المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل هذا ومن اوصافه القيوم قيوم في اوصافه امران احداهما القيوم قام بنفسه والكون قام به هما الامران فالاول استغناؤه عن غيره والفقر من كل اليه الثاني والوصف بالقيوم ذو شأن كذا موصوفه ايضا عظيم الشأن والحي يتلوه فاوصاف الكمأ لي هما لافق سمائه قطبان فالحي والقيوم لن تتخلف اوصاف اصلا عنهما ببياني هذا تفسير للحي القيوم وجمعهما في غاية المناسبة لان الله جمع بينهما في غير اية كما قال تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم وعنت الوجوه للحي القيوم وذلك انهما كما قال المصنف مشتملان على جميع اوصاف الكمال ومتضمنان لذلك فانك اذا اعطيت هذين الاسمين حقهما من المعنى لم يتخلف عن ذلك شيء من الاسماء الحسنى والصفات العلى وبيان ذلك ان الحي هو من له الحياة الكاملة التامة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه والحياة الكاملة مستلزمة للسمع والبصر والعلم والقدرة والارادة النافذة وسائر الصفات الذاتية داخلة في مسمى الحياة واما الصفات الفعلية التي يفعلها الباري مما يتعلق بنفسه كالاستواء على العرش والنزول الى السماء الدنيا والمجيء للفصل بين عباده والكلام وغير ذلك ومما يتعلق بالمخلوقات كالخلق والرزق والاحياء والاماتة والرحمة وانواع التدابير الالهية فانها داخلة في القيوم لان معنى القيوم هو الذي قام بنفسه بما له من صفات الكمال ونعوت الجلال بحيث كان مستغنيا عن غيره من جميع الوجوه الذي قام بجميع المخلوقات في ايجادها واعدادها وامدادها فكما لا وجود لها الا بالله فلا بقاء لها ولا صلاح الا به فهي مفتقرة اليه في جميع شؤونها لا يمكن ان تستغني عنه طرفة عين ومن كمال قيوميته انه كامل القوة والقدرة نافذ الارادة والمشيئة فعال لما يريد قام بنفسه وقام به من سواه فالحياة تستلزم الصفات الذاتية والقيومية تستلزم الصفات الفعلية قال المصنف رحمه الله في مدارج السالكين في منزلة الحياة في اثناء كلام له فيشهد قيام الكون كله بالله وقيامه سبحانه بنفسه فهو القائم بنفسه المقيم لكل ما سواه فاذا رسخ قلبه في ذلك شهد الصفة المصححة لجميع صفات الكمال وهي الحياة التي كمالها يستلزم كمال السمع والبصر والقدرة والارادة والكلام وسائر صفات الكمال وصفة القيومية الصحيحة المصححة لجميع الافعال فالحي والقيوم من له كل صفة كمال وهو الفعال لما يريد انتهى هو قابض هو باسط هو خافض هو رافع بالعدل والميزان يعني انه القابض للارزاق والارواح والنفوس الباسط للارزاق والرحمة والنفوس وهو الخافض لاقوام الرافع لاخرين وذلك كله عدل من الله وحكمة يحمد عليه اتم الحمد واكمله قال تعالى والله يقبض ويبسط واليه ترجعون وقال تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض فقبضه نعمة في حق عباده المؤمنين لانه يمنعهم به من البغي والظلم والعدوان وقال تعالى الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال تعالى بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزا حكيما وان كان تعالى هو القابض الباسط الخافض الرافع قدرا وقضاء فلا يمتنع ان تكون هذه الامور باسباب من العباد متى قاموا بها حصلت لهم وهذا هو الواقع فان الاسباب محل حكمته وسنته الجارية التي لا تبدل ولا تغير واذا كان اعظم انواع رفعه رفعه لاوليائه الى اعلى عليين في محل قربه والدنو منه فهذا محال ان يدرك بدون الايمان والاعمال الصالحة كما قال تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من الا من امن وعمل صالحا الاية وقال تعالى كلا ان كتاب الابرار لفي عليين فجعل استحقاقهم لاعلى الامكنة بسبب برهم فكل قبض وبسط وخفض ورفع قدري او ديني فانه من الله تعالى لانفراده بالتدبير وهذه من انواع التدبير والشؤون التي يصرفها بحسب حكمته وحمده وهو المعز لاهل طاعته وذاه عز حقيقي بلا بطلان وهو المذل لمن يشاء بذلة دارين ذل شقى وذل هواني يعني انه المعز لمن يشاء المذل من يشاء كما قال تعالى قل اللهم ما لك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء والعز الحقيقي الذي هو عز ظاهر وباطن انما يكون بالقيام بطاعته واتباع رسله والذل الحقيقي انما يكون بعدم القيام بطاعة الله فانه وان وجد مع اهل المعاصي عز ظاهر وابهة دنيوية فان ذلك محشو بالذل والهوان فقد يشعر به صاحبه وقد تغلب عليه السكرة فلا يشعر بذلك كما قال الحسن رحمه الله في اهل المعاصي انهم وان طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم البغال ان ذل المعاصي قد علاهم ابى الله الا ان يذل من عصاه