المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله خمسة عشر من كتاب العقل والنقل. خمسة وخمسون ومئة وفساد المعارض لما جاء به الرسول قد يعلم جملة وتفصيلا. اما الجملة فانهما من امن بالله ورسوله ايمانا تاما وعلم مراد الرسول قطعا تيقن ثبوت ما اخبر به. وعلم ان ما عارض ذلك من الحجج فهي حجج داحضة قال سبحانه والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة تنعم عند ربهم حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب باب شديد. واما التفصيل فبعلم فساد تلك الحجة المعارضة. ستة وخمسون ومئة. والرسول بلغ البلاء المبين وبين مراده فكل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه انه يحتاج فيه الى التأويل الاصطلاحي الخاص الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره فلابد ان يكون الرسول قد بين مراده بذلك اللفظ بخطاب اخر لا يجوز عليه ان يتكلم بالكلام الذي مفهومه ومدلوله باطل ويسكت عن بيان المراد الحق ولا يجوز ان يريد من الخلق ان يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه. بامكان معرفة ذلك بعقولهم فان هذا قدح في الرسول الذي بلغ البلاغ المبين. الذي هدى الله به العباد واخرجهم من الظلمات الى النور. وفرق الله به بين الحق والباطل اطل وبين الهدى والضلال وبين الرشاد والغي وبين اولياء الله واعدائه وبين ما يستحقه الرب من الاسماء والصفات. وما ينزه عن من ذلك حتى اوضح الله به السبيل وانار به الدليل وهدى به الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. سبعة وخمسون ومئة والرسول اعلم الخلق بالحق. واقدر الناس على بيان الحق. وانصح الخلق للخلق وهذا يوجب ان يكون بيانه للحق اكمل من بيان كل احد. ثمانية وخمسون ومئة. اصول الدين اما ان تكون مسائل يجب يقادها ويجب ان تذكر قولا او تعمل عملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعادن او دلائل هذه المسائل. اما القسم اول فكل ما يحتاج الناس الى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر. اذ هذا من اعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس. وهو من اعظم ما اقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه فكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه. والحكمة التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملة في ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب. الحمد لله الذي بعث فينا رسولا من انفسنا يتلو علينا اياته ويزكينا ويعلمنا الكتابة والحكمة الذي اكمل لنا الدين واتم علينا النعمة ورضي لنا الاسلام دينا. الذي انزل الكتاب تفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى مسلمين. واما القسم الثاني وهو دلائل هذه المسائل فان الله بين من الادلة العقلية التي يحتاج اليها في العلم ما لا يقدر احد منها هؤلاء اهل الكلام والفلاسفة وغيرهم قدره. ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على احسن وجه. وذلك كالامثال المضروبة التي يذكرها الله الله في كتابه التي قال فيها ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فان الامثال المضروبة هي الاقيسة العقلية سواء كانت قياس شمول او قياس تمثيل. ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين وهو القياس الشمولي المؤلف من المقدمات اليقينية تسعة وخمسون ومئة. وفي القرآن والحكمة النبوية عامة اصول الدين من المسائل والدلائل ستون ومئة. ذم السلف والائمة للكلام واهله متناول لمن استدل بالادلة الفاسدة. او استدل على المقالات الباطلة. فاما من قال الحق الذي اذن الله فيه حكما ودليلا فهو من اهل العلم والايمان. والله يقول الحق ويهدي السبيل. واما مخاطبة اهل الاصطلاح اصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه اذا احتيج الى ذلك. وكانت المعاني صحيحة وانما كرهه الائمة اذا لم يحتج اليه. واحد وستون ومئة. فاذا عرفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة. وعبر عنها لمن يفهم بهذه الالفاظ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما خالفت هذا عظيم المنفعة. وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه. ونهى الكتاب والسنة عن امور منها القول على والله بغير علم وقول غير الحق