المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الاول في حد الايمان وتفسيره حدود الاشياء وتفسيرها الذي يوضحها تقدموا احكامها فان الحكم على الاشياء فرع عن تصورها فمن حكم على امر من الامور قبل ان يحيط علمه بتفسيره ويتصوره تصورا يميزه عن غيره اخطأ خطأ فاحشا اما حد الايمان وتفسيره فهو التصديق الجازم والاعتراف التام بجميع ما امر الله ورسوله بالايمان به والانقياد ظاهرا وباطنا فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لاعمال القلوب واعمال البدن وذلك شامل للقيام بالدين كله ولهذا كان الائمة والسلف يقولون الايمان قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح وهو قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فهو يشمل عقائد الايمان واخلاقه واعماله فالاقرار والاعتراف بمال الله تعالى من الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والافعال الناشئة عن اسمائه وصفاته هو من اعظم اصول الايمان وكذلك الاعتراف بمال الله من الحقوق الخاصة وهو التأله والتعبد لله ظاهرا وباطنا من اصول الايمان والاعتراف بما اخبر الله به عن ملائكته وجنوده والموجودات السابقة واللاحقة والاخبار باليوم الاخر كل هذا من اصول الايمان وكذلك الايمان بجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وما وصفوا به في الكتاب والسنة من الاوصاف الحميدة كل هذا من اصول الايمان كما ان اعظم اصول الايمان الاعتراف بانفراد الله بالوحدانية والالوهية وعبادة الله وحده لا شريك له واخلاص الدين لله والقيام بشرائع الاسلام الظاهرة وحقائقه الباطنة كل هذا من اصول الايمان ولهذا رتب الله على الايمان دخول الجنة والنجاة من النار ورتب عليه رضوانه والفلاح والسعادة ولا يكون ذلك الا بما ذكرنا من شموله للعقائد واعمال القلوب واعمال الجوارح لانه متى فات شيء من ذلك حصل من النقص وفوات الثواب وحصول العقاب بحسبه بل اخبر الله تعالى ان الايمان المطلق تنال به ارفع المقامات في الدنيا واعلى المنازل في الاخرة فقال تعالى والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والصديقون هم اعلى الخلق درجة بعد درجة الانبياء في الدنيا وفي منازل الاخرة واخبر في هذه الاية ان من حقق الايمان به وبرسله نال هذه الدرجة ويفسر ذلك ويوضحه ما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان اهل الجنة ليتراءون اهل الغرف في الجنة كما ترأون الكوكب الشرقي او الغربي في الافق لتفاضل ما بينهم فقالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين وايمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين في ظاهرهم وباطنهم في عقائدهم واخلاقهم واعمالهم وفي كمال طاعتهم لله ولرسله فقيامهم بهذه الامور به يتحقق ايمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين وقد امر الله في كتابه بهذا الايمان العام الشامل وما يتبعه من الانقياد والاستسلام واثنى على من قام به فقال في اعظم ايات الايمان قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل لا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى آآ وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون فامر الله عباده بالايمان بجميع هذه الاصول العظيمة والايمان الشامل بكل كتاب انزله الله وبكل رسول ارسله الله وبالاخلاص والاستسلام والانقياد له وحده بقوله ونحن له مسلمون كما اثنى على المؤمنين في اخر السورة بالقيام بذلك فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فاخبر ان الرسول ومن معه من المؤمنين امنوا بهذه الاصول ولم يفرقوا بين احد من الانبياء بل امنوا بهم جميعا وبما اوتوه من عند الله وانهم التزموا طاعة الله فقالوا سمعنا واطعنا وطلبوا من ربهم ان يحقق لهم ذلك وان يعفو عن تقصيرهم ببعض حقوق الايمان وان مرجع الخلائق كلهم ومصيرهم الى الله يجازيهم بما قاموا به من حقوق الايمان وما ضيعوه منها كما قال تعالى عن اتباع الانبياء