قال تعالى ومن يهن الله فما له من مكرم العاصي له الذل والشقاء في الدنيا والاخرة قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره ونحشره يوم القيامة اعمى واما اهل العلم والايمان فان لهم العز والسعادة في الدنيا والاخرة ولا يغترون بظاهر ما يعطاه المترفون في الدنيا ولا يقع في نفوسهم من ذلك شيء كما قال اهل العلم والايمان لمن غبط قارون على ما اوتيه من زينة الدنيا فقالوا ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا وقال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه اي من اراد العزة فانها كلها لله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين هو مانع معط فهذا فضله والمنع عين العدل للمنان يعطي برحمته ويمنع من يشاء وبحكمة والله ذو سلطان يعني انه تعالى المنفرد بالعطاء والمنع فلا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع فان عطاف بمحض فضله واحسانه لا بسبب من العبد ولا بتقدم واسطة وان منع فبمحض عدله وحكمته ومن اعظم عطائه عطاء الهدى والامن والتوفيق للاعمال الصالحة وليست بحول العبد وقوته بل بتوفيق الله ومنه ولطفه يضعهما في المحل القابل لها الذي تصلح به ويمنعها من المحل الذي لا يليق بها ولا تصلح به ولا تزكو عليه وليس منعه لعبده من التوفيق منعا لحق للعبد حتى يكون ذلك ظلما وانما هو محض فضله يمنعه ممن ليس له باهل كما قال تعالى اليس الله باعلم بالشاكرين وقال تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون والعطاء احب الى الله من المنع وقد فتح للعباد من ابواب رحمته وخزائن جوده وعطائه كل باب ويسر لهم كل طريق يوصل الى ذلك وامرهم بسلوكها فمن سلكها حصل له من الجود والعطاء ما لا يخطر بالبال ويدور في الخيال ومن لم يسلكها بل سددون نفسه ابوابها وسلك الطرق التي تفضي به الى الحرمان فلا يلومن الا نفسه والنور من اسمائه ايضا ومن اوصافه سبحان ذي البرهان قال ابن مسعود كلاما قد حكى هدارمي عنه بلا نكران ما عنده ليل يكون ولا نهار رن قلت تحت الفلكي يوجد داني نور السماوات العلى من نوره والارض كيف الشمس والقمران من نور وجه الرب جل جلاله وكذا حكاه الحافظ الطبراني فبه استنار العرش والكرسي مع سبع الطباق وسائر الاكوان وكتابه نور كذلك شرعه نور كذا المبعوث بالفرقان وكذلك الايمان في قلب الفتى نور على نور مع القرآن وحجابه نور فلو كشف الحجاب بلى احرق السبحات للاكوان واذا اتى للفصل يشرق نوره في الارض يوم القيامة الابدان وكذا كذا دار الرب جنات العلى نور تلألأ ليس ذا بطلان والنور ذو نوعين مخلوق ووصف كن ما هما والله متحدان وكذلك المخلوق ذو نوعين مح سوس ومعقول هما شيئان احذر تزل فتحت رجلك هوة كم قد هوى فيها على الازمان من عابد بالجهل زلت رجله فهوى الى قعر الحضيض الدان لاحت له اثار انوار العباء ظنها الانوار للرحمن فاتى بكل مصيبة وبلية ما شئت من شطح ومن هذياني وكذا الحلولي الذي هو خدله منها هنا حقا هما اخوان ويقابل الرجلين ذو التعطيل حجب الكثيفة ما هما سيان ذا في كثافة طبعه وظلامه وبظلمة التعطيل هذا الثاني والنور محجوب فلا هذا ولا هذا له من ظلمة يرياني بسط المصنف الكلام على النور في هذا الفصل لشدة الحاجة الى معرفته ومعرفة الفرقان فيه وحاصل ما ذكره ان من اسمائه واوصافه النور الذي استنارت به العوالم كلها فبنور وجهه اشرقت الظلمات واستنار العرش والكرسي مع سبع وسائر الاكوان وكتابه نور ورسوله نور والايمان الذي في قلوب المؤمنين نور كما قال تعالى يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلتم انا اليكم وانزلنا اليكم نورا مبينا وقال قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين وقال تعالى الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباحة بركة زيتونة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها ايضيء يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور اي نور الايمان على نور القرآن على نور الفطرة وقال تعالى واشرقت الارض بنور ربها وحجابه تعالى نور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه رواه مسلم وروى الطبراني عن عبدالله بن مسعود انه قال ان ربكم عز وجل ليس عنده ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه الحديث ولهذا قال المؤلف قلت تحت الفلك يوجد ذاني اي الليل والنهار لا يوجدان الا تحت الفلك الاسفل لانهما تبع لوجود الشمس وعدمها واما الملأ الاعلى والعالم العلوي ففي غاية السعة والنور وقوله وكذاك دار الرب نور تلألأ يشير الى الحديث الذي رواه