المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله القاعدة الخامسة الدين الاسلامي هو الصلاح المطلق. ولا سبيل الى صلاح البشر الصلاح الحقيقي الا بالدين الاسلامي. قال تعالى في عدة ايات ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. ثم يرتب على ذلك خير الدنيا والاخرة ويطلق الصالحات. فكل شيء ينطبق عليه الصلاح فانه داخل في الصالحات. ان اريد الا الاصلاح ما استطعت ان الله لا يصلح عمل المفسدين. والله يتولى الصالحين. اي الذين صلحت قلوبهم واخلاقهم واعمالهم واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. الا انهم هم المفسدون. وهذا يقوله تعالى للمنافقين الذين يزعمون ان ما هم عليه من النفاق وترك الايمان صلاح. فاخبر تعالى انه من عين الفساد فكل من زعم ان الصلاح في خلاف الدين الاسلامي فهو من هؤلاء المنافقين وعلى شاكلتهم. وفي القرآن ايات كثيرة فيها الحث على الصلاح والاصلاح والتحذير عن الفساد والافساد. وهذا الاصل الكبير كما انه ثابت شرعا ودينا. فانه ثابت في العقول للصحيحة والالباب المستقيمة. وذلك بمعرفة ما هو الصلاح وضده. اما الصلاح فان تكون الامور كلها ظاهرها وباطنها دينيها ودنيويها معتدلة كاملة مكملة. حاصلا لها من الاوصاف الصالحة والنعوت المصلحة. ما يوصلها الى الصلاح الحقيقي وبذلك ينتفي عنها الفساد. اما صلاح القلوب فان تكون عارفة بالحق معترفة به منقادة له تابعة له فاعظم الحق على الاطلاق الذي يتعين معرفته والانقياد له هو معرفة تفرد الرب بالكمال المطلق الذي لا يشاركه ولا فيه مخلوق بوجه من الوجوه. وانه المتفرد في عظمة صفاته. وتفرده في افعاله وعطائه ومنعه وخفضه رفعه وتصريفه الامور بحكمة وعناية تتناقص عقول العالمين عن بلوغ غايتها ونهاية دقتها. ثم اذا عرفته به المعرفة الصحيحة المتلقاة عن كتاب الله وسنة رسول الله. اعترفت وانقادت له محبة وخوفا ورجاء وانابة اليه وقصدا في جميع شؤونها الظاهرة والباطنة. وبهذه المعرفة والاعتراف والانقياد التام تنقاد الى اداء حقوقه وحقوقه بعباده بانشراح وطمأنينة واذعان وداع الايمان ورجاء الثواب. اليس هذا هو الصلاح الحقيقي الذي لا يمكن صلاح الاحوال الا به. فهل يمكن ان يصلح عبد لم يفرض ربه بمعرفته ومحبته والانابة اليه ولم ينقض في ظاهره وباطنه الى القيام بعبوديته وحقوق خلقه. فلو خلت القلوب من هذه المعاني الجليلة فهل يمكن ان تصلح؟ وهل يمكن ان تصلح الحركات ظاهرة والباطنة هذا ممتنع ومستحيل. فالقلوب الخالية من الايمان المتجردة عن الانقياد والاذعان اليه. حيث انقطعت تعني الله فلا بد ان تتبع شهواتها واهوائها. وبذلك تفسد الاحوال كلها. وهذا برهان ظاهر نير على ان الصلاح في دين والدنيا منوط بالقيام بالدين الاسلامي وايضا فان الناس مضطرون الى الاجتماع ومفتقرون الى تبادل المصالح. ولابد لبعضهم من بعض وشؤون بعضهم متعلقة البعض ولا يشك احد من العقلاء ان مصالح البشر متعارضة ومطالبهم متباينة والمصالح مختلفة والاهوية وغالبة فكان هذا اقوى البراهين على اضطرار الخلق الى دين وشرع سماوي معصوم. يجدد لهم الحدود ويشرع لهم الشرائع وينهج لهم طريق العدل والانصاف ويمكن بعضهم من الانتفاع ببعض بطمأنينة وحياة طيبة. والشرع والدين الاسلامي كفيل بذلك على الوجه الاكمل والطريق اقوم الا ترى حسن ما شرعه من المعاملات في المعاوضات كلها والتبرعات وما اوجبه من الحقوق بين الناس على حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة والظروف. وما فيه من قواعد العدل التي لا غنى للخلق كلهم عنها وما فيه من الحدود والعقوبات للمجرمين بحسب جرائمهم. فلو وكل الناس الى عقولهم في هذه الامور لصارت تبعا اهويتي والاغراض وحصلت الفوضى بحسب ما ترك من نظامات الشريعة. وكل قاعدة نافعة موجودة عند الاجانب وكل نظام نافع عندهم فانما اصله مأخوذ من الدين الاسلامي. فليذكر لنا المنحرفون اصلا نافعا ومعاملة نافعة وعملا نافعا خارجا عن الدين الاسلامي ولن يجدوا الى ذلك سبيلا. وكيف يجدون السبيل والذي انزله وشرعه للخلق هو الرب الرحيم. الذي وسعت رحمته كل شيء واحاط بكل شيء وعلم احوال الخلق ماضيها