المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القسم الاول في ذكر ما تجتمع فيه الاحكام من الاصول والقواعد القاعدة الاولى الشارع لا يامر الا بما مصلحته خالصة او راجحة. ولا ينهى الا عن ما مفسدته خالصة او راجحة هذا الاصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من احكامها لا فرق بينما تعلق بالاصول او بالفروع. وسواء تعلق بحقوق الله او بحقوق عباده. قال الله تعالى يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فلم يبق عدل ولا احسان ولا صلة الا امر به في هذه الاية الكريمة ولا فحشاء ومنكر متعلق بحقوق الله ولا بغي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم الا نهى عنه. ووعظ عباده ان يتذكروا هذه الاوامر وحسنها ونفع فيمتثلوها ويتذكروا ما في النواهي من الشر والضرر فيجتنبوها. وقال تعالى امر ربي بالقسط. واقيموا وجوهكم عند كل مسجد. ودعوه مخلصين اله الدين وقد جمعت هذه الاية اصول المأمورات ونبهت على حسنها كما جمعت الاية التي بعدها اصول المحرمات ونبهت على قبحها وهي قوله تعالى قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تقولوا على الله لما لا تعلمون ولما ذكر الله الامر بالطهارة للصلاة اذا قام العبد الى صلاته في قوله يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة وذكرت طهارتين طهارة الحدث الاصغر والحدث الاكبر بالماء ثم بالتراب عند العدم او الاضطرار. قال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته فاخبر ان اوامره الجليلة من اكبر نعمه العاجلة المتصلة بالنعم الاجلة ثم تأمل قوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. وقوله قل تعالوا اتل ما حر ربكم عليكم. الى قوله وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. وقوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيء آآ الى قوله انظر الى ما في هذه الايات من الاوامر التي بلغت من حسنها وعموم خيرها ومصالحها الظاهرة والباطنة. نهاية الحسن والعدل والرحمة وما فيها من المنهيات التي ضررها عظيم. وجرمها كبير ومفاسدها لا تعد ولا تحصى وهي من اعظم معجزات القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. ومثلها ما وصف الله به خواص العباد وفضلاءهم في قوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. الى قوله اولئك يجزون الغرفة بما صب صبروا الاية وقوله ثم عدد اوصافهم حتى قال هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون قوله ان المسلمين والمسلمات الى قوله اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما فكل ما في هذه الايات من الاوصاف التي وصف الله بها خيار الخلق. قد علم حسنها وكمالها ومنافعها العظيمة الله حكما لقوم يوقنون. وجميع ما في الشريعة من العبادات والمعاملات والامر باداء الحقوق المتنوعة تفاصيل وتفاريع لما ذكر الله في هذه الايات. وجميع ما فصله العلماء من مصالح المأمورة ومنافعها ومضار المنهيات ومفاسدها داخل في هذا الاصل. ولهذا يعلل الفقهاء الاحكام المأمورة بها والمنهي عنها بالمفاسد احد الاصول الاربعة المبني عليها جميع الاحكام. القياس الذي هو العدل وما يعرف به العدل. وهو الميزان الذي قال الله فيه الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان وهو الجمع بين المسائل المتماثلة في مصالحها او مضارها بحكم واحد. والتفريق بين المتباينات المختلفات باحكام مختلفة مناسبة لكل واحد منها مثال ما مصلحته خالصة من المأمورات ومضرته خالصة من المنهيات جمهور الاحكام الشرعية فالايمان والتوحيد مصالحهما خالصة في القلب والروح والبدن والدنيا والاخرة. والشرك والكفر مضرته هو مفاسده خالصة على القلوب والابدان. وفي الدنيا والاخرة وصدق مصلحته خالصة والكذب بضده. ولهذا اذا ترتب على انواع الكذب مصلحة كبرى تزيد على مفسدته كالكذب في الحق حرب في الاصلاح بين الناس وقد رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم لرجحان مصلحته والعدل مصالحه خالصة والظلم مفاسده خالصة والميسر والخمر مفاسدهما ومضارهما اكثر من نفعهما. ولذلك حرمهما الله. قال تعالى فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما واذا ترتب بعض المصالح العظيمة على بعض انواع الميسر كاخذ العوض في مسابقة الخيل والابل والسهام جاز لما فيه من الاعانة على الجهاد الذي به قوام الدين وتعلم السحر ومضرته خالصة. كما قال تعالى الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوهما لما فيها من المفاسد والمضار. فاذا قاوم هذه المفاسد مصلحة عظيمة وهي سورة الاحياء النفس حلت. قال تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانس لاثم فان الله غفور رحيم ويستدل بهذا الاصل العظيم والقاعدة الشرعية على ان العلوم العصرية واعمالها وانواع المخترعات الحديثة النافعة للناس في امور دينهم دنياهم انها مما امر الله به ورسوله ومما يحبه الله ورسوله ومن نعم الله على العباد وبما فيها من المنافع والكمالية فالبرقيات بانواعها والصناعات كلها. واجناس المخترعات الحديثة تنطبق عليها هذه القاعدة اتم انطباق. فبعضها ايدخل في الواجبات. وبعضها في المستحبات وشيء منها في المباحات بحسب ما تثمره وينتج عنها من الاعمال. كما تدخل في غيرها من الاصول الشرعية التي منها هذه القاعدة الكبرى. وهي قوله الثانية الوسائل لها احكام المقاصد. ويتفرع على هذا الاصل ان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب وما لا يتم المسنون الا به فهو مسنون. وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ويتفرع عليها ان توابع العبادات والاعمال حكمها حكمها. هذا اصل وقاعدة كلية يتبعه عدة قواعد كما ذكره في الاصل ومعنى الوسائل الطرق التي يسلك منها الى الشيء سبب الذي يوصل الى الشيء والامور التي يتوقف الشيء عليها. واللوازم التي يلزم من وجود الشيء وجودها. والشروط التي تتوقف عليها الاحكام. فاذا امر الله ورسوله بشيء كان امرا به وبما لا يتم الا به كان آمرا بالإتيان بجميع شروطه الشرعية والعادية والمعنوية والحسية ان الذي شرع الاحكام عليم حكيم. يعلم ما يترتب على احكامه على عباده من لوازم. وشروط ومتممات فالامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. والنهي عن الشيء نهي عنه وعن كل ما يؤدي اليه. فالذهاب والمشي الى الصلاة ومجالس الفكر وصلة الرحم وعيادة المرضى واتباع الجنائز. وغير ذلك من العبادات داخل في العبادة. وكذلك الخروج الى الحج والعمرة عمرة والجهاد في سبيل الله من حين يخرج ويذهب من محله الى ان يرجع الى مقره وهو في عبادة لانها وسائل للعبادة ومتممات لها. قال تعالى ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا مخمل وسط في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار. ولا يطأون موت يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب له عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين. ولا ينفقون نفق صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم. ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. وفي الحديث الصحيح من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة. وقد تكاثرت الاحاديث الصحيحة في ثواب المشي الى الصلوات وان كل خطوة يخطوها تكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة. وفسر قوله تعالى انا نحن نحيي الموتى او نكتب ما قدموا واثارهم. اي نقل خطاهم واعمالهم للعبادات او لضدها كما ان نقل الاقدام والسعي للعبادات تابع للعبادة. فنقل الاقدام الى المعاصي تابع لها. ومعصية اخرى. فالامر بالصلاة تلا امر بها وبما لا تتم الصلاة الا بها من الطهارة والسترة واستقبال القبلة وبقية شروطها. وامر بتعلم احكام التي لا تتم الا به كذلك بقية العبادات فما لا يتوجب الواجب والمسنون الا به فهو واجب للواجب ومسنون للمسنون. ومن فروع هذا الاصل قول العلماء اذا دخل الوقت على عادم الماء لزمه طلبه في المواضع التي يرجو حصوله. او وجوده فيها لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب يجب ويلزمه كذلك شراؤه وشراء السترة الواجبة بثمن مثلها. او زيادة لا تضره ولا تجحف بماله. ومن فروعها وجوب تعلم الصناعات التي يحتاج الناس اليها في امر دينهم ودنياهم صغيرها وكبيرها. ومن فروعها وجوب تعلم العلوم النافعة وهي قسمان علوم تعلمها فرض عين. وهي ما يضطر اليه الانسان في دينه وعباداته ومعاملاته. كل بحسب حاله والثاني فرض كفاية. وهو ما زاد على ذلك حيث يحتاجه العموم وما اضطر اليه الانسان بنفسه تعين عليه. وما لم يضطر اليه بنفسه لكن الناس محتاجون اليه فرض كفاية. وفرض كفاية اذا قام به من يكفي سقط عن غيره واذا لم يقم به وجب على الكل ولهذا من فروع هذه القاعدة جميع فروض الكفايات من اذان واقامة وامامة صغرى وكبرى. وامر بالمعروف ونهي عن منكر وجهاد لم يتعين وتجهيز الموتى بالتغسيل والتكفين والصلاة والحمل والدفن وتوابع ذلك والزراعة والحراثة وتوابع ذلك ومن فروعها السعي في الكسب الذي يقيم به العبد ما عليه من واجبات النفس والاهل والاولاد. والمماليك من الادميين والبهائم وما يوفي به ديونه. فان هذه واجبات والسعي في الاسباب المحصلة لها واجبات مثلها. ومن فروعها وجوب تعلم ادلة الوقت والقبلة والجهات لمن يحتاج اليها. ومن فروعها ان العلوم الشرعية نوعان. مقاصد وهي علم الكتاب والسنة ووسائل اليها مثل علوم العربية بانواعها. فان معرفة الكتاب والسنة وعلومهما تتوقف او يتوقف اكثرها على معرفة علوم العربية ولا تتم معرفتها الا بها فيكون الاشتغال بعلوم العربية لهذا الغرض تابعا للعلوم الشرعية ومن فروعها ان كل مباح توسل به الى ترك واجب او فعل محرم فهو محرم. ولذلك يحرم البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا اليه ذكر الله فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. وكذلك اذا خيف فوت الصلاة المكتوبة او خيف فوت صلاة الجماعة الواجبة على الصحيح. وكذلك لا يحل البيع على من يريد ان يعمل بها معصية كبيع العصير على من يتخذه خمرا او السلاح لاهل الفتنة او قطاع الطرق. وبيع البيض ونحوه لمن يقامر عليه. وكذلك تحرم الحيل في جميع المعاملات التي يتوصل بها الى محرم كالحيل على قلب الدين على المدين. وكبيع العينة والتحيل على اسقاط شفعة الشفيع بالوقت او باظهار الثواب غير المقصود. او اظهار زيادة في الثمن لان لا يأخذ الشفيع. ومن فروعها قتل الموصى له وقتل الوارث للموصي والمورث. يعاقبان بنقيض قصدهما. وكذلك من طلق زوجته في مرض موته للمخوف فانها ترث منه. ومن فروعها عضل الزوج لزوجته بغير حق. لتعطيه شيئا من المال ليطلقها ما قال تعالى ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن فلا يحل الاخذ منها في هذه الحال. ومنها ما قاله الاصحاب ومن اهدى لغيره حياء منه او خوفا منه وجب عليه الرد وكثير من هذه الفروع ايضا داخل في اصل اعتبار المقاصد والنيات. وكلما كان الفرع يدخل في عدة اصول قل كان دليلا على قوته. وكما ان الحيل التي يقصد بها التوسل الى محرم او ترك واجب. فالحيل التي يتوسل بها الى استخراج الحقوق مباحة بل مأمور بها. فالعبد مأمور باستخراج حقه. والحق المتعلق به بالطرق الواضحة والطرق الخفية. قال تعالى لما ذكر تحيل يوسف صلى الله عليه وسلم لبقاء اخيه عنده. كذلك كدنا ليوسف ومثله الحيل التي تسلم بها النفوس والاموال. كما فعل الخضر بخرقه للسفينة الصالحة لتعيب فتسلم من الملك كالظالم الذي يغتصب كل سفينة صالحة تمر عليه. فالحيلة تابعة للمقصود حسنها وقبيحها. ومن فروعها ان الله قال ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. والامانات كل مال ائتمن عليه العبد وولي عليه من وديعة وولاية مال يتيم ونضارة وقف ونحوها من وسائل ردها الى اهلها حفظها في حرز مثلها ومن وسائل حفظها الانفاق عليها ان كانت ذات روح. ومن وسائل ادائها حفظ التفريط فيها ومن فروع هذا الاصل ان الله حرم الفواحش وحرم قربانها بكل وسيلة يخشى منها وقوع المحرم كالخلوة الاجنبية والنظر المحرم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي ترعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه. الا وان لكل ملك حمى. الاوان حمى الله محارمه. ومن فروع النهي عن كل ما يحدث