المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في الطهارة بالماء والتيمم. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون هذه الاية جمع الله فيها احكام طهارة الماء وطهارة التيمم. والتنبيه على شروطهما. وبيان كيفياتهما وذكر فوائد ذلك وثمراته الطيبة. فبين فيها الاحكام وحكمها واسرارها. وهي احكام كثيرة تستفاد من هذا الموضع منها ان الطهارة من الحدثين شرط لصحة الصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا الى اخره ومنها ان ذلك عام للفرائض من الصلوات والنوافل. فكل ما يسمى صلاة فلا بد فيه من هذه الطهارة. ومنها اشتراط النية للطهارة لقوله اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. اي لاجل الصلاة. فان المتطهر اما ان ينوي رفع ما عليه من الاحداث او ينوي الصلاة ونحوها مما يحتاج الى الطهارة او ينويهما. ومنها ان غسل هذه الاعضاء لابد منه في الحدث الاصغر فحد الوجه ما يدخل في مسماه. وما تحصل به المواجهة ذلك من الاذن الى الاذن عرضا. ومن منابت شعر الرأس الى من حضر من اللحيين والذقن طولا مع مسترسل اللحية. لان هذا هو الذي تحصل به المواجهة. واما اليدان فقد حدهما الله في المرفقين. فقال العلماء ان بمعنى مع المرفقين وايدوا هذا بان النبي صلى الله عليه وسلم ادار الماء على مرفقيه كذلك يقال في الرجلين الى الكعبين واما الرأس فانه يتعين استيعاب مسحه. فان الله امر بمسحه. والباء للالصاق الذي يقتضي الصاق المسح بهذا الممسوح وليست للتبعيض ومنها ان الترتيب بين هذه الاعضاء الاربعة شرط لان الله رتبها وادخل عضوا مسموحا بين الاعضاء المغسولة ولا يعلم لهذا فائدة سوى الترتيب وعموم قوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بما بدأ الله به فهو وان كان واردا في الحج فانه يعم كل شيء مع ان جميع الواصفين لوضوئه صلى الله عليه وسلم ذكروه مرتبا. ومنها ان الموالاة شرط ايضا ووجه ذلك ان الله تعالى ذكر الوضوء مقترنا بعض الاعضاء ببعض بالواو الدالة على اجتماع هذه العبادة بوقت واحد فاذا فرقها في وقتين لم تكن عبادة واحدة كما لو فرق الصلاة. وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم الدائن الذي انك تشاهده انه كان يوالي بين اعضاء وضوئه. وهذا اولى من استدلال كثير من اهل العلم بقصة صاحب اللمعة الذي امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يعيد الوضوء كله وهو وان كان فيه بعض الدلالة على هذه المسألة لكنه يحتمل ان امره بالاعادة كامر المسيء في صلاته ان يعيد لانه رآه مخلا بوضوئه غير متمم له ومنها بيان الطهارة الكبرى كيفياتها وذكر سببها فكيفيتها ان يطهر العبد جميع ظاهر بدنه بالماء بقوله وان كنتم جنبا فاطهروا. فلم يخصه بعضو او باعضاء معينة. بل جعل الله التطهير لجميع البدن فعلى المتطهر ان يعمم التطهير لجميع ظاهر بدنه وما تحت الشعور خفيفة او كثيفة. وان يكون ذلك غسلا لا مسحا ومنها ان طهارة الحدث الاكبر لا ترتيب فيها ولا موالاة ومنها ان من اسبابها الجنابة والجنابة قد عرفها المسلمون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم انها انزال المني يقظة او مناما وان لم يكن جماع او الجماع وان لم يحصل انزال او وجود الامرين كليهما وقد بين الله ايضا في سورة البقرة سببا اخر للاغتسال وهو الحيض في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن. فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله. فاضاف التطهير فيها الى البدن كله كالجناب ويشمل ذلك النفاس واما التطهير من اسلام الكافر وتطهير الميت فانه يؤخذ من السنة. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم في قراءة الجر في قوله وامسحوا برؤوسكم وارجلكم انها تدل على مسح الخفين الذي بينته السنة وصرحت به واما قراءة النصب في ارجلكم فانها معطوفة على المغسولات ومنها مشروعية التيمم وان سببه احد امرين ما عدم الماء لقوله فلم تجدوا ماء او تضرر باستعماله لقوله وان كنتم مرضى فكل ضرر يعتري العبد اذا استعمل الماء فانه يسوغ له العدول الى التيمم وانواع الضرر كثيرة واما ذكر السفر فلانه مظنة الحاجة الى التيمم بفقد الماء كتقييد الرهن في السفر لا لان السفر وحده مسوغ للتيمم كما ظنه بعض الناس وهو مناف لقوله فلم تجدوا ماء. ومنها ان التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض سواء كان له غبار ام لا اذا كان طيبا غير خبيث والخبيث هو النجس في هذا الموضع ومنها ان التيمم خاص بعضوين بالوجه واليدين. وان اليدين عند الاطلاق وعدم التقييد هما الكفان كما في اية السرقة واذا قيدت كما في اية الوضوء الى المرفقين تقيدت بذلك. ومنها التنبيه على ما يوجب الطهارة الصغرى هو الاتيان من الغائط يعني خروج الخارج من احد السبيلين. وملامسة النساء بشهوة السنة بينت الوضوء من النوم الكثير ولمس الفرج واكل لحوم الابل على اختلاف من اهل العلم في ذلك ومنها ان التيمم كما انه مشروع في الحدث الاصغر فكذلك في الحدث الاكبر. لان الله تعالى ذكره بعد سبب الطهارتين ومنها انه في طهارة التيمم تستوي فيه الطهارة الصغرى بالكبرى في مسح العضوين فقط ومنها ان الاية الكريمة تدل على ان طهارة التيمم تنوب وتقوم مقام طهارة الماء عند عدمه. او التضرر باستعماله لان ان الله انابه منابة وسماه طهارة كذلك الاحاديث الكثيرة تدل على هذا. وبهذا يعرف ان الصحيح ان طهارة التيمم لا تبطل بخروج الوقت ولا دخوله ولا غير ذلك مما قاله كثير من اهل العلم بل انها تبطل باحد امرين اما حصول ناقض من نواقض الطهارة واما وجود الماء او زوال الضرر المانع من استعمال الماء. ومنها ان الماء المتغير طاهراتي ولو تغير كثيرا انه يجب تقديمه على طهارة التيمم. لان قوله فلم تجدوا ماء نكرة في يقي النفي فيعم اي ماء سوى الماء النجس. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم ان من كان في موضع ليس فيه ماء ويشك في وجوده فيما يقاربه ان عليه ان يطلبه ويفتش فيما حوله قبل ان يعدل الى التيمم. لان قوله فلم تجد لا يقال الا بعد طلب ما يمكن طلبه فيه من دون مشقة وهو استدلال لطيف ومنها انه لابد في الطهارة من النية. لقوله في طهارة الماء اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا الى اخر الاية. وفي طهارة تيمم فتيمموا اي اقصدوا صعيدا طيبا. ومن لازم ذلك النية ومنها ان هذه الاحكام التي شرعها الله لعباده انما ذلك رحمة منه بعباده. ليقوموا بالعبادات التي تتوقف سعادتهم وفلاحهم عليها. وانه يريد اتمام نعمته بالاوامر الشرعية التي لا مشقة فيها ولا حرج لينالوا الفضل العظيم من ربهم. فمنه التفضل على عباده بالسبب المسبب ومنها ان طهارة التيمم وان لم يشاهد فيها نظافة حسية فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال العبد لامر الله ورسوله. ومنها القاعدة الكلية في قوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج وان الحرج منفي شرعا في جميع ما شرعه الله لعباده فاصل العبادات في غاية السهولة على المكلفين. ثم اذا عرضت فيها عوارض عجز او مرض او تعذر لبعض شروطها فان شارع يخففها تخفيفا يناسب ذلك العارض ومنها ان هذه الاحكام وغيرها من محاسن الدين الاسلامي لما فيها من المنافع للعباد في قلوبهم وابدانهم واخلاقهم. التقرب بها الى الله توسل بها الى ثوابه العاجل والاجل فجميع الاحكام من اكبر الادلة على حسن دين الاسلام وانه الدين الحق الذي فيه الصلاح والاصلاح. وان سعادة الدنيا والاخرة منوطة به. مترتبة عليه. فتأمل احكام وما فيها من الحكم والاسرار والمنافع ودفع المضار. تجد هذا مشاهدة