المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة الثالثة والستون حكم نقل الاعضاء كثر السؤال في هذه الايام عما وقع اخيرا في الطب الحديث من اخذ جزء من جسد الانسان وتركيبه على انسان اخر مضطر اليه كأخذ لحمة من جسده لسد شفة اخر او لانفه او اخذ عين الحي الذي على وشك التلف وتركيبها في محل عين اخر ومنه اخذ الدم من انسان لاخر لتقوية دمه وما اشبه ذلك فهل مثل هذه الامور تسوغ لما فيها من المصالح المعروفة ورضى من اخذت منه ام لا تسوء ام يفرق بين ما تعظم مصلحته جدا فتقل مضرته ومفسدته فيصوغ وما ليس كذلك فلا يصوغ الجواب ونسأل الله الاعانة والتوفيق لاصابة الصواب جمع المسائل التي تحدث في كل وقت سواء حدثت اجناسها او افرادها يجب ان تتصور قبل كل شيء فاذا عرفت حقيقتها وشخصت صفاتها وتصورها الانسان تصورا تاما بذاتها ومقدماتها ونتائجها طبقت على نصوص الشرع واصوله الكلية فان الشرع يحل جميع المشكلات مشكلات الجماعات والافراد ويحل المسائل الكلية والجزئية يحلها حلا مرضيا للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة ويشترط ان ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية فهذه المسألة قبل كل شيء نحن واقفون على الحياد حتى يتضح لنا اتضاحا تاما الجزم باحد القولين فنقول من الناس من يقول هذه الاشياء لا تجوز لان الاصل ان بدن الانسان ليس له التصرف فيه باتلاف وقطع شيء منه والتمثيل به لانه امانة عنده لله ولهذا قال تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة والمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه اما المال فانه يباح باباحة صاحبه وبالاسباب التي جعلها الشارع وسيلة لاباحة التملكات واما الدم فلا يباح بوجه من الوجوه ولو اباحه صاحبه لغيره سواء كان نفسا او عضوا او دما او غيره الا على وجه القصاص بشروطه او في الحالة التي اباحها الشارع وهي امور معروفة ليس منها هذا المسؤول عنه ثم انما زعموه من المصالح للغير معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء فكم من انسان تلف او مرض بهذا العمل ويؤيد هذا قول الفقهاء من ماتت وهي حامل بحمل حي لم يحل شق بطنها لاخراجه ولو غلب على الظن او لو تيقنا خروجه حيا الا اذا خرج بعضه حيا فيشق للباقي فاذا كان هذا في الميتة فكيف حال الحي فالمؤمن بدنه محترم حيا وميتا ويؤيد هذا ايضا ان الدم نجس خبيث وكل نجس خبيث لا يحل التداوي به مع ما يخشى من اخذ دم الانسان من هلاك او مرض فهذا من حجج هذا القول ومن الناس من يقول لا بأس بذلك لاننا اذا طبقنا هذه المسألة على الاصل العظيم المحيط الشرعي صارت من اوائل ما يدخل فيه وان ذلك مباح بل ربما يكون مستحبا وذلك ان الاصل اذا تعارضت المصالح والمفاسد والمنافع والمضار فان رجحت المفاسد او تكافئت منع منه وصار درء المفاسد في هذه الحال اولى من جلب المصالح وان رجحت المصالح والمنافع على المفاسد والمضار اتبعت المصالح الراجحة وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة ومضارها اذا قدرت فهي جزئية يسيرة منغمرة في المصالح المتنوعة ويؤيد هذا ان حجة القول الاول وهي ان الاصل ان بدن الانسان محترم لا يباح بالاباحة متى اعتبرنا فيه هذا الاصل فانه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو والتمثيل به فانه يباح لمن وقعت فيه الاكلة التي يخشى ان ترعى بقية بدنه يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي وكذلك يجوز قطع الضلع التي لا خطر في قطعها ويجوز التمثيل في البدن بشق البطن او غيره للتمكن من علاج المرض ويجوز قلع الضرس ونحوه عند التألم الكثير وامور كثيرة من هذا النوع ابيحت لما يترتب عليها من حصول مصلحة او دفع مضرة وايضا فان كثيرا من هذه الامور المسؤول عنها يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث وما كان كذلك فان الشارع لا يحرمه وقد نبه الله تعالى على هذا الاصل في عدة مواضع من كتابه ومنه قوله تعالى عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما اه فمفهوم الاية ان ما كانت منافعه ومصالحه اكثر من مفاسده واثمه فان الله لا يحرمه ولا يمنعه وايضا فان مهرة الاطباء المعتبرين متى قرروا تقريرا متفقا عليه انه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك الجزء وعرفنا ما يحصل بذلك من مصلحة الغير كانت مصلحة محضة خالية من المفسدة واذا كان كثير من اهل العلم يجوزون بل يستحسنون ايثار الانسان غيره على نفسه بطعام او شراب هو احق به منه ولو تضمن ذلك تلفه او مرضه ونحو ذلك فكيف بالايثار بجزء من بدنه لنفع اخيه النفع العظيم من غير خطر تلف بل ولا مرض وربما كان في ذلك نفع له اذا كان المؤثر قريبا او صديقا خاصا او صاحب حق كبير او اخذ عليه نفعا دنيويا ينفعه او ينفع من بعده ويؤيد هذا انك كثيرا من الفتاوى تتغير بتغير الازمان والاحوال والتطورات وخصوصا الامور التي ترجع الى المنافع والمضار ومن المعلوم