المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في صلاة الجمعة والسفر والاذان قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. ذلكم خير لكم ان كنتم انتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة. والمبادرة اليها من حين ينادى لها والمراد بالسعي هنا الاهتمام بها وعدم الاشتغال بغيرها لا المراد به العدو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند المضي الى الصلاة المشي الى الصلاة بسكينة ووقار هو المراد بالسعي هنا وذروا البيع اي اتركوه في هذه الحالة التي امرتم بالمضي فيها الى الصلاة واذا امر بترك البيع الذي ترغب فيه النفوس وتحرص عليه فترك غيره من الشواغل من باب اولى كالصناعات غيرها ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون حقائق الامور وثمراتها وذلك الخير هو امتثال امر الله ورسوله والاشتغال بهذه الفريضة التي هي من اهم الفرائض واكتساب خيرها وثوابها. وما رتب الشارع على السعي لها والمبادرة والتقدم والوسائل والمتممات لها من الخير والثواب ولما في ذلك من اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل. فان من ارذل الخصال الحرص والجشع الذي يحمل العبد على تقديم الكسب الدنيء على الخير الضروري ومن الخير ان من قدم امر الله واثر طاعته على هوى نفسه كان ذلك برهان ايمانه ودليل رغبته وانابته الى ربه. ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ومن دام هواه على طاعة مولاه فقد خسر دينه وتبع ذلك خسارة دنياه وهذا الامر بترك البيع مؤقت الى انقضاء الصلاة فاذا قضيت الصلاة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض بطلب المكاسب المباحة وابتغوا من فضل الله. اينبغي للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا ان اقصد بذلك الاستعانة على قيامه بالواجبات وان يكون مستعينا بالله في ذلك طالبا لفضله جاعلا الرجاء والطمع في فضل الله نصب عينيه فان التعلق بالله والطمع في فضله من الايمان ومن العبادات ولما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله وطاعته امر الله بالاكثار من ذكره فقال واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون اي في حال قيامكم وقعودكم وفي تصرفاتكم واحوالكم كلها. فان ذكر الله طريق الفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرغوب. ومن المناسب في هذا ان يجعل المعاملة الحسنة والاحسان الى الخلق نصب عينيه فان هذا من ذكر الله فكل ما قرب الى الله فانه من ذكره وكل امر يحتسبه العبد فانه من ذكره فاذا نصح في معاملته وترك الغش تقرب في هذه المعاملة الى الله بان الله يحبها ولانها تمنع العبد من المعاملة الضارة. وكلما سامح احدا او حاباه في ثمن او مثمن او تيسير او انذار او نحوه فانه من الاحسان والفضل وهو من ذكر الله. قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم. واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما. اي خرجوا من المسجد حرصا على تلك التجارة واللهو وتركوا ذلك الخير الحاضر حتى انهم تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب وذلك لحاجتهم لتلك العير التي قدمت المدينة قبل ان يعلموا حق العلم ما في ذلك من الذم وسوء الادب فاجتماع الامرين حملاهم على ما ذكر والا فهم رضي الله عنهم كانوا ارغب الناس في الخير واعظمهم حرصا على الاخذ عن الرسول وعلى توقيره وتبجيله وحالهم المعلومة في ذلك اكبر شاهد ولكن لكل جواد كبوة. ثمان الكبوة التي عوتب عليها العبد وتاب منها واناب وغفرها الله وابدل مكانها حسنة لا يحل لاحد اللوم عليها ولمن قدم اللهو والتجارة على الطاعة ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة التي وان حصل منها بعض المقاصد فان ذلك قليل منغص مفوت لخير الاخرة وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق فان الله خير الرازقين فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب ومن قدم الاشتغال بالتجارة على طاعة الله لم يبارك له في ذلك وكان هذا دليلا على خلو قلبه من ابتغاء الفضل من الله وانقطاع قلبه عن ربه وتعلقه بالاسباب. وهذا ضرر محض يعقب الخسران وفي هذه الايات فوائد عديدة منها ان الجمعة فريضة على المؤمنين يجب عليهم السعي لها والاهتمام بشأنها وان الخيرات المترتبة عليها لا يقابلها شيء ومنها مشروعية الخطبتين وانهما فريضتان. وان المشروع ان يكون الخطيب قائما. لان قوله فاسعوا الى ذكر الله يشمل السعي الى الصلاة والى الخطبتين وايضا فان الله ذم من ترك استماع الخطبة ومنها مشروعية النداء يوم الجمعة وغيره. لان التقييد بيوم الجمعة دليل على ان هناك نداء لبقية الصلوات الخمس كما قال تعالى واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ومنها النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة وذلك يدل على التحريم وعدم النفوذ ومنها ان الوسائل لها احكام المقاصد. فان البيع في الاصل مباح ولكن لما كان وسيلة لترك الواجب نهى الله عنه ومنها تحريم الكلام والامام يخطب لانه اذا كان الاشتغال بالبيع ونحوه. ولو كان المشتغل بعيدا عن سماع الخطبة محرما فمن كان حاضرا تعين عليه الا شغل بغير الاستماع كما ايد هذا الاستنباط الاحاديث الكثيرة ومنها ان المشتغل بعبادة الله وطاعته اذا رأى من نفسه الطموح الى ما يلهيها عن هذا الخير من اللذات الدنيوية والحظوظ النفسية شرع ان يذكرها ما عند الله من الخيرات وما لمؤثر الدين على الهوى وما يترتب من الضرر والخسران على ضده. واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان قصوره من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا اي اذا سافرتم في الارض لتجارة او عبادة او غيرهما فقد خفف الله عنكم ورفع عنكم الجناح واباح لكم بل احب لكم ان تقصروا الصلاة الرباعية الى ركعتين ان حصل مع ذلك خوف فلا حرج في قصر كيفية الصلوات كلها وهذا والله اعلم الحكمة في تقييد القصر بالخوف لانه من المعلوم المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز القصر في السفر. ولو كان ليس فيه خوف ولكن اذا اجتمع السفر والخوف كان رخصة في قصر العدد للرباعية والهيئة لغيرها. فان وجد الخوف وحده ترتب عليه قصر الهيئات على الصفة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وان وجد السفر وحده لم يكن فيه الا قصر العدد ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القيد قال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته او يقال هذا القصر المذكور في الاية الكريمة مطلق سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقيده وتبين المراد منه ولا تصلي على احد منهم مات ابدا. ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون اي ولا تصلي على احد مات من المنافقين ولا تقم على قبره بعد الدفن لتدعو له فان الصلاة عليهم والوقوف على قبورهم للدعاء لهم شفاعة لهم وهم لا تنفع فيهم الشفاعة انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون خارجون عن دين الله بالكلية. ومن كان كافرا ومات على ذلك فما تنفعه شفاعة الشافعين بذلك عبرة لغيرهم وزجر ونكال لهم وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق فانه لا يصلى عليه ولا يدعى له بالمغفرة بهذه الاية مشروعية الصلاة على المؤمنين والوقوف على قبورهم خصوصا وقت دفنهم للدعاء لهم وان هذا كان عادته صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين. وقد بينت السنة وجوب تجهيز الميت المسلم بالتغسيل والتكفين والصلاة عليه وحمله ودفنه كما هو معلوم