المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله علوم التوحيد والعقائد والاصول بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اي ابتدأ بكل اسم لله تعالى بان لفظ اسم مفرد مضاف فيعم جميع اسماء الله الحسنى فيكون العبد مستعينا بربه وبكل اسم من اسمائه على ما يناسبه من المطالب واجل ما يستعان به على عبادة الله واجل ذلك الاستعانة على قراءة كلام الله وتفهم معانيه والاهتداء بهديه. الله هو المألوه المستحق لافراده بالمحبة والخوف والرجاء وانواع العبادة كلها لما اتصف به من صفات الكمال وهي التي تدعو الخلق الى عبادته والتأله له. الرحمن الرحيم اسمان دالان على انه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء وعمت كل مخلوق وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لانبيائه ورسله فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة المتصلة بالسعادة الابدية. ومن عاداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة لانه هو الذي دفع هذه الرحمة واباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن الامر فلا يلومن الا نفسه واعلم ان من القواعد المتفق عليها بين سلف الامة وائمتها ما دل عليه الكتاب والسنة من الايمان باسماء الله اهي كلها وصفاته جميعها. وباحكام تلك الصفات فيؤمنون مثلا بانه رحمن رحيم. ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها اثار رحمته وهكذا يقال في سائر الاسماء الحسنى فيقال عليم ذو علم عظيم يعلم به كل شيء قدير ذو قدرة يقدر على كل شيء فان الله قد اثبت لنفسه الاسماء الحسنى والصفات العليا واحكام تلك الصفات فمن اثبت شيئا منها ونفى الاخر كان مع مخالفته للنقل والعقل متناقضا مبطلا الحمد لله الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال وبافعاله الدائرة بين الفضل والعدل المشتملة على الحكمة التامة. ولابد في تمام حمد الحامد من اقتران محبة الحامد لربه وخضوعه له فالثناء المجرد من محبة وخضوع ليس حمدا كاملا رب العالمين الرب هو المربي جميع العالمين بكل انواع التربية فهو الذي خلقهم ورزقهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذه التربية العامة لجميع الخلق برهم وفاجرهم بل المكلفين منهم وغيرهم. واما التربية الخاصة لانبيائه واوليائه فانه مع ذلك يربي ايمانهم فيكمله لهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق التي تحول بينهم وبين صلاحهم وسعادتهم الابدية وتيسيرهم لليسرى وحفظهم من جميع المكاره. وكما دل ذلك على انفراد الرب بالخلق والتدبير والهداية. وكمال الغنى فانه يدل على تمام فقر العالمين اليه بكل وجه واعتبار فيسأله من في السماوات والارض بلسان المقال الحال جميع حاجاتهم ويفزعون اليه في مهماتهم ما لك يوم الدين المالك هو من اتصف بالصفات العظيمة الكاملة التي يتحقق بها الملك التي من اثارها انه اامر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف في العالم العلوي والسفلي تصرف التام المطلق بالاحكام القدرية والاحكام الشرعية واحكام الجزاء. فلهذا اضاف ملكه ليوم الدين مع انه المالك المطلق في الدنيا والاخرة. فانه يوم القيامة الذي يدين الله فيه العباد باعمالهم خيرها وشرها رتب عليها جزاءها شاهد الخليقة من اثار ملكه وعظمته وسعته وخضوع الخلائق كلها لعظمته وكبريائه واستواء الخلق في ذلك اليوم على اختلاف طبقاتهم في نفوذ احكامه عليه ما يعرفون به كمال ملكه وعظمة سلطانه. اياك نعبد واياك نستعين. اي نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة الاستعانة فلا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. فهي القيام بعقائد الايمان واخلاقه واعماله محبة لله وخضوعا له الاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في حصول ذلك وهذا التزام من العبد بعبودية ربه وطلب من ربه ان يعينه على القيام بذلك وبذلك يتوصل الى السعادة الابدية والنجاة من جميع الشرور. فلا سبيل لذلك الا بالقيام بعبادة الله اعانة به وعلم بذلك شدة افتقار العبد لعبادة الله والاستعانة به. اهدنا الصراط المستقيم اي دلنا وارشدنا ووفقنا للعلم بالحق والعمل به الذي هو الصراط المستقيم المعتدل الموصل الى الله والى جنته وكرامته وهذا يشمل الهداية الى الصراط وهي التوفيق للزوم دين الاسلام وترك ما سواه من الاديان الباطلة ويشمل