المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السابع. وفي قوله تعالى ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي دليل على ان هذا وصف النفس من حيث هي وانها لا تخرج عن هذا الوصف الا برحمة من الله وعناية منه. لان ظالمة جاهلة والظلم والجهل لا يأتي منهما الا كل شر. فان رحم الله العبد ومن عليه بالعلم النافع وسلوك طريق العدل في اخلاقه واعماله خرجت نفسه من هذا الوصف. وصارت مطمئنة الى طاعة الله وذكره. ولم تأمر صاحبها الا بالخير. ويكون مآلها الى فضل الله وثوابه. قال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة انه ارجعي الى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. فعلى العبد ان يسعى في اصلاح نفسه واخراجها من هذا الوصف المذموم. وهو انها امارة بالسوء. وذلك بالاجتهاد وتخلقها باحسن الاخلاق ذاق وسؤال الله على الدوام وان يكثر من الدعاء المأثور. اللهم اهدني لاحسن الاعمال والاخلاق. لا يهدي لا الا انت واصرف عني سيء الاعمال والاخلاق. لا يصرف عني سيئها الا انت وفي تضاعيف القصة فضيلة العلم من وجوه كثيرة. وبيان انه سبب الرفعة في الدنيا والاخرة. وسبب صلاح الدين والدنيا فيوسف صلى الله عليه وسلم لم ينل ما نال الا بالعلم. ولهذا قال له ابوه وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث وامتن عليه وقت مكثه عند عزيز مصر. بالتجربة والعلم. وحاز مقام الاحسان بالعلم. وخرج من السجن في حال العز قامت بالعلم وتمكن عند ملك مصر واستخلاصه لنفسه حين كلمه وعرف ما عنده من العلم ودبر احوال الخلق من المماليك المصرية باصلاح دنياهم وحسن تدبيره في حفظ خزائن الارض وتصريفها وتوزيعها بالعلم وعند نهاية امره توسل الى ربه ان يتولاه في الدنيا بالعلم حيث قال ربي قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين ففضائل العلم وثمراته الجليلة العاجلة والاجلة لا تعد ولا تحصى وفيها ان شفاء الامراض كما تكون بالادوية الحسية تكون باسباب ربانية بل يحصل بهذا النوع من انواع الشفا ما لا يحصل بغيره. فيعقوب عليه السلام قد ابيضت عيناه من الحزن وذهب بصره فجعل الله شفاءه وابصاره بقميص يوسف حين القاه على وجهه فارتد بصيرا لما كان فيه من رائحة يوسف الذي كان داء عينيه من حزنه عليه فصار شفاؤه الوحيد مع لطف الله في قميص جسده ومن قال ان القميص من الجنة فليس عنده بذلك دليل. والله قادر على ان يشفيه من دون سبب. ولكنه حكيم جعل الامور تجري باسباب ونظامات قد تهتدي العقول الى معرفتها وقد لا تهتدي. ونظير ذلك ايوب صلى الله عليه وسلم وصل به المرض والضر الى حالة تعذر منها الشفاء واعيت الاطباء. فحيث اراد الله شفاءه امره ان يركض برجله الارض فانبع له عينا باردة وامره ان يشرب منها ويغتسل. فاذهب الله ما في باطنه وظاهره من هذا الضرر وعاد كاحسن ما وعاد كاحسن ما انت راء. قال تعالى ارقم برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فهو تعالى يشفي العباد بادوية فهو تعالى يشفي العباد بادوية واسباب حسية وباسباب ربانية معنوية. قال سبحانه وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. كما انه تعالى يوجد الاشياء اسباب حسية معلومة وباسباب ربانية لا تهتدي العقول اليها. كما في معجزات الانبياء وكرامات الاولياء واياته النفسية والكونية وهو المحمود على هذا وعلى هذا. ومنها جواز سؤال الخلق خصوصا الملوك عند الضرورة لقول اخوة يوسف يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فاوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين. فانهم سألوا المحاباة في المعاملة والصدقة بدون عوض. وانما قلت خصوصا الملوك لانهم لا يسألون من اموالهم الخاصة. وانما يسألون من بيت المال الذي هو للمصالح العمومية. واهم المصالح دفع وضرورة المضطرين. ومن فوائد القصة ان الجهل كما يطلق على عدم العلم فانه يطلق على عدم الحلم وعلى ارتكاب الذنب لقوله تعالى والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين ما قوله؟ هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه اذ انتم جاهلون؟ ليس المعنى في ذلك عدم العلم. وانما هو وعدم العلم به واقتحام الذنوب. ومنه قول موسى صلى الله عليه وسلم اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب. وكل من عصى الله فهو جاهل باعتبار عدم العمل بالعلم. لان العلم الحقيقي ما زال به الجهل واوجب العمل. ومنها قوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم. ولمن جاء به حمل بعير وانابيب به زعيم استدل به على ثلاثة ابواب من ابواب العلم. باب الجعالة وباب الضمان وباب الكفالة. لان قوله ولمن جاء به حمل بعير من نوع الجعالة وهو ان يجعل شيئا معلوما او مقاربا للمعلوم كحمل البعير لانه متعارف لمن يعمل له عملا معلوما وعملا مجهولا. وهي جائزة لما فيها من مصلحة الجاعل والعامل قوله وانا به زعيم اي ضامن وكفيل. وهي من عقود التوثيقة بالحقوق التي يتم بها توسيع المعاملات واصلاحها. ومنها ان العمل بالشريعة فيه اصلاح الارض والبلاد واستقامة الامور. والعمل بالمعاصي من سرقة وغيرها في فيه فساد. ذلك لقولهم تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين. وكم في القرآن من التصريح ان العمل بالمعاصي ومخالفة الرسل فساد للارض. ومتابعة الرسل هو الصلاح المطلق الدين والدنيا ومنها الدلالة على الاصل الكبير الذي اعاده الله وابداه في كتابه. ان لكل نفس ما كسبت من الخير والثواب وعليها ما اكتسبت من الشر والعقاب. وانه لا تزر وازرة وزر اخرى. لقوله معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون. ومنها الحث على فعل الاسباب الجالبة خيرات والحافظة من الكريهات وفي القصة مواضع تدل على هذا الاصل الكبير وتمام ذلك ان يقوم بالاسباب مستعينا بالله واثقا به. وقد عمل يعقوب عليه السلام الاسباب التي يقدر عليها. وقد عمل يعقوب عليه السلام الاسباب التي يقدر عليها في استحفاظ اولاده ليوسف ثم لاخيه حين ارسله معهم وقال مع فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين. وكذلك على العبد اذا همته المصائب وحلت به النكبات عليه ان يصبر ويستعين بالله على ذلك. قال يعقوب صلى الله عليه وسلم حين عمل اخوة يوسف ما عملوا بيوسف وحلت به المصيبة الكبرى والله المستعان على ما تصفون. وذلك ان الصبر على الطاعات والصبر عن المحرمات والصبر على المصيبات. لا يتم وينجح صاحبه الا بالاستعانة بالله. والا يتكل العبد وعلى نفسه قال يوسف والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن. واكن من الجاهلين