العداوة والبغضاء. كالبيع على بيع المسلم. والعقد على عقده وخطبة النكاح. وخطبة الولاية يأتي على خطبة اخيه. كما ان من فروعها الحث على كل ما يجلب الصداقة من الاقوال والافعال بحسب ما يناسب الحال وقد خرج عن هذا الاصل النذر لحكمة اختص بها. فالوفاء بنذر الطاعة واجب وعقده مكروه مع ان الوفاء لا يتأتى الا بعقد. فلهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء به. ونهى عن عقده وقال انه لا يأتي طير وانما يستخرج به من البخيل. لانه ينقص الاخلاص. ويعرض صاحبه للبلاء وهو في سعة العافية وفيه نوع تأل وادلال. ومن فروع هذا الاصل التحيل بالتحليل لحل الزوجة لمطلقها ثلاثا. فانه وحرام ملعون صاحبه لا يفيد الحل. لانه لم يقصد به النكاح الحقيقي. وانما صورته صورة نكاح حقيقته حقيقة السفاح. وكما ان وسائل الاحكام حكمها حكمها فكذلك توابعها ومتمماتها. فالذهاب الى العبادة عبادة وكذلك الرجوع منها الى الموضع الذي منه ابتدأ عبادة. ولهذا قال بعض الصحابة رضي الله عنهم اني احتسب رجوعي الى بيتي من الصلاة كما احتسب خروجي منه اليها الثالثة المشقة تجلب التيسير. وجميع رخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن هذا الاصل. قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وقال لا يكلف الله نفسا الا وسعها. وقال سبحانه لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها وقال وما جعل عليكم في الدين من حرج. وقال عز وجل اتقوا الله ما استطعتم. فهذه الايات وغيرها دليل على هذا الاصل الكبير فاولا جميع الشريعة حنيفية سمحة. حنيفية في التوحيد مبنية على عبادة الله وحده. لا شريك له سمحة في الاحكام والاعمال. فالصلوات خمس فرائض في اليوم والليلة. لا تستغرق من وقت العبد الا جزءا يسيرا الزكاة جزء يسير من مال العبد من الاموال المتمولة دون اموال القنية. وهي في كل عام مرة. وكذلك الصيام شهر واحد احد في كل عام. واما الحج فلا يجب في العمر الا مرة واحدة على المستطيع. وبقية الواجبات عوارض بحسب بابها. وكلها في غاية اليسر والسهولة. وقد شرع الله لكثير منها اسبابا تعين عليها وتنشط على فعلها كما شرع الاجتماع في الصلوات الخمس والجمعة والاعياد. وكذلك الصيام يجتمع المؤمنون في شهر واحد. لا يتخلف منهم الا الا معذور بمرض او سفر او غيرهما. وكذلك الحج ولا شك ان الاجتماع يزيل مشقة العبادات وينشط العاملين. ويوجب التنافس في افعال الخير. كما جعل الله الثواب العاجل والثواب اجل الذي لا يقادر قدره اكبر معين على فعل الخيرات وترك المنهيات ثم انه مع هذه السهولة في جميع احكام الشريعة اذا عرض للانسان بعض الاعذار التي تعجزه او تشق عليه مشقة شديدة خفف عنه تخفيفا يناسب الحال فيصلي المريض الفريضة قائما ان عجز صلى قاعدا فان عجز فعلى جنبه ويومئ بالركوع والسجود ويصلي بطهارة الماء انشق عليه او عدمه عدل الى التيمم والمسافر لما كان في مضنة المشقة ابيح له الفطر والقصر والجمع بين الصلاتين. والمسح على الخفين ثلاثة ايام بلياليها ومن مرض او سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما. ويتفرع عن هذا الاصل الاعذار التي تسقط حضور جمعة والجماعة ومن فروعها العفو عن الدم اليسير النجس والاكتفاء بالاستجمام الشرعي عن الاستنجاء وطهارة افواه الصبيان ولو اكلوا النجاسة. وكذلك الهر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم انها ليست بنجاة انها من الطوافين عليكم والطوافات وكذلك العفو عن طين الشوارع. ولو ظنت نجاستها. فان علمت عفي عن الشيء اليسير ومن ذلك الاكتفاء بنضح بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة وقيءه وكذلك العمل بالاصل في طهارة الاشياء بها فالاصل الطهارة الا لما علمت نجاسته. والاصل الحل في الاطعمة الا ما علم تحريمه ومن فروعها الرجوع الى الظن اذا تعذر او تعسر اليقين في تطهير الابدان والثياب والاواني وغيرها ودخول الوقت. ومن فروعها ان المتمتع والقارن قد حصل لكل واحد منهما حج وعمرة تامان في سفر واحد. ولهذا وجب الهدي على كل كل منهما شكرا لهذه النعمة. ويدخل في هذا الاصل اباحة المحرمات كالميتة ونحوها للمضطر كما سيأتي. واباحة ما تدعو الحاجة اليه كالعرايا للحاجة الى الرطب. وكذلك اباحة اخذ عوض في مسابقة الخيل والابل والسهام واباحة تزوج الحر للامة اذا عدم الطول وخاف العنت ومن فروعها حمل العاقلة الدية عن القاتل خطأ او شبه عمد. لانه لم يقصد القتل وهو معذور فناسب ان تحمل عنه والعاقلة تحملا لا يشق عليهم بان توزع عليهم كلهم كل على قدر ماليته وتؤجل عليهم ثلاث سنين وهل يتحمل القاتل معهم اذا كان غنيا كما هو الصحيح؟ ام ينفردون بالتحمل كما هو المشهور من مذهب الامام احمد وفروع هذا الاصل كثيرة وقد حصل التوضيح بهذه الامثلة. القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة. فلا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة. قال الله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. وهذه القاعدة تضمنت اصلين. احدهما سقوط كل واجب العجز والثاني اباحة المحظورات عند وقوع الاضطرار اليه. كما قال تعالى ايضا في الاصل الثاني بعدما حرم الميت والدم وما عطف عليهما فمن اضطر في مخمصة غير متجانس لاثم فان الله غفور رحيم وقال وما لكم لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه. وقد فصل لكم ما حرم الا ما اضطررتم اليه. فهذه الاية صريحة بحل كل محرم اضطر العبد اليه. ولكن ان الضرورة تقدر بقدرها. فاذا اندفعت الضرورة وجب على المضطر الكف ويدخل في الاصل الاول كل من عجز عن شيء من شروط الصلاة او فروضها وواجباتها فانها تسقط عنه ويصلي على احسب ما يقدر عليه من لوازمها الصوم من عجز عنه عجزا مستمرا كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه افطر وكفر عن كل يوم اطعام مسكين ومن عجز عنه لمرض يرجى زواله او لسفر افطر وقضى عدة ايامه اذا زال عذره. والعاجز عن الحج ببدنه اذا كان يرجو زواله صبر حتى يزول. وان كان لا يرجو زواله اقام عنه نائبا يحج عنه وقال تعالى ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرجا. وذلك في كل عبادة توقفت على البصر او الصحة او سلامة الاعضاء كالجهاد ونحوه. ولهذا اشترطت القدرة في جميع الواجبات فمن لم يقدر فلا يكلفه الله ما يعجز عنه. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من رأى منكم منكرا فليغيره بيده لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه. وذلك اضعف الايمان. وقال في النفقة والكسوة وثوابتها على الاهل لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله. لا كلف الله نفسا الا ما اتاها سيجعل الله بعد عسري يسرا وقال صلى الله عليه وسلم في الواجبات المالية ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ومن هذا الاصل الكفارات المرتبة اذا عجز عن الاعلى انتقل الى ما دونه. واعذار الجمعة والجماعة داخلة فيها هذا الاصل كما دخلت في الذي قبله. وقال العلماء في محظورات الاحرام والضرورات تبيح للمحرم المحظورات وعليه الفدية كما هو مفصل في كتب الفقه. ومن فروعها جواز الانفراد في الصف اذا لم يجد موضعا في الصف الذي امامه لان الواجبات التي هي اعظم من المصافة بالاتفاق تسقط مع العجز. فالمصافة من باب اولى واحرى الخامسة الشريعة مبنية على اصلين. الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. هذان الاصلان شرط لكل عمل ديني ظاهر. كاقوال اللسان واعمال الجوارح وباطن كاعمال القلوب. قال الله تعالى الا لله الدين الخالص. وقال وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين ان له الدين. والدين فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل انه شرائع الاسلام الخمسة واصول الايمان الستة وحقائق الايمان وهو الاحسان الذي هو اصل اعمال القلوب هذه الامور لابد ان تكون خالصة لله مرادا بها وجهه. ورضوانه وثوابه. ولابد ان تكون مأخوذة من الكتاب والسنة. قال تعالى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. وما اتاكم الرسول فخذوه وهو ما نهاكم عنه فانتهوا. وقال في الجمع بين الاصلين ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن. اسلم وجهه اخلص اعماله الظاهرة والباطنة لله. وهو محسن في هذا الاسلام بان يكون فيه متبعا لرسول الله وقال واطيعوا الله واطيعوا الرسول. فالعمل الجامع للوصفين هو المقبول. واذا فقدهما او فقد احدهما ما فهو مردود على صاحبه يدخل في قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا طاء وقال تعالى مفرقا بين عمل المخلصين والمرائين ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة. كمثل جنة بربوة. الاية وقال والذين ينفقون اموالهم رآء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر. قريب وقال صلى الله عليه وسلم في الهجرة التي هي من افضل الاعمال فمن كانت هجرته الى الله ورسوله هجرته الى الله ورسوله فهذا المخلص ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه. وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية. ويقاتل للمغنم. اي ذلك في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. فمن كان قصده في جهاده القولي والفعلي نصر الحق كيف هو المخلص ومن قصد غير ذلك من الاغراض فله ما نوى وعمله غير مقبول. وقال تعالى في الاعمال الفاقدة تابع قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا يا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وقال ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله الاعمال الصالحة كلها اذا وقعت من المرائين فهي باطلة فاقدة للاخلاص. الذي لا يكون العمل صالحا الا به. والاعمال التي يفعلها العبد لله لكنها غير مشروعة فهي باطلة لفقدها المتابعة. وكذلك الاعتقادات المخالفة لما في كتابه بالله وسنة رسوله. كاعتقادات اهل البدع المخالفة لما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه وكلها تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه عليه وقوله صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. متفق عليه فالاول ميزان للاعمال باطنة. والثاني ميزان الاعمال ظاهرا. والاخلاص لله في كل شيء هو الذي وردت فيه نصوص الكتاب والسنة في الامر به وفضله وثمراته وبطلان العمل الذي فقده. واما نية نفس العمل فهذا وان كان لابد منه وفي كل عمل لكنه حاصل من كل عامل معه رأيه وعقله لانها القصد وكل عاقل يقصد العمل الذي يباشره ويعمله كما ان هذا الاصل تدخل فيه العبادات فكذلك المعاملات فكل معاملة من بيع او ايجارة او شركة او غيرها من المعاملات تراضى عليها المتعاملان لكنها ممنوعة شرعا فانها باطلة محرمة. ولا عبرة بتراضيهما. لان الرضا انما يشترط بعد رضا الله ورسوله توله. وكذلك التبرعات التي نهى الله ورسوله عنها كتخصيص بعض الاولاد على بعضهم. او تفضيلهم في العطايا والوصايا وكذلك المواريث لا وصية لوارث كذلك شروط الواقفين لابد ان تكون غير مخالفة للشرع ان خالفت الشرع الغيت وميزان الشروط مطلقا قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا او احل لحرام. رواه اهل السنن عن عوف بن مالك. وكذلك النكاح شروطه واركانه. والمحلل منه والذي لا يحل. والطلاق والرجعة وجميع متعلقات الاحكام المتعلقة به. لابد ان تقع على الوجه المشروع. فان لم تقع فهي مردودة وكذلك الايمان والنذور لا يحلف العبد الا بالله او بصفة من صفاته او اسم من اسمائه ومن نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه وكذلك الحنث في الايمان لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه والقضاء والبينات وتوابعهما جميعها مربوطة بالشرع قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت. ويسلموا تسليما وقال سبحانه فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون يؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا. بل الفقه من اوله الى اخره لا يخرج عن هذا الاصل المحيط. فان الاحكام مأخوذة من الاصول الاربعة الكتاب والسنة وهما الاصل والاجماع مستند اليهما والقياس مستنبط منهما القاعدة السادسة الاصل في العبادات الحظر فلا يشرع منها الا ما شرعه الله ورسوله. والاصل في العادات الاباحة فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله وهذه القاعدة تضمنت اصلين عظيمين ذكرهما الامام احمد وغيره من الائمة. ودل عليهما الكتاب والسنة في مواضع مثل قوله تعالى في الاصل الاول به الله ومثل الامر بعبادته وحده لا شريك له في مواضع كثيرة. وقوله في الاصل الثاني هو الذي خلق لكم في الارض جميعا. اي لجميع انواع الانتفاعات فاباح منها جميع المنافع سوى ما ورد في الشرع المنع منه لضرره وقوله تعالى قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. فانكر تعالى على من حرم ما خلق الله لعباده من المآكل والمشارب والملابس وتوابعها وبيان ذلك ان العبادة هي ما امر به امر ايجاب او استحباب. فكل واجب اوجبه الله ورسوله او مستحب فهو عبادة يعبد الله به وحده ويدان لله به فمن اوجب او استحب عبادة لم يدل عليها الكتاب ولا السنة فقد ابتدع دينا لم يأذن به الله وهو مردود على صاحبه كما قال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد متفق عليه فتقدم ان من شروط العبادة الاخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم ان البدع من العبادات اما ان يشرع عبادة لم يشرع الله ورسوله جنسها اصلا او شرعها الله ورسوله على صفة او في زمان او مكان مخصوص ثم غيرها المغير الى غير تلك الصفة. كمن اوجب صلاة او صوما او غيرهما من العبادات بغير ايجاب من الله ورسوله. او ابتدع مبتدع الوقوف بعرفة او مزدلفة او رمي الجمار في غير وقتها. او استحب تبع عبادة في وقت من الاوقات او مكان من الامكنة بغير هدى من الله وحجة شرعية والله تعالى هو الحاكم لعباده على لسان رسوله فلا حكم الا حكمه ولا دين الا دينه واما العادات كلها كالمآكل والمشارب والملابس كلها والاعمال والصنائع والمعاملات والعادات كلها فالاصل فيها الاباحة والاطلاق. فمن حرم شيئا منها لم يحرمه الله ولا رسوله فهو مبتدع كما حرم المشركون بعض الانعام التي احلها الله ورسوله. وكمن يريد بجهله ان يحرم بعض انواع اللباس او الصنائع او مخترعات الحادثة بغير دليل شرعي يحرمها فمن سلك هذا المسلك فهو ضال جاهل. والمحرمات من هذه الامور قد فصلت في الكتاب والسنة. كما قال تعالى قد فصل لكم ما حرم عليكم ولم يحرم الله علينا الا كل ضار خبيث. ومن تتبع المحرمات وجدها تشتمل على الخبث والمضار القلبية او البدنية او الدينية او الدنيوية لا تخرج عن ذلك. ولهذا من اكبر نعمة الله علينا تحريمه ومنعه لنا مما يضر هنا كما ان من نعمه اباحته لنا ما ينفعنا وهدان الاصلان نفعهما كبير وبهما تعرف البدع في العبادات والعادات فكل من امر بشيء لم يأمر به الشارع فهو مبتدع وكل من حرم شيئا لم يحرمه الشارع من العادات فهو مبتدع القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ والعقل. شرط لوجوب العبادات والتمييز شرط لصحتها الا الحج والعمرة. فيصحان ممن لم يميز ويشترط مع ذلك الرشد للتصرفات. والملك للتبرعات هذه القاعدة تشتمل على هذه الضوابط التي تنبني عليها العبادات وجوبا وصحة. والتصرفات والتبرعات فالمكلف الذي هو بالغ عاقل تجب عليه جميع العبادات والتكاليف الشرعية. لان الله رؤوف رحيم بعباده. فقبل بلوغ الانسان السن الذي يقوى به على العبادات قوة تامة. وهو البلوغ لم يوجب عليه التكاليف. وكذلك اذا كان نعادما للعقل الذي هو حقيقة الانسان من باب اولى. فالذي لا عقل له لا يجب عليه شيء من العبادات كما لا تصح منه لعدم شرطها. وهو النية والقصد التي لا توجد من غير عاقل. والبلوغ يحصل اما بانزال المني يقظة او مناما او بتمام خمسة عشر. او بانبات شعر العانة للذكر والانثى. وتزيد الانثى اذا حاضت فقد بلغت لكن المميز يؤمر بالصلاة والعبادات التي يقدر عليها من غير ايجاب. ويضرب على التزامها وفعلها اذا بلغ عشرا ضربا غير غير مبرح للتأديب لا للوجوب. وهذا دليل على صحة العبادات كلها من المميز. فانه اذا ميز الامور عرف في الجملة ما ينفع وما يضر صار معه عقل يقصد به العبادة والخير فمن كان دون التمييز لا تصح عبادته كلها. لمشاركته حينئذ لغير العاقل الذي لا قصد له صحيح سوى الحج والعمرة فانه صح ان النبي صلى الله عليه وسلم رفعت اليه امرأة صبيا في المهد فقالت الهذا حج قال نعم ولك اجر متفق عليه. فينوي عنه وليه الاحرام ويجنبه ما يجنب المحرم. ويحضره في المناسك والمشاعر كلها ويفعل عنه ما يعجز عنه مثل الرمي. ويستثنى من العبادات العبادات المالية كالزكاة والنفقة قاتل واجبة والكفارات فانها تجب على الكبير والصغير والعاقل وغير العاقل لعموم النصوص قولا منه صلى الله عليه وسلم وفعلا واما التصرفات المالية فحيث كان الغرض الاكبر منها حفظ الاموال وحسن التصرف فيها احتيط فيها فشرط لها مع التكليف الرشد وهو احسان حفظ المال وصيانته ومعرفة التصرف. قال تعالى فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. فشرط الله شرطين لدفع اموالهم اليهم. البلوغ والرشد قبل ذلك اذا شك في رشدهم باختبارهم هل يحسنون الحفظ والتصرف؟ فيدفع اليهم مالهم ام لا يحسنون فلا يدفع اليهم لان لا يضيعوها. فعلم ان البلوغ والعقل والرشد شرط لصحة جميع المعاملات. فمن فقد واحدة منها لم تصح معاملته ولم تنفذ وتعين الحجر عليه. واما التبرعات فهي بذل الاموال بغير عوض من هبة او صدقة او وقف او عتق او نحوها. فلابد مع البلوغ والعقل والرشد ان يكون تبرع مالكا للمال ليصح تبرعه. لان الوكيل والوصي والناظر للاوقاف والولي على اليتامى والمجانين لا يصح تبرعه بما هو ولي عليه. وهو لغيره. لقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن. اي احسن لاموالهم واصون لها وانفع لها والله اعلم الثامنة الاحكام الاصولية والفروعية لا تتم الا بامرين. وجود شروطهما واركانها وانتفاء موانعها وهذا اصل كبير مضطرد الاحكام في الاصول والفروع. فمن اعظم فوائده كثير من نصوص الوعد بالجنة. وتحريم على اعمال لا تكفي وحدها بمجردها وكثير من نصوص الوعيد التي رتب عليها دخول النار او تحريم دخول الجنة او حرمان بعض اجناس نعيمها. فلابد في هذه النصوص من اجتماع شروطها. ومن انتفاء موانعها هذا يحصل الجواب عن كثير من الايرادات والاشكالات على نصوص الوعد والوعيد. وهي كثيرة جدا. فاذا قال قائل قد رتب الشارع دخول الجنة على بعض الاقوال او بعض الاعمال. فهل تكفي وحدها في ذلك الجواب عن هذا انه يجب علينا الايمان بجميع نصوص الكتاب والسنة. فلابد ان يقترن بهذا القول وبهذا العمل الذي رتب دخول الجنة الايمان والاعمال الاخر التي شرطها الشارع. ولابد مع ذلك ان ينتفي المانع من الردة او مبطلات الاعمال وكذلك اذا قال القائل قد رتب الله في كتابه دخول النار والخلود فيها على القتل عمدا فالجواب ان يقال هذا من موجبات الدخول والخلود. ولكن لذلك مانع وهو الايمان. فانه تواترت النصوص واجمع السلف ان من كان معه ايمان وتوحيد صحيح لا يخلد في النار وما اشبه ذلك من النصوص. ومن هذا الاصل فان مذهب اهل السنة والجماعة انه قد يجتمع في الشخص الواحد خصال ايمان وخصال كفر او نفاق. وخصال خير اتصال شر وموجبات للثواب وموجبات للعقاب. كما ثبتت بذلك النصوص الكثيرة. ولذلك قامت الموازنة بين الاعمال عند الجزاء وهي مقتضى عدل الله وحكمته. ومن فروع هذا الاصل الصلاة لا تصح حتى توجد اركانها وشروطها وواجباتها وتنتفي مبطلاتها وهي الاخلال بشيء من الشروط او الاركان لغير عذر او فعل ما ينافيها وكذلك الصيام لابد في صحته من وجود جميع لوازمه وشروطه ومن انتفاء موانعه وهي المفطرات. وكذلك الحج والعمرة. وكذلك البيع والشراء وسائر المعاملات والمعاوضات والتبرعات لابد من وجود شروطها ومن انتفاء ما يفسدها ويبطلها. وكذلك المواريث لا يرث احد لم يقم به سبب الارث توجد الشروط ثم لا يتم الارث حتى تنتفي موانع الارث من قتل ورق واختلاف دين. وكذلك النكاح لا يصح حتى وجد ركناه وشروطه وتنتفي موانعه. وكذلك الحدود والقصاص. وتوابع ذلك لابد في كل حكم منها من تمام شروطه. ومن انتفاء موانعه وكلها مفصلة في كتب الاحكام المعروفة. ولهذا كل عبادة او معاملة او عقد من العقود اذا فسد فلابد لذلك من احد امرين اما لفقد لازم من لوازمها او لوجود مانع خاص يبطلها والله اعلم التاسعة العرف والعادة يرجع اليه في كل حكم حكم به الشارع. ولم يحده بحد. وهذا اصل واسع موجود في المعاملات والحقوق وغيرها. وذلك ان جميع الاحكام يحتاج كل واحد منها الى امرين. معرفة حدها وتفسيرها ثم بعد ذلك يحكم عليها بالحكم الشرعي. فاذا وجدنا الشارع قد حكم عليها بايجاب او استحباب او تحريم او كراهة او اباحة فان كان قد حدها وفسرها وميزها رجعنا الى تفسير الشارع. كما امر بالصلاة وذكر فضلها وثوابها وقد حدها الشارع وذكر تفاصيل احكامها التي تميزها عن غيرها فنرجع في ذلك الى ما حده الله ورسوله. وكذلك الزكاة والصيام والحج. قد وضحها الشارع توضيحا لا يبقي اشكالا واما اذا حكم الشارع عليها ولم يحدها فانه حكم على العباد بما يعرفونه ويعتادونه. وقد يصرح لهم بالرجوع الى ذلك كما في قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف وقد يدخل في ذلك المعروف شرعا والمعروف عقلا مثل قوله وامر بالعرف. ويدخل في هذا الاصل مسائل كثيرة جدا. منها ان الله امر بالاحسان الى الوالدين والاقارب اليتامى والمساكين وابن السبيل. وكذلك الاحسان وكذلك الاحسان الى جميع الخلق. فكل ما شمله الاحسان مما يتعارف والناس فهو داخل في هذه الاوامر الشرعية. لان الله اطلق ذلك. والاحسان ضد الاساءة. بل وضد لعدم ايصال الاحسان القولي والفعلي والمالي. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كل معروف صدقة هذا نص صريح ان كل ما فعله العبد مع الخلق من انواع الاحسان والمعروف فهو صدقة. وكذلك اشترط الله ورسوله في عقود المعاوضات وعقود التبرعات الرضا بين الطرفين ولم يشترط لذلك العقد لفظا معينا. فاي لفظ واي فعل دل على العقد والتراضي حصل به المقصود. ولهذا قال العلماء وتنعقد العقود بكل ما دل عليها من قول او فعل ولكنه استثنوا منها بعض مسائل اشترطوا لعقدها القول لخطرها. مثل النكاح. قالوا لابد فيه من ايجاب وقبول بالقول وكذلك الطلاق لا يقع الا باللفظ او الكتابة ومن فروع هذا الاصل ان العقود التي اشترط لها القبض فالقبض ما عده الناس قبضا ويختلف ذلك باختلاف الاحوال كذلك الحرز حيث اوجبوا حفظ الاموال المؤتمن عليها الانسان في حرز مثلها. حيث اشترطوا في السرقة ان يكون ذلك من حرز والحرز يتبع العرف. فالاموال النفيسة لها احراز وغيرها لها احراز. كل شيء بحسبه. ومن ذلك ان الامين اذا فرط او تعدى فهو ضامن. فكل ما عده الناس تفريطا او تعديا علق به الحكم. ومن ذلك ان من وجد لقطة لزمه ان يعرفه آآ حولا كاملا بحسب العرف. ثم اذا لم يجد صاحبها ملكها. ومن فروعها ان الاوقاف يرجع في مصارفها الى شروط موقفين التي لا تخالف الشرع. فان جهل شرط الموقف رجع في ذلك الى العادة والعرف الخاص. ثم الى العرف العام في صرفها في طرقها ومن ذلك الحكم باليد والمجاراة لمن كان بيده عين يتصرف فيها مدة طويلة. يحكم انها له الا ببينة تدل على خلاف ذلك ومن فروعها الرجوع الى المعروف في نفقة الزوجات والاقارب والمماليك والاجراء ونحوهم. كما صرح الله ورسوله بالرجوع الى كالعرف في معاشرة الزوجات. والمعاشرة اعم من النفقة. فتشمل جميع ما يكون بين الزوجين من المعاشرة القولية والفعلية بين الطرفين. وانه يتعين في جميعها الرجوع الى العرف. ومن فروعها رجوع المستحاضة التي لا تمييز لها الى عادتها الخاصة. فان تعذر ذلك بنسيان او غيره رجعت الى عادة نسائها. ثم الى عادة نساء بلدها ومن ذلك العيوب والغبن والتدليس يرجع في ذلك الى العرف. فما عده الناس عيبا او غبنا او تدليس علق به الحكم وكذلك الرجوع الى قيمة المثل في المتقومات والمتلفات والضمانات وغيرها. وكذلك الرجوع الى مهور المثل لمن وجب لها مهر ولم يسمى او سمي تسمية فاسدة. ويختلف ذلك باختلاف النساء والاوقات والامكنة. وقس على هذه الامثلة وما اشبهها. وهي كثيرة مذكورة في كتب الاحكام. القاعدة العاشرة البينة على المدعي واليمين وعلى من انكر في جميع الحقوق عاوى ونحوها. وهذا اصل نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم. حيث قال البينة على المدعي واليمين وعلى المنكر. رواه البيهقي باسناد صحيح واصله في الصحيحين. وقد اجمع اهل العلم على هذا الاصل الذي يحتاجه القاضي والمفتي. وكل احد وقد قيل في