المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله كتاب الطهارة. الصواب ان الماء نوعان طهور مطهر ونجس منجس وان الحد الفاصل بينهما هو التغير لاحد اوصافه بالنجاسات والاخباث. فما تغير لونه او ريحه او طعمه بنجاسة فهو نجس منجس وسواء كان التغير كثيرا او قليلا في محل التطهير او في غيره. للون او للريح او للطعم سواء كان ذلك بممازجة او بغير ممازجة. واما الماء الذي اصابته نجاسة فلم تغير احد اوصافه فهو طهور لعدم الدليل الدال على نجاسته. ولدخوله في العمومات. ومن باب اولى واحرى اذا كان تغيره بشيء ولو غلب التغير على اجزائه سواء كان يشق صون الماء عنه ام لا. فان الصواب انه طهور مطهر. لقول قوله تعالى فلم تجدوا ماء وهذا ماء وغيرها من العمومات. ولان التعليل الذي ذكره الاصحاب في قولهم ليس فبماء مطلق لا يصلح ان يكون دليلا في مثل هذا الامر. وتفريقهم بينما تغير بما يشق صون الماء عنه. وماله لا يشق ان الاول لا يضر دون الثاني من الادلة على ان المسألة ضعيفة. لانه لو كان المانع صفة موجودة في الماء لم يكن فرق بين الامرين. وكذلك تفريقهم بينما وضع قصدا اولى قصدا. من هذا الباب. وكذلك قولهم ان تغيره في مقره او ممره او في محل التطهر او بالطين ونحوه لا يضره. وتغيره بغير ذلك يضر. كل هذا تفريق بين متماثلين. وهو يؤيد القول الصحيح ان جميع ذلك طهور. وكذلك قولهم انما خلت فيه المرأة لطهارة الحدث الكاملة ينهى الرجل عن استعماله في رفع الحدث. لا في ازالة النجاسة ولا ما خلت به لطهارة خبث. كل هذا تفريق ليس عليه دليل. ولذلك كان الصحيح ان الماء الذي خلت به المرأة للطهارة كغيره من الماء. وقد قال صلى الله عليه وسلم ان الماء لا يجنب. ولما علموا رحمهم الله ضعف هذا القول قالوا يستعمل هذا الماء عند الضرورة ويتيمم. ولا حاجة من فضل الله الى هذا. بل هذا الماء طهور لا مانع فيه ولا محذور. فلا يجوز التيمم الا عند عدم الماء او تعذر استعماله. وهذا ماء فيدخل في قوله فلم تجدوا ماء كما هو داخل قولا واحدا في طهارة الخبث ونظيره ما غمست فيه اليد بعد الاستيقاظ من نوم الليل. الصحيح فيه انه طهور. لا مانع فيه. لانه لم يتغير بشيء نجس ولا قال الشارع انه طاهر غير مطهر. وانما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المستيقظ عن غمسها قبل غسلها وهذا من الاداب الشرعية. فالنهي مسلم واما كونه يدل على نجاسة الماء. او كونه طاهرا غير مطهر فليس ليس فيه ما يدل على ذلك ودلالته على التنجيس اقرب من دلالته على سلبه الطهورية فقط. والمقصود ان هذه المياه المذكورة كلها داخلة في قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء طهورا. وقوله فلم تجدوا ماء. وغيرها من العموم ومات ولم يرد نص صحيح صريح يخرجها عن هذا. فوجب بقاؤها على اصلها حتى يأتينا ما يرفع هذا وهو تغير الماء بالنجاسة. فيدخل في قسم الخبيث النجس واما الاستدلال بحديث القلتين على تنجيس ما لم يبلغهما بمجرد الملاقاة ولو لم يتغير ففيه نظر من وجوه احدها انه مفهوم والمفهوم لا عموم له. وتلك النصوص الفاظ عامة. الثاني انه لا يقاومها في الصحة والصراحة على تقدير الاحتجاج به. الثالث انه صلى الله عليه وسلم اخبر بالحال الواقعة. وانه اذا كان قلتين فانه لا يحمل الخبث بل يضمحل الخبث فيه اذا صار فيه لكثرته. فمفهومه انه اذا كان دون ذلك فان كان قليلا فانه مظنة لحمله الخبث. وهو تغير احد اوصافه بالنجاسة. فان وجدت هذه المظنة تبقى عليها الحكم وهو التنجيس. وان لم توجد فالماء باق على طهوريته. ورابعا فيه تنبيه واشارة الى ان العلة في التنجيس هو حمله الخبث فوجب ان تكون هذه العلة هي الاصل في هذا الباب. وخامسا انه اذا كان المفهوم لا عموم له بل يكفي فيه ان يعلم انه غير مساو للمنطوق. فاذا حصلت المخالفة فيه في بعض السور حصل المقصود. والصور التي تحصل فيها المخالفة فيه هو ان كثيرا من صور القليل اذا خالطته نجاسة بان اثرها فيه فحصل حمله للخبث والله اعلم وعلى هذا القول الصحيح ينبني تطهير الماء النجس وهو بشيء واحد. زوال تغيره بالنجاسة او اضافة او تدريب او بنفسه او بغير ذلك فانه يطهر. وعلى هذا ايضا يقل الاشتباه في المياه لان الماء النجس يعرف بتغير احد اوصافه بالنجاسة. فيبعد ان يشتبه بالطهور. وعلى هذا القول الصحيح الذي نصرناه ان الماء نوعان طهور ونجس لا يوجد الاشتباه بالطاهر غير المطهر. لانه اذا كان لا ثبوت له فكيف يحصل فيه الاشتباه؟ والله اعلم يطيح في اشتباه الثياب النجسة بالطهارة او المحرمة بالمباحة. انه يتحرى ويصلي في ثوب واحد صلاة واحدة ايه ده؟ لانه اتقى الله ما استطاع ولم يوجب الله على العبد ان يصلي الصلاة مرتين او اكثر الا اذا اخل بالصلاة وهذا لم يخل وانما اشتبه عليه الامر اذا اضطر الى الصلاة في احدهما كان مأمورا بذلك بل واجبا عليه ومن امتثل ما امر به خرج من العهدة. وفي هذه الحال تكون النية مجتمعة بخلاف ما اذا فرقها على كل ثوب بصلاة فانها تضعف من حيث يظن العبد قوتها. ويؤدي الصلاة على وجه لا يدري هل هي فريضة ام لا كما هو الواقع