المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحكيم اي الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين عباده فالحكمة هي سعة العلم والاطلاع على مبادئ الامور وعواقبها وعلى سعة الحمد حيث يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها ولا يتوجه اليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال فله الحكمة في خلقه وامره اما الحكمة في خلقه فانه خلق الخلق بالحق ومشتملا على الحق وكان غايته ونهايته الحق خلقها باحسن نظام ورتبها باكمل اتقان واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل اعطى كل جزء من اجزاء المخلوقات وكل عضو من اعضاء الحيوانات خلقته وهيئته اللائقة به بحيث لا يرى الخلق في خلق الرحمن تفاوتا ولا فطورا ولا خللا ولا نقصا بل لو اجتمعت عقول الخلق ليقترحوا مثلا واحسن من هذه الموجودات لم يقدروا وهذا امر معلوم قطعا من العلم بصفاته فاذا كان من المعلوم لكل منصف مؤمن ان الله له الكمال الذي لا يحيط به العباد وانه ما من كمال تفرضه الاذهان ويقدره المقدرون الا والله اعظم من ذلك واجل وكانت افعاله ومخلوقاته وجميع ما اوصله الى الخلق اكمل الامور واحسنها وانظمها واتقنها صنع الله الذي اتقن كل شيء فالفعل يتبع في كماله وحسنه فاعله والتدبير منسوب الى مدبره والله تعالى كما لا يشبهه احد في صفاته بالعظمة والحسن والجمال فكذلك لا يشبهه احد في افعاله وقد تحدى عباده في مواضع كثيرة من كتابه هل يجدون او يشاهدون في مخلوقاته نقصا وخللا ومن ادعى شيئا من ذلك بسفاهة عقله وعظم جرائته فقد نادى على عقله بين العقلاء بالحمق والجنون واما الحكمة في شرعه وامره فانه تعالى شرع الشرائع وانزل الكتب وارسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه فاي حكمة اجل من هذا واي فضل وكرم اعظم من هذا فان معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له واخلاص العمل له وحمده وذكره وشكره والثناء عليه افضل العطايا منه لعباده على الاطلاق واجل المناقب لمن يمن الله عليه بها واكمل السعادة والفلاح والسرور للقلوب والارواح كما انها هي السبب الوحيد للوصول الى السعادة الابدية والفلاح السرمدي فلو لم يكن في امره وشرعه الا هذه الحكمة التي هي اصل الخيرات واكمل اللذات واكبر الوسائل والمقاصد ولاجلها خلقت الخليقة ولاجلها حق الجزاء ولاجلها خلقت الجنة والنار ولاجلها جرت على الخليقة احكام الملك الجبار الشرعية والجزائية لكانت كافية شافية هذا وقد اشتمل شرعه على كل خير فاخباره تملأ القلوب علما وعقائد صحيحة وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ويحصل لها من المعارف افضل الغنائم والمكاسب واوامره كلها منافع ومصالح وتثمر الاخلاق الجميلة والمناقب الثمينة والاعمال الصالحة والهدي الكامل والاجر العظيم والثواب الجسيم ونواهيه كلها موافقة للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة لانها لا تنهى الا عن ما يضر الناس في عقولهم واخلاقهم واعراضهم وابدانهم واموالهم وبالجملة المصالح الخالصة او الراجحة تأمر بها والمفاسد الخالصة او الراجحة تنهى عنها فهو الحكيم في خلقه وامره وكذلك احكام الجزاء على الاعمال في غاية المناسبة والموافقة للحكمة جملة وتفصيلا والله اعلم