والجدل بغير علم والجدل في اياته والتفرق والاختلاف. اثنان وستون ومئة. يجب على كل احد ان يؤمن بما جاء به الرسول ايمانا مجملا عاما. ولا ريب ان معرفة ما جاء به على التفصيل فرض الكفاية. فان ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله وداخل في تدبير القرآن وعلم الكتاب والحكمة وحفظ الذكر والدعاء الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء الى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن ونحو ذلك مما اوجبه الله على المؤمنين. فهو واجب على الكفاية منهم. واما ما وجب على اعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجاتهم ومعرفتهم. وما امر به اعيانهم. ولا يجب العاديز عن سماع بعض العلم او عن فهم دقيقه مما يجب على القادر ذلك. ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب وعلى من لم يسمعها ويجب على المفتي والمحدث والمجادل ما لا يجب على من ليس كذلك. ثلاثة وستون ومئة. وما اوجب الله به اليقين فوجب فيه ما اوجبه الله كقوله اعلموا ان الله شديد العقاب. وقوله سبحانه فاعلم انه لا اله الا الله. وكذلك يجب الايمان بما اوجب الله الايمان به. وقد تقرر في الشريعة ان وجوب معلق باستطاعة العبد اربع وستون ومئة وليس عليه ان يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب على ظنه لعجزه عن تمام بل ذلك هو الذي يقدر عليه لا سيما اذا كان مطابقا للحق فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به اذا لم يقدر على اكثر منه خمسة وستون ومئة. وقد اخبر تعالى في غير موضع من كتابه بالضلال والعذاب لمن ترك اتباع ما انزله ان كان له نظر جدل واجتهاد في عقليات وامور غير ذلك. وجعل ذلك من نعوت الكفار والمنافقين. ستة وستون ومئة. فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والايمان مثلا او لتعديه حدود الله بسلوك السبيل التي نهى عنها او لاتباع هواه بغير هدى من الله فهو الظالم لنفسه وهو من اهل الوعيد بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا. الذي يطلب الحق باجتهاد فهذا مغفور له خطأه. سبعة وستون ومئة. اذا تعارض دليلان سواء كانا سمعيين او عقليين او احدهما سمعي والاخر عقليا فالواجب ان يقال لا يخلو اما ان يكونا قطعيين او يكونا ظنيين. واما ان يكون احدهما قطعيا والاخر ظنيا. فاما القطعيان فلا يجوز تعارضهما. سواء كانا عقليين او سمعيين او احدهما عقليا والاخر سمعي هيا وهذا متفق عليه بين العقلاء. لان الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله. ولا يمكن ان تكون دلالته باطلة. وحينئذ او تعارضا دليلان قطعيان واحدهما يناقض مدلول الاخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال. بل كل ما يعتقد تعارضه من من الدلائل التي يعتقد انها قطعية فلابد ان يكون الدليلان او احدهما غير قطعي او الا يكون مدلولاهما متناقضين اما مع تناقض المدلولين المعلومين فيمتنع تعارض الدليلين. وان كان احد الدليلين المتعارضين قطعيا دون الاخر فانه يجب تقديمه باتفاق العقلاء سواء كان هو السمعي او العقلي. فان الظن لا يدفع اليقين. واما ان كانا ظنيين فانه صاروا الى طلب ترجيح احدهما فايهما ترجح كان هو المقدم سواء كان سمعيا او عقليا. ثمانية وستون ومئة. وبهذا تفصيل المحقق المتفق عليه بين العقلاء يتبين ان اثبات التعارض بين الدليل العقلي والسمعي والجزم بتقديم العقلي معلوم الفساد بالضرورة وهو خلاف ما اتفق عليه العقلاء. تسعة وستون ومئة. عدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في انفسها. فما اخبر به الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم هو ثابت في نفس الامر. سواء علمنا صدقه او لم نعلم. ومن ارسله الله الى الناس فهو سواء علم الناس انه رسول او لم يعلموا. وما اخبر به فهو حق. وان لم يصدقه الناس وما امر به عن الله فهو امر به وان لم يطعه الناس فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق الرسول وثبوت ما اخبر به في نفس الامر ليس موقوفا على وجودنا فضلا عن ان يكون موقوفا على عقولنا او على الادلة التي نعلمها بعقولنا. هذا كما ان وجود الرب وما يستحقه من الاسماء صفات ثابت في نفس الامر سواء علمناه او لم نعلمه فتبين بذلك ان العقل ليس اصلا لثبوت الشرع ولا معطيا له صفة لم