الهداية في الصراط وقت سلوكه علما وعملا فهذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها للعبد ولهذا اوجبه الله ويسره وهذا الصراط وصراط الذين انعمت عليهم بالنعمة التامة المتصلة بالسعادة الابدية وهم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون غير المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم ولا الضالين الذين ضلوا عن الحق كالنصارى ونحوهم فهذه السورة على ايجازها قد جمعت علوما جما. تضمنت انواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية يؤخذ من قوله رب العالمين توحيد الالوهية من قوله اياك نعبد واياك نستعين فهو المألوه بعبادته والاستعانة به توحيد الاسماء والصفات بان يثبت لله صفات الكمال كلها. التي اثبتها لنفسه واثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم الم ودل على ذلك اثبات الحمد لله فان الاسماء الحسنى والصفات العليا واحكامها كلها محامد ومدائح لله تعالى. وتضمنت اثبات الرسالة في قوله اهدنا الصراط المستقيم بانه الطريق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فرع عن الايمان بنبوته ورسالته تضمنت اثبات الجزاء وانه بالعدل. وذلك مأخوذ من قوله مالك يوم الدين. وتضمنت اثبات مذهب اهل السنة والجماعة في القدر وان جميع الاشياء بقضاء الله وقدره وان العبد فاعل حقيقة ليس مجبورا على افعاله. وهذا يفهم من قوله اياك نعبد واياك نستعين فلولا ان مشيئة العبد مضطر فيها الى اعانة ربه توفيقه لم يسأل الاستعانة وتضمنت اصل الخير ومادته وهو الاخلاص الكامل لله في قول العبد اياك نعبد واياك نستعين ولما كانت هذه السورة بهذه العظمة والجلال اوجبها الشارع على كل المكلفين في كل ركعة من صلاتهم فرضا ونفلا. وفيها تعليم من الله لعباده كيف يحمدونه ويثنون عليه ويمجدونه بمحامده. ثم يسألون ربهم جميع مطالبهم. ففيها دليل على افتقارهم الى ربهم في الامرين مفتقرين اليه في ان يملأ قلوبهم من محبته ومعرفته ومفتقرين اليه في ان يقوم قبحهم ويوفقهم لخدمته والحمد لله رب العالمين نان قوله تعالى قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل حاق ويعقوب واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربه لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون هذه الاية الكريمة لها شأن كبير كان عليه الصلاة والسلام تقرأها كثيرا في الركعة الاولى من سنة الصبح وقد اشتملت على جميع ما يجب الايمان به فان الايمان الشرعي هو تصديق القلب التام واقراره بهذه الاصول. المتضمن لاعمال الجوارح ولاعمال القلوب وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الاسلام وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها فهي ايمان وهي من اثار الايمان فاذا اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر وكذلك اذا اطلق الاسلام فانه يدخل فيه الايمان. فاذا قرن بين الاسلام والايمان فسر الايمان بما في القلب من العقائد الصحيحة والارادات الصالحة. وفسر الاسلام بالاعمال الظاهرة كذلك اذا جمع بين الايمان والعمل الصالح فالايمان لما في الباطن والعمل الصالح هو الظاهر. ومع اطلاق الايمان يدخل فيه العمل الصالح. كما في كثير من الايات فقوله تعالى قولوا امنا بالله الى اخره اي قولوا ذلك بالسنتكم متواطئة عليها قلوبكم هذا هو القول التام الذي يترتب عليه الثواب والجزاء فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد القلب ليس بايمان بل هو نفاق فكذلك القول الخالي من عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها اذ هي اصل الدين واساسه بمثل قوله امنا وما اشبهها من الايات التي يضاف الفعل فيها الى ضمير الجمع اشارة الى انه يجب على الامة الاعتصام بحبل الله جميعا. والحث وعلى الائتلاف والنهي عن الافتراق. وان المؤمنين كالجسد الواحد عليهم السعي لمصالحهم كلها جميعا. والتناصح التام وفيه دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد بان يقول انا مؤمن بالله كما يقول امنت بالله. بل هذا الاخير من اوجب الواجبات كما امر الله به امرا حتما. بخلاف قول العبد انا مؤمن ونحوه فانه لا يقال الا مقرونا بالمشيئة لما فيه من تزكية النفس لان الايمان المطلق يشمل القيام بالواجبات وترك المحرمات فهو كقوله انا متق او ولي او من اهل الجنة. وهذا التفريق هو مذهب محققي اهل