بتفسير قوله تعالى واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. ان فصل الخطاب هو البينة على المدعي واليمين وعلى من انكر بان به تنفصل المشتبهات وتنحل الخصومات. ولا شك ان ذلك داخل في فصل الخطاب. لان فصل الخطاب اعم من فكل من ادعى عينا عند غيره او دينا على غيره او حقا من الحقوق على غيره فعليه البينة. وهي كل ما ابان الحق ويختلف نصابها باختلاف المشهود عليه. فان من لم يأت ببينة تشهد بصحة دعواه فعلى الاخر اليمين التي تنفي ما ادعاه مدعي. وكذلك اذا ثبت الحق في ذمة الناس. ثم ادعى انه خرج منه بقضاء او ابراء او غيره فالاصل بقاؤه فان جاء ببينة والا حلف صاحب الحق انه لم يستوفه وحكم له به. وكذلك لو ادعى الانسان استحقاقا في وقفه او ميراث فعليه اقامة البينة التي تثبت السبب الذي يستحق به ذلك. والا لم يثبت له شيء. والبينة في الاموال حقوقها وشروطها ووثائقها اما شاهدان عدلان او رجل وامرأتان كذلك. او رجل ويمين مدعي او دعواه ونقول المدعى عليه عن اليمين. فان كان المال بيد من لا يدعيه لنفسه كالملتقط ونحوه. فبينة المدعي ان يصفه بصفة ذاته المعتبرة فالوصف قائم مقام الشهود في الاموال التي لا يدعيها من هي بيده. وجميع الدعاوى محتاجة الى هذا الاصل ويقارب هذه القاعدة الاصل الذي بعده وهو هذا. القاعدة الحادية عشرة. الاصل بقاء ما كان على ما كان. واليقين لا يزول بالشك. هذا اصل كبير يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حين شكى اليه الرجل يجد الشيء وهو في الصلاة قال لا ينصرف حتى يسمع صوت او يجد ريحا اي حتى يتيقن انه احدث. فمتى تيقن امرا من الامور او استصحب اصلا من الاصول فالاصل بقاء ذلك الامر المتيقن والاصل بقاء ما كان على ما كان فلا ينتقل عن ذلك الاصل بمجرد الشك حتى يتيقن زواله فيدخل في هذا بعض مسائل الاصل الذي قبل هذا ويدخل فيه ان من تيقن الطهارة وشكها ال حصل له موجب الطهارة فالاصل بقاء طهارته كما ان من تيقن الحدث وشك هل تطهر ام لا فهو على حدثه. وكذلك الطهارة اصل كل شيء. فمتى شك الشاك في طهارة ماء ان او ثوب او بقعة او انية او غيرها بنى على الاصل وهو الطهارة. ومن ذلك لو اصابه ماء من ميزاب او غيره او وطئ رطوبة لا يدري عنها فالاصل الطهارة. ومن فروع هذا الاصل ان من شك هل صلى ركعتين او ثلاثا بنى على اليقين؟ وهو اقل وسجد للسهو خشية الزيادة. وكذلك لو شك في عدد الطواف او السعي او عدد الغسلات المعتبرة بنى على الاقل ذلك لو شك في اصل الطلاق فالاصل عدمه ولو شك في عدده فليأخذ بالاقل. ومن ذلك من عليه صلاة متعددة او صيام وشك في مقداره بنى على اليقين. لانه تحقق ثبوت الواجب في ذمته فلا يبرأ الا بيقين. ومثل ذلك اذا شك فهل خرجت المرأة من عدة زوجها؟ فالاصل انها في العدة واذا شك في عدد الرضعات هل هي خمس او اقل؟ عمل بالاقل حتى يتيقن بلوغها خمسا فاكثر ليترتب عليه التحريم. ومن رمى صيدا مسميا ثم وجده قد مات ولم يدري هل هو من رميته او لسبب اخر فهو حلال. لان الاصل عدم غير هذا السبب كما ثبت بذلك الحديث الصحيح. فكل شيء شككنا في وجوده فالاصل وعدمه وكل شيء شككنا في عدده فالاصل البناء على الاقل. ويدخل في هذا الاصل من الامثلة شيء كثير. من تتبع كتب الفقه يرى فائدة هذا الاصل كما يرى فائدة بقية الاصول التي تجمع الفائدة الحاضرة. ويكون للانسان ملكة يقتدر بها على رد المسائل الى اصولها والحاقها بقواعدها. والله الموفق. الثانية عشرة لابد من التراضي في جميع عقود وعقود التبرعات. وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع. كما قال تعالى في عقود المعاوضات الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. فالتجارة اسم جامع لكل ما يقصد به الربح والكسب لابد فيها من التراضي بين الطرفين. وقال في عقود التبرعات فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا. فهذا التبرع من الزوجة لزوجها بالمهر شرط الله فيه طيب نفسها. وهذا هو الرضا فجميع التبرعات كلها نظير الصداق. فالبيع بانواعه والتوثقات والايجارات والمشاركات. والوقف والوصايا والهبات لابد بد فيها من الرضا. وكذلك النكاح وغيره جميع العقود والفسوخ لا تتم الا برضا المتصرف فيها. لانها تنقل الاملاك من شخص صن الى اخر او تنقل الحقوق او تغير الحالة السابقة وذلك يقتضي الرضا. فمن اكره على عقد او على فسخ بغير حق فعقده وفسخه لاغ وجوده مثل عدمه. ويستثنى من هذا الاصل العام من اكره على عقد او فسخ بحق. وضابط ذلك ان من امتنع من واجب عليه واكره فان اكراهه حق. فاذا اكره على بيع ماله لوفاء دينه او لشراء ما يجب عليه من نفقة او كسوة فهو اكراه بحق. وكذلك المشترك الذي لا ينقسم الا بضرر اذا امتنع من بيعه اجبر عليه بحق وكذلك من وجب عليه طلاق زوجته لسبب من الاسباب الموجبة وهي كثيرة فامتنع اجبر عليه بحق وكذلك وجب عليه اعتاق الرقيق عن كفارة او نذره نذر تبرر فامتنع اجبر على عتقه القاعدة الثالثة عشرة الاتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي. وهذا شامل لاتلاف النفوس والاموال والحقوق. فمن اتلف شيئا من ذلك بغير حق فهو مضمون سواء كان متعمدا او جاهلا او ناسيا. ولهذا اوجب الله الدية في القتل خطأ وانما الفرق بين العامد وغيره من جهة الاثم وعقوبة الدنيا والاخرة وعدمها. وكذلك من اتلف مال غيره بمباشرة او وبسبب فهو ضامن. ومن الاسباب المتعلق بها الضمان اتلاف بهيمته التي هو متصرف فيها. والتي يخرجها ليلا او نهارا قرب ما تتلفه او يطلق حيوانه المعروف بالصول على الناس في اسواقهم وطرقهم فانه متعد عليه الضمان. ومما يدخل فيه هذا قتل الصيد عمدا او خطأ في حق المحرم. ففيه الجزاء عند جمهور العلماء. ومنهم الائمة الاربعة. واختار بعض اصحابهم ان الضمان خاص بقتل عمدا. كما قال تعالى ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم. وهو صريح الاية الكريمة. والفرق بينه وبين اموال الادميين ان الحق في قتل الصيد للمحرم لله والاثم مترتب على القصد ذلك الجزاء وهذا القول اصح. القاعدة الرابعة عشرة التلف في يد الامين غير مضمون اذا لم يتعدى او يفرط. وفي يد الظالم مضمون مطلقا. او يقال ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون. والعكس بالعكس. الامين هو الذي في يده مال وغيره برضا المالك او برضا الشارع او برضا من له الولاية عليه. فيدخل في هذا الوديع والوكيل والمرتهن والاجير. والشريك هو المضارب والملتقط وناظر الوقف وولي الصغير والمجنون والسفيه ووصي الميت وامين الحاكم. فكل هؤلاء ومن اشبه اذا تلف المال بايديهم لا يضمنون. لان هذا هو معنى الائتمان. لان التلف في ايديهم كالتلف بيد المالك. فاذا او فرطوا فهم ضامنون. والفرق بين التعدي والتفريط ان التفريط ترك ما يجب من الحفظ. والتعدي فعل ما لا يجوز من رفات او الاستعمالات لانهم في هذه الحال يشبهون الغاصب. ولانهم مأذون لهم في الحفظ او التصرف او ما اشبه او فلا يضمنون ويستثنى من هذا المستعير فانه ضامن في قول كثير من اهل العلم. ولو لم يفرط ولم يتعدى وهو المشهود من مذهب الامام احمد والقول الثاني اصح وهو ان العارية تجري مجرى بقية الامانات. ان تعدى فيها المستعير او فرط ضمن والا فلا والله اعلم. واما من بيده المال بغير حق فانه ضامن لما في يده سواء تلف بتعد او تفريط او لا. لان هذا الظالم يد عادية يضمن صاحبها العين ومنافعها. فيدخل في هذا الغاصب والخائن في امانته. ومن عنده عين لغيره فطلب منه الرد لمالكها او لوكيلها فامتنع بغير حق. فهو ضامن مطلقا. ومن عنده لقطة فسكت ولم يعرفها. ومن حصل قال في بيته او يده مال لغيره فلم يرده ولم يخبر به صاحبه بغير عذر. وما اشبه هؤلاء فكلهم ضامنون. ولهذا كان اسباب الضمان ثلاثة اليد الظالمة كهذه اليد ومباشرة الاتلاف بغير حق. او فعل سبب يحصل به تلف كما تقدم في الاصل سابق والله اعلم. القاعدة الخامسة عشرة لا ضرر ولا ضرار. وهذا لفظ قوله صلى الله عليه وسلم رواه احمد وابن ماجة من حديث ابن عباس فالضرر منفي شرعا فلا يحل لمسلم ان يضر اخاه المسلم بقول او فعل او سبب بغير حق وسواء كان له في ذلك نوع منفعة ام لا. وهذا عام في كل احد واخص منه واعظم جرما اضرار من يجب على الانسان صلة والاحسان اليه كالقريب والجار والصاحب ونحوهم. ولهذا قال العلماء حرم على الجار ان يحدث بملكه ما يضر بجاره يحرم ان يجعل في طرق المسلمين واسواقهم ما يضر بهم من احجار واخشاب او حفر او غيرها الا ما كان فيه مصلحة لهم وفي الحديث الصحيح من ضار مسلما ضره الله. ومن اشد انواع الضرر مضارة الزوجة. والتضييق عليها لتفتدي منه بغير بحق كما قال تعالى ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن. وقال ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومضارة احد الوالدين للاخر من جهة الولد كما قال تعالى لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. وقال تعالى ولا يضار كاتب ولا شهيد. يحتمل ان الفعل مبني للفاعل. فيكون الكاتب هو الشهيد منهيين عن مضارتهما لصاحب الحق. باي ضرر يكون. احتمل ان يكون مبنيا للمجهول. فيكون صاحب الحق منهي عن مضارته لاحدهما. وكل ذلك صحيح. ومن ذلك اضرار المورث لبعض ورثته. او اضرار الموصي في وصيته. كما قال تعالى من بعد وصيتي يوصى بها او دين غير مضار. فكل ضرر اوصله الى مسلم بغير حق فهو محرم داخل في هذا الاصل. وكما ان الانسان منهي عن الاضرار فانه مأمور ومرغب في الاحسان بجميع انواعه. كما قال تعالى واحسنوا ان الله يحب المحسنين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الاحسان على كل شيء اذا قتلتم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته. رواه مسلم. من حديث الداد ابن اوس. فامر صلى الله عليه وسلم بالاحسان حتى في ازهاق النفوس. القاعدة السادسة عشرة العدل واجب في كل كل شيء والفضل مسنون. العدل هو ان تعطي كل ما لديك كما تطلب ما لك. والفضل الاحسان الاصلي او الزيادة على الواجب قال الله تعالى واقسطوا ان الله يحب المقسطين. وقال تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوق ابت به. ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وقال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله. فاباح الله مقابلة الجاني بمثل جنايته. وهو العدل. ثم ندب الى العفو هو الفضل. وكذلك المتعاملان بجميع انواع المعاملات العدل فيها واجب. وهو ان تعطي الذي عليك كما تأخذ الذي لك. والفضل فيها من مندوب اليه قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم. وهو العفو عن بعض الحق والمحاباة في المعاملة. وامر تعالى باخذ الحق من الواجد حال وانظار المعسر. وهذا هو العدل. ثم ندب الى الفضل فقال وان تصدقوا خير لكم. واباحوا مخالطة اليتيم في الطعام والشراب واباح التعادل فيه وندب للفضل والاحتياط. وقال تعالى وان تخالطوهم اخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح. وقال تعالى وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص. فهذا العدل ثم قال فمن تصدق به فهو كفارة له. قال تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. اي فهو مباح له ومع ذلك حث على الفضل في قوله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. فهذان المقامان لاهل العدل للمنصفين والفضل للسابقين. ومن قصر دونهما فهو من الظالمين ويتفرع على ذلك العبادات كالوضوء والصلاة والصوم والحج وغيرها. منها كامل وهو الفضل الذي يؤتى فيه الواجبات والمستحبات ومنها مجزئ وهو العدل الذي يقتصر فيه على ما يلزم. وكل ما اشبه هذه المسائل يجري هذا المد القاعدة السابعة عشرة ان تعجل شيئا قبل اوانه عوقب بحرمانه. وذلك ان العبد عبد مملوك تحت اوامر ربه ليس له من الامر شيء وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم بهم فاذا تعجل الامور التي يترتب عليها حكم شرعي قبل وجود اسبابها الصحيحة لم يفيده شيئا وعوقب بنقيض قصده عند تحت هذا الاصل صور عديدة. منها حرمان القاتل الميراث. سواء كان القتل عمدا او خطأ. اذا كان بغير حق. لانه تعجل الميراث على وجه محرم فحرم الميراث. وكذلك الموصى له. اذا قتل الموصي بطلة وصيته له. وكذلك المدبر اذا قتل سيدة ومثل ذلك من طلق زوجته في مرض موته المخوف فانها ترث منه ولو خرجت من العدة ما لم تتزوج بعده على مذهب ابي احمد وقيل ولو تزوجت لانها معذورة. ومما يدخل في هذا ان من تعجل شهواته المحرمة في الدنيا عوقب بحرمانه في الاخرة ما لم يتب قبل موته. قال تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها. ويقابل هذا الاصل اصل اخر ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ولم يجد فقده. القاعدة الثامنة عشرة تضمن المثليات بمثلها والمتقومات بقيمتها. اختلف العلماء ما هي المثل يا فقيل انها المكيلات والموزونات فقط والمتقومات ما عداها. وقيل انها اعم من ذلك. وانها كل شيء له مثل وشبيه ومقارب وهو الصحيح. لانه صلى الله عليه وسلم استقرض بعيرا واراد رد بدله. فلم يجد فقضى خيرا منه ولانه ضمن ام المؤمنين حيث كسرت صحيفة ام المؤمنين الاخرى بصحيفتها الصحيحة. الحديث ان صحيح ان ولان الضمان بالشبيه والمقارب يجمع الامرين القيمة وحصول مقصود صاحبه. وعلى القولين فمن اتلف مالا لغيره فان كان مثل لينضمنه بمثله وان كان متقوما ضمنه بقيمته يوم تلفه. وكذلك من استقرض مثليا رد بدله. وان كان متقوما رد قيمته ومثل ذلك من اوجبنا عليه الضمان لكونه فرط في امانته او تعدى فيها او كانت يده يدا متعدية. فكل كل هؤلاء يضمنون المثل بمثله. والمتقوم بقيمته. ومن اكل اضحيته ولم يتصدق منها بشيء. لزمه ان يخرج لحما اقل ما يجب عليه. وهكذا ما اشبه هذه المسائل. القاعدة التاسعة عشرة اذا تعذر المسمى رجع الى القيمة. وهذه القاعدة القاعدة التي قبلها لان في هذه المعاوضات التي سمى لها ثمنا. واتفق المتعاوضان فيها على ذلك الثمن المسمى حيث تعذر معرفة المسمى او تعذر تسليمه لكون التسمية غير صحيحة لغرر او تحريم او نحوها فانه يرجع الى قيمة ذلك الذي سمي له ذلك الثمن الذي تعثر تسليمه فيدخل في ذلك البيع والاجارة بانواعهما. فاذا باع شيئا بثمن تعذر معرفة الثمن الذي سمياه في العقد رجعنا الى قيمة المبيع. لان الغالب ان السلعة تباع باقيمها. وكذلك اذا تعذر معرفة الاجرة رجعنا الى اجرة المثل. ومثله لو كان الثمن او الاجرة محرمين او فيهما غرر. ومثل ذلك المسمى في مهور النساء اذا تعذر معرفته او تعذر تسليمه فانه يجب مهر المثل. وهذا الرجوع الى اطيام المثل اقرب الى حصول غرض كل منهما القاعدة العشرون اذا تعذر معرفة من له الحق جعل كالمعدوم. يعني اذا علمنا ان المال ملك للغير ولكن ذلك لك الغيرة تعذر علينا معرفته. وايسنا منه جعلناه كالمعدوم. ووجب صرف هذا المال بانفع الامور الى صاحبه او الى احق الناس بصرفه اليه ويترتب على هذه اللقطة اذا تعذر معرفة صاحبها بعد التعريف فهي لواجدها لانه احق الناس بها ومن كان بيده غصوب او ودائع او امانات اخر جهل اربابها وايس من معرفته. فان شاء دفعها لولي بيت المال اصرفها في المصالح النافعة وان شاء تصدق بها على صاحبها. ينوي انه اذا جاء صاحبها خيره بين ان يجيز تصرفه كون لصاحبه الثواب كما نواه المتصدق او يضمنها له ويعود اجر الثواب للذي باشر الصدقة. وكذلك الاموال التي بيد السراق او قطاع الطريق اذا علم انها للناس وجهلوا صرفت للمصالح العامة او تصدق بها على الفقراء وحلت لمن تصدق عليه بها. لانه ايس من معرفة اربابها فكأنهم معدومون. ومن هذا من مات وليس له وارث معروف ميراثه لبيت المال يصرف في المصالح كلها. ومثله من لم يعرف لها ولي. فانه يجعل كالمعدوم فيزوجها الحاكم القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محظور في المعاوضات والمغالبات. قد قرن الله الميسر بالخمر بما فيه من فاسد الكثيرة لانه يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة. ويوقع العبد في المكاسب الدنيئة المخالفة للمعقول قد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فيدخل في ذلك بيع الآبق والشارد والحمل في البطن والمجهولات التي يجهل تحصيلها او يجهل مقدارها. وكلها داخلة في الغرر والميسر. ومن هذا الغرر في المشاركات او المساقاة والمزارعة. بان يقول احدهما للاخر لك ربح احد السفرتين او احد السلعتين او احد العامين ولي الاخر. او يقول لك هذا الجانب من الزرع او الثمر ولي الجانب الاخر. فكل هذا داخل في الغرر والميسر او تؤجل الديون الى اجال مجهولة. واما الميسر في طوال بيت فكل مغالبة فيها عوض من الطرفين فانها من الميسر كالنرد والشطرنج والمغالبات القولية والفعلية ويستثنى من هذا المسابقة على الخيل والابل والسهام. فانها جائزة بل مستحبة بما فيها من الاعانة على الجهاد في سبيل الله. وهل يشترط لذلك محلل كما هو قول كثير من اهل العلم لتخرج عن شبه القمار او لا يشترط المحلل كما هو ظاهر الادلة الشرعية وعمل الصحابة رضي الله عنهم. فالصواب جوازه ولو لم يكن محلل. بل ترك المحلل اولى واقرب للعدل. القاعدة الثانية والثالثة والعشرون الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا. والمسلمون على شروطهم الا شرطا احل حراما او حرم حلالا. هذان الاصلان هما لفظ الحديث الذي صححه غير واحد من الائمة. وما اعظم نفعهما واكثر ترى فوائدهما. فهذا الحديث يدل على ان جميع انواع الصلح بين المسلمين جائزة. ما لم تدخل اهلها في محرم. فدخل في هذا الصلح في اموال صلح الاقرار وصلح الانكار. فمن اعترف لغيره بعين او دين ثم صالحه عن بعض ذلك فهو في معنى التبرع وان صالحه على غيره فهو في معنى البيع وذلك جائز. وكذلك لو صالحه على حق ثبت له من خيار عيب او غبن او تدليل فهو جائز. وكذلك على الصحيح الصلح عن حق شفعة او خيار شرط لدخوله في هذا العموم. ولعدم المحذور الشرعي هذا لو صالحه على دم العمد في النفس او ما دونها فكله جائز. وكذلك لو صالحه عن المجهول من الديون والحقوق بشيء معلوم ومن هذا مصالحة احد الزوجين الاخر عن بعض حقوق الزوجية كأن تصالح زوجها الذي ترى منه الرغبة عنها فتسقط عنه بعض الحقوق ليمسكها. كما قال تعالى وان امرأة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان اصلحا بينهما صلحا والصلح خير. وكذلك الصلح عند المنازعات والمشاجرات بين الناس. لقطع النزاع بما يناسب الحال وان وقعت بتوسط القاضي او توسط غيره فهذه الامور وما اشبهها جائزة نافعة. واما مثال الصلح الذي يدخل في محرم ان يصالح من يقر له بالعبودية او تقر له بالزوجية وهو كاذب في ذلك. او يصالح صاحب الحق الذي يجهل مقدار حقه. والمدينة عالم به في صالحه ويخفي عنه مقدار ما عليه من الدين. فهذا حرام لا يحل له الصلح ما كان صالح عليه. والاصل الاخر شروط التي يشترطها المتعاقدان او احدهما على الاخر فكلها جائزة لما فيها من مصلحة المشترط وعدم المحذور الشرعي او البائع ان ينتفع بالمبيع مدة معلومة او يشترط التأجيل الى اجل معلوم او يشترط وثيقة رهن او ضمين او كفيل او اشترط المشتري صفة مقصودة في المبيع ككون العبد كاتبا او يحسن الصنعة الفلانية او الدابة سهلة السير او لبونا او طير صيودا ونحو ذلك من الصفات المقصودة. واما الشرط الذي يدخل في الحرام فمثل شرط البائع للعبد على المشتري ان اعتقه فالولاء للبائع بمنافاته لقوله صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق ومن الشروط الجائزة شروط الواقفين ويجب اتباعها اذا لم تخالف الشرع وكذلك الشروط بين الزوجين كان تشترط المرأة على الزوج دارها او بلدها او لا يتزوج او يتسرى عليها كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ان احق الشروط ان توفوا به ما استوى احللتم به الفروج. ومن الشروط المحرمة في النكاح المتعة والتحليل. فهي فاسدة مفسدة للنكاح. لانها تنافيه من اصله وان شرط ان لا مهر لها او لا نفقة او يقسم لها اكثر من ضرتها او اقل فيفسد الشرط ولا يفسد النكاح. لان انه لا ينافيه من اصله وانما ينافي ما يجب فيه من الحقوق. القاعدة الرابعة والعشرون من سبق الى المباحات فهو احق بها المراد بالمباحات هنا ما ليس له مالك محترم لقوله صلى الله عليه وسلم من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو احق به. فيدخل في هذا السبق الى احياء الارض الموات. فمن عمرها ببناء او حفر بئرا او وصل الى مائها او شراء ماء اليها او تنقيتها من الاحجار التي لا تزرع مع وجودها او منع المياه المستنقعة التي لا تزرع مع وجودها ملكها ولم يزاحمه احد فيها. فكذلك لو كان النهر المباح او الوادي المباح يسقي حروفا وبساتين. وتنازعوا ايهما يبدأ فانه يبدأ بالاعلى فالاعلى. فاذا شرب ارسله الى من بعده. واما المياه المملوكة فهي على قدر الاملاك والاتفاق الذي جرى بينهم ومن فروع هذا الاصل السبق الى صيد البر او البحر او الحطب والحشيش ونحوها من المباحات. فمن سبق الى شيء من ذلك واجتازه ملكه. واما مجرد رؤيته فلا يملكه بذلك. ويدخل في هذا ايضا السبق الى الاماكن المشتركة. كالسبق الى الجلوس في مساجد او الاسواق او الاوقاف من البيوت ونحوها التي لا تحتاج الى تقرير ناظر. فالسابق الى شيء من ذلك احق به من غيري حتى ينقضي غرضه الذي سبق اليه. واما الاوقاف التي لها ناظر خاص من الموقف او ناظر عام وهو الحاكم للاوقاف التي لا ناظر لها فيتوقف الانتفاع بها الى تقرير ناظر لا بمجرد السبق. القاعدة الخامسة والعشرون تشرع القرعة اذا المستحق وتعذرت القسمة. وقد ثبتت القرعة في الكتاب والسنة. وفي قول جمهور الامة قال تعالى فساهم فكان من المدحضين اي المغلوبين. وقال تعالى وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم. وقد ثبت في عدة احاديث صحيحة فمتى تشاح اثنان فاكثر في الاذان او الاقامة او الامامة ولم يكن لاحدهما مرجح اقرع بينهم وكذلك لو بذل ماء او ثوب او اناء او نحو ذلك لاحد من الاشخاص. ولم يعين الباذل من هو له. ولم يقل لكم جميعا اخرج تستحق بقرعة ومنها التقديم الى الامام او الى القبلة في القبر او الى الدفن في بقعة معينة ولم يكن لاحد الموتى مزية لا سبق انه يقرع بينهما ايهما يرجح. ومنها اذا تداعيا عينا بيد غيرهما ولم يكن لاحدهما بينة ولا مرجح اقرع بينهما. ومنها اذا استبق اثنان الى شيء من المباحات. ولم يمكن الاشتراك اقرع بينهم. ومنها اذا مات عن زوجات وقد طلق احداهن طلاقا يقطع الارث وجهل عين مطلقة عينت بقرعة. ومنها الاولياء المستحقون للولاية المتساوون. اذا اتشاح اقرع بينهم. ويتعين منهم من اذنت له في تزويجها اذا كان اذنها معتبرا. ومنها اذا طلق مبهمة من نسائه ولم ينوي معينة اخرجت بقرعة. ومثلها لو اعتق عبدا من عبيده وانسيه اخرج بقرعة. او اعتق عبيده في مرضه المخوف اذا فاتصل به الموت وهم جميع تركته ولم يجز ذلك الورثة اخرج ثلثهم بقرعة فعتقوا ورق الاخرون. وصاروا وكل ما اشبه هذه المسائل فطريقها طريقها. واما اذا علم اشتراكهم في الاعيان او الديون وارادوا ان يقترعوا على ان من خرجت له القرعة فالمال له من عين او دين فهي من مسائل الميسر المحرمة بالنص والاجماع. القاعدة السادسة والعشرون يقبل قول الامناء في الذي تحت ايديهم من التصرفات والاتلافات وغيرها الا ما خالف الحس والعادة. هذه قاعدة نافعة لكثير الاختلاف بين الملاك وبين الامناء في متعلقات الامانات واهل الاموال والحقوق ائتمنوهم عليها وفوضوهم على التصرفات المتعلقة بها. فاذا اختلفوا في شيء من ذلك كان القول قولا الامين بان صاحبه ائتمنه ونزله منزلة نفسه. فاذا ادعى تلفا او تصرفا معينا وخالفه صاحب المال قول قول الامين الا اذا خالف المعتاد وكذبه الحس. لان كل دعوة يكذبها الحس فقول مدعيها غير مقبول. ولذلك يقبل قول الشريك والمضارب في الربح والخسارة وما اشتراه لنفسه او للمضاربة والشركة. ويقبل قوله اذا باعه نسيئة او بالنقد الفلاني او بهذا المقدار. وفي الشروط والوثائق المتعلقة به. ويقبل اقراره على ما في يده من الداخلة فيما فوض له فيه. وكذلك الوكيل والوصي وناظر الوقف والولي على اليتيم والمجنون والسفيه وما ااشبه ذلك؟ القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور جهلا او نسيانا لم تبرأ ذمته الا بفعله. ومن فعل محظورة وهو معذور بجهل او نسيان برأت ذمته وتمت عبادته. وهذا الفرق في ترك المأمور وفعل المحظور في حق المعذور بجهل او نسيان ثابت بالسنة. والصحيح طرده في جميع المسائل من دون استثناء. كما اختار ذلك شيخ الاسلام وغيره من اهل العلم والمشهور من مذهب الامام احمد فيه تفصيل. ولكن طرده اولى واقرب الى اصول الشريعة. فمن ذلك من نسي او جهل وصلى وهو محدث او تارك لركن كالطمأنينة فعليه الاعادة. ومن صلى وعلى بدنه او ثوبه نجاسة لا يعلمها فلا اعادة عليه. ومن ترك نية الصيام لم يصح صومه. فان صام ونوى لكنه نسي فاكل او شرب. فصيامه صحيح وكذا لو جهل بان لم يعلم طلوع الفجر ثم تبين له طلوعه قبل ان يأكل ويشرب او اكل وشرب ظانا غروب الشمس كتب بين انها لم تغرب. فالصحيح ان الجاهل حاله حال الناس. ولو ترك شيئا من واجبات الحج جهلا او نسيانا فعليه دم لانه ترك مأمورا. وان غطى الرجل رأسه وهو محرم او لبس المقيت او تطيب المحرم. ونحو ذلك من المحظورات ناسيا او جاهلا فلا شيء عليه. القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مقام المبدل ولكن لا يسار اليه الا اذا تعذر الاصل قال الله تعالى بعدما اوجب الطهارة بالماء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه. فاقام التيمم عند العدم للماء. او عند الضرر باستعماله مقام الماء. فدل على انه به ما يستباح بالماء من العبادات وغيرها. وانه يقوم مقامه في كل شيء. وفي بعض ذلك خلاف. ومنها ابدال الاضاحي الهدي بخير منه يجوز. ويقوم البدل فيه مقام المبدل. وكذلك الوقف اذا جاز بيعه وابداله عند الضرورة. قام بدله مقام قامه في اموره كلها. القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف او شرط او استثناء او وغيرها وهذا الاصل واضح معلوم من لغة العرب وغيرها ومن العرف بين الناس. لانه لو لم يعتبر ما قيد به الكلام فسدت المخاطبات وتغيرت الاحكام وانحل النظام. وهذا مطرد في كلام الله وكلام رسوله وكلام جميع الناطقين كما اننا نستفيد من كلام الله وكلام رسوله ونعتبر ما فيها من القيود المخصصة لاطلاقات الكلام. فكذلك نعتبر ذلك في كلام الناس ونحكم عليهم بما نطقوا به من اطلاق وعموم ومن قيود وتخصيصات. ويدخل تحت هذا الاصل من الاحكام ما لا يعد دول يحصى من الفاظ المتعاقدين ومن شروط الوقف والوصايا. ومن التقييدات الواقعة في العتق والطلاق. وشروط الطلاق والايمان داخلة في هذا الاصل والله اعلم. القاعدة الثلاثون الشركاء في الاملاك والحقوق والمنافع يلزم الممتنع منهم بما يعود على المشترك من الامور الضرورية والمصارف والتعميرات وغيرها. ويشتركون في زيادتها ونقصانها بحسب املاكهم. ومع الجهل بمقدار كلمة لكل منهم يتساوون لانه لا ضرر ولا ضرار ويدخل في ذلك شيء كثير. فاذا احتاجت الدار الى تعمير وامتنع احد الشركاء لاجبر على التعمير وان كان لو كان وحده لم يجبر لكن اذا تعلق به حق الغير وجبت المعاونة المضطر اليها كما يجب عليه ان يتفقوا على المماليك المشتركة من ادميين او بهائم. وكذلك لو احتاجت البئر او النهر او الارض الى تعمير عمروها جميعا على قدره باملاكهم ولا فرق بين الاملاك الحرة والاوقاف. وكذلك يلزم كل واحد من الجيران مباناة ما بينهما من الجدران التي تاجها كل منهم لسترة او بناء عليها وكذلك اذا زادت الاملاك المشتركة بذاتها او اوصافها او نمائها المتصل او المنفصل او نقصت فهم مشتركون في زيادتها ونقصها على املاكهم وحقوقهم فالمواشي المشتركة على وجه الاشاعة ان مدفلهم كلهم وان نقصت فعليهم كلهم. وكذلك العقارات والاواني والاثاث وغيرها والمحجور عليه لحق غرمائه اذا لم تفي موجوداته بديونهم قسمت عليهم بمقدار حقوقهم. الا ان يكون لاحد تميز بعين باعها. وهي عند المفلس لم يتعلق بها حق للغير. ولم ينقد من ثمنها شيئا فهو احق بها. ومن له رهن اختص به فان بقي من دينه شيء ادلى به مع الغرماء. وكذلك العول في الفرائض والرد. فالعول تنقص به الفروض كلها كل على قدر ما يستحق. والرد تزيد به الفروض كل له من الزيادة بقدر فرضه. كما هو مفصل في علم المواريث واذا علم اشتراك المشتركين في شيء وتعذر معرفة مقدار ما لكل منهم حكم لهم بالتساوي. وكذلك اذا وقف موقف او وصى قاموس او اقر مقر لجماعة بشيء او لجهات ولم يقدر ما لكل منهم او منها فانه يحكم فيها بالتساوي وكذلك شركة الابدان يتساوون فيما يحصل اذا لم يشترط التفاضل. واما شركة العنان فاذا لم يشترطوا مقدار ما لكل منهم هما من المكسب كان المكسب على قدر اموالهم القاعدة الحادية والثلاثون الاحكام تتبعض بحسب تباين اسبابها فيعمل كل سبب في مقتضاه ولو باين الاخر. وهذه قاعدة لطيفة تستدعي معرفة مآخذ المسائل وحكمها. وترتب اثارها ولها عدة امثلة. منها في الشهادات اذا شهد رجل وامرأتان او رجل عدل وحلف معه صاحب الحق. ثبت المال دون القطع في السرقة. لان القطع في السرقة لابد فيه من شهادة برجلين عدلين وشهادة ثبوت المال يكفي فيها ما ذكرنا ومنها اذا ادعى عليه جناية عمد توجب القصاص او المال. فان اقام بذلك رجلين عدلين ثبت القصاص. وله ان يأخذ الدية وان باقل من ذلك ثبت المال لكمال نصابه دون القصاص لعدم كمال نصابه ومنها قالوا الولد يتبع اباه في النسب ويتبع امه في الحرية او الرق. ويتبع في الدين خير الابوين ويتبع في النجاسة الطهارة وحل الاكل وعدمه اخبث الابوين فالبغل يتبع الحمار في النجاسة وتحريم الاكل ولا يتبع الفرس. ومنها مسائل تفريق الصفقة في البيوع والايجارات والشركات والتبرعات وغيرها من العقود اذا جمع العقد بين مباح ومحرم او بينما يملك العقد عليه وما لا يملك صحفي المباح وما لا يملك صحفي المباح وما يملك العقد عليه ولغي في الاخر ومنها شهادة الفروع والاصول واحد الزوجين للاخر اذا كانوا عدولا تصح شهادتهم عليهم ولا تصح شهادتهم لهم لمكان التهمة. وعكس ذلك شهادة العدو على عدوه لا تقبل وله تقبل القاعدة الثانية والثلاثون من ادى عن غيره واجبا بنية الرجوع عليه رجع والا فلا قال الله تعالى فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن فان اجرة الرضاع على الاب فاذا ارضعت الام التي ليست في حبال ابي الطفل رجعت بالاجرة عليه. ومثل ذلك من انفق على زوجة لغيري او اولاده او من تجب عليه نفقته من المماليك او البهائم ونوى الرجوع عليه رجع. وخصوصا اذا كانت العين بيده كالمرتهن والاجير ونحوهم ذلك من ادى عن غيره دينا لغيره فله الرجوع. وكل هذه المسائل اذا نوى الرجوع فان نوى التبرع او لم ينوي شيئا فليس له الرجوع لانه لم يوكله ولم يأذن له ولم ينوي رجوعا وهذا بخلاف من عليه زكاة او كفارة او نحوها مما يحتاج الى نية. فان الغير اذا اداها عنه لم يرجع عليه لانه قضاء لا يبرئ ذمته لانه لم يوكله القاعدة الثالثة والثلاثون اذا تزاحمت المصالح قدم الاعلى منها فيقدم الواجب على المستحب. والراجح مصلحة المرجوح واذا تزاحمت المفاسد واضطر الى فعل احدها قدم الاخف منها وهذان اصلان عظيمان. قال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. اي اصلح واحسن وقال تعالى واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم. وقال الذين يستمعون القول فيتبعون يتبعون احسنه. وقصة الخضر في قتله الغلام وخرقه للسفينة تدل على الاصل الثاني ان الحال دائرة بين قتل الغلام وهو مفسدة وبين ارهاقه لابويه وافساده دينهما وهي مفسدة اكبر فارتكب الاخف وخرقه السفينة مفسدة وذهاب السفينة كلها غصبا من الملك الذي امامهم اكبر مفسدة. فارتكب الاخف منهما فيدخل في هذا من مسائل الاحكام ما لا يعد ولا يحصى. فاذا دار الامر بين فعل الواجب او المسنون وجب تقديم الواجب في الصلاة والصيام والصدقة والحج الحج والعمرة وغيرها من العبادات وكذلك يجب تقديم ما تجب نفقته على الصدقة المستحبة وتقديم طاعة من تجب طاعته على من تستحب طاعته. وامثلة تزاحم الواجب والمسنون كثيرة فان تزاحم واجبان او مسنونان قدما الاعلى منهما. فتقدم المرأة طاعة زوجها على طاعة ابويها. اذا لم يمكن الجمع بينهما ويقدم العبد طاعة الله على طاعة كل احد ولهذا لا يطيع والديه في منعهما له من الحج المتعين والجهاد المتعين ويقدم الرواتب على السنن المطلقة والعبادات التي نفعها يعم العامل وغيره على العبادات المختصة بالعامل. والعبادات التي المشاركة فيها على العبادة التي تقل فيها المشاركة. لان الاشتراك في الخير مقصود عظيم من اهم المقاصد. قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى يقدم نفل العلم الشرعي على نفل الصلاة والصيام. والصدقة على القريب صدقة وصلة ومن امثلة الاصل الثاني من اضطر الى اكل محرم ووجد شاة ميتة وكلبا ونحوه قدم الشاه ومن اضطر الى وطئ ذا زوجتيه واحداهما حائض والاخرى صائمة للفرد قدم الصائمة لانها اخف. ولان الفطر يجوز لضرورة الغير كفطر الحامل والمرضع اذا خافتا على الولد ويقدم ما فيه شبهة على الحرام الخالص. هذا كله اذا ابتلي العبد بذلك المعافى من عافاه الله القاعدة الرابعة والثلاثون اذا خير العبد بين شيئين فاكثر ان كان التخيير لمصلحته فهو تخيير تشه واختيار وان كان لمصلحة غيره فهو تخيير اجتهاد في مصلحة الغير. مثال القصة الاول التخيير في كفارة اليمين بين العتق او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم وكذلك في فدية الاذى بين صيام ثلاثة ايام او اطعام ستة مساكين او ذبح شاة. وكذلك جزاء الصيد يخير بين المثل من النعم. او تقويمه طعاما للمساكين او يصوم عن اطعام كل مسكين يوما. وذلك كله لمصلحته والتسهيل عليه والخيرة في ذلك له. وكذلك من وجبت عليه الدية يخير رفيدية الذكر الحر بين مائة من الابل او مائتين من البقر او الفي شاة او الف دينار ذهب او اثني عشر الف درهم اذا قلنا انها كلها اصول كما هو المشهور من مذهب الامام احمد رحمه الله. فالمخير الدافع. ومثال القسم الثاني تخيير الامام في الاسير الحربي بين القتل والرق والفداء وعليه فعل الاصلح ومثله تخيير ولي اليتيم والمجنون والسفيه وناظر الوقف اذا دار الامر بين تصرفيه يتعين عليه فعل الاصلح لمن ولي عليه. قال الله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن. ومثل ذلك من وجد لقطة حيوان في حول التعريف بين بيعه وحفظ ثمنه وبين اكله وتقويمه وبين حفظه والانفاق عليه وعليه ما اصلح لصاحبه وانفع. القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجب ضوعف عليه الضمان. وذلك اذا كان فعله سببا ناهضا لوجوب العقوبة عليه. ولكن سقطت عنه لسبب من الاسباب. فانه يضاعف عليه ضمان الشيء. وليس ذلك خارجا عن القياس بل هو القياس الصحيح. لان جنايته موجبة لعقوبته. ولكن وجود المانع يمنع العقوبة. ولكن يكون مقابلا ذلك زيادة الغرم. فمن ذلك من سرق ثمرا او ماشية من غير حرز سقط عنه القطع. وضمن المسروق بقيمته مرتين ذلك اذا قتل المسلم الذمي عمدا لم يقتص منه لعدم المكافأة في الاسلام. ولكن تضاعف عليه الدية. ومنها اذا قلع العينين عين الاعور وجب عليه دية كاملة. وكذلك الاعور اذا قلع عين صحيح العينين المماثلة لعينه عمدا لم يقتص فمنه بانه بالقصاص يؤخذ جميع بصره. ولكنه يضاعف عليه الغرم فيكون عليه دية نفس كاملة والله اعلم القاعدة السادسة والثلاثون من اتلف شيئا لينتفع به ضمنه. ومن اتلفه دفعا لمضرته فلا ضمان عليه. فمن ذلك اذا صالت عليه بهيمة غيره فدفعها عن نفسه فاتلفها لم يضمنها. واذا اضطر الى طعام فاضطر الى ذبحها ضمنها لانه لنفع نفسه. ومن كان محرما بحج او عمرة فنزل الشعر في عينيه فقلعه فلا ضمان. لانه كالصائل عليه. وان احتاج الى اخذ شعره لقروح في رأسه او حكة او نحو ذلك فعليه فدية اذى. القاعدة السابعة والثلاثون اذا اختلف المتعاملان في صفة من صفات المعاملة يرجح قواهما دليلا والترجيحات كثيرة الرجوع الى الاصول وكثرة القرائن المرجحة وما اشبه ذلك. ولذلك قال العلماء اذا في شرط او في اجل فالقول قول من ينفيه. لان الاصل عدمه. واذا اختلفا هل كان العيب بعد الشراء او قبله فالاصل انه واذا ادعى المشتري انه شرط ان العبد كاتب او صانع او نحوه وانكر البائع فالقول قول البائع. واذا اختلف الزوجان في الشروط التي يدعي احدهما انها شرطها فالقول قول من ينفيه وهذا من مفردات قولهم واذا اختلف في شرط او اجل فالقول قول من ينفيه فاذا تساوى المتعاملان ولم يكن لاحدهما مرجح تساقطت اقوالهما. مثل ان يدعي البائع ثمنا كثيرا. ويدعي المشتري اقل منه فانه لا يترجح قول احدهما على الاخر. فيتحالفان ويتفاسخان ان لم يرضى احدهما بقول الاخر. ومثله وعلى الصحيح الاختلاف في عين المبيع. القاعدة الثامنة والثلاثون اذا عاد التحريم الى نفس العبادة او شرطها فسدت. واذا عاد الى خارج لم تفسد وصحت مع التحريم. ومثل ذلك المعاملة. وهذا هو الفرقان بين العبادات الواقعة على وجه محرم. لان التحريم والنهي الشرعي اذا عاد الى ذاتها او شرطها عاد على موضوعها ومقصودها بالابطال. واذا عاد الى امر اخر حرم على الانسان ذلك الفعل