المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل التاسع اذا قيل كيف خفي موضع يوسف على يعقوب وما بينه الا مسافة قليلة مع طول المدة وقوة الداعي بح وعلمه انه على الوجود وحرصه الشديد على لقياه. فالجواب ليس ذلك بغريب على قدرة الله. فان الاسباب وان قويت جدا لا خروج لها عن قضاء الله وقدره. فان الله تعالى اراد الا يحصل الاجتماع الا في الوقت الذي اجله والحالة التي ارادها لما له في ذلك من الحكم العظيمة. ومتى اراد الله شيئا في وقت مخصوص قدر من الاسباب الحسية او المعنوية ما يمنع حصوله قبل ميقاته كما يقدر من الاسباب ما يحصل به ما اراد. فالاسباب بيد العزيز الحكيم ليس هذا باغرب من قضية بني اسرائيل في التيه وهم امة عظيمة. والتيه مسافة قصيرة وهم بين اظهري قرى ادن كثيرة والمدة اربعون سنة لم يهتدوا طريقا الى مقصدهم. ولم يتيسر لهم من يرشدهم الى قصدهم وكذلك اصحاب الكهف مكثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين. هم في غار قريب من مدينة عظيمة لم يصل اليهم احد في هذه المدة الطويلة لامر يريده الله. فهذه الامور وما اشبهها دليل على كمال قدرة الله وحكمته. مع ان يوسف صلى الله عليه وسلم بقي مدة الله اعلم بها وهو في بيت العزيز. ثم مدة وهو في السجن ثم ترقى الى فتدبير الملك ولم يخطر ببال احد ان ينتقل من الرق والسجن الى الملك العظيم. ثم انه وقت توليته يغلب على ظن انه اشتهر عند الناس باسم المنصب والوزير للملك ولا يكاد احد يعرف اسمه كما هو الغالب على الملوك واشباههم. ولهذا تردد اخوته عليه فعرفهم وهم لا يعرفون لما هو فيه من بهجة الولاية. وايضا قد فارقوه وهو صغير. ولم يروه الا بعدما كبر. ومعلوم ان اوصافه الانسان تتغير اذا وصل الى سن الكهولة والله اعلم هذا من جهة يعقوب واولاده. اما من جهة يوسف فانه قد علم وقصد التأخير ليبلغ الكتاب اجله. ولهذا تردد عليه اخوته وقد عرفهم ولم يعرفهم بنفسه ولم يستدعي ابويه واهله الا في نهاية الامر