المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل وهو الحميد فكل حمد واقع او كان مفروضا مدى الازمان ملأ الوجود جميعه ونظيره من غير ما عد ولا حسبان هو اهله سبحانه وبحمده كل المحامد واصف ذي الاحسان عقد المصنف رحمه الله لهذا الاسم المبارك هذا الفصل على حدته لشدة الاعتناء به وسعته وعظمته فذكر انه الحميد من وجهين احدهما من جهة حمد المخلوقات له وذلك انه كل حمد وقع من اهل السماوات والارض الاولين والاخرين وكل حمد يقع منهم في الدنيا وفي الاخرة وكل حمد لم يقع من الخلق بل كان مفروضا ومقدرا حيثما تسلسلت الازمان وتوالت الاوقات حمدا يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا حسبان فالله سبحانه اهله ومستحقه من وجوه كثيرة منها ان الله هو الذي خلقهم ورزقهم واسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية وصرف عنهم النقم والمكاره فما بالعباد من نعمة الا منه ولا يدفع المكروهات الا هو فيستحق منهم ان يحمدوه في جميع الاوقات ويثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات والوجه الثاني من جهة ان المحامد والمدائح والنعوت الجليلة الجميلة اوصاف لله تعالى فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة اكملها واعظمها فكل صفة من صفاته يستحق عليها اكمل الحمد والثناء فكيف بجميع الاوصاف المقدسة فله تعالى الحمد لذاته وله الحمد لصفاته لانها كلها مدائح وكمالات وله الحمد لافعاله لانها دائرة بين الفضل والاحسان وبين العدل والحكمة قال المصنف رحمه الله تعالى في كتابه سفر الهجرتين وباب السعادتين لما ذكر الحكمة والقدرة فصل ويجمع هذين الاصلين العظيمين اصل ثالث هو عقد نظامهما وجامع شملهما وبتحقيقه واثباته على وجهه يتم بناء هذين الاصلين وهو اثبات الحمد كله لله رب العالمين فانه المحمود على ما خلقه وامر به ونهى عنه فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وايمانهم وكفرهم وهو المحمود على خلق الابرار والفجار والملائكة والشياطين وعلى خلق الرسل واعدائهم وهو المحمود على عدله في اعدائه كما هو المحمود على فضله وانعامه فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده وكان في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند الاعتدال من الركوع. ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد فله سبحانه الحمد حمدا يملأ المخلوقات والفضاء الذي بين السماء والارض ويملأ ما يقدر بعد ذلك مما يشاء الله ان يملأ بحمده وذاك يحتمل امرين احدهما ان يملأ ما يخلقه الله بعد السماوات والارض والمعنى ان الحمد ملء ما خلقته وملئ ما تخلقه بعد ذلك الثاني ان يكون المعنى ملء ما شئت من شيء بعد يملؤه حمدك ان يقدر مملوءا بحمدك وان لم يكن موجودا ولكن يقال المعنى الاول اولى. لان قوله ما شئت من شيء بعد يقتضي انه شيء يشاؤه وما شاء كان والمشيئة متعلقة بعينه لا بمجرد ملء الحمد له فتأمله لكنه اذا شاء كونه فله الحمد ملؤه فالمشيئة راجعة الى المملوء بالحمد فلا بد ان يكون شيئا موجودا يملؤه حمده وايضا فان قوله من شيء بعد يقتضي انه شيء يشاؤه سبحانه بعد هذه المخلوقات كما يخلقه بعد ذلك من مخلوقاته من القيامة وما بعدها ولو اريد تقدير خلقه لقيل وملء ما شئت من شيء مع ذلك لان المقدر يكون مع المحقق وايضا فانه لم يقل ملء ما شئت ان يملأه الحمد بل قال ما شئت والعبد قد حمد حمدا اخبر به وانشأه ووصفه بانه يملأ ما خلقه الرب سبحانه وما يشاء بعد ذلك وايضا فقوله وملء ما شئت من شيء بعد يقتضي اثبات مشيئة تتعلق بشيء بعد ذلك وعلى الوجه الثاني قد تتعلق المشيئة بملء المقدر وايضا فاذا قيل