المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال الحادي عشر في زكاة الدين. قال المستعين بالله تجب الزكاة في الديون كما تجب في الاعيان. ولا فرق بين الدين الذي على مليء باذل والذي على غيره ولا بين الدين المرجو حصوله والميؤوس منه. الا انه لا يجب على الانسان الاعطاء حتى حتى يقبضه. فلو مضى سنون كثيرة ثم قبضه زكاه لما مضى. والدليل على هذا عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة يأتي في كل مال زكوي من غير تفريق بين الذي هو مرصد عند المالك وبين ما هو عند الناس او في ذممهم فكله وداخل في العمومات. فلاي شيء تخص بعضه دون بعض؟ والادلة لم تخصص منها شيئا. يؤيد هذا ان معاملات الناس متنوعة فقسم كبير منها هو الديون. فلو لم توجب فيها زكاة لتعطل هذا النوع منها. ولا قائل بذلك على وجه الاطلاق وانما نهاية من يقول ان يخصص بعض الديون ويخرجها من ايجاب الزكاة فيها. والاصل عدم اخراجها. فقال المتوكل على الله الديون نوعان نوع فيه الزكاة. وهي الديون التي يتمكن صاحبها من قبضها لملاءة من هي عليه وبذله هذا النوع هو الداخل في الادلة التي ذكرتم لما قررتم وانه تتناول العمومات كقوله والذين في اموالهم حق معلوم وقوله خذ من اموالهم صدقة. وقوله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم فهذا النوع لا يشك احد في دخوله في هذه النصوص وشبهها. والنوع الثاني في الديون التي لا قدرة لصاحبها عليها كالديون التي على المعسرين وعلى المماطلين الذين لا يمكن اخذ الحق منهم لا بولاة ولا بغيرهم. والديون حودة ولا يمكن صاحبها اثباتها. وما اشبه ذلك فهذا النوع الصواب انه لا زكاة فيه. وتعرف صحة هذا القول بتقرير اصل نافع وهو ان الشارع انما اوجب الزكاة مواساة ودفع حاجة عامة او خاصة على من لهم اموال يتمكنون من التصرف فيها وتنميتها. وهذا يدخل فيه من لهم اموال موجودة تحت ايديهم. ومن لهم ديون يتمكنون من قبضهم فاما من له دين عند معسر فقير عاجز عن قوت نفسه وقد ايس من حصوله او نحوه من كل دين يعجز صاحبه عن تحصيله فهذا ليس محلا للمواساة. فهو والفقير الذي ليس عنده مال في هذه الحال واحد. فاذا قلتم اننا لا نوجب عليه يفعل حتى يقبضه وانما تجب الزكاة عليه. قلنا ايجاب الزكاة عليه في مال عاجز عنه وعن الانتفاع به لم يرد به شرعا ولا يقتضيه قياس ولا ميزان عادل ثم اذا فرضنا انه قبضه بعد سنين طويلة فاذا حسب سنيه الماضية وقدر زكاتها فربما استوعب هذا المال كله فلا يرد الشرع الذي لا يرهق الخلو عسرا ولا شططا بايجاب الزكاة بمثل هذا المال وايضا فاذا علم من له الدين ان عليه زكاة الدين الذي على المعسر ضيق عليه الخناق وشدد عليه وارهقه من امره بعسرى يقول كيف يجتمع علي الانذار والصبر؟ ثم اذا حصل بعد التي والتي اخرجت زكاة ما لم انتفع به. يؤيدها هذا القول ان الشارع لم يوجب الزكاة في الاموال التي يقتنيها الانسان كبيته واثاث بيته ودابته وخادمه ونحوه من حاجاته وذلك لصرفها عن النماء والانتفاع بالتجارة. مع انه يمكن الانسان الانتفاع بها وبيعها والتوسع بها. فكيف لا يوجب الشارع الزكاة في بهذا النوع ويوجب في الديون التي لا يتمكن من الانتفاع بها من كل وجه. وقد يحصل اليأس منها. يؤيد هذا انه لو فرض ان ان شخصا ليس له مال الا هذه الديون التي قد يتعذر عليه اخذها واستحصالها. لم يعده الناس غنيا لان الغني هو الذي اغتنى بماله عن الخلق فلا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم. يؤيد هذا انه لو كان له مال كثير من هذه الديون المتعجرة وليس له مال موجود يدفع حاجته جاز له الاخذ من الزكاة ولم تكن الاموال التي في ذمم المعسرين تمنعه من الاخذ من الزكاة. ولو بلغت من الكثرة ما بلغت فعلم بذلك انه لا يحصل بها الغنى الموجب للزكاة والمانع من اخذ الزكاة فليس غنيا لا شرعا ولا عرفا. وايضا في حكمة الشارع ايجاب الزكاة في الاموال والمهيئة لذلك كالمواشي من الابل والبقر والغنم اذا كانت للدر والنسل والتسمين بخلاف ما اذا كانت للعمل كالحبوب والثمار وكالنقدين والعروض المعدة للبيع والشراء. فالديون التي يتمكن صاحبها منها تدخل في الاموال النامية والمهيئة يأتي لذلك والديون التي لا يتمكن منها لا تدخل تحت هذا النوع وهذا ظاهر بين جلي. فقال المستعين بالله الان ظهر قوة هذا القول ووضحانه وانه هو القول الموافق للشرع الموافق للعقل والفطر والحمد لله رب العالمين