عيسى وغيره انهم قالوا ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين فامنوا بقلوبهم والتزموا بقلوبهم وانقادوا بجوارحهم وسألوا الله ان يكتبهم مع الشاهدين له بالتوحيد وان يحقق لهم القيام به قولا وعملا واعتقادا وقال تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام باصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه فانه وصفهم بالايمان به ايمانا ظهرت اثاره في عقائدهم واقوالهم واعمالهم الظاهرة والباطنة وانه مع ثبوت الايمان في قلوبهم يزداد ايمانهم كلما تليت عليهم ايات الله ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله ومعتمدون في امورهم كلها عليه ومفوضون امورهم اليه وهم مع ذلك يقيمون الصلاة فرضها ونفلها يقيمونها ظاهرا وباطنا ويؤتون الزكاة وينفقون النفقات الواجبة والمستحبة ومن كان على هذا الوصف فلم يبق من الخير مطلبا ولا من الشر مهربا ولهذا قال اولئك هم المؤمنون حقا الذين يستحقون هذا الوصف على الحقيقة ويحققون القيام به ظاهرا وباطنا ثم ذكر ثوابهم الجزيل المغفرة المتضمنة لزوال كل شر ومحذور ورفعة الدرجات عند ربهم والرزق الكريم المتضمن من النعم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فسر الله الايمان في هذه الايات بجميع هذه الخصال فانه اخبر بفلاح المؤمنين ثم وصفهم بقوله الذين هم في صلاتهم خاشعون الى اخر الايات المذكورة فمن استكمل هذه الاوصاف فهو المؤمن حقا ومضمونها القيام بالواجبات الظاهرة والباطنة واجتناب المحرمات والمكروهات وبتكميلهم للايمان استحقوا وراثة جنات الفردوس التي هي اعلى الجنات كما انهم قاموا باعلى الكمالات وهذه صريحة في ان الايمان يشمل عقائد الدين واخلاقه واعماله الظاهرة والباطنة ويترتب على ذلك انه يزيد بزيادة هذه الاوصاف والتحقق بها وينقص بنقصها وان الناس في الايمان درجات متفاوتة بحسب تفاوتها هذه الاوصاف ولهذا كانوا ثلاث درجات سابقون مقربون وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات ومقتصدون وهم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات وظالمون لانفسهم وهم الذين تركوا بعض واجبات الايمان وفعلوا بعض المحرمات كما ذكرهم الله بقوله ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير وقد يعطف الله على الايمان الاعمال الصالحة او التقوى او الصبر للحاجة الى ذكر المعطوف لان لا يظن الظان ان الايمان يكتفى فيه بما في القلب فكم في القرآن من قوله ان الذين امنوا وعملوا الصالحات ثم يذكر خبرا عنهم والاعمال الصالحات من الايمان ومن لوازم الايمان وهي التي يتحقق بها الايمان فمن ادعى انه مؤمن وهو لم يعمل بما امر الله به ورسوله من الواجبات ومن ترك المحرمات فليس بصادق في ايمانه كما يقرن بين الايمان والتقوى في مثل قوله تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون فذكر الايمان الشامل لما في القلوب من العقائد والايرادات الطيبة والاعمال الصالحة ولا يتم للمؤمن ذلك حتى يتقي ما يسخط الله من الكفر والفسوق والعصيان ولهذا حقق ذلك بقوله وكانوا يتقون كما وصف الله بذلك خيار خلقه بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم فهذه اكبر المنن ان يحبب الله الايمان للعبد ويزينه في قلبه ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الاسلام ويبغض الله اليه اصناف المحرمات والله عليم بمن يستحق ان يتفضل عليه بهذا الفضل حكيم في وضعه في محله اللائق به كما ثبت في الصحيح من حديث انس رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يرجع عن دينه كما يكره ان يقذف في النار فذكر اصل الايمان الذي هو محبة الله ورسوله ولا يكتفي بمطلق المحبة بل لا بد ان تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب وذكر تفريعها بان يحب لله ويبغض لله في حب الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين لانهم قاموا بمحاب الله واختصهم من بين خلقه وذكر دفع ما يناقضه وينافيه