تكن لها ولا مفيدا له صفة كمال. اذ العلم مطابق للمعلوم المستغني عن العلم. فالعلم تابع له ليس مؤثرا فيه. فان العلم نوعان احدهما العملي وهو ما كان شرطا في حصول المعلوم. كتصور احدنا لما يريد ان يفعله. المعلوم هنا متوقف على به محتاج اليه. والثاني الخبري النظري وهو ما كان المعلوم غير مفتقر في وجوده الى العلم. كعلمنا بوحدانية الله واسمائه وصفاته وصدق رسله وملائكته وكتبه ورسله وغير ذلك. ان هذه المعلومات ثابتة سواء علمناها او لم نعلم فهي مستغنية عن علمنا بها. والشرع مع العقل هو من هذا الباب فان الشرع المنزل من عند الله ثابت في نفسه. سواء علمناه قولين ام او لم نعلم وهو مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا ولكن نحن محتاجون اليه والى ان نعلمه بعقولنا فان اذا علم ما هو عليه الشرع في نفسه صار عالما به وبما تضمنه من الامور التي يحتاج اليها في دنياه واخرته. وانتفع بعلم به واعطاه ذلك صفة لم تكن له قبل ذلك ولو لم يعلمه لكان جاهلا ناقصا. سبعون ومئة كل من اثبت ما اثبته ونفى ما نفاه كان اولى بالمعقول الصحيح كما كان اولى بالمنقول الصحيح. وكل من خالف صحيح المنقول فقد خالف ايضا صريح اقول وكان اولى بمن قال الله فيهم وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا فيه اصحاب ابي السعيد. واحد وسبعون ومئة. قد علم قطعا ان الرسول لم يدع الناس بطرق اهل البدع والفلسفة والكلام. انما دعاهم بالبراهين الصحيحة والايات البينة وادلة الهدى والحق. اثنان وسبعون ومئة. اذا علم الرجل ان محمدا رسول الله بالعقل والنقل رهين اليقينية ثم وجد في عقله ما ينازعه في خبره كان عقله يوجب عليه ان يسلم موارد النزاع الى من هو اعلم به منه والا يقدم رأيه على قوله ويعلم ان عقله قاصر بالنسبة اليه وانه اعلم بالله واسمائه وصفاته واليوم الاخر منه وان التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك اعظم من التفاوت الذي بين العامة واهل العلم بالطب. فاذا كان عقله يوجب عليه ان ينقاد لطبيب يهودي فيما اخبره به من مقدرات من الاغذية والاشربة والاضمدة والمسهلات واستعمالها على وجه مخصوص مع ما في لذلك من الكلفة والالم لظنه انه اعلم منه وانه اذا صدقه اقرب لحصول الشفاء مع علمه ان الطبيب يخطئ كثيرا وان كثيرا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب بل يكون استعماله لما يصفه سببا لهلاكه. ومع هذا يقبل قوله ويقلده ان كان واجتهاده يخالف وصفه. فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ والرسل صادقون مصدقون. لا يجوز ان يكون خبرهم على فيما اخبروا به قط ومن عارضهم ففيه من الجهل والضلال ما لا يحصيه الا ذو الجلال. فكيف يجوز ان يعارض من لم يخطئ قط من لم يصب في معارضته قط ثلاثة وسبعون ومئة. ما علم بصريح العقل لا يتصور ان يعارضه الشرع البتة بل المنقول الصحيح لا عارضه معقول صريح قط. وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه. فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات بس ده يعلم بالعقل بطلانها بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع. وهذا تأملته في مسائل الاصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعادن وغير ذلك. ووجدت ان ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط. بل السمع الذي يقال انه يخالفه اما حديث موضوع او دلالة ضعيفة فلا يصلح ان يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح. فكيف اذا خالفه صريح المعقول ونحن نعلم ان الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول. فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته. والكلام على هذا الاصل على وجه التفصيل مذكور في موضعه. فان ادلة النفاة للصفات والقدر ونحو ذلك اذا تدبرها العاقل الفاضل واعطاها حقها من النظر العقلي. علم بالعقل فسادها وثبوت نقيضها. اربعة وسبعون ومئة ولا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح اجمع المسلمون على نقيضه فضلا عن ان يكون نقيضه معلوما بالعقل الصريح البين لعامة العقلاء فانما يعلم بالعقل الصريح البين اظهر مما لا يعلم الا بالاجماع ونحوه من الادلة السمعية. فاذا لم يوجد في الاحاديث الصحيحة ما يعلم نقيضه بالادلة الخفية كالاجماع ونحوه فالا يكون فيها ما