ان ترقي الطب الحديث له اثره الاكبر في هذه الامور كما هو معلوم مشاهد والشارع اخبر بانه ما من داء الا وله شفاء وامر بالتداوي خصوصا وعموما فاذا تعين الدواء وحصول المنفعة باخذ جزء من هذا ووضعه في الاخر من غير ضرر يلحق المأخوذ منه فهو داخل فيما اباحه الشارع وان كان قبل ذلك وقبل ارتقاء الطب فيه ضرر او خطر ايراعى كل وقت بحسبه وبهذا نجيب عن كلام اهل العلم القائلين بان الاصل في اجزاء الادمي تحريم اخذها وتحريم التمثيل بها فيقال هذا يوم كان ذلك خطرا وضررا وربما ادى الى الهلاك وذلك ايضا في الحالة التي يهتك فيها بدن الادمي وتنتهك حرمته فاما في هذا الوقت فالامران مفقودان الضرر مفقود بوجه وانتهاك الحرمة مفقود فان الانسان قد رضي كل الرضا بذلك واختاره وبذله مختارا مطمئنا لا ضرر عليه ولا سقوط شيء من حرمته والشارع انما امر باحترام الادمي تشريفا له وتكريما والحالة الحاضرة غير الحالة الغابرة ونحن اذا اجزنا ذلك اذا كان المتولي لذلك طبيبا ماهرا وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر فبهذا يزول المحذور ومما يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من اهل العلم منهم شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم انه اذا اشكل عليك شيء هل هو حلال او حرام اما مأمور به او منهي عنه فانظر الى اسبابه الموجبة واثاره ونتائجه الحاصلة فان كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة كان من قسم المباح او المأمور به واذا كان بالعكس كانت بعكس ذلك فطبق هذه المسألة على هذا الاصل وانظر اسبابها وثمراتها تجدها اسبابا لا محظور فيها وثمراتها خير الثمرات واذا قال الاولون اما ثمراتها فنحن نوافق عليها ولا يمكننا الا الاعتراف بها ولكن الاسباب محرمة كما ذكرنا ان الاصل في اجزاء الادمي التحريم وان استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث فقد اجبنا عن ذلك بان العلة في تحريم الاجزاء اقامة حرمة الادمي ودفعا للانتهاك الفظيع وهذا مفقود هنا واما الدم فليس عنه جواب الا ان نقول ان مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة وايضا ربما ندعي ان هذا الدم الذي ينقل من بدن الى اخر ليس من جنس الدم الخارج الخبيث المطلوب بعده واجتنابه وانما هذا الدم هو روح الانسان وقوته وغذاؤه فهو بمنزلة الاجزاء او دونها ولم يخرجه الانسان رغبة عنه وانما هو ايثار لغيره وبذل من قوته لقوة غيره وبهذا يخف خبثه في ذاته وتلطفه اثاره الحميدة ولهذا حرم الله الدم المسفوح وجعله خبيثا فيدل على ان الدماء في اللحم والعروق وفي معدنها قبل بروزها ليست محكوما عليها بالتحريم والخبث فقال الاولون هذا من الدم المسفوح فانه لا فرق بين استخراجه بسكين او ابرة او غيرها او ينجرح الجسد من نفسه فيخرج الدم فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث فكيف تجيزونه ولا فرق بين سفحه لقتل الانسان والحيوان او سفحه لاكل او سفحه للتداوي به فمن فرق بين هذه الامور فعليه الدليل فقال هؤلاء المجيزون هبأنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور فقد ذكرنا لكم من اصول الشريعة ومصالحها ما يدل على اباحة اخذ اجزاء الانسان لاصلاح غيره اذا لم يكن فيه ضرر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد فعموم هذا يدل على هذه المسألة وان ذلك جائز فاذا قلتم ان هذا في التواد والتراحم والتعاطف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لا في وصل اعضائه باعضائه قلنا اذا لم يكن عليه ضرر ولاخيه فيه نفع فما الذي يخرجه من هذا وهل هذا الا فرد من افراده كما انه داخل في الايثار واذا كان من اعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس اخيه وماله ولو حصل عليه ضرر في بدنه او ماله فهذه المسألة من باب اولى واحرى وكذلك من فضائله تحصيل مصالح اخيه وان طالت الشقة وعظمت المشقة اهذه كذلك واولى ونهاية الامر ان هذا الامر غير موجود في هذه الامة لخطره وضرره في ذلك الوقت فحيث انتقلت الحال الى ضدها وزال الضرر والخطر لم لا يجوز ويختلف الحكم فيه الاختلاف العلة ويلاحظ ايضا في هذه الاوقات التسهيل ومجاراة الاحوال اذا لم يخالف نصا شرعيا لان اكثر الناس لا يستفتون ولا يبالون وكثير ممن يستفتي اذا افتي بخلاف رغبته وهواه ترك التزام ذلك فالتسهيل عند تكافؤ الاقوال يخفف الشر ويوجب ان يتماسك الناس بعض التماسك لضعف الايمان وعدم الرغبة في الخير او نقصها كما يلاحظ ايضا ان يعرف الناس ان الدين الاسلامي لا يقف حاجزا دون المصالح الخالصة او بل يجاري الاحوال والازمان ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية فان الملحدين يموهون على الجهال ان الدين الاسلامي لا يصلح لمجاراة الاحوال والتطورات الحديثة وهم في ذلك مفترون فان الدين الاسلامي به الصلاح المطلوب من كل وجه الكلي والجزئي وهو حلال لكل مشكلة خاصة او عامة وغيره قاصر من جميع الوجوه