السنة والجماعة. فقوله امنا بالله اي بانه واجب الوجود واحد احد فرد صمد. متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص مستحق لافراده بالعبودية كلها. وهو يتضمن الاخلاص التام وما انزل الينا يدخل فيه الايمان بالفاظ الكتاب والسنة ومعانيهما. كما قال تعالى وان انزل الله عليك الكتاب والحكمة. وقال وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم فيدخل في هذا الايمان ما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله من اسماء الله وصفاته وافعاله وصفات رسله. واليوم الاخر والغيوب كلها. والايمان بما تضمنه الكتاب والسنة ايضا من الاحكام الشرعية كالامر والنهي واحكام الجزاء وغير ذلك وما انزل الى ابراهيم الى اخره به الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء والايمان بالانبياء عموما وخصوصا من نص عليهم منهم في الاية الكريمة وغيرها. لشرفهم ولكونهم اتوا بالشرائع دع الكبار. فمن براهين الاسلام ومحاسنه وانه دين الله الحق الامر بالايمان بكل كتاب انزله الله وقل لرسول ارسله الله مجملا ومفصلا فكل من ادعى انه على دين حق كاليهود والنصارى ونحوهم فانهم يتناقضون فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض فيبطلوا كفرهم وتكذيبهم تصديقهم. ولهذا اخبر عنهم انهم الكافرون حقا. وانه لا سبيل يسلك والى الله الا سبيل الايمان بجميع الرسل وبجميع الكتب المنزلة على الرسل وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم برهان على ان الانبياء وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه وانه ليس لهم من الامر شيء وفي الاخبار بانه من ربهم بيان ان من كمال ربوبيته لعباده التربية التامة انه ارسل اليهم رسلا انزل عليهم كتبه ليعلموهم ويزكوهم ويخرجوهم من الظلمات الى النور. وانه لا يليق بربوبيته حكمته ان يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ويفهم من الاية الكريمة الفرق بين انبياء الصادقين وبين من يدعي النبوة من الكاذبين فان الانبياء يصدق بعضهم بعضا ويشهد بعضهم لبعض ويكون كل ما جاءوا به متفقا لا يتناقض. لانه من عند الله محكم منتظم. واما الكذبة فانهم لابد ان قضوا في اخبارهم واوامرهم ونواهيهم ويعلم كذبهم بمخالفته لما يدعو اليه الانبياء الصادقون. فلما بين تعالى جميع ما يجب الايمان به عموم وخصوصا وكان القول لا يغني عن العمل قال ونحن له مسلمون اي خاضعون لعظمته منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا. مخلصون له بذلك فان تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر فهذه الاصول المذكورة في هذه الاية قد امر الله بها في كتابه في عدة ايات من القرآن اجمالا وتفصيلا احنا على القائمين بها. واخبر بما يترتب عليها من الخير والثواب. وانها تكمل العبد وترقيه في عقائده اخلاقه وادابه تجعله عدلا معتبرا في معاملاته توجب له خير الدنيا والاخرة ويحيا بها الحياة الطيبة في الدارين وتجلب له السعادتين وتدفع عنه شرور الدنيا والاخرة وقد اخبر في هذه السورة ان الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الاصول علما وتصديقا واقرارا. وعملا ودعوة وهداية اية وارشادا. فكتب اهل العلم المصنفة في العقائد كلها تفصيل لما في هذه الاية الكريمة. ثلاثة الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الاية اعظم ايات القرآن على الاطلاق وانها تحفظ قارئها من الشياطين والشرور كلها لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة وسعة صفات الكمال لله تعالى فاخبر انه الله الذي له جميع معاني الالوهية وانه لا يستحق الالوهية غيره فالوهية غيره وعبادة غيره باطلة ضارة في الحال والمئال. وعبادته وحده لا شريك له هي الحق الموصلة الى كل كمال وانه الحي كامل الحياة فمن كمال حياته انه السميع البصير القدير المحيط علمه بكل شيء الكامل من كل وجه فالحي يتضمن جميع الصفات الذاتية والقيوم الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع المخلوقات وقام بها فاوجدها وابقاها وامدها بكل ما تحتاج اليه في بقائها فالقيوم تضمنوا جميع صفات الافعال ولهذا ورد ان اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى الله لا اله الا هو الحي يا القيوم فان هذين الاسمين الكريمين يدخل فيهما جميع الكمالات الذاتية والفعلية. ومن كمال حياته وقيمته انه لا تأخذه