يعلم نقيضه بالعقل الصريح الظاهر او لا واحرى ولكن عامة موارد التعارض هي من الامور الخفية المشتبهة التي يحار فيها كثير من العقلاء كمسائل اسماء الله وصفاته وافعاله وما بعد الموت من الثواب والعقاب والجنة والنار والعرش والكرسي وعامة ذلك من انباء الغيب التي تقصر عقول اكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرد رأيهم. ولهذا كان عامة الخائضين فيها بمجرد رأيهم اما متنازعين مختلفين واما حيارى فغالبهم يرى ان امامه احذق منه في ذلك. ولهذا تجدهم عند التحقيق مقلدين لائمتهم فيما يقولون من العقليات معلومتي بصريح العقل فتجد اتباع ارسطو يتبعونه فيما ذكره من المنطقيات والطبيعيات والالهيات مع ان كثيرا منهم قد يرى وبعقده نقيض ما قاله ارسطو اتجدوه لحسن ظنه به يتوقف في مخالفته او ينسب النقص في الفهم الى نفسه مع انه يعلم اهل العقل المتصفون بصريح العقل ان في المنطق من الخطأ البين ما لا ريب فيه. كما ذكر في غير هذا الموضع. واما كلام ارسطو واتباعه في الاله اياك فما فيه من الخطأ الكثير والتقصير العظيم ظاهر لجمهور عقلاء بني ادم بل في كلامهم من التناقض ما لا يكاد يستقصى وكذلك رؤوس المقالات البدعية جمعت بين مخالفة النقل والعقل المعلومين خمسة وسبعون ومئة ومما يدل على فساد معقولات فلاسفة واهل الكلام الباطل بقطع النظر عما يدل على فسادها عقلا ونقلا. كثرة التناقض والاضطراب بين اهلها. وعدم الاستقرار الاتفاق على رأي واحد بل ربما قال مقطوع بخلافه فعقول هذه حالها لا يصلح ان تكون معتبرة في الامور الجزئية فضلا عن تقديمها على نصوص الانبياء والمرسلين الامور العظيمة من اصول الدين. ستة وسبعون ومئة وكثير من اذكياء اهل الباطل ورؤسائهم تراجعوا عن باطلهم. واعترفوا بالضلال والحيرة فمنهم من وفق بعد ذلك لسلوك طرق اهل العلم والايمان فصار اماما في الهدى بعدما كان اماما في الضلال ومنهم من لم يتيسر له ذلك فاعترف ببطلان ما كان عليه اولا وبقي على دين العجائز واهل الفطر الصحيحة. وكثير منهم في طغيانهم يعمهون وفي غيهم يترددون وذلك ان الهدى هو ما بعث الله به رسوله. فمن اعرض عنه لم يكن مهتديا. فكيف بمن عارضه بما يناقضه وقدم مناقضه عليه سبعة وسبعون ومئة. والمقصود هنا انه لو سوغ للناظرين اي يعرضوا عن كتاب الله ويعارضوه بارائهم ومعقولاتهم لم يكن هناك امر مضبوط يحصل لهم به علم ولا هدى. فان الذين سلكوا هذا السبيل كلهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكه. والمسلمون يشهدون عليه بذلك فثبت بشهادته واقراره على نفسه وشهادة المسلمين الذين هم شهداء الله في الارض انه لم يغفر من اعرض عن تاب يعارضه بما يناقضه بيقين يطمئن اليه. ولا معرفة يسكن بها قلبه. والذين ادعوا في بعض المسائل ان لهم معقولا ايحاء يناقض الكتاب قابلهم اخرون من ذوي المعقولات فقالوا ان قول هؤلاء معلوم بطلانه بصريح المعقول فصار ما يدعى معارضة ان للكتاب والسنة من المعقول ليس فيه ما يجزم بانه معقول صحيح. اما بشهادة اصحابه عليه وشهادة الامة واما بظهور ظهورا لارتياب فيه واما لمعارضة اخرين من اهل هذه المعقولات لهم. بل من تدبر ما يعارضون به الشرع من العقليات وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بطلانه. والناس اذا تنازعوا في المعقول لم يكن قول طائفة لها مذهب حجة على الاخرى بل يرجع في ذلك الى الفطر السليمة التي لم تتغير باعتقاد يغير فطرتها ولا هوى. فامتنع حينئذ ان يعتمد على ما يعارض والكتابة من الاقوال التي يسمونها معقولات. وان كان ذلك قد قالته طائفة كبيرة لمخالفة طائفة كبيرة لها. ولم يبق الا اي يقال ان كل انسان له عقل فيعتمد على عقل نفسه وما وجده معارضا لاقوال الرسول من رأيه خالفه. وقدم رأيه على نصوص صلوات الله وسلامه عليهم ومعلوم ان هذا اكثر ضلالا واضطرابا. فاذا كان فحول النظر واساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء كاء والنظر الى الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات. ثم لم يصلوا الى معقول صريح يناقض الكتاب. بل اما الى احيرة وارتياب واما الى اختلاف بين الاحزاب. فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه في العقليات فهذا وامثالها مما يبين ان من اعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه لم يعارضه الا بما