المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تمانية عشر من رسالة شرح حديث النزول. سبعة وثمانون ومئتان. قال بعضهم اذا قال لك السائل كيف ينزل او كيف استوى او كيف سيعلم او كيف يتكلم ويقدر ويخلق فقل له كيف هو في نفسه؟ فاذا قال انا لا اعلم كيفية ذاته فقل له انا لا اعلم كيفية صفاته فان العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف. ثمانية وثمانون ومئتان. لا نعرف ما غاب عنا الا بمعرفة ما شهدناه فنحن نعرف اشياء بحسب الظاهر او الباطن وتلك معرفة معينة مخصوصة. ثم انا بمعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد في اذهاننا قضايا كلية عامة. ثم اذا خطبنا بوصف ما غاب عنا لم نفهم ما قيل لنا الا بمعرفة المشهود لنا. فلولا ان نشهد من انفسنا جوعا وعطشا وشبعا وريا وحبا وبغضا ولذة والما وسخطا ورضا. لم نعرف حقيقة ما نخاطب به اذا قف لنا ذلك واخبرنا به عن غيرنا. وكذلك لو لم نعلم في الشاهد حياة وقدرة وعلما وكلاما. لم نفهم ما نخاطب به اذا فالغائب عنا بذلك وكذلك لو لم نشهد موجودا لم نعرف وجود الغائب عنا فلابد فيما شهدناه وغاب عنا من قدر مشترك لنفهم الغائب تسعة وثمانون ومئتان ثمان الله اخبرنا بما وعدنا في الدار الاخرة من النعيم واخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح ويفرش وغير ذلك فلولا معرفتنا بما يشبه ذلك في الدنيا لم نفهم ما وعدنا به. ونحن نعلم مع ذلك ان تلك الحقائق ليست مثل هذه. قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس في الدنيا مما في الجنة الا الاسماء. تسعون ومئتان. فمعنى الاستواء معلوم وهو التأويل والتفسير الذي يعرفه الراسخون في العلم. والكيفية هي التأويل المجهول لبني ادم وغيرهم الذي لا يعلمه الا الله. وكذلك ما وعدنا به في الجنة تعلم العباد تفسير ما اخبر الله به. واما كيفيته فقد قال تعالى فلا تعلم نفس ما ااخفي لهم من قرة اعين. فاذا كان هذا في المخلوقات فالخالق والمخلوق اعظم فان الله لخلقه وعظمته وكبريائه وفضله. اعظم واكثر مما بين مخلوق ومخلوق. واحد وتسعون ومئتان. فمن نفى نزول او الاستواء او الرضا والغضب او العلم والقدرة او اسم العليم او القدير او اسم الموجود فرارا بزعمه من تشبيه وتركيب تيم فانه يلزمه فيما اثبته نظير ما الزمه لغيره فيما نفاه هو واثبته المثبت اثنان وتسعون ومئتان. واما النزول الذي لا يكون من جنس نزول اجسام العباد فهذا لا يمتنع ان يكون في وقت واحد لخلق كثيرين. ويكون قدره لبعض الناس اكثر واقل بل لا يمتنع ان يقرب الى خلق من عباده دون بعض. فيقرب الى هذا الذي دعاه دون هذا الذي لم يدعه. وجميع ما وصف الرب به نفسه من القرب فليس فيه ما هو عام لجميع المخلوقات كما في المعية. فان المعية وصف نفسه فيها بعموم وخصوص. واما قربهما تقرب منه فهو خاص لمن يقرب منه كالداعي والعابد وكقربه عشية عرفة ودنوه الى السماء الدنيا لاجل الحجاج. وان كانت تلك العشية قد تكون وسط النهار في بعض البلاد. وتكون ليلا في بعض البلاد. فان تلك البلاد لم يدنوا اليها ولا الى سمائها الدنيا وانما دنا الى السماء الدنيا التي على الحجاج وكذلك نزوله بالليل وهذا كما ان حسابه لعباده كحسابهم كلهم في ساعة واحدة وكل منهم يخلو به كما يخلو العبد بالقمر ليلة البدر فيقرره بذنوبه وذلك المحاسب لا يرى انه محاسب غيره. كذلك في حديث ابي رزين وكذلك حديث ابي هريرة في صحيح مسلم. اذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله حمدني عبدي الى اخر في الحديث فهذا يقوله سبحانه لكل مصل قرأ الفاتحة مما لا يحصي عدده الا الله. وكل واحد منهم يقول الله له كما يقول ولهذا كما يحاسبهم كذلك