المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة الثالثة والتسعون فائدة جليلة في الفروق بين المسائل الفقهية والتقاسيم الشرعية سئلت عما يذكره الفقهاء رحمهم الله من الفروق بين الاشياء المتشابهات ويقع في النفس في كثير منها عدم الفرق فاجبت وبالله التوفيق اصل هذه المسائل ان تعلم ان الشارع لا يفرق بين المتشابهات من كل وجه بل لا بد من فارق معنوي موجب للفرق فاذا وجد مسألتان قد فرق بينهما وحكم لكل واحدة بحكم مباين للاخرى فان كان ثم فارق صحيح ومعنى موجب للفرق والا فاعلم ان الفرق صوري والفروق الصورية ضعيفة جدا ولهذا امثلة كثيرة نفصل منها ما نستحضره فمنها ما ذكروه من الفروق بين النكاح وغيره من العقود وهي فروق كثيرة تزيد على العشرين قد فصلتها في الارشاد فانظرها هناك تجد المعاني الصحيحة الموجبة للفرق بين النكاح وبين غيره ومن الفروق الصحيحة ما ذكروه بين فرض الصلاة ونفلها فان الاصل اشتراك الفرض والنفل منها في الاحكام وقد فرق بينها بفروق شرعية ثابتة منها ان النفل يصح من الجالس القادر على القيام بخلاف الفرض وانه يصح النفل على الراحلة في السفر الطويل والقصير ويجوز الشرب في النفل دون الفرض وذلك يعود الى سهولة النفل والترغيب في كثرته ومنها اشتراط ستر احد المنكبين في الفرض دون النفل للرجل البالغ وهذا الفرق ضعيف لعدم ثبوت الفرق بينهما في هذا الموضع شرعا فان الامر بستر احد المنكبين يعم الفرض والنفل في كل احد والصواب ان ستر الرجل منكبه في الصلاة من باب الستر الكمالي لا من باب ستر العورة ومنها تجويز النفل داخل الكعبة دون الفرض وفيه نظر فانما ثبت في النفل ثبت في الفرض والفرق الذي ذكروه وتعليلهم ان الفرض لابد ان يستدبر شيئا من الكعبة موجود في النفل ومن الفروق الضعيفة جدا منعه مؤتمام المتنفل بالمفترض مع انه قد ثبت جواز ذلك ثبوتا لا ريب فيه وقصة معاذ وغيرها شاهدة بذلك وتعليلهم بالاختلاف بالنية موجود في ائتمام المفترض بالمتنفل وهذا من علامات ضعف الدليل والعلة انك اذا ادرتها وعكستها في القسم المقابل رأيت الامر نظير ما قالوه فيكون هذا من الفروق الصورية التي لا تعتبر فكيف مع مخالفتها للنص ومن الفروق الصحيحة تجويز قطع النفل لحضور الفرض وانه لا نافلة بعد اقامة الفريضة وانه لا يجوز ان يشتغل بالنافلة مع ضيق الوقت عن الفريضة وانه لا تقضى النوافل ولو رواتب اذا كثرت الفوائت الفرائض وما اشبه ذلك فان القصد من ذلك واحد وهو الاهتمام بالفرائض ومن الفروق الصحيحة ما ذكروه في الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة العيدين وفرق بعضها عن بعض وقد فصلناها في كتاب الارشاد وذلك راجع الى ثبوت الفروق المذكورة شرعا وما ثبت عن الشارع فلابد من حكمة صحيحة ثابتة موجبة للفرق كما فصل ذلك ومن الفروق الصحيحة بين صيام النفل وصيام الفرض ان الفرض لابد له من نية موجودة في ليل الصيام والنفل يصح ولو لم يحدث نية الا في اثناء النهار بشرط الا يفعل قبل النية شيئا من المفطرات وانه لا يصح النفل ممن عليه الفرض وانه يصح صيام ايام التشريق للمتمتع والقارن الذي تعذر عليه الهدي دون قضاء رمضان وغيره لان الله تعالى عين الثلاثة ان تكون في الحج وانه يجوز قطع نفل الصلاة