ومستقبلها فلا يخفى عليه منها مثقال ذرة. واحكم ما شرعه غاية الاحكام كما احكم ما قدره في احسن نظام. اليس من اجل طرق الصلاح الشكر عند النعماء والصبر عند المصائب والضراء والامران اللذان لم يزل ولا يزال الخلق في هذه الدنيا بينها يتقلبون. ولا يمكن ان يخلو منهما مخلوق في وقت من الاوقات قات ولا حالة من الاحوال فسل الشاك في اشتمال الدين الاسلامي على غاية الصلاح هل ما يدعو اليه الدين الاسلامي من مقابلات بلت النعم والخيرات بالشكر والثناء على موليها. والاستعانة بها على ما يحبه ويرضاه في صرفها في الوجوه النافعة. ومقابلة المكاره والمصائب بالصبر والرضا عن الله والتسليم لاقداره. فيكون العباد عند النعم من الشاكرين وعند المكاره من الصابرين ويكسب الحياة الطيبة في الدنيا مع ما يدخره الله له في الاخرة. ام مقابلة النعم بالاشهر والباطل والمكاره بالسخط والالام القلبية والزلازل الروحية. كما هو امر لازم للمنحرفين. فالعاقل لا يشك ان الامرين لا يستويان. وقل له الامور خير. ما دعا اليه الدين من قوله. والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الذي به صلاح الامور ام طريقة الاسراف والتبذير وطريقة البخل والتقتير. وما دعا اليه الدين من الاحسان في عبادة الخالق وايقاعها على احسن الوجوه واكملها. والاحسان الى الخلق بكل وسائل الاحسان. اما يدعو اليه المنحرفون من الاعراض عن الله وحده والاقبال التام على شهوات النفوس الخسيسة. وجعلها هي مبلغ علم الانسان. وكل همه منع الاحسان الى الخلق بل مقابلة الاحسان بالاساءة فلابد ان يقول العقل الصحيح هذا الامر الجلي لا يحتاج الى طلب ترجيح. وقل للشاك في حسن الدين الاسلامي. هل ما دعي اليه من وجوب بر الوالدين وصلة الارحام واداء حقوق الاصحاب والجيران والمعاملين العدل والفضل خير ام طريق الاثرة والعقوق والقطيعة والجور في المعاملات. وقل له الله قد وهبنا عقولا وقوى ظاهرة وباطنة. نتمكن بها من ادراك سعادتنا ودفع شقاوتنا. فهل اذا استعملنا ما وهبنا ربنا من ذلك فيما خلقنا له من عبادة ربنا والقيام بحقوقه وحقوق عباده ووضوح تلك المواهب والقوى باحكام من انعم بها ووهبها. والسلوك من ذلك الطريق مستقيم الى ربنا. والاستعانة بما اعطانا من المنافع الدنيوية الى صلاح ديننا ومصالحنا الكلية. ام الاولى بنا ان نستعمل والقوى في امور تافهة طفيفة لا تغني عن صاحبها شيئا ان لم يؤسسها ويبينها على الدين ويجعلها تبعا لشهواته ووفقا على مراداته ولو اهلك وضر اخراه. فالدين الصحيح يدعو الى الاول وطرق الانحراف تدعو الى الثاني. وقل له ايضا ايما اولى بالعبد ان يتبع ما دعا اليه الدين من اخلاص الدين لله وحده. وتعليق الرغبات والرهبات بالله. والا يرجو ولا يطيع الا بفضل الله وكرمه وتعليق ذلك بالمخلوقين. والذين لا يملكون لانفسهم فضلا عن غيرهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وقل له ان كان الرب هو الذي خلقنا ورزقنا وهدانا وعافانا. وتفضل علينا بالنعم الظاهرة والباطنة الا يجب علينا ان يكون هو معبودنا وهو الذي نحمده ونشكره ونبذل له ما في وسعنا واجتهادنا. ومع ذلك فاننا لا نبلغ بذلك مقابلة ادنى نعمة من نعمه علينا. فهل يليق بنا ان نصرف شيئا من ذلك في شكر غيره وعبودية غيره؟ لا والله ان هذا امر يستقبحه الشرع والعقل والفطرة. وقل للشاك في تعاليم الدين الراقية. اليس الدين الاسلامي يحث المسلمين على ان يكونوا اخوة متآلفين متفقين على دينهم على اصوله وعلى جميع مصالحه. ويرغبهم في هذا الاصل غاية الترغيب. ويذكر لهم ثمرات ذلك العاجلة والاجلة. ويزجرهم اشد الزجر عن كل ما ينافي ذلك من التباغض والتدابر والتقاطع. ويخبرهم ان اصلاح ذات البين والسبب والطريق لصلاح الاحوال. كما ان فساد ذات البين هو السبب في الاضرار الدينية والدنيوية. فهل يوجد طريق لصلاح الاحوال الكلية غير هذا الطريق الذي يرشد اليه الدين بجميع وجوهه. وقل للشاك في كمال الدين اذا قال نحن اعترفوا بما احتوى عليه الدين الاسلامي من الاصلاحات الدينية والقلبية او الاخلاقية. وما احتوت عليه احكامه من العبادات من الحسن الذي لا مزيد عليه. ولا