هو جهل بسيط او جهل مركب الاول كسراب يحسبه الظمآن ماء يحسبه الظمأ ووجد الله فوفاه حسابه. والله سريع. والثاني كظلمات في ببحر النجين يغشاه موج فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها لم يجعل الله له نور فما له من نور. واصحاب القرآن والايمان في على نور ثم ذكر الايات المتعلقة بذلك ثمانية وسبعون ومئة. والمتناقضون في العقليات من هؤلاء قد يكون كلا الاعتقادين باطلا وقد يكون الحق فيه تفصيل يبين ان مع هؤلاء حقا وباطلا. ومع هؤلاء حقا وباطلا. الحق الذي مع كل من هما هو الذي جاء به الكتاب الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. تسعة وسبعون ومئة. الايات والبراهين دالة على صدق الرسل وانهم لا يقولون على الله الا الحق وانهم معصومون فيما يبلغون عن الله من الخبر والطلب. لا يجوز ان يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ كما اتفق على ذلك جميع المقرين بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم فوجب ان جميع ما يخبر به الرسول وعن الله صدق وحق لا يجوز ان يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي ولا سمعي. فمتى علم المؤمن بالرسول انه اخبر شيء من ذلك جزم جزما قاطعا انه حق وانه لا يجوز ان يكون في الباطن بخلاف ما اخبر به. وانه يمتنع ان يعارضه دليله قطعي ولا عقلي ولا سمعي. وان كل ما ظن انه عارضه من ذلك فانما هو حجج ضاحضة وشبه من جنس شبه السفسطاء واذا كان العقل العالم بصدق الرسول قد شهد له بذلك وانه يمتنع ان يعارض خبره دليل صحيح كان هذا العقل شاهدا لان كل ما خالف خبر الرسول فهو باطل فيكون هذا العقل والسمع جميعا شهد ببطلان العقل المخالف بالسمع ثمانون ومئة. والكلام هنا انما هو لمن علم ان الرسول صادق وان ما جاء به ثابت وان اخباره لنا بالشيء يفيد تصديقنا بثبوت ما اخبر به. فمن كان معلوما له امتنع ان يجعل العقل مقدما على خبر الرسول صلى الله عليه وسلم. واما من افصح بحقيقة قوله وقال ان كلام الله ورسوله في التوحيد وامور الغيب لا يستفاد منه علم بالحقيقة فهذا لكلامه مقام اخر. واحد وثمانون ومئة. ففي الجملة لا يكون الرجل مؤمنا حتى يؤمن بالرسول ايمانا جازما ليس مشروطا بعدم معارض. فمتى قال اؤمن بخبره الا ان يظهر له معارض يدفع خبره لم يكن مؤمنا به. اثنان وثمانون ومئة. العلوم ثلاثة اقسام. منها ما لا يعلم الا بالعقل ومنها ما لا يعلم الا بالسمع ومنها ما يعلم بالسمع والعقل. ثلاثة وثمانون ومئة وطرق العلم ثلاثة. الحس والعقل والمركب منهم كالخبر فمن الامور ما لا يمكن علمه الا بالخبر كما يعلمه كل شخص باخبار الصادقين. كالخبر المتواتر وما يعلم بخبر بياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. وهذا التقسيم يجب الاقرار به. وقد قامت الادلة اليقينية على نبوات الانبياء. وانهم قد يعلمون بالخبر ما لا يعلم الا بالخبر. كذلك يعلمون غيرهم بخبرهم. ونفس النبوة تتضمن الخبر. فان النبوة مشتقة من باء وهو الاخبار بالمغيب. فالنبي يخبر بالغيب ويمتنع ان يقوم دليل صحيح على ان كل ما اخبر به الانبياء يمكن معرفته الخبر فلا يمكن ان يجزم بان كل ما اخبرت به الانبياء يمكن غيرهم ان يعرفه بدون خبرهم. ولهذا كان اكمل الامم علما المقرون بالطرق الحسية والعقلية والخبرية. فمن كذب بطريق منها فاته من العلوم بحسب ما كذب به من تلك الطرق. اربعة وثمانون ومئة. وجماع هذا ان يعلم ان المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئان. الفاظه وافعاله ومعاني الفاظه رصده بافعاله وكلاهما منه ما هو متواتر عند العامة والخاصة ومنه ما يختص بعلمه بعض الناس. وان كان عند غيره مجهولا او مظنونا ومكذوبا به. واهل العلم باقواله كاهل العلم بالحديث والتفسير المنقول والمغازي والفقه. يتواتر عندهم من ذلك ما لا باثروا عند غيرهم ممن لم يشركهم في علمهم. كذلك اهل العلم بمعاني القرآن والحديث والفقه في ذلك. يتواتر عندهم من ذلك ما لا فيتواتر عند غيرهم من معاني الاقوال والافعال المأخوذة عن الرسول. خمسة وثمانون ومئة. المعارضون لكلام الله ورسوله من بالاسلام ينتهي امرهم الى التأويل او التفويض. ستة وثمانون ومئة. والتأويل المقبول هو ما دل على مراد المتكلم ان لم يكن التأويل كذلك كان من باب التحريف والالحاد لا من باب التفسير وبيان