المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في الصيام وتوابعه. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون الى قوله ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون يخبر تعالى بمنته على عباده المؤمنين بفرضه عليهم الصيام كما فرضه على الامم السابقة لانه من الشرائع الكبار التي هي مصلحة للخلق في كل زمان وفي هذا حث للامة ان ينافسوا الامم في المسارعة اليه وتكميله وبيان عموم مصلحته وثمراته التي لا تستغني عنها جميع الامم. ثم ذكر حكمته بقوله لعلكم تتقون فان الصيام من اكبر اسباب التقوى لان فيه امتثال امر الله واجتناب نهيه الصيام هو الطريق الاعظم للوصول الى هذه الغاية التي فيها سعادة العبد في دينه ودنياه واخرته فالصائم يتقرب الى الله بترك المشتهيات تقديما لمحبة ربه على محبة نفسه ولهذا اختصه الله من بين الاعمال حيث اضافه الى نفسه في الحديث الصحيح وهو من اعظم اصول التقوى. فان الاسلام والايمان لا يتم بدونه وفيه من حصول زيادة الايمان والتمرن على الصبر والمشقات المقربة الى رب العالمين وانه سبب لكثرة الطاعات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة وغيرها. مما يحقق التقوى وفيه من ردع النفس عن الامور المحرمة من اقوال وافعال ما هو من اصول التقوى ومنها ان في الصيام مراقبة الله بترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع ربه عليه ما ليس في غيره. ولا ريب ان هذا من اعظم عون ان على التقوى ومنها ان الصيام يضيق مجاري الشيطان فانه يجري من ابن ادم مجرى الدم. فبالصيام يضعف نفوذه وتقل معاصي العبد ومنها ان الغني اذا ذاق الم الجوع اوجب له ذلك وحمله على مواساة الفقراء المعدمين وهذا كله من خصال التقوى ولما ذكر انه فرض عليهم الصيام اخبر انها ايام معدودات اي قليلة سهلة ومن سهولتها انها في شهر معين يشترك فيه جميع المسلمين ولا ريب ان الاشتراك هذا من المهونات المسهلات ومن الطاف المولى ومعونته للصائمين ثم سهل تسهيلا اخر فقال فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر وذلك للمشقة غالبا رخص الله لهما في الفطر ولما كان لابد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام امرهما ان يقضياه في ايام اخر. اذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة وفي قوله فعدة من ايام اخر دليل على انه يقضي عدد ايام رمضان كاملا كان او ناقصا وعلى انه يجوز ان يقضي اياما قصيرة باردة عن ايام طويلة حارة كالعكس وبهذا اجبنا عن سؤال ورد علينا انه يوجد مسلمون في بعض البلاد التي يكون في بعض الاوقات ليلها نحو اربع ساعات او تنقص فيوافق ذلك رمضان. فهل لهم رخصة في الاطعام اذا كانوا يعجزون عن تتميمها فاجبنا ان العاجز منهم في هذا الوقت يؤخره الى وقت اخر يقصر فيه النهار ويتمكن فيه من الصيام كما امر الله بذلك المريض بل هذا اولى وان الذي يقدر على الصيام في هذه الايام الطوال يلزمه ولا يحل له تأخيره اذا كان صحيحا مقيما هذا حاصل الجواب وقوله وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قيل هذا في اول الامر وفي ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام وكان ابتداء فرضه حتما فيه مشقة عليهم درجهم الرب الحكيم باسهل ما يكون وخير المطيق للصوم بين ان يصوم وهو الافضل الاكمل او يطعم ويجزيه ثم لما تمرنوا على الصيام كان ضروريا على المطيقين فرضه عليهم حتما وقيل ان قوله وعلى الذين يطيقونه ان يتكلفون الصيام ويشق عليهم مشقة لا تحتمل. كالكبير والمريض الميؤوس من برئه ففدية طعام مسكين عن كل يوم يفطره وقوله شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اي صوم المفروض عليكم هو شهر رمضان الشهر العظيم الذي قد حصل لكم من الله فيه الفضل العظيم. وهو انزال القرآن الذي فيه هدايتكم لجميع مصالحكم النية والدنيوية فيه بيان الحق وتوضيحه. الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال. واهل السعادة من اهل الشقاوة فحقيق بشهر هذا فضله وهذا احسان الله العظيم فيه عليكم ان يكون معظما محترما موسما للعباد مفروضا فيه الصيام فلما قرر فرضيته وبين حكمته في ذلك وفي تخصيصه قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ايها من حضر الشهر وهو قادر تحتم عليه صيامه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر. عاد ذلك تأكيدا له ولان لا يظن انه ايضا منسوخ مع ما نسخ من التخيير للقادر يريد الله بكم اليسر ان يريدوا الله ان ييسر ويسهل عليكم الطرق الموصلة الى رضوانه اعظم تيسير ليسهل سلوكها ويعين عليها بكل وسيلة ليرغب فيها العباد وهذا اصل عظيم من اصول الشريعة بل الشريعة كلها تدور على هذا الاصل فان جميع الاوامر لا تشق على المكلفين واذا حصل بعض المشاق والعجز خفف الشارع من الواجبات بحسب ما يناسب ذلك فيدخل في هذا جميع التخفيفات في جواز