يمكن ان تقترح العقول احكاما مثل احكامه. فضلا عن كونها تقترح اعلى من احكامه ولكن نشك في احتوائه على المنافع الدنيوية وعلى الصناعات وعلى علوم السياسة فاجبه قائلا اليس فيه قواعد واصول من علم الاجتماع والسياسة لا يمكن ان يخترع المخترعون احسن منها. اليس فيه الامر بالمشاورة في جميع الامور الداخلية والخارجية فما المقصود من المشاورة الا النظر في المصالح والمضار والخير والشر. وتقديم ما تعينت مصلحته وترجحت اجتناب ما تعينت مضرته او ترجحت السياسة الحكيمة كلها ترجع الى الشورى في الامور. الم يقل الله وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض. وقال الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض. اي سخر لنا جميع ما في الارض لننتفع بغرسها وزرعها واستخراج معادنها والانتفاع بصناعاتها. وكذلك قال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد نافع للناس. فاطلق المنافع فشملت المنافع الدينية والمنافع الدنيوية. خصوصا منافع الاسلحة المتنوعة التي لتجري مع الزمان والاحوال والصناعات التي ينتفع بها الانسان في كل شيء. الم يقل الله واعدوا لهم ما استطعتم من قوة فهذا يدخل فيه كل قوة عقلية وسياسية وتعلم الفنون الحربية والركوب والرمي وتوابع ذلك. وكذلك امر بالحذر من الاعداء وذلك بالتخلص والتحصن والتحرز منهم بكل وسيلة تحصل بها الوقاية والتحرز. وكم في كتاب الله وسنة رسوله من الامر بالجهاد ومقاومة الاعداء. فيدخل في ذلك كل وسيلة تعين على الجهاد في سبيل الله. فعلم بذلك ان دين الاسلامي قد احتوى على جميع المصالح والخيرات العاجلة والاجلة والنفع الكلي والجزئي والديني والدنيوي. فهذه كلمات كليات يعرف تحقيقها بتتبع الانواع والاجناس والافراد وتحقيق الامر فيها. وهذا من اكبر الايات والبراهين انه تنزيل من حكيم حميد. ومما يدل على عظمة هذا الدين ان الله اباح جميع الطيبات من المآكل والمشارب والملابس والمناظر والمناكح والتمتعات. وحرم كل خبيث من هذه الامور ضار لصاحبه وللمصلحة العمومية. وانه ما امر بشيء فقال العقل الصحيح الحر. ليته نهى عنه. ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به. ولا اخبر بما تحب العقول بل اخباره نوعان. نوع تشهد العقول بصحته وكماله وفضله. ونوع لا تهتدي اليه ولا تعرفه لعدم وصول اليه لكونه من عالم الغيب الذي لم تشاهده ولا شاهدت نظيره. وهذا النوع قد ارى الله عباده في الافاق وفي انفسهم من الايات ما يدل على صدق ما اخبرت به الرسل ونطقت به الكتب السماوية. من نظر وامعن النظر في هذه الاصول التي تلوناها ونبهنا عليها تنبيها مختصرا. علم علما يقينيا ان الدين الاسلامي هو الدين الحق في علومه وعقائده واخلاقه اعماله وسياساته وحسن معاملته للخلق. واحسانه الى الموافق والمخالف. وانه يدعو الى سبيل الحق بالحكمة التي هي ملوك الطرق والوسائل القولية والفعلية التي يستعان بها في الدعاية الى سبيل الله. الذي هو الصراط المستقيم. وانه امر باللين وعدم المخاشنة في مخاطبة المحاربين للدين. فكيف بذلك مع المؤمنين؟ فيقول لرسوله صلى الله عليه وسلم لم فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وقال لموسى وهارون فقولا له قولا لينا لعله تذكروا او يخشى. ثم انظر الى ما يخاطب الله به اعداءه الكفار. وتخاطبهم الرسل. فانه الطريق الاقوم هذا الطريق والدعاية الى الخير وبه يحصل من المنافع ودفع المضار ما لا يحصل بالمخاشنة والمشاتمة. فانها طريق الجاهلين الحمقى وان حسنت مقاصدهم فقد ساءت طرائقهم. وهذا اخر ما يسر الله من هذه الرسالة الاصولية المحتوية على قواعد واصول مختصرة جامعة. ونسأله تعالى ان يثبتنا على دينه وصراطه المستقيم. انه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين. قال ذلك وكتبه الفقير الله تعالى عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين ونقلته من خط شيخنا المكرم ومن متع الله لنا بحياته. وانا الفقير الى رب البريات. عبده وابن عبده. عبدالعزيز بن صالح بن دامغ. وذلك بغاية من العجلة حرر في الاول من جمادى الثاني سنة ست وستين وثلاثمائة والف من الهجرة