المراد. واما التفويض فمن المعلوم ان الله امرنا ان نتدبر القرآن حضنا على عقله وفهمه ومعرفته. سبعة وثمانون ومئة. وحقيقة قول الطائفتين ان المخاطب لنا لم يبين الحق ولا مع امره لنا ان نعتقده بل دل ظاهره على الكفر والباطل واراد منا الا نفهم منه شيئا او نفهم منه ما لا دليل عليه فيه وهذا مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه وانه من جنس اقوال اهل التحريف والالحاد. وبهذا احتج عليهم زنادقة الفلاسفة الزموهم بطرد هذا في المعادي وغيره فلو امنوا بالكتاب كله حق الايمان لبطلت معارضتهم فدحضت حجتهم ثمانية وثمانون مئة ما هو مطلق كلي في اذهان الناس لا يوجد الا معينا مشخصا مخصوصا متميزا في الاعيان. وانما سمي كليا لكونه في الذهن كليا. واما في الخارج فلا يكون في الخارج ما هو كلي اصلا. وهذا الاصل ينفع في عامة العلوم. فلهذا يتعدد ذكره وفي كلامنا بحسب الحاجة اليه فيحتاج ان يفهم في كل موضع يحتاج اليه فيه. وبسبب الغلط فيه ظل طوائف من الناس حتى في وجود الرب تسعة وثمانون ومئة. كل من تكلم بالفاظ لم ترد في الكتاب والسنة نفيا او اثباتا. فان كان في مقام دعوة الناس الى قوله والزامهم به امكن ان يقال لهم لا يجب على احد ان يجيب داعيا الا الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه سلم ولو كان ذلك المعنى حقا تسعون ومئة. وان كان المناظر معارضا للشرع بما يذكره من هذه الالفاظ. استفسر عن مراده بذلك ان اراد معنى صحيحا قبل وان اراد باطلا رد وان اشتمل على حق وباطل قبل ما فيه من الحق ورد الباطل واحد وتسعون ومئة. ويقال لمن يتقيد بالشريعة اطلاق هذه الالفاظ نفيا واثباتا بدعة. وفي كل من الاثبات والنفي تلبيس وانما العصمة في اطلاق الفاظ الشارع في الكتاب والسنة اثنتان وتسعون ومئة نعلم ان كل حق يحتاج الناس اليه في اصول دينهم لابد ان يكون مما بينه الرسول اذ كانت فروع الدين لا تقوم الا باصوله. فكيف يجوز ان يترك الرسول اصول الدين التي لا يتم الايمان الا لا بها لا يبينها للناس. ومن هنا يعرف ضلال من ابتدع طريقا او اعتقادا زعم ان الايمان لا يتم الا به. مع العلم بان الرسول لم يذكرها وهذا الاصل مما احتج به علماء السنة على من دعاهم الى قول الجهمية وغيرهم. ثلاثة وتسعون ومئة والانسان في مع نفسه ومناظرته غيره اذا اعتصم بالكتاب والسنة هداه الله الى صراطه المستقيم. اربعة وتسعون ومئة. واما اذا كان الانسان في مقام الدعوة لغيره والبيان له في مقام النظر ايضا فعليه ان يعتصم ايضا بالكتاب والسنة ويدعو الى ذلك وله ان يتكلم مع ذلك ويبين الحق الذي جاء به الرسول بالاقيسة العقلية والامثال المضروبة فهذه طريقة الكتاب والسنة وسلف الامة فان الله ضرب الامثال في كتابه وبين بالبراهين العقلية توحيده وصدق رسله. وامر المعادي وغير ذلك من اصول الدين. واجاب عن معارضة المشركين كما قال تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وكذلك كان الرسول صلى الله الله عليه وسلم في مخاطباته خمسة وتسعون ومئة. واذا كان المتكلم في مقام الاجابة لمن عارضه بالعقل. وادعى ان العقل يعارض النصوص فان انه قد يحتاج الى حل شبهته وبيان بطلانها بابطال الواضحات والاستفصال عن المشتبهات من الالفاظ واستفسار صاحبها ماذا يريد بها اراد بها حقا قبل او باطلا رد وان اراد حقا وباطلا قبل الحق ورد الباطل. ستة وتسعون ومئة. والاصل في هذا الباب ان ان الالفاظ نوعان نوع مذكور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام اهل الاجماع فهذا يجب اعتبار معناه وتعليق الحكم به وان كان مدحا استحق صاحبه المدح وان كان ذما استحق الذم وان اثبت شيئا وجب اثباته وان نفى شيئا وجب نفيه. لان كلام الله حق وكلام رسوله حق وكلام اهل الاجماع حقا. وذلك كما ذكر الله في كتابه من اسمائه وصفاته وافعاله او ذكره ورسوله. ومن دخل في اسم من المؤمن في الشرع كان مذموما كاسم الكافر والمنافق الملحد ونحو ذلك. ومن دخل في اسم محمود في الشرع كان محمودا كاسم المؤمن والتقي الصديق ونحو ذلك. واما الالفاظ التي ليس لها اصل في الشرع فتلك لا يجوز تعليق المدح والذم والاثبات والنفي على معناها الا ان يبين انه الشرع والالفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب كلفظ الجسم والحيز والجهة والجوهر والعرض ونحوها. سبعة وتسعون لا