المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في النوع الثاني من نوعي توحيد الانبياء والمرسلين المخالف لتوحيد المعطلين والمشركين وهذا النوع هو زبدة رسالة الله لرسله فان كل نبي يبعثه الله تعالى يدعو قومه الى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكل نبي يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره افلا تتقون وقال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وهو الذي خلق الله الخلق لاجله وامرهم به على السنة رسله وشرع الجهاد لاقامته وجعل الثواب في الدنيا والاخرة لمن قام به والعقاب في الدنيا والاخرة لمن تركه وبه الفرق بين اهل السعادة واهل الشقاء وعلى العبد ان يبذل جهده في معرفته وتحقيقه من كل وجه فيعرف حده وتفسيره ويعرف حكمه ومرتبته ويعرف اثاره ومقتضياته ويعرف شواهده وادلته وبراهينه وحججه التي تؤيده وتنميه وتقويه ويعرف شروطه ومكملاته ويعرف نواقضه ومفسداته لانه الاصل الاصيل الذي لا تصح الاصول الا به فكيف بالفروع فاما حده وتفسيره واركانه ومكملاته فقد ذكرها المصنف في ضمن قوله هذا وثاني نوعي التوحيد تو حيد العبادة منك للرحمن الا تكون لغيره عبدا ولا تعبد بغير شريعة الايمان فتقوم بالاسلام والايمان احسان في سر وفي اعلان والصدق والاخلاص ركنا ذلك فحده ان يعلم العبد ان الله هو المألوه المعبود على الحقيقة فيفرده بانواع العبادة كلها الظاهرة والباطنة يعني انه يقوم بالاسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها من الاعمال الظاهرة وبالايمان كالايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والتزام القيام بما اوجب الله وترك ما حرم الله وبالاحسان كالقيام بحقائق العلم والايمان والاعمال الصالحة وهي روحها ولبها المقصود منها فيقوم بذلك كله خالصا لوجه الله تعالى متابعا فيه سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذان الركنان الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ركنان وان شئت قلت شرطان لكل عبادة ظاهرة وباطنة فكل عبادة خلت منهما او من احدهما فهي باطلة غير معتد بها قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال تعالى الا لله الدين الخالص وقال تعالى ليبلوكم ايكم احسن عملا قال الفضيل ابن عياض رحمه الله اخلصه واصوبه قالوا ما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل فالخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وحقيقة هذا التوحيد انه يسمى توحيد الالهية بالنسبة الى وصف الله المقتضي لان يكون هو المحبوب المألوهة المعظم المعبود وحده ويسمى توحيد العبادة بالنسبة الى وصف العبد الذي هو اخلاص جميع انواع العبادة التي شرعها الله ورسوله لله تعالى فالالهية وصف الله تعالى والعبودية وصف العبد ولهذا جمع الله بين الامرين في قوله لموسى انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وفي قوله وان الله ربي وربكم فاعبدوه وقول الرسل لاممهم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره واذا علمنا ان هذا حده وتفسيره فمن المعلوم ان الداخلين في هذا الاسم متفاوتون تفاوتا عظيما وانه بحسب قيام العبد بالاسلام والايمان والاحسان والاعمال الصالحة علما وعملا وحالا تكون مرتبة العبد في التوحيد وكماله فيه والاجر والثواب في الدنيا والاخرة على هذا الاصل بل كل خير في الدنيا والاخرة فانه من اثار التوحيد وثمراته كما انه كل شر في الدنيا والاخرة فمن اثار ترك التوحيد ثم فسر المؤلف الاخلاص والمتابعة فقال وحقيقة الاخلاص توحيد المراء فلا يزاحمه مراد فاني لكن مراد العبد يبقى واحدا ما فيه تفريق لدى الانسان يعني ان الاخلاص حقيقة ان يوحد العبد مراده ومقصوده فتكون نيته وارادته متعلقة بالله وحده لا شريك له فلا يكون لهذا المراد مزاحم يزاحمه من الاغراض النفسية بل يكون وصف العبد الاخلاص لله على الدوام ويقوموا بما يقوم به من الاعمال مستحضرا لهذا المعنى الشريف خاليا من الرياء والمقاصد المخالفة لهذا المقصود وبهذا يكون العمل صالحا مقبولا مثمرا للثواب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه تفاوت بين العملين وصورتهما واحدة بحسب تفاوت النية والمقصود وكذلك لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه اي يدارك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليه فعلى العبد ان يجاهد نفسه على الدوام في كل فرد من افراد العبودية على ان يقصد به وجه الله وحده لا شريك له ويجتهد في دفع الخواطر المنافية لذلك ليكون الاخلاص له وصفا وخلقا وهو رح التوحيد والاعمال الصالحة وتمام ذلك ان