سنة ولا او اي نعاس لانهما انما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز والانحلال وينزه عنهما ذو العظمة والكبرياء والجلال. واخبر انه ما لك لجميع ما في السماوات وما في الارض فكلهم عبيده ومماليكه لا يخرج احد منهم عن هذا الوصف اللازم فهو المالك لجميع الممالك. وهو الذي اتصف بصفات الملك الكامل والتصرف التام النافذ والسلطان والكبرياء ومن تمام ملكه انه لا يشفع عنده احد الا باذنه فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له. مماليك لا يقدمون على الشفاعة لاحد حتى يأذن لهم قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والارض ولا يشفعون الا لمن ارتضاه الله ولا يرضى الا عن من قام بتوحيده واتباع رسله. فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب واسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه. ثم اخبر عن علمه الواسع المحيط وانه يعلم ما بين ايدي الخلائق من الامور المستقبلة التي لا نهاية لها. وما خلفهم من الامور الماضية التي لا حد لها وانه لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو اعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا الا في كتاب مبين. وان الخلق لا يحيط احد منهم بشيء من علم الله. ولا معلوماته الا بما شاء من انها وهو ما اطلعهم عليه من الامور الشرعية والقدرية. وهو جزء يسير جدا بالنسبة الى علم الباري. تضمحل العلوم كلها في في علم الباري ومعلوماته كما قال اعلم المخلوقات وهم الرسل والملائكة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا ثم اخبر عن عظمته وجلاله وان كرسيه واسع السماوات والارض وانه قد حفظهما بما فيهما من العوالم بالاسباب والنظامات التي جعلها الله في مخلوقاته مع ذلك فلا يؤده ان تثقله حفظهما لكمال عظمته وقوة اقتداره وسعة حكمته في احكامه وهو العلي بذاته على جميع مخلوقاته فهو الرفيع الذي باين جميع مخلوقاته وهو العلي بعظمة صفاته الذي له كل صفة كمال ومن تلك الصفات اكملها ومنتهاها. وهو العلي الذي قهر جميع المخلوقات ودانت له كل الموجودات وخضعت له الصعاب وذلت له الرقاب. العظيم الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد الذي تحبه القلوب وتعظمه الارواح ويعرف العارفون ان عظمة كل موجود وانجلت عن الصفة فانها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم تبارك الله ذو الجلال والاكرام. فاية احتوت على هذه المعاني التي هي اجل المعاني وافرادها على العباد يحق ان تكون اعظم ايات القرآن ويحق لمن قرأها متدبرا متفهما ان يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والايمان وان يكون بذلك محفوظا من شرور الشيطان. وقد نعت الباري نفسه الكريمة بهذه الاوصاف في عدة ايات من كتابه اربعة شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم هذه اجل الشهادات على الاطلاق فانها صدرت من الملك العظيم ومن ملائكته وانبيائه واهل العلم على اجل مشهود عليه وهو توحيد الله وقيامه بالقسط وذلك يتضمن الشهادة على جميع احكام الشرع واحكام الجزاء فان الدين اصله وقاعدته توحيد الله وافراده بالعبادة والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والجلال وبنعوت الجود والبر والرحمة والاحسان والجمال وبكماله المطلق الذي لا يحصي احد من الخلق ان يحيطوا بشيء منه او يبلغوه او يصلوا الى الثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني على عباده واما القسط فهو العدل الكامل والله تعالى هو القائم بالعدل في شرعه وخلقه وجزائه فان العبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها والامر والنهي كله عدل وقسط لا ظلم فيه بوجه من الوجوه بل هو في غاية الاحكام والانتظام وفي غاية الحكمة والجزاء وفي غاية الحكمة الجزاء على الاعمال كله دائر بين فضل الله واحسانه على الموحدين المؤمنين به وبين عدله في عقوبة الكافرين والعاصين فانه لم يهضمهم شيئا من حسناتهم. ولم يعذبهم بغير ما كسبوا ولا تزر وازرة وزر اخرى وقال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة قل الله فتوحيد الله ودينه قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه وهو اعظم الحقائق واوضحها وقد شهد الله له بذلك بما اقام من الايات والبراهين والحجج المتنوعة عليه من شهادته تعالى انه اقام اهل العلم العارفين بهذه