كفر بمخالفة العقليات مهما كانت. وانما يكون الكفر بتكذيب الرسول فيما اخبر به او الامتناع عن متابعته مع العلم وفي الجملة فالكفر متعلق بما جاء به الرسول. ثمانية وتسعون ومئة فلا ايمان مع تكذيب الرسول ومعاداته ولا كفر مع وطاعته تسعة وتسعون ومئة. واهل البدع يبتدعون بدعا تخالف الكتاب والسنة. ويكفرون من خالفهم. مئتان. ومن اراد ان يناضل مناظرة شرعية بالعقل الصريح فلا يلتزم لفظا بدعيا ولا يخالف دليلا شرعيا ولا عقليا فانه يسلك طريق اهل السنة الحديث والائمة الذين لا يوافقون على اطلاق النفي والاثبات في الالفاظ التي لا توجد في الكتاب والسنة بل يستفصلون ويستفسرون كما تقدم واحد ومائة. اهل البدع من الجهمية ونحوهم في تحريفهم لنصوص الصفات ارتكبوا اعظم عظائم. ردهم لنصوص الانبياء وردهم لما يوافق ذلك من عقول العقلاء وجعل ما خالف ذلك من اقوالهم المجملة الباطلة هي اصول الدين وتكفيرهم او تفسيقهم او اعطاهم لمن خالف هذه الاقوال المبتدعة المخالفة للعقل والنقل. واما اهل العلم والايمان فهم على نقيض هذه الحال. يجعلون كلام الله ورسوله هو الاصل الذي يعتمد عليه. اليه يرد ما تنازع الناس فيه. فما وافقه كان حقا وما خالفه كان باطلا. ومن كان قصده متابعته من المؤمنين واخطأ بعد اجتهاده الذي استفرغ فيه وسعه غفر الله له خطأه سواء كان خطأه في المسائل العلمية الخبرية او المسائل مالية اثنان ومئتان القرمطة في السمعيات والسفسطة في العقليات هما مجمع الكذب والبهتان. ثلاثة ومئتان اذا خاطبت ان الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا ان نتأدب بادب الله لنا. حيث قال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا. فلا نقول يا محمد يا احمد بل نقول يا رسول الله يا نبي الله. واذا في مقام الاخبار عنه قلنا اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الاخبار فرق ثابت الشرع والعقل وبه يظهر الفرق بينما يدعى الله به من الاسماء الحسنى. وبينما يخبر عنه عز وجل بما هو حق ثابت لاثبات ما يستحقه من صفات الكمال ونفي ما ينزه عنه من العيوب والنقائص اربعة ومئتان. ولفظ التسلسل يراد به التسلسل في العلل والفاعلين المؤثرات بان يكون للفاعل فاعل وللفاعل فاعل الى ما لا نهاية له. وهذا متفق على امتناعه عند العقلاء. والثاني التسلسل في اتاري بان يكون الحادث الثاني موقوفا على حادث قبله. وذلك الحادث موقوف على حادث قبله. وهلم جرا فهذا في جوازه قولان مشهوران للعقلاء وائمة السنة والحديث مع كثير من النظار اهل الكلام والفلاسفة يجوزون ذلك. وعلى هذا دلالات الكتاب والسنة سنة الكثيرة والعقل الصحيح. واما التسلسل في الشروط ففيه قولان مشهوران للعقلاء. والصواب المنع كالتسلسل في العلل. خمسة وينبني على القول بجواز التسلسل في الاثار الذي هو الصواب المقطوع به ان الله لم يزل متكلما فعالا بما يريد ولا يزال كذلك ستة ومئتان قد ثبت بالسمع اتصاف الباري بالافعال الاختيارية القائمة به كالاستواء على العرش والقبض والبسط والنزول والخلق والرزق المتعلقة بنفسه والمتعدية الى الخلق. والفعل المتعدي واللازم لابد ان يقوم بالفاعل ويمتنع عقلا وشرعا ان يقوم غيره في الحالين وهذه الافعال الاختيارية تبع لقدرته ومشيئته. فما شاء قاله وتكلم به وما شاء فعله في الحال والماضي تقبل هذا اصل متفق عليه بين السلف وعليه دل الكتاب والسنة. سبعة ومئتان من القضايا الكلية الضرورية ان كل محدث لابد له من محدث وكل مفعول ومصنوع لابد له من فاعل وصانع. وكل ممكن لابد له من واجب. والاية والدلالة يجب ان يكون بوتها مستلزما لثبوت المدلول الذي هو اية له علامة عليه. الى ان تندرج تحت قضية كلية. واذا كان كذلك فجميع المخلوقات مستلزمة للخالق بعينه. وكل منها يدل بنفسه على انه محدثا بنفسه. والعلم بافراد ذلك لا يحتاج الى العلم بالقضية لي وهو ان كل محدث فلابد له من محدث ثمانية ومئتان. فالفعل يستلزم القدرة والاحكام يستلزم العقل. والتخصيص يستلزم والارادة وحسن العاقبة يستلزم الحكمة. ولهذا كانت المخلوقات ايات عليه وسماها الله ايات. تسعة ومئتان. الاقرار ضروري فطري فانه لا شيء احوج الى شيء من المخلوق للخالق. فهم يحتاجون اليه من جهة ربوبيته. اذ كان هو الذي خلقهم هم وهو الذي يأتيهم بالمنافع ويدفع عنهم المضار. فكل ما يحصل من احد فانما