المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المثال الثالث عشر في حكم الرهن قال المتوكل على الله الرهن من جملة الوثائق الاربع التي جعلها الشارع حفظا للحقوق وهي الرهن ضمان والكفالة والشهادة. فالثلاثة الاول يستوفى منها الحق. والشهادة يستوفى بها الحق. تمام التوثيقة فيها ان تكون تامة كاملة وذلك بان يكون الرهن يكفي الحق ويكون مقبوضا وبذلك يحصل به التوثيقة التامة فان كان اقل من الحق او كان غير مقبوض فانه رهن صحيح وهو اقل توثقة من الاول بمقداره او كيفيته. لانه اذا كان اقل من الحق كان توثيقة ببعض الحق لا بكله. وان لم يكن مقبوضة كان عرضة للانكار وعرضة للاخفاء. هذا هو مقتضى العدل والمصلحة وهو مقتضى ما دلت عليه الادلة الصحيحة. وهو الموافق غاية موافقة لمصالح الناس وقضاء حاجاتهم ودفع اضرارهم فان الله تعالى امر بالوفاء بالعقود والشروط. وامر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واخبر ان المؤمنين على شروطهم الا شرطا احل حراما او حرم حلالا. الرهن المقبوض وغير المقبوض داخل في ضمن ذلك. حيث شرط وان يكون في يد احدهما وليس في ذلك محذور اصلا. بل في ذلك مصلحة كبيرة. فان الانسان يعامل انسانا اخر ويستدين منه ويحتاج الغريم الى وثيقة يتوثق بها لحقه. والمستدين ليس عنده الا اعواض ما استدان من غريمه وهو مضطر الى العمل فيها كالحراث والجمال ونحوهما وذاك لا يعامله الا برهن ما تحت يده. والاخر لا يتمكن من العمل والاعتياش الا ببقاء عين الرهن تحت يده. فهو ضرورة في حقه ومصلحة في حق غريمه والتراضي بين الطرفين حاصل والعقد قد تقرر بينهما. فالشارع لا يجعل هذا النوع جائزا لا لازما. بل الشارع راعي مصالح الخلق ومنافعهم ولو عرف المستدينون ان هذا الرهن لا يلزم الوفاء به لفسخه اكثر المستدينين. ربما عقدوه مع غير فيحصل من الخداع والظلم والضرر ما لا تجيزه الشريعة. وايضا فان العقود والشروط بين الناس الاصل فيها الجواز وجريانها على ما اتفق عليه ايه المتعاملون فان اتفقوا على قبضه قبض وصار لازما وان اتفقوا على ابقائه بيد الراهن بقي في يده وكان لازما. ولهذا اضطر كثير من البلدان على العمل بهذا القول لما يرون من الضرورة والمصلحة فيه. وهذا كما انه مقتضى الادلة الشرعية فانه موافق للفطر وعقول العقلاء وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا كان عند الله قبيحا. وقال المستعين بالله لا انكر ما ذكرته من المصالح والمنافع في هذا القول كذلك لا انكر ادخاله في العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود والشروط. ولا انكر ايضا ما في الاخلال به من الاضرار مفاسد ولكن قال الله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فهذا نص صريح على ان القبض شرط للزوم عقد الرهن الرهن ان كان مقبوضا كان رهنا لازما. وان لم يكن مقبوضا كان رهنا صحيحا. لكنه غير لازم كما دلت عليه الاية الكريمة فقال المتوكل على الله حيث اعترفت بالبراهين التي سقناها على وجه التنبيه والاختصار انما بقي في قلبك ان الاية الكريمة دلت على وجوب الخط وانه شرط للزوم وهبت معارضة الاية الكريمة. حيث ظننتها دالة على ما ذكرت فهذا الطريق الذي سلكته نعم الطريق وهو الواجب على كل قل لاحد انه اذا اعتقد دلالة النص على حكم من الاحكام انه لا يعارضه بقول احد من الناس كائنا من كان ولكن الاية الكريمة لا تخالف ماذا ذكرنا من الادلة والبراهين وسانبئك عن ذلك. اولا ان تعلم ان الله تعالى ذكرها في سياق حفظ الحقوق. وذكر اعلى ما يكون من الحفظ. فذكر شهادة شهادة الرجلين فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان انتقل الى الثاني عند تعذر الاول وهو طريق للحكم ولو مع امكان اشهاد رجل لين يؤيده انه ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين مع انه لم يذكر في الاية الكريمة لان الله ذكر اعلى واكمل ما تحفظ به الحقوق. فكذلك الرهن ذكر الله اعلى حالة تكون وهو قبضه. لان المقام يقتضي ذلك لكون المتعاملين في سفر ولم يجدوا كاتبا فلو كان رهنا غير مقبوض لكان عرضة للانكار ولم تحصل فيه التوثقة. فكون الاية على هذا الجواب قد دلت على كمال هذه التوثيقة بالقبر وتكون النصوص الاخر التي اشرنا لها دالة على انه يكون رهنا لازما مقبوضا كان او غير مقبوض. فنعمل بالدليلين ولا نخالف واحدا منهما. ثانيا ان قوله فرهان مقبوضة تدل دلالة بينة ان الرهن تارة يكون مقبوضا. وتارة لا يكون مقبوضا. وهو رهن في الحالين الا ان احدهما احيانا اكمل من الاخر. ثالثا انكم تعترفون انه يكون رهنا سواء كان مقبوضا او غير مقبوض. ولكن يقولون ان كان مقبوضا كان رهنا لازما وان لم يكن مقبوضا كان رهنا جائزا. الاية الكريمة لم تفرق بين الامرين. فبأي شيء تستدلون على هذا الفرق وهذا امر بين لو تدبرتموه وتدبرتم الاية لعرفتم ان دلالتها على القول الذي نصرناه ابلغ من دلالتها على ما قلتم فانها لم تدل على ما قلتم من هذا التفريق لا نصا ولا ظاهرا ولا اشارة ولا منطوقا ولا مفهوما. وقال المستعين بالله لقد زال ما في قلبك من الاشكال وصارت المسألة عندي من اوضح الواضحات اعتقدت الان ان ما قلتم هو القول الذي يجمع الادلة المتنوعة ويحصل فيه راحة الخلق ومصالحهم ولهذا كنا نعتقد سابقا ان الرهن لا يكون لازما الا بالقبض ونعمل بخلاف ما نعتقد لان الضرورة تلجأنا الى ذلك نعتذر عن هذا التناقض بان الضرورات تبيح المحرمات. الان قد اطمئن القلب للحق الذي لا شك ولا مرية فيه. الحق من علاماته احداث الطمأنينة في القلب ومن علاماته ان يتتبع مصالح الخلق ومنافعهم فيبيح لهم كل ما فيه نفع خال من الضرر او نفعه اعظم من ضرره ومن علامات الحق انه يدفع الظلم والمكر والخديعة وسوء المعاملة بكل طريق. والحمد لله رب العالمين