المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل هذا ومن اوصافه القدوس دول تنزيه بالتعظيم للرحمن وهو السلام على الحقيقة سالم من كل تمثيل ومن نقصان يعني ان من اسمائه القدوس السلام فالقدوس هو المنزه المعظم عن كل سوء وكذلك السلام على الحقيقة وضابط ما ينزه عنه امران ذكرهما المؤلف احدهما انه الكامل المنزه عن مماثلة احد من المخلوقات فليس كمثله شيء في جميع نعوته لكمال اوصافه والثاني انه المنزه عن كل عيب ونقصان والنقصان يرجع الى ما يناقض اوصاف كماله فالقدوس السلام يرجع معناها الى التنزيه ويلزم من التنزيه التعظيم والثناء عليه بصفات الكمال لان التنزيه والسلب المحض ليس مدحا حتى يتضمن اثبات ضده وهو الكمال قال المصنف في بدائع الفوائد فصل اذا عرف هذا فاطلاق السلام على الله تعالى اسما من اسمائه هو اولى به من هذا كله واحق من هذا الاسم من كل مسمى به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص يتخيله وهم وسلام في صفاته من كل عيب ونقص وسلام في افعاله من كل عيب وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار فعلم ان استحقاقه تعالى لهذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزهه به رسوله فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل والسلام من الشريك ولذلك اذا نظرت الى افراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها فحياته سلام من السنة ومن الموت والنوم وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شيء عنه او عروض نسيان او حاجة الى تذكر وتفكر وارادة سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا وغناه سلام من الحاجة الى غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج اليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من منازع فيه او مشارك او معاون او مظاهر او شافع عنده بدون اذنه والهيته سلام من مشارك له فيها بل هو الله الذي لا اله الا هو وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من ان يكون عن حاجة منه او ذل او مصانعة كما يكون من غيره بل هو محض جوده واحسانه وكرمه وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام ان يكون ظلما او تشفيا او غلظة او قسوة بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الاشياء مواضعها وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على احسانه وثوابه ونعمته بل لو وضع الثواب مكان العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته فوضعه العقوبة موضعها هو من حمده وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهمه اعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته وقضاؤه وقدرته سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والاحسان اليهم وخلاف حكمته بل شرعه كل حكمة ورحمة ومصلحة وعدل وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة او لحاجة الى المعطي ومنعه سلام من البخل وخوف الاملاق بل عطاؤه احسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من ان يكون محتاجا الى ما يحمله او يستوي عليه بل العرش محتاج اليه وحملته محتاجون اليه فهو الغني عن العرش وحملته وعن كل ما سواه فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة الى عرش ولا غيره ولا احاطة شيء به سبحانه وتعالى بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة اليه وهو الغني الحميد بل استواؤه على عرشه واستيلاءه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة الى عرش ولا غيره بوجه ما ونزوله كل ليلة الى سماء الدنيا ليس مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه وكماله سلام من كل ما يضاد كماله وغناه وسلام من كل ما يتوهم معطل او مشبه وسلام من ان يكون تحت شيء او محصورا في شيء فتعالى الله ربنا عن كل ما يضاد غناه وكماله وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه او يتقوله معطل وموالاته لاوليائه سلام من ان يكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق بل هي موالاة رحمة وخير واحسان وبر كما قال تعالى وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكذلك محبته لمحبيه واوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة اليه او تملق له او انتفاع بقربه وسلام مما يتقوله المعطلون فيها وكذلك ما اضافه الى نفسه من اليد والوجه فانه سلام عما يتخيله مشبه او يتقوله معطل فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما ينزه عنه تبارك وتعالى وكم من يحفظ هذا الاسم ولا يدري ما تضمنه من هذه الاسرار والمعاني والله المسؤول ان يوفق على تعليق على الاسماء الحسنى على هذا النمط انه قريب مجيب انتهى كلامه رحمه الله وقد اشتمل من تفصيل معاني هذا الاسم الكريم على خير كثير والبر في اوصافه سبحانه هو كثرة الخيرات والاحسان صدرت عن البر الذي هو وصفه قلب البر حينئذ له نوعان وصف وفعل فهو بر محسن مول الجميل ودائم الاحسان يعني ان البر في نسبته الى الله نوعان احدهما انه البر الرحيم الذي اتصف بالجود والكرم وكثرة الخيرات واصناف البر الذي لا منتهى له والثاني انه البر بمعني انه المحسن الذي انعم على العباد باصناف النعم ودفع عنهم جميع النقم فما بالعباد من بر واحسان وخير وسرور في دينهم ودنياهم الا من الله وبر الابرار الذي استحقوه به دخول الجنة من لطفه بهم وتوفيقه اياهم فمعنى البر هو المتصف بالرحمة العظيمة الذي والى على خلقه اثارها واسدى عليهم من جوده ما به استقامت احوالهم وتمت امورهم وكذلك الوهاب من اسمائه فانظر مواهبه مدى الازمان اهل السماوات العلا والارض