المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثاني في ذكر الامور التي يستمد منها الايمان وهذا فصل عظيم النفع والحاجة بل الضرورة ماسة الى معرفته والعناية به معرفة واتصافا وذلك ان الايمان هو كمال العبد وبه ترتفع درجاته في الدنيا والاخرة وهو السبب والطريق لكل خير عاجل واجل ولا يحصل ولا يقوى ولا يتم الا بمعرفة ما منه يستمد والى ينبوعه واسبابه وطرقه والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سببا وطريقا يوصل اليه والايمان اعظم المطالب واهمها واعمها وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه كما كان له اسباب تضعفه وتوهيه ومواده التي تجلبه وتقويه امران مجمل ومفصل اما المجمل فهو التدبر لايات الله المتلوة من الكتاب والسنة والتأمل لاياته الكونية على اختلاف انواعها والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد والعمل بالحق فجميع الاسباب مرجعها الى الاصل العظيم واما التفصيل فالايمان يحصل ويقوى بامور كثيرة منها بل اعظمها معرفة اسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها والتعبد لله بها فقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان لله تسعة وتسعين اسما مئة الا واحدة من احصاها دخل الجنة اي من حفظها وفهم معانيها واعتقدها وتعبد لله بها دخل الجنة والجنة لا يدخلها الا المؤمنون اعلم ان ذلك اعظم ينبوع ومادة لحصول الايمان وقوته وثباته ومعرفة الاسماء الحسنى هي اصل الايمان والايمان يرجع اليها ومعرفتها تتضمن انواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الالهية وتوحيد الاسماء والصفات وهذه الانواع هي روح الايمان وروحه واصله وغايته فكلما ازداد العبد معرفة باسماء الله وصفاته ازداد ايمانه وقوي يقينه فينبغي للمؤمن ان يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الاسماء والصفات وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل ومن داء التمثيل الذين ابتلي بهما كثير من اهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة وما روي عن الصحابة والتابعين لهم باحسان فهذه المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في ايمانه وقوة يقينه وطمأنينة في احواله ومنها تدبر القرآن على وجه العموم فان المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه ما يزداد به ايمانه كما قال تعالى واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون وكذلك اذا نظر الى انتظامه واحكامه وانه يصدق بعضه بعضا ويوافق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف تيقن انه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وانه لو كان من عند غير الله لوجد فيه من التناقض والاختلاف امور كثيرة قال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وهذا من اعظم مقويات الايمان ويقويه من وجوه كثيرة فالمؤمن بمجرد ما يتلو ايات الله ويعرف ما ركب عليه من الاخبار الصادقة والاحكام الحسنة يحصل له من امور الايمان خير كبير فكيف اذا احسن تأمله وفهم مقاصده واسراره ولهذا كان المؤمنون الكمل يقولون ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا وكذلك معرفة احاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما تدعو اليه من علوم الايمان واعماله كلها من محصلات الايمان ومقوياته فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ازداد ايمانه ويقينه وقد يصل في علمه وايمانه الى مرتبة اليقين فقد وصف الله الراسخين في العلم الذين حصل لهم العلم التام القوي الذي يدفع الشبهات والريب ويوجب اليقين التام ولهذا كانوا سادة المؤمنين الذين استشهد الله بهم واحتج بهم على غيرهم من المرتابين والجاحدين كما قال تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب فالراسخون زال عنهم الجهل والريب وانواع الشبهات ورد المتشابه من الايات الى المحكم منها وقالوا امنا بالجميع فكلها من عند الله وما ورد منه وما تكلم به وحكم به كله حق وصدق وقال تعالى لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل منك قبلك وقال شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ولعلمهم بالقرآن العلم التام وايمانهم الصحيح استشهد بهم في الدنيا والاخرة كما قال تعالى وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون واخبر تعالى في عدة ايات ان القرآن ايات للمؤمنين وايات للموقنين لانه يحصل لهم بتلاوته وتدبره من العلم