ونقص العبادة ولم يبطلها. مثال ما عاد الى نفسها لو توضأ بماء محرم كمغصوب او صلى في ثوب محرم عالما ذاك بطلت طهارته وصلاته اي لم تنعقد. وان كان الاناء الذي فيه الماء مغصوبا والماء مباح صحت طهارته. وكذلك لو صلى رجل وعليه عمامة حرير او خاتم ذهب فالفعل حرام والصلاة صحيحة. وان فعل الصائم شيئا من المفطرات متعمدا فسد صومه ان فعل فعلا محرما او تكلم بكلام محرم حرم عليه ونقص اجره. ولكن صيامه صحيح. ومثال المعاملات اذا باع الانسان ما لا يملك او عقد عقد ربا او غرر لم يصح البيع. وان تلقى الركبان او نجش في بيعه او باع شيئا معيبا او مدلسا او نحو ذلك حرم ما عليه ذلك وصح العقد ولكن للاخر الخيار. واثبات الشارع الخيار للاخر فرع عن صحة العقد. وكذا بقية العقود قس على ما ذكرنا. القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادات او الكفارات على سبب الوجود. ويجوز تقديمها بعد السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه. وذلك لان الله تعالى جعل للعبادات اوقاتا تجب بوجودها وتتكرر بتكررها كاوقات الصلوات الخمس وشهر رمضان واوقات الحج. فلو فعلت هذه قبل دخول وقتها لم تصح. ومن نذر صلاة او صياما او حج النظر تبرر وعلقه على وجود شيء جاز تقديم المنزور بعد عقد النذر وقبل وجود المعلق. وكذلك الكفارات لو كفارة يمين او ظهار او غيره قبل ان يحلف ويظاهر بنية الكفارة لعقده المستقبل لم تجز هذه الكفارة. ولو حلف ثم فكفر بعد الحلف وقبل الحنف جاز ذلك. وكانت الكفارة تحلة ليمينه. والله اعلم. القاعدة الاربعون يجب فعل المأمور به كله. فان قدر على بعضه وعجز عن باقيه وجب عليه فعل ما قدر عليه. الا ان يكون المقدور عليه وسيلة محضة. او كان بنفسه لا يكون عبادة فلا يجب فعل ذلك البعض. ودليل هذا الاصل قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وقوله صلى الله وعليه وسلم في الحديث الصحيح اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم متفق عليه. فيصلي من قدر على بعض اركان الصلاة وبعض الشروط وعجز عن باقيها فيفعل ما يقدر عليه منها. ويسقط عنه ما يعجز عنه بعضه الى بدل. كمن عجز عن القيام يكون القعود بدلا من ومن عجز عن القراءة يكون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير بدلا منه. ومن عجز عن طهارة الماء تكون طهارة التيمم بدن لمنه وبعضه الى غير بدل كمن عجز عن السترة ونحوها. ومثال ما يكون وسيلة محضة من وجب عليه حضور الجمعة والجماعة قدر على المشي الى بعض الطريق ولم يقدر ان يصل الى المسجد لم يلزمه المشي المذكور الذي يقدر عليه. وكذلك من وجب عليه الحج والعمرة ولا يقدر على الوصول الى مكة لحصر او غيره. ولكنه يقدر على قطع مسافة الطريق او بعضها. لم يلزمه ذلك لانه وسيلة محضة ومن وجب عليه الحلق او الختان ولكنه ولد مختونا وكان رأسه لا شعر فيه لا يلزمه امرار موسي على محل ولا على جلدة الرأس التي لا شعر فيها. لان ذلك كله وسيلة محضة. ومن اوجب من العلماء امرار المسي في هذه الحال او استحب فقوله ضعيف. لان هذا مقصود لغيره. ومثال ما اذا كان بعض العبادة المقدور عليها ليس بنفسه عبادة. من عجز عن صوم اليوم الواجب وقدر على الامساك الى بعض اليوم لم يلزمه ذلك. لان الصوم هو الامساك عن المفطرات بالنية من طلوع الفجر الى غروب الشمس فبعضه ليس بعبادة وحده. القاعدة الحادية والاربعون اذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد تداخلت افعالهما في عنهما بفعل واحد اذا كان مقصودهما واحدا. وهذا من نعمة الله وتيسيره ان العمل الواحد يقوم مقام اعمال. فاذا دخل المسجد وقت حضور الراتبة وصلى ركعتين ينوي انهما الراتبة وتحية المسجد. وحصل وحصل له فضلهما. وكذلك اذا سنة الوضوء معهما او مع احدهما او صلاة الاستخارة او غيرها من الصلوات. ومن حلف عدة ايمان على شرط واحد وحلف في فيه عدة مرات ولم يكفر فعليه للجميع كفارة واحدة. فان كان الحلف على شيئين وحنف بكل منهما فقد اختلف العلماء فيه فالمشهور من المذهب كذلك يكتفي بكفارة واحدة. واختار شيخ الاسلام ابن تيمية ان الكفارة تتعدد بتعدد المحلوف عليه واما اذا كانت الكفارات متباينة مقاصدها ككفارة ظهار ويمين بالله او للوطء في نهار رمضان وحنث في الجميع وجب عليه كفارات لكل يمين قولا واحدا. القاعدة الثانية والاربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة فائز في باب المعارضات ويجوز الاستثناء للمنفعة المعلومة والمجهولة في باب التبرعات. والفرق بين البابين ان المعاوضات يشترط فيها تحرير المبيع والعلم به وبمنافعه من كل وجه. وباب التبرعات اوسع منه لا يشترط فيه التحرير. لانه ينتقل الى المتبرع اليه مجانا. فلا يضر جهالة بعض المنافع فيه. مثال الاول من باع دارا واستثنى سكانها مدة معينة او باع بهيمة واستثنى ركوبها او الحمل عليها الى محل معين جاز ذلك لقصة جمل جابر حين باعه على النبي صلى الله عليه وسلم واستثنى ظهره الى المدينة او باع سلاحا او انية واستثنى الانتفاع بها مدة معلومة. او باع كتابا وشرط ان ينتفع به معلومة ونحو ذلك كله جائز. واما لو كانت المدة مجهولة فانه لا يصح ذلك. ومثال الثاني لو وقف عقارا الانتفاع به مدة معلومة او مدة مجهولة. كمدة حياته او اعتق رقيقا واستثنى خدمته او خدمة غيره مدة معلومة. او مدة حياته فهو جائز. لان ام سلمة اعتقت سفينة واشترطت عليه ان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته. القاعدة الثالثة والاربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد. فان قبضه لحظ مالكه قبل. ولكن يقيد ذلك اذا ادعى للذي ائتمنه فالمودع والوكيل والوصي وناظر الوقف اذا كان ذلك منهم بغير عوض اذا ادعوا الرد قبل قولهم. واما من قبض العين اين لحظ نفسه كالمرتهن والاجير؟ ومنهم المذكوران اذا كانوا بعوض لانهم يكونون اجراء. فاذا ادعى احد من هؤلاء الرد لم يقبل قوله الا ببينة لانه يدعي خلاف الاصل. القاعدة الرابعة والاربعون اذا ادى ما عليه وجب له ما جعل عليه هذا شامل للاعمال والاعواض. فالاجير على عمل والمجاعل عليه اذا عمل ذلك العمل وكمله استحق الاجرة والجعل المسمى. فان لم يقم بما فعليه لم يستحق في الجعالة شيئا. لان الجعالة عقد جائز. وقد جعل الجعل لمن يكمل له هذا العمل. فمتى لم يكمل لم يستحق كيئا. واما الاجارة فان ترك بقية العمل لغير عذر. فكذلك لم يستحق شيئا. وان كان لعذر وجب من الاجرة بقدر ما عمله وكذلك لو تلفت العين المؤجرة المعينة ومن فروع ذلك لو شرط استحقاق وصية او وقف او نحوها لمن يقوم بعمل من الاعمال من امامة واذان وتدريس وتصرف وعمل من الاعمال. فمتى عمل ذلك استحق ما جعل له عليه؟ القاعدة الخامسة والاربعون من لا يعتبر رضاه في عقد او فسخ لا يعتبر علمه ويدخل تحت هذا من له خيار شرط او عيب او غبن او تدليس او غيرها فله الفسخ. سواء رضي الاخر او لم يرضى. وسواء علم او لم يعلم. فكذلك لا يشترط علمه. وكذلك الوقف والفرق بين الوقف والهبة حيث يشترط في الهبة القبول من الموهوب له. لان الهبة تبرع لشخص معين. والوقوف بانه وان كان وقفا على معين فانه يعمه ويعم من يأتي بعده من البطون او الجهات وللشفيع الاخذ بالشفعة ولو لم يرضى المشتري ويعلم القاعدة السادسة والاربعون من له الحق على الغير وكان سبب الحق ظاهرا فله الاخذ من ماله بقدر حقه اذا امتنع او تعذر استئذانه وان كان السبب خفيا فليس له ذلك للاول امثلة. منها اذا امتنع الزوج من النفقة الواجبة على زوجته فلها الاخز من ما له بغير علمه بقدر نفقتها ونفقة اولادها الصغار ومنها من وجبت نفقته على قريبه فامتنع او تعذر استئذانه. ومنها الضيف حقه واجب على من نزل به فان امتنع من ضيافته فله الاخذ من ما له بعلمه وبغير علمه بقدر ضيافته. لان اخذه في هذه الاحوال لا ينسب الى ديانة بان سبب الاخذ ظاهر. ومثال الثاني من له دين على اخر من قرض او ثمن مبيع او نحوه من الحقوق التي تخفى فهذا اذا امتنع من الوفاء فليس لصاحب الحق الاخذ من ما له بغير اذنه. لانه ان كان له حق لكنه في هذه الحالة ينسب الى خيانة. وايضا فيه سد الباب لئلا ينفتح باب الشر. ويدعي الاخذ ان له حقا. وهو مبطل لقوله صلى الله عليه وسلم ادي الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك. وهذا القول المتوسط بين القولين وهو مذهب الامام احمد اصح الاقوال لان من العلماء من يقول له الاخذ من ماله في الحالتين ومنهم من منع في الحالتين. ولكن الذي تدل عليه الادلة الشرعية هذا القول المتوسط. القاعدة السابعة والاربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع. لان صلى الله عليه وسلم من نذر ان يطيع الله فليطعه. يدل على ان مجرى النذر مجرى ما وجب على العبد بدون ايجابه على نفسه فاذا نذر صلاة واطلق فاقلها ركعتان ويلزمه ان يصليها قائما ومن نذر صياما لزمه ان يبيت النية من الليل. لان هذا حكم صيام الفرض لان النفل يصح بنية من النهار. ومن نذر صلاة واطلقها لم يصلها في جوف الكعبة عند المانعين للفريضة في الكعبة. نعم لو صلاته في الكعبة فله ذلك قولا واحدا. ومنها من عليه صوم نذر لم يكن له ان يتنفل بالصوم حتى يصوم نذره كالقضاء في رمضان وله امثلة اخرى. القاعدة الثامنة والاربعون الفعل ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد. وذلك ان الانقطاع اليسير عرفا بين مفردات الفعل الواحد لا يقطع اتصاله مثال ذلك اذا اعتبرنا تطهير الماء المتنجس باضافة الماء الكثير اليه لا يشترط ان يصب عليه دفعة بل اذا صب عليه شيئا فشيئا حصل المقصود واذا ترك شيئا من صلاته فسلم قبل اتمامها ثم ذكر ولم يطل الفصل اتى بما تركه وسجد للسهو. ولو طال الفصل عرفا اعادها كلها. ومنها يشترط في الوضوء طيب فاذا غسل بعض اعضائه ثم انفصل غسل الباقي عن الاول بفصل قصير لم يضر. وان طال الفصل بين ابعاد الوضوء اعاده من اوله وهكذا كل فعل تعتبر له الموالاة. وكذلك كل قول يعتبر اتصال بعضه ببعض. فاذا الحق كلامه استثناء او شرطا او وصفا فان طال الفصل عرفا لم ينفعه ذلك الالحاق. وان اتصل لفظا او حكما كانقطاعه وشبهه لم يضر القاعدة التاسعة والاربعون الحوائج الاصلية للانسان لا تعد مالا فاضلا. وذلك ما تعلقت به حاجته في حكم تهلك وذلك كالبيت الذي يحتاجه للسكنة والخادم والمركوب. واثاث بيته واوانيه وفرشه ولباسه. كل ذلك ليس بمال فاضل يمنع صاحبه اخذ الزكاة اذا كان فقيرا ونحوه. وكذلك لا زكاة فيه كذلك لا يلزمه ان يبيعه ليحج فرضه. لان الاستطاعة فيما زاد عن الحوائج الاصلية. وكذلك لا يجب عليه فيه نفقة قريبه المحتاج لان هذه الاشياء بمنزلة قوته الضروري. القاعدة الخمسون يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا وذلك ان المسائل والصور التابعة لغيرها يشملها حكم متبوعها فلا تفرد بحكم. فلو افردت بحكم لثبت لها حكم اخر وهذا هو الموجب لكون كثير من التوابع تخالف غيرها. فيقال فيها عند الفرق انها ثابتة على وجه التبع. ولها امثلة كثيرة منها كثير من افعال الصلاة مثل الزيادة وعدم ترتيب احوال الصلاة. لو فعلت مستقلة ابطلت الصلاة. فاذا كان للانسان امام وجب عليه ان يتابعه ولو ترك ترتيب صلاته. كالمسبوق بركعة في رباعية. محل تشهده الاول بعدما يصلي ركعتين لكنه مع امامه اذا صلى الامام ركعة بعدما يدخل معه جلس للتشهد الاول فجلس المأموم معه وبعدما يصلي المسبوق ركعتين فامامه يقوم من السجود للركعة الرابعة يلزمه ان يقوم معه ولا يجلس للتشهد ولو سهى الامام لزم المأموم متابعته في سجود السهو ولو لم يسهو المأموم لانه تابع لامامه. واشياء اخر في حكم ذلك. ومنها اذا بدا صلاح ثمرة جاز بيعها كلها. وكان ما لم يبدو صلاحه تابعا لما بدا صلاحه. وكذلك لا يجوز بيع المجهول الذي لم يرى ولم يوصف. لكن اذا بيعت الدار ونحوها دخلت فيها الاساسات ونحوها. مع ان المشتري لم يرها لكنها تابعة لما رآه ومنها اجبار الشريك على العمارة مع شريكه تبعا له. مع انه لو انفرد بالملك لم يجبر على التعمير. وكذلك اجباره على البيع اذا فطلبه الشريك في الاشياء التي تضر قسمتها. ومن ذلك اذا قبلنا قول المرأة الثقة في الرضاع ترتب على ذلك انتساخ النكاح مع ان المرأة لا يقبل قولها في الطلاق لكنه جاء تبعا لقبوله قولها في الرضاع. وامثلة هذا الاصل كثيرة جدا قاعدة الحادية والخمسون الاسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة. يعني اذا عقد العاقد عقدا او تبرع وهنا داع وحامل حمله على ذلك اعتبرنا ذلك الذي حمله لان الاعمال بالنيات والامور بمقاصدها. فمن ذلك عقود المكره تبرعاته فصورة العقد والتبرع منه موجودة. ولكن الحامل له على ذلك الاكراه والالجاء. فكانت هذه لاغية. فيدخل في انواع البيوع والوثائق والشركات والوقف والهبة والنكاح والطلاق والاقرارات وغيرها. ومن ذلك ايضا الحيل التي بها على المحرمات فنربط العقد بذلك القصد ونلغيه. ومن ذلك هدايا العمال فانها لا تحل لهم. لان السبب معروف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في قضية ابن التيبة الذي ارسله عاملا على الصدقة وحصل له هدايا من الناس المرسل اليهم. فقال صلى الله عليه وسلم منكرا عليه هلا جلس في بيته فينظر ايهدى اليه ام لا؟ فاعتبر السبب الحامل لهم على الاهداء ولهذا قال العلماء ومن اهدي اليه خوفا او حياء وجب عليه رد الهدية وكذلك قالوا لا يحل للمقرض ان يقبل هدايا المستقرض قبل الوفاء الا ان ينوي مكافئته عليها او يحتسبه مما عليه ومن هذا عقود الايمان قالوا ان اليمين يعتبر فيها نية الحالف. فان تعذر ذلك نظرنا الى السبب الذي هيج اليمين فبنيناها عليه بل وكذلك الحلف بطلاق الزوجة ينظر الى لفظه ونيته. والسبب الذي حمله على ذلك ومن هذا اقرارات الناس ينظر فيها الى الحامل الذي حملهم على الاقرار ولا ينظر الى مجرد اللفظ وامثلة ذلك كثيرة والله وهو اعلم القاعدة الثانية والخمسون اذا قويت القرائن قدمت على الاصل. وهذا اصل نافع وهو ان القرائن التي تحتفي بالاحكام قد تقوى فتقدم على الاصل لاننا انما قدمنا الاصل حيث لا مرجح سواه. فاذا وجد ما هو اقوى منه وجب تقديم ولهذا الاصل امثلة كثيرة منها تقديم غلبة الظن في المواضع التي يقدم فيها على الاصل مثل قولهم في الطهارة ويكفي الظن في الاسباغ ويكفي الظن في نقاء محل من النجاسة ومثل تقديم العادة في حق المستحاضة والبناء في الصلاة على غلبة الظن اذا قلنا به وهو الصحيح ومن فروعها اذا ادعت المرأة على زوجها انه لم ينفق عليها وهي في بيته والعادة جارية انه هو المنفق قدم قوله وعلى قولها على الصحيح. ومن ذلك تقديم من له قرينة قوية ان المال له صاحب اليد. واشباه ذلك. الثالثة اذا تبين فساد العقد بطل ما بني عليه. وان فسخ فسخا اختياريا لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ وهذا ضابط وفرق لطيف فمن اشترى شيئا او استأجره او اتهمه ونحوه ثم تصرف فيه وبعد تصرفه بان العقد الاول باطلا كان تصرفه ايضا غير نافذ لانه تصرف في شيء لا يملكه شرعا واما لو تصرف فيه ثم فسخ العقد الاول بخيار او تقايل او غيرها من الاسباب فان العقد الثاني صحيح لانه تصرف ففيما يملكه من غير مانع وقت تصرفه. وحينئذ يرجع مع العاقد الاول الى ضمان المثلي بمثله. والمتقوم بقيمته ومثله اذا باعه شيئا ووثقه على الثمن برهن او ضمين. واحاله به. ثم بان البيع باطلا بطلة التوثقة والحوالة بانها بنيت عليه فان فسخ فسخا وقد احاله بدينه فالحوالة بحالها وله ان يحيله على من احاله عليه. الرابع اطول خمسون العبرة بالمعاملات بما في نفس الامر ويدخل في ذلك اذا تصرف في شيء يظنه ملكه او يظنه وكيلا او بني على وكالة ساقطة. ثم بعد التصرف تبين انه ليس وليس بوكيل او قد فسخت وكالته. فالتصرف غير صحيح. وان كان الامر بالعكس بان تصرف ظانا انه غير مالك ولا وكيل ثم تبين انه مالك او وكيل فالتصرف صحيح. لان المعاملات المغلب فيها ما يظهر من التصرفات الخامسة والخمسون لا عذر لمن اقر ولو ادعى غلطا. وذلك ان الاقرار اقوى البينات وكل بينة غيره فانه يحتمل خطأها واما اذا اقر العاقل المكلف على نفسه بحق من الحقوق ترتب على اقراره مقتضاه. فاذا اقر لغيره بدين قرض او ثمن مبيع او قيمة متلف او مغصوب او رهن او غيره وجب ما اقر به ولو قال غلطت او نسيت بانه صلى الله عليه وسلم ثبت عنه انه قال انما اقضي بنحو ما اسمع. فكذلك لو اقر انه استوفى منه حقه او او ابرأه او عاوضه عنه. فالاقرار ثابت والاقرار مقبول من العدل وغير العدل. والعلماء عقدوا بابا مستقلا للاقرار وهو يرجع الى هذا الاصل. السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورثه في كل شيء يتعلق بتركته الا ما استثني من خيار الشرط والشفعة اذا لم يطالب المورث في قول ضعيف. لانه لما مات الميت وانتقل ما له الى ورثته. وكان ماله ما خلفه من اعيان وديون وحقوق فناب الوارث مناب مورثه في مخلفاته. فيطالب بالديون التي تتعلق بالموروث ويقضي منه الوارث ديونه وينفذ وصاياه ان لم يكن له وصي وله ان يتصرف في التركة. ولو كان المورث مدينا بشرط ضمانه الدين المتعلق بالتركة ولكن لا يطالب الوارث باكثر مما وصل اليه من التركة. لانه لم يكن شريكا للميت. وانما كان بمنزلة النائب عنه في موجوداته وتركته. ويتلقى عنه امواله وحقوقه. مثل خيار العيب والغبن والتدليس ومثل الرهون والضمان ونحوها وانما اختلف العلماء هل يقوم مقامه في خيار الشرط وفي حق الشفعة؟ فالمشهور عند احمد انه لا يقوم فيها مقام مورثه بل تبطل بموت المورث ان لم يكن طالب بها والصحيح انها مثل غيرها لان المقصود واحد وليس على ابطالها دليل ولا تعليل صحيح. وما قيل فيها من التعليل موجود في غيرها والله اعلم. القاعدة السابعة والخمسون يجب حملها كلام الناطقين على مرادهم مهما امكن في العقود والفسوق والاقرارات وغيرها. وذلك ان الاقوال داخلة في الاعمال فتدخل في قوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. اما ما يتعلق بالانسان بنفسه فهذا ليس فيه استثناء بل ان العبرة بما نواه لا بما لفظ به. واما اذا تعلق بكلامه حق للغير فكذلك نعتبر ما نوى الا ان ذلك اذا طالبه بمقتضى لفظه لم يكن لنا ان نحكم الا بالظاهر. لقوله صلى الله عليه وسلم انما اقضي بنحو ما اسمع ومن هذا الباب باب الكنايات في الطلاق والظهار والايلاء والعتق ونحوها كالوقف مما له صريح وكناية. فقال العلماء ان كنايات العقود يشترط ان تقترن بها النية او تقوم القرينة الدالة على المراد. ومن هذا الباب ايضا مسائل الايمان الفاظها يرجع فيها الى نية الحالف وقصده حتى ان النية تجعل العام خاصا والخاص عام. ومما ينبغي ان يحمل كلام الناطقين على عرفهم وعوائدهم فان لها دخلا كبيرا في معرفة مرادهم ومقاصدهم. القاعدة الثامنة والخمسون. الحكم يدور مع علته ثبوتا وهذه قاعدة عظيمة واسعة تحيط او تكاد تحيط بجميع الاحكام الشرعية. وعلة الحكم هي الحكمة في الامر به او نهي عنا او اباحته. والله تعالى حكيم له الحكمة في كل ما شرعه لعباده من الاحكام. وقد ينص الشارع على الحكمة وقد يفهم العلماء الحكمة من معرفتهم بمقاصد الشارع العامة والخاصة. ويقال للاخيرة الحكمة المستنبطة ثم قد يتفق العلماء على تلك العلة التي هي الحكمة وقد يتنازعون وقد يكون للحكم عدة علل متى وجدت واحدة منها ثبت الحكم وقد تكون علة واحدة لكنها مجموعة من عدة قيود لا تكون علة حتى تتم هذه القيود. وقليل من احكام من لا يفهم العلماء منه حكمة بينة فيقولون انه تعبدي. اي يجب علينا التعبد به. وان لم نفهم حكمته والعلل قد تكون ملازمة للحكم وقد توجد تارة وتفقد اخرى. فالملازمة متى وجد الحكم فهي موجودة والاخرى ان وجدت الحكم وان فقدت لم يثبت. والعلل المذكورة قد توجد في المكلفين المحكوم عليهم وقد تكون في الاحكام الشرعية بنفسها. ولنمثل بهذا الاصل امثلة توضحه لعدم امكان الاقتصار على امثلته. فمنها كثير من الاحكام السابقة المبنية على القواعد السابقة وقد تكون نفس القاعدة هي العلة وذلك كثير مثل قولنا المشقة تجلب التيسير لا ضرر ولا ضرار الذي تجب عليه احكامه هو البالغ العاقل الذي يصح تصرفه هو البالغ العاقل الرشيد الذي يصح تبرعه هو البالغ العاقل الرشيد المالك كي العبادات والمعاملات تفسد بوجود موانعها او بفقد شيء من شروطها. وما اشبه ذلك من الاصول التي اذا وجدت وجدت الاحكام ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الهرة قال انها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم والطوافات علل بكثرة دورانها وترددها على الناس وعظم المشقة فيها لو نجست. فدل على ان هذا ثابت لها ولما كان مثلها او اولى منها كالحمر والبغال وما دونها في الخلقة كالفأر ونحوه. وقال تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض. الاية فعلل ترتيب احكام الحيض عليه بوجود الاذى. فكلما وجد الاذى الذي هو دم الحيض ترتبت عليه احكام الحيض كلها. وكلما فقد الاذى لم يثبت منها شيء. وقال تعالى وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا. فتيمموا صعيدا طيبا فعلل العدول الى التيمم باحد علتين اذا وجد احدهما جاز التيمم. احدهما فقد الماء والثاني وجود الضرر باستعماله اي ضرر يكون مع وجوده؟ فمتى فقد الماء او وجد الضرر عدل المتطهر الى التيمم؟ وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا يقبل الله صلاة احدكم اذا احدث حتى يتوضأ. فعلل عدم قبول الصلاة بالحدث وهو الذي جعله الشارع ناقضا للوضوء. وهي نواقض الوضوء المعروفة. فالحدث وجوده يمنع من صحة الصلاة. وارتفاعه بالطهارة يوجب صحتها اي مع بقية الشروط كما ذكرنا في الاصل الثامن فقال تعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فالحل دائر مع وجود وصف الطيب والتحريم مع وصف الخبث لا يتخلف كل منهما عن وصفه. وقد امر الله بالعدل والقسط والاحسان الصلاح والخير ونحوها حيث تحققت هذه الاوصاف تحقق الامر كما نهى عن الظلم والفساد والشر ونحوها فحيث وجدت اوصافها تحقق والنهي. ومن ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن الغش. فحيث وجد في المعاملة احد هذين الوصفين ثبت التحريم فانتفى الامران زال حكم الغرر والغش وامثال هذه العلل التي توجد في كل باب من ابواب الفقه. ونكتفي من الامثلة بما ذكرنا لحصول المقصود والله اعلم ومن ذلك العصير اذا تخمر صار خمرا محرما نجسا انزال تخمره بنفسه عاد خلا طاهرا حلالا. وكذلك الماء المتغير بالنجاسة نجس. فاذا زال تغيره عاد طاهرا. ومثله الغير لا يحل الا بطيب نفسه. فمتى طابت نفسه باي طريق جائز فهو حلال. ومتى لم تطب نفسه فهو حرام لحق الغير ومثله المحجور عليه لفلس او سفه فما دام السبب موجودا فالحجر باقي. فاذا زال السفه رف المفلس الغرماء زال الحجر واشياء كثيرة جدا على هذه الطريقة حكمها دائر مع علتها وجودا وعدما. القاعدة التاسعة والخمسون النكرة في سياق النفي او النهي او الشرط تفيد العموم. ويدخل في هذا الاصل الجامع امثلة كثيرة من الكتاب والسنة. وكلام المتكلمين فيترتب عليه احكامها. مثال ذلك قوله تعالى يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. فهذه ثلاث نكرات في سياق بالنفي فيقتضي العموم. وانه اي نفس وان عظم قدرها عند الله لا تملك لاي نفس وان عظم اتصالها بها شيئا من المنافع او دفع المضار قليلا كان او كثيرا. ومثال النهي ولا تدعو مع الله الها اخر. ومثال الشرط قوله تعالى وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. وان يردك بخير فلا راد لفضله شملت الشرط والنفي ويدخل في الاحكام في شروط الواقفين وشروط الحالفين وشروط الطلاق والعتق وفي النفي والنهي في هذه الابواب وفي الجعالة ونحوها. فاذا قال من عمل لي دارا او بابا او نحوه فله كذا ثبت الجعل للمجعول له اذا عمل ما ذكر. القاعدة الستون من وما وال واي ومتى يدل كل واحد منها على العموم. وكذلك المفرد ضاف يدل على العموم وامثلتها من الكتاب والسنة كثيرة جدا. ومثال ذلك في الاحكام اذا قال من عمل هذا العمل او اي احد عمله او ومتى عملت او العامل له له كذا وكذا. فاي احد عمله استحق ذلك واذا قال الواقف في شروط وقفه هذا وقف على ولدي. او ولد فلان شمل الاولاد الذكور والاناث. واولاد ولاد وان قال على المساجد شمل كل مسجد او على الفقراء من اولادي او اولاد فلان فكل من اتصف بالفقر استحق واذا قال زوجتي طالق وعبدي حر وله متعدد من زوجات وعبيد ولم ينوي معينا ولا مبهما شمل الزوج جائت كلهن والعبيد كلهن لانه مفرد مضاف واذا كانت هذه الادوات تفيد العموم والشمول لكل ما دخل في لفظها. فمن باب اولى واحرى الالفاظ الصريحة في العموم مثل كل وجميع وعامة وكافة وما اشبهها والله اعلم. وصلى الله على محمد وسلم وهذا اخر القسم الاول من هذه الرسالة وهو الاصول والقواعد الجامعة للمسائل المتفرقة في ابوابها