الفطر وتخفيفات السفر والاعذار لترك الجمعة والجماعة وقوله ولتكملوا العدة وذلك لان لا يتوهم متوهم ان صيام رمضان يحصل المقصود ببعضه دفع هذا الوهم بقوله ولتكملوا العدة وامر بشكره على اتمامه لان من اكبر منن الله على عبده توفيقه لاتمامه وتكميله تبيين احكامه للعبيد ولتكبروا الله على ما هداكم هداية التعليم وهداية التوفيق والارشاد واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان. فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون هذا سؤال وجواب اي اذا سألك العباد عن ربهم وباي طريق يدركون منه مطالبهم فاجبهم بهذا الجواب الذي يأخذ بمجامع القلوب ويوجب ان يعلق العبد بربه بكل مطلوب ديني ودنيوي فاخبرهم ان الله قريب من الداعين. ليس على بابه حجاب ولا بواب. ولا دونه مانع في اي وقت واي حال فاذا اتى العبد بالسبب والوسيلة وهو الدعاء لله المقرون بالاستجابة له بالايمان به والانقياد لطاعته فليبشر بالاجابة في دعاء الطلب والمسألة. وبالثواب والاجر والرشد اذا دعا دعاء العبادة وكل القربات الظاهرة والباطنة تدخل في دعاء العبادة. لان المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والاثابة عليها وفي هذه الاية تنبيه على الاسباب الموجبة لاجابة الدعاء التي مدارها على الايمان بالله وتحقيقه بالانقياد له امتثالا لامره واجتنابا لنهيه وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد وتنبيه ايضا على ان موانع الاجابة ترك حقيقة الايمان وترك الانقياد. فاكل الحرام وعمل المعاصي من موانع الاجابة. وهي في الاستجابة لله وفيه تنبيه على ان الايمان بالله والاستجابة له سبب الى حصول العلم. لان الرشد هو الهدى التام علما وعملا ونظير هذا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا اي علما تفرقون به بين الحق والباطل وبين كل ما يحتاج الى تفصيله احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم. الى قوله كذلك يبين الله اياته للناس لعل انهم يتقون يعني اول ما فرض من الصيام منع المسلمين من الاكل والشرب في الليل اذا ناموا فحصلت المشقة لكثير منهم فخفف الله ذلك واباح في ليالي الصيام كلها الاكل والشرب والجماع سواء نام او لم ينم لكونهم يختانون انفسهم بترك بعض ما امروا به. لو بقي الامر على ما كان عليه اولا فتاب الله عليكم بان وسع لكم امرا لولا توسعته لكان داعيا الى الاثم والاقدام على المعاصي وعفا عنكم ما سلف من التخون فالان بعد هذه الرخصة والسعة من الله باشروهن وطئا وقبلة ولمسا. وابتغوا ما كتب الله لكم. اي اقصدوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب الى الله بذلك اقصد ايضا حصول الذرية واعفاف الفرج وحصول جميع مقاصد النكاح وبتغوا ايضا ليلة القدر فاياكم ان تشتغلوا بهذه اللذة وتوابعها وتضيعوا ليلة القدر وهي مما كتبه الله لهذه الامة. وفيها من الخير العظيم ما يعد تفويته من اعظم الخسران فاللذة مدركة وليلة القدر اذا فاتت لم تدرك ولم يعوض عنها شيء فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر هذا غاية جواز الاكل والشرب والجماع في ليالي رمضان وفيه ان هذه الثلاثة اذا وقعت وصاحبها شاك في طلوع الفجر فلا حرج عليه ودليل على استحباب السحور وانه يستحب تأخيره اخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد ودليل على انه يجوز ان يدركه الفجر وهو جنب من الجماع. قبل ان يغتسل. لان من لازم اباحة الجماع الى طلوع الفجر ان يدركه الفجر وهو جنب ولازم الحق حق. ثم اذا طلع الفجر اتم الصيام اي امسكوا عن المفطرات الى الليل. وهو غروب الشمس ولما كانت اباحة الوطء في ليالي الصيام ليست اباحة عامة لكل احد استثنى تعالى المعتكف بقوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد ايوة انتم متصفون بذلك ودلت الاية على مشروعية الاعتكاف وهو لزوم المساجد لطاعة الله وان الاعتكاف لا يصح الا بمسجد ويستفاد من تعريف المساجد بالألف واللام انها المساجد التي يعرفها المسلمون وانها التي تقام فيها الصلوات الخمس وفيه ان الوطء من مفسدات الاعتكاف وتلك المذكورات وهي تحريم الاكل والشرب والجماع ونحوها من مفطرات الصيام وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات التي حدها لعباده ونهاهم عنها فلا تقربوها اي لا تفعلوها ولا تحوموا حولها ولا تفعلوا وسائلها والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد عنها بترك كل وسيلة تدعو اليها واما الاوامر فيقول الله فيها تلك حدود الله فلا تقربوها. كما ينهى عن مجاوزتها فلا تعتدوها. كذلك البيان السابق والتوضيح التام من الله لعباده. كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون فان العلم الصحيح سبب للتقوى. لانهم اذا بان لهم الحق اتبعوه واذا بان لهم الباطل اجتنبوه ومن علم الحق فتركه والباطل فاتبعه كان اعظم لجرمه واشد لاثمه