واليقين والايمان بحسب ما فتح الله عليهم منه فلا يزالون يزدادون علما وايمانا ويقينا التدبر للقرآن من اعظم الطرق والوسائل الجالبة للايمان والمقوية له قال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب فاستخراج بركة القرآن التي من اهمها حصول الايمان سبيله وطريقه تدبر اياته وتأملها كما ذكر ان تدبره يوقف الجاحد عن جحوده ويمنع المعتدي على الدين من اعتدائه قال تعالى افلم يتدبروا القول اي فلو تدبروه حق تدبره لمنعهم مما هم عليه من الكفر والتكذيب واوجب لهم الايمان واتباع من جاء به وقال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه اي فلو حصل لهم الاحاطة بعلمه لمنعهم من التكذيب واوجب لهم الايمان ومن طرق موجبات الايمان واسبابه معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الاخلاق العالية والاوصاف الكاملة فان من عرفه حق المعرفة لم يرتب في صدقه وصدق ما جاء به من الكتاب والسنة والدين الحق كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون اي فمعرفته صلى الله عليه وسلم توجب للعبد المبادرة الى الايمان ممن يؤمن وزيادة الايمان ممن امن به وقال تعالى حاثا لهم على تدبر احوال الرسول الداعية للايمان قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما لصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد واقسم تعالى بكمال هذا الرسول وعظمة اخلاقه وانه اكمل مخلوق بقوله بسم الله الرحمن الرحيم نون والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون وان لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم فهو صلى الله عليه وسلم اكبر داع للايمان في اوصافه الحميدة وشمائله الجميلة واقواله الصادقة النافعة وافعاله الرشيدة فهو الامام الاعظم والقدوة الاكمل لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقد ذكر الله عن اولي الالباب الذين هم خواص الخلق انهم قالوا ربنا اننا سمعنا مناديا وهو هذا الرسول الكريم ينادي للايمان بقوله وخلقه وعمله ودينه وجميع احواله ان امنوا بربكم فامنا اي ايمانا لا يدخله ريب ولما كان هذا الايمان من اعظم ما يقرب العبد الى الله ومن اعظم الوسائل التي يحبها الله توسلوا بايمانهم ان يكفر عنهم السيئات وينيلهم المطالب العاليات فقالوا ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار ولهذا كان الرجل المنصف الذي ليس له ارادة الا اتباع الحق مجرد ما يراه ويسمع كلامه يتبادر الى الايمان به صلى الله عليه وسلم ولا يرتاب في رسالته بل كثير منهم مجرد ما يرى وجهه الكريم يعرف انه ليس بوجه كذاب وقيل لبعضهم لما بادرت الى الايمان بمحمد قبل ان تعرف رسالته فقال ما امر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به فاستدل هذا العاقل الموفق بحسن شريعته وموافقتها للعقول الصحيحة على رسالته فبادر الى الايمان به ولهذا استدل ملك الروم هرقل لما وصف له ما جاء به الرسول وما كان يأمر به وما ينهى عنه استدل بذلك انه من اعظم الرسل واعترف بذلك اعترافا جليا ولكن منعته الرئاسة وخشية زوال ملكه من اتباعه كما منعت كثيرا ممن اتضح لهم انه رسول الله حقا وهذا من اكبر موانع الايمان في حق امثال هؤلاء واما اهل البصائر والعقول الصحيحة فانهم يرون هذه الموانع والرئاسات والشبهات والشهوات تضمحل ولا يرون لها قيمة حتى يعارض بها الحق الصحيح النافع المثمر للسعادة عاجلا واجلا ولهذا السبب الاعظم كان المعتنون بالقرآن حفظا ومعرفة والمعتنون بالاحاديث الصحيحة اعظم ايمانا ويقينا من غيرهم واحسن عملا في الغالب ومن اسباب الايمان ودواعيه التفكر في الكون في خلق السماوات والارض وما فيهن من المخلوقات المتنوعة والنظر في نفس الانسان وما هو عليه من الصفات فان ذلك داع قوي للايمان لما في هذه الموجودات من عظمة الخلق الدال على قدرة خالقها وعظمته وما فيها من الحسن والانتظام والاحكام الذي يحير الالباب الدال على سعة علم الله وشمول حكمته وما فيها من اصناف المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى الدالة على سعة رحمة الله وجوده وبره وذلك كله يدعو الى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره واللهج بذكره واخلاص الدين له وهذا هو روح الايمان وسره وكذلك النظر الى فقر المخلوقات كلها واضطرارها الى ربها من كل الوجوه وانها لا تستغني عنه طرفة عين خصوصا ما تشاهده في نفسك من ادلة الافتقار وقوة الاضطرار وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع وكثرة الدعاء والتضرع الى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه ويوجب له قوة التوكل على ربه وكمال الثقة بوعده وشدة الطمع في بره واحسانه وبهذا يتحقق الايمان ويقوى التعبد فان الدعاء مخ العبادة وخالصها وكذلك التفكر في كثرة نعم الله والائه العامة والخاصة التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين فان هذا يدعو الى الايمان ولهذا دعا الله الرسول والمؤمنين الى شكره فقال يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون فالايمان يدعو الى الشكر والشكر ينمو به الايمان فكل منهما ملازم وملزوم للاخر ومن اسباب دواعي الايمان الاكثار من ذكر الله كل وقت ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة فان الذكر لله يغرس شجرة الايمان في القلب ويغذيها وينميها وكلما ازداد العبد ذكرا لله قوي ايمانه كما ان الايمان يدعو الى كثرة الذكر فمن احب الله اكثر من ذكره ومحبة الله هي الايمان بل هي روحه ومن الاسباب الجالبة للايمان معرفة محاسن الدين فان الدين الاسلامي كله محاسن عقائده اصح العقائد واصدقها وانفعها واخلاقه احمد الاخلاق واجملها واعماله واحكامه احسن الاحكام واعدلها وبهذا النظر الجليل يزين الله الايمان في قلب العبد ويحببه اليه كما امتن به على خيار خلقه بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم ويكون الايمان في القلب اعظم المحبوبات واجمل الاشياء وبهذا يذوق العبد حلاوة الايمان ويجدها في قلبه فيتجمل الباطن باصول الايمان وحقائقه وتتجمل الجوارح باعمال الايمان وفي الدعاء المأثور اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين ومن اعظم مقويات الايمان الاجتهاد في التحقق في مقام الاحسان في عبادة الله والاحسان الى خلقه فيجتهد ان يعبد الله كأنه يشاهده ويراه فان لم يقوى على هذا استحضر ان الله يشاهده ويراه فيجتهد في اكمال العمل واتقانه ولا يزال العبد يجاهد نفسه ليتحقق بهذا المقام العالي حتى يقوى ايمانه ويقينه ويصل في ذلك الى حق اليقين الذي هو اعلى مراتب اليقين فيذوق حلاوة الطاعات ويجد ثمرة المعاملات وهذا هو الايمان الكامل وكذلك الاحسان الى الخلق بالقول والفعل والمال والجاه وانواع المنافع هو من الايمان ومن دواعي الايمان والجزاء من جنس العمل فكما احسن الى عباد الله واوصل اليهم من بره ما يقدر عليه احسن الله اليه انواعا من الاحسان ومن افضلها ان يقوى ايمانه ورغبته في فعل الخير والتقرب الى ربه واخلاص العمل له وبذلك يتحقق العبد بالنصح لله ولعباده فان الدين النصيحة ومن وفق للاحسان في عبادة ربه والاحسان في معاملة الخلق فقد تحقق نصحه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه متفق عليه ومنها قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم قد افلح المؤمنون الى قوله اولئك هم الوارثون الايات فهذه الصفات الثماني كل واحدة منها تثمر الايمان وتنميه كما انها من صفات الايمان وداخلة في تفسيره كما تقدم فحضور القلب في الصلاة وكون المصلي يجاهد نفسه على استحضار ما يقوله ويفعله من القراءة والذكر والدعاء فيها ومن القيام والقعود والركوع والسجود من اسباب زيادة الايمان ونموه وتقدم ان الله سمى الصلاة ايمانا بقوله وما كان الله ليضيع ايمانكم وقوله واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر فهي اكبر ناه عن كل فحشاء ومنكر ينافي الايمان كما انها تحتوي على ذكر الله الذي يغذي الايمان وينميه لقوله ولذكر الله اكبر والزكاة كذلك تنمي الايمان وتزيده وهي فرضها ونفلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان اي على ايمان صاحبها فهي دليل الايمان وتغذيه وتنميه والاعراض عن اللغو الذي هو كل كلام لا خير فيه وكل فعل لا خير فيه بل يقولون الخير ويفعلونه ويتركون الشر قولا وفعلا لا شك انه من الايمان ويزداد به الايمان ويثمر الايمان ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم اذا وجدوا غفلة او تشعث ايمانهم يقول بعضهم لبعض اجلس بنا نؤمن ساعة فيذكرون الله ويذكرون نعمه الدينية والدنيوية فيتجدد بذلك ايمانهم وكذلك العفة عن الفواحش خصوصا فاحشة الزنا لا ريب ان هذا من اكبر علامات الايمان ومنمياته فالمؤمن لخوفه مقامه بين يدي ربه ونهى النفس عن الهوى اجابة لداعي الايمان وتغذية لما معه من الايمان ورعاية الامانات والعهود وحفظها من علائم الايمان وفي الحديث لا ايمان لمن لا امانة له واذا اردت ان تعرف ايمان