ابن ماجة عن اسامة بن زيد رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه الا مشمر للجنة فانها لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ونهر مطرد وقصر مشيد وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة وفاكهة وخضرة وحبرة في ابد لا يزول فقال القوم نحن المشمرون لها فقال قولوا ان شاء الله فقال القوم ان شاء الله ثم ذكر المؤلف ان النور نوعان نور وصف لله وهو ما اطلقه على نفسه الكريمة في قوله الله نور السماوات والارض وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة ان تضلني انت الحي الذي لا يموت والانس والجن يموتون وكما في قوله لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه اي لاحرق نوره وبهاؤه جميع المخلوقات وكما في قوله تعالى واشرقت الارض بنور ربها فهذا كله وصف لله تعالى وكذلك كتابه تعالى نور وكلامه صفة من صفاته اما النور المخلوق فهو نوعان محسوس ومعقول فالمحسوس الذي يدرك بالحواس ويراعيان فهو نور الحجاب ونور الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الانوار التي تدخل في قوله وجعل الظلمات والنور واما النور الذي لا يدرك بالحس وانما هو معقول فهو نور الايمان وشواهد الايقان ونور المعرفة وحقائق الذكر ونور المحبة فهذا نور معقول يشرح الصدر ويجعل صاحبه في جنة معجلة لا يشبهها شيء ولهذا قال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه وقال تعالى مثل نوره كمشكاة وقال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في قيام الليل وفي الخروج الى المسجد اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن فوقي نورا وتحتي نورا اللهم اعطني نورا وزدني نورا فهذا النور يقوى بحسب المعرفة وقوة المحبة وكثرة الذكر الذي يتواطأ عليه القلب واللسان وبحسب ما يقوم بالقلب من حقائق العبادات ثم حذر المصنف رحمه الله في هذا المقام من اغترار من اغتر من جهلة المتصوفة والمتعبدة حين عملوا على الحقائق فاجتهدوا في التعبد فاستنارت بذلك قلوبهم وعظم الوارد اليها فظنوا بجهلهم وظلمهم ان تلك انوار الصفات للذات المقدسة وتوهموا ان ما يجدونه في اذهانهم موجود في الخارج والعيان فباحوا بالشطح والطامات الكبرى وادعوا انهم يشاهدون الله حقا بل ربما وصلوا الى درجة الحلول فظنوا ان الله حال فيهم ومتصل بهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا فالمتعبد ان لم يصحبه العلم والتمييز بين النور المخلوق وغيره طرق باب الحلول ولابد وسبب ذلك قوة الوارد وضعف المورد وقلة العلم فلهذا حذر المؤلف فقال احذر تزل فتحت رجلك هوة اي حفرة تهوي بصاحبها الى اسفل سافلين كم قد هوى فيها على الازمان من عابد بالجهل زلت رجله فهوى الى قعر الحضيض الداني ثم ذكر السبب في قوله لاحت له اثار انوار العبا ظنها الانوار للرحمن ايظا نهى نور الذات من جهله فاتى بكل مصيبة وبلية ما شئت من شطح ومن هذيان والشطح كلام الغلو الذي يجعل لنفسه منزلة ليست له بل ربما جعل لها من خصائص الالهية شيئا والهذيان الكلام الذي لا حاصل له بل هو عبث وباطل ثم قال وكذا الحلولي الذي هو خدنه اي نظيره ومشبهه من هذا الوجه فان المتعبد تعرض له هذه الامور في بعض الاوقات وان كان اعتقاده اللازم مخالفا لذلك واما الحلولي فهو الذي يعتقد حلول الاله تعالى الله عن قوله في بعض الاشخاص كدعوى النصارى حلوله في عيسى ابن مريم ودعوى غلاة الرافضة حلوله في بعض اهل البيت ودعوى كثير من المتصوفة حلوله العامة او الخاص فكل هذا انحراف عن الصراط المستقيم الذي دلت عليه الكتب ودعت اليه الرسل وكفر وزندقة فهؤلاء حصل لهم الانحراف من جهة الغلو ويقابل الرجلين اي جهلة المتعبدة والحلولية رجلان اخران احدهما المعطل لصفات الله تعالى الذي ينفر القلوب عن معرفة ربها ومحبته والانابة اليه فان اثبات الصفات شرط لذلك وهذا يسعى في تعطيلها وتحريفها ونفي حقائقها الثابتة فهذا محجوب عن الله بتعطيله والثاني صاحب الحجب الكثيفة وهو الذي قد اعرض عن معرفة ربه وغفل عن ذكره واتبع هواه وكان امره فرطا قد اقبل على شهوات نفسه ولذة جسمه فقلبه مغمور بالشهوات مصدود عن حقائق العبادات فهذا بظلمة طبعه وشهوته ممنوع من نور القلب والانس بربه والابتهاج بمحبته لا يصل اليه النور حتى يفرغ قلبه من الشواغل الصادة عن مباشرة حقائق الايمان اليه ثم يجعل محبة الله هي غايته ومقصودة وارادة وجهه هي منتهى طلبه ويجاهد نفسه على تخلقها بهذا الخلق الكامل ويستعين بربه ويلتجئ اليه فما خاب عبد امل جوده واحسانه وتسبب لذلك بما يصل اليه قدرته