المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقيق بهذه العقائد الجليلة. اعلم ان خير الدنيا والاخرة من ثمرات الايمان الصحيح وبه يحيا العبد حياة طيبة في الدارين وبه ينجو من المكاره والشرور وبه تخف الشدائد وتدرك جميع المطالب. ولنشر الى هذه الثمرات على وجه التفصيل فان معرفة فوائد الايمان وثمراته من اكبر الدواعي الى التزود منه فمن ثمرات الايمان انه سبب رضا الله الذي هو اكبر شيء فما نال احد رضا الله في الدنيا والاخرة الا بالايمان وثمراته بل صرح الله به في كتابه في مواضع كثيرة واذا رضي الله عن العبد قبل اليسير من عمله ونماه وغفر الكثير من زلله ومحاه ومنها ان ثواب الاخرة ودخول الجنة والتنعم بنعيمها النجاة من النار وعقابها انما يكون بالايمان فاهل الايمان هم اهل الثواب المطلق وهم الناجون من جميع الشرور ومنها ان الله يدفع ويدافع عن الذين امنوا شرور الدنيا والاخرة فيدفع عنهم كيد شياطين الانس والجن ولهذا قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر ان جاءه ذا النون قال وكذلك ننجي المؤمنين اي من الشدائد والمكاره اذا وقعوا فيها والايمان بنفسه وطبيعته يدفع الاقدام على المعاصي. واذا وقعت من العبد دفع عقوباتها بالمبادرة الى التوبة. كما قال صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الى اخر الحديث. فبين ان الايمان يدفع وقوع الفواحش وقال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. ومنها ان الله وعد المؤمنين من القائمين بالايمان حقيقة بالنصر واحقه على نفسه فمن قام بالايمان ولوازمه ومتمماته فله النصر في الدنيا والاخرة وانما ينتصر اعداء المؤمنين عليهم اذا ضيعوا الايمان وضيعوا حقوقه وواجباته المتنوعة. ومنها ان الهداية من الله للعلم والعمل ولمعرفة الحق وسلوكه هي بحسب الايمان والقيام بحقوقه قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ومعلوم ان رضوان الله الذي هو حقيقة الاخلاص هو روح الايمان وساقه التي يقوم عليها. وقال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه. فهذه هداية عملية بداية توفيق واعانة على القيام بوظيفة الصبر عند حلول المصائب اذا علم انها من عند الله فرضي وسلم وانقاد. ومنها ان الايمان يدعو الى الزيادة من علومه واعماله الظاهرة والباطنة فالمؤمن بحسب ايمانه لا يزال يطلب الزيادة من العلوم النافعة ومن الاعمال النافعة ظاهرا وباطنا. وبحسب قوة ايمانه يزيد ايمانه ورغبته وعمله. كما قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. وقال انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون ومنها ان المؤمنين بالله وبكماله وعظمته وكبريائه ومجده اعظم الناس يقينا وطمأنينة وتوكلا على الله وثقة بوعده الصادق ورجاء لرحمته وخوفا من عقابه واعظمهم اجلالا لله ومراقبة واعظمهم اخلاصا وصدقا. وهذا هو صلاح القلوب لا سبيل اليه الا بالايمان. ومنها انه لا يمكن للعبد ان يقوم بالاخلاص لله ولعباد الله ونصيحتهم على وجه الكمال لا بالايمان فان المؤمن تحمله عبودية الله وطلب التقرب الى الله ورجاء ثوابه والخشية من عقابه على القيام الواجبات التي لله والتي لعباد الله ومنها ان المعاملات بين الخلق لا تتم ولا تقوم الا على الصدق والنصح وعدم الغش بوجه من الوجوه وهل يقوم بها على الحقيقة الا المؤمنون؟ ومنها ان الايمان اكبر عون على تحمل المشقات والقيام باعباء الطاعات ترك الفواحش التي في النفوس وترك الفواحش التي في النفوس داع قوي الى فعلها فلا تتم هذه الامور الا بقوة الايمان ومنها ان العبد لابد ان يصاب بشيء من الخوف والجوع وناقص من الاموال والانفس والثمرات وهو بين امرين اما ان يجزع ويضعف صبره فيفوته الخير والثواب. ويستحق على ذلك العقاب. ومصيبته لم تقلع ولم تخف بل الجزع يزيدها اما ان يصبر فيحظى بثوابها الصبر لا يقوم الا على الايمان واما الصبر الذي لا يقوم على الايمان كالتجلد ونحوه فما اقل فائدته وما اسرع ما يعقبه الجزع فالمؤمنون اعظم الناس صبرا ويقينا وثباتا في مواضع الشدة ومنها ان الايمان يوجب للعبد قوة التوكل على الله بعلمه وايمانه ان الامور كلها راجعة الى الله ومندرجة في قضائه وقدره. وان من اعتمد عليه كفاه من توكل على الله فقد توكل على القوي العزيز القهار ومع انه يوجب قوة التوكل فانه يوجب السعي والجد في كل سبب نافع لان الاسباب النافعة نوعان دينية ودنيوية. فالاسباب الدينية هي ايمان وهي من لوازم الايمان والاسباب الدنيوية قسمان سبب معين على الدين ويحتاج اليه الدين. فهو ايضا من الدين كالسعي في القوة المعنوية والمادية التي فيها قوة المؤمنين. وسبب لم يوضع في الاصل معينا على الدين ولكن المؤمن لقوة ايمانه ورغبته فيما عند الله من الخير يسلك الى ربه وينفذ اليه من كل سبب وطريق. فيستخرج من المباحات بنيته وصدق معرفته. ولطف علمه بابا يكون به معينا على الخير مجما للنفس مساعدا لها على القيام بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة. فيكون هذا المباح حسنا في حقه عبادة لله بما صحبه من النية الصادقة حتى ان بعض المؤمنين الصادقين في ايمانهم ومعرفتهم ربما نوى في نومه وراحاته ولذاته التقوي على الخير تربية البدن لفعل العبادات وتقويته على الخير. وكذلك في ادويته وعلاجاته التي يحتاجها ربما نوى في اشتغاله في المباحات او بعضها الاشتغال عن الشر ربما نوى بذلك جذب من خالطه وعاشره بمثل هذه الامور على فعل خير او انكفاف عن شر. ربما نوى بمعاشرته الحسنة قال السرور والانبساط على قلوب المؤمنين ولا ريب ان ذلك كله من الايمان ولوازمه ولما كان الايمان بهذا الوصف قال تعالى في عدة ايات من كتابه وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ومنها ان الايمان يشجع العبد ويزيد الشجاع شجاعة. فانه لاعتماده على الله العزيز الحكيم ولقوة رجاءه وطمعه فيما عنده تهون عليه المشقات ويقدم على المخاوف واثقا بربه راجيا له راهبا من نزوله من عينه لخوفه من المخلوقين ومن الاسباب لقوة الشجاعة ان المؤمن يعرف ربه حقا. ويعرف الخلق حقا فيعرف ان الله هو النافع الضار المعطي المانع الذي لا يأتي بالحسنات الا هو. ولا يدفع السيئات الا هو انه الغني من جميع الوجوه وانه ارحم بعباده من الوالدة بولدها والطف به من كل احد. وان الخلق بخلاف ذلك كله ولا ريب ان هذا داع قوي عظيم يدعو الى قوة الشجاعة وقصر خوف العبد ورجائه على ربه وان ينتزع من قلبه خوف الخلق ورجاءهم وهيبتهم ومنها ان الايمان هو السبب الاعظم لتعلق القلب بالله في جميع مطالبه الدينية والدنيوية والايمان القوي يدعو الى هذا المطلب الذي هو اعلى الامور على الاطلاق. وهو غاية سعادة العبد في مقابلة هذا يدعو الى التحرر من رق القلب للمخلوقين ومن التعلق بهم ومن تعلق بالخالق دون المخلوق في كل احواله حصلت له الحياة الطيبة والراحة الحاضرة التوحيد الكامل. كما ان من عكس القضية نقص ايمانه وتوحيده فتحت عليه الهموم