هو بخلقه وتقديره وتسبيبه وتيسيره. وهذه الحاجة التي توجب رجوعهم اليه حال اضطرارهم كما يخاطبهم بذلك في كتابه وهم محتاجون اليه من جهة الوهيته فانه لا صلاح لهم الا ان يكون هو معبودهم الذي يحبونه ويعظمونه ولا يجعلون له اندادا يحبونهم كحب الله. بل يكون ما يحبون كانبيائه وصالحي عباده انما يحبونهم لاجله. ومعلوم ان السؤال والحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم والاعتراف بالحاجة والافتقار ونحو ذلك مشروط بالشعور بالمسئول المحبوب المرجو المخوف المعظم الذي تعترف النفوس بالحاجة اليه والافتقار الذي تواضع كل شيء ان لعظمته فاستسلم كل شيء لقدرته وذل كل شيء لعزته. فاذا كانت هذه الامور مما تحتاج النفوس اليها ولابد لها منها. بل هي ضرورية فيها كان شرطها ولازمها هو الاعتراف بالصانع والاقرار به اولى ان يكون ضروريا في النفوس. واصل الايمان قول القلب وعمله اي علمه الخالق وعبوديته للخالق والقلب مفطور على هذا وهذا عشرة ومئتان. الطريقة الشرعية تتضمن الخبر بالحق والتعريف طريق الموصلة اليه النافعة للخلق. واما الكلام على كل ما يخطر ببال كل احد من الشبهات السفسطائية فهذا لا يمكن ان يبينه على وجه التفصيل والعلوم الفطرية الضرورية حاصلة مع صحة الفطرة وسلامتها. وقد يعرض للفطرة ما يفسدها ويمرضها. فيرى الحق وباطلة كما في البدن. والقرآن فيه شفاء لما في الصدور من الامراض. والنبي صلى الله عليه وسلم علم ان وسواس التسلسل في الفاعل يقع في وانه معلوم الفساد بالضرورة فامر عند وروده بالاستعاذة بالله منه والانتهاء عنه كما في حديث ابي هريرة المعروف لا يزال الناس سألونا حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله. فمن وجد شيئا من ذلك فليقل امنت بالله وليستعذ بالله ولينتهي هذا مجامع البراهين التي يرجع اليها غاية النظار فامر بالاستعاذة وامر بالانتهاء ثم ارشده الى الايمان الذي فيه حفظ الاصل الديني ودفع فعالجه بالانتهاء الذي فيه دفع التسلسل في الفاعل وبالاستعاذة التي فيها اللجوء الى الله بدفع الشيطان الموسوس بهذه الوساوس الباطلة ثم فليقل امنت بالله وهذا من باب دفع الضد لضد النافع فان قوله امنت بالله يدفع عن قلبه الوسواس الفاسد احد عشر ومائتان ومما ينبغي ان يعلم ان كثيرا من العلوم تكون ضرورية فطرية. واذا طلب المستدل ان يستدل عليها خفيت ووقع فيها الشك. اما لما في ذلك من تطويل المقدمات واما لما في ذلك من خفائها واما لما في ذلك من كلا الامرين. والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك. اما لعجزه عن تصوره واما لعجزه عن التعبير عنه واما لعجزه عن دفع الشبهات المعارضة. اما في المستدل واما في السامع اثنى عشر ومئتان كلما كانت حاجة الناس الى معرفة الشيء وذكره اشد واكثر كانت معرفتهم به وذكرهم له اعظم واكثر. وكانت طرق معرفته اظهر واكثر وكانت الاسماء المعرفة له اكثر وكانت على معانيه ادل. ولما كانت حاجة النفوس الى معرفة ربها اعظم حاجات كانت طرق معرفتهم له اعظم من طرق معرفة ما سواه. وكان ذكرهم لاسمائه اعظم من ذكرهم لاسماء ما سواه. وله سبحانه بكل لغة اسماء وله في اللغة العربية اسماء كثيرة. والصواب الذي عليه جمهور العلماء انها لا تنحصر في تسعة وتسعين كما في احاديث فاخر ثلاثة عشر ومئتان. اذا عرضنا على العقل الصريح ذاتا لا علم لها ولا قدرة ولا حياة ولا تتكلم ولا تسمع ولا تبصر ولا تقبل الاتصاف بهذه الصفات. وذات موصوفة بالحياة والعلم والقدرة والكلام والمشيئة. كان صريح العقل قاضيا بان المتصفة بهذه الصفات التي هي صفات الكمال بل القابلة للاتصاف بها اكمل من ذات لا تتصف بهذه ولا تقبل الاتصاف بها. ومعلوم بصريح العقل ان الخالق المبدع لجميع الذوات وكمالاتها احق بكل كمال واحق بالكمال الذي باين به جميع الموجودات هذا الطريق ونحوه مما سلكه اهل الاثبات للصفات. فيقال واذا عرضنا على العقل الصريح ذاتا لا فعل لها ولا حركة. ولا تقدر ان اصعد ولا تنزل ولا تأتي ولا تجيب ولا تقرب ولا تقبض ولا تطوي ولا تحدث شيئا بفعل يقوم بها. وذات تقدر على هذه افعال وتحدث الاشياء بفعل لها كانت هذه الذات اكمل فان تلك كالجمادات او كالحي الزمني المجدع والحي اكمل من الجمادات والحي القادر على العمل اكمل من العاجز عنه. هذا اخر ما يسر الله نقله من كتاب العقل والنقل