الشهادة انهم المرجع للعباد في تحقيق كل حق. وابطال كل باطل بما خصهم الله به من العلم الصحيح واليقين التام والمعرفة الراسخة وهذا من جملة فضائل العلم واهله ان الله جعلهم مسائط بينه وبين عباده يبلغونهم توحيده ودينه شرائعه الظاهرة والباطنة وامر الناس بسؤالهم والرجوع الى قولهم وانهم هم الائمة المتبعون وغيرهم تابع لهم في الدنيا والاخرة ولهذا لهم الكلمة الرفيعة حتى في الاخرة لما ذكر تعالى اختصام الخلق واختلافهم ذكر القول الفصل في ذلك الصادر من اهل العلم وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون وفي هذا دليل على كمال عدل اهل العلم فان الله استشهد بهم على عباده وذلك تعديل منه لهم وفي هذا من الشرف وعلو المكانة ما لا يخفى خمسة فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه ولا يتم ذلك الا بالعمل بمقتضى ذلك العلم في كل مقام بحسبه وهذا العلم الذي امر الله به فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد كائنا من كان والضرورة الى هذا العلم والعمل بمقتضاه من تمام التأله لله فوق كل ضرورة والعلم بالشيء يتوقف على معرفة الطريق المفضية الى معرفته وسلوكها وللطريق الى العلم بانه لا اله الا هو على وجه الاجمال والعموم امور احدها وهو اعظمها واوضحها واقواها تدبر اسماء الله وصفاته وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله فان معرفتها توجب العلم بانه لا يستحق الالوهية سواه وتوجب بذل الجهد في التأله والتعبد لله الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني العلم بانه الرب المنفرد بالخلق والرزق والتدبير وبذلك يعلم انه المنفرد بالالوهية. الثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية ان ذلك يوجب تعلق القلب به محبة وانابة تأله له وحده لا شريك له الرابع ما يراه العباد ويسمعونه من الثواب لاوليائه القائمين بتوحيده من النصر لرسله واتباعهم ومن النعم العاجلة المشاهدة ومن عقوبته لاعدائه المشركين به فان هذا برهان على انه وحده المستحق للالوهية الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله اتخذت الهة وانها فقيرة الى الله من كل وجه ناقصة من كل وجه لا تملك لنفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فالعلم بذلك يعلم به بطلان الهيتها وان ما يدعون من دون الله هو الباطل وان الله هو الاله الحق المبين السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه السابع اتفاق الانبياء والرسل والعلماء الربانيين على ذلك وشهادتهم به وهم خواص الخلق واكملهم اخلاقا وعقولا وعلما ويقينا الثامن ما اقامه الله من الادلة والايات الافقية والنفسية التي تدل على التوحيد اعظم دلالة واوضحها. وتنادي عليه بلسان المقال ولسان الحال بما اودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه التاسع ما اودعه الله في شرعه من الايات المحكمة والاحكام الحسنة والحقوق العادلة والخير الكثير وجلب المنافع كلها ودفع المضار ومن الاحسان المتنوع وذلك يدل اكبر دلالة انه الله الذي لا يستحق العبادة سواه وان شريعته التي نزلت على السنة رسله شاهدة بذلك فهذه الطرق التي لا تحصى انواعها وافرادها قد ابدعها الله في كتابه واعادها ونبه بها العباد على هذا المطلوب الذي هو اعظم المطالب واجل الغايات فمن سلك طريقا من هذه الطرق افضت به الى العلم واليقين بانه لا اله الا هو كلما ازداد العبد سلوكا لهذه الطرق ورغبة فيها ومعرفة ازداد يقينه ورسخ ايمانه كان الايمان في قلبه ارسخ من الجبال واحلى من كل لذيذ وانفس من كل نفيس الطريق الاعظم الجامع لذلك كله تدبر القرآن العظيم والتأمل في اياته فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل من غيره. وقوله واستغفر لذنبك ايطلب من ربك المغفرة لذنبك بان تفعل الاسباب التي تحصل بها المغفرة من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح وفعل الحسنات الماحية وترك الذنوب العفو عن الخلق والاحسان اليهم ومن ذلك الاستغفار لهم. فلهذا قال وللمؤمنين والمؤمنات فهذا من ثمرات الايمان سبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ان يدعو لهم بالمغفرة واذا كان العبد مأمورا بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فمن لوازم ذلك ان يكون ناصحا لهم يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويحثهم على الخير وينهاهم عن الشر ويعفو عن معايبهم ومساوئهم ويحرص على اجتماعه مجتمعا تتألف به قلوبهم ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق فانه بالائتلاف تقل الذنوب وبالافتراق تكثر الشرور والمعاصي والله يعلم متقلبكم ومثواكم اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم وما اليه تنتهون وبه تستقرون فهو المحيط بكم في كل احوالكم وهذا فيه التخويف والترغيب من الجزاء على الاعمال حسنها وسيئها تيتة هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم والله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون والله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى. يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم هذه الايات الكريمة قد اشتملت على كثير من اسماء الله الحسنى التي عليها مدار التوحيد والاعتقاد فاخبر انه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه وذلك لكماله العظيم واحسانه الشامل تدبيره العام وحكمه الشاملة فهو الاله الحق وما سواه فعبوديته باطلة لانه خال من الكمال ومن الافعال التي فيها النفع والضر ووصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر وغاب وما مضى وما يستقبل وما هو حاضر وما في العلم العلوي وما في العلم السفلي. وما ظهر وما بطن فلا تخفى عليه خافية في مكان من الامكنة ولا زمان من الازمنة ومن كمال علمه وقدرته انه يعلم ما تنقص الارض من الاموات وما تفرق من اجزائهم وما استحال من حال الى حال احاط علما بذلك على وجه التفصيل فلا يعجزه اعادتهم للبعث والجزاء ووصف نفسه بانه الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته الخليقة باسرها وملأت الوجود كله ووصف نفسه بانه الملك وهو الذي له الملك التام المطلق له صفات الملك التي هي نعوت العظمة والكبرياء والعز والسلطان وله التصرف المطلق في جميع الممالك الذي لا ينازعه فيها منازع والموجودات كلها عبيده وملكه ليس لهم من الامر شيء واخبر انه القدوس السلام اي المقدس المعظم سالم من جميع العيوب والنقائص المنافية لكماله المؤمن المصدق لرسله وانبيائه بما جاءوا به من الايات البينات والبراهين القاطعات والحجج الواضحات. الذي له العلم كله ويعلم من اوصافه المقدسة ونعوته العظيمة ما لا يعلمه بشر ولا ملك ويحب نفسه وما هو عليه من الجلال والجمال العزيز الذي له العزة كلها عزة القوة والقدرة فهو القوي المتين عزة القهر والغلبة على كل مخلوق فكلهم نواصيهم بيده وليس لهم من الامر شيء وعزة الامتناع الذي تمنع بعزته عن كل مخلوق فلا يعارض ولا يمانع وليس له نديد ولا ضديد الجبار الذي قهر جميع المخلوقات ودانت له الموجودات واعتلى على الكائنات وجبر بلطفه واحسانه القلوب المنكسرات المتكبر عن النقائص والعيوب وعن مشابهة احد من خلقه ومماثلتهم لعظمته وكبريائه سبحان الله عما يشركون وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من اشرك به ولم يقدره حق قدره هو الله الخالق لجميع المخلوقات البارئ بحكمته ولطفه لجميع البريات المصور بحسن خلقه لجميع الموجودات عطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق وكل عضو لما خلق له وهيئ فالله تعالى قد تفرد بهذه الاوصاف المتعلقة بخلقه لم يشاركه في ذلك مشارك وهذا من براهين توحيده وان من تفرد بالخلق والبرء والتصوير فهو المستحق للعبودية ونهاية الحب وغاية الخضوع له الاسماء الحسنى وقد ورد في الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة يعني احصى الفاظها وحفظها وعقلها وتعبد لله بها فهو تعالى الذي له كل اسم حسن فكل صفة جلال وكمال فيستحق من عباده كل اجلال وتعظيم وحب وخضوع يسبح له ما في السماوات والارض يعني من المكلفين والحيوانات والاشجار والجمادات يقول سبحانه وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وهو العزيز الحكيم في خلقه وشرعه تابعة بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد قل اي قل قولا جازما فيه معتقدا له عارفا بمعناه عاملا بمقتضاه من الايمان بالله والتعظيم والخضوع هو الله احد اي الذي انحسرت فيه الاحدية وهي التفرد بكل صفة كمال الذي لا يشاركه في ذلك مشارك الذي له الاسماء الحسنى والصفات العلى والافعال المقدسة والتصرف المطلق الله الصمد اي السيد الذي قد انتهى سؤددها العليم الذي قد كمل علمه الحليم الذي قد