ما شئت من شيء بعد ذلك كان الحمد مالئا لما هو موجود يشاؤه الرب دائما ولا ريب ان له الحمد دائما في الدنيا والاخرة واما اذا قدر ما يملؤه الحمد وهو غير موجود فالمقدرات لا حد لها وما من شيء منها الا يمكن تقدير شيء بعده وتقدير ما لا نهاية له كتقدير الاعداد ولو اريد هذا المعنى لم يحتج الى تعليقه بالمشيئة بل قيل ملء ما لا يتناهى فاما ما يشاءه الرب فلا يكون الا موجودا مقدرا وان كان لا اخر لنوع الحوادث او بقاء ما يبقى منها فهذا كله مما يشاؤه بعد وايضا فالحمد هو الاخبار بمحاسن المحمود على وجه الحب له ومحاسن المحمود تعالى اما قائمة بذاته واما ظاهرة بمخلوقاته فاما المعدوم المحض الذي لم يخلق ولا خلق قط فذاك ليس فيه محاسن ولا غيرها فلا محامد فيه البتة الحمدلله الذي يملأ المخلوقات ما وجد منها ويوجد هو حمد يتضمن الثناء عليه بكماله القائم بذاته والمحاسن الظاهرة في مخلوقاته واما ما لا وجود له فلا محامد فيه ولا مذام فجعلوا الحمد مالئا له جعله مالئا لما لا حقيقة له وقد اختلف الناس في معنى كون حمده يملأ السماوات والارض وما بينهما فقالت طائفة على جهة التمثيل اي لو كان اجساما لملأ السماوات والارض وما بينهما قالوا فان الحمد من قبيل المعاني والاعراض التي لا تملأ بها الاجسام ولا تملأ الاجسام الا بالاجسام والصواب انه لا يحتاج الى هذا التكلف البارد فان ملء كل شيء يكون بحسب المالئ والمملوء فاذا قيل امتلأ الاناء ماء وامتلأت الجفنة طعاما فهذا الامتلاء نوع واذا قيل امتلأت الدار رجالا وامتلأت المدينة خيلا ورجالا فهذا نوع اخر واذا قيل امتلأ الكتاب سطورا فهذا نوع اخر واذا قيل امتلأت مسامع الناس حمدا وذما لفلان فهذا نوع اخر كما في اثر معروف اهل الجنة من امتلأت مسامعه من ثناء الناس عليه واهل النار من امتلأت مسامعه من ذم الناس له وقال عمر بن الخطاب في عبدالله بن مسعود كنيف ملئ علما ويقال فلان علمه قد ملأ الدنيا وكان يقال ملأ ابن ابي الدنيا الدنيا علما ويقال صيت فلان قد ملأ الدنيا وضيق الافاق. وحبه قد ملأ القلوب وبغض فلان قد ملأ القلوب. وامتلأ قلبه رعبا وهذا اكثر من ان يستوعب شواهده وهو حقيقة في بابه وجعلوا الملء والامتلاء حقيقة للاجسام خاصة تحكم باطل ودعوى لا دليل عليها البتة والاصل الحقيقة الواحدة والاشتراك المعنوي هو الغالب على اللغة والافهام والاستعمال فالمصير اليه اولى من المجاز والاشتراك وليس هذا موضع تقرير المسألة والمقصود ان الرب اسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء واوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص وافعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة وله المثل الاعلى في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم موصوف بصفة الكمال منعوت بنعوت الجلال منزه عن الشبيه والمثال ومنزه عما يضاد صفات كماله فمنزه عن الموت المضاد للحياة وعن السنة والنوم والسهو والغفلة المضاد للقيومية وموصوف بالعلم منزه عن اضضاده كلها من النسيان والذهول وعجوب شيء عن علمه موصوف بالقدرة التامة منزه عن ضدها من العجز واللغوب والاعياء موصوف بالعدل منزه عن الظلم موصوف بالحكمة منزه عن العبث موصوف بالسمع والبصر منزه عن اضضادهما من الصمم والبكم موصوف بالعلو والفوقية منزه عن اضداد ذلك موصوف بالغنى التام منزه عما يضاده بوجه من الوجوه ومستحق للحمد كله فيستحيل ان يكون غير محمود كما يستحيل ان يكون غير قادر ولا خالق ولا حي وله الحمد كله واجب لذاته فلا يكون الا محمودا كما لا يكون الا الها وربا وقادرا فاذا قيل الحمد كله لله فهنا له معنيان احدهما انه محمود على كل شيء وبكل