والصيام دون فرضها الا الحج والعمرة وهذا فرق دل عليه قوله تعالى واتموا الحج والعمرة لله فمن فرض فيهن الحج وذلك ان العبد اذا احرم بحج او عمرة فقد اوجب ذلك على نفسه بمنزلة من اوجب على نفسه نذرا ولهذا قال تعالى ثم اليقظوا تفثهم وليوفوا نذورهم فسماها نذورا بجامع ايجاب الانسان ذلك على نفسه وهذا مما يبين لنا ضعف الفرق الذي ذكروه في رمي الجمار وان المتنفل يجوز له ان يوكل من يرمي عنه ولو لم يكن له عذر بخلاف المفترض والصواب استواء الفرض والنفل هنا وانه لا يجوز التوكيل فيهما الا للمعذور ومن الفروق الضعيفة تفريقهم بين الجاهل والناسي والمتعمد في اتلاف الشعر والاظفار واللبس للمخيط وتغطية الرأس والطيب وان الاخيرات يعذر فيها المعذور ولا يجب عليه فدية وازالة الشعر وتقليم الاظفار لا يعذر بوجوب الفدية لانه اتلاف والذين لم يفرقوا قالوا المقصود من الجميع واحد وهو حصول الترفه بالمذكورات وهي كلها مستويات في ذلك والاظفار والشعور لا قيمة لها وايضا انما الاتلاف الذي يستوي فيه الاهل وغيره في حقوق الادميين كاتلاف النفوس والاموال وهذه الحق فيها لله متمحض فاذا كان بالاجماع معذورا فكذلك الفدية وبهذا ايضا تعرف ضعف الفرق بين جماع المعذور بجهل او نسيان وغير المعذور كما هو المذهب والتفريق بين المعذور وغير المعذور هو الاولى كما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره في مسألة فطر الصائم وافساد الحج والعمرة وغيرها وبه ايضا يعرف ضعف عدم التفريق بين المتعمد وغير المتعمد في جزاء الصيد وان الجميع واحد في ايجاب المثل كما هو مذهب الجمهور مع ان الاية الكريمة نصت على المتعمد نصا صريحا في قوله ومن قتله منكم متعمدا فجزاء الاية وكذلك تجويز النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لرعاة الابل وسقاة زمزم ان يجمعوا رمي ايام التشريق في اخر يوم دليل على ان غيرهم لا يساويهم في ذلك والاصحاب رحمهم الله جعلوا الجميع سواء وانه لا بأس ان يجمع الرمي في اخر يوم ولو لم يكن معذورا واما قولهم ومن وجبت عليه بدنة اجزأته بقرة ولو في جزاء الصيد فالصواب في ذلك القول الاخر وان جزاء الصيد يتعين فيه المثل كما ذكره النص لان فيه شائبة عقوبة بخلاف بقية الاحكام فان معنى السهولة فيها بينة واضحة ومن الفروق الصحيحة الثابتة شرعا الفرق بين تارك المأمور سهوا او جهلا فلا تبرأ الذمة الا بفعله وبين فاعل المحظور وهو معذور بجهل او نسيان فانه يعذر وتصح عبادته وذلك في الصلاة والصيام والحج وبقية العبادات كما اختاره شيخ الاسلام وطرده في كل المسائل واما المشهور من المذهب فانهم لم يستقر لهم قرار ويكفي هذا ان الشرطين في الاصول والفروع ويزداد في غيرهم ان يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرض او تعصيب وهذه النفقات تبع العرف والكفاية وكذلك نفقة المماليك من الادميين والبهائم والله اعلم فهذه الفروق والتقاسيم التي استفدناها وتتبعناها من كلام اصحابنا الحنابلة غفر الله لهم ورحمهم جمعت علما عظيما ونبهت على مآخذ الاقوال وعللها لا تجدها مجموعة في موضع واحد ويحق ان تفرد برسالة مستقلة يسر الله افرادها ونشرها وعندما فرغنا منها خطر على القلب فائدة من جنس اخر من الفقه وهي هذه