاثم. والله يعلم من نيته انه لو جاء وليس فيها تحجر انه يصلي فيها فهذا قد حصل اجرها وفضلها. والمتحجرون فاتهم الاجر وحصل لهم الوزر ومن مفاسد ذلك انه الى تخطي رقاب الناس واذيتهم. وقد نهى الشارع عن ذلك. فيجمع بين التحجر والتأخر والتخطي ومعصية الله وظلم الناس وذنوب متكررة ومعاص متعددة. وفيها انه اذا وضع عصاه اوجب له الكسل والتأخر عن الحضور لانه اذا عرف انه يجد مكانا فاضلا في مقدم المسجد والمحل الذي تحجره برد قلبه وكسل عن التقدم. ففاته خير كثير وحصل على وزر كثير. واما المفاسد فانه يحدث الشحناء والعداوة والخصومة في بيوت الله. التي لم تكن الا الا لذكر الله وعبادته. ومن اعظم المفاسد ان صلاة المتحجر ناقصة. لان المعاصي ان لم تفسد الاعمال الصالحة نقصتها ومن العلماء من يرى ان صلاة الحامي بغير حق غير صحيحة كالصلاة في الارض المغصوبة لانه غصبه وظلم غيره. واما من تقدموا الى المسجد بنفسه ومن نيته انتظار الصلاة. ثم يعرض له عارض مثل حاجته الى وضوء او نحوه. ثم يعود فلا حرج عليه وهو احق بمكانه ولا يلحقه دم ولا لوم. وكذلك من كان في المسجد ووضع عصاه ونحوه في المكان الذي سبق واليه ليصلي او يقرأ في مكان اخر من المسجد فلا حرج عليه بشرط الا يتخطى رقاب الناس ولا يؤذيهم من مفاسد التحجر ان الذي يعتاده مصر على معصية الله لانه فاعل لها. جازم على معاودتها. والاصرار على المعاصي ينافي الايمان. قال تعالى في المؤمنين ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. والذنوب وان كانت صغائر تكن كبائر بالاصرار عليها ومن العجب ان اكثر من يفعل ذلك اناس لهم رغبة في الخير. زال عنهم استقباح هذا الامر لمداومتهم عليه واقتداء بعضهم ببعض. والرغبة في الخير لا تكون بالتقرب الى الله بفعل المحرم. وانما الراغب في الخير من بعد عن معاصي الله وعن ظلم الناس في جميع حقوقهم فانه لا يتقرب الى الله الا بطاعته. واعظم من ذلك ان يتحجر نفسه ولغيره فيجمع عدة مآثم وشر الناس من اظلم الناس للناس. فيشترك المتحجر والمتحجر له في الاثم فكيف رضي المؤمن الذي في قلبه حياة ان يفعل امرا هذه مفاسده ومضاره؟ الواجب على كل من يفعل ذلك ان يتوب الى الله ويا عازم الا يعود فان من علم ان ذلك لا يجوز. ثم اصر على هذا الذنب فهو متهاون بحرمات الله. متجرأ على عاصي الله يخشى ان يكون ممن يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا رياء وسمعة. يحب ان يحمد على صلاته في الصف الاول والمتى كان الفاضل وهو اثم ظالم لاهل المسجد غير محصل للفضيلة بل ساع بالرذيلة. ونعتقد ان المؤمن الحريص على اذا علم ان هذا محرم وعلم ما فيه من المفاسد والمضار الظاهرة. وعلم نقصان صلاته واختلالها وفسادها انه يقدم عليه ولا يفعله لانه ليس له فيه مصلحة لا قليلة ولا كثيرة. بل ذلك مضرة محضة وما كان هكذا فالموفق يستعين الله على تركه والعزم على الا يعود ويستغفر الله مما صدر منه جهلا او تهاونا او تأويلا آآ قال تعالى ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما. وقال تعالى قيل غفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم