المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الخامس عشر في فضائل حسن الخلق وهو خلق فاضل عظيم النفع. اساسه الصبر والحلم والرغبة في مكارم الاخلاق. واثاره العفو هو الصفح عن المسيئين وايصال المنافع الى الخلق اجمعين فهو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات ومقابلة السيئات بالحسنات. وقد جمع الله ذلك في اية واحدة وهي قوله اي خذ ما عفا وصفي فلك من اخلاق الناس واغتنم ما حصل منها وغض النظر عما تعذر تحصيله منهم وعن نقصها وكدرها. ومعنى ذلك ان تشكر الناس على ما جاء منه من الخير والاحسان وما سمحت به طباعهم من الخلق الطيب ولا تطلب منهم ولا تطالبهم بما زاد عما حصل. ولو كان لازما لهم انك بذلك تستريح وتريحهم. اما من كان يريد من الناس ان يكونوا كاملين مكملين لكل ما يجب ويستحب. واذا اخلوا بشيء من ذلك عاتبهم واهدر ما جاء منهم من الخير والاحسان. فهو عن حسن الخلق بمعزل ولا يزال معهم في نزاع ودجاج وعتاب. انما الحازم ومن يوطن نفسه على تقصير المقصرين ونقصان الناقصين. وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الخلق الفاضل في معاملة الزوج زوجته فقال لا يفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها خلقا اخر. فامر بالاغضاء عما فيها من العيوب وان يكون نظره الى ما فيها من المحاسن والمنافع ويجعل هذا شفيعا لهذا لانه بذلك تدوم الزوجية وتتم الصحبة الطيبة والصفاء ويقل النزاع والخصام وقس على هذا الذي ذكره صلى الله عليه وسلم جميع المعاملات والحقوق. المعاملة بين الوالدين واولادهم اذا كانت على هذا الوصف حصل البر واديت الحقوق. اذا وطن الوالد نفسه على شكر ما حصل من ولده من البر ولو قليلا. وعفا عن تقصيره وازداد البر وحصل للوالدين راحة فرحم الله من اعان اولاده على بره وكذلك الاولاد عليهم القيام ببر والديهم. وان يوطنوا انفسهم على ما ينالهم من الوالدين من سوء الخلق وشراسته وسيء الاقوال والافعال التي تصدر منهم ليوطنوا انفسهم على احتمالها وان يشكروهم على ما نالهم منهم من الاحسان مهما كان هذا من البر والصلة التي لا يوفق لها الا ذو حظ عظيم. وكذلك حقوق الاصحاب والجيران والمعاملين. ينبغي ان يسلك معهم هذا المسلك القناعة بما جاء منهم وتحمل ما لا يوافق الانسان من قول او فعل او معاملة فبذلك تدوم الصحبة وتقوى. اما من كان اذا جاءه من اصحابه او معامليه ونحوهم سيئة واحدة اهدر بها ما سبقها من المحاسن فهذا من اعظم الحمق وقلة الوفاء وعدم الانصاف. ومن كان بهذا الوصف فهو ابعد الناس عن حسن الخلق. المقصود ان المعاملة بين المختلطين والمرتبطين بحق من الحقوق اذا بنيت على قوله تعالى خذ العفو توطن العبد نفسه على اخذ المنافع والصفح عن ضدها اوصلت صاحبها الى كل خير وسلم بها من شرور كثيرة. واذا بنيت على الاستقصاء وطلب الحق المستوفى حصل النقص والخلل وقوله تعالى واعرض عن الجاهلين. اي اذا جهل احد عليك بقول او فعل فاعرض عن مقابلته جهله وقابله بما تقابله به اذا كان محسنا فتكسب السلامة والاجر وحسن الذكر والاتصاف بمكارم الاخلاق واعاليها. وكل من عصى الله او قصر في حقه او تعدى على احد فهو جاهل سواء كان متعمدا او غير متعمد. وذلك ان العلم الذي يعمل الانسان به هو العلم النافع الذي لا يعمل به جهل وضلال وقد تعود صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع. واما قوله تعالى في هذه الاية وامر بالعرف اي ليكن امرك لغيرك موصوفا بوصفين احدهما ان يكون برفق وحكمة واقرب طريق يوصل الى هذا المقصود. وذلك يختلف باختلاف العرف ليكن مأمورك الذي تأمر به من الامور المحبوبة شرعا وعرفا وهو الامر بالواجبات والمستحبات من العقائد والاخلاق والاعمال المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه. فمن قام بهذه الامور فقد اتصف بحسن الخلق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم. ان العبد ليبلغ بحسنه من خلقه درجة الصائم القائم واعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق. وقد فسره صلى الله عليه وسلم بما يوافق هذه الاية في قوله لمعاذ وغيره اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسن الخلق مكارم الاخلاق تحبب العبد الى اعدائه. وسوء الخلق ينفر عنه اولاده واصدقائه. ومن مزايا حسن الخلق. ان صاحبه يتمكن من ارضاء الناس على اختلاف طبقاتهم. كل من جالسه وخالطه احبه لا يمله الجليس. قال صلى الله عليه وسلم انكم لن تسعوا الناس باموالكم ولكن لكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق. صاحب الخلق الحسن يسهل عليه ادراك المطالب. وتلين له برفقه وتحببه الى الخلق المصاعب كم فات سيء الاخلاق من مطلوب وكم جلب عليه الحمق من شر مرهوب. كل احد يود الاتصاف بحسن الخلق لما يشاهده من ثمراته الجليلة ولكن لا يدركه الا اهل الهمم العالية النبيلة. اللهم اهدنا لاحسن الاخلاق وجنبنا مساوئها