وانه يكره ان يرجع عن دينه اعظم كراهة تقدر اعظم من كراهة القائه في النار واخبر في هذا الحديث ان للايمان حلاوة في القلب اذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية وعن الاغراض النفسية واوجبت له الحياة الطيبة فان من احب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعا فان من احب شيئا اكثر من ذكره واجتهد في متابعة الرسول وقدم متابعته على كل قول وعلى ارادة النفوس واغراضها من كان كذلك فنفسه مطمئنة مستحلية للطاعات قد انشرح صدر صاحبها للاسلام فهو على نور من ربه وكثير من المؤمنين لا يصل الى هذه المرتبة العالية ولكل درجات مما عملوا وكذلك في الصحيحين من حديث ابي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان وهذا صريح ان الايمان يشمل اقوال اللسان واعمال الجوارح والاعتقادات والاخلاق والقيام بحق الله والاحسان الى خلقه فجمع في هذا الحديث بين اعلاه واصله وقاعدته وهو قول لا اله الا الله اعتقادا وتألها واخلاصا لله وبين ادناه وهو اماطة العظم والشوكة وكل ما يؤذي عن الطريق فكيف بما فوق ذلك من الاحسان وذكر الحياء والله اعلم لان الحياء به حياة الايمان وبه يدع العبد كل فعل قبيح كما به يتحقق كل خلق حسن وهذه الشعب المذكورة في هذا الحديث هي جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة وهذا ايضا صريح في ان الايمان يزيد وينقص بحسب زيادة هذه الشرائع والشعب واتصاف العبد بها او عدمه ومن المعلوم ان الناس يتفاوتون فيها تفاوتا كبيرا فمن زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص فقد خالف الحس مع مخالفته لنصوص الشارع كما ترى وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام والايمان في حديث جبريل المشهور حيث سأله جبريل بحضرة الصحابة عن الايمان فقال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر وفسر الاسلام بالشرائع الخمس الظاهرة لانه كما تقدم اذا قرن بالايمان غيره فسر الايمان بما في القلب من العقائد الدينية والاسلام او الاعمال الصالحة بالشرائع الظاهرة واما عند الاطلاق اذا اطلق الايمان فقد تقدم انه يشمل ذلك اجمع وفي الصحيحين من حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من والده وولده والناس اجمعين فاخبر صلى الله عليه وسلم انه اذا تعارضت المحبتان فان قدم ما يحبه الرسول كان صادق الايمان والا فهو ناقص الايمان كما قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فاقسم تعالى انهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله ولا يبقى في قلوبهم حرج وضيق من حكمه وينقادوا له انقيادا وينشرح لحكمه وهذا شامل في تحكيمه في اصول الدين وفي فروعه وفي الاحكام الكلية والاحكام الجزئية وفي الصحيحين ايضا عن انس مرفوعا لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وذلك يقتضي ان يقوم بحقوق اخوانه المسلمين الخاصة والعامة فانه من الايمان ومن لم يقم بذلك ويحب لهم ما يحب لنفسه فانه لم يؤمن الايمان الواجب بل نقص ايمانه بقدر ما نقص من الحقوق الواجبة عليه وفي صحيح مسلم من حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا والرضا بذلك يقتضي الفرح بذلك والسرور بربوبية الله له وحسن تدبيره واقضيته عليه وان يرضى بالاسلام دينا ويفرح به ويحمد الله على هذه النعمة التي هي اكبر المنن حيث رضي الله له الاسلام ووفقه له واصطفاه له ويرضى بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا اذ هو اكمل الخلق واعلاهم في كل صفة كمال وامته واتباعه اكمل الامم واعلاهم وارفعهم درجة في الدنيا والاخرة فالرضا بنبوة الرسول ورسالته واتباعه من اعظم ما يثمر الايمان ويذوق به العبد حلاوته قال تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فكيف لا يرضى المؤمن بهذا الرسول الكريم الرؤوف الرحيم الذي اقسم الله انه لعلى خلق عظيم واشرف مقام للعبد انتسابه لعبودية الله واقتداؤه برسوله ومحبته واتباعه وهذا علامة محبة الله