فيقول لكل واحد ما يقول من القول في ساعة واحدة. وكذلك سمعه لكلامهم. اسمع كلامهم كله ومع اختلاف لغاتهم وتفنن حاجاتهم. يسمع دعاءهم سمع اجابة. ويسمع كل ما يقولون سمع علم واحاطة. لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بالحاح الملحين. فانه سبحانه هو الذي خلق هذا كله. وهو الذي يوصل الغذاء الى كل جزء من البدن على مقداره وصفته المناسبة له. وكذلك من الزرع وكرسيه وسع السماوات والارض. ولا يؤوده حفظهما. فاذا اكان لا يؤوده خلقه ورزقه على هذه التفاصيل. فكيف يؤده العلم بذلك او سمع كلامهم؟ او رؤية افعالهم واجابة دعائهم سبحانه وتعالى علوا كبيرا. وما قدروا الله حق قدره. وذكر نصوصا اخر بهذا المعنى. فمن كانت هذه عظمته كيف يحصره مخلوق من المخلوقات؟ سماء او غير سماء حتى يقال انه اذا نزل الى السماء الدنيا صار العرش فوقه ويصير شيء من المخلوقات يحصره ويحيط به سبحانه وهو قادر ان ينزل سبحانه وهو على عرشه فقوله انه ينزل مع بقاء عظمته وعلوه على العرش ابلغ في القدرة والعظمة وهو الذي فيه موافقة الشرع والعقل ثلاثة وتسعون ومئتان وفي الحديث المتفق عليه انكم لا تدعون اصم ولا غائبا. انما تدعون سميعا قريبا اقرب الى احدكم من عنق راحلته. وذلك لان الله قريب من قلب الداعي فهو اقرب اليه من عنق راحلته وقربه من قلب الداعي له معنى متفق عليه عند اهل الاثبات الذين يقولون ان الله فوق العرش ومعنى اخر فيه نزاع. المعنى المتفق عليه عندهم يكون بتقريبه قلب الداعي. كما يقرب اليه الساجد فالساجد يقرب اليه قلبه فيدنو قلبه من ربه. وان كان بدنه على الارض. ومتى قرب احد الاثنين من الاخر صار الاخر اليه قريبا بالضرورة وان قدر انه لم يصدر من الاخر تحرك بذاته. كما ان من قرب من مكة قربت مكة منه. وقد وصف الله او انه يقرب اليه من يقربه من الملائكة والبشر فقال لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون. واما قرب الرب قربا يقوم به بفعله القائم بنفسه فهذا تنفيه الكلابية. ومن يمنع قيام الامور الاختيارية بذاته. واما السلف وائمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك فنزوله كل ليلة الى السماء الدنيا وعشية عرفة هو من هذا الباب. وقال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب. وقال سبحانه في الحديث القدسي ومن تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراع الحديث وهذا بزيادة تقريبه للعبد اليه. جزاء على تقربه باختياره. فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر زاده الرب قربا اليه حتى يكون المتقرب فكذلك قرب الرب من قلب العابد وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الرب والايمان به وله المثل الاعلى فهذا ايضا لا نزاع فيه. اربعة وتسعون ومئتان. اذا عرفت تنزيه الرب عن صفات النقص فلا يوصف بالسفول ولا علو شيء عليه بوجه من الوجوه بل هو العلي الاعلى الذي لا يكون الا اعلى وهو الظاهر ليس فوقه شيء وانه ليس كمثله شيء فيما يوصف به من الافعال اللازمة والمتعدية. لا النزول ولا الاستواء ولا غير ذلك. فيجب مع ذلك اثبات ما اثبته لنفسه في كتابه على لسان رسوله والادلة العقلية توافق ذلك لا تناقضه. ولكن السمع والعقل يناقضان البدع المخالفة للكتاب والسنة. والسلف من الصحابة والتابعين يقرون افعاله كالاستواء والنزول وغيرهما على ما هي عليه. خمسة وتسعون ومئتان. فالاصل ان علوه على المخلوق وصف لازم له كما ان عظمته وكبريائه كذلك. فاما الاستواء فهو فعل يفعله تعالى بمشيئته وقدرته. ولهذا قال فيه ثم استوى على العرش ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية والعلو من الصفات السمعية العقلية