يراعي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع اقواله وافعاله الظاهرة والخفية وذلك تحقيق شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فينفي الالهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده ويتحقق بمعناها ويصدق الرسول في خبره ويطيعه في امره ثم ذكر نموذجا من الادلة الدالة على التوحيد والعبادة فقال ان كان ربك واحدا سبحانه فاخصصه بالتوحيد مع احسان او كان ربك واحدا انشى كلم يشركه اذ ان شاك رب ثاني فكذاك ايضا وحده فاعبده لا تعبد سواه يا اخا العرفان يعني اذا كنت مقرا بان ربك واحد فهو الخالق الرازق المربي لك ولسائر المخلوقات فخصه بالتوحيد والاعمال الصالحة فاذا علمت انه الذي انشأك وحده من غير مشارك له ولا معاون فكذلك اعبده وحده لا تعبد غيره ممن لم يكن كذلك وهذا الدليل وهو الاستدلال بتوحيد الربوبية على صحة توحيد العبادة كثيرا ما يذكره الله في كتابه ويستدل على المشركين الذين ينكرون توحيد الالوهية فيلزمهم باقوالهم توحيد الربوبية على ما انكروه من توحيد الالهية كما قال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض من يملك امن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت ويحرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل افلا تتقون وقال تعالى قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل فان تسحرون الى غير ذلك من الايات وهذا دليل واضح جدا ينتقل الذهن منه الى المدلول باول وهلة فانه اذا كان من المعلوم المتقرر عند كل احد حتى المشركين بالله ان الله هو الخالق وحده المدبر لجميع الامور وكل ما سواه مخلوق مدبر فان العقل والفطر يجزمان بتعين عبادة الله وحده وانه المستحق للعبادة دون من سواه ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا ولا له من الكمال ما يقتضي ان يعبد لاجله واعلم ان ادلة التوحيد كثيرة جدا يعصر عد انواعها فضلا عن افرادها ولكن سننقل هنا عبارتنا في التفسير على قوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك الاية قلت العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بما طلب منه علمه وتمامه العمل بمقتضاه وهذا العلم الذي امر الله به وهو العلم بتوحيد الله فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد معه عقله كائنا من كان بل كل مضطر الى ذلك والطريق الى العلم بانه لا اله الا الله امور احدها بل اعظمها تدبر اسمائه وصفاته وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله فانها توجب بذل الجهد في التأله والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال الثاني العلم بانه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير في علم بذلك انه المنفرد بالالوهية الثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية فان ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته والتأله له وحده لا شريك له الرابع ما نراه ونسمعه من الثواب لاوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة ومن عقوبته لاعدائه المشركين به فان هذا داع الى العلم بانه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله واتخذت الهة وانها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا ولا ينصرون من عبدهم ولا ينفعونهم بمثقال ذرة من جلب خير او دفع شر فان معرفة ذلك والعلم به يوجب العلم بانه لا اله الا الله وبطلان الهية ما سواه السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه السابع ان خواص الخلق الذين هم اكمل الخليقة اخلاقا وعقولا ورأيا وصوابا وعلما وهم الرسل والانبياء والعلماء الربانيون قد شهدوا لله بذلك الثامن ما اقامه الله من الادلة الافقية والنفسية التي تدل على التوحيد اعظم دلالة وتنادي عليه بلسان حالها بما اودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه فهذه الطرق التي اكثر الله من دعوة الخلق بها الى انه لا اله الا هو وابداها في كتابه واعادها عند تأمل العبد في بعضها لابد ان يكون عنده يقين وعلم بذلك فكيف اذا اجتمعت وتواطأت واتفقت وقامت براهين التوحيد من كل جانب فهناك يرسخ الايمان والعلم في قلب العبد بحيث يكون اعظم من الجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات ولا يزداد على تكرار الباطل والشبه الا نموا وكمالا هذا وان نظرت الى الدليل العظيم والامر الكبير وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في اياته فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره الى اخر ما ذكرته على تلك الاية الكريمة وهذه المذكورات اجناس وانواع للادلة لو فصلت وبسطت لبلغت شيئا كثيرا