وباتباعه تتحقق المحبة والايمان قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وفي صحيح مسلم من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي انه قال قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا لا اسأل عنه احدا بعدك قال قل امنت بالله ثم استقم فبين صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية الجامعة ان العبد اذا اعترف بالايمان ظاهرا وباطنا ثم استقام عليه قولا وعملا فعلا وتركا فقد كمل امره واستقام على الصراط المستقيم ورجي له ان يدخل مع من قال الله عنهم ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اوليائكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم وفي حديث ابن عباس المتفق عليه في وفد عبد القيس حين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا مرنا بامر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الاشربة فامرهم باربع ونهاهم عن اربع امرهم بالايمان بالله وحده وقال اتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وانت تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن اربع عن الحنثم والدباء والنقير والمزفت وقال احفظوهن واخبروا بهن من وراءكم فهذا ايضا صريح في ادخاله الشرائع الظاهرة بالايمان مثل الصلاة والزكاة والصيام واعطاء الخمس من المغنم وكل هذا يفسر الايمان تفسيرا يزيل الاشكال وانه كما يدخل فيه العقائد القلبية فتدخل فيه الاعمال البدنية فكل ما يقرب الى الله من قول وعمل واعتقاد فانه من الايمان وفي سنن ابي داوود عن ابي امامة انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان فالحب والبغض في القلب والباطن والعطاء والمنع في الظاهر واشترط فيها كلها الاخلاص الذي هو روح الايمان ولبه وسره فالحب في الله ان يحب الله ويحب ما يحبه من الاعمال والاوقات والازمان والاحوال ويحب من يحبه من انبيائه واتباعهم والبغض في الله ان يبغض كل ما ابغضه الله من كفر وفسوق وعصيان ويبغض من يتصف بها او يدعو اليها والعطاء يشمل عطاء العبد من نفسه كلما امر به مثل قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وهذا يشمل جميع ما امر به العبد لا يختص بالعطاء المالي بل هو جزء من العطاء وكذلك مقابله المنع وبهذه الامور الاربعة يتم للعبد ايمانه ودينه وكذلك ما رواه الترمذي والنسائي من حديث ابي هريرة مرفوعا المؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم يدل على ان الايمان الصحيح يحمل صاحبه على رعاية الامانة وينهاه عن الخيانة حتى يطمئن اليه الناس ويأمنوه على انفس الاشياء عندهم. وهي الدماء والاموال وهذه النصوص كلها تبين معنى الايمان وحقيقته وانه كما قال الحسن وغيره ليس الايمان بالتمني والتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الاعمال فالاعمال الظاهرة والباطنة تصدق الايمان وبها يتحقق كما قال تعالى ومن يؤمن بالله يهدي قلبه فالعبد اذا اصابته المصيبة فامن انها من عند الله وان الله حكيم رحيم في تقديرها وانه اعلم بمصالح عبده هدى الله قلبه هداية خاصة للرضا والصبر والتسليم والطمأنينة كما قال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم فحذف المتعلق ليشمل هدايتهم لكل خير وهدايتهم لترك كل شر وذلك بسبب ايمانهم فالاعمال من الايمان من جهة ومن ثمرات الايمان ولوازمه من جهة اخرى والله الموفق وقال تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم كثير من المفسرين فسروا الايمان هنا بالصلاة الى القبلة التي كانوا عليها بيت المقدس قبل النسخ حيث مات اناس من المسلمين قبل ان تنقل القبلة الى الكعبة فحصل عند بعضهم اشتباه في شأنهم فانزل الله هذه الاية وذلك ان صلاتهم الى بيت المقدس في ذلك الوقت التزام منهم لطاعة الله ورسوله وذلك هو الايمان وهذه الاية فيها بشارة كبرى وهي ان الله لا يضيع ايمان المؤمنين قل ذلك الايمان او كثر كما ورد في الصحيح ان الله يخرج من النار من في