كمل في حلمه وفي قدرته وفي جميع اوصاف كماله ولاجل هذا صمدت له المخلوقات كلها وقصدته في كل حاجاتها فزعت اليه الخليقة في مهماتها وملماتها فالصمد هو الذي صمدت له المخلوقات لما اتصف به من جميع الكمالات ومن كماله انه لم يلد ولم يولد لانه الغني المالك فاتخاذ الولد ينافي ملكه وغناه ولم يكن له كفوا احد اي ليس له مكافئ ولا مثيل في اسمائه وصفاته وافعاله تبارك وتعالى فهذه السورة اصل عظيم من اصول الايمان وقد تضمنت توحيد الاسماء والصفات وهي من لوازم توحيد الالهية. وان المتفرد بالوحدانية من كل وجه الذي ليس له مثيل بوجه من الوجوه هو الذي لا تنبغي العبادة الاله لا اله الا هو تمانية والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم يخبر الله تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد اي متوحد متفرد في اسمائه وصفاته وافعاله فليس له شريك ولا سمي له ولا كفؤ ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدبر غيره فاذا تقرر انه كذلك فهو المستحق لان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة ولا يشرك به احد من خلقه لانه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي فبرحمته وجدت المخلوقات. وبرحمته حصلت لها انواع الكمالات وبرحمته اندفع عن كل العباد كل نقمة. وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته والاءه وبين لهم كل ما يحتاجونه من امور دينهم ومصالح دنياهم بارسال الرسل وانزال الكتب. فاذا علم ان ما بالعباد من نعمة دقت او جلت فمن الله. وان احدا من المخلوقين لا ينفع احدا علم انه لا يستحق العبادة الا المتفرد بالنعم الدافع للمكاره تعين على العباد ان يفردوه بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل وغير ذلك من انواع الطاعات وان من اظلم الظلم واقبح القبيح واعظم الضلال ان يعدل عن عبادته الى عبادة العبيد وان يشرك المخلوقون من تراب بالرب العظيم وان يسوى المخلوق العاجز القاصر الناقص من كل وجه بالرب الخالق المدبر القوي الذي قهر كل شيء وخضعت له الرقاب ففي هذه الاية اثبات وحدانية الباري والهيته وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين والاستدلال على ذلك بتفرده بالرحمة التي من اثارها جميع البر والاحسان في الدنيا والاخرة ثم ذكر الله الادلة التفصيلية بقوله تسعة ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء مما فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل وتصريف الرياح والسحاب المسخر اين السماء والارض السحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات اي ادلة على وحدانية الباري والهيته وعظيم سلطانه ورحمته سائر صفاته واية على البعث والجزاء لقوم يعقلون اي لهم عقول يعملونها فيما خلقت له فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل وصرفه في التفكير في الايات ينتفع بها ويعرفها ويعقلها بعقله وفكره وتدبره ففي خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وجريانها بانتظام عجيب لمصالح للعباد وفي خلق الارض وجعلها مهادا للخلق يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها والاعتبار ما يدل ذلك على انفراد الله بالخلق والتدبير وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها حكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع فيها من منافع الخلق ومصالحهم وضروراتهم وحاجاتهم ومن ذلك ابلغ دليل وبرهان على كماله من كل وجه. وان يفرد بالعبادة لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام اذا ذهب احدهما خلفه الاخر باختلافهما في الحر والبرد والتوسط وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح الادميين وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم والنوابت كلها كل ذلك بتدبير وتسخير تحار في حسنه العقول ويعجز عن ادراك كونه الرجال الفحول وذلك يدل على قدرة مصرفها سعة علمه وشمول حكمته وعموم رحمته ولطفه الشامل وعظمته وكبريائه وسلطانه العظيم يضطر العباد الى معرفة ربهم واخلاص العبادة له وحده لا شريك له بالفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها. مما الهم الله عباده صنعتها واقدرهم عليها بتيسير اسبابها. ثم سخر لهم هذا البحر العظيم والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال والبضائع التي هي من منافع