والغموم والحسرات ولا ريب ان هذين الامرين تابع لقوة الايمان وضعفه صدقه وكذبه وتحققه حقيقة او دعواه والقلب خال منه. ومنها ان الايمان يدعو الى حسن الخلق مع جميع طبقات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا وجماع حسن الخلق ان يتحمل العبد الاذى منهم ويبذل اليهم ما استطاع من المعروف القولي والبدني والمالي وان يخالقهم بحسب احوالهم بما يحبون اذا لم يكن في ذلك محذور شرعي ان يدفع السيئة بالتي هي احسن ولا يقوم بهذا الامر الا المؤمنون الكمل قال تعالى وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. واذا ضعف الايمان او نقص او انحرف اثر ذلك في اخلاق العبد انحرافا بحسب عن الايمان ومنها ان الايمان الكامل يمنع من دخول النار بالكلية كما منع صاحبه في الدنيا من عمل المعاصي ومن الاصرار على ما وقع منه منها والايمان الناقص يمنع الخلود في النار وان دخلها كما تواترت بذلك النصوص بانه يخرج من النار من كان معه مثقال حبة خردل من ايمان. ومنها ان الايمان يوجب لصاحبه ان يكون معتبرا عند الخلق امينا ويوجب للعبد العفة عن دماء الناس واموالهم واعراضهم في الحديث المؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم واي شرف دنيوي ابلغ من هذا الشرف الذي يبلغ بصاحبه ان يكون من الطبقة العالية من الناس بقوة ايمانه وتمام امانته. ويكون محل الثقة عندهم. واليه المرجع في امورهم. وهذا من ثمرات الايمان الجليلة حاضرة. ومنها ان قوي الايمان يجد في قلبه من ذوق حلاوته ولذة طعمه واستحلاء اثاره التلذذ بخدمة ربه واداء حقوقه وحقوق عباده التي هي موجب الايمان واثره ما يزري بلذات الدنيا كلها باسرها. فانه مسرور وقت قيامه بواجبات الايمان ومستحباته ومسرور بما يرجوه ويأمله من ربه من ثوابه وجزائه العاجل والاجل مسرور بانه ربح وقته الذي هو زهرة عمره واصل مكسبه. ومحشو قلبه ايضا من لذة معرفته بربه ومعرفته ما له وكمال بره وسعة جوده واحسانه ولذة محبته والانابة اليه الناشئة عن معرفته باوصافه وعن مشاهدة احسانه ومننه. فالمؤمن يتقلب في لذات الايمان وحلاوته المتنوعة ولهذا كان الايمان مسليا عن المصيبات مهونا للطاعات ومانعا من وقوع المخالفات جاعلا ارادة العبد وهواه تبعا لما يحبه الله ويرضاه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ومنها ان الايمان هو السبب الوحيد للقيام بذروة سنام الدين وهو الجهاد البدني والمالي والقولي. جهاد الكفار بالسيف والسنان وجهاد الكفار والمنافقين والمنحرفين في اصول الدين وفروعه بالحكمة والحجة والبرهان فكلما قوي ايمان العبد علما ومعرفة وارادة وعزيمة قوي جهاده. وقام بكل ما يقدر عليه بحسب حاله ومرتبته نالت درجة العالية والمنزلة الرفيعة. واذا ضعف الايمان ترك العبد مقدوره من الجهاد القولي بالعلم والحجة والنصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وضعف جهاده البدني بعدم الحامل له على ذلك. ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون وصادق الايمان يحمله صدقه على القيام بهذه المرتبة التي هي مرتبة الطبقتين العاليتين بعد النبيين. طبقة المجاهدين بالعلم والحجة والتعليم والنصيحة وطبقة الشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا من دون قتل وهذا كله من ثمرات الايمان ومن تمامه وكماله. وبالجملة فخير الدنيا والاخرة كله فرع عن الايمان ومترتب عليه والهلاك والنقص انما يكون بفقد الايمان او نقصه. والله المستعان