قلبه ادنى مثقال حبة خردل من ايمان وبشارة لكل من عمل عملا قصده طاعة الله ورسوله وهو متأول او مخطئ او نسخ ذلك العمل فانه انما عمل ذلك العمل ايمانا بالله وقصدا لطاعته ولكنه تأول تأويلا اخطأ فيه او اخطأ بلا تأويل فخطأه معفو عنه واجر القصد والتوجه الى الله والى طاعته لا يضيعه الله ولهذا قال الله عن المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال الله على لسان نبيه قد فعلت وفي الحديث الصحيح اذا اجتهد الحاكم فحكم فاصاب فله اجران واذا اجتهد فاخطأ فله اجر واحد وخطؤه مغفور له وكذلك من نوى عملا صالحا وحرص على فعله ومنعه مانع من مرض او سفر او عجز او غيرها كتب له ما نواه من ذلك العمل كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث ابي موسى مرفوعا من مرض او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ويدخل في ذلك من اقعده الكبر عن عمله المعتاد فص النار اذا ثبت بدلالة الكتاب والسنة معنى الايمان وانه اسم جامع لشرائع الاسلام واصول الايمان وحقائق الاحسان وتوابع ذلك من امور الدين بل هو اسم للدين كله علم انه يزيد وينقص ويقوى ويضعف وهذه المسألة لا تقبل الاشتباه بوجه من الوجوه لا شرعا ولا حسا ولا واقعا وذلك ان نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادته ونقصانه مثل قوله تعالى ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ويزداد الذين امنوا ايمانا الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون وغيرها من الايات وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الايمان فان الناس في علوم الايمان وفي معارفه وفي اخلاقه واعماله الظاهرة والباطنة متفاوتون تفاوتا عظيما في القوة والكثرة ووجود الاثار ووجود الموانع وغير ذلك فالمؤمنون الكمل عندهم من تفاصيل علوم الايمان ومعارفه واعماله ما لا نسبة اليه من علوم عموم كثير من المؤمنين واعمالهم واخلاقهم فعند كثير منهم علوم ضعيفة مجملة واعمال قليلة ضعيفة وعند كثير منهم من المعارضات والشبهات والشهوات ما يضعف الايمان وينقصه درجات كثيرة بل تجد المؤمنين يتفاوتون تفاوتا كثيرا في نفس العلم الذي عرفوه من علوم الايمان احدهما علمه فيه قوي صحيح لا ريب فيه ولا شبهة والاخر علمه فيه ضعيف وعنده معارضات كثيرة تضعفه ايضا وكذلك اخلاق الايمان يتفاوتون فيها تفاوتا كثيرا صفات الحلم والصبر والخلق وغيرها وكذلك في العبادات الظاهرة فالصلاة يصلي اثنان صلاة واحدة واحدهما يؤدي حقوقها الظاهرة والباطنة ويعبد الله كانه يراه فان لم يكن يراه فانه يراه والاخر يصليها بظاهره وباطنه مشغول بغيرها وكذلك بقية العبادات ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب مرتبة السابقين ومرتبة المقتصدين ومرتبة الظالمين وكل واحدة من هذه المراتب ايضا اهلها متفاوتون تفاوتا كثيرا والعبد المؤمن في نفسه له احوال واوقات تكون اعماله كثيرة قوية واحيانا بالعكس وكل هذا من زيادة الايمان ونقصه ومن قوته وضعفه وكان خيار الامة والمعتنون بالايمان منهم يتعاهدون ايمانهم كل وقت ويجتهدون في زيادته وتقويته وفي دفع المعارضات المنقصة له ويجتهدون في ذلك ويسألون الله ان يثبت ايمانهم ويزيدهم منه من علومه واعماله واحواله فنسأل الله ان يزيدنا علما ويقينا وطمأنينة به وبذكره وايمانا صادقا وخيار الخلق ايضا يطلبون ويتنافسون في الوصول الى عين اليقين بعد علم اليقين والى حق اليقين كما قال الله عن ابراهيم عليه السلام واذ قال ابراهيم ربي ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصروهن اليك ثم اجعل ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم وقال تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين والحواريون خواص اتباع المسيح ابن مريم حين طلبوا نزول المائدة ووعظهم عيسى عن هذا الطلب قالوا نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من شاهدين فذكروا حاجتهم الدنيوية وحاجتهم العلمية الايمانية الى ذلك