عنه تلك المواهب ليس ينفكاان يعني انه تعالى الوهاب مستمر الاحسان متواتر الفضل لم يزل ولا يزال محسنا متفضلا دائما الهبات كثير الخيرات جزيل العطايا لا يخلو مخلوق عن رحمته واحسانه طرفة عين فاهل السماوات والارض واهل الدنيا والاخرة لا ينفكون عن جوده واحسانه ولا يستغنون عنه في حال من الاحوال بل هم المفتقرون اليه على الدوام فيهب لهم من احسانه ما به تقوم امورهم الدنيوية ويهب لعباده المؤمنين من لدنه رحمة يلم بها شعثهم ويصلح فيها نقصهم ويرقيهم بها الى اعلى الدرجات والوصول الى اجل الكرامات ولا يمكن احدا من المخلوقين تعداد بعض نعم الله تعالى كما قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وكذلك الفتاح من اسمائه والفتح في اوصافه امران فتح بحكم وهو شرع الهنا والفتح بالاقدار فتح ثاني والرب فتاح بذين كليهما عدلا واحسانا من الرحمن يعني ان من اسمائه الحسنى الفتاح وذلك على قسمين احدهما الفتاح بحكمه الديني وحكمه الجزائي والثاني الفتاح بحكمه القدري ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على السنة رسله ما به تقوم احوال المكلفين وتستقيم احوالهم الدينية والدنيوية ويعرفهم كل ما يحتاجون اليه واما فتحه بحكمه الجزائي فهو فتحه بين انبيائهم ومخالفيهم وبين اوليائه واعدائه والفتح يوم القيامة بين سائر الخلق حين يوفي كل عامل بعمله وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون واما فتحه القدري فهو ما يفتحه على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده فهذا في فتح الخير وقال في فتح الشر على من تعرض له ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح واستفتاحهم طلبهم ان يحل بهم ما وعدهم الله على لسان رسوله تكذيبا للرسول وتعجيزا لربهم وقال تعالى في فتحه بين انبيائه ومن خالفهم ويقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم اي حين ينزل بهم العذاب الذي توعدوا به وقال شعيب عليه السلام ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين وقال في الفتح بين عباده في دار الجزاء قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم فالرب هو الفتاح الذي انفرد بالعطاء والمنع وهو الذي يفتح للعباد خزائن جوده وكرمه فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء وهو الذي يأمر وينهى ويثيب ويعاقب وكل هذا تابع لعدله وفضله يحمد عليه اتم الحمد واكمله ولهذا قال المصنف عدلا واحسانا من الرحمن وكذلك الرزاق من اسمائه والرزق من افعاله نوعان رزق على يد عبده ورسوله نوعان ايضا ذان معروفان رزق القلوب العلم والايمان رزق المعد لهذه الابدان هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان والثاني سوق القوت للاعضاء فيه تلك المجاري سوقه بوزاني هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان والرب رازقه بهذا الاعتداء وليس بالاطلاق دون بياني قال تعالى ان الله هو الرزاق وذكر المؤلف رحمه الله ان رزقه نوعان احدهما الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والاخرة وهو الرزق الذي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم رزق القلوب بالعلم والايمان وحقائقه ورزق البدن بالحلال الذي لا تبعة فيه فان الرزق الذي خص الله به المؤمنين والذي يسألون منه شامل لذلك كله فينبغي للداعي بالرزق ان يستحضر بقلبه هذه الانواع فاذا قال اللهم ارزقني فمعناه اللهم ارزقني ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الايمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهني الذي لا مشقة فيه ولا تبعة تعتريه وهذا وسيلة للاول والاول هو المقصود من العبد ولابد له من الثاني ليعد بدنه ويصلح لاقامة دين الله والنوع الثاني من الرزق الرزق العام لسائر الخليقة برها وفاجرها بل ناطقها وبهيمها وحقيقته هو ان يسوق الله لكل حيوان قوته الذي به تصلح بنيته ويستقيم بدنه ولابد لكل مخلوق من هذا الرزق وقد تكفل الله به لكل دابة كما قال تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها رهى ومستودعها اي فيوصل لها رزقها في اي مكان كانت في ظلمات البحار وفي جوف الارض والصخور وفي العالم العلوي او السفلي وهذا قد يكون باسباب وقد يأتي في بعض الاوقات بلا سعي من المخلوق وقد يكون السبب مباحا وقد يكون محرما ولهذا قال المصنف هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام وربنا رزاقه بهذا الاعتبار اي من جهة انه اوصل اليه بقضائه وقدره ما به يستقيم بدنه وان كان محرما يلام عليه العبد ولا يتعلق به امر الله بل هو منهي عنه وقوله وليس بالاطلاق اي وليس هذا الرزق الذي يكون من الحرام يسمى رزقا مطلقا بحيث يكون رزقا تاما لا محظور فيه وانما يقال مطلق رزق وبهذا يعرف الجواب عن السؤال المشهور اذا قيل هل لله على الفاجر نعمة ورحمة وهل الله رزقه ام لا فالجواب ان يقال اما النعمة المطلقة والرحمة المطلقة والرزق المطلق فان هذا مخصوص بالمؤمن المتبع لمرضاة الله فان هذه الامور تكون تامة في حقه واما الكافر والفاجر فله من ذلك مطلق الرحمة ومطلق الرزق فانه لولا رحمته ورزقه لما وجد ولما استقام بدنه ولما حصل له ما يوافق هواه وفي كلام المصنف اشارة لرد قول من قال من المعتزلة وغيرهم ان الحرام لا يسمى رزقا لوجود التبعة فيه وهذا قول فاسد من لازمه ان من يقتدي بالحرام فالله لم يرزقه وهذا مصادم لما دلت عليه النصوص ولما تقرر عند كافة بني ادم المثبتين لوجود الله فانهم متفقون على ان الله هو الرزاق وحده كما انه الخالق وحده وانه ما من مخلوق يخلو من رزقه في وقت من الاوقات ولكن الحرام لا يسمى رزقا مطلقا وانما هو مطلق رزق كما تقدم