ما يحمد به المحمود التام وان كان بعض خلقه يحمد اذا كما يحمد انبياؤه ورسله واتباعهم فذاك من حمده تبارك وتعالى بل هو المحمود بالقصد الاول وبالذات وما نالوه من الحمد فانما نالوه بحمده فهو المحمود اولا واخرا وظاهرا وباطنا وهذا كما انه بكل شيء عليم. وقد علم غيره من علمه ما لم يكن يعلمه بدون تعليمه وفي الدعاء المأثور اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله واليك يرجع الامر كله اسألك من الخير كله واعوذ بك من الشر كله وهو سبحانه له الملك وقد اتى من المملكة بعض خلقه وله الحمد وقد اتى من الحمد ما شاء وكما ان ملك المخلوق داخل في ملكه فحمده ايضا داخل في حمده فما من محمود يحمد على شيء مما دق او جل الا والله المحمود عليه بالذات والاولوية ايضا اه واذا قال اللهم لك الحمد فالمراد به انت المستحق لكل حمد ليس المراد به الحمد الخارجي فقط المعنى الثاني ان يقال لك الحمد كله اي الحمد التام الكامل فهذا مختص بالله ليس لغيره فيه شركة والتحقيق ان له الحمد بالمعنيين جميعا فله عموم الحمد وكماله. وهذا من خصائصه سبحانه فهو المحمود على كل حال وعلى كل شيء اكمل حمد واعظمه كما ان له الملك التام العام فلا يملك كل شيء الا هو. وليس الملك التام الكامل الاله واتباع الرسل يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد فانهم يقولون انه خالق كل شيء وربه ومليكه لا يخرج عن خلقه وقدرته ومشيئته شيء البتة فله الملك كله الى ان قال فصل والمقصود بيان شمول حمده سبحانه وحكمته لكل ما يحدثه من احسان ونعمة وامتحان وبلية وما يقضيه من طاعة ومعصية والله تعالى محمود على ذلك مشكور حمد المدح وحمد الشكر اما حمد المدح فالله محمود على كل ما خلق اذ هو رب العالمين والحمد لله رب العالمين واما حمد الشكر فلان ذلك كله نعمة في حق المؤمن اذا اقترن بواجبه والاحسان والنعمة اذا اقترنت بالشكر صارت نعمة والامتحان والبلية اذا اقترن بالصبر كانا نعمة والطاعة من اجل نعمه واما المعصية فاذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والانابة والذل والخضوع فقد ترتب عليها من الاثار المحمودة والغايات المطلوبة ما هو نعمة ايضا وان كان سببها مسخوطا مبغوضا للرب سبحانه ولكنه يحب ما يترتب عليه من التوبة والاستغفار الى ان قال والمقصود ان الملك والحمد في حقه متلازمان فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده فهو محمود في ملكه وله الملك والقدرة مع حمده فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وامره لينبه عباده على ان مصدر خلقه وامره عن حمده فهو محمود على ما خلقه وامر به حمد شكر وعبودية وحمد ثناء ومدح ويجمعها التبارك فتبارك الله يشمل ذلك كله ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله الا له الخلق والامر. تبارك الله رب العالمين فالحمد اوسع الصفات واعم المدائح والطرق الى العلم به في غاية الكثرة والسبيل الى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته وتفاصيل الامر والنهي واسعة جدا لان جميع اسمائه تبارك وتعالى حمد وصفاته حمد وافعاله حمد واحكامه حمد وعدله حمد وانتقامه من اعدائه حمد وفضله واحسانه الى اوليائه حمد والخلق والامر انما قام بامره بحمده ووجد بحمده وظهر بحمده وكان الغاية هي حمده فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله فحمده رح كل شيء وقيام كل شيء بحمده وسريان حمده في الموجودات وظهور اثاره فيه امر مشهود بالابصار والبصائر ثم ذكر الطرق الدالة على سريان حمده وشموله بتدبر اسمائه وصفاته وافعاله ونعمه واطال في ذلك جزاه الله عن الاسلام والمسلمين خيرا