المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القسم الاول فيما يتعلق باصول الدين والحديث. المسألة الاولى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ المتفق عليه حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ان يخضعوا له محبة بطاعته وطاعة رسوله ويشمل ذلك اعتقادات القلوب التي ترجع الى الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. واليوم الاخر والقدر خيره وشره واعمال القلوب التي مرجعها الى الانابة بالقلب الى الله في الحب والخوف والرجاء. والرغبة والرهبة وتوابع ذلك من اعمال الجوارح التي بعضها اعمال بدنية قلبية كالصلاة والصيام. وبعضها مالية قلبية كالزكاة والصدقة والكفارات النفقات الواجبة والمستحبة. وبعضها مالية بدنية قلبية كالحج والعمرة والجهاد. وبعض العبادات متعلق بحقوق لله خاصة وبعضها متعلق بحقوق الخلق بر الوالدين وصلة الارحام والقيام بحقوق الجيران والاصحاب ونحوهم والى اقوال لسانية كقراءة القرآن وذكر الله والثناء عليه. والتحدث بنعمه والاشتغال بالعلوم النافعة والنصيحة لعباد الله لا ونحو ذلك مما يقرب الى الله وتحقيق جميع ذلك وتكميله وحصول تمام مقصوده وروحه هو الاخلاص التام لله في جميع هذه العبادات بان يكون الداعي لها والحامل للعبد على فعلها امتثال طاعة الله وطاعة رسوله وغايتها ومقصود صاحبها ابتغاء فضل الله ورضوانه. وبذلك يتحقق التوحيد الخالص الكامل. وينتفي الشرك كله ذلك تترتب جميع الثمرات التي رتبها الشارع على العبادات من منافع الدين والقلب والبدن والدنيا والاخرة. والله المستعان المسألة الثانية في اصول الدين الكبار سئل عن اصول الدين الكبار على وجه الايجاز والاختصار. فاجاب هذا اعظم سؤال وجوابه اجل الاجوبة. لاستدعائه الاتيان بجميع الاصول التي تبنى عليها القواعد الاسلامية والحقائق الايمانية وقبل الشروع في جوابها ليعلم السائل اني لا يمكنني ان استوفي ما تستحق. ولا بعض ما تستحق من البسط وبيان الادلة ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. فاقول على وجه الاشارة والايجاز لهذا الدين العظيم اصول كثيرة. ولكن اكبرها واعظمها هذه الاصول التي سننبه عليها. الاصل الاول التوحيد. حد التوحيد الجامع لانواعه هو اعتقاد العبد وايمانه بتفرد الرب بصفات الكمال وافراده بانواع العبادة. فدخل في هذا التعريف توحيد الربوبية الذي هو اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرزق وانواع التدبير وتوحيد الاسماء والصفات وهو اثبات جميع ما اثبته لنفسه او اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل توحيد الالهية والعبادة وهو افراده وحده باجناس العبادة وانواعها. وافرادها من غير اشراك به في شيء منها. مع اعترافي بكمال الوهيته. فدخل في توحيد الربوبية اثبات القضاء والقدر. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم كن وانه على كل شيء قدير. وانه الغني الحميد وما سواه فقير اليه من كل وجه. ودخل في توحيد الاسماء والصفات اثبات جميع معاني الاسماء الحسنى لله الواردة في الكتاب والسنة الايمان بها ثلاث درجات ايمان بالاسماء وايمان بالصفات وايمان باحكام صفاته كالعلم بانه عليم ذو علم. ويعلم كل شيء. قدير ذو قدرة ويقدر على كل شيء. الى اخر ما له من الاسماء مقدسة ودخل في ذلك اثبات علوه على خلقه. واستواؤه على عرشه ونزوله كل ليلة الى السماء الدنيا على الوجه اللائق بعظمته وجلاله. ودخل في ذلك اثبات الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها كالسمع والبصر والعلو ونحوها. والصفات الفعلية هي كل صفة تعلقت بمشيئته وقدرته كالكلام والخلق والرزق والرحمة والاستواء على العرش والنزول الى السماء الدنيا كما يشاء. وان جميعها ثابتة من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف وانها كلها قائمة بذاته وهو موصوف بها وانه تعالى لم يزل ولا يزال يفعل ويتكلم وانه فعال لما يريد. يتكلم بما شاء اذا شاء كيف يشاء. لم يزل بالكلام موصوفا وبالرحمة معروفا ودخل في ذلك الايمان بان القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. منه بدأ واليه يعود وانه المتكلم به حقا لفظه ومعانيه وان كلامه لا ينفد ولا يبيد ودخل في ذلك الايمان بانه قريب مجيب. وانه مع ذلك علي اعلى. وانه لا منافاة بين كمال قربه وكمال علوه. لان انه ليس كمثله شيء في جميع نعوته. ولا يتم توحيد الاسماء والصفات. حتى يعترف ويؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة. من الاسماء والصفات والافعال واحكامها على وجه يليق بعظمة الباري ويعلم انه كما لا يماثله احد في ذاته فلا يماثله احد في صفاته. ومن ظن ان في بعض العقليات ما يوجب تأويل الى بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالا مبينا ولا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد ان جميع افعال العباد مخلوقة لله تعالى وان مشيئتهم تابعة لمشيئة الله. وان لهم قدرة وارادة تقع بها افعالهم وهي متعلق المدح والذم والامر والنهي والثواب والعقاب. وانه لا يتنافى الامران. اثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والافعال والصفات واثبات قدرة العبد على افعاله واقواله. ولا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله في جميع اراداته واقواله وافعاله. وحتى يدع الشرك الاكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة. وهو ان تصرف نوعا من انواع العبادة لغير الله تعالى وتحقيق هذا التوحيد وتمامه ان يدع الشرك الاصغر وهو كل وسيلة يتوسل بها الى الشرك الاكبر كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك والناس في التوحيد درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله والقيام بعبوديته الظاهرة والباطنة. فاكملهم من عرف تفاصيل اسماء الله وصفاته وافعاله والائه وما اخبر به عن مخلوقاته وعن اليوم الاخر والجزاء الثابتة في الكتاب والسنة وفهم معانيها فهما صحيحا فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه واجلاله ومحبته والانابة اليه وانجذاب جميع دواعي قلبه الى الله. متوجها اليه وحده لا شريك له. ووقعت جميع حركاته وسكناته خالصة لله تعالى لا يشوبها شيء من الاغراض الاخر فاطمئن الى الله معرفة وانابة وفعلا وتركا. وكمل نفسه بالاخلاص والمتابعة. وكمل غيره بالدعوة الى هذا الاصل. ولا يتم له هذا التوحيد حتى يوالي اهل الايمان والتوحيد. ويتبرأ من الشرك والمشركين. ويوالي لله ويعادي لله وتصير محبته تابعة لمحبة الله. فنسأل الله ان يتفضل علينا بذلك بمنه وكرمه الاصل الثاني الايمان بنبوة جميع الانبياء عموما وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا وهذا الاصل مبناه على ان يعترف ويعتقد بان جميع الانبياء قد اختصهم الله بوحيه وارساله وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه. وان الله ايدهم بالبراهين الدالة على صدقهم. وصحة ما جاءوا به وانهم اكمل الخلق علما وعملا واصدقهم وابرهم واكملهم اخلاقا واعمالا. وان الله خصهم بخصائص وفضلهم بفضائل لا يلحقهم فيها احد وان الله برأهم من كل خلق رذيل. وانهم معصومون من كل ما يبلغونه عن الله. وانه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم الا الحق والصواب وانه يجب الايمان بهم وبكل ما اوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم. وان هذه الامور ثابتة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على اكمل الوجوه. وانه يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملة وتفصيلا. بحسب الاستطاعة والايمان بذلك والتزامه والتزام طاعته في كل شيء بتصديق خبره وامتثال امره واجتناب نهيه ومن ذلك انه خاتم النبيين. قد نسخت شريعته جميع الشرائع. وان نبوته وشريعته باقية الى قيام الساعة. فلن بعده ولا شريعة غير شريعته في اصول الدين وفروعه ويدخل في الايمان بالرسل الايمان بالكتب. فالايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الايمان بكل ما جاء به من الكتاب سنة الفاظها ومعانيها فلا يتم الايمان الا بذلك. وكل من كان اعظم علما بذلك وتصديقا واعترافا وعملا. كان اكمل ايمانا. والايمان بالملائكة مع القدر داخل في هذا الاصل العظيم. ومن تمام الايمان به ان يعلم ان ما جاء به حق لا يمكن ان يقوم دليل عقلي او حسي على خلافه كما لا يقوم دليل نقلي على خلافه. فالامور العقلية او الحسية تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتة لها. حافة على فعلها وعملها. وغير النافع من المذكورات ليس فيها ما ينفي ودها وان كان الدليل الشرعي ينهى ويذم الامور الضارة منها ويدخل في الايمان بالرسل الاصل الثالث الايمان باليوم الاخر فكل ما جاء به الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت فانه من الايمان باليوم الاخر كاحوال البرزخ واحوال يوم القيامة وما فيها من الحساب والثواب والعقاب والشفاعة والميزان والصحف المأخوذة باليمين والشمال واحوال الجنة والنار وصفات اهلها وانواع ما اعده الله فيها لاهلها اجمالا وتفصيلا. وكل ذلك داخل في الايمان باليوم الاخر الاصل الرابع مسألة الايمان وذلك ان اهل السنة والجماعة يعتقدون ما جاء به الكتاب والسنة من ان الايمان تصديق القلب المتضمن لاعمال الجواد فيقولون الايمان اعتقادات القلوب واعمالها واعمال الجوارح واقوال اللسان. وانها كلها من الايمان. وان من اكملها ظاهرة وباطنة فقد اكمل الايمان ومن انتقص شيئا منها فقد نقص ايمانه. وهذه الامور بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله نهى اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان ويرتبون على هذا الاصل ان الناس في الايمان درجات مقربون واصحاب يمين وظالمون. لانهم بحسب مقاماتهم في الدين والايمان. وانه يزيد وينقص فمن فعل محرمة او ترك واجبا نقص ايمانه الواجب ما لم يتب الى الله. ويرتبون على هذا الاصل ان الناس ثلاثة اقسام منهم من قام بهذه وبحقوق الايمان كلها فهو المؤمن حقا. ومنهم من تركها كلها فهذا كافر بالله ومنهم من فيه ايمان وكفر وايمان ونفاق وخير وشر. ففيه من ولاية الله واستحقاقه لكرامته بحسب ما معه من الايمان وفيه من عداوة الله واستحقاقه لعقوبة الله بحسب ما ضيعه من الايمان ويرتبون على هذا الاصل ان كبائر الذنوب وصغارها لا تصل بصاحبها الى الكفر ولكنها تنقص الايمان من غير ان تخرجه من دائرة الاسلام. ولا يخلد صاحبها في النار ولا يطلقون عليه اسم الكفر كما تقوله الخوارج او ينفون عنه الايمان كما تقوله المعتزلة. بل يقولون هو مؤمن بايمانه فاسق بكبيرته فمعه مطلق الايمان. اما الايمان المطلق فينفى عنه وهذه الاصول اذا عرفت على وجهها يحصل بها الايمان بجميع نصوص الكتاب والسنة. ويترتب على هذا الاصل ان الاسلام يجب ما قبله. وان التوبة تجب ما قبلها. وان من ارتد ومات على ذلك حبط عمله. ومن تاب تاب الله عليه ويرتبون ايضا على هذا الاصل صحة الاستثناء في الايمان. فيصح ان يقول انا مؤمن ان شاء الله لانه يرجو من الله تكميم الى ايمانه فيستثني لذلك ويرجو الثبات على ذلك الى الممات فيستثني من غير شك منه بحصول اصل الايمان ويرتبون ايضا على هذا الاصل ان الحب والبغض اصله ومقداره تابع للايمان وجودا وعدم وتكميلا ونقصا ثم يتبع ذلك الولاية والعداوة. ولهذا كان من الايمان الحب في الله والبغض في الله. والولاية لله والعداوة لله ولا يتم الايمان الا بان يحب لاخيه ما يحب لنفسه. ويترتب على ذلك ايضا محبة اجتماع المؤمنين. والحث على الف والتحابب وعدم التقاطع. ويبرأ اهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض. ويرون هذه القاعدة من اهم قواعد الايمان ولا يرون الاختلاف في المسائل التي لا توصل الى بدعة او كفر موجبة للتفرق ويترتب على الايمان محبة اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب مراتبهم. وان لهم من السوابق والفضل والمناقب ففضلوا به على سائر الامة ويدينون بحبهم ونشر فضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم ويعتقدون انهم اولى الامة بكل خصلة حميدة واسبقهم الى كل خير وابعدهم من كل شر. ويعتقدون ان الامة لا تستغني عن امام يقيم لها دينها ودنياها. ويدفع عنها عادية المعتدين ولا تتم امامته الا بطاعته في غير معصية الله. ويرون انه لا يتم الايمان الا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان والقلب على حسب القدرة والاستطاعة وبالجملة فيرون القيام بكل اصول الشريعة على وجهي الشرعي. الاصل الخامس طريق اهل السنة والجماعة في العلم والعمل وذلك ان اهل السنة والجماعة يعتقدون ويعلمون انه لا طريق الى الله والى كرامته الا بالعلم النافع والعمل الصالح. والعلم النافع هو ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة فيجتهدون في معرفة معانيها والتفقه فيها اصولا وفروعا. ويسلكون جميعا الطرق المعينة على ذلك دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام. ويبذلون قواهم في ادراك ذلك بحسب ما اتاهم الله ويعتقدون ان هذه هي العلوم النافعة هي وما تفرع عليها من اقيسة صحيحة ومناسبات حكمية وكل علم اعان ذلك وازره فهو علم شرعي. كما ان كل علم ضاده او ناقضه فهو باطل فهذا طريقهم في العلم. واما طريقهم في العمل فانهم يتقربون الى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام والايمان الذي لا ريب فيه بعقائد الدين التي هي اصل العبادات واساسها ثم يتقربون اليه بعد ذلك باداء فرائضه المتعلقة بحق الله وحقوق خلقه. مع الاكثار من نوافل والسعي بالاحسان الى الخلق بكل طريق. وبترك المحرمات والمنهيات تعبدا لله تعالى. ويعلمون ان الله لا يقبل الا كل عمل خالص لوجهه الكريم مسلوك فيه طريق النبي الكريم ويستعينون بالله في هذه الطرق النافعة التي هي العلم النافع. والعمل الصالح الموصل الى كل خير وفلاح وسعادة عاجلة واجلة فهذه الاصول العظيمة هي اصل الاصول. احتوى عليها هذا الجواب على وجه الايجاز. والاتيان بالنكت الحسان منها. ولو فصلت وبسطت وذكرت ادلتها لاحتاجت الى شرح كثير وكتاب كبير. والله اعلم. وصلى الله على محمد واله وسلم سؤال مهم اذا كانت حقيقة العبادة ولبها مبنية على غاية الحب مع غاية الذل وقد يوجد من المخلوق للمخلوق حب وذل. او يوجد احدهما فما الفرق بين ما تعلق بالمخلوق ولم يبلغ رتبة العبادة وبين حقيقة العبادة المبنية على الاصلين المذكورين؟ الجواب وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب. اعلم ان هذا سؤال عظيم. له شأن عظيم. ولا يعرف سر وحقيقتها بل لا يعرف التوحيد كله الا بمعرفة الفرق بين الحب والذل الذي هو عبادة. وبين الحب والذل الذي ليس بعبادة. ومعرفة الفرق بين الامرين هو اعظم فرقان يفرق به بين الامور المتباينة والالفاظ المتشابهة والمعاني التي بينها من الفرق اعظم مما بين السماء والارض وبيان ذلك ان الحب والذل لله تعالى هو عبادته. وكل قول وفعل واعتقاد اشتمل عليه الدين. فالتعبد به لله تعالى مقرون بحب الله تعالى والذل له. الذي حقيقته الانقياد لشرعه تصديقا لاخباره. وتقربا الى الله تعالى بذلك التصديق المشتمل على العلم والمعرفة النافع للقلوب الموصل لها الى اجل غاية واعظم مطلوب. وامتثالا لامره واجتنابا لنهيه تقربا الى الله. وطلب بل لمرضاته ونيل ثوابه العاجل والاجل بفعل المأمور واجتناب المحظور. فطلب التقرب الى الله في ذلك هو حقيقة الحب بل هو ثمرة الحب. لان العابد لله لما احب ربه طلب السعي بكل ما يقربه اليه ويدنيه منه. فذلك السعي والعمل هو الانقياد الذي هو ثمرة الذل والتعظيم للرب. بل القوة المعنوية التي عزم عليها المؤمن وهي التزامه العام لطاعة الله ورسوله بتصديق الخبر وطاعة الامر. هي حقيقة الحب والذل. حيث قال المؤمنون سمعنا واطعنا. فكل اقاموا به من الدين وما عزموا عليه والتزموه منه فانه من اثار الحب والذل فهذه اثار العبودية وثمرتها القيام بالدين كله علما وعزما وعملا ونية. ولابد ان يكون هذا الحب والذل. ماشي من معرفة باسماء الله وصفاته. وان له كمال الاسماء وعظيم الصفات التي هي جميع صفات الكمال ونهاية الجلال والجمال. وهي صفات الالهية ونعوتها. فالله هو المألوه ذلا وحبا ذلك لما له من هذا الكمال الذي يختص به فلا يشاركه في ذلك مشارك. فجميع محامده التي ذكرها في كتبه طقت بها رسله هي صفات الوهيته التي الهه المحبوبون المتذللون لاجلها. وعبدوه بسببها فعرفوا ما له من العظمة والكبرياء والمجد والجلال. فخضعوا وذلوا وما له من الجمال والكرم والرحمة والجود والاحسان امتلأت قلوبهم من محبته وفاضت السنتهم بالثناء عليه وانقادت جوارحهم طلبا لقربه ورضاه وثوابه وعرفوا ما له من العدل والحكم ووضع الاشياء في مواضعها وايقاع العقوبات المتنوعة بانواع المخالفين. فخافوا ورهبوا وحذروا من معاصيه وحيث وقعت منهم على وجه الغلبة بادروا بالتوبة والخروج من تبعتها وعرفوا ما له من الفضل العظيم والرحمة السابغة وانواع الالطاف فاشتاقوا الى كرمه. وسعوا لتحصيل ثوابه وجوده. وهانت عليهم المشقات اما عرفوا انها تفضي بهم الى اجل الكرامات وافضل الثواب وعرفوا مع ذلك انه لا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو. وان جميع النعم الظاهرة والباطنة كلها منه وان كل شر وعقوبة اندفعت عنهم فبدفعه وحفظه وانه الرب على الحقيقة كما انهم هم العبيد المماليك على الحقيقة ليس لهم من انفسهم ايجاد ولا امداد ولا اعداد فهم الفقراء اليه في جميع امورهم في خلقهم وخلق جوارحهم الظاهرة باطنة وفي رزقهم وتدبيرهم وانهم مماليك محض ليس لهم شيء ولا منهم شيء. بل كل ما حصل لهم من منافع او ودفع مضار فمن الله. فلما عرفوا ربهم وعرفوا انفسهم ذلوا وخضعوا لله واشتاقوا الى كل ما يقربهم منه وما يسترحمون به الههم ومعبودهم في حوائجهم مضطرين اليها في جميع اللحظات فتبين وظهر ان الحب والذل الذي هو عبودية لله وتأله له لا يشابهه غيره. ولا يلتبس بسواه واسبابه وموجباته فانه حب وذل اقترن بالقيام بالدين بحسب حال صاحبه واقترن بمعرفة الله وماله من النعوت العظيمة التي اختص بها وتوحد بها واقترن بمعرفة العبد بنفسه وانه عبد مملوك مضطر غاية الضرورة الى عبودية ربه والى الى تألهه لشدة ضرورته وتوقف سعادته على ذلك. ولكونه مستحقا عليه لازما له من حيث انه عبد مملوك مأمور منهي فكما ان المعبود المألوه ليس كمثله شيء في جميع اوصافه وكماله. فالعبادة المتعلقة به لا يشبهها شيء ولهذا كلما قويت هذه الامور في العبد كان اكمل لتوحيده وابلغ في عبوديته لله. فتمام التوحيد بتمام الاخلاص اصل الله في الاعتقاد والقول والعمل. وبتمام معرفته لله تعالى اجمالا وتفصيلا. وتأصيلا وتفريعا. وكلما ضعفت منه هذه الامور ضعف توحيده. ولهذا كان الشرك في الربوبية والشرك في الالهية والشرك في العبودية. والشرك في اسماء الله وصفاته وافعاله منافيا كل المنافاة للعبودية التي هي غاية الحب مع غاية الذل لان من زعم ان لله شريكا في ربوبيته وتدبيره او له سمي او مثيل في صفات كماله. فقد اشرك بربوبية الله وساوى غير الله بالله. بل ساوى المخلوق بالخالق والمعبد المدبر بالرب المدبر. ونفى خصائص الوهية الله تعالى التي حقيقتها تفرده بجميع الكمال ومن اشرك في عبوديته واخلاصه بان صرف نوعا من عبوديته لغير الله تعالى فقد نقض توحيده وافسد دينه الذي هو الاخلاص المحض. الا لله الدين الخالص فاي حب واي ذل يشتبه بهذا او يقاربه الا حب وذل هو عبودية لغير الله وشرك به وهي المحبة الشركية الصادرة من المشركين التي مضمونها تسوية الهتهم برب العالمين في الذل والتعظيم والحب. ولهذا يقولون في وسط جهنم معترفين بشركهم نادمين اشد الندم شاهدين بغاية ضلالهم. تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين ومع ان هذا شرك في توحيد بهم فانهم لا يساوون المؤمنين في حبهم وتعظيمهم. قال الله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله اه والذين امنوا اشد حبا لله فظهر ببيان حقيقة العبودية الفرق العظيم بين حب العبادة وتعظيمها. والحب الطبيعي تابع لبعض مراد النفس والشهوات المتباينة التي تبقى ببقاء ذلك المراد وتزول بزواله واما الذل الطبيعي فهو ناشئ عن خوف من عقوبة مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة وقد يجتمع الامران في تعلقهما بالمخلوق فيحب غيره ويعظمه ويذل له لما يرى له عليه من حق ابوة او احسان او نحوهما. وذلك الحب والذل تابع لذلك الحق. الذي فعلهما لاجله مع علمه ان المعظم المحبوب مخلوق مثله ناقص مثله فقير مثله في جميع احواله وانه لا يملك له نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا واما حبه لاولياء الله واصفيائه فهو حب تابع لحبه لله لانه لما رأى محبة محبوبه لهم بما قاموا به من مراضيه احبهم لله. ولهذا تقوى هذه المحبة بسبب قوة العبودية والتوحيد. فنسألك اللهم حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغنا الى حبك. ونعوذ بوجهك الكريم ان تلك مخلوقا في الحب معك. وان نساويه فيك في شيء من الامور التي اختصت بها. وانفردت باستحقاقها. ونسألك اللهم ان تجعل جميع ما احببناه من قوة وصحة وعافية. واهل ومال وولد واصحاب وغيرهم. معينا لنا على ومقويا على طاعتك. وان ترزقنا من الاخلاص الكامل ما يأتي على ذلك اجمع. بان تجعل نياتنا وسعينا في عبادات وعاداتنا طريقا لنا الى الوصول اليك وان تعيذنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا انك جواد كريم. المسألة الثالثة في بيان كون الله لا اصبر منه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا احد اصبر من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم. الكمال المطلق التام من جميع الوجوه ثابت لله تعالى نقلا وعقلا في الاسماء والصفات والنعوت ومن انواع الكمال الصبر وهذا الصبر الذي ذكره الرسول عن الله لا مثيل له من الصبر. فهو صبر من كامل القوة عظيم القدرة والبطش بمقابلة غاية الاساءة والاذية من الخلق. الذين نواصيهم بيد الله. وليس لهم خروج عن قدرته. واقواتهم وارزاق وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله ليس لشيء منها حصول الا من جوده وخزائنه ومع ذلك فهو يعافيهم ويرزقهم ولا يقطع عنهم بره في جميع اللحظات ومع ذلك يفتح لهم ابواب التوبة ويسهل لهم طرقها ويدعوهم اليها ويخبرهم انهم اذا تابوا محى عنهم الخطايا العظيمة وادر عليهم النعم الجسيمة فسبحان الصبور المسألة الرابعة بوجه كون الحب في الله والبغض في الله مستكملا للايمان قوله صلى الله عليه وسلم من احب في الله وابغض في الله واعطى في الله ومنع في الله فقد استكمل الايمان وجه ذلك والله اعلم ان الايمان الشرعي تدخل فيه اعمال القلوب التي اصلها حب الله والانابة اليه تكميل ذلك انه يحب من يحبه الله وما يحبه الله من الاشخاص والاعمال والازمنة والامكنة والاحوال فيدخل فيه اعمال الجوارح التي هي فعل وترك. وتحقيق ذلك ان يكون كذلك اعطاؤه المالي الذي جرت عادة اكثر الناس ان يكون مبذولا في مرادات النفوس واهويتها وشهواتها. فهذا المستكمل للايمان قد جعل عطاءه ومنعه لمراد الله ومحبته واذا كان هذا حاله في البذل والمنع المالي. فالبدني من باب اولى واحرى وحالة هذا هي حالة المخلص لله من كل وجه المسألة الخامسة في حكم التوسل التوسل يطلق على التوسل الى الله بما جعله وسيلة اليه في مثل قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا واليه الوسيلة وذلك يشمل التقرب الى الله بالواجبات والمستحبات. وكذلك التقرب اليه بترك المحرمات والمكروهات فهذا توسل اليه بعبادته التي خلق الخلق لاجلها. من هذا التوسل اليه في دعاء المسألة باسمائه وصفاته توسل اليه بمنته ونعمه التوسل اليه بالايمان به وبرسله وكتبه وبمنته عليه في توفيقه لعمل صالح او حصول نعمة او دفع نقمة وبالايمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته واتباعه وبالصلاة والسلام عليه فهذه الوسيلة لا يتم الايمان الا بها النوع الثاني التوسل الى الله بذوات المخلوقين وجاههم. فهذا الصواب انه لا يحل. لانه لا يتقرب الى الله الا الا بما شرع وهذا ليس بمشروع. وايضا فذوات المخلوقين وان كان لهم عند الله مقام وقدر وجاه هذا ليس لغيرهم وليس التوسل بهم سببا لشفاعتهم لمتوسل عند الله ولم يجعله الله من الامور المقربة اليه وليس ذلك توسلا بما من الله به على المتوسل. فتعين انه لا يجوز. النوع الثالث ما يسميه المشركون توسلا. وهو التقرب الى المخلوقين بالدعاء والخوف والرجاء والطمع ونحو ذلك هذا وان سموه توسلا فهو توسل الى الشيطان لا الى الرحمن. وهو الشرك الاكبر الذي لا يغفر لصاحبه ان لم يتب والله اعلم المسألة السادسة الايمان بالقدر يتفق مع الاسباب. مباشرة الاسباب والاجتهاد في الاعمال النافعة تحقق للعبد امام الايمان بالقضاء والقدر. فان الله قدر المقادير باسبابها وطرقها. وتلك الاسباب والطرق هي محل حكمة الله فان الحكمة وضع الاشياء مواضعها وتنزيل الامور منازلها اللائقة. فقضاء الله وقدره وحكمته متفقات كل واحد منها يمد الاخر ولا يناقضه. فقد اشار النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل وقيل له يا رسول الله رأيت رقى نسترقيها وادوية نتداوى بها وتقات نتقيها. هل ترد من قضاء الله وقدره فقال هي من قضائه وقدره فهذه الاسباب حسية ومعنوية روحانية وحمية عما يضر. وهي في مقدمة الاسباب. واخبر صلى الله عليه وسلم انها من قضاء الله وقدره. فمن زعم انه مؤمن بالقدر فقد ترك الاسباب النافعة الدينية والدنيوية. التي عليها نظام القدر فهو غالط فان المؤمن بالقدر يجري على احكامه. ويعمل على سنته ونظامه. ويتبع النافع في احكامه وابرامه. والله المعين الموفق وتوضيح ذلك ان اقدار الله كلها تابعة لحمده وحكمته. فكما ان افعاله تعالى كلها محكمة في غاية الاحكام والانتظام ما ترى في خلق الرحمن من خلل ولا نقص ولا فطور ولا اختلال ولا في شرعه عبثا وسفها ومنافاة للحكمة والمصلحة والاحسان. فكذلك افعال المكلفين دينيها ودنيويها ظاهرها وباطنها كلها تجري على وفق الحكمة والغايات الحميدة وانه كلما عظم المقصود وكثرت منافعه ومصالحه لم يمكن ادراكه الا بسلوك الطرق المفضية اليه فاعظم المقاصد على الاطلاق نيل رضا الله. والفوز بثوابه. والسلامة من عقابه. وقد جعل الله له الايمان وشعبه والباطنة والقيام بعبودية الله واخلاص الدين له ولزوم الاستقامة والتقوى. جعلها الله طرقا واسبابا توصل اليه فما لم يسلك العبد هذا السبيل فمحال ان يصل الى رضوان ربه وثوابه. فاتكال الاحمق على القدر بدون جد واجتهاد قدح في القدر والشرع جميعا. وكذلك المطالب الاخر كنيل العلم وادراكه هل يمكن بغير جد واجتهاد ومواصلة الاوقات في طلبه؟ وسلوك الطرق المسهلة له. فمن قال ان قدر لي ادركت العلم اجتهدته ام لا وهو احمق كما قال بعضهم تمنيت ان تمسي فقيها مناظرا بغير عناء والجنون فنون. وليس اكتساب المال دون مشقة تلقيتها فالعلم كيف يكون كونوا هكذا من ترك الزواج وقال ان قدر لي اولاد حصلوا تزوجت او تركته. ومن رجى حصول ثمر او زرع بغير حرث وسقي وعمل متكلا على القدر فهو احمق مجنون وهكذا سائر الاشياء دقيقها وجليلها. فعلم ان القيام بالاسباب النافعة واعتقاد نفعها داخل بقضاء الله وقدره دون الاخلاء دون الاخلاد الى الكسل. والسكون مع القدرة على الحركة هو الجنون وان قول من قال جرى قلم القضاء بما يكون فسيان التحرك والسكون جنون منك ان تسعى لرزق في غشاوته الجنين هو الغلط الفاحش وان هذا القياس الذي قاسه قاس القادر على الحركة المأمورة بها على العاجز عن الحركة. قياس عجيب غريب ولو ان هذا الشاعر قاس من تعذرت عليه الحركة والاسباب من كل وجه. على هذا لكان حسنا مطابقا فان قيل قد توضح لنا ان السعي في الاسباب الموصلة الى مسبباتها مطابق للقضاء والقدر. مؤيد له. وانه يتعذر الايمان الصحيح بالقدر بدون فعل الاسباب. فما احسن طريق يسلكه العبد الجواب احسن طريق يسلكه العبد في اموره الدينية. الاجتهاد في تفهم كتاب الله وسنة رسوله. وتحقيق الاخلاص للمعبود في كل عمل وقول وعقيدة وطريقة وتحقيق متابعة الرسول واجتناب البدع الاعتقادية والبدع العملية فهذه الطريقة الدينية فيها الخير والبركة والقليل منها اعظم ثوابا. وابلغ نجاحا من الكثير من غيرها. واما الامور الدنيوية فالعبد مفتقر الى الكسب لنفسه ولمن عليه مؤنته فعليه بسبب ما يناسب حاله ويتفق مع وقته من المكاسب المباحة وخصوصا المكاسب التي لا تشغل العبد عن امور دينه. ولا تدخله في محظور. وليثابر على ذلك السبب ويكن اعتماده على مسبب الاسباب وليكثر من سؤال ربه لييسر اموره وان يختار له احسن الاحوال وليكن قنوعا برزق الله راضيا بما قسم الله اه لا يحزن على مفقود ولا يتشوش من مناقضة الاسباب لمراده. فبذلك يحصل رضا ربه وراحة قلبه ويبارك له في القليل وما توفيقي الا بالله العلي العظيم المسألة السابعة في قوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله قوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وان اصابك شيء فلا تقل. لو اني فعلت كذا وكان كذا فان له تفتح عمل الشيطان. ما اجل هذا الحديث واغزر فوائده واجمعه لخيري الدنيا والاخرة فان مجموع سعادة الدنيا والاخرة في حرص العبد على كل عمل ينفعه في دينه ودنياه. مع استعانته بالله فمتى حرص العبد على الامور النافعة واجتهد فيها وسلك اسبابها وطرقها واستعان بربه في حصولها وتكميلها كان ذلك كماله وعنوان توفيقه. ومتى فاته واحد من هذه الامور الثلاثة فاته من الخير بحسبها فلم يكن حريصا على الامور النافعة بل كان كسلان عن النافع له في امور دينه ودنياه لم يدرك شيئا فالكسل اصل الخيبة والفشل. فالكسلان لا يدرك خيرا ولا ينال مكرمه. ولا يحظى بدين ولا دنيا. وان كان حريصا لكن على غير الامور النافعة اما على امور ضارة او امور مفوتة للمنافع والكمال كان ثمرة حرصه الخيبة وتواتى الخيرات. وحصول الشرور والمضرات. فكم من حريص على سلوك طرق واحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه الا التعب والعناء والشقاء ثم اذا سلك العبد الطرق النافعة وحرص عليها واجتهد لم تتم الا بصدق اللجوء والاستعانة بالله على ادراكها وتكميلها والا يتكل على حوله وقوته بل يكون اعتماده التام بقلبه وباطنه على ربه. فبذلك تهون عليه المصاعب وتتيسر له الامور. وتحصل له الثمرات الطيبة في امر الدين وامر الدنيا لكنه في هذه الاحوال محتاج بل مضطر الى معرفة الامور النافعة التي ينبغي الحرص عليها والجد في طلبها اذا تقرر ذلك الامور النافعة في الدين ترجع الى امرين علم نافع وعمل صالح. اما العلم النافع فهو العلم المزكي للقلوب والارواح المثمرة لسعادة الدارين وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه وما يعين على ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت والموضع الذي فيه الانسان وتعيين ما يشتغل به من الكتب يختلف باختلاف الاحوال والبلدان والحالة التقريبية في نظرنا هذا ان يجتهد طالب العلم في حفظ مختصرات الفن الذي يشتغل به فان تعذر او قصر عليه حفظه لفظا فليكرره كثيرا حتى ترسخ معانيه في قلبه. ثم تكون باقي كتب الفن كالتوضيح وسيري لذلك الاصل الذي ادركه وعرفه فلو حفظ طالب العلم العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية وثلاثة الاصول وكتابة التوحيد للشيخ محمد. وفي الفقه مختصر والدليل ومختصر المقنع وفي الحديث بلوغ المرام وفي النحو الاجوا الرومية واجتهد في فهم هذه المتون وراجع عليها ما تيسر من شروحها او كتب فنها فانها كالشروح لها لان طالب العلم اذا حفظ الاصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها الصغار والكبار ومن ضيع الاصول حرم الوصول. فمن حرص على هذه العلوم النافعة واستعان بالله اعانه وبارك له في علمه وطريقه الذي سلكه. ومن سلك في طلبه للعلم غير الطريقة النافعة. فاتت عليه اوقات ولم يدرك الا العناء كما هو معروف بالمشاهدة والتجربة اما الامر الثاني وهو العمل الصالح فالعمل الصالح هو الذي جمع الاخلاص لله والمتابعة للرسول وهو التقرب الى الله بما يحب اعتقاد ما يجب لله من صفات الكمال وما يستحقه على عباده من العبودية وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وتصديقه رسوله في كل خبر اخبر به. ثم يسعى في اداء ما فرض الله على العباد من حقوقه وحقوق عباده ثمل ذلك بالنوافل والتطوعات وخصوصا المؤكدة في اوقاتها. مستعينا بالله على فعلها وتكميلها ظاهرا وباطنا ثم تقرب الى الله بترك المحرمات وخصوصا التي تدعو اليها النفوس الامارة بالسوء فيتقرب العبد الى الله بتركها كما يتقرب اليه بفعل المأمورات. فمتى وفق العبد لسلوك هذه الطريق في العمل؟ واستعان الله على ذلك افلح وانجح وكان كماله بحسب ما قام به من هذه الامور. ونقصه بحسب ما فاته منها واما الامور النافعة في الدنيا فالعبد لابد له من طلب الرزق. فينبغي ان ينظر انفع الاسباب الدنيوية اللائقة بحاله فيسلكها ويعمل بها وذلك يختلف باختلاف الناس ويقصد بطلبه وسعيه القيام بواجب نفسه وواجب عائلته. ومن يقوم بمؤنته وينوي الكفاف والاستغناء بسببه عن الخلق وكذلك ينوي القيام بالعبوديات اللائقة بالمال من زكاة وكفارة ونذر ونفقات ونحوها من كل ما يتوقف على المال. فمتى كان طلب العبد وسعيه في الدنيا لهذه المقاصد الجليلة؟ وسلك انفع يراه مناسبا لحاله وسلم من المعاملات الرديئة والغش وتوابعها كانت حركاته قربة يتقرب بها الى الله عز وجل ولا يتم ذلك الا بالتوكل على الله وحده. راجيا منه ان ييسره لايسر الامور. وانجحها واقربها تحصيلا لمراده ويسأل الله ان يبارك له في رزقه. فاول بركة الرزق. فاول بركة الرزق ان يكون مؤسسا على التقوى. والنية الصالحة ومن بركة الرزق ان يوفق العبد لوضعه في مواضعه الواجبة والمستحبة. ومن بركة الرزق والمعاملة الا ينسى العبد الفضل قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم. وذلك بالتيسير على الموسرين وانذار المعسرين. والمحاباة عند البيع والشراء بما تيسر من قليل وكثير واقالة المستقيل. والسماحة في البيع والشراء. فمن وفق لهذا ادرك خيرا كثيرا فان قيل اي المكاسب اولى وافضل؟ قيل قد اختلف العلماء فمنهم من فضل الزراعة والحراثة لما فيها من قوة التوكل وتعلق الرجاء بالله في انزال الغيث ولما فيها من النفع المتعدي ومنهم من فضل البيع والشراء لما فيه من الشرف وحسن الاعتبار وتوسع المعرفة والبركة ومنهم من فضل الصناعة لما فيها من القيام بالمنافع الكلية ولكن هذا الحديث هو الفاصل للنزاع في هذه المسألة اذ قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله والنافع من ذلك معلوم انه يختلف باختلاف الناس. فقد يكون بعض المذكورات افضل في حق شخص. ويكون الاخر افضل في حق الاخر ولكن السبب الذي يأتيك براحة وطمأنينة ويكون فيه معونة على امور دينك لا ريب انه افضل الاسباب على الاطلاق ثم انه صلى الله عليه وسلم في اخر الحديث حض على الرضا بقضاء الله وقدره بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع في الحرص على النافع فاذا اصاب العبد ما يكره فلا ينسبه الى ترك بعض الاسباب التي يظن نفعها لو فعلها بل يخلد الى قضاء الله وقدره ليزداد ايمانه يسكن قلبه فان له في هذه الحال تفتح عمل الشيطان. وهو نقص الايمان وعدم الرضا وتفتح له باب القلق والحزن من وش الاسباب وهذه الحال التي ارشد اليها صلى الله عليه وسلم هي الطريق الوحيد لراحة العبد في دنياه. كما انها خير له في دينه واخراه. فان مدار سعادة الدنيا على راحة القلب وسكونه وقناعته بما قسم الله وذلك بما دل عليه هذا الحديث من الحرص على كل امر نافع. وسيلة ومقصدا مع الاستعانة بالله وقت حصوله والرضا الله وبقدره بعد حصوله والله اعلم. المسألة الثامنة في طرق العلم واقواها. ما الطرق التي تدرك بها العلوم وما اقواها واصحها. الجواب وبالله التوفيق هذا سؤال عظيم جدا يستدعي الاجابة عن جميع الطرق التي يتوصل بها الى انواع العلوم. والى بيان درجاتها ومراتبها في القوة ضعف والوضوح وضده واعلم ان الطرق والمسالك التي يتوصل بها الى العلوم كثيرة الاجناس والانواع والافراد. لكن يجمع متفرقاتها ويلم اشتاتها ثلاث طرق احداها طريق الاخبارات الصادقة. والثاني الحس والثالث طريق العقل. ووجه الحصر في ذلك ان المعلومات اما ان تدرك بالسمع او البصر او اللمس او الذوق. واما ان تدرك بالعقل واما ان تنال بالاخبار. وكل واحد من هذه الثلاثة قد يجتمع مع الاخرين او مع احدهما. وقد يكون ضروريا يضطر الانسان الى علمه والتصديق به فقد يكون نظريا يحتاج الى زيادة فكر وتأمل وتفكر. ثم هذه الاجناس قد توصل الى العلم الراسخ اليقيني. وقد وتوصل الى الترجيح فقط وبين المرتبتين درجات متفاوتة اما اقواها فما اتفقت عليه الطرق الثلاثة. واتفق على اتفاقها عليه اهل العلم المعتبرون. واولوا الالباب العارفون. ومن نفى واحدا من هذه الامور الثلاثة او نفى بعضه. فذاك لفساد تصوره او لقصور علمه وانحرافه وسوء قصده. وكلما كان المخبرون اعظم صدقا واعلى معرفة والمعارف اجل واعظم وانفع. كان العلم الحاصل بذلك اقوى من غيره. ولهذا كان اعلى درجات العلم واصحها وانفعها واكثرها ادلة وبراهين. واجلاها للحقائق قدر الله وخبر رسله فانه ليس اصدق من الله قيلا ولا اصدق منه حديثا. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. فكل ما قاله الله ورسوله فهو الحق وماذا بعد الحق الا الضلال؟ وهو يهدي الى كل دليل على الحق نقلي او عقلي. واذا اردت ان تعرف الحق قيح فهو ما قاله الله او قاله رسوله وان ما ناقضه ونفاه فهو باطل مضمحل مبني على جهالات ومواد فاسدة ومقدمات ناقصة فانظر الى اصول الدين وقواعده واسسه. كيف اتفقت عليها الادلة العقلية والحسية؟ انظر الى توحيد الله وتفرده بالوحدانية وتوحده بصفات الكمال كيف كانت الكتب السماوية مشحونة بها. بل هي المقصد الاعظم وخصوصا القرآن الذي هو من اوله الى اخره يقرر هذا الاصل الذي هو اكبر الاصول واعظمها. وانظر كيف اتفقت جميع الرسل والانبياء وخصوصا خاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم. تقرير توحيد الله انه متفرد بالوحدانية وعظمة الصفات من سعة العلم. وشمول والارادة وعموم الحجة والحكمة والملك والمجد والسلطان والجلال والجمال والحسن والاحسان في اسمائه وصفاته وافعاله. ثم انظر الى هذا الاصل العظيم في قلوب سادات الخلق واولي الالباب الكاملة. والعقول التامة كيف تجده اعظم من كل شيء؟ واكبر من كل شيء واوضح من كل شيء وانه مقدم على الحقائق كلها. وانهم يعلمونه علما ضروريا بديهيا قبل الادلة النظرية. ويعلمون ان كل ما عارضه فهو وابطل الباطل وانهم يعلمونه علما ضروريا بديهيا قبل الادلة النظرية. ويعلمون ان كل ما عارضه فهو ابطل الباطل. ثم انظر الى كثرة براهين المنقولة والمعقولة. بل والمحسوسة الشاهدة لله بالوحدانية. ففي كل شيء له اية تدل على انه واحد فوجود الاشياء في العالم العلوي والسفلي وبقاؤها وما هي عليه من الاوصاف المتنوعة. كل ذلك من الادلة والبراهين على وجود مبدعها ومعدها بكل ما تحتاج اليه ومن انكر هذا فقد باهت وكابر وانكر اجل الامور واعظم الحقائق ومنها هنا تعرف ان الماديين الملحدين من اضل الخلق واجهلهم واعظمهم غرورا. حيث اغتروا لما عرفوا بعض العلوم من الطبيعية ووقفت عقولهم القاصرة عندها وقالوا نثبت ما وصلت معارفنا اليه وننفي ما سواه. فتعرف بهذا ان نفيهم جهل وباطل باتفاق العقلاء فان من نفى ما لا يعرفه وقد برهن على كذبه وافتراءه. فكما ان من اثبت شيئا بلا علم فهو ضال غاو. وتعرف ايضا ان اثباتهم لعلوم الطبيب التي عرفوها ووصلت اليها معارفهم اثبات قاصر لم يصلوا الى غايته وحقيقته. فلم يصلوا بذلك الى خالق الطبيعة ومبدعها ولم يعرفوا المقصود من نظامها وسببيتها. فاثبتوا بعض السبب وعموا عن المقصود وهم في علمهم ذا حائرون مترددون لا تثبت لهم قدم على امر من الامور. ولا تثبت لهم نظرية صحيحة مستقيمة. فهم دائما في خبط وخلط وتناقض وكلما جاءهم من البراهين الثابتة ما لا قبل لهم به قالوا هذا من فلتات الطبيعة. فكلما برز احد من فحول بهم واذكيائهم ابتكروا له طريقة غير طريقة اخوانه. فصدق عليهم قوله تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج. وصدق عليهم ايضا قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون والمقصود ان هذا الاصل العظيم قد دلت عليه جميع الادلة باجناسها وانواعها. ودل عليه الشرع المحكم والقدر المعظم المتقن. وانظر الى الاصل الثاني وهو اثبات الرسالة وان الله قد اقام على صدق رسله من الايات البينات والادلة الواضحات ما على مثله يؤمن البشر وخصوصا امامهم وسيدهم محمدا صلى الله عليه وسلم. فان ايات نبوته وبراهين رسالته متنوعة. سيراته و واخلاقه وهديه وما جاء به من الدين القويم وحثه على كل خلق جميل وعمل صالح ونفع واحسان الى الخلق ونهيه عن ضد ذلك كلها ايات وبراهين على رسالته وما جاء به من الوحي من الكتاب والسنة كله جملة وتفصيلا ادلة وبراهين على رسالته مع ما اكرمه الله به من النصر العظيم. واظهار دينه على الاديان كلها واجابة الدعوات واظهار دينه على الاديان كلها واجابة الدعوات وحلول انواع البركات التي لا تعد انواعها فضلا عن افرادها. وهذا بقطع النظر عن شهادة الكتب السابقة له. وعن معارضة المكذبين له. وتحديه اياهم بكل طريق حتى عجزوا غاية العجز عن نصر ولا يزال الباطل بين يدي ما جاء به الرسول مخذولا بحيث ان القائمين بما جاء به الرسول. والقائمين بمعرفة دينه يتحدون جميع اهل الارض ان يأتوا بصلاح او فلاح او رقي حقيقي او سعادة حقيقية بجميع وجوهها. فيتبين انه محال ان يتوصل الى شيء من ذلك بغير ما جاء به الرسول. وارشد اليه. ودل الخلق عليه ولولا الجهل بما جاء به الرسول والتعصبات الشديدة واقامة الحواجز المتعددة والمقاومات العنيفة لمنع الجماهير والدهماء من من رؤية الحق الصريح والدين الصحيح لم يرق دين على وجه الارض سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم لدعوته وارشاده الى كل صلاح واصلاح وخير وسعادة ولكن مقاومات الاعداء ونصر القوة للباطل بالتمويهات والتزويرات وتقاعد اهل الدين الحق عن نصرته هي الاسباب الوحيدة التي منعت اكثر الخلق من الوقوف على حقيقته ثم انظر الى الاصل الثالث وهو اثبات المعادي والجزاء. كيف اتفقت الكتب السماوية والرسل العظام واتباعهم على اختلاف طبقاتهم تباين اقطارهم وازمانهم واحوالهم على الايمان به والاعتراف التام به فكم اقام الله عليه من الادلة الحسية المشاهدة ما يدل اكبر الدلالة عليه. وكم اشهد عباده في هذه الدار نماذج من الثواب والعقاب واراهم حلول المثلات بالمكذبين. وانواع العقوبات الدنيوية بالمجرمين. كما اراهم نجاة الرسل واتباعهم المؤمنين واكرامهم في الدنيا قبل الاخرة. وكم ابطل الله كل شبهة يقدح بها في الميعاد؟ كم اقام الادلة على ابطال الشبه الموجهة الى توحيد به وصدق رسله وبين فساد عقولهم وسفههم وانه ليس لهم من المستندات على انكار ذلك الا استبعادات مجردة. وقياس قدرة رب العالمين على قدر المخلوقين والمقصود ان هذه الاصول العظيمة قد قامت البراهين القواطع عليها من كل وجه وبكل اعتبار. وان جميع الحقائق الثابتة المعلومة لم يقم على ثبوتها وعلمها عشر معشار ما قام على هذه الاصول من البراهين المتنوعة. فيدل ذلك على ان كل من اثبت معلوما او حقيقة من الحقائق بطريق علمي او خبري او حسي ثم نفى مع ذلك واحدا من هذه الاصول الثلاثة التي هي اساس الدين فقد كابر عقله وحسه وعلمه ونادى على نفسه بالتناقض العظيم لان الطرق التي دلته على اثبات معلوماته هي اضعافها واضعاف اضعافها وما هو اقوى منها واوضح قد دلت على التوحيد والرسالة والمعاد. واعلم ان المعلومات بخبر الله وخبر رسله عامة يدخل فيها الاخبار عن الله وعن ملائكته وعن الغيوب كلها وعن الشهادة وعن امور الشرع وامور القدر وهي الاخبار المعصومة الصادقة التي يعلم كذب ما خالفها وبطلانه. وبعد هذه اخبار الصادقين عن الحوادث والوقائع التي شاهدوها والاماكن والاعيان التي رأوها. وهذا النوع بحسب صدق المخبرين وتواتر خبرهم. يحصل العلم القطعي بذلك وكذلك اخبار الصادقين عن العلوم التي سمعوها والالفاظ التي نقلوها. واصدق الناقلين هنا حملة الشريعة كمال صدقهم وصدق عنايتهم وقوة دينهم وانهم محفوظون عن الاتفاق على غير الصواب. ومن الامور التي تعلم بالعقل ان العقول الصحيحة التي لم تغير فطرتها ولم تفسد بالعقل قائد الفاسدة تعلم حسن التوحيد والاخلاص لله. كما تعلم قبح الشرك وتعلم حسن الصدق والعدل والاحسان الى المخلوقين كما تعلم قبح ضده وتعلم وجوب شكر المنعم ووجوب حق الوالدين وصلة الارحام. والقيام بحقوق من له حق عليك وتنهى عن ضده وتستحسن كل صلاح وتستقبح كل فساد وضرر ومن اشرف ما يعلم بالعقل انه مركوز في العقل ان الكمال المطلق لله وحده وانه له الحكمة التامة في خلقه وشرعته وانه لا يليق به ان يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ومركوز في العقول وجوب القيام بحق من كان له له حق عليك وكل ما دعت اليه الشريعة فمركوز في العقل حسنه. كما انه كل ما نهت عنه فانه معلوم في العقل قبحه ومن المعلوم بالحس ما يدرك بالحس كسمع الاصوات وابصار الاعيان وهو من اتم المعارف فانه ليس الخبر كالمعاينة هذا كان عين اليقين وهو المشاهد بالبصر اعظم من علم اليقين. وهو العلم الثابت بالخبر. واعلى منهما حق اليقين وهو المدرك بالذوق. فلهذا ينبغي للعبد ان يسعى في تحصيل العلم النافع. ولا يكتفي بعلم اليقين مع تمكنه من عين اليقين كما طلب الخليل صلى الله عليه وسلم من الله ان يريه كيف يحيي الموتى ليرتقي من علم الى اعلى منه. ومن حق اليقين علم ما في معرفة الله وعبوديته والانابة اليه واللهج بذكره. من مواجيد الايمان وذوق حلاوته القلبية. والطمأنينة التي تستقر في قلوب المنيبين الذاكرين. ومن المدرك بالحواس ما يدرك بالشم كشم الروائح الطيبة والخبيثة وما يدرك باللمس كالحرارة والبرودة وما يدرك بتحليل الاشياء والوقوف على موادها وجواهرها وصفاتها كل هذا من مدركات الحس فطرق العلم الى المعلومات كثيرة جدا. وكلما كان الشيء اعظم ومعرفته اهم. كانت الطرق صلة اليه اكثر واوضح واصح واقوى كما تقدمت الاشارة الى التوحيد والنبوة والمعاد والله اعلم. المسألة التاسعة في الاسباب والاعمال التي يضاعف بها الثواب ما الاسباب والاعمال التي يضاعف ثوابها الجواب وبالله التوفيق اما مضاعفة العمل بالحسنة الى عشر امثالها فهذا لابد منه في كل عمل صالح كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها. واما المضاعفة بزيادة عن ذلك وهو مراد السائل فلها اسباب اما متعلقة بالعامل او بالعمل نفسه او بزمانه او بمكانه واثاره فمن اهم اسباب المضاعفة اذا حقق العبد في عمله الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول. فالعمل اذا كان من الاعمال المشروعة وقصد العبد به رضا ربه وثوابه وحقق هذا القصد بان يجعله هو الداعي له الى العمل فهو الغاية لعمله بان يكون عمله صادرا عن ايمان بالله ورسوله. وان يكون الداعي له لاجل امر الشارع. وان يكون القصد منه وجه الله ورضاه. كما ورد في بعدة ايات واحاديث هذا المعنى كقوله تعالى انما يتقبل الله من المتقين اي المتقين الله في عملهم بتحقيق الاخلاص والمتابعة. وكما في قوله صلى الله عليه وسلم ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وغيرها من النصوص. والقليل من العمل مع الاخلاص الكامل يرجح بالكثير الذي لم يصل الى مرتبة في قوة الاخلاص ولهذا كانت الاعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الايمان والاخلاص. ويدخل في بالاعمال الصالحة التي تتفاضل بتفاضل الاخلاص ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة. اذا تركها خالصا من قلبه ولم يكن لتركها من الدواعي غير الاخلاص وقصة اصحاب الغار شاهدة بذلك. ومن اسباب المضاعفة وهو اصل واساس لما تقدم صحة العقيدة وقوة الايمان بالله وصفاته. وقوة ارادة العبد ورغبته في الخير. فان اهل السنة والجماعة المحضة للعلم الكامل المفصل باسماء الله وصفاته وقوة لقاء الله. تضاعف اعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها. ولا قريب منها لمن لم يشاركوهم في هذا الايمان والعقيدة. ولهذا كان السلف يقولون اهل السنة ان قعدت بهم اعمالهم قامت عقائدهم واهل البدع ان كثرت اعمالهم قعدت بهم عقائدهم. ووجه الاعتبار ان اهل السنة مهتدون واهل البدع ضالون ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم وبين من هو منحرف عنه الى طرق الجحيم. فغاياته ان كن ضالا متأولا ومن اسباب مضاعفة العمل ان يكون من الاعمال التي نفعها للاسلام والمسلمين له وقع واثر وغناء ونفع