المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السابع في العدل وفوائده وتوقف الصلاح عليه. قد امر الله بالعدل في مواضع كثيرة من كتابه. وامر بالعدل بين الناس في المقالات ذاهب والدماء والاموال والاعراض وسائر الحقوق. ونهى عن الظلم في كل شيء. وذم الظالمين. وذكر عقوباتهم الدنيوية والاخروية في ايات متعددة. قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى. وينهى عن الفحم الشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون. وقال سبحانه يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو علاء انفسكم ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين كن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبير وقال سبحانه قل امر ربي بالقسط. وقال وقال عز وجل ان الظالمين لهم عذاب اليم. وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. والشريعة المحمدية كلها عدل وقسط ورحمة لا جور فيها بوجه من الوجوه لا في اصولها ولا في فروعها. فالتوحيد اصل العدل والشرك ضده اصل الظلم. قال تعالى ان الشرك لظلم عظيم فالعدل وضع الشيء موضعه واداء الحقوق كاملة واعظم الحقوق على الاطلاق. حقه تعالى على عباده ان يعبدوه وحده ويخلصوا له الدين مم. قال سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وقال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء اقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وذلك دين القيمة. وفي حديث معاذ المتفق عليه حق الله على عباده ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. فمن قام بهذا الحق فعبد الله وحده وادى هذا الحق. وقام بحقوقه مخلصا له. فقد قام باعظم عدل. ومن جعل هذا الحق لغير مستحقه بان عبد غير الله وتعلق بغيره رغبة ورهبة وتألها. فقد ظلم وعدل عن العدل. قال تعالى ثم اما الذين كفروا بربهم يعدلون اي يعدلون به غيره ويسوونه بما سواه ممن ليس فيه اوصاف الالوهية شيء ولا يملك ولا لغيره مثقال ذرة من النفع او الدفع. فمن اظلم ممن سوى المخلوقات الفقيرة الناقصة من كل وجه بالرب الغني الكامل من جميع الوجوه. وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر اولهم الامام العادل. وقال يقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في اهلهم وحكمهم وما ولوا. فعلى الامام الاعظم ان يقيم العدل في جميع رعيته. قريبهم وبعيدهم غنيهم وفقيرهم وان يكونوا عنده في هذا سواء وعليه ان يستنيب لكل عمل الكفء الامين ويوصيهم على اقامة العدل ويحذرهم والجور وظلم العباد في الدماء والاموال والاعراض. ويتفقدهم في ذلك الامر الذي هو اساس الصلاح الديني والدنيوي. فلا يصلح الدين الا عدل ولا تصلح الدنيا وتستقيم الامور على السداد الا بالعدل. ويوم واحد من امام عادل خير للعباد من ان يمطروا اربعين صباحا. لان العدل ليسعد به الراعي والرعية وبالعدل تعمر الاسباب الدنيوية ويحصل التعاون على المصالح الكلية والجزئية. وبالظلم خراب الديار وفساد الاحوال وفتح ابواب الفتن وحصول العداوات والبغضاء وعلى القضاة والحكام بين الناس ان يحكموا بينهم بالعدل. قال تعالى يا داوود انا خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. واكثر الاحكام والخصومات ما ترد على القضاة فاذا عرفوا الحق وحكموا بالعدل استحقوا الثواب وسلموا من العقاب. ووصلت الحقوق الى اهلها واستقامت الامور. واذا بالجهل او بالهوى فقد باؤوا بالخسران وضاعت الحقوق وانتصر الظلمة على المظلومين وانحلت الامور وتفاقم الشر والفساد قلت احوال العباد. والعدل ايضا واجب في جميع المعاملات بين الناس. وهو ان تؤدي ما عليك كاملا كما تطلب حقك كاملا. فمتى بنيت على هذا الاصل تحسنت المعاملات وتمت الثقة والتبادل العادل بين المتعاملين. فاتسعت دائرة الاسباب والتجارات والصناعات نافعة ووثق المتعاملون بعضهم ببعض وقلت الخصومات والمشاجرات وانحسم النزاع كله او معظمه وكل ذلك بسبب العدل ومتى كان الامر بعكس هذه الحال ورفع من المعاملات روح العدل وحل محله البخس والتطفيف واستقصى الانسان على حقه وان امكنه الزيادة وبخس الحق الذي عليه وغش وطفف فمنع ما عليه واخذ ماله. ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون مم. واذا كالوهم او وزنوهم يقرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم. وويل لهم مما يترتب على سوى التطفيف من العقوبات الدنيوية التي اولها نزع البركة ومحق الرزق. وسوء المعاملة وتوقف كثير من المعاملات والاسباب كل معاملة فقدت روحها وهو العدل فهي معاملة ضارة غير نافعة. قال تعالى ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعتوا وفي الارض منسدين. وقال صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا. فالغش والمعاملات الجائرة الظالمة ليست من الدين. وصاحبها معرض لعقوبة الله العاجلة والاجلة. قد سقط بين الناس شرفه واعتباره. واتضحت سفالة اخلاقه وتبين خساره. والعدل يكون في الحقوق الزوجية فعلى كل واحد من الزوجين من الحقوق الشرعية العادلة للاخر ما يناسبه. فمتى قام كل منهما بما عليه التأمت الزوجية وتم للزوجين حياة سعيدة طيبة وحصلت الراحة والبركة ونشأت العائلة نشأة حميدة. ومتى لم يقم كل منهما بالحق الذي كان عليه تكدر الحياة وتنغصت اللذات وطال الخصام وتعذر او تعسر الالتئام واختلت التربية النافعة فتضرر كل منهما في دينه ودنياه كما قال تعالى وعاشروهن بالمعروف. وقال ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. وقال سبحانه الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. فمدح الله الحافظة لنفسها الحافظة لمال زوجها وما عليها من حقوق الله وحقوق الزوج. وذم من عكس القضية واباح لزوجها القائم بحقها تقويمها بالاسهل فالاسهل بالوعظ النافع ثم بالهاجر ان لم ينفع الوعظ ثم بالضرب الخفيف ان كان فيه نفعا وذلك كله بشرط ان يكون قائما بحقها. فمتى اراد منها القيام بحقه وهو مانع لحقها؟ فانه مطفف لا يمكن من تقويمها بالهجر والضرب حتى يستقيم. والمقصود ان العدل بين الزوجين وقيام كل منهما بواجب الاخر فيه الخير العاجل والاجل والعدل فيه الضرر الحاضر والمستقبل. وكذلك العدل في القيام بحقوق الاولاد والاقارب على اختلاف مراتبهم. والقيام بصلتهم الواجبة والمستحبة به تتم الصلة بين الاقارب والمنافع الدينية والدنيوية المتبادلة بينهم. وبذلك يكتسبون الشرف عند الله وعند الخلق تنظر هذه البيوت التي قامت على هذه الروح الطيبة بعين التعظيم. وبه يتساعدون على مصالح الدين والدنيا. والقطيعة بعكس ذلك كله وذلك راجع الى العدل وجودا وعدما. قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالامام راع على الناس وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على اهل بيته وهو مسؤول عن رعيته. والمرأة راعية على بيت زوجها. وهي مسئولة عن رعيتها. والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عن رعيته. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وذكر صلى الله عليه وسلم الولايات كلها كبارها وصغارها وان كل من تولى اي ولاية يكون مسئولا عن رعيته. وعليه سلوك العدل المتعلق بتلك الولاية بحسبها. فان كان قائما بالعدل مؤديا للحقوق فليبشر بثواب الله وان كان مقصرا مفرطا او متعديا فلابد ان يجازى على عمله الذي اضاع. العدل به تقوم الولايات وتصلح الافراد والجماعات وتمشي الامور على الاستقامة في كل الحالات