الناس وبها تنظيم معايشهم فمن الذي الهمهم صنعتها واقدرهم عليها وخلق لهم من الالات المتنوعة ما به يعملونه. امن سخر لها هذا البحر تجري فيه باذنه وسخر لها الرياح امن خلق للمراكب البرية والبحرية والهوائية النار والمعادن المتنوعة المعينة على حملها وحمل ما فيها من الاموال الثقيلة جدا. فهل هذه الامور حصلت صدفة واتفاقا ام استقل بعلمها وخلق اسبابها هذا المخلوق الضعيف العاجز الذي خرج من بطن امه لا يعلم شيئا وليس له قدرة على شيء ثم اعطاه خالقه القدرة وعلمه ما لم يكن يعلم ام تقولوا الحق تقول بل المسخر لذلك الرب الواحد العظيم العليم الحكيم القدير الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء بل الاشياء كلها قد دانت لربوبيته واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب التي بها وجدت هذه الامور العظام فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بعباده ويدعو العباد الى ان يعبدوه وحده لا شريك له وينيبوا اليه في كل حال وما انزل الله من السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب فاحيا به الارض بعد موتها واظهرت انواع الاقوات واصناف الاشجار والنباتات التي لا يمكن للعباد ان يعيشوا بدونها اليس ذلك برهانا على قدرة من انزله واخرج به ما اخرج وعلى رحمته ولطفه بعباده شدة افتقار الخليقة اليه في كل احوالهم وهو يحدوهم الى اخلاص الدين له والانابة اليه القيام بعبوديته ظاهرا وباطنا كذلك هو دليل على احياء الله للموتى. كما قال تعالى ومن اياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها ما اهتزت وربت ان الذي احياها لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير وقد ذكر الله هذا البرهان على البعث في عدة ايات كما ذكر ابتداء الخلق برهانا على اعادته وكما ذكر كمال علمه وقدرته وخلق السماوات والارض وانه جعل للعباد من الشجر الاخضر نارا برهانا بينا على البعث وقوله وبث فيها من كل دابة اي نشر في اقطار الارض من الدواب المتنوعة سخرها للادميين ينتفعون بها من وجوه كثيرة ومع هذا فهو قائم بارزاقها متكفل باقواتها فما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها وفي تصريف الرياح ايات عظيمة على وحدانية الله وتفرده بالكمال المطلق فتارة تكون باردة وحارة وبين ذلك وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف بينه. وتارة تلقحه وتدره. وتارة تمزقه وتزيل ضرره وتارة ترسل بالرحمة وتارة ترسل بالعذاب فمن الذي صرفها هذا التصريف ورتب عليها من المنافع للعباد شيئا كثيرا الا العزيز الحكيم الرحيم اللطيف بعباده المستحق للمحبة والثناء والشكر والحمد من الخليقة. وفي تسخير السحاب بين السماء والارض دليل على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير فيسوقه الله الى حيث يشاء ويجعله حياة للبلاد والعباد ويروي به التلول والوهاد وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه ويصرف عنهم ضرره فينزله رحمة ولطفا ويصرفه عناية وعطفا. فما اعظم سلطانه واغزر احسانه والطف امتنانه فليس من اقبح القبيح واظلم الظلم ان يتمتع العباد برزقه ويعيش ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه. ومع ذلك فمن كمال حلمه وعفوه وصفحه يوالي عليهم الاحسان خيره اليهم على الدوام نازل وشرهم اليه في كل وقت صاعد والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات تغلغل فكره في بدائع الكائنات علم انها خلقت للحق وبالحق وانها صحائف ايات وكتب براهين ودلالات على جميع ما اخبر به عن نفسه ووحدانيته. وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر وانها مدبرات مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها. فتعرف ان العالم اتعرف ان العالم العلوي والسفلي كلهم اليه مفتقرون واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات فلا اله الا هو ولا رب سواه. ولنقتصر على هذا الانموذج من الايات المتعلقة بالتوحيد مع ما دخل في ضمنها من الايمان بالجزاء والبعث وبالرسل والكتب وقد قرن الله ذلك بادلته وبراهينه الموصلة الى العلم التام واليقين الراسخ. وبذلك يعلم ان هذه الاصول الثلاث ثلاثة متلازمة. التوحيد والرسالة والمعاد كما ان في ضمن الايات المتعلقة بالجزاء شيئا كثيرا من متعلقات التوحيد والرسالة. فسبحان من جعل في كلامه الهدى والرشاد واصلاح العباد