كبير. وذلك ككالجهاد في سبيل الله. الجهاد البدني والمالي والقولي. ومجادلة المنحرفين. كما ذكر الله نفقة المجاهدين بسبعمائة ضعف. ومن اعظم الجهاد سلوك طرق التعلم والتعليم. فان الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا عمل من الاعمال لما فيه من احياء العلم والدين وارشاد الجاهلين والدعوة الى الخير والنهي عن الشر. والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه فمن سلك طريقا يلتمس فيه علما. سهل له به طريقا الى الجنة. ومن ذلك المشاريع الخيرية التي فيها اعانة للمسلمين على امور دينهم ودنياهم. التي يستمر نفعها ويتسلسل احسانها كما ورد في الصحيح اذا مات العبد قطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده او ولد صالح يدعو له ومن الاعمال المضاعفة العمل الذي اذا قام به العبد شاركه فيه غيره فهذا ايضا يضاعف بحسب من شاركه. ومن كان هو سبب قيام اخوانه بذلك العمل فهذا بلا ريب يزيد اضعافا مضاعفة على عمل اذا عمله العبد لم يشاركه فيه احد. بل هو من الاعمال القاصرة على عاملها. ولهذا فضل الفقهاء الاعمال المتعدية للغير على الاعمال القاصرة. ومن الاعمال المضاعفة اذا كان العمل له وقع عظيم ونفع كبير كما اذا كان فيه انجاء من مهلكة وازالة ضرر المتضررين وكشف الكرب عن المكروبين. فكم من عمل من هذا النوع يكون اكبر سبب لنجاة العبد من العقاب. وفوزه بجزيل الثواب حتى البهائم اذا ازيل ما يضرها كان الاجر عظيما. وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش. فغفر لها شاهدة بذلك ومن اسباب المضاعفة ان يكون العبد حسن الاسلام حسن الطريقة. تاركا للذنوب غير مصر على شيء ان منها فان اعمال هذا مضاعفة كما ورد بذلك الحديث الصحيح. اذا احسن احدكم اسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف. الحديث ومن اسبابها رفعة العامل عند الله. ومقامه العالي في الاسلام. فان الله تعالى شكور حليم. لهذا كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجرهن مضاعفا. قال تعالى ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين. وكذلك العالم الرباني وهو العالم العامل المعلم تكون مضاعفة واعماله بحسب مقامه عند الله. كما ان امثال هؤلاء اذا وقع منهم الذنب كان اعظم من غيرهم. لما يجب عليهم من التحرز ولما يجب عليهم من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم ومن الاسباب الصدقة من الكسب الطيب كما وردت بذلك النصوص. ومنها شرف الزمان. كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها شرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة والعبادة في الاوقات التي حث الشارع على قصدها. كالصلاة في اخر الليل وصيام في الايام الفاضلة ونحوها وهذا راجع الى تحقيق المتابعة للرسول. المكمل مع الاخلاص للاعمال المنمي لثوابها عند الله ومن اسباب المضاعفة القيام بالاعمال الصالحة عند المعارضات النفسية والمعارضات الخارجية. فكلما كانت المعارضات اقوى او الدواعي للترك اكثر كان العمل اكمل واكثر مضاعفة. وامثلة هذا كثيرة جدا. ولكن هذا ضابطها ومن اهم ما يضاعف فيه العمل الاجتهاد في تحقيق مقام الاحسان والمراقبة. وحضور القلب في العمل. فكلما كانت هذه الامور اقوى انا الثواب اكثر ولهذا ورد في الحديث ليس لك من صلاتك الا ما عقلت منها. فالصلاة ونحوها وان كانت تجزئ اذا اتى الظاهرة وواجباتها الظاهرة والباطنة. الا ان كمال القبول وكمال الثواب. وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات وتكفير السيئات وزيادة نور الايمان بحسب حضور القلب في العبادة. وبهذا كان من اسباب مضاعفة العمل حصول اثره الحسن في نفع العبد. وزيادة ايمانه قلبه وطمأنينته وحصول المعاني المحمودة للقلب من اثار العمل. فان الاعمال كلما كملت كانت اثارها في القلوب احسن الاثار. وبالله التوفيق. ومن لطائف المضاعفة ان اصرار العمل قد يكون سببا لمضاعفة في الثواب فان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله رجل تصدق بصدقة فاخفاها. حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ومنهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. كما ان اعلانها قد يكون سببا للمضاعفة. كالاعمال التي تحصل فيها الاسوة والاقتداء. وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيره افضل فمن غيره ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين ان الاتصاف في كل الاوقات بقوة الاخلاص لله ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله لا يلحقها شيء من الاعمال. واهلها سابقون لكل فضيلة واجر وثواب. وغيرها من اعمالي تبع لها. فاهل الاخلاص والاحسان والذكر هم السابقون السابقون المقربون في جنات النعيم. المسألة العاشرة في تفاوت اهل اليقظة في حفظ الوقت. سبحان من فاوت بين اهل اليقظة في قوة السير وضعفه. وفي استغراق جميع الاوقات في العبادة وعدمه منهم من يكون سيره مستقيما في ليله ونهاره ومع ذلك يتخير من الاعمال افضلها واكملها. ولا ينزل من فاضلها الى مفضولها الا لمصلحة تقترن بالمفضول توجب ان يساوي العمل الفاضل ويزيد عليه. فقد يكون المباح في حق هذا عبادة بكمال اخلاصه ونيته بذلك المباح. ان يذم به نفسه ويتقوى به على الخير. فتراه يتنقل في مقامات العبودية في كل وقت بما يناسبه ويليق به لا فرق عنده بين العبادة المتعلقة بحقوق الله المحضة وبين العبادة المتعلقة بحقوق الخلق. على اختلاف مراتبهم واحوالهم ولقد ذكرت في هذا المقام كلاما لبعض الشيوخ لما رأى كثرة المجتمعين ببعض اصحابه قال مؤدبا له مقوما يا مناخ البطالين يريد انهم يقطعون عليه وقته عن الخير كلاما ايضا للشيخ ابي الفرج ابن الجوزي في سياق الخبر عن نفسه بحفظه الوقت. وانه رأى مما لابد منه ان ينتابه اناس للزيارة انه لما رأى ان هذه الحال تقطع عليه وقته اعد للوقت الذي يجتمعون فيه اليه اشياء من امور الخير لا تمنع من زيارتهم ولا تقطع عليه وقته. مثل تقطيع الاوراق وتصليح المداد. وبري الاقلام التي لا بد منها لتصنيف العلوم النافعة وهي لا تمنع الحديث مع الناس. فقلت سبحان من من على هؤلاء السادة بحفظ اوقاتهم وبقوة العزيمة والنشاط على الخير. ولكن كل كمال يقبل التكميل والرقي الى حالة ارفع منها. فلو ان هؤلاء الاجلاء ولاء جعلوا اجتماعهم مع الناس للزيارة والدعوات وغيرها من المجالس العادية. فرصة يغتنمون فيها ارشاد من اجتمع بهم الى الخير والبحث في علوم نافعة والاخلاق الجميلة والتذكر لالاء الله ونعمه ونحو ذلك من المواضيع المناسبة لذلك الوقت. ولذلك الاجتماع بحسب احوال الناس وطبقاتهم وانهم وطنوا انفسهم لهذا الامر وتوسلوا بالعادات الى العبادات. وبرغبتهم الى بهم الى انتهاز الفرصة في ارشادهم لحصلوا بذلك خيرا كثيرا. وربما زادتهم هذه الاجتماعات مقامات عالية احوالا سامية مع ما في ذلك من النفع العظيم للعباد لانه ليس من شروط العالم ان يرشد فقط المستعدين لطلب العلم من المتعلمين. بل يكون مستعدا لارشاد الخلق اجمعين. بحسب باحوالهم واستعدادهم وعلمهم وجهلهم واقبالهم واعراضهم. وان يعامل كل حالة بما يليق بها من الدعوة الى الخير تسببي لفعله وتعطيل الشر وتقليله. وان يستعين الله على ذلك فمن كانت هذه حاله لم يتبرم باجتماعه بالخلق مهما كان حريصا على حفظ وقته. لان التبرم والتثاقل انما هو للحالة التي يراها العبد ضررا عليه ومفوتة لمصالحه. والله الموفق وحده لا شريك له وينبغي لمن دعا ربه في حصول مطلوب او دفع مرهوب ان يقتصر في قصده ونيته في حصول مطلوبه الذي دعا لاجله بل يقصد بدعائه التقرب الى الله بالدعاء وعبادته التي هي اعلى الغايات. فيكون على يقين من نفع دعائه. وان الدعاء مخ العبادة خلاصتها فانه يجذب القلب الى الله وتلجأه حاجته للخضوع والتضرع لله الذي هو المقصود الاعظم في العبادة. ومن كان قصده في دعائه تقرب الى الله بالدعاء هو اكمل بكثير لهذا الفضل العظيم. ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون. وهذا من ثمرات العلم علم نافع فان الجهل منع الخلق الكثير من مقاصد جليلة ووسائل جميلة لو عرفوها لقصدوها ولو شعروا بها لتوسلوا اليها والله الموفق المسألة الحادية عشرة في تفسير من لم يحترز من عقله بعقله هلك بعقله. ما معنى قول الحكماء من لم يحترز من عقله بعقله هلك بعقله الجواب وبالله التوفيق اعلم ان من اجل نعم الله على الادمي ان اعطاه هذا العقل الذي يعقل به الاشياء يوازن بين المصالح والمضار ويرجح الراجح من المصلحتين ويرتكب الاخف من المفسدتين عند الاضطرار الى ذلك وينظر به عواقب الامور وما تثمره الاعمال الدينية والدنيوية من الثمرات النافعة او ضدها ويلزم الارادة بالعمل الصالح وباجتناب المضار. واجل فوائد العقل واحلى ثمراته. العقل عن الله وعن رسوله الاخبار والتصديق بها والتعبد لله تعالى بالاعتراف بها. والاحكام الباطنة والظاهرة والتخلق بها. والعمل بالصالح اجتناب المحرم فهذا اجل ثمرات العقل. فبه عرف الله وعرفت احكامه ودينه. وبه عبد الله واطيع. وهذا وجه توجيه الله خطابه في كتابه لاولي الالباب. لاولي النهى لقوم يعلمون. فالعقل هو الدليل للعبد وهو المرشد له في جميع المطالب فما دام العقل عقلا حقيقيا فلا يترتب عليه الاكل خير ونفع عاجل واجل. وانما يخشى الشر والضرر من احد امرين اما قصوره وتقصيره واما تعديه ومجاوزته الحد الذي حد له اذا كان صاحبه في الحالين يعتقد استقامته وكماله فحين اذ عليه ان يحترز من كل حالة منهما بما يليق بها ويناسبها. اما اذا كان الخلل من العقل في معرفة العبد للحقائق انه يظن معرفته بها وهو غالط في ذلك. فمن ها هنا يقع الخطر والخلل. فداؤه في هذه الحال بتنقيح العقل وتصحيحه بان يسلك الطريق الموصل لمعرفة تلك الحقيقة التي وقع الغلط فيها. فان من سلك الطرق المعوجة لم يهتدي الى الصواب. وكذلك من ضعف سلوكه للطرق النافعة. لم يصل الى الحقيقة. ذاك يضل عنها وهذا يقصر عنها لا فرق في هذا بين الامور الدينية والدنيوية. فان الامور لا تتم الا بسلوك طرقها وابوابها مع الجد التام في تحصيلها فهذا من الامور التي يتحرز منها بالمعرفة والاستقامة. واما الامر الثاني وهو مجاوزته للحد الذي حد له فهذا خطره كبير وذلك ان العقل من اكبر نعم الله واجلها على العبد. فعلى العبد ان يشكر الله على هذه النعمة الكبرى اعترف لله بها ويستعين بها على ما خلق له وعلى ما ينفع. فاذا نسي نعمة الله عليه وطغى بنفسه واعجب بها وتاه بعقله سلب هذه النعمة في امور كثيرة اعظمها ان يسلب ايمانه فان كثيرا من الملحدين واهل الحيرة والارتياب تاهوا بما اوتوا من ذكاء وفطنة. حتى تكبروا على ما جاءت به الرسل. واحتقروا الرسل وما جاءوا به فرحوا بعلومهم وصارت عقولهم الذكية غير الزكية سببا لهذا الانحراف العظيم. والالحاد المفسد للدنيا والاخرة فعقولهم التي طغوا بها اوصلتهم الى هذه الهاوية السحيقة. قد يرى كثير من اهل المهارة بالاعمال الدنيوية والاختراعات قدرته على ما يعجز عنه غيره فيأتيه بعقله الفاسد. ويتوهم ان معرفته بهذه الامور المادية دليل على تفوقه في العلوم النافعة والاعمال النافعة. ولا يخضع عقله لعلوم الرسل والدين الحق. فهذه مهالك هلك بها المعجبون بانفسهم. وعلى العبد ان يحترز من القدح في حكم الله وشرعه او في قدره. بان يقيس حكمة الحكيم الحميد بافعال القاصرين من العبيد فيضل ويسيء ظنه بالله. ودواء هذا ان يعلم ان الله حكيم في كل ما خلقه من المخلوقات. وفي كل ما شرعه من الشرائع وان تتبع ما اوجده الله من الموجودات يجدها في غاية الحكمة ويجد اثار الاتقان حسن الخلق والانتظام التام عليها. ظاهرة لا تخفى الا على من عمي قلبه. فانقلبت عليه الحقائق وما خفي عليه من بعض الجزئيات التي لا يهتدي الى معرفة الحكمة فيها. فليعلم العلم الكلي ان الله لا يخلق شيئا عبثا. وانه احسن كل شيء خلقه واتقن جميع ما صنعه كذلك من نظر ما احتوى عليه شرعه العظيم من المحاسن والمصالح والمنافع التي لا يمكن احصاء اجناسها فضلا عن انواعها وافرادها عرف بذلك ان الله كامل الحكمة واضر الجهل على الاطلاق الجهل بحكمة الله واشد انواع الغرور القدح فيها وما جاءها الغرور الا من اعجاب العبد الجاهل بعقله الفاسد. فنسأل الله الا يزيغ قلوبنا عن الهدى والرشاد. انه جواد كريم المسألة الثانية عشرة في خطاب الحازم مع نفسه الحازم هو الذي ينازع ويدافع الاقدار المؤلمة بما يدفعها قبل نزولها. او يرفعها بعد نزولها او يخففها بالطرق المباحة او المأمور بها. فان اعياه ذلك استسلم للقدر ورضي بقضاء الله وسلم لامره ولهذا قال عمر رضي الله عنه نفر من قدر الله الى قدر الله كذلك يفر العبد مما يكرهه الله باطنه وظاهرا. الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ويفر من اسباب الهلاك والعطب والضرر الى اسباب النجاة والسلامة. وحصول النفع ولكن الشأن في معرفة الاسباب النافعة والضارة ثم في سلوك خير الامرين ومدافعة اشد الضررين. والله الموفق وحده تثبت في سماع الاخبار والتمحيصها ونقلها واذاعتها والبناء عليها اصل كبير نافع امر الله به ورسوله. قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا او فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين فامر بالتثبت واخبر بالاضرار المترتبة على عدم التثبت. وان من تثبت لم يندم. واشار الى الميزان في ذلك في قوله تعالى ان تصيبوا قوما بجهالة وانه العلم والتحقيق في الاصابة وعدمه. فمن تحقق وعلم كيف يسمع وكيف ينقل وكيف يعمل فهو الحازم المصيب. ومن كان غير ذلك فهو الاحمق الطائش الذي مآله الندامة. واحوج الناس الى فهذا الامر الولاة على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم. واهل العلم على تفاوت درجاتهم. وذلك يحتاج الى اجتهاد وتمرين للنفس وتوطين النفس لها على ملازمة التثبت مع الاستعانة بالله. والله الموفق المعين. ولا يزال المؤمن بايمانه يقاوم وجميع الواردات يستدفع بايمانه المكاره والشدائد ويستديم به المحاب ان وردت عليه الشدائد والمصيبات تلقاها بقوة ايمان وصبر ويقين. فهو في ذلك بثقته بربه وقوة ظنه ورجائه ايه؟ في حصن حصين. فرح اذا حزن الناس مبتهج بذلك اذا اشتد اليأس. وان وردت عليه المحبوبات تلقاها طمأنينة وسكون حمله الايمان على القيام بوظيفة الشاكرين. يفرح بها لا فرح اشر وبطر. بل لانها من فضل ربه اوصلها بجوده اليه ويصرفها فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والدين. وان وردت عليه الاوامر الشرعية تلقاها بالرضا والتسليم وهون ايمانه عليه القيام بها طاعة لربه وتكميلا لايمانه وتقوية لايقانه. ورجاء لموعودها وخروجا من تبعة الترك. وان دعته النفس الامارة بالسوء الى بعض المعاصي. قال لها الايمان يا نفس كيف يليق بك ان تأمريني بما يضعف ايماني كيف تأمرينني بلذة ساعة تفوت لذات كثيرة من ابلغها لذة حلاوة الايمان اما تعلمين ان للايمان حلاوة تزري بلذات الدنيا كلها الله الله يا نفس ان تفجعيني بهذه الحلاوة. ويحك يا نفس اما لك نظر في عواقب الامور فان خاصية العقل النظر في عواقب الامور كما ينظر في مباديها. وانه لا يدخل في امر من الامور حتى يعرف المخرج منه بعافية وسلامة. اما علمت ان من وقع في المعاصي ارتكس؟ وكلما كررها استحكم قيده وحبسه وانتكس. ويحك يا نفس اذا اردتي ان تعصي الله فلا تستعيني بنعمه على معاصيه. فان المعصية لا تتأتى الا من القوة والعافية ومن الذي اعطاها ولا تتحرك الا من توالي الشبع. ومن الذي يسر الاقوات واتاها؟ ولا تكون في العادة الا بخلوة من الخلق ومن الذي اسبل عليك حلمه وستره ولا تقع الا بنظره اليك. فاياك ان تستخفي باطلاعه وعلمه اما تعلمين يا نفس ان من جاهد نفسه عن المعاصي والزمها الخير. فقد سعى في سعادتها وقد افلح من زكاها. وان من نفسه على ما تريد من الشر فقد تسبب لهلاكها ودساها. ويحك يا نفس كيف بيني وبينك في المعاملة. انت تريدينه هلاكي وانا اسعى لك بالنجاة وانت تحيلين علي بكل طريق يوقع في المضار والشرور. وانا اجتهد لك في كل امر مآله الخير والراحة والسرور. فهل لمي نفسه الى صلح شريف يحتفظ كل منا على ما له من المرادات والمقاصد. ونتفق على امر يحصل به للطرفين اصناف المصالح والفوائد. دعيني يا نفس امضي بايماني متقدما الى الخيرات متاجرا فيه لتحصيل المكاسب والبركات. دعيني اتوسل بايماني الى من اعطاه ان يتمه بتمام الهداية وكمال الرحمة. واكمل كل ما نقص منه لعل الله ان يتم علي وعليك النعمة. ولئن تركتني وشأني لم تعترضي علي بوجه من الوجوه. لاعطينك كلما تطلبينه من المباحات وكل ما تؤمله النفوس وترجوه ولئن تركتني وشأني لاوصلنك الى خيرات ولذات طالما تمناها المتمنون. وطالما مات بحسرتها قبل البطالون. يا نفس اما تحبين ان تنقلي من هذا الوصف الدنيء الى اوصاف النفوس المطمئنة التي اطمأنت الى ربها والى ذكره اطمأنت الى عطائه ومنعه اطمأنت اليه في جميع تدبيره واطمأنت الى توحيده والايمان به حتى سلاها عن كل المحبوبات واطمأنت الى وعده حتى كانت هي الحاملة للعبد على الطاعات المزعجة له عن المعاصي المخالفات فلا يزال المؤمن مع نفسه في محاسبة ومناظرة حتى تنقاد لداعي الايمان. وتقول ممن يقال لها عند الانتقال من هذه الدار يا ايتها النفس المطمئنة. ارجعي الى ربك راض مرضية ادخلي في عبادي وادخلي جنتي المسألة الثالثة عشرة الدين النصيحة النصيحة لله هي القيام بعبوديته الظاهرة والباطنة باخلاص كامل. وتكميل تام لاجزاء العبودية ظاهرا اعطنا وفعل ما يقدر عليها منها وعزم جازم على فعل ما لا قدرة له عليه لو قدر. والنصيحة لكتاب الله هي الجد في في تعرف الفاظه ومعانيه بحسب ما تصل اليه القدرة. والاجتهاد في العمل به. والدعوة الى ذلك. والنصيحة للرسول هي كمال الايمان به ومحبته وطاعته واتباعه وتقديم قوله وهديه وسيرته على كل قول وهدي وسيرة ونصر ما جاء به ونصيحة ائمة المسلمين وهم سلاطينهم وحكامهم وولاتهم. بالاعتراف بامامتهم والتدين بالسمع والطاعة لهم. ونصيحة واعانتهم على الخير الذي قاموا به قولا وعملا ونصيحة عموم المسلمين ان يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ويعلم جاهلهم وينصح من مخلا بواجب او متجرأ على محرم. وارشاد الناس على اختلاف طبقاتهم الى ما فيه صلاح لهم في امر دينهم وامر دنياهم الى ذلك كله ومجانبة غشهم في الاقوال والافعال والمعاملات واداء الحقوق لمن له حق على الانسان. المسألة الرابعة عشرة في حسن المعاتبة. يعجبني ما وقع لبعض اهل العلم وهو انه كتب له انسان من اهل العلم والدين ينتقدهم انتقادا حارا في بعض المسائل. ويزعم انه مخطئ فيها. حتى انه قدح في قصده ونيته. وادعى انه يدين الله ببغضه بناء على ما توهم من خطئه. فاجاب المكتوب له يا اخي انك اذا تركت ما يجب عليك من المودة الدينية سلكت ما يحرم عليك من اتهام اخيك بالقصد السيء على فرض انه اخطأ تجنبت الدعوة الى الله بالحكمة في مثل هذه الامور. فاني اخبرك قبل الشروع في جوابي لك عمن انتقدتني عليه. باني لا اترك يجب علي من الاقامة على مودتك. والاستمرار على محبتك المبنية على ما اعرفه من دينك انتصارا لنفسي. بل ازيد على ذلك باقامة العذر لك في قدحك في اخيك. بان الدافع لك على ذلك قصد حسن لكن لم يصحبه علم يصححه ولا معرفة تبين مرتبته. ولا ورع صحيح يوقف العبد عند حده الذي اوجبه الشارع عليه فلحسن قصدك عفوت لك عما كان من كليم الاتهام بالقصد السيء فهب ان الصواب معك يقينا فهل خطأ الانسان عنوان على سوء قصده فلو كان الامر كذلك لوجب رمي جميع علماء الامة بالقصود السيئة. فهل سلم احد من الخطأ؟ وهل هذا الذي تجرأت عليه الا مخالف لما اجمع عليه المسلمون من انه لا يحل رمي المسلم بالقصد السيء اذا اخطأ. والله تعالى قد عفا عن خطأ المؤمنين في والافعال وجميع الاحوال. ثم نقول ام انه جاز للانسان القدح في ارادة من دلت القرائن والعلامات على قصده السيء؟ افيحل القدح في من عندك من الادلة الكثيرة على حسن قصده وبعده عن ارادة السوء ما لا يسوغ لك ان تتوهم فيه شيئا بما رميته به. وان الله امر المؤمنين ان يظنوا اخوانهم خيرا اذا قيل فيهم خلاف ما يقتضيه الايمان. فقال تعالى مؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا. واعلم ان هذه المقدمة ليس الغرض منها مقابلتك بما قلت فاني كما اشرت لك قد عفوت عن حقي ان كان لي حقا. ولكن الغرض النصيحة وبيان موقع هذا الاتهام من العقل والدين والمروءة الانسانية ثم انه بعد هذا اخذ يتكلم عن الجواب عن انتقاده بما لا محل لذكره هنا. في القول في البدعة البدعة هي الابتداع في الدين. فان الدين هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة. وما دلت عليه ادلة الكتاب والسنة فهو الدين. وما خالف ذلك فهو البدعة. هذا هو الضابط الجامع. وتنقسم البدعة بحسب حالها الى قسمين بدع اعتقاد ويقال لها البدع القولية وميزانها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة. قالوا من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي. فاهل السنة المحضة السالمون من البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في الاصول كلها اصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل الايمان وغيرها وغيرهم من خوارج ومعتزلة وجهمية ودرية ورافضة ومرجئة. ومن تفرع عنهم كلهم من اهل البدع الاعتقادية واحكامهم متفاوتة بحسب بعدهم عن اصولهم بالدين وقربهم وبحسب عقائدهم او تأويلهم وبحسب سلامة اهل السنة من شرهم في الاقوال والافعال وعدمه. وتفصيل هذه الجملة يطول جدا. والنوع الثاني بدع عملية وهو ان يشرع في الدين عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله. وكل عبادة لم يأمر بها الشارع امر ايجاب او استحباب فانها من البدع العملية وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ولهذا كان من اصول الائمة الامام احمد وغيره ان الاصل في العبادات الحظر والمنع فلا يشرع منها الا ما شرعه الله ورسوله والاصل في المعاملات والعادات الاباحة فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله. ولهذا من قصور العلم جعل بعض العادات التي ليست عبادات بدعا لا تجوز. مع ان الامر بالعكس فان الذي يحكم بالمنع منها وتحريمها هو المبتدع فلا يحرم من العادات الا ما حرمه الله ورسوله. بل العادات تنقسم الى اقسام. ما اعان منها على الخير والطاعة فهو من القرب وما اعان على الاثم والعدوان فهو من المحرمات وما ليس فيه هذا ولا هذا فهو من المباحات والله اعلم المسألة السادسة عشرة اركان الشكر لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للانعام والفلك. قال تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا اه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين انا الى ربنا لمنقلبون. ذكر اركان الشكر الثلاثة. وهي الاعتراف والتذكر لنعمة الله والتحدث بها والثناء على الله بها والخضوع لله والاستعانة بها على عبادة الله. لان المقصود من قوله انا الى ربنا لمنقلبون. الاعتراف بالجزاء والاستعداد له. وان هذه النعم الغرض منها ان تكون عونا للعبد على ما خلق له من طاعة الله وفي قوله ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه تقيدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة لان كثيرا من الخلق تسكرهم النعم وتغفلهم عن الله وتوجب لهم الاشر والبطر. فهذه الحالة التي امر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك فانه متى ذكر العبد انه مغمور بنعمة الله ليس من نفسه شيء وانما اصول النعم وتيسير اسبابها وتسهيل تحصيلها. ثم بقاؤها واستمرارها ودفع ما يضادها وينقصها من الله تعالى. ومتى استحضر العبد لذلك خضع لله وذل وشكره واثنى عليه. وبهذا تدوم النعم ويبارك الله فيها وتكون نعما حقيقية. المسألة الة السابعة عشرة في قوله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم. فسرها كثير من السلف بمن ماتوا قبل ان اول القبلة الى الكعبة من المسلمين. وانه اشكل امرهم على المسلمين. فاخبرهم الله تعالى انهم في ذلك الوقت قد عملوا اقتضى الايمان وهو طاعة الله في كل وقت وحال مما يتعلق بذلك الوقت والحال. فيؤخذ من هذا ان من كان على كقول او رأي ضعيف وقد عمل به مجتهدا متأولا او فعله مدة طويلة او قصيرة ثم تبين له صحة بقول الذي ينافيه وانتقل الى الثاني ان عمله الاول مثاب عليه وهو مطيع لله فيه. لكون ذلك القول هو الذي وصل اليه اجتهاده او تقليده لغيره وهو لم يزل حريصا على الصواب راغبا فيما يحبه الله ورسوله. فمن كانت هذه اله فالله اكرم ان يضيع ايمانه وما عمل بذلك الايمان من خير اصاب فيه او اخطأ فان الله بالناس رؤوف رحيم مم. المسألة الثامنة عشرة في كمال تعاليم الدين عن سلمان رضي الله عنه قال قال بعض المشركين وهو يستهزأ اني لارى صاحب يعلمكم كل شيء حتى القراءة. قلت اجل لقد نهانا ان نستقبل القبلة لغائط او بول. او ان نستنجي باليمين او ان نستنجي باقل من ثلاثة احجار. او ان نستنجى برجيع او بعظم رواه مسلم ما احسن ما اجاب به سلمان هذا العدو المستهزئ بما جاء به الرسول بهذا التعبير الذي يظن انه يتطرق به الى القدح. فبين سلمان رضي الله عنه ان هذه التعاليم الشرعية حتى في هذه الحال تعاليم عالية ترجع الى تعظيم الله وتوقيره واجلاله باحترام بيته عن الاستقبال له في هذه الحال. كما كان وجوب استقبال البيت في الصلاة مقصوده تعظيم الله بتعظيم بيته وحرماته. كذلك نهيه عن الاستجمار باليمين يعود الى نظافة البدن والاعتناء بكمال النظافة البدنية. وابعاد اليمين عن مباشرة الاوساخ والنجاسات ففي نفس الاستجمار والاداب التي علمهم الشارع اياها في هذا الموضع تكميل عبودية الله والتوقي التام عن النجاسات والاوساخ والاعتناء بالنظافة. فهل اعلى من هذا الارشاد شيء؟ فتضمن جواب سلمان رضي الله عنه بيان الاحكام الشرعية مع قمع المعارضين والمستهزئين والقامهم الحجر. فنفس ما استهزأوا به من اعظم الحجة عليهم. وهكذا جميع الشريعة في مصادرها ومواردها على هذا النمط. المسألة التاسعة عشرة في تقديم الاعلى من المصالح عن قبيصة ابن وقاس. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عليكم امراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم فصلوا معهم ما صلوا الى القبلة. رواه ابو وداوود يؤخذ من هذا الحديث فائدتان عظيمتان. احداهما انه اذا تزاحمت المصالح قدم الاعلى منها. وان المفضول قد يقترن بما يصيره افضل من غيره. فانه امر بالصلاة مع هؤلاء الامراء مراعاة لمصلحة الاتفاق والائتلاف وعدم الاختلاف وان تؤخر الصلاة معهم مع ان الافضل عدم تأخيرها الفائدة الثانية ان من كان حريصا على تكميل العبادات باوقاتها وحدودها وتكميلاتها ولكنه تابع لغيره في عبادته. وذلك الغير يأتي بها على وجه الناقص. ان الحريص على التكميل الذي لا يتمكن منه هذا السبب انه يكمن له الاجر بنيته ولا ملام عليه بسبب اتباعه لغيره وعدم استقلاله ويدخل في هذا التابع لغيره في صلاة الجماعة وفي امور السفر وفي المناسك والجهاد وغيرها. وكثيرا ما يبتلى العبد بتقييده عن الكمال بعمل غيره ولكن ليكن منك على بال انما الاعمال بالنيات. المسألة العشرون في تكرار الاجر بتذكر المصيبة لا روى الامام احمد عن الحسين بن علي مرفوعا. ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وان طال عهده فيحدث عند ذلك ترجاع الا جدد الله له عند ذلك فاعطاه مثل اجرها يوم اصيب بها. هذا من منن الله على المؤمنين وفوائد مصائب والحكمة في هذا واضحة. فانه اذا ذكرها جدد صبرا لله وثناء عليه. ورضا بقدره وتسليما لامر الله تلك عبوديات قلبية وقولية متجددة كما ان العبد اذا ذكر الله او قرأ او صلى او صام او عامل الله معاملة ظاهرة او باطنة جدد الله له ثوابا مهما تكررت. اذا اقترن بها شرطها وهو الاخلاص لله وكذلك النعم اذا انعم الله بها على العبد فشكر الله عليها اثابه على ذلك ثم كلما ذكرها وتحدث بها واعترف لله بها ضاعف الله له الثواب. فالمؤمن لا يزال يغنم من ربه ويكسب خيرا كثيرا مسألة الحادية والعشرون في الحياة الطيبة. قال تعالى انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وعد الله ومن اصدق من الله قيلا. من جمع بين الايمان الصحيح والعمل الصالح ان يحييه في هذه الدنيا حياة طيبة. وان يجزيه في الاخرة افضل الجزاء وخيره. فالحياة الطيبة اسم جار لما يحصل به سرور القلب وراحته وطمأنينته. وعدم قلقه واضطرابه في جميع مقامات الحياة. والبدن بالطبع للقلب في راحته وضدها. فمن امن ايمانا صحيحا بان امن بوحدانية الله وتوحده في الربوبية والالوهية وانفراده بالخلق والرزق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة. اطمأن لخير الدنيا وخبر رسوله اعترافا وتصديقا. ولامره ونهيه اذعانا وانقيادا وعملا. وذلك يتضمن تصديق الخبر وامتثال الامر واجتناب النهي. من قام بذلك حق القيام فلابد ان يتحقق له هذا الوعد. ومن فاته ذلك او بعضه فاته من هذه الحياة الطيبة بحسب ما ضيعه ونقصه. واعتبر ذلك بجميع مقامات هذه الحياة تنقلات العبد فيها من غنى وفقر وسراء وضراء ومرض وصحة وحصول محبوبات ووقوع مكاره ومصيبات وقيام بعبوديات وحقوق ومعاملات وجميع ما يعرض للعبد من التصرفات فانه اذا استصحب الايمان الكامل تنقل في هذه المقامات بسكون وطمأنينة وقناعة واحتساب للثواب وخوف من العقاب. وكان عند النعماء والمحبوبات من شاكرين وعند المكاره والمصائب من الصابرين المحتسبين المرتقبين من الله اعظم الثواب. وكان ساعيا في المغنم في سرائه وضرائه. وان قام بالعبادة التي بينه وبين الله كان داخلا في سرور قلبه ونعيم روحه. ورأى ان قطع اوقاته ونفاد ساعاته في كل ما يقربه الى رب العالمين خير ما تنافس اليه المتنافسون. وان هذا هو حقيقة الحياة التي من حرمها فهو مغبون غبن لا ربح بعده. وان قام بحقوق من له له حق عليه من والدين واولاد واهل ومماليك واقارب وجيران واصحاب ونحوهم. كان الداعي له الى ذلك طلب القرب من ربه واحتساب الاجر عنده واكتساب الفضائل والسلامة من الرذائل. فكان في قيامه بها مسرور القلب مطمئن النفس لا يبالي بتعب بدنه ولا بنفقة ماله لانه يعتقد بذلك انه تاجر مع الله. والله لا يضيع اجر من احسن عملا وان تناول لذاته وشهواته المباحة وقام بالكسب المباح بما يسره الله له. نوى بذلك الاستعانة على طاعة المولى منعم والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. فهو ينتقل في هذه الامور وروح التقرب ورجاء الثواب والاجر. وارتقاب الخير العاجل والاجل من قلبه وحشو فؤاده. ومع ذلك فهو يطمع في اخرته بكل خير عظيم وثواب جسيم. فهذه الحياة لا يمكن التعبير عن كنهها ولذاتها وطيبها. فقس بها حياة فاقد الايمان والعمل الصالح. الذي لا هم له الا ما اكل وشرب وكسب لا غاية له يرجوها ولا اصل له يبني عليه. فهذا من اين له الراحة والطمأنينة والفرح والسرور؟ وعيشته ادنى من عيشة البهائم السالمة من الهموم القلبية والالام الروحية. فهذا قد خسر الدنيا والاخرة وحصلت له الصفقة الخاسرة. المسألة الثانية والعشرون في اشكال وجوابه في اصحاب الغار. وقع اشكال في قصة احد الثلاثة اصحاب الغار لما عف عن بنت عمه لله تعالى في تلك الحالة التي منعه خوف الله تعالى من وقوع المحظور. كيف لم يتزوجها مع ان الظاهر انها ليست بذات زوج. واشكل منه في الاخر الذي لما وجد والديه نائمين وقد حلب لهما غبوقهما كره ان يوقظهما. وكره ان يعطي احدا من اهله واولاده الصبية يتضاغون من الجوع. كيف لم يدفع حاجة هؤلاء المضطرين مع وجوب ذلك؟ وانه لا ينافي البر للوالدين فجاء الجواب لذلك بان النبي صلى الله عليه وسلم انما ذكر في قصة كل واحد من الثلاثة على حالة في نيل ذلك الخلق الفاضل فذكر اعظم عفة تقدر واعظم بر واعظم وفاء بقطع النظر عما يقترن بتلك القضايا من الامور الاخر. اذ ليست مقصودة ولا مرادا. وقد يكون ثم موانع واعذار تعلم او لا تعلم والله اعلم المسألة الثالثة والعشرون في منزلة الحياء من الدين وفوائد اخرى روى ابو داوود عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا احدث احدكم في صلاته فليأخذ بانفه ثم لينصرف فيه مع ما يدل عليه من صريحه فوائد منها انه ينبغي للعبد ان يجتنب كل ما يستقبح ويستحيا منه عند الناس من والافعال ومنها انه اذا احتاج الى بيانه بقوله او فعله فليستعمل من المعاريض القولية والفعلية ما يضيع به افهام الناس الى لا في الواقع فان حدث الانسان الخارج منه نوعان نوع يستحيا منه كالريح ونوع لا حياء فيه عادة كالرعاف ونحوه. فامر صلى الله عليه وسلم عند وجود الحدث الذي يستحيا من ليظن الناس فيه الرعاف دون الريح وما الطف هذه الحيلة! ولهذا نقول انه يدل على جواز استعمال المعاريض والحيل الحسنة التي لا محظور فيها بل في فيها مصلحة او دفع مفسدة. ومنها انه يتعين على من انتقضت طهارته الا يمضي في صلاته ولو عزم على قضائها حياء من الناس فان المضي فيها ولو صورة محرم. المحرم لا يحل للعبد ان يفعله مراعاة للخلق ومنها ان المعاريض الفعلية كهذه القضية تشبه المعاريض القولية وفيها للبيب ممدوحة عن الكذب وسلامة من الذم المسألة الرابعة والعشرون في جواب عن كلام في صيد الخاطر. قال ابن الجوزي في اول الفصول من صيد الخاطر كالنفس شيء منه افتونا مأجورين. الجواب وبالله التوفيق ابن الجوزي رحمه الله وغفر له. امام في الوعظ والتفسير والتاريخ يخ كذلك هو احد الاصحاب المصنفين في فقه الحنابلة ولكنه رحمه الله خلط تخليطا عظيما في باب الصفات. وتبع في ذلك الجهمية والمعتزلة فسلك سبيلهم في تحريف كثير منها. فخالف السلف في حملها على ظاهرها وقدح في المثبتين ونسبهم الى البلاهة. وهذا الموضوع من اكبر اغلاطه ولذلك انكر عليه اهل العلم وتبرأ منه الحنابلة في هذا الباب ونزهوا مذهب الامام احمد عن قوله وتخبيطه فيه ومع ذلك فان له في المذهب كتاب المذهب وغيره وله تصانيف كثيرة جدا حسنة فيها علم عظيم وخير كثير وهو معدود من الاكابر الافاضل. ولكن كل احد مأخوذ من قوله ومتروك سوى النبي صلى الله عليه وسلم فكلامه في كتاب التأويل وكلامه في الفصول التي في اول صيد الخاطر كما اشرتم اليها يجب الحذر منها والتحذير. ولولا ان فهذه الكتب موجودة بين الناس لكان للانسان مندوحة عن الكلام فيه لانه من اكابر اهل العلم وافاضلهم. وهو معروف بالدين والورع والنفع ولكن لكل جواد كبوة. نرجو الله ان يعفو عنا وعنه وفي صيد الخاطر ايضا اشياء تنتقد عليه ولكنها دون كلامه في الصفات مثل كلامه عن اهل النار وفي الخوض في بعض مسائل القدر. واشياء يعرفها المؤمن الذكي واننا نأسف على صدورها من قبل هذا الرجل الكبير القدر المسألة الخامسة والعشرون لا اشكال في نص رتب فيه دخول الجنة والنجاة من النار ونحوهما على الشهادتين. الاحاديث الكثيرة جدا التي فيها ترتيب دخول الجنة او النجاة من النار او كليهما او الاسلام والايمان على الشهادتين ليست مشكلة بل هي ولله الحمد واضحة فكما ان الايمان عند الاطلاق يدخل في جميع الشرائع الظاهرة والباطنة فكذلك الشهادتان فان الشاهد لله بالوحدانية وعدم الشريك يقتضي كمال اعتقاده ذلك وكمال الاخلاص لله. والقيام بحقوق العبودية كلها فانها من التأله لله تعالى. فاقام الصلاة وايتاء الزكاة والصيام والحج ونحوهما داخلة في الوهية الله تعالى كما تدخل اعمال القلوب فيها من الانابة لله خوفا ورجاء ومحبة وتعظيما ورغبة ورهبة وكذلك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم داخلة في الشهادتين بانه رسول الله فكمال القيام بالتوحيد والمتابعة يوجب كمال الايمان. ويترتب عليه من الفضائل والثواب. ما رتبه الشارع على جميع الاقوال الاعمال الدينية ظاهرا وباطنا فانها كلها تفصيل وقيام بذلك والله اعلم المسألة السادسة والعشرون في حديث الوسوسة صريح الايمان قوله في حديث الوسوسة ذلك صريح الايمان والحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة وذلك ان ما يقع في القلب من وساوس الشيطان او القائه اذا كان منافيا لما اخبر الله به ورسوله ان المؤمن لا يستريب في خبر الله ورسوله وما دل عليه من المعاني والعقائد. والشيطان لا بد ان يلقي من الشبهات والشكوك ما يتوصل به الى حصول مراده. ولكن ما معنى المؤمن من الايمان واليقين ينفي ذلك ويكرهه اشد الكراهة. فلا يزال يكرهه ويدفعه حتى يستقر الايمان في القلب طافيا من الاكدار سالما من الشبهات هذا صريح الايمان الذي نفى الشبهات والشكوك. والحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة. فلم يدرك من الانسان الا مجرد وساوس لا قرار لها ولا ثبوت بل نفيها وكراهتها يزداد به المؤمن ايمانا. والموقن ايقانا. فالاستعاذة منه من باب دفع الشر والمكروه والصائل رجوعي الى الايمان بالله ورسوله والاعتراف بوحدانيته وصفاته من باب الرجوع الى الاصل الثابت الذي يدفع بذاته وقوته كل شك. وشبهة الاستعاذة فيها الاستعانة بالله على دفعه والرجوع الى الايمان فيه الرجوع الى فضله ورحمته وهذا من اعظم الاسباب على الاطلاق في دفع هذه الشبهة التي هي من اعظم الشبهات. بل هذا يدفع كل شبهة عن الحق. فمتى حقق العبد الحق وعلم علما لا يستريب فيه علم ان كل ما ناقضه فهو باطل ولا يتم ذلك الا بالاستعانة بالله وتوفيقه والله المستعان على حصول الخير ودفع الشر المسألة السابعة والعشرون اعملوا فكل ميسر لما خلق له. لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بان قضاء الله وقدره سابق للاعمال والحوادث. وقال بعض الصحابة ففيما العمل يا رسول الله؟ اجابه بكلمة جامعة مزيلت للإشكال موضحة لحكمة الله في قضائه وقدره. فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وذلك شامل لاعمال الخير والشر وللاجال والاعمال والارزاق وغيرها ان الله بحكمته قد جعل مطالب ومقاصد وجعل لها طرقا واسبابا. فمن سلك طرقها واسبابها التامة يسر لها ومن ترك السبب او فعله على وجه ناقص لا يوصل الى مسببه لم يحصل له ويسر لضده. فكما ان الارزاق ونحوها منوطة بقضاء الله وقدره. ومع ذلك اذا ترك العبد السبب الموصل الى الرزق. او فعله على وجه ناقص لم يتم له ما اراد واذا يسر له سبب الرزق من اي نوع كان يتيسر له بحبسه. كذلك الاعمال الموصلة الى الجنة. من يسر الى سلوكه تامة لا نقص في شيء من مكملاتها ولا وجود لمانع من موانعها فقد علم انه مخلوق للسعادة وضد ذلك كبضده. فالقضاء والقدر موافق للاسباب لا مناف لها شرعا وعقلا وحسا فانه قدر الامور باسبابها وطرقها. هو اعلم بها ومن يسلكها ومن لا يسلكها. فسبق علمه وتقديره لها. لا يوجب ترك العمل وانما يوجب السعي التام لمن احاط علمه بذلك وعرفه حق المعرفة كما ان من ترك النكاح وقال ان قدر لي ولد جاءني ولو لم اتزوج ومن ترك الغرس والحرث وقال ان قدر لي زرع حصل ولو لم ازرع ومن ترك الحركة في طلب الرزق وقال ان قدر لي رزق اتاني من دون سعي وحركة. من فعل ذلك عد احمق جاهلا ضالا وكذلك من قال ساترك الايمان والعمل الصالح. الله ان كان قدر سعادتي حصلت فهو اعظم جهلا وضلالا وحمقا من ذلك وهذا واضح ولله الحمد. المسألة الثامنة والعشرون الاحتجاج بالقدر على الشرك والكفر وانواع المعاصي احتجاج باطل. بانه يدفع امر الله ورسوله. ويعتذر به عن معاصيه لله وذلك من اكبر الظلم والجهل والضلال. وكذلك احتجاج العبد بعد وقوع ما يكرهه بان يقول لو اني فعلت كذا كان كذا فانه تقول على الله وتكذيب لقدرة الواقع لا محالة. واما الاحتجاج بالقدر على وجه الايمان به والتوحيد لله التوكل عليه والنظر الى سبق قضائه وقدره فهو محمود مأمور به. وكذلك الاحتجاج به على نعم الله الدينية والدنيوية فانه يوجب للعبد شهود منة الله عليه بسبق قدره واحسانه كذلك اذا فعل العبد ما يقدر عليه من الاسباب النافعة في دينه ودنياه. ثم لم يحصل له مراده بعد اجتهاده فانه اذا اطمئن في هذه الى قضاء الله وقدره كان محمودا نافعا للعبد مريحا لقلبه. كما قال صلى الله عليه وسلم واذا غلبك امر فقل قدر الله وما شاء فعل. وكذلك اذا احتج به بعد التوبة من الذنب ومغفرة الله له على وجه الايمان به كان حسنا. كما حاج ادم موسى صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينفع النظر الى القضاء والقدر. ليبعث العبد على الجد والاجتهاد في الاعمال النافعة الدينية النية والدنيوية فانه اذا علم ان الله قدر الوصول الى المطالب والمقاصد بالاسباب المأمور بها جد واجتهد. عكس ما يظنه كثير من الغالطين ان اثبات القدر يثبت بل ينشط العاملين ابلغ مما لو كان الامر لم يقدر له غاية. وكذلك ينفع نظروا الى القدر عند وجود المخاوف المزعجة فانه من علم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه. اطمأن قلبه وسكنت نفسه ولم ينزعج للاسباب المخوفة بل يتلقاها بسكينة وطمأنينة ويقوم بما امر بالقيام به عندها كذلك نفعه في المصائب وحلول المحن عظيم. فان من يؤمن بالله يهد قلبه. فاذا اصيب بمصيبة فعلم انها من عند الله رضي وسلم لامر الله وحكمه واحتسب اجره لله وثوابه. فهذا التفصيل في مسألة النظر الى القضاء والقدر. والاحتجاج به اتي على جميع الاحوال ويتبين ان منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم والله اعلم المسألة التاسعة والعشرون في الكهرباء ونتائجها. قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. وقال تعالى علم الانسان ما لم يعلم لم تزل حقيقة الكهرباء ونتائجها الباهرة واعمالها العجيبة في طي الخفاء والكتمان. ولم يصل اليها في غابر الزمان علمه واي انسان حتى ترقت معارف الناس وعلومهم الطبيعية فوصلوا الى هذا الامر العظيم. والكنز الثمين وهو استخراج الكهرباء من مواد الارضية والمائية والنارية وغيرها من المواد المتنوعة. فحققوا علمها وفرعوا نتائجها. واخترعوا فروعها بعدما اتقنوا اصولها فاوجدوا بها المخترعات الباهرة والصنائع الفائقة واوصلوا بها الانوار والاصوات من المحال المتباعدة والاقطار الشاسعة في اسرع من لمح البصر. وكم ولدوا بها من امور تبهر عقول العالمين. وما زالوا ولا يزالون في ترقية مخترعاتها وتفريعها افليس الذي علم الانسان الذي كان ناقصا في علمه ناقصا في ارادته وقدرته وعمله اليس الذي علمه هذه الامور التي لم تخطر ببال احد من البشر بقادر على ان يحيي الموتى وان يجمع الخلائق كلهم بنفخة واحدة ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. لم تزل كتب الله المنزلة على رسله. ولم تزل الرسل الكرام تقرر امور الغيب والمعاد بانواع البراهين والادلة التي تجعلها من الامور التي لا تقبل الشك. واعدائهم المكذبون برسالاتهم ليس فعندهم ما يرد هذه الامور العظيمة الا مجرد استبعادات استبعدوها بعقولهم القاصرة وارائهم الكاسدة. كما ان هذه الامور متعذرة على قدر المخلوقين فكذلك هي متعذرة على الخالق هذا حاصل ما ردوا به ما جاءت به الرسل. ولم تزل هذه الطائفة الخبيثة في نمو وازدياد. حتى طم بحرهم في هذه الاوقات الاخيرة وانسلخوا عن اديان الرسل من جميع امور الغيب بهذه الشبهة الباطلة. ونشأ الالحاد وطغى الماديون الذين ينكرون اما لم تصل اليه عقولهم فاظهر الله هذه الاية الكبرى والحجة العظمى الدالة دلالة يقينية عينية على صدق ما جاءت به واخبرت به الرسل من امور الغيب والمعاد. فرأى كل من عنده ادنى عقل وانصاف ان ما جاء به الرسول ونزل به القرآن هو الحق الصريح الذي صدقت له الايات الافقية. فكل شبهة يدلي بها احد من المنكرين لما جاءت به الرسل تلدون فيها الى الامور الحسية والمشاهدات المادية وان الذي جاءت به الرسل يخالف ما زعموا من المحسوسات. فهذه الاية من اكبر ما يزلزل شبهتهم. ويدحض باطلهم ردهم على اعقابهم مغلوبين مقهورين بالحق المؤيد بالمنقول والمعقول والمحسوس. فهذه المخترعات الناشئة عن الكهرباء قد كان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يخبرون بما هو دونها وما هو اهون منها. فيظل هؤلاء الضلال منها يسخرون وبمخبرها يكذبون. فلقد اراهم الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب. وقل جاء الحق وزهق الباطل والمقصود ان وجود هذه الامور الهائلة الحاصلة من نتائج تعليم الله للادمي بواسطة القوة التي وضعها الله في الكهرباء يزداد بها المؤمن ايمانا وبصيرة بما جاءت به الرسل. فيضاف شاهد الايمان الى شاهد العيان. ولا يبقى في قلبه ادنى شك بصحة ما اخبرت به الرسل فيكون بذلك من الموقنين. وتقوى الحجة التي لا يستطيع احد انكارها على الجاحدين ويعلم بذلك ان تكذيبهم للرسل وانكارهم ما جاءوا به مكابرة محضة. واستكبار صرف. وانه لا شبهة لهم فضلا عن ان تكون حجة اليس الذي اقدر الادمي على هذه الامور الباهرة؟ مع ان قدرتهم وقدرة سائر الخلق ليس لها نسبة اصلا الى قدرة الخلاق العليم بقادر على ان يحيي الموتى ويجمع قاصيهم ودانيهم ويعلم ما تفرق من اجزائهم وما تلاشى من في اسرع من لمح البصر. وذلك دليل على ان الله بكل شيء عليم. وعلى كل شيء قدير. اليس التنادي الذي ذكره بين اهل الجنة واهل النار مع البعد العظيم كان في ذلك الوقت يراه المنكرون محالا ممتنعا. فجاءهم ما لا قبل لهم بدفعه اليس اخبار النبي صلى الله عليه وسلم باسرائه الى بيت المقدس ومعراجه الى ما فوق السماء صار محل فتنة واستبعاد للمنكرين مع ان ايات الرسل قد تقرر عند الخلق خرقها للعوائد. فهؤلاء ورثة اولئك فلينكروا نقل الاصوات والانوار وغيرها من الاقطار الشاسعة. فلو اخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ان الناس سيطيرون في الهواء ويتخاطبون في تارك الارض ومغاربها وغيرها. مما ظهر وسيظهر فهل تظنهم الا يزدادون تكذيبا؟ وبه سخرية. ولهذا من حكمة الله ان الله لم يصرح بذكر هذه الامور. لان الناس مولعون بعدم التصديق بما لم يروه. او يروا نظيره. فلم يصرح بذكره رحمة عبادة ولكنه ذكر في غير اية من كتابه ما يدل على ذلك بحيث اذا وقعت هذه الامور فهم الناس دلالته عليها المؤمن يستفيد غاية الفائدة اذا نظر للمخترعات الحاضرة بنور ايمانه ودلالتها على المطالب العالية ولا شك ان فائدة المؤمن في معرفتها اعظم من فائدة من اخترعوها فلم ينتفعوا بها في امر دينهم ولا في امر دنياهم انما كانت وبالا عليهم فنسأل الله الا يزيغ قلوبنا وان يهدينا الى الصراط المستقيم. وصلى الله على محمد وسلم المسألة الثلاثون الوقت لك او عليك الوقت اما لك ربح ومغنم والا عليك وزر ومأثم واما خسارة وتفويت نافع وهذه الثلاثة الاقسام لابد للانسان من واحد منها. فمن كان وقته في طاعة الله من صلاة وصيام وقراءة وذكر وجهاد وحج وعلم وقيام بحق الله او بحقوق الخلق. فهو له مغنم وربح وسيحمد غبه بعد حين وسيغتبط بما قدمت يداه ولابد لمن كان على هذا الوصف من الراحات واستعمال ما يعين على العبادة من استعمال الطيبات. وهذه الوسائل ينسحب عليها حكم الوقت وتكون عبادات مع النية الصالحة ومن كان وقته في الشر وعمل المعاصي والاصرار على ما يسخط الله تعالى من جميع اجناس المعاصي المتعلقة بحق الله او حق خلقه فهو يسعى الى دار الشقاء وعاقبته اوخم العواقب. وسيجد غب اعماله اذا انقطعت الاسباب. فان تمتع في الدنيا قليلة اعقبه ذلك حزنا طويلا. ومن كان وقته في الغفلات والاشتغال بما لا يعين من اللذات والمباحات. فقد خسر وقته الذي وانفس من كل نفيس وخسر خسرانا مبينا وفاتته المتاجر والارباح فسبحان من فاوت بين عباده هذا التفاوت. انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض. وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيل قيل المسألة الحادية والثلاثون في مقاومة الفقر والجهل والمرض كثر بحث الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين اقطارهم في السعي في مقاومة الجهل والفقر والمرض. والسعي الى ذلك بكل الوسائل وزعموا او اكثرهم انهم ظفروا في هذه المهمة الكبيرة غفرا لم يصل الى قريب منه الاولون والاخرون. وصاروا يتبجحون ويفتخرون بذلك. وان هذا العصر هو عصر النور والرقي والتقدم الباهر. وان هذه المقاومة لهذه الاعداء الثلاثة التي يرون الاعداء والعداوة منحصرة فيها. قد نجحت تاما وصاروا يصفون ما وصلوا اليه باوصاف كثيرة فخدعوا وانخدع بهم غيرهم في هذه الدعاوى التي اذا حققت بحث فيها عن الغايات والمقاصد وعن الوسائل وما توصل اليه وجد الامر على خلاف ما يقولون. والواقع يعاكس ويناقض ما كانوا يظنون. وذلك ان الوسائل المطلوبة يقصد بها غاية الشريفة ومقاصدها العالية ومنافعها السامية. فمتى اوصلت الوسائل الى الخيرات والامور العالية؟ وقمعت الشرور الاضرار والمفاسد فهي التي يفتخر بها المفتخرون ويتنافس فيها المتنافسون. ولمثلها فليعمل العاملون. ومتى لم تحصل غايتها النافعة الشريفة بل توسل بها الى الامور الضارة الخسيسة صار ضررها كبيرا وشرها مستطيرا نقمة على اهلها. فالعلوم والمعارف يقصد بها هداية القلوب. وترقية الاخلاق. ومعرفة الطرق الى الاستفادة والدينية من الصنائع والاعمال وكيفية الوصول الى نافعها وتوقي ضارها. والمقصود من مقاومة الفقر والامراض على اختلاف انواعها بجميع طرقها التوسل بالابدان الصحيحة القوية الى كل عمل نافع ديني ودنيوي والتوسل الغنى الى التحرر من رق المخلوقين وقيام المعايش الضرورية والكمالية وقيام المشاريع الدينية والدنيوية التوسل بذلك كله الى القيام بما خلق له العباد من معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له. وقيام الدين الحق والذب عنه ومقاومة اهل الباطل وقيام جميع المصالح الكلية الدينية والدنيوية. فمتى كان سعي الناس في تحصيل العلوم والمعارف وفي الغنى وقوة الابدان وصحتها لتلك المقاصد الجليلة عاشوا عيشة طيبة وحياة طيبة. وتم لهم الرقي الروحي والجسدي وهو اصلاح الدين واصلاح الدنيا. وحصلت لهم الراحة التامة والسلم الدائم والحضارة الصحيحة. ومتى كانوا بعكس لذلك وكان سعيهم مقصورا على الامور المادية والاغراض الجسدية والاهواء النفسية ولم يكن لهم التفات الى ما خلقوا له من من صلاح القلوب وصلاح الاخلاق والاخلاص للخالق والاحسان الى المخلوق. صارت هذه الامور وبالا عليهم وصار شر غالبا لخيرها وضررها مربيا على نفعها. والتاريخ والواقع يشهدان بذلك فاعتبر بهذا الاصل احوال الخلق الامر مطابقا لما ذكرنا مطابقة صحيحة. المسألة الثانية والثلاثون في الميزان بينما يخرج من الدين من الكفر النفاق وما لا يخرج. الحمد لله يتضح هذا بذكر اصل كبير دل عليه الكتاب والسنة اتفق عليه سلف الامة وهو ان الناس ينقسمون الى ثلاثة اقسام. قسم خير لا شر فيه وقسم بالعكس والقسم الثالث ما يجتمع فيه خير وشر وايمان ونفاق وايمان وكفر. وهذه الاقسام انما تتم معرفتهم بمعرفة حقيقة الايمان ومعرفة ما يضاده من كفر ونفاق ومعصية. وبحسب اتصاف العبد بذلك. اما حقيقة الايمان الصحيح التام هو الايمان جميع ما امر الله به ورسوله من اصوله الكلية والجزئية. والاعتراف بذلك والانقياد ظاهرا وباطنا. لطاعة الله ورسوله تولة. فمتى كان العبد متحققا باصول الايمان منقادا بقلبه وبدنه لطاعة الله ورسوله. فقد قام بجميع ذلك اعتقادا انقيادا وطاعة فهو المؤمن حقا الذي اجتمع فيه الخير كله. وتمت له السعادة والفلاح. ومتى فقد احد الامرين او كليهما فهو كافر خارج من الدين. اما منافق يظهر الايمان ويبطن الكفر. واما كافر معلن بكفره. ومتى كان معه اصل الدين واعتقاداته المجملة ولكنه يخل بكثير من واجباته. ويتجرأ على المحرمات فهذا قد اجتمع فيه خير وشر. واسباب موجبة للعقاب بحسب ذلك. خصال نص الشارع على انها من النفاق او مشبه للمنافقين كالكسل عن الصلاة والرياء واخلاف الوعد والكذب والغدر وعدم الوفاء بالعهد وغير ذلك فهذا من النفاق الاصغر الذي يوجب العقوبة ويمنع من المثوبة ويخرج العبد من الايمان الكامل ويدخله في اوصاف بحسب ما فيه منها. ولكنه لا يخرج العبد من الايمان. وكذلك الكفر والشرك. منه اكبر مخرج من الدين التكذيب لله ورسوله والشرك في عبادة الله بان يصرف من العبادات شيئا لغير الله من المخلوقات ومنه كفر وشرك اصغر كالاقتتال بين المسلمين والنياحة والتبرأ من النسب والرياء ونحو ذلك. مما اطلق الشارع عليه الكفر او الشرك وهو لا يخرج من الدين فانه من شعب الكفر والشرك. ولهذا يجتمع في العبد خصال ايمان وخصال كفر ونفاق وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو الواقع وشواهد هذا الاصل الكبير من القرآن والسنة كثيرة جدا الله اعلم. المسألة الثالثة والثلاثون سئل عن بلاد الشرك ما تصير به بلاد اسلام وعما قارب لنا من بلاد العراق والبحرين وغيرهما. هل هي بلاد اسلام؟ وما يطلق عليها؟ وعن السفر لبلاد الشرك لاجل التجارة وعمن يقيم فيها ثم يرغب ويتأهل فيها ويسكن. وعن اظهار الدين في بلد المشركين. وما يلزم الرجل من الولاء رائي النطق بتكفير الكافر. الجواب هذه المسائل ولله الحمد معروفة. وكلام اهل العلم فيها معروف. نورد ما تيسر لنا ونرجو الله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ويجعل عمل الجميع خالصا لوجهه الكريم فنقول قد ذكر اهل العلم رحمهم الله الفرق بين بلاد الاسلام وبلاد الكفر. فبلاد الاسلام التي يحكمها المسلمون. وتجري فيها الاحكام الاسلامية ويكون النفوذ فيها للمسلمين. ولو كان جمهور اهلها كفارا وبلاد الكفر ضدها فهي التي يحكمها كفار وتجري فيها احكام الكفر. ويكون النفوذ فيها للكفار. وهي على نوعين بلاد كفار حربيين وبلاد مهادنين بينهم وبين المسلمين صلح وهدنة. فتصير اذا كانت الاحكام للكفار والنفوذ لهم دار كفار لو كان بهذا كثير من المسلمين كل احد يعرف ولا يشك ان العراق والبحرين وغيرهما من البلاد المجاورة ونحوها من المستعمرات الانجليزية. وانهم هم الذين لهم والحكم بها ولكنهم يدخلون في الكفار المهادنين لما بينهم وبين المسلمين من الامان في عدم تعدي احدهما على الاخر ارتباط التجارة كما هو معروف لكل احد واما الهجرة من دار الكفار سواء كانت دار حرب او دار صلح وهدنة فنسوق فيها كلام اهل العلم وادلتهم فيها بلفظها فقال في المغني قصف في الهجرة وهي الخروج من دار الكفر الى دار الاسلام. قال الله تعالى ان الذين توفاهم الملائكة ظالمين انفسهم الى اخر الايات واورد الادلة الى اخره واطال الكلام رحمه الله. فمن اراد المراجعة فعليه به وقال ايضا في الاقناع وشرحه وحكم الهجرة الى اخره. فمن اراد المراجعة فليراجعه كذلك ذكر في المنتهى وشرحه كذلك ابن مفلح في الفروع وكلام اهل العلم في هذه المسألة كثير. متفقون على الوجوب اذا عجز عن اظهار دينه استحبابه اذا كان قادرا على ذلك وليس لاحد خروج عما قالوا واستدلوا عليه وعللوه. يبقى علينا ما هو اظهار الدين وما هو الدين؟ فالاظهار ضد الاخفاء والمظهر لدينه هو الذي يتمكن من اعلانه ولا يضطهد على ذلك ولا يخفيه. والعاجز عن الاظهار هو الذي لا يقدر على اظهار ايمانه وتوحيده وعقائد دينه وشرائعه. والدين لا يحد ولا يفسر بتفسير احد. ولا اوضح من تفسير النبي صلى الله الله عليه وسلم ولا اجمع فانه فسره بمجموع عقائد الدين وشرائعه وحقائقه. حيث بين ان الايمان هو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. والاسلام وشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. والاحسان ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. وقال في اخره هذا جبريل اتاكم يعلمكم امر دينكم. فجعل ذلك كله هو الدين. فمتى قدر الانسان على اظهار هذه الامور وعدم اخفاء شيء منها فهو المظهر لدينه. ومتى عجز عن اظهارها او شيء منها فهو عاجز عن اظهار دينه. وهذا بحمد الله واضح لا اشكال فيه فلو كان يقدر ان يصلي ويصوم لكن لا يقدر ان يظهر توحيده وايمانه وعقيدته كان عاجزا عن اظهار دينه. وقد تقدم ان الكفر نوعان بلاد حرب واضطهاد وبلاد عهد وهدنة وامن. ويدل على هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن لاصحابه ان يهاجروا من مكة حيث كانت بلاد كفر واضطهاد واذية وفتنة للمؤمنين الى بلاد الحبشة وهي بلاد كفر ولكنها بلاد امن واطمئنان. وهي اخف بكثير من بلاد الفتنة الشر القليل اهون من الشر الكثير. ولهذا تمكن الصحابة رضي الله عنهم من اظهار دينهم فيها. حتى ان الوفد الذي ارسلته قريش الى النجاشي بهدايا كثيرة عالجوا النجاشي في تسليم المؤمنين اليهم. فلم يفعله حتى قالوا له انهم يقولون في عيسى قولا العظيمة لتهييجه على الغضب عليهم لعله يسلمهم اليهم. انهم يقولون ان عيسى عبد الله ورسوله. فلما دعا النجاشي جعفرا واصحابه ليسألهم عما قالوه عنهم. فلم يسعهم رضي الله عنهم حتى صرحوا بمقالتهم بين يدي النجاشي. وانه الله ورسوله فاعترف النجاشي بالحق وطرد الوفد وارجعهم خائبين. ولم يكن عند النجاشي قبل هذا المجلس علم بما اكانوا يقولونه في عيسى؟ والمقصود انه لابد من اظهار الدين وشرائعه اذا نظرنا الى ما حولنا من الممالك المذكورة في هذه الاوقات وجدنا انه يتمكن كل احد من اظهار دينه ومعتقده لانتشار الحرية فصار المؤمن والكافر والبر والفاجر كل يعلن بما اعتقده وان حصل تقصير او افتتان فهو من كثرة الشر. ولا يؤتى العبد الا من قبل نفسه. ولهذا كان الدعاة لمذهب السلف كالشيخ محمد رشيد والالوسيين والشيخ قاسم بن مهزع وغيرهم يظهرون مذهب السلف والدعوة الى الدين الاسلامي اصوله وشرائعه. ما هو معروف معلوم من غير معارض ولا ممانع ذلك من عنده دين من اهل نجد اذا ذهبوا لتلك الاقطار المذكورة فانهم يتمكنون من اظهار ما هم عليه وهذا امر لا يشك فيه ولكن من اعظم الاخطار الاقامة مع العائلة هناك وادخالهم في المدارس التي لا يخرج منها احد الا وهو مختل العقيدة الا ما شاء الله. وبهذا الذي ذكرناه يعلم ان من كان عاجزا عن اظهار دينه لا يحل له المقام بلا شك. لكن بشرط قدرته على الهجرة. واما السفر الى هذه الاقطار للاتجاه مع حفظ العبد لدينه وقدرته على اظهاره. فما المانع من ذلك؟ والمسلمون ما زالوا يسافرون للتجارة لبلاد الكفر في وقت الصحابة رضي الله عنهم وقد ذكر ذلك اهل العلم رحمهم الله تعالى وذكروا ما يدل عليه فقال في المغني مسألة واذا دخل الينا منهم تاجر حربي بامان اخذ منه العشر وقال ابو حنيفة لا يؤخذ منهم الا ان يكونوا يأخذون منا شيئا. فنأخذ منهم مثله. لما روي عن ابي مجلز لاحقا ابن حميد قال قالوا لعمر كيف نأخذ من اهل الحرب اذا قدموا علينا؟ قال كيف يأخذون منكم اذا دخلتم اليهم؟ قالوا العشر. قال فكذلك خذوا منهم. وعن زياد بن حدير قال كنا لا نعشر مسلما ولا معاهدا. قال كفار اهل الحرب فنأخذ منهم كما يأخذون منا كذلك ذكر صاحب الشرح الكبير وهذا صريح في التجار الصحابة ومن بعدهم من المسلمين الى دار الحرب بالتجارة فكيف دار الذين لهم عهد وامان وهدنة قال ابن مفلح في الفروع واهل الحرب اذا دخلوا الينا تجارا بامان اخذ منهم العشر دفعة واحدة سواء عشروا اموال المسلمين اذا دخلوا اليها ام لا. وعنه ان فعلوا ذلك بما فعلناه بهم والا فلا وقد ذكر هذه المسألة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجمع بين الشرح والانصاف فقال ومن دخل دار الحرب رسولا او تاجرا بامانهم فخيانتهم محرمة عليه. انما اعطوا الامان مشروطا بترك خيانتهم وكذلك ذكر ذلك في الاقناع والمنتهى وغيرهما من كتب اهل العلم. وكل هذا دليل على جواز الاتجار الى بلدانهم. بشرط ان يتمكن الانسان من اقامة دينه وحفظه ومن فضل الله ان اهل نجد اعزاء في كل مكان يأتون اليه من هذه الاقطار. وذلك بفضل الله ثم بفضل سعي حكومتهم تمكنون من اظهار دينهم ومعتقداتهم. ومن قصر في شيء من ذلك فذلك من قبل نفسه. ومن تأمل الامور وعرف الواقع لم يبقى عنده ريب في هذا ولا شك والله الموفق واما قولك وما يلزم الانسان في الولاء والبراء والنطق بتكفير الكافر فهذه مسألة مبنية على اصل كبير. وهو ان الله تعالى عقد الاخوة والموالاة والمحبة بين المؤمنين كلهم ونهى عن موالاة الكافرين كلهم من يهود ونصارى ومجوس ومشركين وملحدين ومارقين وغيرهم. وهذا الاصل متفق عليه بين المسلمين ودلائل هذا من الكتاب والسنة كثيرة معروفة. فكل مؤمن موحد تارك لجميع المكفرات الشرعية فانه تجب محبته وموالاته ونصرته وكل من كان بخلاف ذلك انه يجب التقرب الى الله ببغضه ومعاداته وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة. فالولاء والبراء تابع للحب البغض الحب والبغض هو الاصل. واصل الايمان ان تحب في الله انبيائه واتباعهم. وان تبغض في الله اعداءه واعداء رسله وكل من حكم الشرع بتكفيره فانه يجب تكفيره. ومن لم يكفر من كفره الله ورسوله فهو كافر مكذب لله ورسوله وذلك اذا ثبت عنده كفره بدليل شرعي. والله سبحانه وتعالى اعلم. وان حصل لكم اشكال في هذا الكلام او في البحث فالاحسن ان يكون شفهيا. والله تعالى يتولانا واياكم برحمته. ونسأله الا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. وصلى الله على نبينا واله وصحبه وسلم. المسألة الرابعة والثلاثون في اختلاط المسلمين بالكفار الاختلاط بين المسلمين والكفار الذي لا يحصل منه الا شر وضرر وتهاون بالدين ورغبة في امور الكفار واحوالهم فهذا من اعظم المنكرات واشدها ضررا وعلى ولاة الامور وفقهم الله لاقامة الدين. اذا ابتلوا بمثل هذا الاختلاط ان يراقبوا المسلمين ويلزموهم باقامة بدينهم ويمنعوهم اشد المنع من مجاراة الكفار على التهاون بامور الدين ويتفقدوهم تفقدا دقيقا فان خلطتهم لهم فيها خطر كبير. فيجب ان يتلافى هذا الخطر من لهم الامر وهم المسؤولون عن ذلك. المتعين وعليهم نرجو الله تعالى ان يأخذ بنواصيهم الى الخير انه جواد كريم المسألة الخامسة والثلاثون في اداب العالم والمتعلم. سين ما الاداب التي ينبغي للعالم والمتعلم التخلق بها اصل الادب لكل منهما الاخلاص لله وطلب مرضاته وقصد احياء الدين. والاقتداء بسيد المرسلين فيقصد وجه الله تعالى من تعلمه وتعليمه تفهمه وتفهيمه في مطالعته ومدارسته ومراجعته ويزيل عن نفسه وغيره موت الجهل وظلمته وينير قلبه ويحييه بالعلم النافع. فان العلم نور يستضاء به في الظلمات. وحندس الجهالات. فكلما ازداد علما نورا لمعرفة الحق من الباطل والهدى من الضلال والحلال من الحرام. والصحيح من الفاسد وعرف مراتب الاشياء طرق الخير من الشر. فالعلم عبادة تجمع عدة قربات. التقرب الى الله بالاشتغال به فان اكثر الائمة نصوا على تفضيله على امهات العبادات وذلك في اوقاتهم الزاهرة بالعلم. فكيف بهذه الاوقات التي تتلاشى فيه او كاد ان يضمحل والاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وان من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة ونفعه واصل لصاحبه ومتعد الى غيره ونافع لصاحبه حيا وميتا. واذا انقطعت الاعمال بالموت وطويت صحيفة العبد اهل العلم حسناتهم تتزايد. كلما انتفع بارشادهم واهتدي باقوالهم وافعالهم. فحقيق بالعاقل الموفق ان ينفق فيه نفائس اوقاته وجواهر عمره وان يعده ليوم فقره وفاقته. وينبغي للمعلم ان يصبر على التعليم. ويبذل جهده في بتفهيم كل طالب ما يتحمله ذهنه ولا يشغله بكثرة القراءات او بما لا يتحمله ذهنه. وان ينشطه على الدوام ويكثر من سؤاله وامتحانه ويمرنه على المباحثة وتصوير المسائل وبيان حكمتها ومآخذها. ومن اي الاصول الشرعية اخذت فان معرفة الاصول والضوابط واعتبارها بالمسائل والصور من انفع طرق التعليم كلما ذاق طالب العلم لذة فهمه وحسن مأخذه ازدادت رغبته وقوي فهمه كذلك ينبغي له ان يوقد فهمه بكثرة البحث. والسؤال والجواب ويريه السرور اذا اورد عليه سؤالا او اشكالا او بما قاله فان القصد النفع والوصول للحق لا الانتصار للقول الذي يقوله. والمذهب الذي يصير اليه بل اذا ارشده من دونه الى خلل بما قاله شكره عليه وبحث معه بحثا يقصد منه الوصول الى الحقيقة لا نصر ما هو عليه من الطريقة ورجوع المعلم الى فهم المتعلم حيث يكون اقرب الى الصواب اجل شيء على فضيلته وعلو مرتبته وحسن خلقه واخلاصه لله تعالى. اذا لم يصل الى هذه الحال فليعود نفسه ذلك وليتمرن عليه. فان المزاولات تعطي الملكات والتمرينات ترقي صاحبها لدرج الكمال فينبغي للمتعلم ان يحسن الادب مع معلمه ويحمد الله اذ يسر له من يعلمه من جهله ويحييه من موته ويوقظه من سنته وينتهز الفرصة كل وقت في الاخذ عنه. ويكثر من الدعاء له حاضرا وغائبا. فان النبي صلى الله عليه قال من صنع اليكم معروفا فكافئوه فان لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا انكم قد كافأتموه واي معروف اعظم من معروف العلم كل معروف ينقطع الا معروف العلم والنصح والارشاد كل مسألة استفيدت عن الانسان فما فوقها حصل بها نفع لمتعلمها وغيره انه معروف وحسنات تجري لصاحبها قد اخبرني صاحب لي كان قد افتى في مسألة في الفرائض كان شيخه قد توفي انه رآه في المنام يقرأ في قبره فقال المسألة الفلانية التي افتيت فيها وصلني اجرها هذا امر معروف في الشرع. من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة وينبغي ايضا للمتعلم ان يلطف بالسؤال ويرفق بمعلمه ولا يسأله في حالة ضجر او ملل او غضب لئلا يتصور خلاف فالحق مع تشوش الذهن واقل الحالات ان يقع الجواب ناقصا. فاذا رآه مخطئا في شيء فلا يصرح بالخطأ. بل ينبهه بصورة متعلم وسائل فانه لا يزال كذلك حتى يتضح له الصواب. لان كثيرا من الناس اذا صرحت له بخطئه بعد رجوعه وصعب عليه الامر الا من ملك نفسه فانه لا يبالي اذا رد عليه قوله وصرح له بالخطأ هذا الحال من اندر الاحوال وليس بين العبد وبينها الا توفيق الله. والاجتهاد في رياضة النفس. وكذلك ينبغي للمتعلم اذا دخل في فن من فنون العلم ان ينظر الى كل باب من ابواب العلم فيحفظ منه الاشياء المهمة وبحوثه النافعة فيحققها ويتصورها كما ينبغي ويحرص على مآخذها وما هي مبنية عليه فانه لا يزال على هذه الحال حتى يحصل له خير كثير وعلم غزير ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. ويسأل الله التوفيق والهداية دائما فانه قريب مجيب. وصلى الله الله على محمد وسلم. المسألة السادسة والثلاثون لفائدة السؤال لمن يوجه اليه سين ما فائدة السؤال لمن يوجه اليه؟ جيم يقول الشيخ في جملة جواب له ونحن ممنونون في كل ما يقع لكم من الاشكالات لانها قد تصير سببا لبحث امور لم تخطر على البال. ومراجعة محالها وهذا من طرق العلم فلا تحرمون ذلك. ارجو الله ان يجعل عملنا واياكم خالصا لوجهه فينبغي للمفتي والعامل في مسائل الخلاف ان يتحرز غاية التحرز في الخروج من الخلاف وان يسلك طريق الاحتياط في فتواه وعمله. الا اذا كان الخلاف ضعيفا جدا لا ينظر اليه وليس له حظ من النظر هذا في ابتداء الامر وفي الامر الذي يمكن تلافيه فاما اذا مضى الامر وحصل العمل وحصل العمل بقول مفت والمسألة خلافية والخلاف فيها قولي له حظ من النظر والدليل فينبغي عدم الحكم نقضه وابطاله لان الامور لها احوال وقت الابتداء لان الامور لها احوال وقت الابتداء وان كان التدارك وال اذا تعذر ذلك. المسألة السابعة والثلاثون في اقسام العلوم ما اقسام العلوم سين ما اقسام العلوم جيم العلوم قسمان علوم نافعة تزكي النفس وتهذب الاخلاق تصلح العقائد وتكون بها الاعمال صالحة مثمرة للخيرات. وهي العلوم الشرعية وما يتبعها مما يعين عليها من علوم العربية والنوع الثاني علوم لا يقصد بها تهذيب الاخلاق واصلاح العقائد وانما يقصد بها المنافع الدنيوية فقط. فهذه من الصناعات وتتفاوت بتفاوت منافعها الدنيوية فان قصد بها الخير وبنيت على الايمان والدين صارت علوما دنيوية دينية. وان لم يقصد بها الدين صارت علوما دنيوية محضة لا غاية شريفة لها. بل غاياتها دنيئة ناقصة جدا. وربما ضرب اهلها من وجهين. احدهما قد تكون سببا لشقائهم الدنيوي وهلاكهم وحلول المثلات بهم. كما هو مشاهد في هذه الاوقات. حيث صار ضرر العلوم التي احدثت المخترعات والاسلحة الفتاكة شرا عظيما على اهلها وغيرهم. والثاني ان اهلها يحدث لهم الزهو والكبر والاعجاب بها وجعلها هي الغاية المقصودة من كل شيء. فيحتقرون غيرهم ويناوئون علوم الرسل التي هي العلوم النافعة. فيدفعونها تكبرون عنها فرحين بعلومهم التي تميزوا بها عن كثير من الناس. فهؤلاء ينطبق عليهم اتم الانطباق. قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من علم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون. فنعوذ بالله من علم لا ينفع التفسير سين اي القولين اصح في قوله تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به جيم التأويل يطلق بمعنى التفسير والعلم به. ويطلق بمعنى بيان الحقيقة التي يؤول اليها الامر ان كان الاول فيكون قوله والراسخون معطوفا على قوله الا الله وعلى هذا فان معناه ان المتشابه هو ضد المحكم وهو الذي فيه احتمالات فالراسخون في العلم يفهمونه ويرجعونه الى المحكم. فالنص الصريح يقضي على النص الذي فيه عدة احتمالات. وان كان الثاني الذي هو بمعنى نفس حقيقة المخبر عنه من صفات الله وصفات اليوم الاخر لا يعلم كونه ذلك وكيفيته الا الله تعالى فيكون الوقوف على الا الله ويكون معنى قوله والراسخون في العلم بمعنى انهم يفوضون معرفة الكنه والكيفية الى الله ويقولون امنا به كل من عند ربنا. اي وما كان من عند ربنا فهو حق سواء عرفنا كنهه ام لا. وكلا صحيح وقد قال بكل منهما طائفة من السلف. والجمع بينهما على ما ذكرنا من اختلاف معنى التأويل اولى واحسن اصول الفقه سين لماذا انفردت بعض مسائل الفقه بحكم خاص؟ جيم اعلم على وجه الاجمال انه لا يوجد في الشرع مسألة واحدة انفردت عن جميع نظائرها بحكم خاص الا لسبب ووصف امتازت به واوجب لها الخروج عن نظائرها. لان من اصول الشرع المطردة ان الشارع لا يفرق بين المتماثلات من كل وجه. واذا اتبعت هذا نوع وجدت الامر كما ذكرنا من ذلك باب العاقلة. فان الاصل ان على المتلف ضمان ما اتلفه. ولكن لما كان قتل الخطأ وشبهه يكثر. والقاتل لم عم التعمدا محضا وحمله جميع الدية شاق متعذر او متعسر جدا. والعصبة كانوا يتعاونون ويتناصرون في كثير من الامور فكان من الحكمة الشرعية حملهم على القاتل الدية في هذه الحال تحقيقا للمناصرة وحثا على المعاونة وتسهيل الامر عليهم من وجوه. من جهة تعميمهم فيها وتحميلهم بحسب حالهم تأجيلها عليهم ثلاث سنين كل عام ثلثها. فحينئذ تخف عليهم ولا تهدر الدماء المعصومة. وايضا متاع العاقلة انهم هم الحاملون لذلك منعوا مجانينهم وصغارهم وسفهائهم من الاسباب التي يحصل بها القتل. خوفا من التحميل وشفقة عليهم فكان حمله العاقلة من المعاونات العرفية ومن المحاسن الشرعية ومن ذلك القسامة لان الاصل المدعي عليه البينة واليمين على المدعى عليه واما القسامة فلما تعذرت البينة على المدعي وحصل اللوث الذي هو القرائن الظاهرة القوية قوي حينئذ جانب دعين فصار القول قولهم لكن على وجه لا يكاد يقدم عليه احد الا بعد التروي والتحقق واليقين او شبهه ان المدعى عليه هو القاتل. بان يقسم جميع رجال الاولياء خمسين يمينا على القاتل. فمع وجود القرائن الظاهرة ومع مع اقدام جميع الاولياء ومع هذه الايمان المكررة المغلظة يتضح حينئذ ان قبول قول المدعين اقوى من كثير من البينات كما هو ظاهر لكل احد ومن ذلك باب النذر مخالف للاصل الذي هو ان الوسائل لها احكام المقاصد. والنذر عقده مكروه وهو الوسيلة والوفاء به واجب وهو المقصود. فالشارع نهى عن النذر وقال انه لا يأتي بخير. وامر بالوفاء به ومدح المفيد والسبب ظاهر فان ايجاب الانسان على نفسه شيئا من العبادات التي عافاه الله من وجوبها تعرض للبلاء وتعرض للمعصية والانسان ينبغي له ان يسعى في اسباب العافية الدينية والدنيوية من كل وجه. فاذا نذر وقد حمل نفسه لا يدري هل يطيقه ام لا فهذا من جهة ومن جهة اخرى ان العبادة لله لا تتم ولا تكمل الا بالاخلاص التام لله. والنذر فيه اخلال من الاخلاص ونقص. فانه اذا قال العبد بالله علي نذر ان شفاني او شفى مريضي او اعطاني الشيء الفلاني لافعلن كذا وكذا من العبادات. ثم حصل له كان ذلك يشبه المعاوضة والمقابلة وانه لم يفعل العبادة التي عينها الا بالشرط الذي علقها عليه. والاخلاص المحض ان يكون الداعي الحامل للعمل وجه الله خالصا. لا الجزاء العاجل. ومن جهة اخرى ان النادر جزم على الفعل. ولم يعلقه بالمشيئة وهو من هذا الوجه كالمتعالي على الله. ومن جهة اخرى كثير من الناس يظن ان النذر سبب لحصول الامر المنظور. وهذا كذب بنص الشارع حيث قال انه لا يأتي بخير. وانما يستخرج به من البخيل. فهو ليس من الاسباب التي نصبها سارعوا لحصول مسبباتها وفي قوله وانما يستخرج به من البخيل اشارة الى ضعف اخلاص الانسان فان البخيل الذي لا داعي قوي عنده من الايمان يقضي على بخله. وانما يستخرج منه مثل النذر ونحوه فكأن خيره الذي فيه ناقص رديء. فبهذه الاسباب كان عقد النذر مكروها والوفاء به واجبا ومنها باب الشفعة ان الاصل ان مال الغير لا يتملكه الانسان الا باختياره ورضاه المشتري للشخص الذي تملكه بالشراء جعل الشارع للشريك ان يتملكه منه قهرا عليه بسبب ظاهر وهو ازالة ضرر الشركة من غير ضرر يكون على المشتري. فالمشتري يعود اليه الثمن الذي بذله. ولم يكن قبل هذا مالكا متصرفا فاباح الشارع للمالك الاصل الذي له من التصرفات السابقة والحاضرة والمستقبلة والعمارات وتوابعها ان هلكه من هذا المشتري الحادث ازالة لضرره وتتميما لمقاصده. وحقق ذلك ان كانت الشفعة في العقارات التي لم تقسم بخلاف المنقولات ونحوها. لان ضرر العقارات اكثر وادوم من غيره ومنها باب الوقف فان الاصل في الاموال جواز التصرفات المطلقة فيها من جميع الوجوه. والوقف قد علمت احكامه الكثيرة والخاصة مترتبة على انه تسبيل الاصل وتوقيف المنافع وذلك لما يترتب عليه من المصالح المتسلسلة النافعة للحاضرين والمستقبلين وللاحياء والاموات وللمصالح الخاصة والمصالح العامة ومنها احكام امهات الاولاد فان الاصل ان الاماء يتصرف فيها سيدها في منافعها ورقبتها. لانه لما تولد الولد الحر فيها ما من سيدها سرى منه شيء اقتضى ثبوت هذه الاحكام المتبعة في حال حياة سيدها وانه يتصرف في منافعها دون رقبتها. وبعد موته يثبت لها الخروج التام عن ملكه فهذه الخواص لهذا السبب اوجبت اختصاصها باحكامها المعروفة ومنها في العبادات الحج والعمرة فان فيها خواصا اختصت بها من بين سائر العبادات. العبادات لا يجب اتمام نوافلها الحج والعمرة اذا شرع فيهما يجب اتمامهما. لان الشروع في عقديهما بمنزلة ايجاب العبد على نفسه شيئا من العبادات ولذا قال تعالى فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اوجبه على نفسه وقال سبحانه ثم ليقضوا تفتهم وليوفوا نذورهم. فسمى متعبدات النسك نذورا. الا انه اوجبها على نفسه بعقد الاحرام ومنها ان من عليه حجة الاسلام لا يصح ان يصرفها عن غيرها. ولا ان يحج عن غيره. فان فعل ذلك انقلبت الى نفسه عن حجة الاسلام بان اول نسك بعد وجوبه على المكلف غير قابل لغير الفريضة الاسلامية التي هي فريضة العمر. فمهما نوى العبد فيها من النيات المنافية لهذا القصد بطلت تلك النيات المعارضة وبقي الاصل سالما ومنها ان المفرد والقارن اذا طاف للقدوم وسعى بعده سعي الحج ثم قالب ذلك ونسخه الى العمرة كان هذا المشروع والافضل ان ذلك الطواف الذي كان للقدوم وذلك السعي الذي كان للحج ينقلبان للعمرة ركنين من اركانها. مع انه الطواف بنية النفل وهو طواف القدوم. وادى السعي بنية سعي الحج. ثم انقلب كما ترى. وهذا يعد من الغرائب السبب في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة. والعمرة ايضا هي الحج الاصغر وايضا اذا فسخ القران والافراد ناويا التمتع فهو في الحقيقة لم ينقص مما سبق له من الاعمال والنيات وانما اتى بها على وجه اكمل فهو لم يصرفها الى شيء اخر. وانما ادارها من صفة الى صفة احسن منها واتم. كما امر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه بعدما طافوا وسعوا ان يجعلوها عمرة واكتفوا بذلك الطواف والسعي عنها مع ان اكثرهم لم يفسخ الا بعدما كان السعي. فللحج والعمرة من الارتباط الوثيق ما ليس لغيرهما من العبادات. فهذا الذي اوجب استغراب هذه المسائل التي لا نظير لها بل تخالف نظائرها. ومنها لو اراد المحرم الخروج من احرامه قبل الفراغ من نسكه بدون عذر حصر او نحوه لم يتمكن من ذلك وفسخه غير معتبر وغير مبطل للنسك كما ذكرنا من لزوم اتمام فرضها ونفلها. وعدم قبول النسك لشيء اخر والله اعلم ومن المسائل الغريبة على ما فيها من الخلاف مسألة منع الرجل من الماء الذي خلت به المرأة لطهارة الحدث دون الخبث فهي غريبة من عدة وجوه. القائلون بها لا يعللون ذلك بل يقولون ان هذا تعبدي. لانهم لا يشاهدون لها تعليلا واما الذين يرون ضعفها فتخرج المسألة عندهم من هذا الباب وهو الصواب لادلة كثيرة مذكورة في غير هذا الموضع ومن المسائل الغريبة ان المسبوق في الصلاة اذا زاد امامه ركعة سهوا لا يعتد بها المسبوق. بل ياتي بركعة غيرها ويقولون اذا لغت في حق الامام لغت في حقه. وهذا تعليل فيه ضعف كثير. فان الامام انما لغت في حقه لكونها وقعت طوفة بصفتي السهو والزيادة على ما يجب عليه. اما المأموم فلا وجه لالغائها اذا كان مسبوقا بركعة فاكثر. لانه اصلية في حقه لا زائدة. وايضا فانه وقع الاجماع على انه من زاد في فريضة ركعة واحدة متعمدا فصلاة باطلة ولم يستثنى من هذا العموم سورة واحدة. فلما خرجت هذه السورة عن هذا العموم؟ وعدم اعتبارها في حق الامام ليوجب خروجها والله اعلم. ومن الغرائب ايضا بعض عيوب الاضاحي عند القائلين بها مثل الغضباء التي ذهب اكثر اذنها او قرنها والعصماء التي انكسر غلاف قرنها دون ان يحدث مرضا او جرحا ونحوهما. فان هذا مخالف للمعهود والمعقول من العيوب الضارة هي المريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والعوراء البين عورها والهزيلة التي لا مخ فيها وما كان مثلها واولى منها وكذلك العيوب في البيع والمعاوضات وما نقص من قيمة العوض او المعوض. وهذا معقول كذلك عيوب الرقبة في الكفارة وهو عيب واحد. وهو كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا. فكل هذا مما ينافي المقصود واما بعض عيوب الاضاحي المذكورة فعند القائلين به يقولون تعبدي. لان فقدها لا يضر باللحم ولا بالقيمة لغير هذا الغرب واما من يقول تجزئ وليست من العيوب المانعة وانما هي من الكماليات كما هو القول القوي فيزول هذا الاستغراب ونظير هذا العيوب في النكاح. عينوا منها عدة اشياء ونفوا منها عيوبا في الحقيقة هي مثلها. او ربما كانت اعظم منها فيعد هذا النفي من غرائب العلم عند القائلين به. مثل العمى والصمم وقطع اليدين والرجلين والخرس وحيث ان القول ضعيف لا يجيب القائلون به الا بجواب ضعيف. واما على القول الصحيح وهي ان هذه الامور من العيوب للفسخ قوى الخيار فيزول هذا الاستغراب لان العيب الحقيقي ما نقص المعقود عليه وما منع حصول المقصود كله او بعضه فاذا طردنا هذا ولم نستثني شيئا كنا اخذنا بما هو معقول مستحسن عرفا وشرعا. والله اعلم. ومن غرائب بالعلم الصحيحة امور اختص بها النكاح لاسباب قد ذكرناها في السؤال والجواب. وهي احكام متعددة ومن غرائب العلم عند القائلين به ان صلاة المأموم تبطل بصلاة امامه مع انه اذا لم يعلم بالبطلان الا بعد الصلاة اعاد الامام ولم يعد المأموم. ووجه الاستغراب ان الاصل الشرعي الفقهي ان كل مصل لا تبطل صلاته الا اذا ترك بعض الشروط او الاركان او الواجبات لغير عذر. او فعل بعض المبطلات وهذه المسألة عند القائلين بها ابطلت صلاة المأموم بامر خارج عن فعله وعمده بل ببطلان صلاة امامه هذا بان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة امامه. فاذا بطلت صلاة الامام بطلت صلاة المأموم والصواب القول الاخر انها لا تبطل. فعلى هذا القول الصحيح لا تصير من الغرائب. بل هي جارية على الاصل. والعبادة لا الا بالاشياء التي ابطلها الشارع وهذه ليست منها. ولهذا من لم يعلم الا بعد الصلاة فصلاة المأموم صحيحة والارتباط الذي عللوا به انما هو وجوب المتابعة لا غير واما بقية الاحكام فكل مصل له ما كسب وعليه ما اكتسب ومنها بعض مسائل الاستبراء فان الاستبراء الغرض منه معرفة براءة الرحم من ولد الغير لئلا تختلط المياه. وتشتبه انساب وذلك عند الشك في اشتغال الرحم معقول. واما عند اليقين ببراءة الرحم فاذا ملك الامة من امرأة او صبي او ممن يعلم انه استبرأها. فايجاب الاستبراء غريب. ولكن يعللون ذلك بالتعبد تارة. وبالاحتياط وسد الذريعة تارة اخرى طريق الاحتياط مطلوب شرعا وعرفا. ومن العلماء من قال انه في هذه المسائل التي يعلم يقينا براءة الرحم بها؟ لا يجب استبراء كما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية فعلى قولهم لا غرابة في هذه المسائل واما مسائل العدد فليس فيها شيء غريب لانه ليس فيها علة واحدة. وهي طلب براءة الرحم. بل لها عدة علل. فاذا فقد بعضها فالبقية موجودة فانه يقصد منها براءة الرحم واداء حق الزوج او الزوجة تطويل العدة للتمكن من الرجعة ولجريان النفقة وللاحتياط للولد ولغير ذلك من الحكم الظاهرة للمتأمل والله اعلم من ذلك انتقاض وضوء الماسح على الخفين بتمام المدة. ويخلع الممسوح عند القائلين به. فانها من النواقض الغريبة لان انه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء. لا حدث ولا ما هو مظنة الحدث. لكنهم يعللون بان المسح ضرورة. ولا يجتمع مع غسل وهي علة ضعيفة ومن قال لا ينقض الوضوء بالخلع ولا بتمام المدة فقوله اصح. ولم يأت دليل شرعي يدل على النقض بهما. والاصل وعدم النقض وهذا القول هو الصواب وبه تخرج المسألة من الاستغراب. ولنقتصر من هذه الفائدة على هذه الامثلة التي يحصل بها التوضيح وفتح هذا الباب. والله الموفق