العبد ودينه فانظر حاله هل يرعى الامانات كلها مالية او قولية او امانات الحقوق وهل يرعى الحقوق والعهود والعقود التي بينه وبين الله والتي بينه وبين العباد فان كان كذلك فهو صاحب دين وايمان وان لم يكن كذلك نقص من دينه وايمانه بمقدار ما انتقص من ذلك وختمها بالمحافظة على الصلوات على حدودها وحقوقها واوقاتها لان المحافظة على ذلك بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الايمان فيسقيه وينميه ويؤتي اكله كل حين وشجرة الايمان كما تقدم محتاجة الى تعاهدها كل وقت بالسقي وهو المحافظة على اعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات والى ازالة ما يضرها من الصخور والنوابت الغريبة الضارة وهو العفة عن المحرمات قولا وفعلا فمتى تمت هذه الامور حي هذا البستان وزها واخرج الثمار المتنوعة ومن دواعي الايمان واسبابه الدعوة الى الله والى دينه والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والدعوة الى اصل الدين والدعوة الى التزام شرائعه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذلك يكمل العبد بنفسه ويكمل غيره كما اقسم تعالى بالعصر ان جنس الانسان لفي خسر الا من اتصف بصفات اربع الايمان والعمل الصالح الذين بهما تكميل النفس والتواصي بالحق الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والدين الحق وبالصبر على ذلك كله وبهما يكمل غيره وذلك ان نفس الدعوة الى الله والنصيحة لعباده من اكبر مقويات الايمان وصاحب الدعوة لابد ان يسعى بنصر هذه الدعوة ويقيم الادلة والبراهين على تحقيقها ويأتي الامور من ابوابها ويتوسل الى الامور من طرقها وهذه الامور من طرق الايمان وابوابه وايضا فان الجزاء من جنس العمل فكما سعى الى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم بالحق وصبر على ذلك لابد ان يجازيه الله من جنس عمله ويؤيده بنور منه وروح بقوة ايمانه وقوة التوكل فان الايمان وقوة التوكل على الله يحصل به النصر على الاعداء من شياطين الانس وشياطين الجن كما قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون وايضا فانه متصد لنصر الحق ومن تصدى لشيء فلا بد ان يفتح عليه فيه من الفتوحات العلمية والايمانية بمقدار صدقه واخلاصه ومن اهم مواد الايمان ومقوياته توطين النفس على مقاومات جميع ما ينافي الايمان من شعب الكفر والنفاق والفسوق والعصيان فانه كما انه لابد في الايمان من فعل جميع الاسباب المقوية المنمية له فلابد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق وهي الاقلاع عن المعاصي والتوبة مما يقع منها وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الايمان المضعفة له والشهوات المضعفة لارادات الايمان فان الارادات التي اصلها الرغبة في الخير ومحبته والسعي فيه لا تتم الا بترك ايرادات ما ينافيها من رغبة النفس في الشر ومقاومة النفس الامارة بالسوء فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات وفتن الشهوات تم ايمانه وقوي يقينه وصار مثل بستان ايمانه كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ومتى كان الامر بالعكس بان استولت عليه النفس الامارة بالسوء ووقع في فتن الشبهات او الشهوات او كليهما انطبق عليه هذا المثل وهو قوله تعالى ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فاصابها اعصار فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في امرين احدهما تحقيق اصول الايمان وفروعه والتحقق بها علما وعملا وحالا والثاني السعي في دفع ما ينافيها وينقضها او ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة ويداوي ما قصر فيه من الاول وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح وتدارك الامر قبل فواته قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا تذكروا فاذا هم مبصرون اي مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه والنقص الذي اصابهم من طائف الشيطان الذي هو اعدى الاعداء للانسان فاذا ابصروا تداركوا هذا الخلل بسده وهذا الفتق برطقه فعادوا الى حالهم الكاملة وعاد عدوهم حسيرا ذليلا واخوان الشياطين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون الشياطين لا تقصر عن اغوائهم وايقاعهم في اشراك الهلاك والمستجيبون لهم لا يقصرون عن طاعة اعدائهم والاستجابة لدعوتهم حتى يقعوا في الهلاك ويحق عليهم الخسارة اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين بفضلك ومنتك انك انت العليم الحكيم